طاش ما طاش الصحفي..سرقات ناعمة

TEA TIME · 31-12-2009, 02:15 PM

مقال للدكتور ناصر الفوزان في الوطن عن سرقات الالراضي اللي تصير بالبلد

أبو أحمد.. ذلك الأكاديمي، القانوني، خريج هارفارد، المفعم نشاطاً وحيوية وإخلاصاً وحماساً.. والمتميز عطاء.. كيف تغير بهذه السرعة، وبتلك الحدة؟
لم يعد هو أبو أحمد الذي عرفه زملاؤه، ورؤساؤه.. وطلبته.. بين عشية وضحاها أصبح صامتاً، ساهماً، حائراً، متردداً، مشتت الذهن، ولم يعد يسترسل في محاضراته لطلبته، أو يشجع النقاش، بل أصبح يختصر ما أمكن، وينزوي في مكتبه في الجامعة ويقفل الباب، ولا يستقبل أحداً وينصرف لمنزله بهدوء.
قال (أبو عادل) أحد زملائه وهم يتشاورون في حالته الغريبة المقلقة.. أبو أحمد مصدوم.. ثم قال إنه يشعر بصدمة شديدة.. ولكن ما هي هذه الصدمة؟ هكذا قال أقرب زملائه له وأخلصهم ثم أضاف:
الآن لا أدري ولكن سأحاول معرفة ذلك.
أبو أحمد له الآن في القسم عشر سنوات حصل على البكالوريوس من قسم القانون بتفوق، وأصبح معيداً، ثم تم ابتعاثه لإكمال الدراسة العليا، وحصل على الماجستير ثم الدكتوراه، وبتفوق أيضاً من جامعة هارفارد.. وعاد للوطن، وعمل في الجامعة أستاذاً مساعداً، ثم مشاركاً، ثم أستاذاً.
طيلة السنوات العشر التي قضاها في القسم كان يسكن هو وزوجته وأطفاله في بيت مستأجر.. وكان له هدفان .. الهدف العلمي وكان يحققه بنجاح. أما الهدف الثاني فهو امتلاك منزل مناسب في حي لائق.
ومن أجل تحقق هذا الهدف الأخير كان يوفر ثلث راتبه شهرياً ليتمكن من الحصول على الأرض المناسبة في المكان المناسب ليقيم عليها المسكن المناسب.
بعد تلك السنوات العشر كان قد وفر خمسمئة ألف ريال، فبحث عن الأرض المناسبة في المكان المناسب فوجدها، وكانت بحدود ستمئة متر. وفي حي مريح، وقيمتها بحدود المبلغ الذي جمعه، فاشتراها، ولأول مرة في حياته ذهب لكتابة العدل وأكمل إجراءات الشراء، ودفع المبلغ.
في يوم الخميس الذي أعقب إتمام إجراءات الشراء أخذ زوجته وأطفاله لأحد المطاعم الفاخرة ليحتفل معهم بإتمام الخطوة الأولى لإقامة مسكن العمر، وكان حفلاً بهيجاً، ظل خلاله هو وزوجته يبتسمان لأطفالهما، ويداعبانهم، وينسجان الآمال العريضة.. سامر سيكون له الغرفة الصغيرة الأنيقة، بالتلفزيون وجهاز الكمبيوتر، ووداد ستكون غرفتها مجهزة بوسائل الراحة والمعرفة، وعلي المهتم بالقراءة سيكون في غرفته مكتبة.. وظلا ينسجان الآمال.. أملاً بعد أمل.. وهما في غاية البهجة.. وكذلك أطفالهما.. وحين قالت الزوجة كيف ستوفر مبلغ البناء وكل شيء الآن طار في السماء.. قال: لا عليك.. سأوفر من الراتب بالتدريج.. وسأتدبر الأمر.
في صباح الجمعة كان أول عمل قام به الرجوع لصك ملكية الأرض، وقراءته بتمعن أكثر.. واكتشف أن الصك يحيل لصك آخر.. ووجد صورة الصك الآخر مرفقة.. فقرأه ووجد أمراً مذهلاً.. وجد أن أرضه الستمئة متر التي اشتراها كانت جزءاً من أرض كبيرة مساحتها في حدود خمسين ألف متر. كانت حكومية ومخصصة لتكون مرفقاً للحي، وتم منحها لأحد الأشخاص كما يقول الصك المرفق.. وهذا الشخص قام بتقسيمها لأراض سكنية كانت أرضه التي اشتراها واحدة منها.. فأصيب بصدمة شديدة.. كيف؟؟؟ هل هذا معقول.. هذه مأساة من ناحيتين.. الأولى أنه ساعد بشرائه الأرض على الاستيلاء على مرفق الحي.. والأخرى أن ما حصل يعني أن هذا الشخص الذي منح له المرفق استولى ببساطة على جهده طيلة عشر سنين في غمضة عين، وبدون أي جهد منه.. وبدأت المأساة تتفاعل في عقل (أبو أحمد) .. هل هذا معقول؟ هو يبني نفسه بدراسته الطويلة .. من الابتدائية حتى الجامعة ثم يسافر ويتغرب ويبذل الجهد الكبير في إكمال دراساته العليا.. وكل ذلك من أجل أن يؤهل نفسه ليكون قادراً على الكسب المادي والمعنوي وبالمستوى الجيد، وفي الأخير يأتي شخص ربما لم يفعل أي شيء من ذلك ليستولي على جهده الثمين طيلة عشر سنين.. هكذا؟ بكل تلك البساطة؟؟ واستمرت المأساة في التفاعل في ذهن (أبو أحمد) فظل يحرك يديه ويهز رأسه.. ويقول .. لا .. والمشكلة الأكبر أنه ليس هو الوحيد الذي استولى ذلك الشخص (الممنوح) على جهده الثمين بتلك البساطة طيلة عشر سنين.. بل هناك ربما العشرات كانوا ضحايا مثله.. وفي ذلك اليوم المشهود.. يوم الجمعة بدأت أزمة (أبو أحمد) أو على الأصح بدأت صدمته.
كان قد دخل مكتبه في الجامعة وهم بقفل الباب بعد محاضرة مقتضبة ألقاها على الطلبة حين فاجأه زميله (أبو عادل) بالدخول عليه، وحاول (أبو أحمد) أن يعترض لكن (أبو عادل) لم يمهله.. سبقه للمكتب وجلس بجواره على الكرسي المعد للضيوف.. وقال: اجلس يا أبو أحمد.. وصارحني أرجوك.. كل زملائك قلقون عليك.. نحن جميعاً نحبك.. وأنت أستاذنا وقدوتنا ولا نستطيع أبداً أن نتفرج عليك وأنت هكذا دون أن نعرف ما بك.. نحن نفديك يا أبو أحمد بكل ما نستطيع وأنت تعرف مكانتك عندنا.. فأرجوك صارحني وقل لي ما بك.. فقد نستطيع مساعدتك.. وحينئذ تأثر (أبو أحمد) عاطفياً ودمعت عيناه.. وصارح زميله (أبو عادل) بما حصل له ثم قال.. تصور يا أبو عادل.. أنا الأستاذ في الجامعة وفي القانون.. تصور أنا رجل القانون الأول.. الذي من المفروض أن أدافع عن غيري وأحمي القانون يحصل لي ما حصل؟ هل تتصور أنني قادر على الصمت؟ وحينذاك أرخى (أبو عادل) رأسه.. ودمعت عيناه هو الآخر.. وقال.. لا.. أعرفك جيداً يا (أبو أحمد).. يا رجل القانون الأول..قد تموت لو صمت... ولكن ( الشق أكبر من الرقعة).. فإذا كان هذا قد استولى على جهدك وجهد العشرات مثلك طيلة عشر سنوات.. فهناك آخر وآخر.. وآخر.. حصلوا بكل بساطة ليس على خمسين ألف متر بل على ملايين الأمتار بحجة كونها كانت (مسايل) لحقل صغير كان لهم أو اشتروه.. وحولوا تلك (المسايل) إلى مخططات سكنية.. عشرات آلاف القطع أو ربما مئات الألوف.. وببساطة استولوا بها على جهد مئات الألوف طيلة عشر سنوات أو عشرين أو ربما طيلة العمر كله.
جلس أبو أحمد على مكتبه ووضع رأسه بين كفيه.. ثم رفع رأسه .. ونظر لـ(أبو عادل) وقال.. اطمئن لن أموت وأخذ قلمه وكتب عنوان محاضرته القادمة هكذا ...سرقات ناعمة.

faissssal · 31-12-2009, 09:42 PM

كارثة جدة ، هل تفتح العيون على تلك السرقات الناعمة بعدما ماتت الضمائر ورُقصَ
على أشلاءها ، أم أن الأمر كالعادة سحابة صيف ستمر وتُنسى ؟!!

TEA TIME · 01-01-2010, 01:33 PM

اتمنى ان تتم محاسبة المخطئ بصرامةوبغض النظر عن مركزه الاجتماعي في البلد

31-12-2009, 02:15 PM	#1
TEA TIME متداول فعّال تاريخ التسجيل: Aug 2007 المشاركات: 228	طاش ما طاش الصحفي..سرقات ناعمة مقال للدكتور ناصر الفوزان في الوطن عن سرقات الالراضي اللي تصير بالبلد أبو أحمد.. ذلك الأكاديمي، القانوني، خريج هارفارد، المفعم نشاطاً وحيوية وإخلاصاً وحماساً.. والمتميز عطاء.. كيف تغير بهذه السرعة، وبتلك الحدة؟ لم يعد هو أبو أحمد الذي عرفه زملاؤه، ورؤساؤه.. وطلبته.. بين عشية وضحاها أصبح صامتاً، ساهماً، حائراً، متردداً، مشتت الذهن، ولم يعد يسترسل في محاضراته لطلبته، أو يشجع النقاش، بل أصبح يختصر ما أمكن، وينزوي في مكتبه في الجامعة ويقفل الباب، ولا يستقبل أحداً وينصرف لمنزله بهدوء. قال (أبو عادل) أحد زملائه وهم يتشاورون في حالته الغريبة المقلقة.. أبو أحمد مصدوم.. ثم قال إنه يشعر بصدمة شديدة.. ولكن ما هي هذه الصدمة؟ هكذا قال أقرب زملائه له وأخلصهم ثم أضاف: الآن لا أدري ولكن سأحاول معرفة ذلك. أبو أحمد له الآن في القسم عشر سنوات حصل على البكالوريوس من قسم القانون بتفوق، وأصبح معيداً، ثم تم ابتعاثه لإكمال الدراسة العليا، وحصل على الماجستير ثم الدكتوراه، وبتفوق أيضاً من جامعة هارفارد.. وعاد للوطن، وعمل في الجامعة أستاذاً مساعداً، ثم مشاركاً، ثم أستاذاً. طيلة السنوات العشر التي قضاها في القسم كان يسكن هو وزوجته وأطفاله في بيت مستأجر.. وكان له هدفان .. الهدف العلمي وكان يحققه بنجاح. أما الهدف الثاني فهو امتلاك منزل مناسب في حي لائق. ومن أجل تحقق هذا الهدف الأخير كان يوفر ثلث راتبه شهرياً ليتمكن من الحصول على الأرض المناسبة في المكان المناسب ليقيم عليها المسكن المناسب. بعد تلك السنوات العشر كان قد وفر خمسمئة ألف ريال، فبحث عن الأرض المناسبة في المكان المناسب فوجدها، وكانت بحدود ستمئة متر. وفي حي مريح، وقيمتها بحدود المبلغ الذي جمعه، فاشتراها، ولأول مرة في حياته ذهب لكتابة العدل وأكمل إجراءات الشراء، ودفع المبلغ. في يوم الخميس الذي أعقب إتمام إجراءات الشراء أخذ زوجته وأطفاله لأحد المطاعم الفاخرة ليحتفل معهم بإتمام الخطوة الأولى لإقامة مسكن العمر، وكان حفلاً بهيجاً، ظل خلاله هو وزوجته يبتسمان لأطفالهما، ويداعبانهم، وينسجان الآمال العريضة.. سامر سيكون له الغرفة الصغيرة الأنيقة، بالتلفزيون وجهاز الكمبيوتر، ووداد ستكون غرفتها مجهزة بوسائل الراحة والمعرفة، وعلي المهتم بالقراءة سيكون في غرفته مكتبة.. وظلا ينسجان الآمال.. أملاً بعد أمل.. وهما في غاية البهجة.. وكذلك أطفالهما.. وحين قالت الزوجة كيف ستوفر مبلغ البناء وكل شيء الآن طار في السماء.. قال: لا عليك.. سأوفر من الراتب بالتدريج.. وسأتدبر الأمر. في صباح الجمعة كان أول عمل قام به الرجوع لصك ملكية الأرض، وقراءته بتمعن أكثر.. واكتشف أن الصك يحيل لصك آخر.. ووجد صورة الصك الآخر مرفقة.. فقرأه ووجد أمراً مذهلاً.. وجد أن أرضه الستمئة متر التي اشتراها كانت جزءاً من أرض كبيرة مساحتها في حدود خمسين ألف متر. كانت حكومية ومخصصة لتكون مرفقاً للحي، وتم منحها لأحد الأشخاص كما يقول الصك المرفق.. وهذا الشخص قام بتقسيمها لأراض سكنية كانت أرضه التي اشتراها واحدة منها.. فأصيب بصدمة شديدة.. كيف؟؟؟ هل هذا معقول.. هذه مأساة من ناحيتين.. الأولى أنه ساعد بشرائه الأرض على الاستيلاء على مرفق الحي.. والأخرى أن ما حصل يعني أن هذا الشخص الذي منح له المرفق استولى ببساطة على جهده طيلة عشر سنين في غمضة عين، وبدون أي جهد منه.. وبدأت المأساة تتفاعل في عقل (أبو أحمد) .. هل هذا معقول؟ هو يبني نفسه بدراسته الطويلة .. من الابتدائية حتى الجامعة ثم يسافر ويتغرب ويبذل الجهد الكبير في إكمال دراساته العليا.. وكل ذلك من أجل أن يؤهل نفسه ليكون قادراً على الكسب المادي والمعنوي وبالمستوى الجيد، وفي الأخير يأتي شخص ربما لم يفعل أي شيء من ذلك ليستولي على جهده الثمين طيلة عشر سنين.. هكذا؟ بكل تلك البساطة؟؟ واستمرت المأساة في التفاعل في ذهن (أبو أحمد) فظل يحرك يديه ويهز رأسه.. ويقول .. لا .. والمشكلة الأكبر أنه ليس هو الوحيد الذي استولى ذلك الشخص (الممنوح) على جهده الثمين بتلك البساطة طيلة عشر سنين.. بل هناك ربما العشرات كانوا ضحايا مثله.. وفي ذلك اليوم المشهود.. يوم الجمعة بدأت أزمة (أبو أحمد) أو على الأصح بدأت صدمته. كان قد دخل مكتبه في الجامعة وهم بقفل الباب بعد محاضرة مقتضبة ألقاها على الطلبة حين فاجأه زميله (أبو عادل) بالدخول عليه، وحاول (أبو أحمد) أن يعترض لكن (أبو عادل) لم يمهله.. سبقه للمكتب وجلس بجواره على الكرسي المعد للضيوف.. وقال: اجلس يا أبو أحمد.. وصارحني أرجوك.. كل زملائك قلقون عليك.. نحن جميعاً نحبك.. وأنت أستاذنا وقدوتنا ولا نستطيع أبداً أن نتفرج عليك وأنت هكذا دون أن نعرف ما بك.. نحن نفديك يا أبو أحمد بكل ما نستطيع وأنت تعرف مكانتك عندنا.. فأرجوك صارحني وقل لي ما بك.. فقد نستطيع مساعدتك.. وحينئذ تأثر (أبو أحمد) عاطفياً ودمعت عيناه.. وصارح زميله (أبو عادل) بما حصل له ثم قال.. تصور يا أبو عادل.. أنا الأستاذ في الجامعة وفي القانون.. تصور أنا رجل القانون الأول.. الذي من المفروض أن أدافع عن غيري وأحمي القانون يحصل لي ما حصل؟ هل تتصور أنني قادر على الصمت؟ وحينذاك أرخى (أبو عادل) رأسه.. ودمعت عيناه هو الآخر.. وقال.. لا.. أعرفك جيداً يا (أبو أحمد).. يا رجل القانون الأول..قد تموت لو صمت... ولكن ( الشق أكبر من الرقعة).. فإذا كان هذا قد استولى على جهدك وجهد العشرات مثلك طيلة عشر سنوات.. فهناك آخر وآخر.. وآخر.. حصلوا بكل بساطة ليس على خمسين ألف متر بل على ملايين الأمتار بحجة كونها كانت (مسايل) لحقل صغير كان لهم أو اشتروه.. وحولوا تلك (المسايل) إلى مخططات سكنية.. عشرات آلاف القطع أو ربما مئات الألوف.. وببساطة استولوا بها على جهد مئات الألوف طيلة عشر سنوات أو عشرين أو ربما طيلة العمر كله. جلس أبو أحمد على مكتبه ووضع رأسه بين كفيه.. ثم رفع رأسه .. ونظر لـ(أبو عادل) وقال.. اطمئن لن أموت وأخذ قلمه وكتب عنوان محاضرته القادمة هكذا ...سرقات ناعمة.

31-12-2009, 09:42 PM	#2
faissssal متداول نشيط تاريخ التسجيل: Mar 2008 المشاركات: 1,181	كارثة جدة ، هل تفتح العيون على تلك السرقات الناعمة بعدما ماتت الضمائر ورُقصَ على أشلاءها ، أم أن الأمر كالعادة سحابة صيف ستمر وتُنسى ؟!!

01-01-2010, 01:33 PM	#3
TEA TIME متداول فعّال تاريخ التسجيل: Aug 2007 المشاركات: 228	اتمنى ان تتم محاسبة المخطئ بصرامةوبغض النظر عن مركزه الاجتماعي في البلد