عرض مشاركة واحدة
قديم 01-03-2008, 04:14 AM   #9
bhkhalaf
الفريق الصحفي لتداول - عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 34,586

 
افتراضي

المقال

مشكلتنا.. عدم الفهم لتوجه صاحب القرار!

عبدالرحمن الخريف

جميعنا سمع وقرأ قرار مجلس الوزراء الصادر بالموافقة على عدد من التوصيات لتخفيف أعباء المعيشة على المواطنين بعد الارتفاع الكبير للأسعار والذي فهمنا منه إن القيادة الكريمة اهتمت بذلك ووجهت بدراسة الوضع لاقتراح الحلول المناسبة، فتمت الدراسة من الهيئة الاستشارية بالمجلس الاقتصادي (خبراء ومتخصصون اقتصاديون) التي رأت بان ما حدث يمثل "ظاهرة" ارتفاع أسعار وغلاء معيشة (أي ليس تعديلا لمستوى اقتصاد عالمي) واتخذت توصيات تمت الموافقة عليها كرغبة سامية في مساعدة المواطنين، ولكن المهم لدينا هو هل فهمنا الهدف من هذا القرار؟ وكيف تم التطبيق له؟

إن فهم الهدف الذي رغب متخذ القرار في تحققه قد يكون أهم من تنفيذ إداراتنا التنفيذية للقرار، فعند وضع آلية التنفيذ لأي قرار من تلك الإدارات تغلب النظرة السلبية في تفسير القرار، فتخرج اجتهادات (غالبا نظرة قاصرة) تحجم الهدف الذي قصده متخذ القرار (أياً كان) خاصة عندما يتعلق الأمر بتسهيل إجراءات أو تعديل مبالغ ستدفع أو تحصل من الدولة، وهذا نتيجة عدم ارتقائنا لمستوى تطلعات صاحب القرار الذي لديه نظرة أكثر شمولية منا كتنفيذيين.

وإذا عدنا لقرار تخفيض أعباء المعيشة فإننا سنجد انه تضمن (4) توصيات جديدة أما باقي التوصيات ال(14) فإن جميعها ماكان يجب أن تصدر لو أن كل جهة كانت تقوم بمهامها التي أكدت عليها تلك التوصيات! فإعانة الأرز والحليب تأخر إقرار آلية تطبيقها حتى تضاعفت أسعارها وتلاشت قيمة الإعانة التي صدرت في ظل سعر قديم للأرز والحليب! بل خرجت اجتهادات بقصر إعانة الحليب على أنواع محددة! أما باقي التوصيات فجميعها تحث على التفعيل لأنظمة وقرارات سابقة ومهام أساسية لأجهزة خدمية لم تمارس! ولكن دعونا نرى مثالا لمعاناتنا من اجتهادات ماكان يجب أن تتم، فالقرار تضمن صرف بدل غلاء معيشة وتخفيض لتجديد الإقامة للعمالة المنزلية بالنص التالي :

- إضافة بدل بمسمى (بدل غلاء المعيشة) إلى رواتب موظفي ومستخدمي ومتقاعدي الدولة سنوياً بنسبة (5بالمائة) وذلك لمدة ثلاث سنوات.

- تتحمل الدولة لمدة ثلاث سنوات ( 50بالمائة) من رسوم جوازات السفر ورخص السير ونقل الملكية وتجديد رخصة الإقامة للعمالة المنزلية.

ولان تلك الدراسة تمت بسرية تامة ولم تشترك بها (فيما يبدو جهات تنفيذية مختصة) فقد أتت عبارات تلك التوصيات لتعبر عن رأي الهيئة الاستشارية لمعالجة الوضع بشكل عام، إلا أن جهاتنا التنفيذية والرقابية لم تفرق مابين التشدد في تطبيق الأنظمة ومابين تحديد الآلية المناسبة لتطبيق التوجيه السامي الصادر برغبة صادقة لتخفيف أعباء المعيشة، فتطبيق الأنظمة والتعليمات أمر مطلوب ولاجدال فيه، ولكن المشكلة هي في اعتيادنا على الاجتهاد بالإبداع في تفسير نص القرار وكلماته لصالح الجانب الأقوى (الدولة) لان الجهات الرقابية تركز فقط على أموال الدولة وليس التنفيذ الدقيق للقرار! فنص القرار كان واضحا لايحتمل الاجتهاد، والقانونيون غالبا ما يلجؤون في حال وجود لبس في النص القانوني الى تفسيره لصالح الجانب الأضعف وهو هنا المواطن! ولذلك صدمنا فور صدور القرار بتصريح لمصدر بوزارة المالية بان البدل يمثل (5%) وليس تراكميا على الرغم من ورود كلمة (سنويا) بالقرار! مما اجبر معالي وزير المالية على سرعة إيضاح الأمر بان البدل تراكمي (5% ثم 10% ثم 15%)! كما انه لوضع آلية التطبيق خرجت آراء غريبة لتفسير البدل واعتباره كالبدلات الأخرى بنسبة 5% من الدرجة الاولى وليس من الراتب الأساسي الحالي وانتشرت الشائعات مع التأخر في إقرار الآلية التي حددت بان البدل سيكون بنسبة (5%) من الراتب الأساسي، ولكن المشكلة هي في اقتصاره على جميع الموظفين داخل المملكة فقط! فتم حرمان موظفي الدولة المبتعثين والعاملين بالسفارات من هذا البدل بسبب اجتهاد غير مبرر فالبدل جديد واقر بسبب موجة غلاء شملت دول العالم وليست له علاقة ببدلات أخرى تصرف للمبتعثين والعاملين بالخارج وفق انظمة محددة! فمن أين أتى هذا الاجتهاد في ظل وجود نص واضح للقرار بان البدل لجميع الموظفين ولم يشر لمقار عملهم!

كما أن الاجتهاد لم يتوقف عند هذا الأمر، فالقرار نص على تخفيض تجديد الإقامة للعمالة المنزلية بنسبة (50%) لكون تكلفة التجديد الواجبة الدفع هي (600) ريال، إلا انه لدى تطبيق التخفيض تم تحديد قيمة التجديد ب(350) ريالا بدلا من (300) ريال بسبب الاحترافية في تفسير القرارات! فالإقامة قيمتها (500) ريال ورخصة العمل (100) ريال وكلا القيمتين واجبة الدفع معا عند إصدار الإقامة وتجديدها، إلا أن التخفيض بنسبة ال(50%) اقتصر فقط على ال(500) ريال! هكذا نفسر القرارات وبدون أن نفهم التوجهات التي بناء عليها صدرت القرارات! خاصة وانه لايوجد طرف ثالث بين المواطن والدولة حتى نعتقد بان الدولة ستتحمل ذلك التخفيض! فالمواطن تحمل الكثير كواجب عليه أثناء سنوات عجز الميزانية، وهاهي القيادة تتلمس الاحتياج وتسعى لتحسين الأوضاع، إلا أننا نرفض ذلك باجتهادات غير مبررة! فلو عرض أي لبس في أي قرار على القيادة فانه من المؤكد أن التفسير سيأتي في صالح المواطن!!

إن المشكلة الحقيقية التي لازلنا نعاني منها هي الاجتهاد في الفهم والتفسير لغير ماقصده متخذ القرار (سواء مجلس الوزراء أو الوزير المختص أو رئيس المصلحة) فالوزير يتلقى التوجيه ويبلغه للإدارات التنفيذية للعمل به ولكن الذي يحدث في الواقع هو أن معظم إدارتنا التنفيذية مازالت تدار بعقلية قديمة كنا نعتقد بأنها ذهبت مع من ذهب! فتلك العقلية تمثل فكرا مازال يترعرع داخل تلك الإدارات وهي من يضع آليات التنفيذ للقرارات والتوجيهات (حتى وان كان ذلك بحرمان مواطن أو موظف من حق كفله له النظام) وتتسبب في البطء في تنفيذها بالاجتهاد بتفسيرات لاتخدم التوجه الذي قصده مصدر القرار مما يحرج المسؤول الأعلى للجهاز أمام القيادة في عدم تنفيذ القرار بالدقة المطلوبة أو بالتأخر في التنفيذ بل ان المؤسف هو إننا أصبحنا نشعر بالتهاون وعدم الجدية في تنفيذ القرارات التي تكون في صالح المواطن لأننا نفتقد المتابعة لتنفيذها!

ولكن بقي أمر مهم يجب عدم تجاهله وهو أننا لسنا دائما لانفهم توجهات من يصدر القرار، فعند الحاجة لموافقة جهة تشريعية أو رقابية على قرار ما، فإننا سنبدع في فهم التوجهات! فلإقرار المشاريع الضخمة يكفي إبراز آلاف الوظائف للمواطنين التي ستتوفر والاستثمارات التي ستتدفق! فعدم متابعة تحقق الامتيازات قضى على الآمال التي تعلقت بتلك القرارات!
bhkhalaf غير متواجد حالياً