الرقم القياسـي ماذا يقيس ؟

[د. علي دقاق]

--------------------------------------------------------------------------------

التاريخ : 26/10/1424 هــ
الموافق : 20/12/2003 م

العـدد : 916
شؤون اقتصادية
11% ارتفاع في نسبته عام 2003م
الرقم القياسي لتكاليف المعيشة .. ماذا يقيس?

المصدر : تحليل: د. علي دقاق
يتفق جميع الاخصائيين والمتخصصين في مختلف العلوم خاصة تلك التي تهتم بالانسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى في ان هناك تقسيما للحاجات الانسانية يبدأ بالحاجات الاساسية (الضرورية) فالتحسينية واخيراً الكمالية. والتقسيم السابق يأخذ صفة النسبية بين مجتمع وآخر وفقاً للمعايير والمقاييس التي تعتمد عليها كل دولة في تحديد من هو الفقير ومن هو متوسط الدخل ومن هو الغني.

وفيما يتعلق بالحاجات الاساسية والتي يتكرر ذكرها وتداولها بين الاقتصاديين نجدها تدور حول خمس اساسيات وهي المواد الغذائية (الاكل والشرب) والسكن وتوابعه والملبس والسكن ( بالزواج ) والامن.

وللعلم فقد ورد ذكر هذه الحاجيات الاساسية في القرآن الكريم في قوله تعالى مخاطباً آدم عليه السلام {واذ قلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها حيث شئتما رغداً} وفي اية اخرى ايضا مخاطباً آدم عليه السلام {وان لك فيها ان لاتجوع ولاتعرى....} وكذلك قوله تعالى {واطعمهم من جوع وامنهم من خوف} فتحدث القرآن عن السكن والزوجة والغذاء بذكر الاكل من الجنة وعدم الجوع واخيراً عن الملبس في قوله تعالى {ولاتعرى} والامن لتكتمل بذلك دائرة الحاجات الاساسية لتأتي بعد ذلك السنة مفسرة وموضحة للحاجات الاساسية رابطة ذلك بحدوث الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والنفسي في قوله صلى الله عليه وسلم (من اصبح آمناً في سربه معافاً في بدنه مالكاً قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).

واخترت الكتابة عن تقسيم الحاجات وخاصة الاساسية منها لغرض التعريج على مفهوم الارقام القياسية لتكلفة المعيشة وماذا تقيس هذه الارقام وتقارير مؤسسة النقد العربي السعودي حافلة بمثل هذه الارقام حيث وكما يشير التقرير رقم 39 الاخير وكما تشير البيانات الاخيرة في الميزانية العامة للدولة حول تكلفة المعيشة فان الرقم القياسي العام وباعتبار العام 1988م كسنة اساس (1988=100) استمر ارتفاع الرقم القياسي بشكل تدريجي الى ان وصل الى 116,7 في عام 1997م ثم بدأ بالانخفاض التدريجي والبطيء حيث يقف الآن عند 111,2.

ويؤخذ هذا الرقم القياسي العام كمتوسط ارقام قياسية للعديد من القطاعات ليس بينها الارقام القياسية للزواج والارقام القياسية للامن والامان فهو يضم الارقام القياسية للمواد الغذائية والسكن وتوابعه والاقمشة والملابس والرعاية الطبية والاثاث المنزلي والنقل والاتصالات والتعليم والترفيه والنفقات والخدمات الاخرى والارقام الاخيرة جاء اعلاها الرقم القياسي للسكن وتوابعه حيث بدأ مرحلة ارتفاع متواصلة منذ العام 1991م ويقف الان عند 123,7 تلاه النقل والاتصالات الذي بدأ مرحلة ارتفاعات متواصلة لم تخل من التذبذب ويقف الرقم الان عند 120,3 تلاه الرقم القياسي للمواد الغذائية والذي يقف حالياً عند 115,7 بعد انخفاضات من الحد الاقصى 122,3 الذي وصله عام 1998م وبعد ذلك نجد ان الرقم القياسي للرعاية الطبية يقف عند 102,7 والاثاث المنزلي عند 100,8 والتعليم والترفيه عند 99,6 والنفقات والخدمات الاخرى عند 92 واخيراً الاقمشة والملابس عند 82,7.

والنظر في الارقام القياسية السابقة لاشك يفيد في توقع اتجاهات بعض المتغيرات الخاصة بالطلب والعرض بشكل او بآخر وهي محسوبة وفقاً لمتوسطي الدخل في المملكة والذين يتراوح انفاقهم الشهري بين (2500 ريال و 10000) ريال وهي تختلف قليلاً عن الرقم القياسي لتكاليف المعيشة لجميع السكان (الدخول) للمدن العشر الكبيرة مجتمعة حيث ينخفض الرقم القياسي العام الى 110 فيما يعد مؤشراً لانخفاض بقية الارقام فيما عدا النقل والاتصالات الذي ارتفع الى 124,1 للعام 2003م تقريباً.

والآن وللاجابة على ماذا تعني الارقام القياسية للمواطن نقول ببساطة انه وفقاً لاسعار سنة الاساس والتي حددت بالعام 1988م فان هناك ارتفاعا عاما في مستوى المعيشة يقدر بحوالى 11% في العام 2003 وقس على ذلك الارتفاعات والانخفاضات الحاصلة في مكونات الرقم القياسي العام. فمثلاً السكن وتوابعه اصبح اغلى مما كان عليه في الاعوام 1988-1990م.

وبدأت بعد ذلك مرحلة ارتفاع تكلفة السكن واخذت نوعا من الاستقرار (المرتفع طبعاً) في الاعوام الاربعة الاخيرة 2000-2003م فالسكن هو من الضروريات والحاجات الاساسية وهذا يبرر الطلب المرتفع على السكن من جهة وكونه ايضاً احد القنوات الاستثمارية المتاحة بشكل واضح وكبير ساعد على دفع الاسعار الى الاعلى, وكذلك بالنسبة للمواد الغذائية التي هي ايضاً من الضروريات ولاشك ان هناك متغيرات خارجية تقف وراء ارتفاع المواد الغذائية خاصة وان المملكة تعتبر من الدول المستوردة لاحتياجاتها الغذائية. وربما يثار سؤال حول لماذا انخفضت الارقام القياسية مثلا للملابس والاقمشة وهل يعني ذلك اننا لانهتم بالملابس والاقمشة اقول ربما ولكن هناك عادات الزي السعودي (الثوب) وتستر المرأة في مجتمعنا يلعب دوراً جيداً في نوع وكم الملابس المطلوبة وهي عادات وقيم هنا تلعب دوراً اقتصادياً ايجابياً في تقليل الانفاق على الملابس مما يحجم الطلب ويؤدي نسبياً الى زيادة المعروض وقد ينعكس ذلك في جزئيات خاصة مثلاً خاصة بملابس الافراح التي تكون اسعارها مبالغا فيها في الغالب. وما يقال عن الملابس يمكن ان يقال قياسا على التعليم والترفيه حيث بدأ الرقم القياسي للتعليم مرحلة انخفاض متواصلة منذ العام 1993م حيث كان عند 108,4 ويقف الآن عند 99,6 ومبررات هذا الانخفاض تأتي على اشكال متعددة ربما يأتي في مقدمتها التوسع في الانفاق الحكومي الكبير على التعليم العام والعالي ومنافسته الجيدة للقطاع الخاص وهذا بالطبع عامل ايجابي انعكس على الانفاق على التعليم بالاضافة الى ان الترفيه العام (برا وبحرا) حتى الآن غير مسعر عدا الترفيه الكمالي والمتركز اساسا في القطاع الخاص وبشكل متواضع جدا ربما ايضا لضعف الطلب المتولد من ضعف الربط بين ثقافة الترفيه والارتقاء بالانتاجية واخيرا فان الرقم القياسي للاتصالات والنقل والذي يعد من الارقام المرتفعة حيث يقف عند 120,3 بعد استقرار مرتفع عند معدل 127 دام للفترة بين 1995 الى 2002م حيث بدأ مرحلة الانخفاض بعد التوجه نحو الانتاج الكبير واعتبارات المنافسة -خاصة في الاتصالات- والتوجه نحو التخصيص في النقل والاتصالات وفتح باب المنافسة حيث من المتوقع ان يستمر الرقم القياسي لتكلفة النقل والاتصالات في الانخفاض في الاعوام القادمة خاصة بعد استكمال الربط المحلي والاقليمي والعربي وهذا ما اشارت له اتفاقات وزارات النقل العربية وقبلها لدول مجلس التعاون ومؤخرا وعلى المستوى المحلي الاعتمادات الجيدة للطرق باطوال حوالى 3800كم.

يبقى ان نشير هنا الى اقتراح باضافة عمودين جديدين الى الارقام القياسية لنكمل بذلك دائرة الارقام القياسية للحاجات الاساسية وهذان العمودان هما (الزواج وتوابعه) و (الامن والاستقرار) ولا اريد التوسع في هذه الورقة حول مبررات اضافة مثل هذين الرقمين ليدخلا في تكوين الرقم القياسي العام والتي على ما يبد و واضحة خاصة الثلاث سنوات الماضية. وبالرغم من عدم وجود احصائيات دقيقة -حسب علمي- عن تكاليف الزواج لكن هناك مؤشرات على وجود مشكلة تتلخص في ارتفاع تكاليف الزواج والتي تختلف من منطقة لاخرى بل من مدينة لاخرى في المنطقة الواحدة وايضا لا يعزا ارتفاع التكاليف الى الاسباب الاقتصادية فقط وانما هناك اسباب غير اقتصادية من المهم دراستها وفقط نظرة واقعية لمستوى الدخول في المملكة وتكلفة الزواج تجعل الشخص المبتدئ يفكر بالزواج كعبء وليس كحاجة اساسية وبالمفهوم الاقتصادي تجنب الاعباء يعني البحث عن البدائل لاشباع غريزة حاجية ومثل هذه البدائل قد لا تتصف بالشرعية وهذا ما لانريده في مجتمعنا. واعتقد فيما يتعلق بالامن بدا واضحا الزيادة في التكلفة المعيشية المترتبة على مكافحة الارهاب.. ومعروف ان ما حصل دعا السلطات الامنية الى اخذ الحيطة في العديد من المواقع الحكومية والاهلية والمجمعات السكنية وحيث ان الحاجة للسكن والمكتب وتوابعهما غير مرنة بالمفهوم الاقتصادي فان صاحب المجمع مثلا سوف يقوم بتحويل الزيادة في التكاليف المترتبة على زيادة درجة الامن الى سكان المجمع وهذا يعني زيادتان الاولى في السكن والثانية في تكاليف الامن وقس على ذلك اعادة توجيه بعض الموارد الحكومية لاغراض امنية والذي تؤكده الزيادة في الانفاق الحكومي بمبلغ 41 مليار ريال عن الانفاق المقدر بمبلغ 209 مليار ريال للعام 2003م حيث تم توجيه جزء منه الى مكافحة الارهاب.

والاقتراح باضافة العمودين الجديدين اعتقد انه سيعكس رقما قياسيا عاما اكثر واقعية واركز هنا على ان المطلب هذا يمثل حاجتين من الحاجات الاساسية للانسان الى جانب الغذاء والسكن والملبس.



alidakkak@gawab.com



--------------------------------------------------------------------------------
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر
جدة: 6760000

[فيصل الحربي]

د. علي دقاق
شكرا لك على هذه المقالة الرائعة
وهذه البنود التي تستخدمها وزارة التخطيط في قياساتها
الأطعمة والمشروبات
الأقمشة والملابس والأحذية
الترميم والإيجار والوقود
التأثيث المنزلي الرعاية الطبية
النقل والإتصالات
التعليم والترويح
السلع والخدمات الأخرى

تحياتي