عرض مشاركة واحدة
قديم 12-02-2011, 06:56 AM   #11
يد النجر
فريق المتابعة اليومية - عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 15,043

 
افتراضي

رؤية
التضخم عائد.. فماذا نحن فاعلون؟!
عبدالحميد العمري*

استهدفتْ (ساما) في صلب سياستها النقدية بانتهاجها ربط الريال مع الدولار الأمريكي تحقيق الاستقرار له، ومن ثم المحافظة على استقرار الاقتصاد الوطني، التجربة الطويلة السابقة لجدوى هذه السياسة تؤكد أن هذا الهدف قد تحقق له النجاح حيناً من الدهر ليس بالقصير، يمكن تحديده من منتصف الثمانينيات الميلادية حتى نهاية التسعينيات، هذا مع تجاوزنا لبعض الفترات الزمنية القصيرة الأجل التي تعرّض خلالها الريال السعودي لعددٍ من المضاربات الشرسة في أسواق الصرف العالمية، خاصةً في النصف الأول من التسعينيات الميلادية، هذا عدا امتصاصه للعديد من التبعات السلبية جرّاء سياسة الارتباط تلك، وتحديداً فيما يتعلق بعدم قدرة (ساما) على اتخاذها لأي سياسات نقدية معاكسة للدورة الاقتصادية من خلال تغيير أسعار الفائدة المحلية، قد يكون من أكثرها فداحةً وغرماً انخفاض معدلاتها خلال الفترة 2003-2004 التي أفضتْ إلى ارتفاع حجم الائتمان المحلي، قادتْ في تلك الفترة إلى تشكّل فقاعاتٍ سعرية هائلة في السوق المالية المحلية الضحلة، ولم تستطع (ساما) آنذاك إلا تتبع خُطى الاحتياطي الفيدرالي الذي بدوره كان يحاول إخراج اقتصاده من ركوده الذي غطى سماء الولايات المتحدة الأمريكية، حدث كل ذلك الدورة الاقتصادية الصاعدة حينها في دول المنطقة، تمثلتْ مؤشراتها في النمو الكبير والقياسي في معدلاتها الحقيقية، وتحسّن ميزانياتها المالية والخارجية على حدٍّ سواء.

السؤال الآن؛ هل هذا الهدف طويل الأجل ما زال يتمتع بصلابته وجاذبيته التي أكّدتها حقبة من الزمن انتهى عهدها الذهبي مع مطلع 2006م؟! إذ توضّح الخمس سنواتٍ الأخيرة أن ارتفاعاً في مستويات التضخم أو انخفاضاً في القوة الشرائية للريال خلال الفترة 2006-2010م؛ واجهها الاقتصاد الوطني تحت ضغوطٍ اقتصادية ومالية متعددة ومتقلبة بين مصادر داخلية وأخرى خارجية، تزامنت في تطوراتها مع الفترة ذاتها التي شهدتْ انحداراتٍ قاسية في السوق المالية المحلية لم تخرج منها حتى الساعة، والمشهد الآن يُبين لنا أن معدل التضخم التراكمي للفترة أعلاه قد وصل إلى سدة رقمٍ كبير لا يُستهان به تجاوز 29.5 في المئة، جاء مدفوعاً بالدرجة الأولى من ارتفاع مستويات أسعار بند الترميم والإيجار والوقود، الذي وصلت النسبة التراكمية لارتفاعه إلى أكثر من 60.3 في المئة، تلاه بند السلع والخدمات الأخرى بنسبة 40.6 في المئة، فبند الأطعمة والمشروبات بنسبة 39.3 في المئة، ويُشار في الوقت الراهن إلى أن بندي السلع والأطعمة هما النافذتان الأكثر ترشيحاً لتفاقم مستويات التضخم في المرحلة القادمة، حيث تُشير الإحصاءات الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن وتيرة الارتفاع في الأسعار (التضخم) في الاقتصاد السعودي، ستواصل وتيرة ارتفاعها خلال الخمس سنواتٍ القادمة (2011-2015) على نحوٍ متسارع قد تصل في تراكمها إلى نحو 24.0 في المئة، وعليه فإن جمع التضخم التراكمي للفترة الماضية مع التضخم المقدّر من صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد الوطني سيكون بنهاية الفترة 2006-2015 قد تخلله مستويات من التضخم بالغة التعقيد لن تقل عن ما نسبته 61 في المئة! وما يزيد من صعوبة مواجهة تلك الارتفاعات المستمرة المتوقعة، أن أغلب مصادرها سيكون من خارج الاقتصاد، بمعنى أن أدوات السياسة النقدية المحلية (بوضعها الراهن) قد تقف عاجزة تماماً عن التصدّي أو حتى التخفيف من صدمات تلك الارتفاعات في مستويات الأسعار.

أخيراً من أهم ما يجب الإشارة إليه؛ أن تتنبه (ساما) إلى أن التضخم الآتي مستقبلاً ليس بفعل متغيراتٍ داخلية، بقدرِ ما أنه متأثرٌ بالدرجة الأولى بارتفاع الأسعار في الأسواق الخارجية، وخاصة تلك الدول التي نستورد منها السلع الغذائية والزراعية والمنتجات الاستهلاكية الضعيفة المرونة، ذلك أن الفجوة التضخمية (الفرق بين نمو السيولة المحلية والنمو الحقيقي للاقتصاد) قريبةٌ جداً في قيمتها في الوقت الراهن من الصفر! بما يؤكد لنا أن التضخم الراهن آتٍ في أغلبه من الخارج، جزءٌ منه بسبب ارتفاع تكلفة المحاصيل الزراعية بسبب شحها، وجزءٌ بسبب انخفاض القوة الشرائية للريال السعودي نتيجة ارتباطه بالدولار الأمريكي، وتأتي أهمية معرفة مصدر التضخم في هذا الظرف، لمعرفة الوسائل المضادة له والمتاح الاعتماد عليها، ولكي لا تلقى تهمته على زيادة الإنفاق الحكومي فقط كما يعتقد بعض الاقتصاديين أو بعض الجهات المعنية، فهذا تفسيرٌ غير دقيق ويُجانب الصواب، خاصةً وأن أغلب مستلمي تلك الأموال المدفوعة من الحكومة يقومون فوراً بتحويلها إلى خارج الاقتصاد!

وفي مثل حالته أعلاه؛ أعتقد أن من أهم وأكثر الحلول اللازمة العمل على زيادة الأجور الحقيقية للعاملين والموظفين، وهو حلٌ مطلوب لا يجب خشيته فكما هو واضح أعلاه أن التضخم ليس ذا مصادر داخلية بسبب وجود فوائض في السيولة المحلية، لكي يتحفظ أحد ما أن قراراً مثل هذا قد يدخلنا في متوالية من ارتفاع الأسعار (التضخم)، فهذا أمرٌ مستبعد لاختلاف الحالة.


* عضو جمعية الاقتصاد السعودية
يد النجر غير متواجد حالياً