عرض مشاركة واحدة
قديم 26-03-2008, 04:20 AM   #14
bhkhalaf
الفريق الصحفي لتداول - عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 34,586

 
افتراضي

صمت مؤسسة النقد

د. حمزة بن محمد السالم

يتمحور هجوم وسائل الإعلام و الناس عامة على سياسات مؤسسة النقد حول محورين. أولهما سياسة الربط بالدولار ويتفرع منها اللحاق بالفائدة الأمريكية. أما المحور الثاني فيدور حول رفع قيمة الريال. و قد سبق لي أن كتبت في هذه الجريدة حول هذين الموضوعين الأول بعنوان "ولم اللحاق بالفائدة الأمريكية" و الآخر"أساطير التجار في فك الارتباط بالدولار".

فأما سياسة الربط بالدولار الحازمة فهي التي حفظت الوطن وما تزال لعقود من الزمن من التلاعب بقيمة الريال والإنفاق غير المحسوب. وللعلم فإن الوضع السياسي العام للمملكة مع وضعها الاقتصادي المعتمد على البترول لا يصلح معه إلا الربط. وليعتبر معتبر من فنزويلا و كيف انهارت قيمة عملتها أكثر من 1000% في فترة بسيطة بسبب انخفاض أسعار النفط و تعويم العملة الذي شجع حكومتها على الاستمرار في الإنفاق غير المسؤول.

و السؤال الذي يطرح نفسه، هل هناك ضرر من الربط في الوقت الحالي؟ هل في الربط إتباع للسياسة النقدية الأمريكية و التي ستؤدي إلى التضخم و ازدياد السيولة؟ هذا ما يتشدق ويهرطق به الإعلام و من يدعون علم الاقتصاد الذين يطبقون ما درسوه في السنوات التمهيدية دون أن يقدروا على تطبيقه على وضعنا الحالي. مؤسسة النقد اتبعت الاحتياطي الأمريكي بتخفيض الفائدة على الإيداع لتجنب هجرة الأموال من الخارج، بينما أبقت الفائدة كما هي على الإقراض لكبح جماح التضخم. فأين الإدعاء بأن الربط بالدولار(واللحاق بالفائدة) سيؤدي إلى التضخم. بل بالعكس، فإن حركة مؤسسة النقد الذكية هذه قد تؤدي إلى خروج بعض الإيداعات مما يضعف قدرة البنوك على الإقراض.

وأما المحور الثاني فهو إعادة تقييم الريال. إن رفع قيمة الريال تقع كلفته الضخمة على الدولة والمستفيد الأكبر من ذلك هو الطبقة الغنية كما وضحت ذلك في مقالات سابقة. هذه الكلفة الضخمة و التي تعادل ربع دخل الدولة (25% زيادة في قيمة الريال) ستؤول في معظمها إلى حسابات الأغنياء في الخارج بدلا من صرفها على الضمان الصحي و الاجتماعي للمواطنين و تخفيف الرسوم و رفع مستوى التعليم وزيادة الرواتب و دعم السلع الأساسية. إن إنفاق هذه الكلفة على الطبقة الوسطى هو المحرك للاقتصاد الوطني و الذي سينعكس أضعافا مضاعفة في الناتج القومي المحلي (و التضخم لازم من لوازم النمو، و هو محمود في هذه الحالة).

إن معظم من بيدهم القرار السياسي (من الحكومة) أو القرار الاقتصادي (من مؤسسة النقد)، والذين يقع عليهم اللوم و النقمة من الشارع العام، هم من الأغنياء والذين يملكون القدرة على الاستثمار في الخارج والذين من مصلحتهم فك الارتباط أو رفع قيمة الريال ولكن يأبون ذلك تقديماً لمصلحة الوطن على مصلحتهم الخاصة.(ولا يتشدق متشدق فيقول بأن قيمة الاستثمارات في الخارج ستنقص قيمتها برفع قيمة الريال، فهذا غير صحيح لأن الاستثمارات الخاصة لن ترجع لتستثمر في الوطن بل ستزيد بمزيد من هجرة الأموال و ذلك لارتفاع قيمة الريال. الصحيح هنا هو أن قيمة الاحتياطيات النقدية الأجنبية للوطن هي التي ستقل قيمتها، و التي هي ملك عام للمواطنين، و ذلك باستنزافها لتغطية فرق سعر قيمة الريال).

فبم يفسر صمت مؤسسة النقد؟ لم لا تخرج عن صمتها و توضح للناس أسباب سياساتها التي تصب في مصلحة الوطن وإن كانت على حساب المصالح الخاصة؟

هل هي ثقافتنا التي بنيت على التكتم وعدم الشفافية والخوف من أعين الناس؟ على قياس تعميم النظام مصنفا ب(سري للغاية) و آخر مادة فيه هي (ينشر النظام في الجريدة الرسمية)!!

أم هو الخوف من الظهور والتحدث أمام العامة فيؤول الكلام في غير محله فتغضب العامة فيُحل الأمر بإبعاد المسؤول.

إن صمت مؤسسة النقد عن شرح الأسباب الاقتصادية والدولية و الفنية والرد على التهرقطات والإشاعات والمغالطات في ربط الريال و ثبات سعره واللحاق بالفائدة، سمح بتنامي ضغط شعبي، تقوده قلة المعرفة و تحكم أصحاب المصالح الخاصة بالإعلام، ضد السياسات المالية الدولية. هذا الضغط قد يفسح الطريق لإعادة تقييم الريال بقرار سياسي تُقدم فيه المصلحة السياسية للوطن على المصلحة الاقتصادية. و بذلك تصب فوائض الدولة في حسابات الأغنياء في الخارج بدلا من استثمارها بصرفها على الطبقة الوسطى والفقيرة، فيحق عليهما المثل (على نفسها جنت براقش).

إن حدث هذا فالمسؤول الأول هو مؤسسة النقد باستهانتها للرأي العام وعدم التحدث إليهم وشرح أسباب سياساتها المتبعة.الناس اليوم لم يعودوا كالسابق تسكتهم كلمة "أها بس".

@ أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة الأمير سلطان
bhkhalaf غير متواجد حالياً