عرض مشاركة واحدة
قديم 23-01-2009, 10:56 PM   #23
سعد الجهلاني
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2003
المشاركات: 52,139

 
افتراضي

ألغاز الشركات السعودية من الشهرة إلى الاستثمارات.. من يفهم؟
جريدة الرياض - د.محمد آل عباس
من يتابع التصريحات حول أوضاع الشركات السعودية ونتائجها بشكل عام يرى عالما من الألغاز. فلا تكاد تظهر شركة بلغز إلا بارتها أخرى بأحجية. ليست لهذه الألغاز محصورة في فئة معينة أو قطاع بل هي ظاهرة منتشرة بغض النظر عن التصنيفات. تصريحات لا تكاد تفهم منها سوى أن جميع الشركات السعودية لا ولن تتأثر بالأزمة العالمية وأن الأرباح هائلة مقارنة بما كان سيحصل لو لم تتدخل الإدارة بحنكتها. وتجد الإدارة هوامش واسعة للتضليل كلما تفاقمت مشكلة الوكالة وتكلفتها.

مشكلة الوكالة ببساطة هي أن الإدارة تعد وكيلا عن المساهمين (الملاك) لإدارة أموال الشركة واتخاذ القرارات التي تراها مناسبة وفقا لمبدأ الخبرة وسمعة رجال الأعمال، كوكيل يجب على إدارة الشركة تقديم تقاريرها للملاك عن كفاءة استخدام الأصول في أعمال وأنشطة الشركة. لكن المشكلة دائما أن الإدارة هي من تعد هذه التقارير وهي من تفسرها لنا لذا تجد متسعا لكي تقرر ما يضمن مصالحها فقط بغض النظر عن مصالح الملاك أو المجتمع الاقتصادي من حولها. مصالحها في المكافآت، مصالحها في البقاء على الكرسي المريح والميزات النسبية المختلفة. هنا يضطر مجتمع المساهمين لتحمل أعباء إضافية للتأكد من سلامة التقارير التي تصدرها إدارة الشركة وتعكس تصرفاتها المالية. من بين تلك التكاليف بل وأكثرها أهمية ما تنفقه الشركة على أعمال المراجعة الخارجية. حيث تقوم الجمعية العامة بتعيين مراجع خارجي – مستقل. هنا ظهرت المشكلات بين الإدارة وذلك المدعو مراجعا حتى أُقرت معايير المحاسبة، وهي تلك المفاهيم والمبادئ والإجراءات التي يجب على الإدارة الالتزام بها عند إعدادها للقوائم المالية لتعكس أوضاع الشركة المالية الحالية وأحداثها الماضية. يلتزم المراجع بالتأكد أن الإدارة قد التزمت بهذه المعايير وفي حال تأكد له ذلك فعليه رفع التقرير إلى الجمعية العامة. من هنا نجد أن الالتزام بالمعايير المحاسبية قضية أساسية وجوهرية وتطوير تلك المعايير مهمة وطنية. ما يفجع المجتمع الاقتصادي بشكل عام والمحاسبي بشكل خاص هو التصريحات التي لا تلتزم بالمفاهيم المحاسبية والاقتصادية بل هناك تأليف لمصطلحات ومفاهيم ما أنزل الله بها من سلطان ولم تقل بها المعاهد والهيئات العالمية المختصة.

في الشركات اليوم وعلى مستوى العالم ككل تتفشى ظاهرة التلاعب بالتقارير المالية الأمر الذي يفقدها مصداقيتها يوما بعد يوم. فشركات كبرى تتعرض لعمليات تحريف رقم الأرباح من الهند إلى إيطاليا وهولندا، بل إن الولايات المتحدة صاحبة أعقد نماذج محاسبية وأكثرها هيئات عاملة تتعرض لأشرس عمليات تلاعب واحتيال. شركات مثل إيرباص يمكن للمدير التنفيذي أن يورطها في عقود خطيرة مستفيدا من هذا للتلاعب بأسعار الأسهم. وفي الهند يقوم المدير التنفيذي لشركة ساتيام لمدة طويلة من الزمن بتحريف القوائم المالية ولم يتم اكتشافها حتى اعترف هو بذلك. نحن لسنا بدعا من البشر فهناك تلاعب برقم لأرباح في معظم الشركات السعودية وخاصة عندما ترغب الشركة في زيادة رأسمالها وهناك أدلة لبحوث علمية محكمة في هذا الإطار. لكن صعوبة اكتشاف هذا التلاعب - أو ما نسميه إدارة الأرباح – أنه يتم في معظم الحالات من خلال الفسحة من الاجتهاد التي تتركها المعايير المحاسبية المحكمة وهناك مجال واسع جدا للتقديرات وليس أدل عليها من تقديرات الشهرة.

تتورط الشركات في شراء شركات أخرى (أصول وخصوم أو ما يسمى صافي الأصول) وتدفع أموالا طائلة بل مُبَالغٌ فيها (أكثر من قيمة صافي الأصول) والفرق ببساطة نعتبره شهرة. لكن هل الشركة التي تم شراؤها تستحق هذا الفرق وهذه الشهرة؟ هل بالغت أو فشلت الإدارة في التسعير؟ هل دخلت الإدارة منافسة غير شريفة وتم إقحامها في أخطاء جوهرية؟ للأسف لا أحد يمتلك مثل هذه المعلومة ولا أحد يستطيع أن يلزم الإدارة بدفع تعويض عن مثل هذه الأخطاء الكبيرة. إنني كلما سمعت عن شركة تستحوذ على أخرى وتدفع مقابل ذلك مبالغ ضخمة من حيث إن الشركة المستحوذ عليها تحقق أرباحا غير عادية كلما تذكرت قصة رجل باع سيفا وتحدى أنه سيقطع به جذع شجرة وقام فعلا بالتجربة أمام الجميع. بدأت المنافسة وفاز أحدهم بالسيف العظيم وذهب إلى أهله مفاخرا أمامهم ليقطع الشجرة فلم يفعل السيف شيئا. عاد مهرولا ومشاتما إلى صاحب السيف فأخذه منه وقطع جذع الشجرة مرة أخرى وببساطة فنظر إليه المشتري وقال لكنه لم يفعل ذلك معي، فقال له متهكما نعم بعتك السيف لكني لم أبعك يدي وزندي. هنا تظهر الشهرة التي يجب إعادة تقديرها عندما تمسك الشركة الجديدة وإدارتها بزمام الأمور لنسأل هل ما زالت تستطيع البيع بأسعار تفوق المنافسين لميزات لا نعرفها.

وإذا كانت الشهرة والتصريحات حولها من ألغاز الشركات السعودية فإن الاستثمارات الخارجية من أعقدها فهما. نعم تظهر مشكلات سعر الصرف وتقلباته ويمكن التحوط لمثل هذه التقلبات ليبقى تأثيرها محدودا في القوائم المالية والأداء العام للشركة وخاصة على الأداء التشغيلي فهذه مجرد استثمارات لفوائض مالية أو هكذا يجب أن تكون. لماذا لا نصرح بحجم تورطنا في الأزمة المالية وخسارتنا لاستثماراتنا بدلا من تضليل الناس.

بقي لي الإشارة إلى أن المحلل المالي يقرأ القوائم المالية التي تعدها الإدارة ويقوم بتحليلها، لكن بقدر ما تفصح هذه القوائم لنا عن أمور بقدر ما تخفي خلفها عالما بغيضا من التقديرات غير المعروفة والاجتهادات المبهمة غير المعلنة. نعتمد على المراجع واستقلاله كي نحتفظ بفرضية مفادها أن هذه القوائم عادلة وبخلاف ذلك فإننا لن نستطيع أن نستمر أو نستثمر في سوق الأسهم.
سعد الجهلاني غير متواجد حالياً