عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-2008, 05:22 AM   #21
يد النجر
فريق المتابعة اليومية - عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 15,043

 
افتراضي

تركمانستان الجديدة .. موارد الطاقة بين احتكار روسيا وآمال الغرب



موسكو - هلال الحارثي:
منذ تقليد "قربان قولي بيرد محمدوف" خلفاً للراحل "صابر مراد نيازوف" الرئيس التركماني السابق، واختياره الانفتاح على العالم الخارجي كسبيل لتحقيق تنمية اقتصادية لبلاده، خاصة الاستثمار في قطاعي النفط والغاز، منهجاً لسياسة خارجية جديدة أعطت الأمل، خاصة للغرب، في إمكانية تحقيق اختراق حقيقي لأبرز الدول المطلة على بحر قزوين الغني بموارد الطاقة، وكاسراً بذلك حاجز اقتصار الاستثمارات في هذين القطاعين على روسيا وعلى خلاف ما كان إبان عهد نيازوف.
لهذا اتجهت الأنظار إلى تركمانستان، ابرز دول وسط آسيا الإسلامية والغنية بموارد الطاقة، خاصة تلك المعنية بتأمين مصادر طاقة آمنة بعيداً عن الخلافات السياسية، مثل الصين والاتحاد الأوربي وإيران، أو تلك المهتمة بتأكيد تواجدها في تركمانستان، سعياً لاحتكار القدر الأكبر لسنوات طويلة بهدف تفعيل دورها في الاقتصاد العالمي، وقد يكون ورقة ضغط يمكن من خلالها تحقيق أهداف سياسية.

وحيث تُشير الإحصائيات إلى أن تركمانستان تملك "100" تريليون متر مكعب احتياطي من الغاز الطبيعي مما جعلها تدخل ضمن أكبر خمس عشرة دولة عالمية لهذه القطاع، كما يبلغ احتياطي النفط لديها 600مليون برميل.

خطوط أنابيب الغاز التي تعتمد على تركمانستان:

حالياً يعمل في تركمانستان خطان لنقل الغاز التركماني خارج البلاد، الأول يعمل مع روسيا منذ عهد الاتحاد السوفيتي، وقد تم مؤخراً الاتفاق على أن ينقل 50بليون متر مكعب سنويا من الغاز التركماني، كما تخطط روسيا للوصول إلى 90بليون متر مكعب حتى عام

2028.الثاني ويعمل مع إيران منذ تسعينيات القرن الماضي ناقلاً 8بلايين متر مكعب سنوياً من الغاز التركماني لإيران، وقد تم توقيف العمل بهذا الأنبوب مؤخراً، ووفق تصريحات وزير صناعة النفط والغاز التركماني أن السبب يعود لضرورة إتمام الإصلاحات الفنية اللازمة للأنبوب، غير أن خبراء الاقتصاد يرون في ذلك محاولة من الإدارة التركمانية لرفع سعر الغاز بصورة متساوية لِما تم الاتفاق عليه مع روسيا مؤخراً.

وخلال ديسمبر 2007قامت كل من روسيا وكازاخستان وتركمانستان بالتوقيع على اتفاق إنشاء خط قزوين لنقل الغاز والذي يعتمد في جزء كبير منه على الغاز التركماني، والمتوقع أن يبدأ العمل خلال عام 2010ناقلاً 20بليون متر مكعب من الغاز سنوياً ويسري بمحاذاة بحر قزوين، ويهدف إلى سد احتياجات السوق الأوربية من الغاز وفق التزامات العملاق الروسي للغاز "جاز بروم". ويُعد خط "أنبوب قزوين" أحد خطوط أنابيب الغاز الروسي تهديداً قوياً لمدى فعالية خط قزوين المدعوم من الغرب (الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة) والذي يصل إلى أذربيجان عابراً أعماق بحر قزوين إلى أوربا وبعيداً عن روسيا، معتمداً على غاز وسط آسيا خاصة تركمانستان. ولعل الأزمة التي حدثت خلال عام 2006بين روسيا وأوكرانيا والتي أدت إلى قطع إمدادات الغاز عن الأخيرة بصورة كان لها تأثير سلبي على إمدادات الغاز لأوربا، هي الدافع الرئيسي لإنشاء هذا الخط وخطوط أخرى مماثلة، حتى لا تقع أوربا تحت وطأة الأزمات السياسية لروسيا مع دول المنطقة.

أضف إلى ذلك خط أنبوب الغاز الذي يمد الصين بالغاز التركماني والمتوقع الانتهاء منه خلال عام 2009ناقلاً 30بليون متر مكعب سنوياً من الغاز التركماني، كما أن هذا الأنبوب يقف الآن حجر عثرة أمام توصل روسيا والصين إلى اتفاق مماثل بمد الصين بالغاز الروسي من خلال "أنبوب الشرق الروسي"، ولعل جوهر الخلاف يكمن في مقارنة الصين بين سعر الغاز التركماني ( 80دولاراً لكل ألف متر مكعب من الغاز) وسعر الغاز الروسي ( 130دولاراً لكل ألف متر مكعب من الغاز).

هذا إلى جانب ما طُرح خلال مؤتمر الطاقة الذي عُقد في جورجيا في يوليو 2007حول إنشاء أنبوب الغاز"السيل الأبيض" بمبادرة من جورجيا -أوكرانيا - الاتحاد الأوربي، والذي كشفت عنه تصريحات رئيسة وزراء أوكرانيا "يوليا توماشينكو" فور عودتها من زيارة قامت بها للاتحاد الأوربي نهاية يناير 2008، والذي يعتمد في مرحلته الثانية بشكل أساسي على غاز تركمانستان.

كما أنه لا يمكننا تجاهل أنبوب نقل الغاز التركماني إلى باكستان مروراً بأفغانستان وهو ما يُعرف ب"ترانس أفغان" والذي يبلغ طوله ألف ميل ناقلاً ما يقرب 1.1بليون متر مكعب من الغاز التركماني، ولكن نظراً لأجواء المواجهات العسكرية والتوتر السياسي في المنطقة فإن خط أنبوب الغاز هذا يبقى حلماً يمكن تحقيقه لاحقاً.

ويأتي مشروع أنبوب "ناباكو" لنقل الغاز لأوربا، وهوأولى خطوات أوربا تجاه ابتعادها عن الاعتماد على روسيا في مجال الغاز، معتمداً في خططه على غاز وسط آسيا وعلى الغاز التركماني في المقام الأول من خلال أنبوب قزوين الذي يبقى جزءاً رئيسياً من نجاح مشروع أنبوب "ناباكو" حيث يعتمد في جزئه الآخر ومن خلال تركيا على غاز الشرق الأوسط الذي يشهد توترات سياسية مختلفة.

تركمانستان بين روسيا والغرب:

يمثل الغاز التركماني بالنسبة لروسيا عاملاً مهماً يساعد روسيا على المضي قُدماً نحو تحقيق أهدافها من خلال نجاح إستراتيجية الطاقة التي تتبعها مؤخراً، ويظهر هذا من خلال الاتفاقات طويلة الأمد التي بين الجانبين، وحتى لا تترك مجالاً للغرب بالانتفاع بمصادر الطاقة في تركمانستان وبعيداً عن روسيا.

وإدراكاً من الجانبين بجوهرية الدور الذي يلعبه الغاز التركماني عالمياً، وحتى يتمكن من تنفيذ التزاماته الدولية والمحلية، وافق العملاق الروسي للغاز "جاز بروم"، على الأسعار الجديدة التي طالبت بها تركمانستان حيث وصل السعر إلى 130دولارا لكل ألف متر مكعب خلال النصف الأول من عام 2008وأن يكون 150دولارا خلال النصف الثاني من نفس العام، هذا على الرغم من أن الاتفاقات السابقة بين الجانبين تدعو لزيادة الأسعار من 65إلى 100دولار لكل ألف متر مكعب حتى عام

2009.وبالنسبة للغرب فهناك رغبة جامحة في الحصول على مصادر الطاقة من تركمانستان وبعيداً عن روسيا، وقد كان للإشارات الإيجابية للرئيس التركماني في إطار الرغبة في تنمية قطاع صناعة النفط والغاز واتباع سياسة الباب المفتوح للاستثمارات الأجنبية أن أبقت على أمل الشركات الأوربية والأمريكية في كسر حاجز الاحتكار الروسي لمصادر الطاقة في تركمانستان خاصة الغاز، فقد دعا الرئيس التركماني الاتحاد الأوربي خلال زيارته لمقر الاتحاد الأوربي مؤخراً إلى الاستثمار في مصادر الطاقة، خاصة في ثروات بحر قزوين وإنشاء خطوط أنابيب نقل النفط والغاز، ولعل موافقة تركمانستان على إنشاء البيت الأوربي في العاصمة "عشق أباد" خطوة تجاه هذه السياسة المفتوحة التي تتبعها تركمانستان.

ولكن هذه الآمال الأوربية تواجه صعوبات عديدة تتمثل في أن كافة خطوط نقل مصادر الطاقة اللازمة من تركمانستان تبقى مجرد مشروعات مازالت طي الدراسة والتحليل، هذا إلى جانب أن الاتفاقات الروسية مع تركمانستان والمعززة بكازاخستان والسعي الحثيث إلى أوزبكستان يجعل لروسيا اليد العليا للسيطرة على موارد الطاقة في المنطقة وخطوط نقلها لسنوات قادمة خاصة في ظل التحركات الروسية الأخيرة.

يبقى لنا أن نقول، إن سياسة الباب المفتوح التي يتبعها الرئيس التركماني الجديد، والذي بلغت مدة حكمه أربعة عشر شهراً، تأتي في إطار خطة هدفها الأول هو رفع مستوى معيشة مواطنيه وتنمية موارد البلاد الطبيعية بالتعاون مع الدول الأخرى، خاصة في قطاع الطاقة بما يحقق مصالحها، ولعل إصرار الإدارة التركمانية على ضرورة سرعة العمل على تنفيذ أنبوب الغاز المتجه إلى الصين و"أنبوب قزوين" الذي تم الاتفاق عليه مؤخراً مع روسيا وكازاخستان، إلى جانب ما أبداه من استعداد للتعاون في "أنبوب قزوين" المدعوم من أوربا والذي يُعد جزءاً من أنبوب "ناباكو"، أبلغ دليل على الدور الجوهري لتركمانستان في قطاع الطاقة، وأن هذا القطاع الإستراتيجي في البلاد لا يقتصر على طرف دون الآخر.
يد النجر غير متواجد حالياً