المقال
الربط الكهربائي.. حصاد آخر للفقيد القصيبي
سليمان بن عبدالله الرويشد
تشاء الصدف، والمملكة تعيش أجواء الحزن والحداد، على فقدان واحد من رجالاتها المخلصين وأبنائها البررة الذين تفانوا في خدمتها، على مدى أربعة عقود، معالي الدكتور غازي القصيبي الذي هو أحد الرموز التي وضعت ركائز التنمية التي تعيشها المملكة في الوقت الحاضر، ومن أسس نواة التطوير الشامل لقطاع الكهرباء في هذه البلاد، أن يتم الإعلان عن اكتمال ربط معظم شبكات الكهرباء في المملكة بشبكة واحدة، بعد استكمال الشركة السعودية للكهرباء بناء خطوط نقل الكهرباء بين غالبية المناطق، وبالتالي تفادي أي انقطاع شامل للخدمة في أي من هذه المناطق، حيث أصبح بالإمكان نقل الكهرباء وقت الحاجة، عند وجود نقص في قدرات التوليد بأي منطقة، وهذا ما لمسناه بوجه عام خلال هذا الصيف، بالرغم من الظروف المناخية شديدة الحرارة، وبلوغ معدلات الاستهلاك ذروتها.
لقد مر تطور صناعة الكهرباء في المملكة، وفق ما رصده المختصون، بأربع مراحل، نلمس بوضوح دور الفقيد رحمه الله في الإسهام بفعالية خلال أهم تلك المراحل، حيث كانت المرحلة هي دخول الكهرباء للمملكة في بداياتها الأولى وبصورة محدودة ومتواضعة عام 1327ه في المدينة المنورة مرورا بمكة المكرمة وبعض المدن الرئيسية، حتى عام 1371ه بداية المرحلة الثانية التي صدرت أثناءها موافقة الملك عبدالعزيز على إنشاء شركة القوى الكهربائية لمقاطعة الظهران لخدمة قطاع النفط آنذاك، ثم بدء تقديم الخدمة الكهربائية في بقية المناطق من خلال شركات صغيرة أو بواسطة مجموعات أهلية تجارية، أو جمعيات تعاونية، وكانت خدمات ذات كفاءة متدنية يتذكر من عاصرها درجة التذبذب في قدراتها، والانقطاعات المتتالية في تزويد المستفيدين باحتياجاتهم منها، وجاءت بعد ذلك المرحلة الثالثة والمفصلية بانشاء وزارة الصناعة الكهرباء في عام 1395ه التي عين الفقيد القصيبي وزيراً لها كما هو معروف، وكان من أهداف تلك الوزارة في قطاع الكهرباء هو تأمين وتنظيم الخدمات في هذا المجال، فكان أن أنشئت بموجب ذلك المؤسسة العامة للكهرباء في العام التالي 1396ه لهذا الغرض، حيث كان من ضمن أهدافها إنشاء شبكة كهربائية موحدة مستقرة ذات أداء عال ومنتظم يغطي جميع أنحاء المملكة، وتنفيذ المشاريع الكهربائية ذات الاستثمارات الضخمة التي أحجمت عنها الشركات الأهلية بسبب مردودها الضئيل ثم أتت المرحلة الرابعة بإنشاء الشركات الموحدة للكهرباء في عام 1401ه لتفضي في نهاية المطاف بقيام الشركة السعودية الموحدة للكهرباء.
لقد تسنى لقطاع الكهرباء أن يحقق خلال تلك المراحل الأربع قفزات كبيرة وبالذات خلال المرحلتين الأخيرتين التي عاصرهما وأشرف عليهما الفقيد رحمه الله تمثلت في الوصول لمستويات عالية في متانة وقدرة الأنظمة الكهربائية في المملكة، وذلك وفق رأي طرف محايد هي التقارير التي أعدها البنك الدولي عن كفاءة قطاع الكهرباء لدينا، التي تضمنت الإشادة والتنويه بمستوى هذه الأنظمة مقارنة بالأداء العالمي، فالخدمات الكهربائية حالياً تصل لما يزيد على ستة آلاف مدينة وقرية وهجرة في مختلف مناطق المملكة، جعلت عدد المستفيدين ينمو من نحو ثلاثة آلاف مشترك في خطة التنمية الأولى، إلى ما يربو حالياً على الخمسة ملايين مستفيد في الوقت الحاضر.
رحم الله الفقيد القصيبي وأسكنه فسيح جناته، فقد أبت الظروف في مناخ الوجد على فقدان إطلالته يسهم في بناء مرحلة تلو أخرى لتنمية هذا الوطن، إلا أن تبث أجواء السعادة والفرح بفيض آخر مما نجنيه وستجنيه الأجيال القادمة من ثمار جهوده وعطاءاته.
|