عرض مشاركة واحدة
قديم 11-04-2008, 07:10 PM   #115
bhkhalaf
الفريق الصحفي لتداول - عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 34,586

 
افتراضي

ديوان المراقبة العامة في فخ التناقض (2) – مع الشركات

د. محمد أل عباس - أستاذ المراجعة المساعد -جامعة الملك خالد - أبها 05/04/1429هـ

في مقال الأسبوع الماضي بدأت الحديث عن التناقض الذي وقع فيه الديوان مع اختصاصاته وأشرت إلى وجود فجوة توقعات بين الديوان وجميع المصالح والمؤسسات الحكومية وبالأخص بين الديوان والشركات المساهمة التي يقوم (بمراجعتها). وعندما أضع كلمة مراجعتها بين قوسين فذلك أنني لم أزل في حيرة: هل أقول (مراقبتها) أو (مراجعتها)، كلاهما لا يقوم بهما الديوان عمليا. الديوان لا يستطيع القيام بمراجعة خارجية للشركات (وأقصد بالشركات هنا الشركات التي تمتلك الدولة حصة فيها). لا يستطيع الديوان مراجعتها لأنه لا يقوم بكامل إجراءات المراجعة الخارجية ولا يلتزم بالمعايير الصادرة في ذلك. تنص المادة الثانية من لائحة رقابة ديوان المراقبة العامة على المؤسسات والشركات التي تسهم الدولة في رأسمالها أو تضمن لها حداً أدنى من الأرباح على أن للديوان فحص الحسابات الختامية والميزانية العمومية والتأكد من إدراج المعلومات الضرورية الواجب إبرازها فيها ومن أنها تعبر تعبيراً صحيحاً (؟؟) عن صافي الأرباح أو الخسائر أو فائض الإيرادات عن المصروفات أو عجزها في كل سنة مالية وعن المركز المالي الحقيقي للمؤسسة أو الشركة وفحص تقارير مراقبي الحسابات وبحث تحفظاتهم عليها والتأكد من مبرراتها ـ إن وجدت, ومتابعة ما يجب أن يتخذ حيالها. هنا بالذات أقف لأسأل عن كيفية الفحص التي سيقوم بها الديوان وهل ستختلف عن تلك التي سيقوم بها المراجع الخارجي؟ هنا يقع الديوان في التناقض وفي فجوة توقعات كبيرة.

فالدولة لها تمثيل في مجلس إدارة الشركات التي تمتلك فيها حصة كما أن لها دورا مؤثرا في قرارات الجمعية العامة ومنها قرارات تعيين مراجع الحسابات وفي اعتماد تقرير المراجعة وفي تبرئة ذمة مجلس الإدارة، فكيف تعود الدولة مرة أخرى ممثلة في ديوان المراقبة العامة وتنقض كل هذه القرارات وتطالب بفحص مستقل منها لكل ما قام به المراجع ومن ضمن ذلك تقريره؟ هنا تناقض من الصعب تفسيره فلسفيا وحتى قانونيا. ثم وكما هو معروف أن الديوان لا يقوم بالمراجعة وفقا للمعايير المتعارف عليها، لذلك فإن نتائج المراجعة لن تكون ذات شأن أو تأثير كبير. لا يقوم الديوان بأية تقييمات ضرورية لنظم الرقابة الداخلية في الشركات ولا أعمال المراجعة الداخلية ولا نظم الحوكمة. لا أعتقد أن الديون يرغب في التورط مع الشركات إلى هذا المستوى, كما أعتقد أن الشركات أيضا لا ترغب في مثل هذا الازدواجية بين الأنواع المختلفة للمراجعة (الخارجية والداخلية وأضف إليها الديوان). وإذا قيل إن مثل هذا الدور الذي يقوم به الديوان سيدعم الثقة بالشركات فإن الدراسات التي تمت على نماذج تقييم المخاطر التي يقوم بها المراجع الخارجي في المملكة لم تقترح أو تشير إلى إمكانية انخفاض المخاطر بمجرد وجود مراجعة أخرى من الديوان. وهكذا فإن مثل هذه المراجعة لا تضيف قيمة للشركة أو للمعلومات التي تصدر عنها وإلا لكان هناك طلب فاعل على تقرير الديوان أو على الأقل معرفة رأيه تجاه الوضع المالي لأي شركة تخضع لمراجعته.

من هنا يبرز التناقض والتداخل بين مراجعة الديوان وبقية أنواع المراجعة التي تخضع لها الشركات, ويظهر أن مراجعة الديوان (وإن كنت أبدو قاسيا هنا) هي الأقل قيمة وأهمية حتى من قبل الأذرع الاستثمارية للدولة. فلماذا الاستمرار في هذا النهج وعدم حل هذا التناقض والتداخل بطريقة تسمح للديوان بدور أكثر تأثيرا في الشركات؟

قد يبدو الحل غريبا لأول وهلة ولكن إذا عدنا لتعريف دور ديوان المراقبة العامة من جديد وفقا للمفهوم الذي طرحته في المقال السابق, فإن الأمر سيظهر أكثر منطقية. فإذا استبعدنا فكرة أن دور ديوان المراقبة هو دور المراجع الخارجي وإنما هو يقترب من دور المراجعة الداخلية لأمكن تطوير دور أفضل للديوان في الشركات. لا أقول أن يلبس الديوان ثوب المراجع الداخلي للشركات ولا نريد أن نخرج من مشكلة لنغرق في أخرى, ولكن إذا كان دور الديوان هو المراجعة الداخلية للدولة فإن من حقه أن يحصل على تمثيل في الشركات يحقق له إشرافا مماثلا. بمعنى أن يتمكن الديوان من تقييم نظم الرقابة الداخلية واقتراح تعديلات بشأنها (اقتراحا مؤثرا في مجلس الإدارة)، أن يتمكن الديوان من التأثير في عملية اختيار مراجع الحسابات من قبل أن يتم التعيين وأن يتابع أعمال المراجع الخارجي ويطلع على اعتراضاته ومناقشاته مع الشركة وردود الشركة على ذلك واقتراحاته واستجابة الشركة لهذه الاقتراحات. أن يتمكن المراجع من الاطلاع على تقرير المراجع ومناقشته قبل الجمعية العامة، أن يتمكن من الاتصال بشكل مباشر مع المراجع الداخلي للشركة ويدعم دوره ويطلع على تقارير المراجعة الداخلية وتقييماتها للمخاطر. كل ذلك يستطيع الديوان أن يقوم به إذا (وإذا فقط) حصل على تمثيل في لجان المراجعة في الشركات الخاضعة لإشرافه. هنا يتكامل دور الديوان مع بقية أنواع المراجعة ويحصل على اطلاع كامل وفي وقت مناسب. أضف إلى ذلك أن مثل هذا التمثيل سيضيف استقلالية للجنة المراجعة وخبرات ضرورية لها تجعل منها أداة فاعلة جدا أكثر مما هي عليه الآن. وإذا كانت لجنة المراجعة جزءا رئيسا من نظام الحوكمة فإن وجود تمثيل للديوان في هذه اللجنة سيدعم هذا الدور ولا شك. وبذلك يمتد إسهام الديوان إلى أنظمة الحوكمة القائمة ويؤثر فيها. والله أعلم.
bhkhalaf غير متواجد حالياً