عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-2009, 02:49 PM   #7
عاشق ترابها
متداول نشيط
 
تاريخ التسجيل: Oct 2005
المشاركات: 895

 
افتراضي

من المسؤول عن مماطلة المستأجرين في سداد الإيجارات؟
د. خالد بن سعد بن سعيد (*)



من خلال هذه المقالة المتواضعة، فإنني آثرت الكتابة في موضوع حيوي ومهم.. يتحسس هذا الموضوع هموم المواطن والمقيم والمجتمع بأكمله.. ألا وهو موضوع (الحقوق المدنية). من المعروف أن بنود الحقوق المدنية متشعبة، ويمكن تأليف مجلدات بخصوصها، ولكن في هذه المقالة سنركز على (مماطلة المستأجرين في سداد الإيجارات)؛ فهذه ظاهرة منتشرة في المملكة ووصل انتشار مرضها إلى درجة الوباء المزمن في المجتمع، ويجب عليّ أن أوضح أنني أكتب هذه السطور ليس من منطلق أنني أكاديمي في الجامعة، ولكن بصفتي مواطنا مستثمرا في العقارات وممارسا لهذه الأعمال بشكل يومي.
من المعروف أنه من الناحية الشرعية، أكد علماء الدين أن التأخر في دفع الأجرة دون رضا المؤجر أمر محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع). ومن الناحية النظامية، صدر قرار لمجلس الوزراء رقم (19) بتاريخ 14-1- 1394هـ بشأن تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، مما يضمن حقوق الطرفين، كما نصت المادة رقم (4) فقرة (1) من القرار نفسه بجواز إخلاء العقار من المستأجر في حالة امتناعه عن الوفاء بالأجرة عند استحقاقها بعد مضي 15 يوميا على إخطاره بالوفاء، وذلك باعتماد عدد من الإجراءات، أولها: عندما يتقدم صاحب العقار بشكوى مطالبا بإخلاء عقاره لانتهاء مدة العقد، فيحضر المستأجر ويلزم بموجب العقد، فإن امتنع يوقف حالا حتى ينفذ ما نصت عليه بنود العقد. ثانياً: إذا تلكأ وماطل المستأجر عن الحضور وظهر عدم تجاوبه فيُحضر بالقوة الجبرية وتستخدم جميع الوسائل لإحضاره، بما في ذلك فصل الخدمات من كهرباء ومياه عن محل إقامته.
ولقد استبشر ملاك العقارات خيراً عندما نشرت بعض الصحف المحلية أن هناك تعاميم تؤكد توقيف من يمتنع عن السداد وفصل الكهرباء والماء، حيث بينت تلك الصحف أن بعضا من أصحاب السمو الملكي الأمراء - حفظهم الله - أصدروا تعاميم عاجلة إلى المحافظين ومديري المراكز والشرطة بتلك المناطق مؤكدين فيها على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لحفظ حقوق ملاك العقارات من مماطلة المستأجرين الذين لا يدفعون ما عليهم من مستحقات.
ومن يقرأ نص تلك التعاميم يجد أن حكومتنا الرشيدة حريصة كل الحرص على حقوق المواطن والمقيم على حدٍ سواء، ولكن المشكلة تكمن في الإدارات التنفيذية في تلك الجهات الحكومية؛ إذ إنها لا تقوم بتفعيل تلك التعاميم وتطبق ما يطلب منها بشكل يحفظ حقوق ملاك العقارات. وبالرغم من صدور قرار من مجلس الوزراء يؤكد ضرورة إلزام المستأجرين بدفع ما عليهم من مستحقات لملاك العقارات، وبالرغم من تلك التعاميم الصادرة من أصحاب السمو الملكي أمراء المناطق بتوجيه مراكز الشرطة والجهات المعنية بضرورة ملاحقة من يماطل بحقوق الناس، إلا أن الوضع لم يتغير ولم يحرك ساكن، بل إن القضية أصبحت أكثر تعقيداً؛ لأن المماطل وجد ثغرات كبيرة في النظام واستغلها لصالحه في إطار عدم دفع مستحقات ملاك العقارات.
في الحقيقة، تحتاج الحقوق المدنية في المملكة إلى إعادة هيكلة جذرية، وإدارة الحقوق في أقسام الشرطة لا تقوم بأي جهد يذكر لحفظ حقوق ملاك العقارات، ووجودها بشكلها الحالي مضيعة لأموال الدولة ووقت وجهد المستثمر وماله، بل إن وجود تلك الإدارات بشكلها الحالي من الأمور التي تسهم في تقديم خدمة متميزة للمماطلين بسبب الثغرات الواضحة في النظام، كما أن وجود تلك الإدارات أصبح وسيلة لتقديم الإهانات والذل لأصحاب وملاك العقارات؛ إذ انه يجب عليه أن يحضر ثلاث مرات لقسم الحقوق بعد اعطاء مواعيد متفرقة ومتباعدة لحضور الخصم (المماطل)!!، وبعد حضور ذلك (المماطل) وبكل بساطة وسخرية يطلب الشرع، وبعدها تحول المعاملة - إذا لم تفقد بين أروقة مكاتب الحقوق!! - إلى المحكمة.
إنني أطالب أي مواطن بأن يذهب إلى أي إدارة حقوق في أي من أقسام الشرطة بالرياض وينظر كيف أن الأرشيف في تلك الأجهزة الحكومية بدائي جدا ولا يواكب العصر الحديث، ولا يستخدم الحاسب الآلي بتلك الإدارات، بل انها تسهم في ضياع حقوق الناس؛ لأن حفظ الملفات بطريقة غير منظمة يغلب عليها التنظيم الفوضوي!!.
المهم أنه بعد تحويل المعاملة إلى المحكمة، فإنها تأخذ الدورة نفسها في المحكمة؛ إذ يُطلب المدعى عليه ثلاث مرات، والأخيرة عن طريق الشرطة!!، ويحكم القاضي ضد المدعى عليه بأنه لم يسدد الايجارات ويصدر صك طويل وعريض.. وتقول للقاضي يا فضيلة الشيخ ماذا أعمل بهذا الصك؟ يقول لك فضيلته اذهب به إلى الشرطة حيث إن مهمتنا انتهت بعد صدور الحكم.
وبعد ذلك تقوم إدارة الحقوق بارسال ثلاث مرات للماطل، وتطول المسألة وتطول وتطول...!!. المهم أن هذه الإجراءات الروتينية المملة في أكثر من سبع زيارات للشرطة والمحكمة، تضيع حقوق المواطن والمستثمر، بل وتزيد الزحام على أروقة المحاكم في أمور ممكن حلها من خلال أقسام الشرطة.
إن الوضع بشكل عام يحتاج إلى إعادة نظر.
وحين تسأل مدير الحقوق وتقول له: لماذا لا تطبق قرار مجلس الوزراء وتعميم الإمارة؟ يكون رده بكل برود: لا أستطيع إيقاف المماطل في الإيجار أو قطع الماء والكهرباء عنه إلا بإذن من الإمارة!!!.
إذن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو دورك كمدير للحقوق في قسم الشرطة؟.. في الواقع إنه دور هامشي وغير مفعل، ويقتصر الدور في عملية (الصلح).. يا لها من كلمة رنانة!!، ولكن الصلح ليس بالقوة وليس بأخذ المال دون وجه حق. إن دور إدارة الحقوق بوضعها الحالي لا يخدم المواطن وصاحب الحق بل إنه مضيعة للوقت وهدر لأموال بيت المال وأموال أصحاب العقارات. وفوق هذا كله، فإنك كصاحب عقار ليس من حقك أن تقوم بإيقاف الكهرباء والماء، بل اذا قمت بذلك، فإنها تعتبر من أكبر الجرائم الجنائية في الحقوق المدنية!!.
وإن ذلك يعكس الحقيقة المُرّة والمؤلمة، التي مفادها أن الحقوق المدنية ذات العلاقة بملاك العقارات غير محمية وغير مصانة من قبل نظام إدارة الحقوق في أقسام الشرطة، وأن نظام الحقوق الحالي يخدم (دون قصد) المماطلين ويعطيهم الحق في انتهاك حقوق الآخرين دون وجه حق شرعي، وينطبق عليهم القول: من أمن العقوبة أساء الأدب؛ لذا تعد تلك الإجراءات الطويلة ثغرة نظامية تساعد المماطلين في التهرب من الدفع والتأجيل لأقصى حد حتى يتنازل صاحب الحق عن حقه بسبب عدم وجود الوقت الكافي والتكلفة العالية في المال والوقت والجهد لتحصيل الإيجارات.
إنه من الضروري أن يكون هناك تنظيم تحدد فيه التعليمات والعقوبات على المماطلين في تسديد ما عليهم من إيجارات، وتكون هذه العقوبات نافذة وغير قابلة للتأجيل او انتحال الذرائع والمسببات للمماطلة، طالما أن العقد واضح، والمعروف أن العقد شريطة المتعاقدين. نحن نريد حلولا جذرية ودائمة لذلك المرض المستعصي، وليست حلولا مؤقتة او علاجا مهدئا للمرض نفسه؛ لأن استفحال المرض سيؤدي إلى تأثير سلبي على الحركة العمرانية، ولن يشجع المواطن على الاستثمار في هذا المجال الحيوي، بل سيسهم في فقدان الثقة في المعاملات التجارية.
ونحن نعرف أنه من خلال استخدام التقنية الحديثة (الحاسوب) فإن الدولة تحفظ لنفسها الحقوق الواجبة على المواطن والمقيم، على سبيل المثال: المخالفات عند التأخر في تجديد الإقامة، أو رخصة القيادة، أو المخالفات المرورية، ولا تستطيع كمواطن او مقيم أن تقوم بعمل أي من تلك الإجراءات إلا بعد سداد المبالغ المطلوبة منك. ومن المعروف أن افراد المجتمع يؤيدون تلك الإجراءات ويعتبرونها مهمة، ولكن لماذا لا تطبق الإجراءات نفسها على المماطلين في دفع الإيجارات او من يقوم بإصدار شيكات دون رصيد؟.. نحن نطالب بوجود ربط آلي مع أجهزة وزارة الداخلية والجهات الحكومية ذات العلاقة لمراقبة المماطلين والحد من التلاعب في حقوق الناس.
كما نطالب بتوحيد عقود الايجارات والتنسيق بين أجهزة الدولة من جوازات ومرور والغرف التجارية بوضع المماطلين في الإيجارات على القائمة السوداء وإيقاف معاملاتهم في مكاتب العمل والاستقدام والسفر للخارج وعدم مصادقة أي ورقة رسمية من قبل الغرف التجارية، وكذلك نطالب باعطاء ملاك العقار الحق في إيقاف تيار الكهرباء والماء عن المستأجر بالتنسيق مع شركة الكهرباء ومصلحة المياه في حالة عدم السداد.
وقبل أكثر من ستة أشهر، أعلن معالي وزير العدل أنه سيصدر عقد إيجار موحد بحيث لا يحتاج إلى قاض في المحكمة للبت في أي خلاف ينشأ عنه، وبذلك يمكن لموظف يطلق عليه (قاضي تنفيذ) في الحقوق المدنية أن يحسم الموضوع دون مرافعة، ويجبر المستأجر على دفع الإيجار للمالك دون أي مماطلة وتسويف في سداد الإيجارات. إن مثل هذه الإجراءات تسهم في تقليل العبء على المحاكم وتؤدي إلى سرعة الإجراءات في حالة إعطاء قاضي التنفيذ الصلاحية في منع المماطلين من السفر وقطع جميع الخدمات عنهم من ماء وكهرباء؛ ما يجبر المستأجر على دفع حقوق غيره. وقبل ذلك الاعلان لمعالي الوزير؛ إذ أعلن معاليه أيضا منذ فترة طويلة أن هناك دراسة لتأسيس محاكم عقارية متخصصة ذات إجراءات سريعة لحفظ حقوق الناس، ولكن للأسف لم تر هذه الأفكار النور حتى وقتنا الحاضر. فهذا نداء أوجهه لمعالي وزير العدل - حفظه الله - أن يعجل في حل هذه المعضلة ويسهم في حفظ حقوق الناس من خلال تفعيل قرار مجلس الوزراء، ووضع حد لاستمرار هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا المتدين..والله من وراء القصد.


(*)أستاذ الإدارة - جامعة الملك سعود (العلوم الإدارية)
عاشق ترابها غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس