للتسجيل اضغط هـنـا
أنظمة الموقع تداول في الإعلام للإعلان لديـنا راسلنا التسجيل طلب كود تنشيط العضوية   تنشيط العضوية استعادة كلمة المرور
تداول مواقع الشركات مركز البرامج
مؤشرات السوق اسعار النفط مؤشرات العالم اعلانات الشركات الاكثر نشاط تحميل
 



العودة   منتديات تداول > تداول الآداب والشعر > تداول الشعر الفصيح



إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-01-2015, 06:31 AM   #1
أليا صهل
متداول نشيط
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
المشاركات: 10,221

 

افتراضي بَابُ المُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ

فضيلة الشيخ العلامة
محمد بن صالح العثيمين
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين



بَابُ المُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ

قوله: «المحرمات في النكاح» المحرمات يعني الممنوعات؛ لأن التحريم بمعنى المنع، ومنه حريم البئر، أي: ما دنى منها، فإنه يَمْنع من إحياء ما حول البئر.
وهل المحللات محدودات أو معدودات؟ الجواب: أنهن محدودات، والمحرمات معدودات، فإذا شككنا فالأصل الحل؛ لأن المحدود بالإطلاق إذا لم نتيقن أنه خرج منه شيء فالأصل عمومه.
والمحرمات في النكاح أنواع، دمجهن المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ، ولكن سنبين ـ إن شاء الله ـ كل نوع على حدة، فنقول: المحرمات قسمان: محرمات إلى أبد، ومحرمات إلى أمد، والمرجع في التحريم والتحليل إلى الكتاب والسنة، فما دل الكتاب والسنة على تحريمه فهو حرام، وما لا فلا.

تَحْرُمُ أَبَداً، الأُمُّ، وَكُلُّ جَدَّةٍ وَإِنْ عَلَتْ، وَالْبِنْتُ، وَبِنْتُ الابْنِ، وَبِنْتَاهُمَا مِنْ حَلاَلٍ وَحَرَامٍ وَإِنْ سَفُلَتْ، ........
قوله: «تحرم أبداً» يعني على التأبيد، وهذا هو القسم الأول، وهن خمسة أنواع: بالنسب، وبالرضاع، وبالمصاهرة، وباللعان، وبالاحترام.
نبدأ بالأسهل وهو المحرم بالاحترام، أي: زوجات الرسول صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: {{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا}} [الأحزاب: 53] ، فهن محرمات إلى يوم القيامة، وهذا بالنسبة إلينا انتهى وقته، لكنه محرم إلى الأبد.
الثاني: المحرمات بالنسب، وقد ذكره المؤلف بقوله:
«الأم» يعني التي ولدت الإنسان، قال الله تعالى: {{إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاََّّئِي وَلَدْنَهُمْ}} [المجادلة: 2] .
قوله: «وكل جدة» أي كل جدة من قِبَل الأب، أو من قِبَل الأم.
قوله: «وإن علت» ، أي: إلى حواء.
إذاً كل أنثى من الأصول بدءاً بالأم إلى ما لا نهاية له فهي حرام على الإنسان، وهنا لا تسأل هل ترث أو لا ترث؟ فالجدة وإن لم ترث كأم أبي الأم ـ مثلاً ـ فإنها حرام؛ لأن باب تحريم النكاح أوسع من باب الإرث.
قوله: «والبنت وبنت الابن وبنتاهما» ، فالبنت التي خرجت من صلب الإنسان، وبنت الابن التي خرجت من صلب ابنه وإن نزل، وكذلك بنتاهما، أي: بنت البنت، وبنت بنت الابن.
قوله: «من حلال وحرام» من حلال كالتي خلقت من ماء رجل يحل له وطء من وَلَدتها، مثل الزوج، والسيد، فالبنت التي خلقت من مائه حرام عليه، وهي من وطء حلال، والسيد إذا تسرَّى أمته وأتت منه ببنت فهي ـ أيضاً ـ حرام، وهي من وطء حلال.
وبنت الزاني خلقت من ماء حرام، فتحرم عليه؛ لأنها بضعة منه قدراً، وإن كانت ليس بنته شرعاً، فلا تنسب إليه عند جمهور أهل العلم، سواء استلحقها الزاني أم لا.
قوله: «وإن سفلت» كالبنت، وبنت البنت، وبنت بنت البنت.... إلخ، هؤلاء الفروع.

وَكُلُّ أُخْتٍ، وَبِنْتُهَا، وَبِنْتُ ابْنَتِهَا، وَبِنْتُ كُلِّ أَخٍ، وبِنْتُهَا، وَبِنْتُ ابْنِهِ، وَبِنْتُهَا وَإِنْ سَفُلَتْ، وَكُلُّ عَمَّةٍ، وَخَالَةٍ وَإِنْ عَلَتَا،...........
قوله: «وكُلّ أختٍ وبِنْتُها وبِنْتُ ابنتها» ، فالأخوات حرام على الإنسان، فلا يجوز للإنسان أن يتزوج أخته، سواء كانت شقيقة، أو لأب، أو لأم، وكذلك بنتها، وبنت بنتها، وبنت ابنها، فالأخوات وفروعهن كلهن حرام على الأخ، أما الأخت فواضح؛ لأنها أخته، وأما فروعها فلأنه خالهن، فهو خال بنت الأخت، وخال بنت بنت الأخت؛ لأن خال كل إنسان خال له ولذريته، من ذكور أو إناث.
قوله: «وبِنْتُ كُلِّ أخٍ، وبِنْتُهَا، وبِنْتُ ابْنِهِ وبِنْتُها وإن سفلت» فبنت كل أخ حرام على أخيه؛ لأنه عمها، وإذا نزلت تكون حراماً؛ لأن عم الأم عم لبناتها، وعم الأب عم لبناته وإن نزلن، وهذه قاعدة تريحك، فلا تبحث ولا تسأل، فما دام هذا الإنسان خالاً للأصل فهو خال للفرع، وما دام عمًّا للأصل فهو عم للفرع.
قوله: «وكُلُّ عَمَّةٍ وَخَالَةٍ وَإِنْ عَلَتا» العمة هي أخت الأب، والخالة هي أخت الأم، فهما حرام وإن علتا، بأن تكون خالة للأب، أو خالة للجد، أو خالة للأم، أو خالة للجدة، وكذلك يقال في العمة، أما بناتهن فحلال، ولهذا قال: «وكل عمة» ولم يقل: وبنتها.
إذاً المحرمات إلى الأبد: الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت، والأخت وما تفرع عنها، وما تفرع عن الأخ، والعمة، والخالة، هذه سبع، لكن الآية تغنيك عن هذا الذي قاله المؤلف، مع ما فيه من شيء من التعقيد، قال الله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ}} [النساء: 23] ، فهولاء سبعة حرام بالنسب، أمهاتكم وإن علون، وبناتكم وإن نزلن، وأخواتكم، سواء كن شقيقات أو لأب أو لأم، وما تفرع عنهن، وعماتكم وإن علون، ولا نقول: وإن نزلن؛ لأن بنت العمة حلال، وكذلك بالنسبة لبنت الخالة، وبنات الأخ وإن نزلن، وبنات الأخت وإن نزلن، فهذه سبع محرمات بالنص والإجماع، ولم يخالف في هذا أحد من أهل العلم.
أما بنت الزاني فتدخل في عموم قوله تعالى: {{وَبَنَاتُكُمْ}} لكنها بنت قدراً وليست بنتاً شرعاً، ولذلك لا ترث ولكنها حرام؛ لأن باب النكاح أحوط من باب الميراث، فهي لا ترث؛ لأنها لا تنسب إليه، ولكنها حرام عليه.
وقال بعض أهل العلم: إنها ليست حراماً، لكنه قول ضعيف، وكيف لا تكون حراماً على الزاني وقد خُلِقت من مائه، وإذا كان الرضاع من لبن الزوج مؤثراً في التحريم، فهذا من باب أولى.
ويمكن أن نجمل المحرمات بالنسب فنقول:
أولاً: الأصول وإن علون.
ثانياً: الفروع وإن نزلن.
ثالثاً: فروع الأصل الأدنى وإن نزلن، فالأب فروعه الأخ والأخت، وكذلك الأم.
رابعاً: فروع الأصل الأعلى،ولا نقول: وإن نزلن، أي: بنات الجد، وبنات الجدة دون بناتهن.
فهذه أربعة ضوابط، وإذا اشتبهت عليك الضوابط، فارجع إلى الشيء الواضح وهو الآية الكريمة.
الثالث من المحرمات إلى الأبد ذكره المؤلف بقوله:

والْمُلاَعَنَةُ عَلَى الْمُلاَعِنِ،.........
«والملاعَنة على الملاعِن» ، والملاعنة هي التي رماها زوجها بالزنا ولم تقر به، ولم يقم بينة على ما قذفها به، ففي هذه الحال إذا طالبت بإقامة حد القذف عليه فله إسقاطه باللعان، فيُحْضِرُهما القاضي، ويقول: اشهد على زوجتك أربع مرات، وفي الخامسة أن لعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين، فيحلف أربع مرات، ويقول في الشهادة الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم يقول لها: احلفي في تكذيبه، فتحلف بالله أربع مرات إنه لمن الكاذبين، وفي الخامسة تقول: أنَّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فإذا تم ذلك فرق بينهما تفريقاً مؤبداً، لا تحل له أبداً.
وقوله: «والملاعنة على الملاعن» ، أما أبناء الملاعن فنرجع إلى الأصل في تحريم المصاهرة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الرابع من المحرمات إلى الأبد قوله:

وَيَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ، إِلاَّ أُمَّ أُخْتِهِ، وأُخْتَ ابْنِهِ،......
«ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب» هذا لفظ الحديث[(69)].
فقوله: «بالرضاع» أي: بسبب الرضاع «ما يحرم بالنسب» ، أي: بسبب النسب.
والرضاع معروف وهو سقي الطفل لبناً، والنسب القرابة، قال الله تعالى: {{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ *}} [المؤمنون] إذاً عُدَّ المحرمات بالرضاع كما تعد المحرمات بالنسب، سواءً بسواء، فتقول: تحرم الأم من الرضاع، والبنت من الرضاع، والأخت من الرضاع، وبنت الأخت من الرضاع، وبنت الأخ من الرضاع، والعمة من الرضاع، والخالة من الرضاع.
وقد أعطي النبي صلّى الله عليه وسلّم جوامع الكلم، وفواتح الكلم، وفواصل الكلم، فقال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فطبق هذا على هذا، ولكن لا بد لذلك من شروط في الرضاع:
أولاً: أن يكون الرضاع خمس رضعات فأكثر، هذا هو القول الراجح، لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ الذي رواه مسلم[(70)]: «أنه كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات»، فإذا نقص عن خمس فلا أثر له، ولا تقل: ما الفرق بين الرابعة والسادسة مثلاً، أو الخامسة؟ لأن هذا حكم الله ـ عزّ وجل ـ، فيجب التسليم له، كما أننا لا نقول: لماذا كانت الظهر أربعاً، ولم تكن خمساً أو ستاً؟ فهذه مسائل توقيفية.
وقيل: إنه يثبت التحريم بالثلاث لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان[(71)]» ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ولا المصَّة ولا المصَّتان»[(72)].
فنقول: إن دلالة حديث عائشة بالمنطوق أن الثلاث لا تحرم، ونحن نقول به؛ لأننا إذا قلنا: إن الأربع لا تحرم، فالثلاث من باب أولى، لكن مفهوم هذا الحديث أن الثلاث تحرم، إلا أن هناك منطوقاً، وهو أن المحرِّم خمس رضعات، والقاعدة عند أهل العلم (أن المنطوق مقدم على المفهوم).
ومن العلماء من قال: إن الرضعة الواحدة تحرِّم؛ لأن الله تعالى أطلق في قوله: {{وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}} [النساء: 23] فيقال: المطلق من القرآن إذا قُيِّد بالسنة صار مقيداً؛ لأن السنة شقيقة القرآن، فهي تبينه، وتفسره، وتقيد مطلقه، وتخصِّص عامَّه.
فما هي الرضعة المحرمة، هل هي المصة، بحيث لو أن الصبي مص خمس مرات، ولو في نَفَس واحد ثبت التحريم؟ أو الرضعة أن يمسك الثدي ثم يطلقه ويتنفس ثم يعود؟ أو أن الرضعة بمنزلة الوجبة، يعني أن كل رضعة منفصلة عن الأخرى، ولا تكون في مكان واحد؟
في هذا أقوال للعلماء ثلاثة، والراجح الأخير، وهو اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ؛ ووجه ذلك أننا لا نحكم بتحريم المرأة ـ مثلاً ـ إلا بدليل لا يحتمل التأويل، ولا يحتمل أوجهاً أخرى، وهذا الأخير لا يحتمل سواه؛ لأن هذا أعلى ما قيل، وعلى هذا فلو أنه رضع أربع رضعات، وتنفس في كل واحدة خمس مرات، فلا يثبت التحريم على القول الراجح، حتى تكون كل واحدة منفصلة عن الأخرى.
وقد بحث ابن القيم ـ رحمه الله ـ هذه المسألة في (زاد المعاد) بحثاً دقيقاً، ينبغي لطالب العلم أن يرجع إليه.
الشرط الثاني: أن يكون الرضاع في زمن يتغذى فيه الطفل باللبن، وهل يحمل على الغالب، أو يحمل على الواقع؟
في هذا للعلماء قولان أيضاً:
القول الأول: أن يحمل على الغالب وهو سنتان، فمتى وقع الإرضاع بعد السنتين فلا أثر له، سواء كان الطفل مفطوماً أم غير مفطوم، وما وقع قبلهما ثبت به التحريم سواء كان الطفل مفطوماً أم لا، وهذا المشهور من المذهب، واستدلوا بقوله تعالى: {{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}} [البقرة: 233] وقالوا: إن هذا التحديد أضبط من أن نحدده بشيء آخر؛ لأن الحولين يمكن ضبطهما بالدقيقة، فإذا ولد الطفل في الساعة الثانية عشرة نهاراً، ودار الحولان وبلغ الساعة الثانية عشرة وقد أرضع أربع مرات، فيبقى عليه رضعة واحدة، فإذا أرضعته المرأة بعد الساعة الثانية عشرة بنصف ساعة مثلاً، فإن الرضاع لا يؤثر؛ لأنه لم يقع في الزمن المحدد، ولا شك أن هذا أضبط.
لكن يضعف هذا أن الإرضاع بعد الفطام لا أثر له في نمو الجسم وتغذيته، فلا فرق بين أن ترضعه وله سنة وثمانية أشهر إذا كان قد فُطِم، أو ترضعه وله أربع سنوات؛ لأنه لن ينتفع بهذا الإرضاع، ولن ينمو به، ويؤيد هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام»[(73)] ، والنفي هنا لنفي التأثير لا لنفي الواقع؛ لأنه قد يُرضَع بعد هذا، أي: لا رضاع مؤثر إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام.
فهذا من حيث المعنى أرجح، وذاك من حيث الضبط أرجح، فلننظر:
أولاً: فإذا فطم لحولين اتفق القولان.
ثانياً: إذا فطم لثمانية عشر شهراً، فإن قلنا: العبرة بالحولين، فالإرضاع بعد ذلك مؤثر، وإن قلنا: بالفطام، فالإرضاع بعد ذلك غير مؤثر.
ثالثاً: إن لم يفطم إلا لسنتين وخمسة أشهر فإن قلنا بالحولين، فالإرضاع غير مؤثر، وإن قلنا بالفطام فالإرضاع مؤثر بعد الحولين، والمسألة واضحة.
وهل رضاع الكبير مؤثر؟ بعض العلماء يقول: إن رضاع الكبير مؤثر، ولو تجاوز الحولين، أو الثلاثة أو العشرة، واستدلوا بعموم قوله تعالى: {{وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}} [النساء: 23] ، وبناءً على هذا يجب أن نحذر بعض الأزواج الذين يرضعون من ثدي زوجاتهم ـ وهذا واقع ونُسأل عنه ـ لأن الناس الآن من شدة الترف أصبحوا يستمتعون بالنساء من كل وجه، فعلى هذا القول تكون أمه من الرضاع، وحينئذٍ ينفسخ، فينقلب الترف تلفاً، فهو يريد أن يترف نفسه بهذا، لكن بعده المفاصلة.
فلو قلنا بهذا القول ـ وهو قول ضعيف مطَّرح لا عبرة به، لكن حكايته لا بأس بها ـ لكانت المرأة الذكية التي لا تريد زوجها تحتال عليه، وتسقيه من لبنها، وكأنه من ثدي شاة، خمسة أيام، فإذا تم اليوم الخامس تقول له: سلام عليك!!
المهم أن هذا قول مطرح ولا عبرة به؛ لأن السنة يجب أن تكون مقيدة للقرآن؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال: {{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *}} [آل عمران] ، فلا يمكن أن يصل الإنسان إلى رحمة الله إلا إذا أطاع الله، وأطاع رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والسنة هي قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم أو فعله أو تقريره.
وهل يشترط أن يكون هذا اللبن قد ثاب ـ يعني اجتمع ـ عن حمل أو لا يشترط؟
في ذلك خلاف ينبني عليه لو أن البكر أرضعت طفلاً، فهل يكون ولدها من الرضاع وتحرم عليه أو لا؟
فالمشهور من المذهب أنه لا بد أن يكون قد ثاب عن حمل، وأن إرضاع البكر لا عبرة به؛ لأنه ليس عن حمل، والصواب أنه مؤثر وإن لم يثب عن حمل لعموم الآية: {{وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}} ولأن المعنى واضح وهو تغذي هذا الطفل باللبن.
والدليل على أن الإرضاع مؤثر في تحريم النكاح قول الله تعالى: {{وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}} [النساء: 23] ، فذكرت الآية صنفين أو نوعين، وأكملت السنة الباقي فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»[(74)].
قوله: «إِلاَّ أمَّ أُخْتِهِ، وأُخْتَ ابْنِهِ» ، فأم أخته من الرضاع لا تحرم عليه، ومن النسب تحرم عليه؛ لأن أم أختك من النسب، إما أن تكون أمك، وإما أن تكون زوجة أبيك، فإن كانت زوجة أبيك فهي حرام عليك بالمصاهرة، وأما أم أختك من الرضاع فليست زوجة أبيك، بل هي زوجة رجل آخر، فإذا رضعت أختك من امرأة فيجوز لك أن تتزوج بها.
كذلك أخت ابنك من الرضاع، كأم أختك من الرضاع، فهذه تحرم عليك إذا كانت من النسب، لكن بالمصاهرة لا بالقرابة، وبهذا يتبين أن هذا الاستثناء لا وجه له ولا حاجة إليه، ولو كان هذا محتاجاً إليه لكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم أول من يستثنيه، والحديث: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» عام، وهذه المسألة التحريم فيها بالمصاهرة، أي: في النسب، وليس بالرضاع.

وَيَحْرُمُ بِالعَقْدِ زَوْجَةُ أَبِيهِ، وَكُلِّ جَدٍّ، وَزَوْجَةُ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ، دُونَ بَنَاتِهِنَّ، وَأُمَّهَاتِهِنَّ، وَتَحْرُمُ أُمُّ زَوْجَتِهِ، وَجَدَّاتُهَا بِالْعَقْدِ، وَبِنْتُهَا وَبَنَاتُ أَوْلاَدِهَا بِالدُّخُولِ،..........
قوله: «ويحرم بالعقد زوجةُ أبِيهِ، وَكُلِّ جَدٍّ، وزوجةُ ابْنِهِ وإِنْ نَزَلَ دُونَ بناتِهِن وأمَّهاتِهِنَّ، وتحرُمُ أُمُّ زَوْجَتِهِ، وجَدَّاتُها بالعقد، وبِنْتُها وبناتُ أَوْلادِهَا بالدُّخُولِ» ، هذا المحرم بالمصاهرة، وهي الاتصال بين إنسانين بسبب عقد النكاح، فليس هناك قرابة ولا رضاع.
فقوله: «ويحرم بالعقد» أي عقد النكاح بدليل قوله: «زوجة أبيه» فمتى عقد إنسان على امرأة حرم على ابنه أن يتزوجها، سواء دخل بها أم لم يدخل، حتى لو طلقها قبل الدخول أو مات عنها قبل الدخول فهي حرام على ابنه، لقول الله تعالى: {{وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً *}} [النساء] ، وقال في الزنا: {{وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وسَاءَ سَبِيلاً *}} [الإسراء] ولم يقل: (مقتاً) وهو يدل على أن نكاح المحارم أشد من الزنا، ولهذا كان القول الراجح أن من نكح محرمه فإنه يقتل بكل حال، حتى وإن كان بكراً، بخلاف الزنا فإن البكر لا يرجم.
وقوله: «ويحرم بالعقد» هل يشترط أن يكون العقد صحيحاً؟ الجواب: نعم؛ لأن العقد غير الصحيح لا يسمى عقداً، فلو تزوجت امرأة شخصاً بدون ولي ـ والولي كما سبق شرط في النكاح ـ فالعقد فاسد، فلو مات جاز لابنه من غيرها أن يتزوجها؛ لأن العقد غير صحيح، وكلما سمعت في القرآن أو السنة «عقد» فالمراد به الصحيح.
إذاً يحرم بالعقد الصحيح زوجة أبيه وإن علا، ويغني عنها قوله: «وكل جد».
فلو قال قائل: {{آبَاؤُكُمْ}} في قوله: {{وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}} [النساء: 22] ألا يمكن أن يراد بها أبو الصلب؟
فالجواب: لا، فالآباء تشمل الأجداد وإن علوا، قال الله تعالى: {{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}} [الحج: 78] وأبونا إبراهيم ـ عليه السلام ـ ليس أباً للصلب، بل هو أبو آبائنا وأجدادنا.
مسألة: لو أن رجلاً زنى بامرأة، فهل يحرم عليه أصلها وفرعها؟ وهل يحرم عليها أصله وفرعه؟ لا يحرم؛ لأنه لا يدخل في قول: {{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ}}، وقوله: {{وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}}، وقوله: {{وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ}}، والزانية لا تدخل في هذا، فالمزني بها من ليست من حلائل الأبناء، وكذلك أمُّ المزني بها ليست من أمهات نسائك، إذاً فتكون حلالاً لدخولها في قوله تعالى: {{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}} وفي قراءة و«أَحلَّ لكم ما وراء ذلك»[(75)].
والمذهب أن الزنا كالنكاح، فإذا زنا بامرأةٍ حرم عليه أصولها وفروعها، وحرم عليها أصوله وفروعه تحريماً مؤبداً، وهذا من غرائب العلم، أن يُجْعل السفاح كالنكاح، وهو من أضعف الأقوال، وأضعف منه ـ أيضاً ـ من قال: إن الرجل إذا لاط بشخص ـ والعياذ بالله ـ فهو كالمرأة المعقود عليها عقداً شرعياً!! فيحرم على هذا اللائط فروع الملوط به وأصوله، ويحرم على الملوط به فروع اللائط وأصوله، هذا أبعد وأبعد من القول الأول!! وذلك لأن اللواط لا يحل الفرج بأي حال من الأحوال، لا بعقد ولا بغير عقد، أما فرج المرأة فيمكن أن تعقد على امرأة ويحل لك.
فالصواب أنه لا أثر في تحريم المصاهرة بغير عقد صحيح؛ وذلك لأن العقود إذا أطلقت في الشرع حملت على الصحيح، ومن الغرائب أنهم يقولون في الظهار: لو ظاهر الإنسان من امرأة أجنبية لا يثبت الظهار، مع أن قوله: {{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ}} [المجادلة: 2] مثل: «أمهات نسائكم» في هذا، وكذلك في الإيلاء: {{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}} [البقرة: 226] قالوا: ما يثبت إلا مع زوجة، فكيف نقول بالتحريم في هذه المسألة؟! فالصواب أن كل ما كان طريقه محرماً فإنه لا أثر له في التحريم والمصاهرة.
وقوله: «وزوجة ابنه وإن نزل» مثل: ابن ابنه، وابن بنته، وابن ابن ابن ابنه... إلخ، وقد اشترط الله ـ تعالى ـ في زوجة الابن أن يكون من الأصلاب، فقال تعالى: {{وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ}} [النساء: 23] يعني الذين خرجوا من صلب الإنسان، احترازاً من الابن من الرضاع، وهذا هو الراجح، ولكن جمهور العلماء يقولون: إنه احتراز من ابن التبني، فقوله تعالى: {{الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ}} يعني لا من الأبناء الذين تبنيتموهم.
ولكن يقال: في هذا نظر، لا سيما إن كانت الآية نزلت بعد إبطال التبني، فإنه إذا أبطِل التبني شرعاً لا يُحتاج إلى الاحتراز منه؛ لأنه غير داخل في الحكم حتى يحُتاج إلى الاحتراز منه بالقيد، وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
وقوله: «دون بناتهن وأمهاتهن» أي بنات زوجة أبيه، وبنات زوجة ابنه، ومعلوم أن المراد بنات زوجة أبيه من غير جدته، أو من غير أمه، فلو كان للأب زوجة ولها بنت من غيره، وهذه الزوجة ليست أماً لولده، فإنه يجوز أن يتزوج الولد هذه البنت؛ لأنه لا علاقة بينه وبينها، فهي ليست أخته؛ لأنها ليست من أمه، ولا من أبيه أيضاً.
إذاً يجوز أن يتزوج الأب أماً والابن بنتها، وكذلك العكس، وفيها تداخل بأن يكون عمًّا وخالاً، وابن عم وابن خال، وهي معروفة في الألغاز.
وقوله: «وتحرم أم زوجته وجداتها بالعقد» ، أي عقد النكاح الصحيح، فأم الزوجة حرام بمجرد العقد، فلو عقد على امرأة وطلقها قبل الدخول حرمت عليه أمها؛ لأن الله تعالى أطلق فقال: {{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}} [النساء: 23] ، والمرأة تكون من نسائه بمجرد العقد.
وقوله: «وبنتها وبنات أولادها بالدخول» بنتها من فروعها، وبنات الأولاد يشمل بنات الأبناء، وبنات البنات؛ لأن الأولاد إذا أطلقت شملت البنين والبنات، فبنت الزوجة وبنات أولادها لا يُحرَّمن على الزوج إلا بالدخول بالأم، والمراد بالدخول هنا الوطء يعني الجماع، فلو تزوج امرأة وخلا بها، ولم تعجبه وطلقها فله أن يتزوج بنتها، سواء كانت من زوج سابق، أو من زوج لاحق لقول الله تعالى: {{وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاََّّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}} [النساء: 23] .
فربيبة الزوج اشترط الله تعالى فيها شرطين:
الأول: أن تكون في حجر الزوج.
الثاني: أن يكون قد دخل بأمها.
هذان الشرطان ذكر الله تعالى مفهوم أحدهما، ولم يذكر مفهوم الآخر، فقال: {{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}} [النساء: 23] ولم يقل: وإن لم يكُنَّ في حجوركم فلا جناح عليكم، فصرح بمفهوم القيد الثاني، وهو قوله: {{اللاََّّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}} وسكت عن مفهوم الأول، فيستدل بهذا على أن القيد الأول غير معتبر؛، وأكثر العلماء على ذلك، وإن كان هناك قول للسلف والخلف أنه شرط، ولكننا نقول: ليس بشرط؛ لأن الله تعالى صرح بمفهوم القيد الثاني، فدل ذلك على أن مفهوم القيد الأول غير معتبر.
فإن قال قائل: إذا كان غير معتبر فعلى أي شيء تخرجون الآية؟
فالجواب: أننا نخرجها بناءً على الغالب، وإشارةً للعلة، أما كونه بناءً على الغالب فلأن الغالب ـ لا سيما في صدر الإسلام ـ أن بنت الزوجة إذا تزوجت أمها تكون معها.
وأما الثاني وهو الإشارة إلى العلة فكأنه قال: إنها تحرم على الزوج؛ لأنها كبناته، إذ إنها في حجره، وهو ينظر إليها نظر مربٍّ لها، ولذلك تجدها مثلاً بنتاً لها سبع سنين، أو عشر سنين، أو اثنتا عشرة سنة تأتي إلى زوج أمها وتقدم له الطعام، وتكشف وجهها له وكأنها ابنته تماماً، فليس من المناسب أن يدخل عليها وينكحها.
وهذا القول الذي عليه الجمهور هو الراجح أنه لا يشترط في تحريم الربيبة على زوج أمها إلا شرط واحد، وهو الدخول بأمها.
فلو عقد على امرأة وطلقها قبل الدخول، أو ماتت قبل الدخول فإنه يحل له بناتها، ولو كن في حجره على قول الجمهور وهو الأرجح.
فهؤلاء الأربعة يثبت التحريم فيهن بالمصاهرة، فهل يثبت التحريم فيهن إذا كن من الرضاع؟ بمعنى هل يحرم على الزوجة أبو زوجها من الرضاع، وابن زوجها من الرضاع، وعلى الزوج بنت زوجته من الرضاع، وأم زوجته من الرضاع؟ مثال ذلك: رجل تزوج امرأة لها أم من الرضاع وأم من النسب، فأمها من النسب حرام عليه، أما أمها من الرضاع، فهل هي حرام أو غير حرام؟
هذه المسألة فيها خلاف: فجمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة على أنه يثبت التحريم بالمصاهرة، وحكي إجماعاً ولا يصح، فيقولون: إنه يحرم على الزوجة أبو زوجها من الرضاع، وابن زوجها من الرضاع، وعلى الزوج أم زوجته من الرضاع وابنة زوجته من الرضاع، واستدلوا بعموم قوله تعالى: {{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}} [النساء: 23] والمرضعة تسمى أماً، وقوله: {{وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}} [النساء: 22] والأب من الرضاع يسمى أباً، وقوله تعالى: {{وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ}}، وبقوله عليه الصلاة والسلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» [(76)]، فقالوا: كما أن أبا الزوج من النسب حرام على الزوجة، فيكون أبوه من الرضاع حراماً عليها، وكما أن أم الزوجة من النسب حرام على الزوج فأمها من الرضاع ـ أيضاً ـ حرام.
واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أنه لا يحرم من الرضاع ما يحرم بالمصاهرة لحديث: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، فالحديث يدل بمنطوقه على أنه يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب، ويدل بمفهومه على أنه لا يحرم بالرضاع ما يحرم بغير النسب.
وأما قوله تعالى: {{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}} فالاستدلال به غير صحيح من الآية نفسها، فلو كانت الأم عند الإطلاق تشمل الأم من الرضاع والأم من النسب، لم يكن لقوله: {{وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}} فائدة؛ لأن {{أُمَهَاتُكُمْ}} سبقت في أول الآية، وأيضاً الأم من الرضاعة لا يصح أن نقول: إنها أم على الإطلاق، بل لا بد من القيد، ولهذا لا تدخل في الأم في قوله تعالى: {{فَلأُمِّهِ السُّدُسُ}} [النساء: 11] بالإجماع، وكذلك الأخت عند الإطلاق لا يدخل فيها الأخت من الرضاع، وإلا لما قال: {{وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}} فلا دليل في الآية.
كذلك قوله: {{وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}} فإنه من المعلوم أن الأب من الرضاع لا يدخل في مطلق الأب أبداً، فلا يسمى أباً إلا بقيد الرضاع.
وأما قوله: {{وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ}} فقد تكون حجة عليهم؛ لأن الله قيد الأبناء بكونهم من الأصلاب؛ فقال: {{وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ}} وأجابوا: أن هذا القيد احتراز من ابن التبني، فيقال: إنه لا يمكن أن يحترز الله في القرآن عن ابن باطل شرعاً؛ لأن الابن الباطل شرعاً غير داخل حتى يحتاج إلى قيد يخرجه، فابن التبني ليس شرعياً من الأصل.
وعلى هذا فالآية تدل على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، وهو الذي نراه ونرجحه أنه لا دخل للرضاع في المصاهرة؛ وذلك لأن لدينا عموماً من القرآن فلا يمكن أن نخرمه إلا بدليل بَيِّن، وهو قوله: {{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}} و«ما» اسم موصول تفيد العموم، فأي إنسان يقول: هذه المرأة حرام، نقول له: ائت بدليل.
وعلى هذا يجوز للرجل أن يتزوج أم زوجته من الرضاعة، لكن بعد أن يفارق الزوجة بموت أو طلاق فلا يجمع بينهما؛ لقول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ «يحرم بالرضاعة ما يحرم بالنسب»[(77)] ، فإذا حرم الجمع بالنسب حرم بالرضاعة، ولهذا فشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة لم يصب في قوله إنه يجوز الجمع بين الأختين من الرضاع، وكون جمهور الأمة على أن الرضاع مؤثر في تحريم المصاهرة يوجب للإنسان أن يسلك طريق الاحتياط، فنقول: أم الزوجة حرام تبعاً للجمهور، وتحتجب تبعاً لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ وذلك لأننا إذا قلنا: إنها حرام عليك على رأي الجمهور لا تحتجب، وإذا قلنا إنها حلال على رأي الشيخ تحتجب، وأنا أعمل بالدليلين، وأقول: هذه مسألة مشكوك فيها، وإذا شك في الأمر فإنه يسلك فيه طريق الاحتياط، فنأخذ بالاحتياط بما قاله الجمهور من تحريم نكاحها، ونأخذ بالاحتياط بما قاله شيخ الإسلام من وجوب الحجاب.
وهذا المسلك له أصل في الشرع، وهو قصة سودة بنت زمعة ـ رضي الله عنها ـ حينما تخاصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة ـ رضي الله عنهما ـ في غلام كان ادعاه سعد بن أبي وقاص وقال: إنه ابن أخي عهد به إليَّ فأريده، فقال: عبد بن زمعة: يا رسول الله إنه ولد وليدة أبي، ولد على فراشه ـ ومعلوم أن الولد للفراش إذا ادعاه صاحب الفراش، حتى لو علمنا أنه من الزاني قطعاً ـ فقال سعد: يا رسول الله انظر إلى شبه الغلام، فنظر إليه فوجد شبهاً بيناً بعتبة، مما يدل على أنه خلق من مائه، ثم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة» [(78)]، فقضى به لزمعة على أنه ابنه، وأمر سودة أن تحتجب منه على سبيل الاحتياط؛ لأنه رأى شبهاً بيناً، فأعمل النبي صلّى الله عليه وسلّم السببين احتياطاً.
فما دام هذا الأمر له أصل في الشريعة فلا حرج أن نسلك هذا المسلك.
وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، هل هذا عام، سواء ادَّعاه صاحب الفراش أم لم يدعه، أو خاص فيما إذا ادَّعاه صاحب الفراش؟ بمعنى أنه لو كانت المزني بها لا فراش لها، وادعى الزاني أن الولد ولده فهل يلحق به؟
الجمهور على أنه عام، وأنه لا حق للزاني في الولد الذي خلق من مائه، وذهب بعض العلماء إلى أن هذا خاص في المخاصمة، يعني إذا تخاصم الزاني وصاحب الفراش قضينا به لصاحب الفراش، أما إذا كان لا منازع للزاني، واستلحقه فله ذلك ويلحق به، وهذا القول هو الراجح المناسب للعقل، وكذلك للشرع عند التأمل.

فَإِنْ بَانَتِ الزَّوْجَةُ، أَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الخَلْوَةِ أُبِحْنَ.
قوله: «فإن بانت الزوجة، أو ماتت بعد الخلوة أبحن» نائب الفاعل في قوله: «أبحن» يعود على بنات الزوجة، وبنات بناتها، وبنات أبنائها، فلو تزوج امرأة ثم بانت منه بعد أن خلا بها، لكنه لم يجامعها فإنه تحل له بناتها، وبنات بناتها، وبنات أبنائها؛ لأن من شرط تحريم الربيبة ومن تفرع منها أن يدخل بأمها، وهنا لم يدخل.
وكذلك ـ أيضاً ـ لو أنه طلقها فانقضت العدة جاز أن يتزوج ابنتها، إذا لم يدخل بأمها؛ لاشتراط الدخول.
وهل يحرم على الزوج بنات زوجته التي دخل بها من زوج بعده؟
الجواب: نعم؛ لأن المحرمات بالمصاهرة أربعة أصناف:
أولاً: أصول الزوج على الزوجة.
ثانياً: فروع الزوج على الزوجة.
ثالثاً: أصول الزوجة على الزوج.
هذه الثلاث تحرم بمجرد العقد.
رابعاً : فروع الزوجة على الزوج، وهنا لا بد من الدخول، فإذا حصل دخول فبناتها من زوج قبله، أو بعده حرام عليه تحريماً مؤبداً، ولهذا قال: «فإن بانت الزوجة» أي انفصلت من الزوج، إما بطلاق بائن كالثلاث، وإما بانقضاء العدة في الرجعية.
وقوله: «بعد الخلوة» وقبل الخلوة من باب أولى، لكنه نص على ما بعد الخلوة؛ لأن بعض أهل العلم يقول: إنه إذا خلا بأمهن دون جماع حرمن عليه، وقاسوا ذلك على وجوب العدة، وعلى استقرار الصداق كاملاً، فيما إذا تزوج امرأة وخلا بها، ثم طلقها فإن العدة تجب، وكذلك يستقر الصداق كاملاً.
ولكن هذا فيه نظر؛ لأن القرآن هنا صرح باشتراط الدخول، ومع وجود النص فلا قياس.

فَصْلٌ

وَتَحْرُمُ إِلَى أَمَدٍ أخْتُ مُعْتَدَّتِهِ، وَأُخْتُ زَوْجَتِهِ، وَبِنْتَاهُمَا، وَعَمَّتَاهُمَا، وَخَالَتَاهُمَا،.......
ثم شرع المؤلف ـ رحمه الله ـ بالمحرمات إلى أمد، وهن المحرمات إلى مدة معينة، أو تغير حال إلى أخرى، فهن محرمات لسبب يزول فقال:
«وتَحْرُمُ إلى أمد أخت معتدته» ، أي إذا طلق امرأة وشرعت في العدة، وأراد أن يتزوج أختها فإن ذلك حرام، حتى تنتهي العدة.
قوله: «وأخت زوجته» أي التي لم تطلق؛ لأنه إذا حرمت أخت المطلقة ما دامت في العدة، فأخت غير المطلقة من باب أولى.
وقوله: «وتحرم إلى أمد أخت معتدته، وأخت زوجته» .
هذا تسامح من المؤلف ـ رحمه الله ـ؛ لأن أخت معتدته وأخت زوجته لا تحرم عليه، فالقرآن لم ينص على أن أخت زوجته حرام عليه، ولا على أن أخت معتدته حرام عليه، بل قال: {{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}} [النساء: 23] ، فالمحرم هو الجمع، أما نفس الأخت فليست موصوفة بأنها حرام، بخلاف الأم، والبنت، والمحرِمة، وما أشبه ذلك، فهؤلاء موصوفات بأنهن حرام، فلنعبر بما عبر به القرآن، وهو صريح، فقال: {{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}}.
إذاً أخت الزوجة حرام، وأما أخت المعتدة ـ فعلى كلام المؤلف ـ أنها حرام، ولو كانت بائنة بينونة كبرى، كالمطلقة ثلاثاً، فإنها وإن كانت لا ترجع إليه بعقد لكن لا زالت عُلق النكاح وآثاره باقية عليها وهو العدة، والصواب أن في ذلك تفصيلاً:
فإن كانت عدة بائنة، فلا تحل للزوج إلا بعد زوج كالمطلقة ثلاثاً، فله أن يتزوج أختها؛ وذلك لأن الزوجة بانت بينونة كبرى.
وإن كانت رجعية أو بينونتها صغرى فإنها لا تحل، والرجعية هي التي طلقها على غير عوض مرة واحدة بعد الدخول، والبائنة بينونة صغرى هي التي خالعها زوجها، وسميت صغرى؛ لأنه يجوز للزوج المخالع أن يتزوجها في العدة وبعدها، أما البينونة الكبرى فهي البائن بالطلاق الثلاث، وعلى هذا فالمعتدات ثلاثة أنواع:
الأول: رجعية، وهي المعتدة التي يمكن أن يراجعها بدون عقد.
الثاني: بائن بينونة صغرى، وهي التي له أن يتزوجها بعقد بدون مراجعة، يعني لا يملك المراجعة، لكن يملك أن يعقد عليها، فكل معتدة لا تحل إلا بعقد، فبينونتها صغرى.
الثالث: بائن بينونة كبرى، وهي التي طلقها آخر ثلاث تطليقات فلا تحل إلا بعد زوج، بالشروط المعروفة.
المهم أن أخت معتدته ظاهر كلام المؤلف أنها حرام، سواء كانت رجعية، أو بائنة بينونة صغرى، أو بائنة بينونة كبرى.
والصحيح أنه إذا كانت بائنة بينونة كبرى فإنها تحل له؛ لأن البائنة بينونة كبرى لا يمكنه الرجوع إليها.
قوله: «وبنتاهما» أي: بنت أخت زوجته، وبنت أخت معتدته.
قوله: «وعمتاهما وخالتاهما» أي: لا يجوز الجمع بين معتدته وعمتها أو خالتها، وكذلك زوجته وعمتها أو خالتها، ولو أن المؤلف ـ رحمه الله ـ وغيره من العلماء أتوا بالآية والحديث لكان أوضح وأبين وأجلى، قال الله تعالى: {{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}} وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها»[(79)]؛ والتعليل لأن الجمع بين هذه القرابة القريبة يؤدي غالباً إلى قطيعة الرحم؛ لأنه من المعروف أن الضرتين يكون بينهما عداوة وبغضاء وشحناء؛ فمن أجل البعد عن قطيعة الرحم، حرم الشرع الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها.
فصار الذي يحرم بينهن الجمع ثلاثة أصناف:
الأختان، والعمة وبنت أخيها، والخالة وبنت أختها، وهذا أوضح مما قاله المؤلف وأبين، وأيضاً هو حكم ودليل.
وبنت العم مع بنت عمها تحل؛ لأن ما سوى الثلاث حلال، وهذا ـ أيضاً ـ أوضح من قول بعضهم: «يحرم الجمع بين امرأتين، لو قدرت إحداهما ذكراً لم تتزوج بالأخرى لنسب أو رضاع، لا مصاهرة»، وهذا وإن كان ضابطاً، لكنه ضابط يعقد المسألة؛ لأنه يحتاج أولاً إلى تصور، وبعد التصور الحكم، لكن القرآن والسنة أسهل.
فإذا قال قائل: هل يجوز أن يجمع بين زوجة إنسان وبنته من غيرها، فلو توفي رجل عن زوجته وله بنت من غيرها، فتزوجهما رجل، وجمع بينهما فإنه يجوز، ولو فرضنا إحداهما ذكراً فإنه لا يتزوج بالأخرى، لكن قالوا: هنا لا يتزوج من أجل المصاهرة فلذلك جاز الجمع، ولهذا نقول: إذا رجعنا إلى الكتاب والسنة في هذه المسألة بالذات، وفي غيرها أيضاً، فإننا نرى أن التعبير القرآني والنبوي أوضح.
فزوجة إنسان وبنته من غيرها ليستا أختين، ولا عمة وبنت أخيها، ولا خالة وبنت أختها فتحل، والسؤال عن هذا كثير، كيف يجمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها؟
فنقول: نعم؛ لأن الله بين فقال: {{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}} [النساء: 24] .
وهل الجمع بين الأختين من رضاع، وبين المرأة وعمتها، أو خالتها من رضاع يحرم، أو لا يحرم؟
الصحيح بلا شك أنه يحرم الجمع بينهن، وهو قول الجمهور، ولا إشكال فيه؛ لأن الدليل فيه واضح «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» [(80)]، فكما حرم الجمع بين هاتين المرأتين بالنسب، فكذلك يحرم الجمع بينهما بالرضاع.
وخالف في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فقال: يجوز أن تجمع بين الأختين من الرضاع، وبين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، لكن قوله ضعيف، والحق أحق أن يتبع، والحديث واضح: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» سواء كان معنًى أو عيناً، فما يحرم من النسب بعينه من النساء يحرم من الرضاع، وما يحرم لمعنى فيه يحرم كذلك من الرضاع، وعلى هذا فلا يجمع بين الأختين من الرضاع، ولا بين امرأة وعمتها، ولا بين امرأة وخالتها من الرضاع.

فَإِنْ طُلِّقَتْ وَفَرَغَتِ الْعِدَّةُ أُبِحْنَ، وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ مَعاً بَطَلاَ........
قوله: «فَإِنْ طُلِّقَتْ وَفَرَغَتْ العِدَّةُ أُبِحْنَ» أي أبيحت أخت الزوجة، وعمتها، وخالتها، ولكن شرط المؤلف أن تفرغ العدة، فظاهره أنه ما دامت العدة باقية فهن حرام، سواء كانت العدة عدة بينونة أو لا، ولكن نعود إلى ما سبق أن الراجح إذا كانت بينونة كبرى فلا حرج؛ لأنه لا يمكن الجمع بينهن، أما البينونة الصغرى والرجعية فلا يجوز أن يتزوج أخت من كانت عدتها عدة بائن بينونة صغرى أو رجعية.
قال في الروض[(81)]: «ومن وطئ أخت زوجته بشبهة، أو زنا حرمت عليه زوجته حتى تنقضي عدة الموطوءة» يعني لو أن رجلاً زنا بأخت زوجته ـ والعياذ بالله ـ قلنا له: إن زوجتك حرام عليك حتى تنقضي عدة المزني بها، فلو قدر أن المزني بها حملت من هذا الوطء، فلا تحل له زوجته حتى تضع المزني بها حملها، ولو بقي في بطنها أربع سنوات!! لكن تقدم لنا القول الراجح أن الزنا لا أثر له، ولا يمكن أن نجعل السفاح مثل النكاح الصحيح.
قوله: «وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ مَعَاً بَطَلا» أي: إن تزوج الأختين، فإن كان عقد واحد فالمثال فيه سهل، بأن يقول الأب للشخص: زوجتك ابنتيَّ هاتين، فيقول: قبلت، فهنا لا يصح إنكاح واحدة منهما؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، فلا يصح العقد لا على هذه، ولا على هذه، والعمل أن يعين واحدة، فيقول: زوجتك بنتي فلانة، ويصح العقد على واحدة.
وقوله: «أو عقدين معاً بطلا» أي: تزوجهما في عقدين معاً، وهذا لا يتصور إلا بوكالة، مثل أن يكون الولي له ابنتان فيوكل شخصاً يزوج إحداهما ويتولى هو تزويج الأخرى، وكذلك الزوج يوكل شخصاً يقبل له نكاح إحداهما ويتولى هو نكاح الأخرى، فوافق أن قال الولي لهذا الزوج: زوجتك بنتي فلانة، ووكيل الولي يقول لوكيل الزوج: زوجت موكلك فلاناً فلانة في آن واحد، فيبطل العقدان جميعاً، وهذا يذكر على سبيل الفرض، وإلا فهو صعب.
فلو قال قائل: ألا يمكن أن نصور المسألة بأهون من هذا، فنقول: لو أن الولي وَكَّل شخصاً في تزويج بنته فلانة، وعقد الولي لبنته الأخرى فأوجبا العقد للزوج، فقال الزوج: قبلت، فهل يمكن أن يصح هذا المثال، ويقال: إنه في عقدين؟
فالجواب: أن الإيجاب من شخصين ولا شك، لكن القبول من شخص واحد، فيكون العقد واحداً؛ لأنه في العقدين لا بد لكل عقد من إيجاب وقبول، وهذا لا يتصور في إيجابين بقبول واحد.
ولو قالا جميعاً: زوجتك، فقال للأب: قبلت، وقال للثاني: قبلت، فإن فيه إشكالاً؛ لأن الإيجابين وقعا جميعاً، إلا إذا قال الزوج: أنا نويت الإعراض عن الإيجاب الثاني، وأردت الرد على إيجاب الأب، فهنا نقول: يصح، ويقع الثاني لغواً.
وعلى كل حال فهذه مسائل فرضيات، وإلا فوقوعها نادر جداً.

فَإِنْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا، أَوْ وَقَعَ فِي عِدَّةِ الأُخْرَى وَهِيَ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيَّةٌ بَطَلَ،....
قوله: «فَإِنْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا» يعني أحد العقدين، فالذي يصح هو الأول، مثل أن يقول: زوجتك بنتي عائشة فيقول: قبلت، ثم يقول الأب في نفس المجلس: زوجتك بنتي فاطمة، فيقول: قبلت، فالذي يصح نكاحها عائشة، والثاني لا يصح؛ لأنه إنما حصل الجمع بالعقد الثاني، فيكون هو مورد النهي، فاختص البطلان به.
قوله: «أَوْ وَقَعَ فِي عِدَّةِ الأُخْرَى وَهِيَ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيَّةٌ بَطَلَ» أي: بطل المتأخر؛ لأنه لا يحل أن يجمع بين الأختين، ولا بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها.
مسألة: إن وقع العقدان وجهلنا السابق، فماذا نصنع؟ نقول: يجب فسخهما جميعاً، ولا نقول: يبطلان؛ لأنه ليس عندنا ما يحصل به البطلان، إذ البطلان إنما يكون حين يتحقق أنهما وقعا معاً، أما الآن فلا ندري، قد يكونان وقعا معاً، وقد يكون أحدهما سابقاً، إذاً يجب فسخهما، ويترتب على ذلك أنه يجب نصف المهر لإحداهما، ولو قلنا: باطلاً، ما وجب لإحداهما شيء؛ لأنه عقد باطل ما يوجب المهر، ولا حصل الدخول، حتى نقول: يستقر المهر بالدخول فهذا هو الفرق، والذي يتولى فسخهما القاضي، يقول: أقرر فسخ النكاح، فيفسخه ويجب لإحداهما نصف المهر؛ لأنها مطلقة قبل الدخول، ومن الذي يجب لها نصف المهر؟ نقول: نقرع بينهما؛ لأنها تدخل في الأموال، فأيتهما وقعت عليها القرعة يكون لها نصف المهر، ولا عدة على الجميع؛ لأنه لم يحصل دخول.
لكن إذا تبين الحال بعد ذلك، فإن تبين أنهما وقعا معاً فلا مهر عليه ويرد، وإن تبين أن أحدهما هو السابق، فهذا محل نظر عندي، قد نقول: إن القرعة كحكم الحاكم، وقد نقول: إن القرعة لتمييز المشتبه، وقد زال الاشتباه فيرد المهر لمن تبين أن نكاحها هو الأول.

وَتَحْرُمُ الْمُعْتَدَّةُ، وَالْمُسْتَبْرَأَةُ مِنْ غَيْرِهِ،..........
قوله: «وتَحْرَمُ المُعْتَدَّةُ» المعتدة من الغير حرام على غير الزوج، وسبق لنا بيان ذلك مفصلاً في أول كتاب النكاح.
فالمعتدة من الغير لا يجوز لأحد أن يتزوجها، حتى ولو كانت بائنة بينونة كبرى؛ لأنه قد تعلق بها حق الزوج الأول، وقد سبق أنه لا يجوز ولا خطبتها على وجه صريح، إنما يجوز التعريض.
لكن لو تزوج معتدة من غيره، قلنا: إن العقد باطل ولا شك؛ لأن الله قال: {{وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}} [البقرة: 235] فنقول: النكاح باطل؛ لأنه منهي عنه بنص القرآن، ولا يمكن تصحيح المنهي عنه.
لكن لو انقضت العدة فهل له أن يتزوجها، ونقول: إنه زال المانع، وإذا زال المانع حلت، أو نقول: يحرم إياها تعزيراً؛ لأنه تعجل الشيء قبل أوانه على وجه محرم، فيعاقب بحرمانه؟
جمهور العلماء على أنها تحل له بعقد، وذهب عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه يمنع منها، ولا يزوج إياها، حتى بعد العدة[(82)]؛ تنكيلاً له ولغيره أيضاً، وهذا من سياساته الحكيمة.
والصحيح في هذه المسألة أنه راجع إلى حكم الحاكم، فإن رأى من المصلحة أن يمنعه منها فليفعل تأسياً بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقياساً على ما لو قتل الموصى له الموصي، فإن الموصى له يحرم من الوصية، فلو أوصى رجل بألف ريال، فقام الموصى له وقتله من أجل أن يأخذ الألف، فإننا نقول: نمنعك منها؛ لأنك تعجلت الشيء قبل أوانه على وجه محرم، فالصحيح في هذه المسألة أنه يرجع إلى رأي الحاكم، والحاكم لا شك أن الأمور عنده تختلف، فلو تتابع الناس على خطبة المعتدات ونكاحهن، فهنا يتعين المنع، والتحريم على العاقد.
قوله: «والمستبرأة من غيره» المستبرأة هي من لا يراد منها العدة، وإنما يراد معرفة براءة رحمها، ومنها على القول الراجح المخالعة، فالمخالعة لا يقصد من تربصها أن تعتد، وإنما يقصد العلم ببراءة الرحم، ولهذا قضى عثمان ـ رضي الله عنه ـ بأن عدة المخالعة حيضة واحدة وأخبر أنه سنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم[(83)]، فلو أن أحداً تزوج امرأة مخالعة قبل استبرائها فالنكاح باطل، لكن هل له أن يعود فيعقد عليها مرة أخرى؟
ينبني على الخلاف الذي ذكرنا.

وَالزَّانِيَةُ حَتَّى تَتُوبَ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُها، .........
قوله: «والزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها» ، الزانية هي فاعلة الفاحشة ـ والعياذ بالله ـ حرام على الزاني وغيره حتى تتوب، لقول الله تبارك وتعالى: {{الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}} [النور: 3] ، فالزانية تحرم على الزاني وغير الزاني؛ لأن الله تعالى قال: {{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}}، والقرآن صريح بأنه حرام، وأنه لا يحل للمؤمن أن يتزوج امرأة زانية.
وقوله: «حتى تتوب» أي: تتوب من الزنا، لكن ما الذي يدرينا أنها تابت؟
قال بعض أهل العلم: نعلم أنها تابت بأن تراود على الزنا فتأبى، يعني أن يذهب أحد إليها ويراودها، فإذا أبت دل ذلك على أنها تابت، لكن هذا القول ضعيف جداً؛ لأنها إن علمت أن هذا الرجل من الفساق، فما أقرب أن تجيب، ويكون هذا فتح باب للزنا، وإن علمت أنه من أهل الخير سوف تمتنع وإن كانت تريد الزنا، وفيه ـ أيضاً ـ تغرير بصاحب الخير؛ لأنه ربما إذا راودها ووافقت غرته ويزني بها، فالصواب أن توبة الزانية كغيرها، فإذا علمنا أن المرأة أصبحت نادمة، وظهر عليها أثر الحزن والبعد عن مواقع الريب، فهنا نعلم أنها تابت فتحل.
ولم يذكر المؤلف الزاني حتى يتوب؛ لأن فقهاءنا ـ رحمهم الله ـ يرون أن الزاني له أن يتزوج، ولو كان زانياً والعياذ بالله، ولو كان مصرًّا على الزنا!! ولكن هذا من غرائب العلم أن يستدل ببعض النص دون بعض، فالزانية والزاني كلاهما سواء في الآية: {{الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}}، فكيف نفرق؟!
ونضرب لهذا مثلاً آخر، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل[(84)]، فقالوا: الرجل لا يتطهر بفضل ماء المرأة، والمرأة لها أن تتطهر، مع أن الدليل واحد!! بل إن الدليل وقع خلاف ما ذهب إليه هؤلاء، فقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم توضأ بفضل ميمونة ـ رضي الله عنها ـ وقالت: يا رسول الله إني جُنب، فقال: «إن الماء لا يجنب» [(85)] وإنما نذكر هذه الأمثلة ليعلم أن الإنسان بشر قد يخطئ في أمر واضح، فما الفرق بين الزاني والزانية في هذا الباب، والدليل واحد؟! ولهذا فالقول الراجح بلا شك أنه لا يجوز أن يُزَوَّجَ الزاني حتى نعلم أنه تاب بالقرائن، فإذا علمنا أن هذا الرجل ظهر عليه أثر الحزن والندم، واستقام وابتعد عن مواضع الريب فحينئذٍ يُزَوَّجُ.
والخلاصة: أن الزانية تحرم على الزاني وغيره حتى تتوب، ويضاف إلى هذا أن تنقضي عدتها، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بيانها، فإن تابت ولكنها لم تنقضِ العدة، وهي ثلاث حيض على المذهب، فإنها لا تحل.
وظاهر كلام المؤلف أنها لا تحل للزاني ولا لغيره، ما دامت في العدة ولو تابت، وهو قول جمهور العلماء؛ وذلك لأن الزاني لا يلحقه ولده من الزنا، سواء استلحقه أم لم يستلحقه.

وَمُطَلَّقَتُهُ ثَلاَثاً حَتَّى يَطَأَهَا زوْجٌ غَيْرُهُ، وَالْمُحْرِمَةُ حَتَّى تَحِلَّ،.....
قوله: «ومطلقته ثلاثاً حتى يطأها زوج غيره» [(86)]، مطلقته ثلاثاً حرام عليه بنص القرآن، قال الله تعالى: {{اَلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ}} ثم قال: {{فَإِنْ طَلَّقَهَا}} أي المرة الثالثة {{فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}}.
فالمطلقة ثلاثاً سواء قلنا بقول الجمهور، أنه إذا قال: أنت طالق ثلاثاً، أو: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أو: أنت طالق، ثم طالق، ثم طالق تبين به، أو قلنا بالقول الثاني الراجح: إنها لا تبين به، ولا تبين إلا بثلاث مرات، بعد هذه الثلاث تحرم عليه حتى يطأها ـ أي يجامعها ـ زوج غيره، ولا يمكن أن يكون زوجاً إلا بعقد صحيح، وعلى هذا يكون الشرط أن يطأها زوج تزوجها بعقد صحيح، حتى يخرج ما لو تزوجها بعقد فاسد، كما لو نوى التحليل؛ لأن نية التحليل تفسد العقد، والدليل على هذا قول الله تعالى: {{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}} [البقرة: 230] ، وتأمل قوله: {{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا}} يتبين لك أن المراد بالنكاح هنا الجماع، وأما في سائر القرآن فالنكاح هو العقد إلا في هذا الموضع، ودليل ذلك قوله: {{زَوْجًا غَيْرَهُ}}، فلو كان المراد بالنكاح العقد لكان تكراراً بلا فائدة، ولكان المعنى حتى تتزوج زوجاً، فقوله: {{زَوْجًا}} لا يمكن أن يكون زوجاً إلا إذا كان النكاح صحيحاً، ولهذا لو نكحها محلل وجامعها لم تحل للأول.
ولو أن الزوج الثاني تزوجها بعقد صحيح، ودخل عليها وباشرها، ولكن لم يطأها، فإنها لا تحل للأول، ودليل ذلك قصة امرأة رفاعة القرظي ـ رضي الله عنهما ـ، فإن رفاعة طلقها ثلاث تطليقات، وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزَّبِير ـ رضي الله عنه ـ، ولكنه ليس عنده قدرة على النكاح، وجاءت تشتكي إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم تقول له: إن رفاعة طلقها وبتَّ طلاقها، وإنها تزوجت عبد الرحمن بن الزَّبير، وليس معه إلا مثل هدبة الثوب وأشارت بثوبها، فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك»[(87)] .
قال العلماء ـ رحمهم الله ـ: يؤخذ من هذا أنه لا بد من الجماع، حتى يكون النكاح مراداً حقاً.
واختلف العلماء، هل يشترط الانتشار وهو قيام الذكر، وهل يشترط الإنزال؟ أما الانتشار فالصحيح أنه يشترط؛ لأنه لا يمكن أن تكون لذة في الجماع إلا بذلك، لكن الإنزال، المشهور من المذهب أنه ليس بشرط، فإذا حصل الجماع فإنه يحصل به الحِلُّ، وقال بعض أهل العلم: لا بد من الإنزال لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك».
قوله: «والمحرِمة حتى تحل» ولم يقل المؤلف: «والمحرِم حتى يحل»؛ لأن كلامه في المحرمات في النكاح، كما أنه لم يقل: والزاني حتى يتوب، فالكلام في النساء المحرَّمات، وليس في الرجال المُحَرَّمِين، وإن كان حتى المحرم لا يجوز أن يتزوج حتى يحل.
فقوله: «والمحرمة حتى تحل» سواء كانت محرمة بعمرة أو بحج، لحديث عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يَنكح المحرم ولا يُنكِح ولا يخطب» [(88)].
فقوله: «المحرم» وصف، وهو علة الحكم، ويزول هذا الحكم إذا زال هذا الوصف، فإذا حل من إحرامه جاز النكاح، إذاً فهذا التحريم إلى أمد.
وقوله: «حتى تحل» أي: الحل الثاني؛ لأن التحلل الأول لا يبيح النكاح، فلو أن رجلاً عقد على امرأة بعد التحلل الأول فالعقد حرام، والنكاح غير صحيح؛ لأنها لم تحل بعد، فلا بد من التحلل الأول والثاني.
فإن قال قائل: وهل الرجل بعد التحلل الأول مُحرِم؟ قلنا: لا، لكن قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء» [(89)]، فنقول: هو غير محرم لكن النساء مستثناة، والعقد من وسائل استحلال النساء، فيحرم بعد التحلل الأول ولا يصح.
وقيل: إن عقد النكاح بعد التحلل الأول صحيح وليس حراماً؛ لأن المحرم النساء، وهذا عقد، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ وهو أصح، أنه لا يحرم النكاح بعد التحلل الأول، ولكن نقول للإنسان: احتط لنفسك، المسألة ليست هينة؛ لأنه ربما تقدم على النكاح بعد التحلل الأول، ثم بعدئذٍ يوسوس لك الشيطان، ويقول: زوجتك حرام ويدخل عليك شكوكاً، فنقول له: انتظر حتى تحل؛ لأنك حتى لو عقدت الآن لن تدخل عليها؛ لأن النساء حرام عليك.
مسألة : لو أن امرأة أحرمت بعمرة، وحاضت قبل الطواف، واستحيت أن تقول لأهلها: إنها حاضت، فطافت وسعت ورجعت إلى أهلها، وعقد عليها النكاح، فالعقد غير صحيح؛ لأنها لم تزل على إحرامها ، وطوافها غير صحيح، وسعيها غير صحيح، وتقصير شعرها أمره سهل، فيجب أن تذهب وتكمل عمرتها، ثم يعقد عليها من جديد.
فهذه مسائل خطرة، هذه المرأة لما استحيت من الحق عوقبت بهذه العقوبة، والله لا يستحي من الحق، والواجب ألا يستحي الرجل ولا المرأة من الحق، وإذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما سأله رجل، فقال: يا رسول الله إني أجامع فلا أنزل، أعليَّ الغسل؟ فقال: «إني أفعله أنا وهذه ـ يشير إلى عائشة رضي الله عنها ـ وأغتسل»[(90)]، فلم يستحِ لأنه حق، ولما سأله ابن أبي سلمة عن قبلة الصائم، وكان عنده أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ فقال: «سل هذه» يعني أمه، وكان يقبلها الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو صائم، فقال: يا رسول الله غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأتقاكم له» [(91)]، ولما ضحك قوم من الضرطة وهي الريح التي لها صوت، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «علام يضحك أحدكم مما يفعل؟»[(92)] ، هل أنت إذا فعلتها وحيداً في نفسك تضحك؟ ولكن على كل حال الناس يضحكون؛ لأنه من سوء الأدب أن الإنسان يظهر صوت الضرطة بين الناس، والحمد لله هذا أدب طيب، فنقول: لا تظهر، ولا تضحك.

وَلاَ يَنْكِحُ كَافِرٌ مُسْلِمَةً، وَلاَ مُسْلِمٌ وَلَوْ عَبْداً كَافِرَةً إِلاَّ حُرَّةً كِتَابِيَّةً،.........
قوله: «ولا ينكح كافرُ مسلمة» ، الكافر بأي نوع كان كفره، سواء كان يهودياً أم نصرانياً أم وثنياً أم شيوعياً، فإنه لا يحل أن يتزوج مسلمة، ولو كانت فاسقة، والدليل قوله تعالى: {{وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}} [البقرة: 221] أي: لا تزوجوا المشركين حتى يؤمنوا، وقوله تعالى: {{لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}} [الممتحنة؛ 10] ، فإذا منع من استدامة عقد الكافر على المؤمنة فابتداؤه من باب أولى، أما الدليل من النظر فلأنه لا يمكن أن تكون المسلمة تحت زوج كافر، والزوج سيد، قال الله تعالى: {{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}} [يوسف: 25] ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم»[(93)] ، أي: أسرى.
وهل تارك الصلاة كافر أو لا؟ الخلاف في هذا معروف، والصواب أنه كافر فلا يجوز أن يزوج بمسلمة، فإن عقد له على مسلمة، فإن نكاح الكافر بالمسلمة باطل بإجماع المسلمين.
قوله: «ولا مسلمٌ ولو عبداً كافرةً» ، المسلم لا ينكح الكافرة ولو كان عبداً، والدليل قوله تعالى: {{وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}} [البقرة: 221] .
وقوله: «ولو عبداً» «لو» هل هي إشارة خلاف، أو رفع توهم بأنه لما نقص في الحرية صار يجوز له أن يتزوج الكافرة؛ لأنها تفوقه في الحرية، وهو يفوقها في الدين فيتقابلان؟ لا أدري إن كان أحد من أهل العلم قال بذلك أو لا؟ فإن كان فيه خلاف فالخلاف لا شك أنه ضعيف، وإن كان رفع توهم فقد يتوهم بعض الناس أن حريتها تقابل إسلامه، ورِقُّه يقابل كفرها، فيكون كل واحد منهما له مزية على الآخر.
قوله: «إلا حرة كتابية» هذا مستثنى من نكاح المسلم بالكافرة، فيجوز نِكاحها بشرطين: أن تكون حرة، وأن تكون كتابية، والدليل قوله تعالى: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}} [المائدة: 5] ، قال أهل العلم: المراد بالمحصنات هنا الحرائر، والمحصنات تطلق في القرآن على معانٍ، منها:
أولاً: المتزوجات يعني ذوات الأزواج.
ثانياً: العفيفات عن الزنا.
ثالثاً: الحرائر.
فقوله تعالى: {{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ}} [النور: 4] ، المراد بالمحصنات هنا العفيفات.
وقوله: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}} [النساء: 24] على قول فيها، إن المراد المتزوجات، وأما المحصنات الحرائر، فمثل هذه الآية: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}}.
وقوله: «كتابية» هي اليهودية أو النصرانية، وهل يشترط أن تكون ملتزمة بالدين الخالص لليهود والنصارى، أو لا يشترط؟
قال بعض أهل العلم: إنه يشترط بأن توحد الله ـ عزّ وجل ـ ولا تشرك به شيئاً، ولكنها لا تتبع إلا موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ إن كانت يهودية، أو عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ إن كانت نصرانية، فإن خالفت الإسلام وأشركت فإنها لا تحل، وهؤلاء راموا الجمع بين آية المائدة وآية البقرة، فقالوا: إذا أشركت بالله، ولو كانت يهودية أو نصرانية فلا تحل، وأما إذا كانت غير مشركة بالله وإن لم تَدِنْ بالإسلام الذي جاء به محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإنها تحل، وتكون الفائدة من قوله: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}} أنها غير مسلمة وحلت، لا أنها مشركة وحلت، وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم من السلف والخلف، وعلى هذا الرأي إذا كانت النصرانية تقول بأن الله ثالث ثلاثة، فإنها لا تحل ولو تدينت بدين النصارى، وكذلك اليهودية إذا قالت: عزير ابن الله فإنه لا تحل؛ لأنها مشركة.
وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الآية: {{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}} عامة، فكل من انتمى إلى دين أهل الكتاب فهو منهم، وقالوا: إن هذا مخصص لقوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة: {{وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}} لأن آية البقرة متقدمة على آية المائدة، ثم هذا التعليل في الحقيقة عليل؛ لأن التخصيص لا فرق فيه بين المتقدم والمتأخر، لكن الدليل الواضح هو أن الله ذكر في سورة المائدة حل نساء أهل الكتاب، وحكى عنهم الشرك وكفَّرهم أيضاً ـ سبحانه وتعالى ـ فقال: {{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}} [المائدة: 73] ، وقال: {{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}} [المائدة: 17] ، وقال: {{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ *}} [التوبة] إلى أن قال: {{هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}} [التوبة: 31] .
فالحاصل: أن الذي عليه جمهور أهل العلم أن من تدين بدين أهل الكتاب وانتسب إليهم، ولو كان يقول بالتثليث فإنه تحل ذبيحته، ويحل نكاحه.
وقوله: «إلا حرة كتابية» هل مثلها المجوسية؟ لا، ليست مثلها مع أن المجوس تؤخذ منهم الجزية، ولكنهم يخالفون أهل الكتاب في الذبائح، فلا تحل ذبائح المجوس، ولا تحل مناكحتهم بالإجماع، ولم يخالف في حل ذبائحهم إلا أبو ثور ـ رحمه الله ـ، ولكن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ أنكر هذا القول إنكاراً عظيماً، فالمجوس لا تحل ذبائحهم، ولا يحل نكاح نسائهم، ولكن تؤخذ منهم الجزية؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخذ الجزية منهم[(94)]، والصحيح في مسألة الجزية كما تقدم لنا أنها تؤخذ من جميع الكفار؛ لأن المقصود أن يكون الكفار تحت حضانة المسلمين ورعايتهم لعلهم يسلمون، وهذا لا فرق فيه بين اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم.

وَلاَ يَنْكِحُ حُرٌّ مُسْلِمٌ أَمَةً مُسْلِمَةً، إِلاَّ أَنْ يَخَافَ عَنَتَ العُزُوبَةِ، لِحَاجَةِ المُتْعَةِ، أَوْ الخِدْمَةِ، وَيَعْجَزُ عَنْ طَوْلِ حُرَّةٍ، أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ،........
قوله: «ولا ينكح حر مسلم أمة مسلمة» «حر» احترازاً من العبد، فالعبد له أن يتزوج أمة؛ لأنه يساويها.
وقوله: «مسلم» احترازاً من الكافر، فلا ينكح الأمة المسلمة مطلقاً، إذاً المفهومان مختلفان حكماً.
وقوله: «أمة مسلمة» ، اشترط أن تكون مسلمة، وظاهر كلامه ولو كانت كتابية فلا تحل للمسلم.
قوله: «إلا أن يخاف عنت العزوبة» العنت المشقة، «العزوبة» عدم الزواج، فالأعزب هو غير المتزوج، سواء كان رجلاً أو امرأة.
قوله: «لحاجة المتعة أو الخدمة» ، فإذا خاف عنت العزوبة، إما لأجل الخدمة، وإما لأجل الاستمتاع، فله أن يتزوج الأمة لقوله تعالى: {{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ}} [النساء: 25] .
قوله: «ويعجز عن طَوْل حرةٍ أو ثمن أمة» الطول المهر، أي: يعجز عن مهر الحرة، أو ثمن الأمة.
فهذه ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون الأمة مسلمة.
الثاني: أن يخاف عنت العزوبة.
الثالث: أن يعجز عن طول حرة أو ثمن أمة.
والدليل قوله ـ تبارك وتعالى ـ: {{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}} إلى أن قال: {{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ}} [النساء: 25] .
فالشرط الأول من قوله تعالى: {{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً}} .
والشرط الثاني من قوله تعالى: {{مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}}.
والشرط الثالث من قوله تعالى: {{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ}}.
وتأمل الآية الكريمة هل ينطبق عليها كلام المؤلف؟ نعم، ينطبق إلا في قوله: «وثمن أمة» فإن هذا الشرط ليس موجوداً في القرآن، لكن اشترطه الفقهاء، قالوا: لأنه إذا كان قادراً على شراء الأمة استغنى به عن نكاح الأمة، ولأن نكاحه الأمة يلحقه من العار أكثر مما يلحقه لو اشترى أمة وتسرَّاها، ولأنه إذا نكح أمة صار أولاده أرقاء، وإذا تسرى أمة صار أولاده أحراراً، ولهذا قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: إذا تَزوَّج الحرُّ أمةً رَقَّ نصفُهُ، يعني صار رقيقاً؛ لأن عياله من هذه الأمة يكونون مماليك لسيدها.
وما ذكره المؤلف له وجه قوي، ثم إن النظر يقتضي التحريم كذلك؛ لأنه كما قال الإمام أحمد يستلزم أن يكون أولاده أرقاء مماليك يباعون ويشترون، وهو حر!! وهذا قد يكون فيه عار أن يرى ولده يقاد بالقلادة إلى السوق ليباع، فهذا أمر عظيم ليس هيناً؛ فلذلك لا يجوز إلا في حالة الضرورة، كما ذكر الله ـ عزّ وجل ـ.
بقي علينا أن يقال: ما الحكم فيما لو اشترط على المالك أن يكون أولاده أحراراً؟ اختلف في هذا أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يجوز أن يتزوج الأمة إذا اشترط أن يكون أولاده أحراراً، قالوا: لأن العلة هي رق الأولاد، والآن زال، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، ولكن نقول: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، والله ـ عزّ وجل ـ لم يشترط ذلك، لم يقل: إلا أن يشترط حرية أولاده، ثم إن من الدناءة وخلاف المروءة أن الحر يتزوج أمة، حتى عند الناس إذا تزوج أمة صار شهرة، فلان الرجل الشريف النسيب تزوج رقيقة فلان!! ففيه معرة وعيب، والإنسان ينبغي أن يبتعد عن كل شيء يجر إليه العيب، فالصواب ما دل عليه القرآن الكريم أنه لا يحل أن يتزوج الأمة، إلا بما ذكر الله ـ عزّ وجل ـ من الشروط، حتى وإن اشترط أن أولاده أحرار فإنه لا يصح لعموم الآية، وكوننا نقول: إن العلة هي استرقاق أولاده، قد يعارض فيه معارض، ويقول: من قال لكم إن هذه هي العلة؟ وَهَبْ أن ذلك جزء العلة فإن الحكم لا يتم إلا بوجود العلة تامة.

وَلاَ يَنْكِحُ عَبْدٌ سَيِّدَتَهُ، وَلاَ سَيِّدٌ أَمَتَهُ، وَلِلْحُرِّ نِكَاحُ أَمَةِ أَبِيهِ، دُونَ أَمَةِ ابْنِهِ، وَلَيْسَ لِلْحُرَّةِ نِكَاحُ عَبْدِ وَلَدِهَا،.
قوله: «ولا ينكح عبدُ سيدته» تحريماً إلى أمد؛ حتى يخرج عن ملكها، فما دامت سيدته فإنه لا يحل له أن يتزوجها، فإذا قيل: ما الدليل؟ مع أن الله يقول: {{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}} [النساء: 24] قلنا: الدليل إجماع العلماء، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم عليه.
والإجماع أحد الأدلة الأربعة التي هي الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس الصحيح، وأيضاً المعنى يقتضي ذلك؛ لأن السيدة لا يمكن أن تكون مَسُودة، والزوجُ سيد زوجته، فإذا قلنا: إنها سيدته كيف تكون مسودة؟! يكون له الأمر عليها، هذا تنافر وتناقض أن يكون الآمر مأموراً، لكن ما الطريق إلى الحِل إذا رغب أن يتزوجها ورغبت أن تتزوجه؟ تعتقه، لكن لو خدعها وقال: أعتقيني لأتزوجك وهي راغبة فيه فأعتقته، فلما أعتقته قال: الحمد لله الذي فكني منك، والمُعْتَق لا يمكن أن يرجع رقيقاً، ففي مثل هذه الحال يضمن قيمة نفسه لها؛ لأنه غرها وخدعها.
قوله: «ولا سيد أمته» أي: لا ينكح سيد أمته، يعني لا يعقد عليها النكاح، وليس المعنى ألا يطأ، فإنه يطؤها بملك اليمين؛ لأن الله جعل ملك اليمين قسيماً للنكاح فقال: {{إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}} [المؤمنون: 6] ، فدلَّ ذلك على أنهما لا يجتمعان؛ لأن قسيم الشيء مباين له، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أعتق صفية وجعل عتقها صداقاً[(95)]، وأيضاً فإن وطأه إياها بملك اليمين أقوى من وطئه إياها بالعقد؛ لأن ملك اليمين يحصل به الملك التام، فيملك عينها ومنافعها، والنكاح لا يملك إلا المنفعة التي يقتضيها عقد النكاح شرعاً أو عرفاً، فهو مقيد، قال أهل العلم: ولا يَرِدُ العقد الأضعف على العقد الأقوى، فهو يستبيح بُضعها بملك اليمين الذي هو أقوى من عقد النكاح.
قوله: «وللحر نكاح أمة أبيه» بشرط ألا يكون الأب قد جامعها؛ فإن جامعها الأب فإنها لا تحل للابن؛ لأنها مما نكح أبوه.
مثال ذلك: رجل له أبٌ غني وعند أبيه جوارٍ، فأراد هذا الابن أن يتزوج واحدةً منهن، يجوز بالشروط السابقة في نكاح الأمة؛ لأنها داخلة في عموم الآية: {{مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}} [النساء: 25] ، وفي عموم قوله: {{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}} [النساء: 24] .
قوله: «دون أمة ابنه» مثلاً رجل له ابن غني، لكن لم يجد أحداً يزوجه؛ لأنه كبير السن، وعند ابنه إماء مملوكات، فأراد أن يتزوج واحدة منهن، فهل يجوز؟ يقول المؤلف: لا يجوز أن يتزوجها، ولو تمت شروط نكاح الأمة في حقه؛ لأن الأب له أن يتملك من مال ولده بخلاف الابن، فإذا كان له أن يتملك من مال ولده، فلا حاجة إلى أن يتزوج أمة ولده، بل يتملك الأمة، وتحل له بملك اليمين، فهو إذاً مستغنٍ عن نكاح أمة ابنه بجواز تملكه، فله فيها شبهة ملك.
ولكن هذا القول ضعيف؛ لأنه ليس للأب شبهة ملك في مال ولده، بل له شبهة تملك، وفرق بين أن نقول: لك التملك، وأن نقول: لك ملك؛ لأننا إذا قلنا: ملك، يعني أنه مشارك للابن، وإذا قلنا: تملك، يعني أنه ليس مشاركاً، لكن له أن يتملك، والمراد هنا أن له التملك، وحينئذٍ نقول: إن أمة ابنه حلال له، لدخولها في عموم قوله تعالى: {{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}}، فالصواب في هذه المسألة أنه يجوز للأب أن يتزوج أمة ابنه إذا تم في حقه شروط جواز نكاح الإماء.
فإن قيل: كيف تجيزون هذا وهو له حق التملك، لماذا لا تقولون له: تملكها؟ فنقول: قد لا يختار أن يتملكها، بل يحب أن تبقى ملكاً لابنه ليبيعها إذا طلقها أبوه، أو يزوجها وينتفع بمهرها، أو ما أشبه ذلك.
قوله: «وليس للحرة نكاح عبد ولدها» ، هذه امرأة حرة ولها ولد، وهذا الولد له عبد، فأراد هذا العبد أن يتزوج أم سيده، يقول المؤلف: إن هذا لا يجوز، ولو كان عبد آخر، وأراد أن يتزوج أم هذا الرجل، جاز.
وهذا القول مبني على قول ضعيف، وهو أنه إذا ملك أحد الزوجين زَوْجَه، أو ملكه ابنُهُ، أو أبوه انفسخ النكاح، وستأتي في آخر الفصل، فإذا ضعف الأصل ضعف الفرع، وإذا كان الأصل ضعيفاً لا دليل عليه تبقى هذه المسألة وهي الفرع كذلك ضعيفة لا دليل عليها.
والقول الثاني في هذه المسألة: أنه يجوز للحرة أن تنكح عبد ولدها، ولا حرج فيه، ولا يقال: إن هذه المسألة غريبة، كيف تكون؟! نقول: ربما تكون أم السيد امرأة شابة، ولابنها عبد شاب جميل مثلاً، فأحبته وأحبها، وطلبت من ابنها أن يزوجها هذا العبد، فهذا يجوز، وهذا القول هو الصحيح؛ لأنه داخل في عموم قوله تعالى: {{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}} [النساء: 24] وعبد ابنها ليس أباها، ولا ابنها، وأخاها، ولا عمها، ولا خالها، ولا ابن أخيها، ولا ابن أختها، فأين الدليل على المنع؟! وقد سبق أنه لا يجوز للحرة أن تتزوج عبدها، وقلنا: إن الدليل على ذلك الإجماع والتضاد، أما هنا فلا إجماع ولا تضاد، فالصواب إذاً أن للحرة أن تنكح عبد ولدها، وأولادها منه يكونون أحراراً تبعاً لها.

وَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ وَلَدُهُ الْحُرُّ، أَوْ مُكَاتَبُهُ الزَّوْجَ الآخَرَ أَوْ بَعْضَهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا،.......
قوله: «وإن اشترى أحدُ الزوجين أو ولدُه الحرُّ، أو مُكاتَبُهُ الزوجَ الآخرَ أو بعضَه انفسخ نِكَاحُهُما» ، هذه المسألة مبنية على ما سبق، مثال ذلك: امرأة حرة زَوْجُها عَبْدٌ لرجل، فاشترته فينفسخ النكاح؛ لأنها لما اشترته صارت سيدته، والسيدة لا تنكح عبدها، فإذا امتنع ابتداء النكاح امتنع دوامه.
وبالعكس: لو أن حراً أراد أن يتزوج أمة، وهو ممن يحل له نكاح الإماء، فتزوجها، ثم اشتراها، فينفسخ النكاح؛ لأنه لما اشتراها ملكها، فورد العقد الأعلى على العقد الأدنى، فانفسخ العقد الأدنى، وصارت تحل له بملك اليمين.
وهل يجب عليه أن يستبرئها أو لا؟ في ذلك تفصيل، إن كان السيد قد اشترط ما في بطنها، فلا يجوز أن يجامعها حتى يستبرئها؛ لأن الولد للسيد، وإن لم يشترط السيد ذلك فله أن يجامعها، ولا يحتاج إلى استبرائها؛ لأن الولد له.
وقوله: «أو ولده» هذا مبني على أن الإنسان لا يتزوج أمة ابنه، والقول الراجح جواز ذلك، مثاله: رجل تزوج أمة على وجه صحيح، بالشروط المعروفة، فاشترى ابنه هذه الزوجة من سيدها، وصارت ملكاً للولد، فينفسخ النكاح؛ لأنه ليس للأب أن يتزوج أمة ابنه.
وسبق أن القول الراجح أن للأب أن يتزوج أمة ابنها، إلا إذا تملكها، وأنه لا ينفسخ النكاح.
ولكن هل للولد إذا علم أن النكاح ينفسخ أن يشتري زوجة أبيه؟ الجواب: لا يحل؛ لأنه عقوق، فقد يكون الأب متعلقاً بهذه الزوجة وراغباً فيها، فيأتي الولد ويشتريها فيفوتها عليه.
ولو أن شخصاً له أم متزوجة عبداً، وهذا الابن اشترى هذا العبد ينفسخ نكاح أمه؛ لأنه ملك زوجها، فإذا كان مالكاً له من الأصل، فعدم انعقاد النكاح من باب أولى، وهذه المسألة مبنية على أصل ضعيف، والمبني على الضعيف أضعف منه، وعلى هذا يجوز للإنسان أن يزوج عبده أمه، لعموم قوله تعالى: {{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}} [النساء: 24] .
وقوله: «أو ولده الحر» لأن غير الحر لا يملك أصلاً، ولا يشتري شيئاً يدخل في ملكه.
وقوله: «أو مكاتَبُهُ» المكاتب هو العبد الذي اشترى نفسه من سيده بثمن مؤجل بأجلين فأكثر، وهو حر في التصرف، يتصرف كما شاء، بالبيع والشراء والاستئجار والإجارة، فإذا اشترى المكاتب زوجة سيده، فإن النكاح ينفسخ ـ لأن أصل المكاتب لا يكون حراً إلا إذا أدى الكتابة، وما دام لم يؤدِ الكتابة فهو عبد ـ فإذا اشترى زوجة سيده صار السيد هو الذي ملك زوجته في الواقع؛ لأن ملك المكاتب ملك لسيده، هكذا قالوا.
وفي هذا التعليل نظر؛ لأن المكاتب يملك البيع والشراء؛ ولهذا لو أراد أن يبيع ما اشتراه لم يملك سيده أن يمنعه، ثم إن المكاتب قد يعجز عن أداء قيمة الكتابة، فإذا عجز صار عبداً، ولهذا لو قيل: إذا اشترى المكاتب زوجة سيده فإنه ينتظر، فإن تحرر فالنكاح لا ينفسخ، وإن عاد رقيقاً فإنه ينفسخ؛ لأنه حينئذٍ يكون السيد قد ملك زوجته.
وكل هذه مبنية على تعليلات بعضها له وجه، وبعضها لا وجه له، وليس هناك أدلة.

وَمَنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا بِعَقْدٍ حَرُمَ بِمُلْكِ يَمِينٍ إِلاَّ أَمَةً كِتَابِيَّةً،.........
قوله: «ومن حرم وطؤها بعقد حرم بملك يمين» ، هذا ضابط «فكل امرأة يحرم أن تعقد عليها يحرم أن تطأها بملك اليمين» فأخت الزوجة يحرم عقد النكاح عليها، فيحرم أن تطأها بملك اليمين، أي: لو كان إنسان له زوجة حرة ولها أخت مملوكة، فاشترى أختها المملوكة، فالشراء صحيح، لكن لا يطؤها ما دامت أختها عنده، حتى يحرمها، إما بطلاق أو فسخ أو غير ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يجمع بين الأختين في العقد، فلا يجوز أن يجمع بينهما في ملك اليمين.
فإن قال قائل: كيف صح شراؤها ولم يصح نكاحها؟
فالجواب: أن الشراء لا يتعين للاستمتاع، بل قد يشتري العبد ليعتقه، أما عقد النكاح فالمراد به الاستمتاع، ولذلك يجوز أن يشتري أخت زوجته، ولا يجوز أن يعقد عليها النكاح، وكذلك لو اشترى أمة وهو محرم فيصح العقد، ولو تزوج امرأة وهو محرم لم يصح، ولو علق عتق شخص بالشراء، فقال: إذا اشتريت هذا فهو عتيق فإنه يصح؛ لأن الشراء يراد للعتق فإذا اشتراه عتق، ولو قال: إذا تزوجت فلانة فهي طالق، وتزوجها، فإنها لا تطلق.
والفرق بينهما أن الشراء يراد للعتق، والنكاح لا يراد للطلاق، هكذا فرق الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ بينهما.
ولهذا لو أراد شخص أن يتزوج ثانية، وعلمت الأولى وغضبت، فإنه يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فإذا تزوجها لا تطلق؛ لأن النكاح لا يراد للطلاق.
ومن العلماء من قال: لا يصح في المسألتين؛ لأنه لم يملك المرأة حتى يملك طلاقها، ولم يملك العبد حتى يملك عتقه.
قوله: «إلا أمة كتابية» ، فالأمة الكتابية يجوز وطؤها بملك اليمين، مع أنه لا يجوز وطؤها بعقد النكاح؛ لأنه ـ سبق لنا ـ أنه يشترط لجواز عقد النكاح على الأمة أن تكون مؤمنة لقوله تعالى: {{مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}} [النساء: 25] ، فنكاح الأمة المؤمنة جائز، ونكاح الأمة الكافرة غير جائز، ووطء الأمة الكتابية يجوز بملك اليمين، والدليل عموم قول الله تعالى: {{إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}} [المؤمنون: 6] .
وعلم من قول المؤلف: «أمة كتابية» أن الأمة غير الكتابية لا تحل بملك اليمين، فلو اشترى الإنسان أمة وثنية، فإنه لا يحل له أن يطأها ـ على كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ، فإذا وقعت حرب بين المسلمين وبين الهندوس، وسبينا نساءهم، فعلى ما ذهب إليه المؤلف فإن نساءهم لا تحل.
لكن هذا خلاف ظاهر القرآن، وهو قول ضعيف، والصواب أن الأمة المملوكة وطؤها حلال، سواء كانت كتابية، أم غير كتابية، وليس في كتاب الله ـ عزّ وجل ـ اشتراط أن تكون من مُلِكت كتابية، والآيات واضحة، {{إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}} فمن يُخرِج نوعاً من الإماء عن هذا العموم فعليه الدليل، وعلى هذا فلو كان عند الإنسان أمة غير كتابية وهو مالك لها فإن له أن يطأها بملك اليمين، خلافاً لما يفيده كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ.
وقد حكى بعضهم الإجماع على أن غير الكتابية من الإماء لا يحل وطؤها، ولكن هذا الإجماع غير صحيح.

وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ مُحَلَّلَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ فِي عَقْدٍ صَحَّ فِيمَنْ تَحِلُّ، وَلاَ يَصِحُّ نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ قَبْلَ تَبَيُّنِ أَمْرِهِ،..........
قوله: «ومن جمع بين محلَّلةٍ ومحرمةٍ في عقدٍ صح فيمن تحل» ، هذا يسميه العلماء تفريق الصفقة أي: العقد، يعني إذا جمعت الصفقة في بيع أو نكاح بين شيئين، يصح العقد على أحدهما دون الثاني، فإنه يصح فيما يصح العقد عليه، ويبطل فيما لا يصح، هذا هو المذهب وهو الصحيح؛ لأن العلة في أحدهما تقتضي الصحة وفي الآخر تقتضي البطلان، فيجب العمل بها.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يصح في المحللة أيضاً؛ لأن العقد واحد اشتمل على مباح ومحظور، فيغلب جانب الحظر، ولكن الصواب أن يقال: إِنَّ تعدُّدَ المعقود عليه كتعدد العقد، وإن كانت الصيغة واحدة، مثال ذلك: رجل تزوج امرأتين في عقد، إحداهما مُحْرِمة، والأخرى غير محرِمة، فيصح العقد في غير المحرمة، ولا يصح في المحرمة.
قوله: «ولا يصح نكاح خنثى مشكل قبل تبين أمره» بنو آدم وغيرهم أيضاً من ذوات الحياة، إما ذكور خلص، أو إناث خلص، أو مشتبه فيهم، فالذكور والإناث الخلص واضح أمرهم، لكن المشتبه فيه يسمى الخنثى المشكل.
تعريفه في باب الميراث: من لم يتبين أنه ذكر أو أنثى، سواء كان له آلة ذكر وأنثى، أو كان له مخرج واحد يخرج منه البول والغائط، أو لم يكن له مخرج.
والخنثى المشكل في باب النكاح: من له آلة ذكر وآلة أنثى، أي له عضو ذكر وفرج أنثى، ولم يتبين أهو ذكر أو أنثى، بأن كان يبول منهما جميعاً، ولم يحصل له شيء يميزه، أذكر هو أو أنثى؟ فهذا لا يصح أن يتزوج، فلا يتزوج أنثى ولا يتزوج ذكراً، لا يتزوج أنثى لاحتمال أن يكون أنثى، والأنثى لا تتزوج الأنثى، ولا يتزوج ذكراً لاحتمال أن يكون ذكراً، والذكر لا يتزوج الذكر، فيبقى هكذا لا يتزوج إلى أن يتبين أمره، فإذا تبين أمره، فإن كان من الذكور تزوج الإناث، وإن كان من الإناث تزوجه الذكور، فهذا حرام إلى أمد، حتى يتبين أمره.
مسألة: هل يجوز أن يجرى له عملية ليحول إلى أحد الصنفين؟ إن كان واضحاً فلا شك أنه يجوز إجراء العملية له، يعني إن اتضح أنه أنثى فإنه يجوز أن تجرى له عملية بإزالة آلة الذكر، وإن تبين أنه ذكر، وكان له ثديان مثلاً، فإنه يجوز له إجراء عملية لإزالة الثديين؛ لأن الثديين عيب في الذكور، كما أن ذكر الرجل عيب في الإناث، لكن المشكل إذا كان خنثى مشكلاً؛ فإن أردنا أن نزيل آلة الذكورة فقد نكون جَنَيْنا عليه، وإن أزلنا آلة الأنوثة ـ أيضاً ـ جنينا عليه؛ لأنه إلى الآن لم يتضح أنه ذكر ولا أنثى، فالظاهر أنه يبقى على ما هو عليه حتى يبينه الله ـ عزّ وجل ـ بما أراد، وإذا كان يمكن الكشف عليه بالطب ـ مثلاً ـ على الرحم أو غيره، فهذا يعمل به.
وإذا كان له شهوة وهو الآن ممنوع شرعاً من النكاح، فماذا يصنع؟ نقول له: الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم» [(96)]، فنقول له: صم، فإذا قال: لا أستطيع الصوم؛ فإنه يمكن أن يعطى من الأدوية ما يهون عليه الأمر، وهو أحسن من قولنا: أخرج المني بطرق غير مشروعة.

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18121.shtml
أليا صهل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:53 PM. حسب توقيت مدينه الرياض

Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.