عرض مشاركة واحدة
قديم 11-10-2009, 10:10 AM   #15
زيــنــه
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 5,130

 
افتراضي

كيف تختار مهنتك: بعض التأملات

محمد بن عبد الله القويز
بحكم عملي كمستشار استثماري، ترد إليّ أسئلة في كثير من الأحيان فيما يتعلق باختيار المهنة المناسبة أو الانتقال من عمل إلى آخر، وذلك باعتبار المهنة أو العمل من أهم القرارات التي تؤثر في دخل المرء ومستقبله المالي. لذا، ونظراً لأننا في بداية العام الدراسي الذي كثيراً ما يتكرر فيه هذا السؤال، فقد أفردت للأمر قليلا من البحث وخرجت بالتحليل التالي وببعض التوصيات لمساعدتك عزيزي القارئ على قراراتك المهنية والوظيفية.

بصفة عامة، هناك ستّة عناصر ومعايير مختلفة يتم أخذها في الحسبان عند اختيار المهنة أو الوظيفة الأنسب:

1. الراتب أو الدخل المتحقق من الوظيفة.

2. مقدار الأثر الإيجابي الذي تحققه الوظيفة في حياة الآخرين وفي المجتمع ككل.

3. القدر الذي يضيفه العمل للمرء من تطوير للذات والنمو الشخصي والمجال للإبداع.

4. بيئة العمل الإيجابية ومقدار التواؤم و(الوناسة) مع العاملين الآخرين فيه والاستمتاع بالوقت معهم.

5. إرضاء الذات والغرور الشخصي والإحساس بالأهمية من خلال تقلد وظيفة عالية أو حيازة قدر كبير من السلطة.

6. التمتع بقدر عال من الحرية الشخصية، وعدم حاجة الوظيفة لقدر عال من المسؤولية أو الالتزام.

وفي ظل العناصر والمعايير المذكورة بعاليه فهناك ثلاثة احتمالات بالنسبة للوظيفة التي تبحث عنها:

الاحتمال الأول هو أن تتمكن من إيجاد وظيفة مثالية تعطيك قدراً عالياً من جميع المعايير الستة الوارد ذكرها بعاليه، فتمنحك مالاً كثيراً، وتحقق منفعة هائلة للمجتمع، وتمكنك مجالاً كبيراً لتطوير الذات، وتعمل فيها وسط بيئة ممتازة ومتوائمة، وتتقلد فيها مسؤولية كبيرة تحسسك دوماً بأهميتك، إضافة إلى أنها لا تتطلب أكثر من أربع ساعات من العمل في الأسبوع! ولكن للأسف كلنا يعلم أن وظيفة كهذه يندر وجودها على هذه الأرض، وذلك على قول المثل: ''الزين ما يكمل''.

أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون للشخص أولوية واحدة من بين المعايير الواردة بعاليه. عندئذٍ يكون اختيار العمل أكثر سهولة، حيث يبحث المرء عن المهنة أو الوظيفة التي تشبع ذلك المعيار الذي يهمه فمن يبحث عن الرواتب فقط يتجه للمجال المالي، ومن يهمه تحقيق الأثر الإيجابي فقط يتجه لمهنة الطب أو للتدريس أو للعمل الخيري، ومن يرغب في تطوير الذات أو الإبداع فقط يتجه للعمل الأكاديمي أو الرياضي أو الفني، ومن يرغب بـ (الوناسة) فوق أي شيء يمكنه العمل في مجال الترفيه أو الفن أو في رابطة مشجعين، ومن يرغب بالسلطة دون غيرها يمكنه التوجه للعمل الحكومي، ومن يرغب بالحرية الشخصية فوق أي شيء بإمكانه كذلك البحث عن أي عمل لا يتطلب التزاما وقتيا أو مسؤولية كبيرة. ولكن الجدير بالذكر هو أن من يفضل أحد المعايير على الأخرى بشكل مطلق ينبغي أن يكون على استعداد لأن يضحي بالمعايير الأخرى بشكل تام، وكما نعلم فإن تفضيل المرء أحد هذه المعايير بصفة مطلقة هو أمر نادر الحدوث.

لذا فالاحتمال الثالث، وهو الأكثر واقعية، هو أن يكون للمرء عدد من الأولويات المختلفة التي يرغب بتحقيقها. وفي هذا الصدد أسوق للقارئ الكريم التوصيات التالية:

- حاول أن تحدد ترتيب هذه الأولويات بالنسبة لك قبل أن تبدأ بحثك عن المهنة أو الوظيفة الأمثل، حيث إن الأولويات تختلف من شخص لآخر، كما أن الأولويات تتغير من وقت لآخر في حياة الشخص ففي بداية حياة المرء قد تكون أولويته الأولى هي تطوير الذات، وبعد بضع سنوات تتغير لتصبح المال، وبعدها قد تتحول مرة أخرى لتصبح تحسين حياة الآخرين وعمل الخير.

- بناء على الترتيب الذي تتوصل له، الذي يناسب شخصيتك ومرحلة حياتك، يمكنك مقارنة الفرص المهنية والوظيفية المتوافرة لديك بغرض انتقاء الأقرب منها لتحقيق أولوياتك.

- في بداية حياتك الوظيفية، جرب وظائف مختلفة واستكشف مجالات مختلفة، وذلك لتتمكن من تجربة المعايير المختلفة لاختيار الوظيفة ومقارنة أي منها هو الأهم بالنسبة لك. بالطبع فإن ذلك سيكلفك بعض الوقت وسيؤخر من تطورك الوظيفي، ولكن التأخير في سبيل البحث عن المجال الأنسب أفضل من التبكير والانسياق في مجال لتكشف خيبة أملك منه بعد أن تكون أمضيت فيه سنوات عديدة وفاتت عليك فرصة تغييره.

- احذر دائماً من الانسياق للخطأ المتكرر، وهو إعطاء عنصر الدخل والمال أولوية أعلى مما ينبغي، وذلك بوضعه على قمة سلم الأولويات الوظيفية دون التفكير ملياً بمدى تطابق ذلك مع رغباتك الفعلية فبالرغم من أن هناك ستة معايير مختلفة لاختيار المهنة أو الوظيفة، إلا أن كثيرين غالباً ما يغلّبون معيار الدخل، ليس لأنه الأكثر أهمية بالنسبة لهم، إنما لأنه أكثر معيار ملموس ومحسوس، بينما المعايير الأخرى تأخذ شكلاً معنوياً أكثر. ولكن كون الشيء ملموساً بشكل أكبر لا يعني بالضرورة أنه أكثر أهمية لذا ينبغي لك أن تحدد أولوياتك قبل أن تبدأ البحث وانتقاء الفرص المهنية والوظيفية المختلفة، وإلا فإنك قد تغترّ بقبول الفرصة الأعلى دخلاً لكنها الأقل إرضاءً وإسعاداً لك، لمجرد أن عنصر الدخل كان الأكثر وضوحاً.

باتباع التوصيات الواردة بعاليه آمل أن تتوصل إلى عمل ومهنة يمكنك الإبداع فيها. ومن هذا المنطلق ثق تماماً أن من يعمل في مجال يحبه ويناسبه (أياً ما كان هذا المجال) فإنه سيبدع فيه ويحقق النجاح بمشيئة الله فلعلك بالابتعاد عن السعي وراء المال من عملك ومهنتك كأولوية عليا وتوجهك للعمل في مجال تحبه وتسعد به، فإنك ستتمكن من الإبداع فيه، مما يحقق لك مالاً ونجاحاً أكبر مما لو كنت تسعى للمال من الأصل. ولكن الفرق هو أن المال يصبح نتيجة طبيعية للإبداع، بدلاً من أن يكون غاية في ذاته. وحتى لو لم تحقق المال من وراء عملك، فإنك ستحقق السعادة (وهي الأهم) من جراء عملك في مجال تحبه وتهواه.
زيــنــه غير متواجد حالياً