عرض مشاركة واحدة
قديم 25-02-2008, 05:01 AM   #27
bhkhalaf
الفريق الصحفي لتداول - عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 34,586

 
افتراضي

الشركات العائلية السعودية 2-3)

د. عبد الوهاب بن سعيد القحطاني

أو نتابع اليوم ما سبق أن تحدثت عنه في الأسبوع الماضي لتوضيح ما تعاني الشركات العائلية السعودية من عدم توافر الرؤية الواضحة بالنسبة للخلافة القيادية ،لأن الجيل المؤسس لا يرغب في تقبل الواقع من أنه سوف يغادر هذه الحياة في أية لحظة. الجيل الثاني لا يستطيع طرح مثل هذه القضايا لأسباب حساسة قد تكون أسرية واجتماعية، حيث يعتبرها البعض دعوة نحو بداية النهاية للجيل المؤسس بالرغم من أنها أمور طبيعية من الناحية الدينية. فلقد أوصانا ديننا الإسلامي بكتابة الوصية في أمور كثيرة، وهذه من أهمها بلا شك. يجب أن لا يشترط السن في التعاقب الإداري للشركات العائلية السعودية لكون الخبرة والتعليم أهم بكثير في معظم الحالات التي تتطلب هذين المؤهلين الهامين، لكن الكثير من الشركات العائلية السعودية تنظر برؤية الاحترام للشخص الكبير في السن، لذلك ترى أنه من المناسب أن يتقلد القيادة بعد رحيل المؤسس. لا أعتقد أن هناك مشكلة في هذه الرؤية، إذا كان الشخص الكبير في العمر ملائماً للقيادة والمنصب الجديد، لكنني أحذر من عكس ذلك، فقد تتدهور الشركة في وقت وجيز إذا لم تكن القيادة ذات رؤية إستراتيجية تجمع شمل الورثة وتساهم في صلابتهم وتكاتفهم.

الحقيقة أن معظم الشركات العائلية السعودية تقليدية في تخطيطها التنموي بسبب الجمود الفكري الذي لا يشجع على التجديد والإبداع. فالقيادات من الجيل المؤسس عادة تسلك نمطاً معيناً في التخطيط الذي يتصف بقصر المدى، وهذا ينعكس على عدم تضمن هذه الشركات أية خطة عن كيفية التعاقب القيادي والاستمرارية. أحياناً يشعر الجيل المؤسس ببعض التقصير الديني مما يدفعه إلى إعادة النظر في بعض استثماراته بالشكل الذي يرضي ضميره، كما يعتقد ،لكن ذلك لا يتفق مع الرؤية الإستراتيجية للورثة الذين يخافون من أي قرار يضيع عليهم الإرث أو يشتت كينونة الشركة. ما حدث لإحدى المؤسسات العائلية السعودية المصرفية يعتبر دليلاً على هذا السلوك ،حيث قام الورثة بحجب الثقة في رؤية والدهم الذي حاول إبراء ذمته بالتصرف ببعض المال المشكوك فيه شرعاً. لقد تدخلت الهيئات الحكومية المعنية بوضع الضوابط لحماية هذه المؤسسة المالية وغيرها من التدهور الذي سوف ينعكس على الأداء الاقتصادي للمملكة. الحقيقة أن تدهور بعض الشركات العائلية يؤثر بشكل مباشر في الاقتصاد الوطني لتداخل المصالح مع أفراد ومؤسسات أخرى، لهذا السبب تتدخل الهيئات الحكومية المعنية في حل الخلافات التي قد تساهم في سقوط بعض الشركات العائلية وغيرها. فتدهور الشركات وسقوطها يعني تسريح الموظفين مما يضيف ويضاعف المشاكل الاقتصادية في أية دولة.

إن التحكم القيادي في مصير الشركات العائلية السعودية من أهم الأمور التي تواجهها بعد وفاة مؤسسيها وفي بعض الأحيان عندما تصبح نشاطاتهم وخبراتهم متدنية لأسباب صحية أو تقدم في العمر. أقصد بذلك أن العمر والحالة الصحية لقيادات هذه الشركات تنعكس على قراراتهم الإدارية فالأجدر بهذه القيادات تأهيل من تراهم مناسبينً للأخذ بزمام الأمور حتى لا تترك الشركات مسرحاً للصراعات. إن قرب ومساهمة كل وريث من المؤسس الأول يضع تساؤلات كثيرة حول من يستحق تولي القيادة.

المشكلة الأكثر تعقيداً والتي تعاني منها الشركات العائلية السعودية تكمن في الخلط بين الإدارة والملكية لهذه الشركات، حيث نلاحظ في معظم الأحيان التدخل الواضح في إدارتها من قبل المالكين بالرغم من السلطة المفوضة لمجلس الإدارة التي قد يكون من الموظفين الذين لا يملكون فيها حصصاً (ملكية). الإدارة المفوضة تحاول جاهدة تسيير الأمور بالشكل المنطقي الذي تراه مناسباً لكن تدخل الجيل المؤسس أو الجيل الثاني في الإدارة بطريقة عشوائية وغير قانونية يضر بمصداقية الإدارة ويزعزع استقرارها وأمنها الوظيفي الذي يعتبر عنصراً هاماً في نموها على المدى القصير والطويل. أحياناً يكون الصراع بين المالكين سواء كان المؤسس الأول أو من سيرثه بعد رحيله غير مباشر عن طريق التدخل في شئون الإدارة المفوضة ،حيث يصل في بعض الحالات إلى فصل أعضاء الهيئة الإدارية الحالية وتوظيف أعضاء جدد أو مضايقتهم لأنهم قد يميلون لطرف ضد الآخر. فالمزاجية في اختيار أعضاء الهيئة الإدارية جاء في معظم الأحيان لإبراز العضلات وإثارة الشقاق. وسنتابع الموضوع في الأسوبع القادم إن شاء الله.

يزداد التدخل في ترتيب الإدارة بالطريقة التي يرغبها طرف دون الآخر بعد رحيل الجيل المؤسس خصوصاً عندما يترك فجوة في كيفية التعاقب القيادي. فالوصية لا تتضمن من سوف يكون مديراً للشركة مما يجعل الأمر يترجم من عدة أطراف بالطريقة التي تنسجم مع أهداف كل طرف وليس الهدف العام للشركة. الابن الأصغر لأحد الورثة يعتقد أن له الحق في إدارة شئون الشركة لأنه كان ملازماً لوالده طوال سنوات التأسيس بينما يعتقد الابن الأكبر بحكم سنه أنه الأحق بذلك. يزداد الانشقاق بين الأخوين خصوصاً عندما يكونان من أمّين ،حيث تحاول كل منهما دعم ابنها في الحصول على خاصية إدارة الشركة. البنات المتزوجات يحاولن الحصول على نصيبهن من الميراث بضغوط من أزواجهن مما يجعل القضية تتشعب ويزيد من احتمال سرطان الشركة والموت البطيء. وسأكمل هذا الموضوع بالحديث عن دور تعدد الزوجات في أداء الشركات العائلية، ناهيك عن تأثير العولمة ودور الهيئات الحكومية في ضبط الشركات العائلية، وذلك في الأسبوع القادم إن شاء الله.
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
bhkhalaf غير متواجد حالياً