عرض مشاركة واحدة
قديم 22-01-2012, 09:15 AM   #37
Arabeya Online
متداول نشيط
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 626

 
افتراضي «عقلية القطيع» تحرِّك المتداولين.. والمتظاهرين

من القاهرة الى تونس، خرج جموع من آلاف المتظاهرين، توحدهم العواطف، والهدف، ووسائل الاعلام الاجتماعية، للاطاحة بأنظمة استبدادية حكمت لزمن طويل. وفي أنحاء بريطانيا، تدفقت حشود من طباع وأمزجة مختلفة الى الشوارع في الصيف الماضي، مخلفين وراءهم دمارا. وفي الوقت الراهن، يرتبط متداولو السندات في المراكز المالية المختلفة في أنحاء العالم، من خلال شبكة الانترنت، ويتصرفون كحشود «افتراضية»، وهم يبيعون سندات بلدان منطقة اليورو المأزومة، دافعين بالعائدات الى الارتفاع.

شكلت الحشود والجماهير محور وقلب بعض أكثر الأحداث بروزا وتميزا في عام 2011، مما يدل على قوة المجموعة المدفوعة بالهوية المشتركة، والقدرة على اتخاذ القرارات. وهي أمثلة كلاسيكية على عقلية القطيع، والتفكير المشترك الذي يتسم بالتنظيم الذاتي للأفراد ضمن المجموعة، وهي مجال دراسة شائع لدى علماء الاجتماع والنفس.

بينما تفصل الهوة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتداولين الماليين الأثرياء الذين يحملقون في شاشات الكمبيوتر في مكاتب الشركات، عن الشباب العاطلين الذين يلقون بالحجارة، الا أن أحدث دراسة تتناول عقلية القطيع، تشير الى أن المجموعتين هما في الحقيقة أقرب الى بعضهما بعض مما يعتقد عموما. علاوة على ذلك، فإنه يمكن اخضاع سلوك المجموعتين للاختبار والتخطيط، بدرجة ما يمكن حتى التنبؤ به.

وتظهر الدراسة أن سلوكا متماثلا يمكن أن يحدث عند الجماهير الحقيقية والافتراضية على حد سواء، حيث يتقاسمون الشعور الجماعي مدفوعا بالأهداف والمصالح المشتركة. وبينما يمكن للأفراد ضمن حشد من الناس الحقيقيين تحديد مواقفهم من خلال السلوك المرئي للآخرين، يحدد مديرو الصناديق والمقامرون عبر الانترنت مواقفهم من خلال التغييرات التي تحدث على الشاشة.

تصور الموقف

تقول ميشيل باديلي، الخبيرة في الاقتصاد السلوكي في جامعة كامبريدج: «تشير بعض الدراسات الى أنه يكفي فقط مجرد تصور الموقف من دون الحاجة الى أن يكون المرء في المكان فعليا. ومن السهولة أن تنخرط عواطف الناس في العواطف الافتراضية، كألعاب الكمبيوتر أو المقامرة عبر الانترنت، على سبيل المثال».

العواطف، وهي الاستجابة الفطرية والغريزية للحوافز، هي، وفق باديلي، جزء لا يتجزأ من اتخاذ القرار المالي، وتساعد في تفسير عقلية القطيع التي تظهر على نحو غير عقلاني، كما تبدو لنا في الظاهر، في الأوقات الجيدة والسيئة.

وفي حين تحدث علماء النفس طويلا عن مفاهيم مثل «حكمة الجمهور»، يتردد كثير من الاقتصاديين المعاصرين في تبني مفهوم السلوك الجماعي.

وقد ابتعد الانضباط عن العوامل النفسية والاجتماعية، في عملية اتخاذ القرارات وتركز بدلا من ذلك على «فرضيات سلوكية ضيقة، حيث تتشكل التوقعات على أساس الخوارزميات الرياضية»، وفق باديلي. وبالنسبة إليهم، فإن سلوك الجمهور فوضوي للغاية، وغير عقلاني، ولا يمكن التنبؤ به.

وعلى النقيض من ذلك، فإن عالم الاقتصاد جون ماينارد كينز كان يعتقد أن المستثمرين المحترفين «سوف يتبعون القطيع»، جزئيا على الأقل، من أجل سمعتهم. وكان كتب في عام 1935 في خضم الكساد العظيم «ان الحكمة العالمية تعلمنا أنه من الأفضل للسمعة الفشل تقليديا، على النجاح بصورة غير تقليدية».

الاقتصاد العصبي

ان فكرة وجود مكون عصبي في اتخاذ القرارات المالية، تتسم باهتمام رئيسي لدى أولئك الذين يبحثون في مجال الاقتصاد العصبي الجديد نسبيا، حيث تتداخل علوم الأعصاب والنفس والاقتصاد بعضها مع بعض.

ويهتم فاسيلي كلوشاريف، باحث الاقتصاد العصبي في جامعة بازل، بصورة خاصة بذلك الجزء من الدماغ الذي يحفز أو يطلق «اشارة التعلم» حين يختلف سلوكنا عن سلوك الحشد الذي نحن فيه، والذي يجعلنا نعدل من سلوكنا لنتكيف ونساير سلوك المجموعة. ويقول إن العملية تلقائية بحيث يشكل الناس آراءهم الخاصة، ويواجهون رأي المجموعة، لكنهم سرعان ما يحولون موقفهم لجعله أكثر توافقا ومسايرة للسلوك الجماعي.

لكن رأي المجموعة ليس دائما سليما، أو في مصلحة الأفراد ضمن الجمهور والحشود. ويمكن للتكيف التلقائي الذي يأتي من دون تمحيص، أن يؤدي الى نتائج عكسية، سواء في حالة الحماسة الشديدة في سوق تتسم بالصعود الحاد الذي يسبق الانهيار، أو في حالة النهب الشامل للمتاجر الذي يدمر الحي الخاص للمتظاهر.

ويشير كلوشاريف الى أن العمليات التي تحدث بسرعة عند الجماهير والحشود تشبه التغيير في المواقف التي تحدث ببطء عند المجموعات الأكثر انتشارا. فكما يقول: «عند النظر الى المناطق الجغرافية في الولايات المتحدة، حيث مشهد الناس الذين يعانون من السمنة المفرطة، يعتبر أمرا اعتياديا للغاية. في تلك الحالة، فإن منطقة الصراع في الدماغ عند الانسان لا تعود وتنظر الى السمنة المفرطة على أنها أمر سلبي، وبالتالي يتم الحفاظ على السلوك الغذائي القائم، بدلا من تصحيحه. ومن المفارقة، أنه في هذه الظروف يتلقى من يتبعون نظاما غذائيا صحيا رسالة دماغية أساسية مفادها: إنني أقوم بأمر خطأ».

ولاء المجموعات

ان الأبحاث في علم النفس الاجتماعي تلقي مزيدا من الضوء على العمليات التي تدفع الناس الى التفرق والتجمع في جماعات. ووفق «نموذج مجموعة الحد الأدنى»، يقوم الناس بذلك استنادا الى أية خاصية تقريبا، بل وسوف يظهرون ولاء للمجموعات التي تشكلت بصورة عشوائية.

ان رؤية أعضاء آخرين في المجموعة في جمهور حقيقي تعزز آثار سلوك القطيع، لكنه ليس بالأمر الذي لا غنى عنه، وفق ما يقول كلوشاريف. ولنأخذ مثالا على الدور الذي لعبته وسائل الاعلام الاجتماعي في الربيع العربي، وأحداث الشغب البريطانية. والأمر هنا لا يتعلق بما اذا كانت فيسبوك أو تويتر أو بلاك بيري ماسينجر أدوات تنظيمية للعمل المشترك، بل في كونها ساعدت في خلق هوية مشتركة.

ويعمل علماء الأعصاب مثل كلوشاريف على دراسة الأصول العصبية «للتتابع المعلوماتي»، وهي العملية التي يغير بموجبها الأفراد آراءهم حين يعلمون بقرارات الآخرين في المجموعة. ويقول كلوشاريف «تحدث مثل هذه التغييرات عند الأفراد بصورة مستقلة عن اشارات المعلومات الخاصة بهم. ويمكن رؤية ذلك في سلوك القطيع لدى المتداولين لا سيما في الأوقات التي تتسم بعدم اليقين».

الهوية المشتركة

ان تصميم نموذج لسلوك الجماهير، وهو مكون مهم في التخطيط الحضري وتصميم البنايات الكبيرة، يعتمد على فكرة أن مجموعات الأفراد تعمل كوحدة منسقة. وبامكانهم، الى حد ما، التصرف كشكل حي وعقلاني، وبالتالي يصبح من الممكن التنبؤ والتخطيط لتحركاتهم.

هناك حاجة الى مزيد من الأبحاث لمعرفة ما هي النسبة من الجماهير التي يمكن أن تغير الخاصية العاطفية للمجموع الكلي في ظل ظروف مختلفة. وما الذي يتطلبه فرد مؤثر أو وحدة صغيرة في تغيير الرأي؟

رغم ذلك، فإن مفهوم نفسية الجمهور تحقق تقدما. وكما يقول ستيفن ريشر، البروفيسور في علم النفس الاجتماعي في جامعة سانت أندروس، فإن «الأفراد لا يفقدون هويتهم ضمن الحشد أو الجمهور، كما لا يفقدون السيطرة على سلوكهم أو عقلانيتهم، بل يتحولون الى هوية اجتماعية مشتركة، ويسعون الى العمل ضمن تلك الهوية المشتركة».

غير أنه يؤكد على أن تلك العملية ليست آلية، أو من دون تفكير، فالهوية المشتركة تساعد في الوصول الى التوافق من خلال النقاش. ولذلك، أكره بشدة أفكارا مثل «عقلية القطيع» المستمدة من فكرة عقلية حيوانية دونية في الجماهير. ان الجماعات أو الجماهير يتسمون بعمق التفكير بالقدر نفسه الذي يتسم به الأفراد المنعزلون. والفارق يكمن في أن عمليات التفكير والنقاش تعززها العوامل الاجتماعية مقابل الهوية الفردية.

نظرية معاكسة

وعلى الرغم من أن علماء النفس يدركون الروابط بين التظاهرات السياسية والتداولات المالية، تعتبر مجالا مفيدا للبحث، الا أنهم يحذرون من المبالغة كثيرا في أوجه الشبه.

وتقول باديلي: البيئتان المالية والسياسية سوف تتأثران بطرق متشابهة، الا أنه من المهم أن ندرك أن أهداف المتظاهرين السياسيين تختلف تماما. ففي البيئة المالية، الأهداف على الأقل أكثر نظافة وصرامة.

يقول البروفيسور ريشر: التظاهرات في الربيع العربي تتعلق بسلوك ما بين المجموعات. فالناس يتجانسون ويعملون معا، لأنهم يتحركون كمجموعة واحدة ضد أخرى. أما المتداولون، فليس لديهم مجموعة واضحة، ولكنهم منخرطون في سلوك ما بين المجموعات. وهم يتنافسون ضد زملائهم من المتداولين، ويتحرك بعضهم ضد بعض، كأفراد.

ويضيف: قد تنشأ المشاكل تحديدا لغياب «المجموعة»، والمنافسة وعدم الثقة وما يستتبع ذلك من استنتاجات سلبية تجاه الآخرين. ولعل الاجابة تكون في زيادة الاحساس بالعضوية في مجموعة مشتركة.

ويبدو أن العواطف المشتركة يمكن أن تعطي الجماهير الغاضبة هدفا مشتركا، سواء

كان الهدف مدمرا أم بناء، وفقا لوجهة نظر المراقب، من خلال تفعيل المناطق العصبية المرتبطة عادة بالخوف والجشع. وفي حال تم تفعيل المناطق نفسها في الدماغ عند القطعان المالية، فهل تكون صورة المتداول الهادئ والعقلاني والذي يحسب حسابا دقيقا لكل خطوة يخطوها، قد عفى عليها الزمن؟

هدوء المتداول

في دراسة حديثة طرحت باديلي هذا السؤال على أناس يعملون في قطاع الخدمات المالية. واتفقوا على أنه في حالات التداول ذات الوتيرة المرتفعة في الأسواق التي تتسم بالتقلبات الشديدة، سيكون من الصعب تصور أن يحتفظ المتداولون بهدوئهم، ويحسبون خطواتهم وتحركاتهم بدقة، فرغم كل شيء، هم بشر، وشعروا أنه ليس سيئا بالضرورة الانقياد وراء المشاعر والعواطف.

ولايزال علماء الأعصاب بعيدين عن فهم، فضلا عن السيطرة، على جميع العوامل التي تقود الجماهير للتصرف والتحرك على النحو الذي تقوم به. لكن في ظل التوقعات التي تشير الى مزيد من التقلبات في 2012، في الشوارع والأسواق المالية على حد سواء، فإنهم سيحصلون على الأرجح على كثير من المواد الجديدة لاستخدامها في دراساتهم.
Arabeya Online غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس