تدهور قيمة الأسهم والعملة الأميركية

[ابوفهد]

تدهور قيمة الأسهم والعملة الأميركية: رد فعل على الفضائح المحاسبية أم مسار تصحيحي للأسعار المضخمة؟

حل الانهيار المفاجئ لعملاقة الطاقة الاميركية «انرون» نهاية العام الماضي ومشاركة احدى اكبر شركات التدقيق المحاسبي (ارثر اندرسون) في عملية اخفاء المعلومات سلسلة متتالية من الفضائح وسلط الاضواء على ثغرات النظام الرأسمالي الاميركي «كوربورت اميركا» وقواعد تنظيم الشركات والنظم المحاسبية المتبعة. وتوالت الانباء السيئة في القدوم كان اخرها شركة ووردكوم الاميركية للاتصالات وهي ثاني اكبر شركة في مجال الاتصالات الدولية في الولايات المتحدة. ونجحت الاخيرة في تضخيم بند الموجودات بحوالي 4 مليارات دولار. كما طالت حمى الشركات الاميركية شركات عملاقة اخرى مثل زيروكس الشهيرة في تصنيع ماكينات التصوير الآلي وجينيرال اليكترك التي حسب صحيفة اميركية استخدمت ارباح صندوق معاشات موظفيها لتضخيم ارباحها.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماهية المسببات لهذه الخروقات المتتابعة؟ من التبسيط ان نوجه جميع اصابع الاتهام نحو المديرين التنفيذيين ومجالس الادارة لهذه الشركات كما فعل معظم من تناولوا الموضوع. فمن المؤكد ان المديرين التنفيذيين يتحملون قسطاً كبيراً من المسؤولية في عملية التحايل والتلاعب الا ان اغفال العوامل الاخرى سيجعل من الصورة غير مكتملة وسيقلل من امكانيات الاصلاح والتعديل. فبدون الفجوات الموجودة في نظام الشركات الاميركي وقواعد التدقيق المحاسبي لما تسنى للمديرين التنفيذيين المتورطين فعل ما فعلوه من مغالطات وتزوير. الا ان المشكلة تبدو اعمق من ذلك وتعود جذورها الى مجمل النظام الرأسمالي الاميركي القائم على المبادرة الشخصية وتعظيم الارباح. فهذه الاسس التي نفسها كانت المسبب في تألق الاقتصاد والمجتمع الاميركي خلال العقود السابقة تبدو الان طرفا ومسببا رئيسا لمشاكله المتراكمة. فالعقلية الفردية خلقت ـ خصوصا في سنوات التسعينات ـ اجواء مضخمة وغير واقعية ودفعت بعجلة قطاع الاعمال الى مستويات ظاهرية تفتقد المضمون المستند الى عمليات اقتصادية وانتاجية حقيقة. فعلى سبيل المثال ظل المحللون والمختصون والمعقبون حتى اللحظات الاخيرة قبل انهيار انرون وفضائح الشركات الاخرى يثنون على الاقتصاد وقطاع الاعمال الاميركي ويبشرون بقرب حلول الانتعاش والازدهار الاقتصادي بعد تراجع النشاط الاقتصادي خلال العام الماضي. وبالتالي خلقوا اجواءً جعلو فيها اي توقع للربح يقل عن 10 في المائة غير مجد الامر الذي دفع بالمديرين التنفذيين الى فعل ما فعلوا تماما، تضخيم الارباح. من الطبيعي ان تنال هذه الاحداث المتتابعة من ثقة المستثمرين الذين يعانون اصلا من تباطؤ اقتصادي منذ بداية العام الفائت. وحسب مسح اجرته مؤخرا مجموعة «بوسطن جلوبال مانجمنت» لاستشارات الاعمال فقد خسر المستثمرون الاثرياء أكثر من 2.6 تريليون دولار او ما يساوي 6 في المائة من ثرواتهم جراء تباطؤ الاسواق خلال عام .2001 وقال المسح ان «القليل من المستثمرين استطاع الافلات من الضربات الاقتصادية العام الماضي». وزادت الانباء المتعاقبة عن حالات اختلاس وتلاعب في الاوراق والارقام من الطين بلة وتداعت اسواق المال الى الهبوط بعد الكشف عن فضيحة «ووردكوم» حيث هبط مؤشر الاسهم اليابانية نيكاي ومؤشر داكس الالماني وكاك الفرنسي بأكثر من 4 في المائة. كما تهاوى الدولار الاميركي لمستويات قياسية امام العملات العالمية الاخرى حتى اقترب من سعر صرف اليورو الاوروبي لاول مرة منذ العام .1999 ويعتبر العديد من الاقتصاديين الانخفاضات سواء في سوق الاسهم او على قيمة الدولار التي حصلت في الاسابيع الماضية ليست نابعة من ازمة اقتصادية اميركية بقدر ما هي تصحيح طبيعي ومتوقع لاسعار الاسهم والعملة الاميركية التي شهدت تضخيما في قيمتها خصوصا خلال الثلاث سنوات السابقة. فحسب مجلة «الاكينومست» في عددها قبل الاخير فان السوق الاميركية لن تتضرر بكثير اذا ما انخفضت اسعار الاسهم بالثلث. يدلل هذا على ان هناك تضخيما بما لا يقل عن الثلث إن لم تكن النسبة اكثر من ذلك. اذا يبدو ان انهيار وفضائح بعض الشركات الاميركية لم تكن سوى الشعرة التي قصمت ظهر البعير الذي هو بالاساس تعب ومرهق من حمل ليس بطاقته. قد تكون هذه الانخفاضات صحية للاقتصاد الاميركي على المدى المتوسط والبعيد اذ انها تقلل الفجوة ما بين المضخم والواقع وهو ما يعتبره الاقتصاديون امرا ايجابيا.