عرض مشاركة واحدة
قديم 28-07-2009, 05:09 AM   #24
يد النجر
فريق المتابعة اليومية - عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 15,043

 
افتراضي

رؤى عقارية
سوء مصنعية
عثمان سليمان العيسى*

(عبدالله) .. موظف حكومي.. كثيراً ما كنت أحادثه عن بيت عمره الذي يريد بناءه على تلك الأرض التي جاءت بشق الأنفس.. ولا تزال منذ (8) سنوات.. كان يحادثني ضاحكاً بأن الأمر يتطلب تضحية منه وزوجته.. بحيث يكيّفوا جهازهم الهضمي (10) سنين على وجبة الزبادي فقط.. ليفي بالتزامات كهذه.. كنت أعرف أن حديثاً كهذا لايلامس جرحاً مع رجل نزيه مثله.. يعمل في جهاز حساس.. يراقب فيه ذمم الموظفين المالية.. ومحفظته المالية بيضاء.. تماماً كذمته..

من حسن طالعه .. أن نزلت أسعار البناء .. ليقوم مجتهداً .. بشراء كل ما يحتاجه وفق مواصفات جيدة .. الرجل يريد أن يرتاح من إجهاد أكله سنين .. لكني .. حينما زرته برفقة زميلنا المهندس .. كنت أعتقد شاكاً بأن .. الأكل ناحية ( عبدالله ) .. قد أتى من ناحية أخرى .. فكميات الحديد ليست ضمن حدها الطبيعي في الخرسانة .. وقس الأمر على ما سواه من مواد البناء .. مشكلة ( عبدالله ) .. أن العزة بالأثم .. كثيراً ما تتابع عليه لأي نصيحة تسدى إليه .. وهو ما أحس به بعدما استقر ببيته .. (6) أشهر فقط.. كانت أكثر من كافية ليستمع ضيفه جلياً.. لصوت الجدران.. تعزف سيمفونية سوء المصنعية..

المقاولة كما عرّفها مجمع الفقه الإسلامي: عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً مقابل بدل يتعهد به الطرف الآخر .. وهو عقد جائز سواء قدم المقاول العمل والمادة وهو المسمى عند الفقهاء بالاستصناع .. أو قدّم المقاول العمل وهو المسمى عند الفقهاء بالإجارة على العمل.

هذا التعريف من المجمع للعقد يأتي ليضع ضوابط للعقود التمويلية التي تتعامل بها شركات المقاولات والتي كثيراًَ ما يداخلها الغش خصوصاً في العقود الفردية .. والتي يملك أحد طرفيها المعرفة والخبرة والدهاء القانوني .. في حين لا يملك الآخر سوى المال والرغبة الجازمة في بناء .. عسى أن يطابق عقده طبيعته.

ويتنوع الغش الذي يداخل عقود المقاولات بين خلط الجيد بالسيئ أو إضافة مادة مغايرة لطبيعة المادة الأصلية للبناء.. أو من نفس طبيعته ولكن أقل جودة بقصد الإيهام بأن المادة المخلوطة خالصة لا شائبة فيها أو بقصد إخفاء البضاعة وإظهارها في صورة أجود مما هي عليه في الحقيقة.

يأتي هذا الغش .. في سوق الإنشائي والمقاولات .. كنتيجة لغياب تشريعات مكافحة الغش التجاري والتي تجمع بين قسوة العقوبة وسرعة الردع .. الوضع الحالي والذي يعاني من سوئه الكثير يحتاج لعدد من الخطوات التصحيحة منها:

• تفعيل نظام مكافحة الغش التجاري الصادر في عام 1426 ه من خلال إيجاد القنوات التي تكفل سرعة تسجيل البلاغ والتفاعل معه .. خصوصاً وأن النظام أعطى لمأموري وزارة التجارة صفة الضبط الجنائي من هذا المنطلق.

• إضفاء الصبغة الجنائية لهذه المخالفات والتعامل معها من شقين: الشق المدني في جانب التعويض والشق الجنائي في جانب عمدية المخالفة.

• تضمين العقود بين الطرفين إلزاماً مكتباً هندسياً للإشراف على جودة العمل كطرف ثالث مراقب.

• استحداث هيئة مجتمع مدني خاصة بشركات المقاولات والإنشاءات بحيث تلزم المنشآت المنضوية تحت كيانها بإيداع كفالة واجبة النفاذ يقتطع منها مع كل حكم يصدر لصالح المتضرر سواء كان حكماً قضائياً أو قراراً تحكيمياً وتلزم الشركة بإعادة تغذية حساب الكفالة من جديد ويحق لها إلغاء ترخيص المنشأة ومصادرة التأمين النهائي في الحالات الآتية:

أ- الغش أو التلاعب.

ب- تقديم الرشوة.

ج- إفلاس أو إعسار المنشأة.

وهذا كله خاضع بالطبع للطعن أمام ديوان المظالم.

*الباحث في أنظمة العقار
يد النجر غير متواجد حالياً