عرض مشاركة واحدة
قديم 28-04-2012, 06:08 AM   #17
شرواك
فريق المتابعة اليومية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2004
المشاركات: 20,000

 
افتراضي

البطالة .. والهدر الاقتصادي

سيظل الجدل بشأن البطالة وأعدادها ونسبتها الإجمالية بين الإناث والذكور ومعدلها، يثور في كل مرة يتم فيها الحديث عن السعودة أو عن تطوير القوى العاملة أو عن برامج التنمية ومشاريعها.

وغالبا ما ينصب السجال على المطالبة بتشغيلها وخلق فرص عمل جديدة لها، سواء من خلال الإحلال أو من خلال مشاريع ومرافق ومجالات عمل في القطاعين العام والخاص.. وحتما يستهدف التشغيل بالدرجة الأولى توفير مورد اقتصادي لهذا العاطل أو تلك العاطلة، يدبر به أموره المعيشية وشؤونه الأخرى.. وهذا أمر مفهوم وحق معلوم وطبيعي من باب صيانة المجتمع من السلبيات، التي تنجم عن تنامي البطالة أو الفقر.. الشأنان اللذان يسعى جميع الشعوب إلى التصدي لهما لجعلهما في أدنى نسبة ممكنة.

غير أن البطالة، التي قد تكون طريقا للفقر لها وجهها الآخر كمؤشر على فاقد اجتماعي، وبالتالي فاقد اقتصادي، فكلما تزايد عدد العاطلين فذاك يعني بالضرورة خسارة في قوة الدفع الاجتماعية، أي خسارة فيما كان في الإمكان أن تضيفه دخول عاطلين إلى سوق العمل من زيادة في حراك النشاط التجاري أو الاقتصادي بشكل عام.. إذ إنه مع أن الداخل لسوق العمل يستقطع لنفسه جزءا من فائض قيمة عمله كمرتب أو أجر، إلا أنه في الوقت نفسه يترك للمجتمع أو للوطن ككل بقية القيمة المضافة لقوة عمله مهما كانت هذه القيمة في المقدار والوزن.. فعطالته ستعني عطالة تأثيرها في نمو الاقتصاد الوطني، الذي هو حاصل الجهد البشري في علاقته مع العمل والموارد.

لكن هذه البطالة، التي يتم الإلحاح على تشغيلها من قبل القطاعين الحكومي والخاص يترك بعضها خلفه إمكانات للعمل وتدبير الرزق لا تتطلب سوى نزع حالة الاتكال والتواكل على الغير لتدبير الفرصة له.. فالفرص ثرية في عديد من الأعمال بين ما لا يتطلب مهارة سوى الرغبة في العمل وما بين مهارات بسيطة يمكن اكتسابها، وإلى جانبها بالطبع ما يستدعي بذل جهد للتأهيل.

نحن هنا نتحدث عن الحاجة إلى استنهاض الهمم للتخلص من انتظار أن يقوم الآخرون بنجدة البطالة بدلا من أن يسعى العاطل إلى نجدة نفسه.. وهذا حتما يتطلب إعادة الاعتبار للعيب من التبطل وانتظار مساعدة الآخرين، حتى لو كان (الآخرون) ممثلة في الدولة كقطاع عام أو في منشآت القطاع الخاص، بالعزف على جعل البطالة عيبا لمن يرضاها لنفسه بحجة أنه لن يعمل إلا موظفا، فذلك سيكون بمنزلة مواجهة العاطل بنفسه ورمي الكرة في مرماه ما دام أصبح السائد الآن هو لوم الدولة والآخرين على عدم فتح مجال الرزق أمامه، بينما الفرص متاحة بثراء في طول البلاد وعرضها، فإذا كان أجدادنا وآباؤنا في أزمنة الشح والعسر استطاعوا إيجاد أعمال لأنفسهم واستنكفوا واستعابوا التبطل والعطالة بأنفة وكبرياء واعتبروها أشبه بالعار أو العيب المريع، وكدحوا في الرمضاء والزمهرير بأجر قد لا يتجاوز قوت البطن أو هللات أو دراهم قليلة أو احتالوا على أنفسهم بحرفة أو مهنة أو اغتربوا.. إذا كانوا قد فعلوا ذلك في أزمنة شحيحة العمل، زهيدة الموارد، قاسية الظروف ومع ذلك تدبروا أمور أنفسهم بأنفسهم.. فهل يعقل ونحن في فيض من زخم التنوع في مجال العمل وفي وطن تنميته شملت قراه مثل مدنه، بواديه مثل حواضره، وجاءت جيوش العمالة الوافدة إليه لهذا السبب، هل يعقل أن يكون مقبولا التسليم مع العاطل بأنه ما من فرصة عمل؟

إنه من المؤكد أن ثراء من الفرص وما لا يعد ولا يحصى من أنواعه منبث في كل قطاع ومجال مثلما هو منبث في القرى والمدن.. وأن هذا الثراء من الفرص هو في الواقع ثروة اقتصادية مضيعة بسبب ثقافة الاتكال والتواكل من قبل العاطل على غيره وتوريط الآخرين به بدلا من أن يكون مشمئزا من أن ينظر إليه على هذا النحو ولا يحس بتأنيب الضمير لكونه يستهلك الوقت على حساب أهله أو إعانة الدولة، بينما ملك يمينه وطن يستصرخ فيه كرامته كي يغادر هذا الاسترخاء اللامبالي والنزول إلى الميدان، حيث منجم الذهب يحتل أرجاء البلاد ينتظر يدا تمتد لتحمل المعول، وقدما تخطو نحوه وعقلا يعي حقيقة ذلك.. وهو حديث ليس من قبل الشعر والبلاغة لكن جيوش الوافدين أكبر دلالة عليه من ناحية حيث كثيرون منهم لا يملون من القول إن بلدكم ذهب لمن يذهب إليه، يرددون ذلك بعبارات مختلفة ويحتالون أيضا على اقتناص ما تمكنوا من نيله منه بالالتفاف على الأنظمة والقوانين.. فكيف إذا كانت كل القوانين وكل مشاعر الوطن لصالح ومع من لا يرضى بالبطالة من أبنائه؟! ألا يعني ذلك أن مضاعا على الوطن بسبب العاطل نفسه ومضاعا على نفسه، أي أن هدرا اقتصاديا مبددا في البطالة نفسها، طالما أنها بطالة تترك هذا الاقتصاد يذهب هدرا بعدم جذبه بالعمل.. أي عمل كان.. فإنه لا سفاهة في المهن إنما السفاهة في الأشخاص حين يصر المرء على أن هذا العمل أو ذاك مما لا يليق به.. وكأن البطالة ليست هي الشيء الشنيع، الذي لا يليق على الإطلاق بكرامة الإنسان؟! وإذا كان استهلاك الكهرباء والماء بدون رشد هو هدر اقتصادي، فالبطالة هدر لاقتصاد الوطن حين يغيب الرشد عن الهرولة إلى العمل!!
شرواك غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس