المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سياسه x سياسه / من هنا وهناك


الصفحات : [1] 2

عبدالله هادي
22-04-2013, 05:50 AM
عطا الله مهاجراني ( الشرق الأوسط )

في «السيف» قد ضيعت «الأسد»


هناك مثل شعبي في الأدب العربي يقول: «في الصيف قد ضيعت اللبن».
لكني رأيت تغيير هذا المثل لأكسبه طابعا سياسيا ليكون على النحو الآتي: «في السيف قد ضيعت الأسد».

لدينا كلمة شائعة في اللغة الفارسية مقابلة لكل من الأسد واللبن هي «شير».

في أجواء الصيف الحارة، يفسد الحليب بصورة سريعة. الأمر ذاته ينطبق على حالة بشار الأسد والسيف الذي يمثل رمز القوة. يعتقد بشار أنه قادر على البقاء في الحكم وتعزيز قبضته على السلطة من خلال السيف، لكن يبدو لي أنه يدرك الآن مدى الدمار الذي تعرضت له سوريا، معاناة شعبها الأمرّين خلال فترة حكمه أكثر من أي وقت مضى. تلك هي أسوأ إنجازات بشار الأسد عندما استخدم السيف دون حكمة.

يقول اللود أكتون: «القوة تفسد أصحابها، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، والرجال العظام دائما ما يكونون رجالا سيئين». وربما يكون أكتون قد استعار هذه المقولة من ويليام بيت رئيس الوزراء البريطاني (1766 - 1778) الذي قال شيئا مماثلا من هذا القبيل خلال كلمته أمام مجلس اللوردات في المملكة المتحدة عام 1770: «إن القوة غير المحدودة تفسد عقول من يملكونها».

روى وليد جنبلاط لبعض الأصدقاء المقربين أنه عندما التقى الرئيس الأسد عقب وقوع مذبحة درعا سأله: لماذا لم تقدم أولئك المسؤولين عن المذبحة إلى المحاكمة، لا سيما أنه من الضروري معاقبتهم وإقناع السوريين بأن حكومتهم تدعمهم؟ وهنا كان رده: هل تقصد بذلك أن أعاقب ماهر الأسد؟ لكن لم تمض سوى عدة أشهر حتى رأينا ماهر الأسد يدخن، ويحدق في جثث الضحايا من المعارضة السورية. وهنالك فقد بشار الفرصة والوقت المناسب لتدارك المشكلة.

ونحن في الوقت الراهن، للأسف، نواجه كارثة هائلة في سوريا، وذلك لأن حكومة بشار لم تعر انتباها لأهمية الوقت في حل المشكلات. واسمحوا لي أن أقدم لكم مثالا آخر.. عندما انهزم الجيش العراقي وتم تحرير مدينة خرمشهر عام 1980 خلال الحرب العراقية - الإيرانية، رأى الكثير من السياسيين في إيران ضرورة القبول بوقف إطلاق النار ووضع حد لهذه الكارثة القائمة بين البلدين المسلمين. ولكن، على الجانب الآخر، أصرت الشخصيات العسكرية على مواصلة الحرب التي قتل خلالها نحو ثلاثمائة ألف إيراني، وما زلنا نرى بعض الوجوه الحزينة لمعاقي الحرب في المستشفيات، الذين يلجأ بعضهم، للأسف، إلى الانتحار. ولنا أن نستحضر هذه المقولة: أمور مرهونة بأوقاتها، فاغتنموا فرص الخير، والفرص تمر مر السحاب.

هذه أمثلة عن الحكمة في موروثنا الديني والشعبي. فقد خلق الله عز وجل الحياة وفق تدابير محددة، أحد هذه التدابير الأكثر أهمية هو الوقت.

ما أريد أن أقوله الآن، هو أن الأسد أقدم على قرار صائب، ولكنه جاء متأخرا للغاية؛ عندما أعلن عن العفو عن كل جماعات المعارضة السورية، وأكد خلال مقابلة له مع قناة «الإخبارية» السورية الفضائية يوم الأربعاء 17 أبريل (نيسان) أن «ما قالت به وسائل الإعلام الأجنبية والمعادية وبشكل عام العربية من أن هذا الرئيس مرفوض من قبل الشعب ومتمسك بالكرسي ويقتل شعبه من أجل الكرسي. هذا ما يطرح». وأضاف: «المنصب ليست له قيمة إذا لم يكن له دعم شعبي، ما يجب أن يقاتل المسؤول من أجله هو الدعم الشعبي.. وما يقرره الشعب في هذا الموضوع هو الأساس بالنسبة إلى بقاء الرئيس أو ذهابه».

كان الوقت الأنسب لإصدار مثل هذا البيان هو بعد وقوع أحداث درعا، وإن أفضل السبل أمام بشار لاتخاذ قرار خطير وتاريخي هو إجراء انتخابات حرة ونزيهة في سوريا، لكنه لم يفعل ذلك عندما أتيحت له الفرصة كاملة. نحن نعي أنه يواجه عقبات هائلة، لا سيما أن الوضع تغير حاليا في ظل مقتل نحو مائتي ألف سوري، وارتكاب أعمال وحشية من جانب القوات العسكرية النظامية وفرار ملايين السوريين عن ديارهم. لقد اعتدنا أن نرى سوريا دولة جميلة تنعم بالتراث الثقافي العظيم، مثل سوق حلب القديمة، ومساجدها، ومبانيها التاريخية، ولكن سوريا تحولت الآن إلى بلد بلا تاريخ أو حضارة. يبدو أن الحل الوحيد يكمن في إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وبإمكان بشار أن يشارك في الانتخابات باعتباره مرشحا، وإذا ما صوتت الغالبية العظمى من السوريين لصالحه، فسوف يكون الرئيس الشرعي لسوريا. وإذا خسر الانتخابات، فبإمكانه المكوث في بلاده.

إننا أمام مشكلة تحتوي على عدة تناقضات، فمن ناحية يرفض بشار إجراء حوار مع زعماء المعارضة ويبعث برسالة واضحة مفادها أنه لن يترك السلطة، ومن ناحية أخرى أعرب قادة المعارضة عن شكوكهم في الرئيس السوري. والسؤال الآن هو: من يمكنه أن يملأ هذه الفجوة ويزيل تلك الغيوم الضبابية التي تلوح في سماء سوريا؟ أعتقد أن الأخضر الإبراهيمي - الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية - يمكن أن يلعب دورا فريدا في إنقاذ سوريا والسوريين وعائلة الأسد. قد تكون هناك فرصة أخيرة أمام بشار لاتخاذ قرار تاريخي وإنقاذ سوريا بعد فشله في استغلال الفرصة الذهبية عقب وقوع أحداث درعا. وانطلاقا من رغبته في إنقاذ سوريا والحيلولة دون وقوع مزيد من الدمار، صرح معاذ الخطيب بأنه مستعد لإجراء محادثات مع الحكومة، والآن حان دور الأسد للاستجابة لهذا الاقتراح الحكيم. إن الوقت الراهن هو الأنسب للتفاوض. ولا ننسى أن الله تبارك وتعالى أمر موسى أن يذهب إلى قصر فرعون ليتحدث معه بلغة لينة وليس باستخدام كلمات ثورية: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) سورة طه (43 - 44).

إن المكان الوحيد الذي يعتبر فيه الوقت عاملا إيجابيا هو المتاحف، حيث تزداد قيمة اللوحات والتماثيل مع توالي السنوات والعقود. ولكن حينما يتعلق الأمر بالشؤون السياسية وشؤون حياتنا اليومية، يلعب الوقت دورا سلبيا. ومن ثم ربما كان هذا هو الوقت الأنسب لكل من بشار الأسد وقوى المعارضة باختلاف أطيافها ومطالبها حتى يفكروا في سوريا.

لقد أثنى ابن بطوطة (1368 - 1304 ميلادية) على دمشق وشعبها عندما تحدث عنها في رحلته قائلا: «دمشق في أوصافها جنة خلد راضية. أما ترى أبوابها قد جعلت ثمانية؟».

لكن دمشق تحولت الآن للأسف إلى مكان أشبه بالجحيم، تنتظر شخصا يبدل جحيم الموت والكراهية إلى جنة على الأرض.

عبدالله هادي
22-04-2013, 05:52 AM
طارق الحميد ( الشرق الأوسط )

جبهة نصرة الأسد

إعلان قاعدة العراق عن تبعية جبهة النصرة السورية لها، ثم نفي الجبهة ذلك وإعلانها مبايعتها لزعيم تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري، لا يعد دليلا على وجود «القاعدة» من عدمه في سوريا، بقدر ما يدل على أن جبهة النصرة هذه باتت جبهة نصرة وإنقاذ للأسد، كما أن هذا الإعلان يكشف عن صراع أكثر من أنه إعلان وجود لـ«القاعدة».

إعلان قاعدة العراق عن تبعية جبهة النصرة لها، ومن دون تنسيق مع الجبهة، يدل على صراع بين أذرع «القاعدة»، هذا إن لم تكن عملية اختراق أصلا، خصوصا أن القاعدة في العراق هي خليط من جهد ودعم إيراني وسوري، من قبل نظام الأسد، هذا عدا عن أن فتح الباب للزرقاوي وغيره كان قد تم أساسا من قبل نظام صدام حسين، وبالتالي فنحن أمام خليط من عصابات إجرامية بتنسيق استخباراتي تخريبي اضطلعت فيه كل من إيران ونظام الأسد نفسه، وهنا يكفي أن نتذكر قيادات «القاعدة» التي عاشت، وتعيش، في إيران، وهناك أيضا تنظيم فتح الإسلام الذي لقي دعما من النظام الأسدي.

كما أن إعلان قاعدة العراق عن تبعية جبهة النصرة لها، وإنكار الأخيرة لهذا الأمر، يكشف عن صراع حقيقي بين أذرع «القاعدة»، مما يعني إدراكهم أن الأمور على الأرض تسير باتجاه مخالف لرغباتهم، حيث إن القوى المقاتلة الأخرى تزداد قوة من خلال الدعم المسلح لها، وبانتقائية واضحة تضمن عدم وصول الأسلحة للإرهابيين، أو تنظيم القاعدة، كما أن هناك تحركات سياسية جادة لدعم الجيش الحر وليس المتطرفين، سواء من دول عربية أو غربية، خصوصا أن بريطانيا كررت مطالبها بضرورة التحرك لتسليح الجماعات المعتدلة، والآن يعلن عن حضور وزير الخارجية الأميركي لمؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تركيا، مما يعزز المطالبات المتزايدة للإدارة الأميركية بضرورة التحرك الآن في سوريا.

ولذا، ورغم عدم وضوح الرؤية بشكل كامل حول موضوع «القاعدة» في سوريا، فإن القصة ليست قصة إثبات وجود «القاعدة» من عدمه، بل هي دليل على صراع دب بأذرع «القاعدة»، مع احتمالية وجود عملية اختراق، الهدف منها هو إنقاذ الأسد من خلال القول بأن «القاعدة» موجودة في سوريا وها هي تبايع الظواهري.

والحقيقة أن وجود «القاعدة» بسوريا متوقع، وسبق التحذير منه، فاستمرار القتل والجرائم الأسدية في سوريا لمدة العامين، وها هي الأزمة تدخل عامها الثالث، من شأنه أن يدفع العقلاء للتحالف حتى مع الشيطان.

وعليه فإن الإعلان، والإعلان المضاد له، عن تبعية «القاعدة» بسوريا يجب أن يكون محفزا جديدا لضرورة التحرك سريعا في سوريا من أجل تفويت الفرصة على «القاعدة» وغيرها، مثل حزب الله وإيران، فكلاهما، «القاعدة» وإيران وعملاؤها، وجهان لنفس العملة، وهي عملة التخريب والقتل.

ملخص القول هو أن «القاعدة» موجودة بسوريا مثلها مثل إيران، ولا بد من تحرك فعلي للحد من خطورتهم جميعا على سوريا ما بعد الأسد، فالإعلان عن تبعية «القاعدة» بسوريا ما هو إلا نداء استغاثة للمجتمع الدولي، مفاده تحركوا فعليا الآن، وليس غدا.

عبدالله هادي
22-04-2013, 05:54 AM
طارق الحميد ( الشرق الاوسط )

مصر.. و«أماني» إيران!


يحاول المسؤولون الإيرانيون، ومنهم رئيس بعثة المصالح الإيرانية لدى مصر السفير مجتبي أماني، الدفاع عن التقارب الإخواني الإيراني، لكن دفاعهم هذا يورط طهران وجماعة الإخوان المسلمين أكثر من أي شيء آخر، رغم كل حملة الدفاع عن التقارب الإخواني الإيراني التي انطلقت فجأة في بعض وسائل الإعلام المصرية!

يقول أماني تعليقا على المظاهرات التي جرت أمام مقر إقامته بمصر إن مزاعم نشر إيران المذهب الشيعي في مصر هي «أكذوبة كبرى»، تستهدف تحويل الصراع الإسرائيلي العربي والإسلامي لصراع داخل الأمة الإسلامية تحت مسمى الشيعة والسنة، بحسب ما نقلته عنه صحيفة «المصري اليوم». وأعرب رئيس بعثة المصالح الإيرانية عن اعتقاده أن أعداء الأمة الإسلامية يروجون ويشددون على فزاعة الشيعة والسنة، واتهام إيران بمحاولة نشر المذهب الشيعي، وهو ما أدى لتظاهر البعض أمام منزله، مشيرا إلى أن وجود بعض السوريين داخل هذه المظاهرة، ورفع أعلام المعارضة السورية، يدل على أن هناك تلاعبا بأمن مصر القومي، والمصالح الوطنية المصرية، لحساب آخرين، معربا عن أسفه لأن هؤلاء يجدون إمكانية للعب بأمن مصر القومي ومصالحها الوطنية بهذه الصورة، وذلك حسب نص ما نقلته الصحيفة المصرية!

فهل من افتراء وتجنٍّ أكثر من هذا.. وليس على المصريين المعارضين للتقارب الإخواني الإيراني خصوصا أن سلفيي مصر باتوا الآن يوصفون بأنهم على خط واحد مع إسرائيل بسبب موقفهم المناهض للتقارب مع إيران، وهم، أي السلفيون، حلفاء «الإخوان» بالأمس القريب؟ والافتراء الذي يقع بحق السوريين يعد أمر عجيبا ومريبا السكوت عنه، فرغم كل الجرائم التي يرتكبها بشار الأسد بحق السوريين وبدعم من نظام إيران، أموالا وسلاحا ورجالا، يقول رجل إيران بالقاهرة (أماني) إن رفع أعلام الثورة السورية أمام منزله هو تلاعب بأمن مصر القومي ومصالحها الوطنية! فإذا كان رفع الأعلام السورية في مصر، رغم كل جرائم الأسد التي تقع بدعم إيراني، يعتبر اختراقا لأمن مصر القومي، فماذا يمكن أن يقال عن رفع أعلام إيران وحزب الله في لبنان، وسوريا، والبحرين، والعراق، والقطيف شرق السعودية، وغيرها؟

فهل من نفاق أكثر من هذا؟ وهل من تواطؤ أكثر من هذا التواطؤ المتمثل في الصمت حول هذه التصريحات الإيرانية المستفزة والتي لم تصدر عن مسؤول إيراني في طهران وإنما من رئيس بعثة المصالح الإيرانية في القاهرة، وفي الوقت الذي يحاول فيه «الإخوان» النيل من الأزهر، وإمامه الأكبر، ورغم كل الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد بحق السوريين وبدعم من إيران؟.. والأدهى والأمرّ أن حملة الدفاع عن «الإخوان»، داخل مصر وخارجها، ومحاولة صرف النظر عن تقاربهم مع طهران، تأتي في الوقت الذي قال فيه مؤخرا علي أكبر ولايتي، وزير خارجية طهران السابق، ومستشار المرشد خامنئي: «نحن والإخوان أصدقاء، ونقوم بدعمهم، وهم الأقرب إلينا عقائديا بين كل الجماعات الإسلامية»!

فكيف يمكن بعد كل ذلك الدفاع عن «الإخوان»، أو نهجهم، سواء بمصر أو خارجها؟

عبدالله هادي
22-04-2013, 05:55 AM
مامون فندي ( الشرق الأوسط )

هل تخطت الأزمة السورية نقطة التدخل؟


لحظات التدخل في الصراعات الدولية كما لحظات التدخل في جراحات الطب الدقيقة، فهناك لحظات يمكن فيها التدخل لو تجاوزها المريض تتغير كفتا الميزان، ليوازن الطبيب ما بين حياة المريض فترة بالمرض مقابل تدخل قد يؤدي إلى موته أو في أحسن السيناريوهات مضاعفة الأزمة.

والتدخل في سوريا يبدو في الغرب أنه تجاوز نقطة الشفاء إلى تدخل يضاعف من نسب الضحايا ومأساتهم. لذا يخيم التردد، أو ما يسمى بالأقدام الباردة، على عواصم الغرب المؤثرة تجاه فكرة التدخل العسكري في سوريا. في الحروب التي تشنها الدول الديمقراطية لتغيير أنظمة كما في حالتي الإطاحة بنظام صدام حسين في حرب 2003 والإطاحة بنظام القذافي من بعده من خلال تحالف الناتو عام 2012، يكون لزاما على هذه الديمقراطيات أن تشرح مبررات التدخل لشعوبها التي ستدفع تكاليف الحرب المادية والبشرية، لكي يحصل الرئيس على دعم شعبي لحرب قد تطول كما هو الحال في الحرب على «القاعدة» في أفغانستان، أو حتى من أجل حرب خاطفة كما في حالة إنهاء مأساة التطهير العرقي في البوسنة والهرسك. والتبرير غالبا الذي تقبله الشعوب الديمقراطية والذي يمكن تصويره إعلاميا هو المآسي الإنسانية، وغالبا حملة إعلامية كهذه تجد مقاومة في أول الأمر حتى تتدفق الصور البشعة وتكتمل الصورة وتزداد نسبة التأييد لإنقاذ البشر.

في اعتقادي أن الصور التي رآها العالم من سوريا، وبكل بشاعتها، قد بلغت قمتها في التأثير على الرأي العام، والمنحنى البياني الآن لتأثير الثور يأخذ خطا تنازليا، إلا إذا حدثت مذبحة كبرى، وهذا أمر وارد جدا، لو أخذنا في الاعتبار تلك الأعداد التي يشيب لها الرأس من القتلى والجرحى والمشردين جراء حرب مجنونة، حيث بلغت التقديرات المحافظة جدا لعدد القتلى ما بين 60 ألف قتيل إلى 70 ألفا. أي تدخل عسكري الآن في أحسن الظروف، وعندما يتم التحسب جدا لما يسمى «Collateral Damage» أو الآثار الجانبية للقصف من الجو ومن البحر، فقد يرتفع عدد الضحايا من السوريين إلى ما يزيد على المائة ألف، هذا إذا لم نصل لهذا الرقم قبل التدخل. ويأخذنا التدخل العسكري الغربي، إذا حدث، إلى مستويات أعلى من البشاعة والقتل. ما أسمعه في عواصم الغرب المختلفة يوحي بأن أقدام الغرب قد بردت كثيرا من ناحية فكرة تغيير النظام في سوريا بالقوة العسكرية على غرار ما حدث للقذافي في ليبيا. في لندن وواشنطن ارتفعت نغمة فكرتين أساسيتين؛ الأولى هي فكرة اليوم التالي لسقوط النظام في سوريا والتي على ما يبدو أنها وصلت لاستنتاج مفاده أن أفضل سيناريوهات سوريا قد يكون على غرار ما حدث في مصر، والذي يمكن تلخيصه بفكرة إبدال استبداد ونظام قبيح بنظام يبدو أكثر استبدادا، والفارق هو أن النظام السابق كان براغماتيا ويمكن التعامل معه على الأقل في القضايا الإقليمية، حيث كانت القاهرة ولسنوات مفرغة من أهلها ومشاكلها وناسها، ونظر إليها العالم على أنها قاعة مؤتمرات كبرى (مؤتمر رايح ومؤتمر جاي)، وهو دور استحوذت عليه قطر الآن.

الثورات العربية أو الانتفاضات، أيا كانت رؤية القارئ، كان لها مردود إيجابي كبير، خصوصا في ما يخص تغطية الصحافة الغربية لعالم العرب، إذ لم يعد العالم العربي مجرد مؤتمر في القاهرة، وعقد صفقة سهلة. اليوم القصة الصحافية ليست في مكتب الرئيس بل في الشارع في ميدان التحرير بالقاهرة، وفي ميدان القائد إبراهيم بالإسكندرية، وفي السويس. مصر أصبحت وطن خبر لا يمكن تجاهله. وهذا لم يكن درسا تعلمته الصحافة الغربية فقط، بل الصحافة والتلفزيونات العربية تعلمت الدرس وعرفت أن القصة الصحافية ليست في مقابلة مرسي أو حتى الأسد. القصة في الشارع وعلى جبهات المواجهة. مرسي ليس قصة صحافية، ومقابلة مع قائد الـ«بلاك بلوك» في مصر تكون خلطة صحافية أهم من مقابلة مرسي عشرات المرات. ولكن ما دخل هذا بالتدخل في سوريا وخفوت نغمة دعوات التدخل؟

الإعلام الغربي، الذي جذبه بريق الثورة كما تنجذب الفراشة إلى النور في مصر وتونس، وتحدث عن أن الديمقراطية هي الحل، وأن فجر الديمقراطية انبلج ولجلج، حسب رأي الرئيس مرسي، الإعلام نفسه اليوم على الهواء وفي غرف التحرير يتحدث بشيء أشبه بالعنصرية، ويقول بوضوح إن الديمقراطية كنظام حكم لا تناسب هذه المنطقة من العالم. إذن كي يقنع أوباما الأميركيين أو يقنع ديفيد كاميرون البريطانيين بأنه سيرسل أبناءهم إلى دمشق من أجل القيم الغربية بما فيها الديمقراطية، فلن يجد أي منهما من يقف معه، فلا ديمقراطية في عراق كلف الأميركيين مليارات الدولارات وآلاف القتلى، وكيف أن الثورة المصرية بكل جمالها في بداياتها أنتجت النظام الحاكم الحالي. فهل سيرسل الغرب أبناءه لسوريا لإنتاج نظام بديل بقيادة جبهة النصرة وجماعات متطرفة ذات عقائد ومشارب مختلفة؟ هذا هو سبب التردد الرئيس في العواصم الغربية. وجاء حادث تفجير ماراثون بوسطن ليستعيد في الذهن الغربي ذكريات 9/11 في أميركا و7/7 في بريطانيا، ويعيد الربط بين المتطرفين من المسلمين والإرهاب. وفي هذا السياق لا يريد زعيم غربي أن يقال عنه إنه وضع يده في يد جبهة النصرة والعرب والأفغان في سوريا. كما أن الأرقام التي تحسب في سيناريوهات التدخل العسكري الأميركي حتى الآن، في حال عمليات جوية خاطفة تطيح بنظام الأسد، ستضاعف من عدد الضحايا الذي نعرفه الآن، أي من 40 ألفا إلى 60 ألفا.

التقارير التي وردت من المبعوثين الدوليين من كوفي أنان حتى الأخضر الإبراهيمي، وكذلك الجماعات البحثية المستقلة، كلها تصب في أن أفضل الحلول التي يمكن التعامل معها هو شيء أشبه بفض الاشتباك في الصراعات الدولية. وهذا يعني اعترافا بحقائق القوة والنصر والهزيمة على الأرض. أي أن النتيجة هي أن يتفاوض الجيش الحر وجبهة النصرة وخلافهما مع الأسد على ما حرروا من مناطق. هنا تدخل سوريا في التقسيم ولكن بشكل سياسي يعكس السيطرة الفعلية على الأرض. إذا كان هذا صحيحا فإننا قد نرى مزيدا من القتال ومزيدا من الضحايا من أجل فرض الأمر الواقع على الأرض. وكلما زاد القتال وزاد عدد الضحايا تباعدت فكرة التدخل الدولي عموما والأميركي البريطاني خصوصا.

إذن وفي تقديري يمكن القول إن أزمة سوريا قد عبرت نقطة التدخل العسكري وإمكانيته. سيناريو العراق أيام الإطاحة بصدام وكذلك سيناريو القذافي غير قابلين للتنفيذ، وربما آخر السيناريوهات الذي قد يفرض نفسه هو سيناريو يوغوسلافيا بعد مذابح بريشتينا وكرواتيا والبوسنة.. تدخل جوي يوصلنا مرة أخرى إلى حل الأمر العسكري الواقع على الأرض من فصل للقوات.

الأزمة السورية ستبقى نزيفا ممتدا ما لم تتدخل القوى الإقليمية بشكل واضح، وللأسف معظمها قوى متنازعة، جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل. كيف انتقلت سوريا من حالة ثورة إلى حالة حرب؟.. نحن الآن ننتقل من حالة حرب داخلية إلى حالة نزاع إقليمي مصحوب باصطفاف دولي. ومن هنا نكون عبرنا نقطة التدخل الدولي إلى نقطة إمكانية انفلات نزاع إقليمي.

عبدالله هادي
22-04-2013, 05:56 AM
طارق الحميد
أين دافعت إيران عن الأسد وهاجمت العرب..؟؟؟

أن تدافع إيران عن بشار الأسد وتنتقد العرب على منحهم المعارضة المقعد المخصص لسوريا بالقمة العربية في الدوحة، فهذا أمر متوقع، لكن أن يكون الانتقاد الإيراني للعرب والدفاع عن الأسد صادرا من مؤتمر بالقاهرة، فهذا هو غير المتوقع، ولا يمكن تبريره.

وهذا الدفاع الإيراني عن الأسد وانتقاد العرب في القاهرة، يوجب طرح أسئلة جادة عن طبيعة العلاقة الإخوانية بإيران الآن، وفي قادم الأيام. وهذه الأسئلة باتت ملحة خصوصا لمن كانوا يقولون إن الإخوان المسلمين لن يرتموا في أحضان إيران، ورغم أن كل الشواهد ليست قديمة جدا، بل إن عمرها لا يتجاوز السنوات العشر، ومنها التماهي الإخواني مع محور الممانعة والمقاومة الكاذب بقيادة كل من إيران ونظام الأسد وحزب الله، الذي انتهى بنتائج معلومة؛ فسلاح الأسد بات موجها إلى السوريين، وسلاح حزب الله لارتهان لبنان، وكل ذلك بدعم إيراني يمتد لليمن والبحرين، والعراق، هذا عدا العمليات التجسسية التخريبية في باقي دول الخليج، ودول عربية أخرى.

تفعل إيران كل ذلك ثم يخرج مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وفي مؤتمر صحافي بمقر الجامعة العربية في القاهرة، ليقول إنه جرت محادثات بناءة وجيدة مع الأمين العام للجامعة: «تبادلنا وجهات النظر في عدد من القضايا، خاصة الوضع في سوريا والبحرين وفلسطين».. نعم ساووا البحرين بسوريا وفلسطين المحتلة! ويضيف مساعد وزير الخارجية الإيراني أنه طالب الجامعة العربية بأن تقوم بدور وسيط متوازن في القضية السورية، ويقول: «أبدينا موافقاتنا بالنسبة لجهود الجامعة العربية للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، وفي الوقت نفسه أبدينا انتقادنا لإعطاء مقعد سوريا في الجامعة العربية في القمة الأخيرة بالدوحة، إلى فريق قليل العدد»، قاصدا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية!

ولم يكتفِ الزائر الإيراني بالدفاع عن الأسد، ومهاجمة المعارضة، وانتقاد قرارات القمة الذي يعني انتقادا لكل الدول العربية، بل إن مساعد وزير الخارجية الإيراني يشيد بمبادرة الرئيس المصري حول سوريا، في محاولة تذاكٍ سياسي لتحييد القاهرة عن الخلاف العربي الحقيقي مع إيران بسبب موقفها الخاطئ بالدفاع عن نظام قتل قرابة التسعين ألف سوري!

وعليه، فما الذي يمكن أن نتوقعه الآن، أو في قادم الأيام، من الموقف المصري، أو قل الإخواني، حول إيران؛ وتحديدا في خلافاتها الجادة والحقيقية مع الدول العربية، ومنها الخليج، خصوصا أن المسؤول الإيراني يساوي بين البحرين وسوريا وفلسطين المحتلة؟ الواضح أن المنطقة تدخل اليوم مرحلة جديدة من مراحل التعقيد، كما أن الأكيد هو أن الإخوان المسلمين يريدون فرض أجندتهم بأي شكل من الأشكال، ولو بالتحالف مع إيران.. ومن هنا، فإن التحالف الإيراني - الإخواني الحالي ما هو إلا زواج مصلحة من الصعب أن يستمر، لكن تكلفته ستكون باهظة على الجميع، وإن شعر الإخوان وإيران بنصر الآن، فالأكيد أنه سيكون بطعم الهزيمة، فمن هو في ورطة، لا يستطيع إنقاذ متورط آخر!

عبدالله هادي
22-04-2013, 05:59 AM
عبدالرحمن الراشد ( الشرق الأوسط )
هل يخيف 200 أميركي الأسد ...؟؟؟


في منتصف التسعينات حرصت الحكومة الأميركية على نشر خبر أنها خصصت نحو خمسة عشر مليون دولار بهدف إسقاط نظام صدام حسين، وأنها تقوم بإنفاقها على تدريب وتسليح جماعات عراقية معارضة في المنطقة الكردية.

ورغم أن صدى الخبر كان كبيرا على مستوى الإعلام، فإن الأميركيين عندما قابلوا حلفاءهم العرب لمسوا أن ردة فعلهم كانت عكسية. فقد قالوا لهم، الآن تأكدنا أنكم لا تنوون إسقاط صدام، ما الذي يمكن أن تفعله خمسة عشر مليون دولار في سبيل إسقاط نظام ضخم؟ لكن عندما قرر جورج بوش، الرئيس السابق إسقاط صدام، أرسل مائة ألف جندي، وكانت الرسالة واضحة للجميع.

أي رسالة تبعثها الولايات المتحدة بإرسال مائتي جندي فقط إلى الأردن لمواجهة تداعيات الحرب في سوريا؟ الولايات المتحدة لا تعتزم التدخل، فالرقم من الضآلة بحيث يعزز الاعتقاد أنها تنوي تنفيذ عمليات محدودة، مثل السيطرة على مواقع أسلحة كيماوية أو بيولوجية.

في الحروب الماضية الأرقام تحكي عن نفسها، الحكومات الأميركية السابقة أرسلت للعراق 178 ألف جندي في ذروة الحرب، وأكثر من 30 ألف جندي إلى أفغانستان. ولو قرر الرئيس الأميركي باراك أوباما التدخل في سوريا، ويبدو أنه لن يفعل، فإن أمامه عملا سياسيا كبيرا يحتم عليه إقناع الكونغرس بالموافقة. أمر لن يكون سهلا في الظروف الحالية إلا إذا تطورت الحرب في سوريا على إحدى جبهتين؛ الإرهاب أو الاشتباك مع إسرائيل.

كان يمكن للتدخل الدولي الخلفي، بدعم المعارضة المسلحة، أن يكون مفيدا في بداية الحرب، قبل عامين، للتقليل من حجم المأساة الإنسانية، وتمكين المعارضة المدنية من الحكم، ومنع الثارات والمذابح، وكذلك الحرب الأهلية.

الأرض في سوريا أصبحت محروقة، والوضع اليوم مروع بعد أن أصبحت معظم البلاد خارج السيطرة، لم يعد يحكمها النظام ولا تستطيع المعارضة إدارتها، ومع الوقت ستصبح بقية المناطق بلا قانون، مما يزيد حياة الناس معاناة ويعزز حكم الغاب.

هذا نتيجة عدم التدخل الدولي، وترك الحرب بين قوات نظام مدججة بالسلاح ومعارضة مسلحة مبعثرة.

قوات الحكومة خسرت في معظم المناطق، لكنها نجحت في تدمير كل المواقع التي أجبرت على الخروج منها حتى لم يعد كثير منها يصلح للحياة الآدمية، وبسببها هاجر أكثر من ثلاثة ملايين سوري من مدنهم وقراهم. وبالتالي ما الذي يمكن أن يفعله التدخل الأميركي أو الدولي الآن؟ ربما يستطيع الأميركيون مساعدة الثوار على الاستيلاء على دمشق وحلب، ومساعدتهم على طرد النظام، لكنهم لن يستطيعوا وقف الصراعات الجانبية بين القوى الثورية المتسابقة أو الموجودة على الأرض التي كسبتها في الحرب.

أيضا، ما يمكن للمجتمع الدولي فعله مساعدة الثوار على إدارة ما تبقى من المعركة لإسقاط النظام، ومساعدتهم على تنظيم أنفسهم وإدارة شؤونهم التي يبدو أنهم فشلوا فيها، رغم أنهم مقاتلون شجعان دحروا بأسلحتهم البسيطة واحدة من أقوى جيوش المنطقة.

ترك سوريا للفوضى خطأ استراتيجي كبير يقع فيه الأميركيون والغرب، والعرب في المقدمة. ولن يفلح مائتا جندي أميركي في تخويف الرئيس الأسد ولا رفع معنويات الثوار، ولا تأمين سلامة الأردن التي أصبحت مهددة.

عبدالله هادي
22-04-2013, 06:00 AM
عبدالرحمن الراشد
عندما يدوس المالكي على خصومه

في شرق العراق، قتل قبل أيام أبرز مرشحي قائمة «العراقية» المنافسة لقائمة رئيس الوزراء، مات في انفجار استهدف سيارته وأودى أيضا بحياة ابنه وشقيقيه. ويقول أسامة النجيفي، رئيس البرلمان وينتمي إلى نفس القائمة، إنه تم اغتيال 5 من مرشحي «العراقية» لانتخابات مجالس المحافظات. وليس الاغتيال الوسيلة الوحيدة لإبعاد الخصوم بل الملاحقة، حيث إن طارق الهاشمي ورافع العيساوي مطاردان من قبل أجهزة أمن رئيس الوزراء، المنافس الذي أصبح شبه الوحيد في الساحة السياسية.

إننا نرى صورة ديكتاتور العراق تكبر بشكل مروع، رئيس الوزراء نوري المالكي لا يتورع عن استخدام كل الوسائل للبقاء في الحكم، حتى في انتخابات محلية مثل المحافظات. وسائل الإقصاء كثيرة مثل استخدام المحققين الأمنيين، والمحاكم، ومؤسسات الدولة المحاسبية وذلك للقضاء على خصومه، بدعاوى إرهابية وأمنية وفساد. كما استخدم المالكي المال، ولديه الوفير منه لشراء الذمم وتخريب الحياة السياسية. ولم يوفر أدوات الحكومة، مثل إذاعاتها وتلفزيوناتها، للدعاية لحزبه والمترشحين عنه ومنع المنافسين، في مخالفة صريحة لقوانين الانتخابات. وفوق هذا، سبق للمالكي أن صادر كراسي الحكومة فصار هو نفسه الحكومة، وزيرا للدفاع والأمن والمالية والاستخبارات وحتى محافظا للبنك المركزي. ووضع في مكتبه إدارة تدير كل شؤون الوزارات السيادية وخصص لها أموالا هائلة تحت تصرفه!

هذه الصورة المريعة لما آل الوضع إليه في العراق، تجعلنا نتخيل كيف سيكون مستقبل البلاد. المالكي فعليا صدام آخر، لكن يفوقه أنه محمي إيرانيا، ويملك من الأموال أضعاف ما كان في خزينة صدام، الذي عاش معظم سنوات حكمه محاصرا. من الديكتاتور صدام إلى الديكتاتور المالكي، حظ العراق وأهله ألا يعيشوا عهد استقرار ورخاء، رغم كل ما حظيت به بلادهم من عقول وسواعد وثروات أعظم من دول الخليج مجتمعة.

بقيت بضعة أسابيع على الانتخابات البرلمانية ولم يعد هناك متسع للأمل بتصحيح المسار والمؤسسات والانتقال إلى دولة ديمقراطية تضمن للعراق مستقبلا آمنا ومستقرا. نحن ندرك أن المالكي، بشغفه بالهيمنة وتعري نواياه ومباشرته تصفية خصومه، سيقود العراق نحو الخراب، كما فعل شبيهه صدام من قبل. فرض الأمر بالقوة، سيسقط لاحقا، لكن بعد تخريب مشروع الدولة وإدخال البلاد في مواجهات تمزقها. فشل صدام، الذي لم يتورع عن استخدام الأسلحة الكيماوية والزج بقواته في حروب خارجية، وانتهى أخيرا في حفرة ملاحقا. صورة صدام يفترض أن تكون موعظة لمن يريد حكم العراق بالقوة، لقد فشل الإنجليز من قبل، وعجز الشيوعيون وبعدهم البعثيون. كل هؤلاء بنوا أنظمة تريد إلغاء الفروقات التي ميزت العراق لثلاثة آلاف عام، وفرض نظام واحد. كلهم انتهوا نهايات مأساوية.

الفارق أن المالكي ركب قطار الديمقراطية وفاز في الانتخابات، ثم قرر تغيير الوضع بحيث لا ينافسه أحد، سنة عرب، أو أكراد، أو شيعة. وهو يقود القطار نحو محطة الديكتاتورية البشعة.

عبدالله هادي
22-04-2013, 06:07 AM
الأستاذ / عماد الدين أديب ( الشرق الأوسط )
حوار مساطيل جدا!


امتلأت الغرفة بدخان الأرجيلة المطعمة بنكهة العنب الفاخر، وعليها قطع متناثرة من المخدرات الصافية الجودة، وبعد عدة ساعات من الغياب العقلي دار هذا الحوار بين مواطن وسياسي عربي.

وفيما يلي نص هذا الحوار الافتراضي:

المواطن: يا باشا، الدنيا حر، على الرغم من أننا في الشتاء.

السياسي: لقد انتهى فصل الشتاء، وما زلنا لا نعاني من الحرارة.

المواطن: يا باشا، هذا يرجع إلى ما يحدث الآن في كوريا الشمالية.

السياسي: وما علاقة كوريا الشمالية بالحرارة؟

المواطن: هناك تفجيرات نووية مكتومة تمت في كوريا الشمالية.

السياسي: لم أسمع صوت أي انفجارات.

المواطن: يا باشا، قلنا لك إنها انفجارات مكتومة!

السياسي: وما الحكمة.

المواطن: إنها تهديد كوري شمالي لواشنطن، لإظهار تضامن كوريا مع نظام بشار الأسد!

السياسي: وما علاقة القوة النووية الكورية بنظام بشار الأسد؟

المواطن: يا باشا، ارجع إلى التاريخ، وتذكر العلاقة التاريخية التي كانت تربط كيم إيل سونغ مؤسس الدولة الكورية بالرئيس السوري السابق حافظ الأسد!

السياسي: وما دخل كيم إيل سونغ وحافظ الأسد فيما يحدث الآن؟

المواطن: لقد وعد سونغ الأسد الأب بأن تظل كوريا الشمالية داعمة لسوريا، حتى إذا توفي سونغ وأصبح بشار رئيسا!

السياسي: هل تريد أن تقنعني أن الاستعدادات النووية الكورية وتحضير صواريخ «موسودان» من أجل خدمة دمشق؟

المواطن: لا يا باشا، من أجل خدمة الأوضاع في مدينة حلب!

السياسي: وما علاقة حلب بالموضوع؟

المواطن: حلب مدينة صناعية مهمة، وهي امتداد استراتيجي للصناعات العسكرية الكورية!

السياسي: لم نسمع أن هناك صناعات عسكرية في حلب.

المواطن: هذا ما يبدو على السطح، ولكن في أسفل كل مصنع من هذه المصانع هناك أدوار سرية تقوم بتصنيع قطع غيار عسكرية يتم إرسالها إلى كوريا الشمالية.

السياسي: هل هذا كلام معقول؟

المواطن: لقد كشفت أجهزة الأقمار الصناعية الأميركية مصنعا لتعبئة «الكبيس»، أي الطرشي أو المخلل، في حلب، وفي أسفله مخزنا سريا لرؤوس الصواريخ النووية!

السياسي: رؤوس نووية في مصنع «طرشي»؟!

المواطن: طبعا يا أستاذ، ألا تعرف العلاقة بين المواد الملتهبة في الطرشي والرؤوس النووية؟!

السياسي: بصراحة، لا.

المواطن: كلاهما يؤدي إلى الحرق!

السياسي: كيف ذلك؟

المواطن: ماء الطرشي يحرق المعدة، والرؤوس النووية تحرق المدن.

السياسي: وهل ستقوم كوريا الشمالية بقصف المدن الأميركية بماء الطرشي أم بالتخصيب النووي؟

المواطن: يا باشا، الصواريخ لن تُطلق من كوريا الشمالية.

السياسي: بل من أين؟

المواطن: من دمشق يا باشا!

عبدالله هادي
22-04-2013, 06:09 AM
عماد الدين أديب
كل هذا الغباء السياسي!

في ظل عالم مليء بالأسئلة التي لا إجابات لها، يحاول المراقب للأحداث أن يلملم شظايا الأحداث في هذا العالم ليجمع منها لوحة متكاملة لها شكل وملامح وألوان.

وفي هذا التصور حاولت جاهدا أن أفهم ماذا يحدث بالضبط داخل قيادة الائتلاف السوري المعارض في ظل مواقف محلية وإقليمية ودولية غير منسجمة إطلاقا مع بعضها البعض.

آخر هذه الأعاجيب هو ما أعلنت عنه السيدة فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أول من أمس من واشنطن: «حول تراجع الأستاذ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري عن استقالته المسببة التي قدمها منذ أيام من هذا المنصب».

وأشارت نولاند إلى أن الأستاذ الخطيب عدل عن استقالته وأنه سوف يبقى في منصبه رئيسا للائتلاف حتى شهر مايو (أيار) المقبل.

وأكدت نولاند أن «الخطيب سوف يكمل المهام التي بدأها وتعهد بها».

حتى الآن، وللوهلة الأولى، تبدو التصريحات الأميركية وكأنها عادية، ولكن بعد تأمل بسيط سوف تكتشف الآتي:

1 - ليس منطقيا أنه حينما يعلن رئيس الائتلاف السوري استقالته بنفسه في الدوحة يتم الإعلان عن تراجعه عنها من قبل الخارجية الأميركية في واشنطن.

2 ـ السؤال العظيم هو: لماذا لم يعلن الأستاذ معاذ الخطيب هذا الأمر بنفسه.

3 ـ كيف يمكن تفسير ذلك، رغم أن الأسباب التي وردت في استقالة الخطيب وصاحبتها ما زالت قائمة لم تتغير؟

4 ـ ألم تفكر واشنطن وهي تصدر الإعلان بعودة الأستاذ الخطيب أنها تسيء لمكانة وتاريخ وحيادية وصورة هذا الرجل المحترم؟

من أسوأ حالات الغباء الأميركي هي وسيلة دعم واشنطن لمن تسميهم أصدقاءها، وهو ما ينطبق عليه المثل الأميركي الشهير «مع هذا النوع من الأصدقاء، فإن الإنسان ليس بحاجة إلى أعداء».

عبدالله هادي
22-04-2013, 06:11 AM
قد يتسائل البعض ومالنا ولكُتاب الاعمده والسياسه عموماً ..؟
نرد انه لمجرد تغيير للجو وتنشيط للذاكره وحب اطلاع .... النهاية ..!

عبدالله هادي
25-04-2013, 08:45 AM
صالح القلاب
مرسي يلحق مصر «الإخوانية» بالحلف الروسي ـ الإيراني!!

استبعد كثيرون بعد وصول الإخوان المسلمين للحكم واختيار محمد مرسي رئيسا للدولة المصرية أن يكون هناك تقارب بين مصر «الإخوانية» والمحور الروسي - الإيراني – السوري، انطلاقا من أن روسيا وإيران تشاركان مشاركة فعلية، عسكرية وسياسية، في هذه الحرب البشعة التي بقي نظام بشار الأسد يشنها على شعبه على مدى عامين وأكثر وعلى أساس أن «إخوان سوريا» يشكلون رقما رئيسا في معادلة المعارضة السورية وأنهم كانوا في عام 1982 قد تعرضوا لمذبحة هي مذبحة «حماه» التي اعتبرت إحدى أبشع مذابح القرن الماضي.

ثم ولأن إيران الخمينية قد دأبت، حتى بعد إطاحة حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك ومجيء الإخوان المسلمين إلى السلطة، على التدخل في الشؤون الداخلية المصرية وبدوافع وتطلعات باتت معروفة ومكشوفة، فإن حتى المناهضين للحكم «الإخواني» كانوا يستبعدون أن تنفتح مصر الجديدة على إيران الخمينية صاحبة المشروع التمددي لاستعادة ما تعتبره أمجاد الإمبراطورية الفارسية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

لقد كان الاعتقاد أن نفوذ بعض رجال الدين، في أوساط الاتجاهات الإسلامية في مصر وفي مقدمة هؤلاء «الإخوان المسلمون»، سيحول دون أي انفتاح فعلي بين مصر «الإخوانية» وإيران وبينها وبين روسيا الاتحادية التي مثلها مثل دولة الولي الفقيه بقيت تخوض إلى جانب بشار الأسد هذه الحرب الدامية ضد الشعب السوري وضد المعارضة السورية التي يقول «الإخوان» السوريون إنهم يشكلون طليعتها وإنهم قيادتها الحقيقية.

وهكذا وعلى الرغم من أن الإخوان في كل مكان وفي مقدمتهم «إخوان مصر» و«إخوان الأردن» كانوا قد تخلوا عن «إخوانهم» السوريين في مذبحة 1982 وبعدها، وأنهم كانوا قد باعوهم في وضح النهار وانحازوا إلى هذا النظام السوري، الذي من المفترض أنه اشتراكي وعلماني وأكبر عدو لكل الاتجاهات الإسلامية، إن في عهد «الوالد» وإن في عهد «الولد»، فإنه، بعد اعتلاء محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسيَّرة من قبل المرشد العام محمد بديع، كرسي السلطة المصرية، قد كان هناك استبعاد مطلق لأي تقارب بين القاهرة وطهران وبين القاهرة وموسكو وبالطبع بين القاهرة ودمشق.

لكن ما كان مفاجئا لكل من استبعدوا مثل هذا التقارب أن محمد مرسي استقبل محمود أحمدي نجاد في القاهرة استقبال الأبطال وأنه ذهب إلى طهران بفرح غامر وأن أبواب مصر بمباركة المرشد العام محمد بديع قد فتحت على مصاريعها أمام حجيج مذهبي لم يتم إيقافه «مؤقتا» إلا لرفض الشعب المصري الذي لم تكن غالبيته تعرف وتعلم أن هناك بين ظهرانيها أقلية شيعية مع أنها ربما تعرف أن الفاطميين، بعد أن دالت دولتهم على يد صلاح الدين الأيوبي، قد تركوا وراءهم مجموعة صغيرة من الفاطميين على المذهب الإسماعيلي الذي يرتبط بمدينة «السلمية» السورية روحيا والذي يمثله الآغا خان الذي يحظى بتقدير فريد بين أتباع هذا المذهب وغالبيتهم في الهند.

هذا بالنسبة لإيران، أما بالنسبة لروسيا التي تقود الآن حلفا إيرانيا - سوريا هو الذي يخوض الآن المعارك المحتدمة سياسيا وعسكريا دفاعا عن بشار الأسد ونظامه، فإن اندفاعة مصر «الإخوانية» نحوها قد أثارت الكثير من الأسئلة والتساؤلات؛ إذ كان متوقعا أن تبحث مِصر عن مصالحها في كل مكان لكن ما لم يكن متوقعا أن يقول محمد مرسي في قمة منتجع سوتشي، الذي كان مخصصا لزعماء الاتحاد السوفياتي وضيوفهم قبل انهياره في بدايات تسعينات القرن الماضي، التي جمعته بـ«الإمبراطور» الروسي الجديد فلاديمير بوتين: «إن القاهرة وموسكو متطابقتان تطابقا كاملا بشأن الأزمة السورية».

وهنا فإن السؤال الذي لا بد من طرحه هو: هل هذا التطابق الكامل يا ترى، الذي تحدث عنه محمد مرسي الذي عليه الرجوع إلى المرشد العام محمد بديع، يعني أن «الإخوان المصريين» باتوا يتبنون وجهة نظر روسيا ووزير خارجيتها سيرغي لافروف، وأن الدولة المصرية غدت تقف فعليا إلى جانب بشار الأسد وجنبا إلى جنب مع روسيا الاتحادية وباتت تعتبر المعارضة السورية ومن ضمنها «الإخوان السوريون» مجموعات من القتلة الإرهابيين، وتعتبر هذا النظام السوري نظام «ممانعة ومقاومة» وأن سقوطه يعتبر كارثة قومية وإقليمية ودولية؟!

ثم وأكثر من هذا فإن ما يثير الاستغراب فعلا أن محمد مرسي، قد ألح بالطلب على مضيفه في منتجع سوتشي فلاديمير بوتين بقبول مصر عضوا فيما يسمى مجموعة الـ«بريكس»، التي تضم حاليا كما هو معروف البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، والتي من المعروف أيضا أن كل دولها الأربع الأخرى إن هي لم تتطابق مواقفها تطابقا مع الموقف الروسي كالصين فإنها على الأقل تؤيد هذا الموقف بالنسبة للأزمة السورية وبخاصة في اجتماعات الأمم المتحدة والمجالات الدولية الأخرى.

ألا يعني هذا أن محمد مرسي، بمباركة مرجيته، ذاهب بمصر «الإخوانية» إلى الحلف الإيراني - الروسي وإلى التناغم مع مجموعة الـ«بريكس» التي طلب عضويتها الكاملة للدولة المصرية وبالتالي إلى الوقوف إلى جانب نظام بشار الأسد وإن مواربة وعلى طريقة الإخوان المسلمين الذين كما يقال بقوا يتبعون سياسة إضاءة إشارة قاطرتهم السياسية نحو الشمال بينما هم ينحرفون عمليا نحو اليمين.

وكذلك أيضا هل يا ترى أن مصر «الإخوانية» قد انتقلت من التحالف مع معسكر الولايات المتحدة إلى معسكر التحالف مع روسيا الاتحادية المتحالفة مع إيران ومع نظام بشار الأسد والتي تشكل رقما رئيسا في مجموعة الـ«بريكس» هذه الآنفة الذكر وإلا فما معنى أن يعرض محمد مرسي على فلاديمير بوتين وفي منتجع سوتشي المشار إليه استعداد مصر لتقديم خدمات للأساطيل الروسية في البحر الأبيض المتوسط؛ فهل يا ترى أن «الإخوان المصريين» بعدما فقدوا رهان واشنطن لملء «الفراغ»!! في هذه المنطقة قد اتجهوا نحو موسكو لتكون «وكيلهم» الجديد وتكون حاضنتهم الدولية الجديدة؟!

في كل الأحوال فإنه بالإمكان لمس مؤشرات كثيرة على أن مصر «الإخوانية» ذاهبة إلى الحلف الروسي - الإيراني بخطى سريعة وأن موقفها الذي كان رماديا تجاه الأزمة السورية بات يتحول تحولا كاملا تجاه هذه الأزمة وتجاه المعارضين السوريين ومن بينهم «إخوان» سوريا.. وإلا فما معنى أن تلجأ الحكومة المصرية إلى الضغط على الأردن من خلال إمدادات الغاز المصري بينما يواجه هذا البلد تهديدات فعلية وعلى لسان بشار الأسد نفسه بنقل حرائق سوريا إليه وكل هذا بينما لم تتوقف هذه الإمدادات عن إسرائيل ولا لحظة واحدة؟!

والغريب أن محمد مرسي تحدث مع فلاديمير بوتين في قمة سوتشي وكأنه يتحدث مع فلاديمير أليتش لينين، فهو أشاد بالاتحاد السوفياتي «العظيم» على طريقة خالد بكداش، الذي بقي لنحو ستين عاما أمينا للحزب الشيوعي السوري، وتحدث عن إنجازات موسكو في مصر ومن بينها بناء السد العالي بما لم يتحدث به حتى جمال عبد الناصر.. وهذا يدل على أن مصر «الإخوانية» مقبلة على تحولات «دراماتيكية» من غير المستبعد أن يكون في مقدمتها دعم نظام بشار الأسد ومساندته ضد المعارضة السورية.

عبدالله هادي
25-04-2013, 08:47 AM
هدى الحسيني
الاقتصاد المصري يتحكم في مستقبل مرسي!


استئناف الرحلات الجوية بين القاهرة وطهران، أخذ تغطية إعلامية لافتة. الرحلات علقت الآن، لكن مصادر موثوقة أكدت أن الإيرانيين تلقوا رسائل مطمئنة من نظرائهم المصريين بأن الرحلات سوف تستأنف في أسرع وقت ممكن، بعد أن يهدأ الغضب المصري.

إقلاع رحلة الطيران المصري «ممفيس» من القاهرة إلى طهران في 30 مارس (آذار) الماضي كانت إشارة إلى أن العلاقات المصرية - الإيرانية وصلت إلى مستوى عال يقترب من التطبيع؛ إذ بعد 34 سنة من انقطاع رسمي في العلاقات إثر الثورة الخمينية، توصل قادة البلدين إلى أن استئنافها من مصلحتهما المشتركة. لكن نظرة فاحصة على الوضع، تشير إلى أنها من الناحية المصرية، سيكون شهر العسل فيها قصيرا، لأن المخاطر كبيرة، وأن الإيرانيين هم من سيكسب كثيرا منها.

وبينما يكتسب الإيرانيون فرصا جديدة لتجاوز العقوبات وتحويل الأموال للشركات في مخططاتهم، يتعرض المصريون لخطر فقدان المساعدات الخارجية التي يحتاجونها لإنقاذ اقتصادهم.

هناك قلق في الغرب من أن تجديد العلاقات مع مصر، سيتيح لإيران بشكل عام، وللبنك المركزي الإيراني ولفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بشكل خاص، استخدام مكاتب الصيرفة المصرية والمؤسسات المالية لتعزيز أنشطتها المشبوهة.

استخدمت الصيرفة المصرية على مدى سنوات لتهريب الأموال إلى فصائل فلسطينية في غزة. وفي 7 مارس الماضي، ذكرت صحيفة «اليوم السابع» المصرية، أن السلطات وضعت الصراف محمد رضا محمد أنور عوض تحت المراقبة بسبب إشكاليات في شركة «الرضا» التي يملكها.

وعوض رجل أعمال حكم عليه بالسجن مدة طويلة، لكن بعد الثورة المصرية أطلق سراحه وعاد إلى ممارسة أعماله. وعبر شركته كان يتم تهريب الأموال إلى حماس و«الجهاد الإسلامي».

هناك رجل أعمال آخر يقال إنه أنشأ عدة شركات وهمية بالتعاون مع حماس؛ وعبرها يتم إرسال الأموال إلى حماس.

في السنة الماضية، أرسل هذان الصيرفيان مئات الملايين من الدولارات وصلت من عدة بلدان إلى داخل غزة، الأمر الذي عطل النمو اللازم بشكل كبير للاقتصاد المصري، والذي هو بحد ذاته بالغ الأهمية بالنسبة للاستقرار الإقليمي.

فرص الاستفادة من قدرات الصيارفة تكثر في مصر التي تحولت إلى محطة رئيسة لنقل أموال الإرهاب إلى داخل شمال أفريقيا حيث ينشط تنظيم القاعدة. ويجري استغلال حقيقة قائمة ظاهرها أنه في أعقاب الثورة، وإلغاء حالة الطوارئ نهاية عام 2012، لم يعد هناك قانون خاص في البلاد يفوض السلطات باتخاذ إجراءات ضد تمويل الإرهاب.

في الوضع القانوني القائم، وعبر الممارسة العملية، لا يوجد إشراف فعال من قبل الهيئات على المؤسسات المالية؛ من مصارف وصيارفة، مما يسهل عمل أجنحة الإرهاب، إضافة إلى ميوعة في فرض سلطة القانون المرعية.

هذه الحقيقة ليست غائبة عن صناع القرار في طهران الذين روجوا للزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى القاهرة في شهر شباط (فبراير) الماضي. خلال تلك الزيارة، اقترح الرئيس الإيراني سلسلة من الإيماءات المغرية لنظيره محمد مرسي: تقديم المساعدة الاقتصادية، والاستثمارات، وإلغاء شروط الحصول على تأشيرات الدخول، وتشجيع السياحة الإيرانية.. وفي تقديره أن من شأن ذلك تقليل اعتماد مصر على دول الخليج.

وراء هذه المقترحات السخية التي لم تلقَ، على كل حال، ترحيبا حارا من الجانب المصري، دوافع خفية عدة:

فخلال العام الماضي، انشغل الإيرانيون بإيجاد طرق مبتكرة لتجاوز العقوبات الدولية التي فرضتها واشنطن والاتحاد الأوروبي بسبب رفض إيران وقف برنامجها النووي. بالنسبة للأطراف المسؤولة عن تجاوز العقوبات، مثل البنك المركزي الإيراني، كان يجب ألا تدع فرصة الاستفادة من تغيير النظام في مصر تمر.. كان لديها ولدى قادة من «فيلق القدس»، تصور لعدد من الإيرانيين يصلون إلى مصر بوصفهم سياحا (وصلت المجموعة الأولى بالفعل) والقيام بأنشطتهم بحرية تحت ستار السياحة والأعمال التجارية. في مقاله في «الشرق الأوسط» يوم الأحد الماضي، تعجب الكاتب علي سالم: «لم نسمع من قبل عن دولة ترسل سياحا إلى أي مكان، كما لو كانت تحتفظ بهم في مخازنها لترسل منهم الكميات المطلوبة للحبايب»!

قد يجد الجواب فيما تشمله الأنشطة «السياحية في بلد الحبايب»، وهي: تصدير القيم الشيعية الثورية، والحصول على معدات محظورة بموجب العقوبات لبرنامج صواريخ أرض - أرض وللبرنامج النووي، وإيجاد منابر لعمليات إرهابية عبر منظمات محلية.

بالنسبة لحكومة مرسي، فإنها ترى في تجديد اتصالاتها مع إيران فرصة سياسية واقتصادية للنهوض بمكانتها في العالم، بينما هي في مستوى متدن غير مسبوق. لكن، تجديد العلاقة مع إيران من المرجح أن يشكل خطرا إضافيا على المساعدات المالية التي تتطلع مصر إليها. الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي، وعدوا مصر بمساعدات بمليارات الدولارات، لكن إلى الآن لم يتم تحويل الأموال. حتى إحدى الدول الخليجية التي قيل إنها وعدت أخيرا بوديعة قيمتها 3 مليارات دولار لشراء السندات، لم تفِ بوعدها.

إلى جانب قلقهم من الوضع السياسي غير المستقر في مصر، فإن كبار المسؤولين الغربيين والهيئات المالية الدولية الذين وعدوا مصر بالمساعدات، قلقون أيضا من عدم اتخاذ الحكومة المصرية إجراءات ضد البنى التحتية لتهريب الأموال التي تسهل أنشطة تنظيمات الإرهاب.

أهم مساعدة مالية تنتظرها القاهرة هي مبلغ 4.8 مليار دولار بفائدة منخفضة من صندوق النقد الدولي. هذه المساعدة عند وصولها تنقل رسالة ثقة بالاقتصاد المصري، وتبدد مخاوف بقية الأطراف التي وعدت هي الأخرى بمليارات من الدولارات واليوروات.

من المفترض أن هذه المساعدات هي لإنقاذ الاقتصاد المصري المستمر في التدهور.. مثلا زاد العجز في الميزانية في النصف الثاني من العام الماضي بنسبة 24%، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2011. في شهر فبراير الماضي، انخفض احتياطي النقد الأجنبي إلى 13.5 مليار دولار، وهو أدنى مستوى بلغه لسنوات عديدة (ما يكفي ثلاثة أشهر من الواردات فقط).

وذكرت الصحف المصرية أخيرا أنه صار من الصعب الحصول على دولارات في القاهرة حتى في السوق السوداء، وأن سعر الدولار ارتفع إلى 7.53 جنيه مصري.

إن تهريب العملة الأجنبية من مصر إلى فصائل فلسطينية في غزة، وإلى منظمات إرهابية، يؤثر تأثيرا مباشرا ليس فقط على احتياطي العملة الأجنبية، وإنما يعرض للخطر موقف مصر، التي هي عضو في مؤسسة «FATF»، المؤسسة المالية المعنية بغسل الأموال والمعروفة باسمها الفرنسي «grou pe d’action»

إن الاستمرار في استخدام الاقتصاد المصري لتهريب الأموال؛ وتحديدا إلى منظمات موضوعة على قائمة الإرهاب، أو لتجاوز العقوبات الدولية عبر دول موصوفة، من شأنه أن يؤدي إلى وضع القاهرة على القوائم العالمية السوداء، وإلى تخفيض تصنيفها الائتماني إلى درجة تهرّب ما تبقى من المستثمرين.

هل يدرك نظام «الإخوان المسلمين» الحاكم في مصر معاني القوانين الدولية، أم إنه يفضل الاستمرار في معركة «تطهير» القضاء المصري من المستقلين، وملاحقة صاحب «البرنامج» التلفزيوني جراح القلب باسم يوسف.

قال الرئيس المصري أخيرا في مقابلة تلفزيونية إنه ابن «الإخوان المسلمين» وإنه فخور بذلك.

إذا لم يقف الاقتصاد المصري على قدميه، فإن الرمال المتحركة في مصر ستبتلع كل الأبناء. مصر لن تحتمل تراجعا في دورها!

عبدالله هادي
25-04-2013, 08:49 AM
عماد الدين أديب
سوريا.. 40 ألف مقاتل أجنبي


التصريح الذي أدلى به السيد الأخضر الإبراهيمي حول القوات الأجنبية في سوريا هو تصريح مخيف!

قال الإبراهيمي إنه يعتقد أن هناك أكثر من 40 ألف جندي أجنبي على الأراضي السورية. ويبدو أن هذا الرقم يعني أن الأجنبي، هو غير السوري، ويعني أيضا أنه قد يكون مقاتلا في صف الدولة والنظام، أو في صف الجيش السوري الحر.

والمتأمل للوضع في سوريا منذ فترة فإنه سوف يلاحظ الآتي:

1- زيادة تحركات النشاط الاستخباري الأجنبي داخل البلاد.

2- توفر المال السياسي نقدا لشراء السلاح والمقاتلين والولاءات الأمنية والسياسية.

3- وجود غرف عمليات إقليمية داعمة للمعارضة وعملياتها العسكرية في الأردن والعراق وتركيا.

4- توفر نوعيات جديدة - دائما - من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بل الثقيلة، ووصولها برا عبر الأردن وتركيا، أو بحرا عبر موانئ بانياس واللاذقية.

5- الازدياد المطرد للمقاتلين المنتمين للتيارات الجهادية الإسلامية السُنية في مواجهة التيارات الشيعية المقاومة.

ويبدو أننا سوف نشهد مواجهات مباشرة بين جماعات تابعة لحزب الله اللبناني و«جبهة النصرة» العسكرية المدعومة بمتطوعين ينتمون لأكثر من 30 جنسية تبدأ من لبنان مرورا بالمغرب وصولا للشيشان!

والقلق الذي عبر عنه الأخضر الإبراهيمي حول أعداد المقاتلين الأجانب على مسرح العمليات العسكرية السورية هو تخوف مشروع؛ لأنه يعني تداخل عناصر دولية وإقليمية في الصراع بشكل مباشر، مما يزيد وضعا معقدا تعقيدا. إن تحول سوريا إلى أفغانستان جديدة تدور على أراضيها حرب الغير بهدف تغيير المعادلات الإقليمية على حساب سلامة الاقتصاد الوطني والأمن الداخلي للشعب السوري الصبور، هو خطر داهم ينذر بحرائق كبرى في المنطقة قد لا يمكن السيطرة عليها قريبا.

وكلما زاد أطراف اللعبة المتورطين فيها بالمال والسلاح والتخابر والمقاتلين، ازداد تعقد المسألة وبدا الحل السياسي بعيد المنال للغاية.

ولعل تجربة الحروب في أفغانستان والعراق قد علمتنا، بما لا يدع مجالا للشك، أن تورط قوى أجنبية بالمال والسلاح والمقاتلين مهما كانت نواياها، ومهما أعلنت وبررت دوافعها، فإن تداعيات هذا الوجود تنذر بفوضى دائمة ومستمرة لا يمكن إخمادها أو السيطرة عليها لفترة طويلة، حتى بعد أن تسكت المدافع وتحدث التسويات السياسية.

وكأننا نريد تكرار كوارث أفغانستان والعراق والصومال مرة أخرى، وكأننا لم نكتفِ بعد بالدماء الممزوجة بالمال والمؤامرات والغباء السياسي!

عبدالله هادي
25-04-2013, 08:50 AM
طارق الحميد
مصر.. و«أماني» إيران!


يحاول المسؤولون الإيرانيون، ومنهم رئيس بعثة المصالح الإيرانية لدى مصر السفير مجتبي أماني، الدفاع عن التقارب الإخواني الإيراني، لكن دفاعهم هذا يورط طهران وجماعة الإخوان المسلمين أكثر من أي شيء آخر، رغم كل حملة الدفاع عن التقارب الإخواني الإيراني التي انطلقت فجأة في بعض وسائل الإعلام المصرية!

يقول أماني تعليقا على المظاهرات التي جرت أمام مقر إقامته بمصر إن مزاعم نشر إيران المذهب الشيعي في مصر هي «أكذوبة كبرى»، تستهدف تحويل الصراع الإسرائيلي العربي والإسلامي لصراع داخل الأمة الإسلامية تحت مسمى الشيعة والسنة، بحسب ما نقلته عنه صحيفة «المصري اليوم». وأعرب رئيس بعثة المصالح الإيرانية عن اعتقاده أن أعداء الأمة الإسلامية يروجون ويشددون على فزاعة الشيعة والسنة، واتهام إيران بمحاولة نشر المذهب الشيعي، وهو ما أدى لتظاهر البعض أمام منزله، مشيرا إلى أن وجود بعض السوريين داخل هذه المظاهرة، ورفع أعلام المعارضة السورية، يدل على أن هناك تلاعبا بأمن مصر القومي، والمصالح الوطنية المصرية، لحساب آخرين، معربا عن أسفه لأن هؤلاء يجدون إمكانية للعب بأمن مصر القومي ومصالحها الوطنية بهذه الصورة، وذلك حسب نص ما نقلته الصحيفة المصرية!

فهل من افتراء وتجنٍّ أكثر من هذا.. وليس على المصريين المعارضين للتقارب الإخواني الإيراني خصوصا أن سلفيي مصر باتوا الآن يوصفون بأنهم على خط واحد مع إسرائيل بسبب موقفهم المناهض للتقارب مع إيران، وهم، أي السلفيون، حلفاء «الإخوان» بالأمس القريب؟ والافتراء الذي يقع بحق السوريين يعد أمر عجيبا ومريبا السكوت عنه، فرغم كل الجرائم التي يرتكبها بشار الأسد بحق السوريين وبدعم من نظام إيران، أموالا وسلاحا ورجالا، يقول رجل إيران بالقاهرة (أماني) إن رفع أعلام الثورة السورية أمام منزله هو تلاعب بأمن مصر القومي ومصالحها الوطنية! فإذا كان رفع الأعلام السورية في مصر، رغم كل جرائم الأسد التي تقع بدعم إيراني، يعتبر اختراقا لأمن مصر القومي، فماذا يمكن أن يقال عن رفع أعلام إيران وحزب الله في لبنان، وسوريا، والبحرين، والعراق، والقطيف شرق السعودية، وغيرها؟

فهل من نفاق أكثر من هذا؟ وهل من تواطؤ أكثر من هذا التواطؤ المتمثل في الصمت حول هذه التصريحات الإيرانية المستفزة والتي لم تصدر عن مسؤول إيراني في طهران وإنما من رئيس بعثة المصالح الإيرانية في القاهرة، وفي الوقت الذي يحاول فيه «الإخوان» النيل من الأزهر، وإمامه الأكبر، ورغم كل الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد بحق السوريين وبدعم من إيران؟.. والأدهى والأمرّ أن حملة الدفاع عن «الإخوان»، داخل مصر وخارجها، ومحاولة صرف النظر عن تقاربهم مع طهران، تأتي في الوقت الذي قال فيه مؤخرا علي أكبر ولايتي، وزير خارجية طهران السابق، ومستشار المرشد خامنئي: «نحن والإخوان أصدقاء، ونقوم بدعمهم، وهم الأقرب إلينا عقائديا بين كل الجماعات الإسلامية»!

فكيف يمكن بعد كل ذلك الدفاع عن «الإخوان»، أو نهجهم، سواء بمصر أو خارجها؟

عبدالله هادي
25-04-2013, 08:53 AM
طارق الحميد
نعم هو صدام الشيعي


في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2011 كتبنا في هذا المكان أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هو «صدام الشيعة»، وحينها احتج البعض قائلا إن هذه مبالغة، واستعداء. اليوم، وفي 2013، نجد أن المالكي لا يكتفي بالدفاع عن بشار الأسد، بل إن قوات المالكي تقصف الجيش السوري الحر على معبر اليعربية الحدودي!

المالكي، وقبل أيام، قال إن دعم المعارضة السورية يعد عملا عدائيا ضد العراق، وإن سقوط الأسد ووصول الثوار للحكم يعني حربا طائفية بلبنان، والعراق، وانقساما في الأردن، والآن تقصف قواته الجيش الحر، أي أن الحكومة العراقية لا تدعم الأسد بالتصريحات، أو بتهريب الأسلحة الإيرانية عبر الأراضي العراقية، بل إن قوات المالكي تتدخل الآن في الأزمة السورية، وبالسلاح، مثلها مثل إيران وحزب الله، وإذا لم تكن هذه هي الطائفية، فماذا عسانا أن نقول، وخصوصا أن حكومة المالكي تدعي أنها نابعة من نظام ديمقراطي؟!

يفعل المالكي ما يفعله بسوريا في الوقت نفسه الذي يواصل فيه إقصاء السنة بالعراق، وقمعهم، كما يحدث بالأنبار، وغيرها من المدن والمحافظات الثائرة ضد طائفية نظامه، ورأينا كيف استقال وزير المالية العراقي أمام الحشود الغاضبة يوم الجمعة الماضي بالعراق. ويفعل المالكي ما يفعله في سوريا وهو الرجل الذي يمثل نظاما يعتبر حليفا للولايات المتحدة التي أسقطت صدام حسين وجاءت بهذا النظام السياسي بحجة أنهم، أي من يحكمون العراق، كانوا مضطهدين من ديكتاتورية صدام، ولذلك قامت القوات الأميركية بغزو بغداد وإسقاط النظام، لكن ما حدث كان العكس، حيث إن هذا النظام الجديد تحول إلى حليف لإيران، بل تابع، وها هو يقوم بقصف ثوار سوريا، فهل يمكن بعد كل ذلك الوثوق بحكومة المالكي؟ بالطبع لا. والحق أن المالكي ليس صدام الشيعة وحسب، بل هو أخطر، لأنه يدعم التوجهات الإيرانية القاضية بهدم مفهوم الدولة ونصرة الأحزاب، والجماعات، المحسوبة على إيران، وهذا يعني بالتالي تأجيج الطائفية في المنطقة.

وعندما نقول إنه لا يمكن الوثوق بحكومة المالكي، فلسبب بسيط، وهو أن المالكي، يوما بعد آخر، يثبت أنه رجل يريد عزل العراق عن محيطه العربي، حيث إنه أقرب للمخطط الإيراني بالمنطقة، وليس تعزيز العلاقات العراقية العربية، فالمالكي يناصر أتباع إيران بالبحرين، وسمح بالمظاهرات الطائفية المناصرة لهم في العراق، والأمر نفسه فعله ضد السعودية، وها هو اليوم يقصف الجيش السوري الحر، ناهيك بما يفعله بالعراق كله. ومن هنا فإن قصف القوات العراقية للجيش السوري الحر ما هو إلا دليل قاطع لكل مروجي الاعتدال المزيف، أو ما أسميه الخنوع السياسي، وخصوصا تجاه المالكي، حيث ثبت لهم اليوم أنهم خدعوا مرة جديدة عندما أحسنوا الظن بالحكومة العراقية الحالية، مثلما خدعوا ذات يوم بحزب الله، وحماس، وإيران، وبالطبع الإخوان المسلمين، وكما خدعوا بقضايا لا تعد ولا تحصى.

ولذا، فإن إحدى أهم مميزات الثورة السورية أنها لا تسقط طاغية وحسب، بل إنها تسقط حقبة من الأكاذيب والخداع والتزوير بمنطقتنا.

عبدالله هادي
26-04-2013, 09:10 AM
رضوان السيد
على ماذا يختلف المصريون؟
علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية الإيراني الأسبق، ومستشار الخامنئي حاليا، يرى أنّ الخلاف بين المصريين إنما هو خلافٌ بين الإسلام والقومية العربية! وأدلتُه على ذلك عجيبة بعض الشيء، إنما يمكن التعبير عنها على النحو التالي: إنّ الثورة الإيرانية هي رائدة الثورات الإسلامية، وقد كان أعداؤها الداخليون من القوميين الإيرانيين؛ ولذا فإنّ الثورات الإسلامية في البلدان العربية إنما تسير على خطى الجمهورية الإسلامية، فيكون أعداؤها حُكْما من القوميين العرب!

والواقع أنّ أحدا من أهل الإسلام السياسي في مصر لا يتهم معارضي الرئيس محمد مرسي والدستور بأنهم عروبيون، وإنما يتهمونهم بأنهم علمانيون أو ليبراليون أو كارهون للإسلام والمسلمين! أما المعارضون أنفسهم فيذكرون نقاطا محدَّدة هي: الإعلان الدستوري، والاستفتاء على الدستور غير التوافقي. وفي الإعلان يقول البعض إنه ليس من حقّ الرئيس إصداره. بينما تقول كثرة كاثرة إنه يعطي الرئيس صلاحيات استثنائية هائلة، ويُعطّل عمل القضاء والقُضاة بتحصين قراراته وجعْلها فوق الطعن والرقابة. وهو إنما فعل ذلك للإبقاء على مجلس الشورى، واللجنة التأسيسية للدستور. وقد انتهى الغرض من وراء الإبقاء على اللجنة التأسيسية عندما قدّمت الدستور للرئيس، ولذلك أُلغي الإعلان وبقيت آثاره وصدر إعلانٌ جديدٌ أهمُّ ما فيه الإبقاء على موعد الاستفتاء. والمعارضون ضدّ مواد كثيرة في الدستور، وضدّ الاستفتاء عليه بهذه الطريقة.

ولا يتفق الإخوان والسلفيون في تشخيص الأزمة. أمّا السلفيون فيرون أنّ المعارضين من العلمانيين والأقباط وغيرهم إنما يريدون تضييع الفُرصة على المصريين في اشتراع دستورٍ يقول بتطبيق الشريعة، ويجعل من مصر دولة إسلامية. ولذا فبالإضافة إلى التشهير العنيف بالخصوم، عمدوا إلى محاصرة مقر المحكمة الدستورية لمنعها من الاجتماع وإمكان حلّ مجلس الشورى واللجنة التأسيسية من قبل. كما أنهم يحاصرون مدينة الإنتاج الإعلامي، احتجاجا على القنوات التلفزيونية الخاصة التي تؤيّد المعارضة.

أما الإخوان فيرون أنهم إنما يدافعون عن الشرعية، لأنّ الرئيس مرسي رئيسٌ منتخَب، وإنْ بأكثرية غير كبيرة. وهو في الإعلان وغيره إنما يمارس حقّه وصلاحياته لمنع الاضطراب والفوضى، وهو في تطلُّب الاستفتاء إنما يعود للشعب الذي هو مصدر السلطات.

وهكذا فإنّ السلفيين يعتبرون أنّ الشرعية قائمة في الشريعة التي أكّد عليها مشروع الدستور في عدة نقاطٍ ومجالات. في حين يُسِرُّ الإخوان خطابا ويستعلنون بآخر. فالخطاب المستتر يقول بالشريعة وتطبيقها وضرورة حصول ذلك الآن. أما الخطاب الظاهر فهو يتركّزُ على شرعية الرئيس الحاصلة بالانتخاب الحُرّ، وعلى حقّه في اللجوء للشعب للاستفتاء على أي دستور، لأنّ الشعب مصدر السلطات. أمّا الذين يمارسون العنف ضد أنصار الرئيس فهم من الفلول والقتلة المحترفين.

الواقع أنّ هذه الأسباب الظاهرة لا تفي المشهدَ حقَّه، ولا تُعلّلُ هذا التوتُّر الفظيع والمتصاعد، ومن جانب المعارضة قبل جانب السلطة. ولذا لا بُدَّ من الرجوع بعض الشيء إلى الوراء. فبعد سقوط مبارك قامت ثُنائية بين الإخوان والعسكر استمرت لعدة أشهُر. وخلالها جرى الاستفتاء على الإعلان الدستوري الأول، ثم جرت انتخابات مجلسَي الشعب والشورى. وكما صوَّر الإخوان الأمر في الإعلان على أنه إعلان إسلام مصر أو علمانيتها، كذلك مضوا إلى انتخابات مجلسَي الشعب والشورى. بشعارات الإسلام هو الحلّ، وتطبيق الشريعة. ويومها بدأ الاستقطاب بينهم وبين العسكر فرشَّحوا اثنين منهم لرئاسة الجمهورية، ورشح العسكر اثنين، وأُحرج الثوريون فصوَّتوا لمرشح الإخوان، فانخدم بذلك الإخوان الذين سيطروا على الرئاسة والبرلمان ومجلس الشورى ورئاسة الحكومة. فكان لا بد من انتهاز الفرصة النادرة والتي لن تتكرر: بإقرار الدستور في الاستفتاء بحيث تخلد صلاحيات رئيس الجمهورية. وما فكّر الرئيس ومحازبوه ولو للحظة واحدة أنّ المعارضين السياسيين يمكن أن يتحدوهم بسبب الاختلاف الكبير فيما بينهم. أما القضاة فيمكن ضبطهم بطريقتين في الوقت نفسِه: إرعابهم من طريق عزل النائب العام والطحشة عليهم باتهامهم بأنهم من فلول الرئيس مبارك! ومن ناحية ثانية طمأنتهم إلى أنّ هذه التحصينات والتعطيلات قصيرة المدى، وستنتهي بانتهاء الاستفتاء وظهور نتائجه!

يعلم الإخوان أنّ السلطة ليست محسومة لهم، فما حصل الرئيس مرسي على أكثر من مليون صوت في مواجهة أحمد شفيق. ولذا فالمطلوب الإسراع ما دامت الدولة كلّها باليد الآن، وتثبيت صلاحيات الرئيس بالدستور. والجيش مشغول بسيناء وغزة، ومحرمات الأميركيين. والأميركيون راضون وقد ازدادوا رضا بدور مرسي والإخوان في ضبط الوضع بغزة. وإذا استتبّ لهم أمر الدستور، ثم أمر مجلس الشعب بعده، يحكم الإخوان مصر حكم المماليك، لسنواتٍ وسنواتٍ قادمة!

إنّ الصراع إذن هو صراعٌ على السلطة هجمت فيه قوى الرئيس مرسي لاستكمال السيطرة. واستعانت في ذلك بإعطاء الجيش والسلفيين ما يناسب كلا منهم في الفترة الراهنة. وقد أدرك القضاة أنه مقضي عليهم فثاروا وهاجوا وقاطعوا. في حين ثارت المعارضة السياسية موقنة أن العزلَ السياسي يوشك أن يقضي عليها في عدة أشهر! وهكذا فإنّ هذا الصراع هو صراعٌ على السلطة، ولدى الرئيس فرصة (يستطيع استخدامها) في المواعيد وتقديماتها وتأجيلاتها. ومع ذلك، أي مع اتساع هامش المناورة لديه؛ فإنّ الجبهة من ورائه متشددة، وهو سيطيعها ولا يستطيع التراجع في المدى المنظور على الأقلّ. أمّا معارضوه السياسيون فهم في وضْعٍ صعب، ولا يملكون هامشا معتبرا، ولذا فلن يتنازلوا - بعد أن حشدتهم اللحظة الراهنة - وسيظلون يأملون أن ينكسر مرسي تحت وطأة الضغط فيعودون للتنفُّس إن كان ذلك ممكنا.

وما دام الأمر كذلك؛ فإنّ الاستفتاء سوف يحصل، لكنه لن يكونَ أكثر من محطة على درب النزاع، وهو نزاعٌ على السلطة وليس بين القوميين العرب والمصريين المسلمين(!)، ولا حتى بين العلمانيين والإسلاميين! وإذا كان الجيش قد أعطى نفسه الآن دورا اجتماعيا وتواصليا؛ فالسؤال بعد شهرٍ أو شهرين: ماذا سيكون دوره؟!

لا يتمنى أحدٌ لمصر أن يضطر الجيش للتدخل من جديد فهو إن عاد هذه المرة فستطول المرحلة الانتقالية على يديه، وقد تمتد إلى عقودٍ لتصبح هي الحالة الطبيعية التي عرفت مصر مثيلة لها منذ الخمسينات من القرن العشرين المنقضي. ولذا يبقى الأمل في المجتمع المدني القوي ونزوعه السلمي الذي يعمل على إرغام الطرفين على التنازل والعودة لحكم القضاء والقانون ولا شيء غيرهما. فليس بوسع أحدٍ التصور أنّ الإخوان والسلفيين (الذين اكتشفوا أهمية الاستفتاءات الشعبية فجأة!) سيتنازلون لخصومهم أو يشاركونهم، ما داموا يعتبرون سرا وعلنا أحيانا أنهم إنما ينفّذون حكم الله في الأرض! أما المدنيون فلو تنازلوا (عن ماذا؟!) فلن يستطيعوا العودة للشارع إلى الأبد. ولذا يكون على الطرفين (بضغطٍ من الجيش ربما) العودة للاحتكام إلى القضاء الذي استخدمه الإخوان والعسكر في مراحل الثورة الأولى ثم تنكّروا له – إلى أن تستوي العملية السياسية على سُوقها. فلا بديل لحكم القضاء الآن غير الشارع المنقسم أو... الجيش، وكلا الأمرين غير مُجْدٍ، وإنما يعبِّران عن مأزقٍ ذكره الدكتور حسن حنفي في صورة ثنائية قاتلة: قريش أو الجيش!

عبدالله هادي
26-04-2013, 09:12 AM
مشاري الذايدي
دراويش «حزب الله» حائرون


في سوريا، انكشف المستور، وفار التنور، وباحت بما فيها الصدور.
حزب الله اللبناني، رسخ الصورة التي كان بعض المتعاطفين معه في العالم الإسلامي يحاولون نفيها. صورة المخلب الإيراني الخميني، التابع المطيع لتوجيهات «ولي أمر المسلمين» آية الله خامنئي. وليس الحزب الوطني اللبناني المقاوم، حسبما كانت تردد ثرثرات الإخوان المسلمين، والتيارات القومية العروبية، و«الناصريين» القدامى في دول الخليج، من البحر الأحمر إلى الخليج العربي.

كان كل منتقد لحزب الله، ومدى انغماسه في المشروع الخميني الإيراني، يتم اتهامه فورا، من قبل الإعلاميين والكتاب الناصريين والقوميين، بالذات النسخة المصرية والخليجية، بأنه «عميل للأميركان والصهاينة».

حزب الله في دخوله الفاضح في الحرب السورية، خصوصا معارك قرى الحدود في منطقة القصير، بل كامل القطر السوري كما ذكر الأمين العام السابق لحزب الله، صبحي الطفيلي، وكما ذكر معاذ الخطيب في رسالته لزعيم حزب الله، حسن نصر الله، يؤكد أكذوبة «المقاومة» وأن هذا الشعار مجرد «تعويذة» سياسية لكسب الدعاية، والتلاعب بالمشاعر العربية والإسلامية.

لقد كان شعار المقاومة خادعا ومضللا، ليس الآن فقط، مع انكشاف التبعية المحضة في حزب الله لتوجيهات الحرس الثوري، وأوامر «ولي أمر المسلمين» الخامنئي، بل هو شعار خادع ومقاوم، منذ أكثر من 10 سنوات. هل تذكرون كيف هبت قنوات عربية، وكتاب عرب، لشتم كل من انتقد تصرفات حزب الله في لبنان، وتوريطه للبلد في «مغامرات غير محسوبة»؟! هل تذكرون كيف تناغمت لغة إعلام حزب الله، مع لغة إعلام أتباع النظام الأسدي في لبنان، مع لغة أشهر فضائية عربية مناصرة لما سمي بمعسكر المقاومة، بالضد من معسكر الاعتدال؟! طبعا هذه الثنائية تبخرت في الإعلام العربي مع هبوب الرياح العاصفة في خضم الربيع العربي «القائظ»!

كان شخص مثل الصحافي المصري محمد حسنين هيكل يبدي «تفهما» لغزوة حزب الله إلى بيروت الغربية، وكان شخص إسلامي مثل سليم العوا في مصر هو مرسال الود بين معسكر إيران وحزب الله وحماس من جهة، مع بقية الإسلاميين ومدعي الثقافة العروبية في العالم العربي. وكان شخص مثل خالد مشعل، زعيم حماس، قد ابتلع لسانه ولم يعلق على تخويف وقمع خصوم حزب الله السياسيين.

الغريب أن حزب الله، ومعه نظام بشار، يغنون على وتر التخويف من الطائفية وأنهم ضد الجماعات الطائفية السنية، في حين أنهم، بسلوكهم وكلامهم، يصبون الزيت على نار الطائفية! فهل هم حمقى لا يحسنون التصرف، أم الأمر أعمق وهم يريدون تجذير الفرز الطائفي في المنطقة وحشد قواعدهم الاجتماعية عبر العزف على الغرائز الطائفية؟

حسب صديق لبناني يقطن الضاحية الجنوبية، وعلى معرفة جيدة بعالم المجتمع الشيعي اللبناني، فإن الدعاية التي يمارسها حزب الله، الآن، لحشد المقاتلين في سوريا ضد الثوار، هو حماية مزارات الشيعة هناك، خصوصا مزار السيدة زينب في ظاهر دمشق، وهذه دعاية تفعل فعلها في البسطاء الشيعة، في حين أنها تمثل أسلوبا غاية في الانتهازية الدينية السياسية. وكما قال الطفيلي، فإن مقام السيدة زينب محفوظ طيلة 1400 عام في حضن الدول الإسلامية السنية، ولم ينتظر كل هذا الوقت ليهب نبيل قاووق ونعيم قاسم وحسن نصر الله وهاشم صفي الدين، ليحموه الآن!

بكل حال، فالكلام ليس لحزب الله، فقد خلع العمامة المزيفة، وهو مجرد أداة بيد ملالي طهران، الكلام لمن ابتلعوا الطعم، بوعي أو من دونه، وروجوا لأكذوبة هذه المقاومة، و«شتموا» كل من رفض ابتلاع الطعم، طيلة العقد الماضي.. وما زالوا

عبدالله هادي
26-04-2013, 09:14 AM
رضوان السيد
الجمعـة 28 ربيـع الاول 1434 هـ 8 فبراير 2013 العدد 12491
إيران وإسرائيل والثورة السورية



دخلت إسرائيل على الموضوع السوري مؤخرا من بابين: الإغارة على مواقع عسكرية في سوريا ما تزال تفاصيل أهدافها غامضة فيما بين مركز للأبحاث العسكرية وقافلة صواريخ متطورة إلى حزب الله، والإعلان من جهة أُخرى عن إجراءات على الحدود مع سوريا على مرحلتين: إقامة سور عازل يشبه ذاك الذي أقامته إسرائيل ضمن الضفة الغربية والقدس وعلى تخومهما، والقرار أخيرا بإقامة منطقة عازلة في الجولان السوري بعرض 15 كيلومترا للوقاية من التطورات المحتملة بعد سقوط الأسد ونظامه. أما إيران فقد أرسلت إلى سوريا سعيد جليلي مدير مجلس الأمن القومي، وقد بقي الرجل عدة أيام اجتمع خلالها بالأسد، وأعلن بعدها أنّ إسرائيل ستندم على ما قامت به؛ في حين قال مسؤولون إيرانيون آخرون إنّ الردَّ السوري على الهجوم الإسرائيلي سيكون حاسما، ويوشك أن يُدخل الكيان الصهيوني في حالة غيبوبة! وفي الوقت نفسِه اجتمع وزير الخارجية الإيراني صالحي في ميونيخ بمعاذ الخطيب رئيس الائتلاف للمعارضة والثورة، وقال صالحي بعدها إنّ الاجتماع كان ممتازا لأنّ الخطيب قبل التفاوض مع نظام الأسد بشروط!

ماذا يريد الإسرائيليون، وماذا يريد الإيرانيون، وما العلاقة بين التحركين؟ كلا الطرفين الإسرائيلي والإيراني يقف مع نظام الأسد، لكنهما يُعدّان في الوقت نفسِه لصَون مصالحهما إذا سقط النظام. فالإسرائيلي يتخذ إجراءات على الحدود للحماية والوقاية بعد أن ظلَّ ساكنا ومطمئنا منذ عام 1974 من دون سورٍ واقٍ ومن دون منطقة عازلة. هل كان مطمئنا إلى وجود المراقبين الدوليين، أم كان مطمئنا إلى أنّ حكم البعث هو السور الواقي؟ الأرجح هو الأمر الثاني، لأنّ المُراقبين الدوليين ما يزالون موجودين، وسيظلون هناك بعد سقوط النظام. أمّا الغارة الإسرائيلية على مراكز وتحركات عسكرية؛ فإنها تريد التنبيه إلى أنّ «مشكلة» إسرائيل لن تنحلَّ باتفاق الأميركيين والروس على حل في سوريا؛ بل إنها تريد حلاّ لمشكلة حزب الله، والسلاح الذي تكدَّس ويتكدسُ لديه.

وهكذا فإنّ إسرائيل افتقدت وتفتقد بقيام الثورة السورية إلى سورين عازلين وليس سورا واحدا: تريد ضمانا لبقاء الهدوء على الحدود بينها وبين سوريا، وتريد ضمانا أيضا إلى حدودها مع لبنان بسبب بقاء الطرف الآخر للتوازُن المتمثل في حزب الله، والذي ما نشط لشيء بعد حرب عام 2006؛ بل انصرف لإحكام السيطرة على الداخل اللبناني، مطمئنا إلى سطوة المحور الذي أقامه الإيرانيون بين العراق وسوريا ولبنان. فالأطراف العربية الثلاثة للمحور الإيراني، كما أمّنت منطقة نفوذٍ ممتدة لإيران من الأهواز وإلى شاطئ المتوسط، أمّنت لإسرائيل «عدم تحرُّشٍ» لهذه الجهة طوال قرابة 7 سنوات. وخلال ذلك انتقل خطُّ الاشتباك إلى غزة كما هو معروف، إلى أنّ تسلّمت مصر بعد الثورة المسؤولية عن التهدئة لهذه الناحية.

القلق الإسرائيلي المتصاعد إذن هو في أحد تعبيراته، قلقٌ من تزعْزُع المحور الإيراني الذي توصلت إسرائيل معه إلى حالة «ربط نزاع». ومن هناك تأتي العلاقة بين التحركين الإسرائيلي والإيراني. فالإيرانيون أكثر قلقا بالطبع، لأنّ الذي تزعزع هو محورُهم ومركزُهُ سوريا ونظامُها على الخصوص، وإدراكا من إيران لأخطار التزعزع هذه، نشطت منذ قيام الثورة السورية لدعم النظام هناك بشتّى الوسائل المادية واللوجستية والعسكرية المباشرة. وما اكتفت بالدعم المباشر، بل طلبت من المالكي وحزب الله القيام بالشيء نفسِه.

فإلى جانب التسهيلات المالية واللوجستية والعتاد، هناك عدة آلافٍ من المقاتلين، لجهة نهر الفرات، ولجهة دمشق، ولجهة خط حمص - القُصير - الهرمل. بيد أنّ الغارة على المواقع السورية، أثارت لدى الإيرانيين قلقا آخر كبيرا، إذ بذلك تعرضت هيبة المحور الذي تدعي إيران أنها أقامته في وجه إسرائيل، لضربة قوية تستدعي ردا من نوعٍ ما، أو لا تعود هناك فائدة (دعائية على الأقلّ) من مزاعم الممانعة والمقاومة. ومن أجل «الردّ» المحتمل جاء جليلي إلى سوريا. لكنّ «تقدير الموقف» مع الأسد وضباطه، أفضى فيما يبدو إلى أنه لا فائدة تُرجى من تظاهُر النظام القيام بالردّ المُزلْزِل. فهل يقوم حزب الله؟

لقد نقضت إسرائيل شروط الهدنة القائمة بين المحور وبينها بالغارة؛ في حين كان المحور وفيا لالتزاماته وتعهداته بعد الحرب عام 2006. والتي أنجزها الأميركيون مع إيران في سياق انسحابهم من العراق. والاتفاق كان ألا يتعرض المحور للقوات الأميركية أثناء الانسحاب، ولا يتحرش بإسرائيل بعد الانسحاب. والذي حدث أن إسرائيل هي التي تحرشت، بسبب انخفاض منسوب الهيبة، ولأنها تريد ضماناتٍ ما عادت إيران ولا الولايات المتحدة تستطيع تأمينها لها بعد قيام الثورة السورية. بيد أنّ ترميم ما تصدّع اعتمادا على القدرات الهجومية لحزب الله، يُعتبر فخا أيضا: فما الذي يضمن ألا يتحول التعرض الصاروخي لإسرائيل إلى فرصة لها لـ«حلّ» مشكلة صواريخ الحزب من الأساس في حربٍ شاملة أو محدودة؟! ولذا فقد جرى صرف النظر حاليا فيما يبدو عن القيام بأي عملٍ عسكري، انتظارا، ربما، لطلْقة أخيرة يطلقها نظام الممانعة في لحظة الانهيار!

على أنّ الضيق الإيراني لا ينحصر بمشكلته الحالية مع تَداعي النظام السوري. فالإيراني مُقْبلٌ على مفاوضاتٍ مصيرية على النووي مع الأميركيين (الذين قدّموا عرضا أخيرا في لقاء بايدن وصالحي بميونيخ). وهم مترددون في ماذا يفعلون؟ هناك هموم الحصار الخانق، وهموم ضعف محور الممانعة، والمزايدات الداخلية التي تتطلبها انتخابات الرئاسة في يونيو (حزيران) المقبل. وليس من دون دلالة العرض شبه العَلَني الذي يقدّمونه للأميركيين بشأن نفوذهم في المناطق الشيعية بأفغانستان، وإمكانيات التعاوُن ما دام الأميركيون يريدون الانسحاب من هناك عام 2014. كما تعاونوا معهم عند دخولهم إلى أفغانستان عام 2001 - 2002. وشاركوهم عند دخولهم إلى العراق عام 2003. وخلفوهم عند خروجهم عام 2011.

إنّ الذين ينظرون إلى خطوة معاذ الخطيب باعتبارها تراجُعا عن مواقف سابقة، ينسَون أنها خطوة تستند إلى تعديلٍ في الموازين على الأرض. فالمعارضة الآن سلطة على أجزاء كبيرة من الأرض السورية. وصحيحٌ أنّ الأشهر الثلاثة الأخيرة ما شهدت تقدما بارزا للمعارضة العسكرية، وشهدت في المقابل عنفا هائلا من جانب قوات النظام؛ بيد أنّ الروس والإيرانيين (والصينيين الذين مضى إليهم المقداد) يعرفون يقينا (فهم على الأرض أيضا) أنه لا حياة باقية للنظام الذي يدعمونه من قُرابة السنتين من عمر الثورة - ولذا فإنهم (وكلٌّ على انفراد) يستقبلون عرض مُعاذ الخطيب، ويحاولون البناء عليه والحساب لما بعد الأسد: وإلاّ فكيف صار الإرهابيون والعملاء فجأة شركاء مقبولين في حل تفاوضي؟!

إنها «شراكة» قامت منذ مطالع القرن الحادي والعشرين برعاية الأميركيين بين الإسرائيليين والإيرانيين والأتراك على «ملء الفراغ» في منطقة الهلال الخصيب، وكان موضوعها العراق وسوريا ولبنان. وقد خرج من الشراكة – لكونها ما عادت مُجزية - كلٌّ من الأتراك والإسرائيليين في اتجاهاتٍ مختلفة. ودخل إلى الساحة الروس (بحكم موقعهم في النظام الدولي)، والعرب أو بعضهم (بسبب دعمهم للثورة السورية، وتصديهم للتدخل الإيراني في الشؤون العربية). لقد بدأ الحراك الاستراتيجي العربي المعاصر بالصراع على سوريا - بحسب تعبير باتريك سيل. وقد جرت تصفيته بفصل سوريا عن مصر، ثم صرفها للصراع مع العراق، فإلى إلحاقها بإيران قبل أكثر من عقدين. وتكتمل الحركة العربية الجديدة باستعادة سوريا إلى ذاتها، وإلى أمتها العربية.

عبدالله هادي
26-04-2013, 09:17 AM
جيم هوغلاند
تكاليف صفقة أسلحة في الشرق الأوسط


وظف الرئيس أوباما قوته العسكرية وتهديدات مقنعة في مواجهة تهديد كوريا الشمالية بإطلاق صواريخ نووية واتجاه إيران إلى تخصيب كميات أكبر من اليورانيوم بشكل أسرع مع بداية فترة رئاسته الثانية. وقد ذهب طموحه العظيم على مدى أربعة أعوام مضت، المتمثل في منع انتشار الأسلحة النووية عبر الشراكة الدبلوماسية، سدى.

وهذا لا يعني أن مطامح أوباما في ما يتعلق بمنع انتشار الأسلحة لم تكن تستحق العناء أو أنه يتحتم التخلي عن الجهود الدبلوماسية، إنما يعني هذا أن على الرئيس توجيه المزيد من الاهتمام لتهيئة الظروف من أجل التوظيف الفعال للسبل الدبلوماسية.

يبدو أن الرئيس أوباما افترض أن ترتيب انسحاب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان من شأنه أن يعزز على الفور قدرته على التعامل مع أزمات خارجية أخرى.

كيف إذن يمكن تفسير ثقته الراسخة في قدرته على تحقيق أهداف أجندته العالمية واسعة النطاق؟

إن التجربة الأميركية في أعقاب حرب فيتنام تنم عن العكس؛ فالمدخرات والتأجيلات التي تجلبها الانسحابات الاستراتيجية تأتي ببطء. وتتجلى حالات عدم اليقين والشكوك المعرقلة التي تنتشر بين الحلفاء على الفور وتجد حلها في خضم احتدام عملية إدارة الأزمات.

ومن ثم، كان لزاما على الرئيس نشر قاذفات الشبح «بي 2» لتحلق فوق سيول بهدف طمأنة اليابان وكوريا الجنوبية أن الولايات المتحدة ستحميهما حال نفذ رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون تهديداته غير المتوقعة التي وجهها.

وبعد انتهاء آخر جولة مباحثات دولية مع إيران من دون التوصل إلى أية نتيجة ملموسة، صدق أوباما بشكل نهائي الأسبوع الماضي على صفقة بيع أسلحة قيمتها 10 مليارات دولار لإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهي الدول التي تعارض جميعا امتلاك إيران أسلحة نووية.

ووصف وزير الدفاع، تشاك هيغل، صفقة الأسلحة بأنها «إشارة واضحة» إلى إيران، غير أن الرسالة كانت موجهة إلى دول الخليج العربية. هذا وقد نبذت وسائل الإعلام الإيرانية بشكل ساخر وصف صفقة البيع بأنها «تحريض على نزاع إقليمي».

وكان من المقرر أن تشمل زيارة هيغل للإمارات حاليا, الاتفاق على التفاصيل النهائية لصفقة السلاح المعقدة، التي لم تخلُ المفاوضات بشأنها من خلافات، والتي قد تفضي إلى تقليص المساحة المتاحة لأوباما لتوظيف الدبلوماسية في إطار جهوده لحظر انتشار الأسلحة النووية.

إنها حزمة ثقيلة غير متوازنة سوف يصعب إدارتها بشكل موحد، تحمل أجزاؤها كل على حدة مغزى بالنسبة لكل دولة من الدول الثلاث. لكن جمعها معا في صورة حزمة سياسية من أجل القضاء على المعارضة من جانب إسرائيل وفي الكونغرس بشأن صفقات الأسلحة مع الدول العربية مسألة متعلقة بالتكتيكات، وتبدو تشاؤمية في هذا الصدد.

سيزود البنتاغون إسرائيل بطائرة نقل الجنود «V - 22 Osprey» وطائرات «KC – 135» لإعادة التزود بالوقود في الجو، وصواريخ أرض - جو، لترفع من قدرة إسرائيل على شن غارة على إيران، على الرغم من الضغوط المكثفة التي مارسها أوباما على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتجنب هذا الخيار. مثل هذه الإمدادات ستضعف من دون قصد استراتيجية الاحتواء التي مارستها إدارة أوباما في الشرق الأوسط، الهادفة إلى احتواء إسرائيل.

وستضطر الإدارة أيضا إلى التعامل مع التجاهل الاستراتيجي الذي أظهرته برفضها، حتى الآن، تزويد بعض دول الخليج بصواريخ هجومية متسللة، رغم طلبها المساعدة في تطوير القدرات الضرورية للتعامل مع التهديد الإيراني، نقلا عن مسؤول بالإدارة طلب عدم ذكر اسمه.

إن الإمارات على وجه الخصوص بحاجة إلى معاملة أفضل من ذلك، فقد دعمت سياسة الولايات المتحدة الخارجية من أفغانستان إلى شمال أفريقيا كحليف يمكن الوثوق به. لكن سياسة «الإصدار الفردي» التي تنتهجها وزارة الدفاع تفرض ضرورة إتاحة الفرصة أمام أعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي، للحصول على الأسلحة التي تحصل عليها الإمارات.

وكانت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات قد طلبتا تزويدهما بأحدث وأقوى صواريخ جو - أرض الموجهة بدقة «AGM – 158»، لكن البنتاغون طلب من الدولتين الاستقرار على صاروخ أقل تطورا، ربما الصاروخ «AGM – 88»، بحسب المصدر الأميركي.

ويمثل الصاروخ «AGM – 158» فعالية خاصة في ضرب الدفاعات الجوية الإيرانية وإصابة المنشآت النووية شديدة التحصينات تحت الأرض في حالة الحرب. لكن البنتاغون لم يبِع هذه الصواريخ إلا لأستراليا وفنلندا، وإسرائيل التي تشير التقارير إلى أنها طورت صاروخها المتسلل الخاص.

هذا ما يحدث عند الاضطرار إلى وضع سياسة متغيرة استجابة لأزمات متتالية، حينها تصبح الرسائل بشأن النيات غير واضحة للحلفاء والأعداء على حد سواء، وتتصاعد الشكوك تجاه قيادة الولايات المتحدة. وهو درس ينبغي أن نعيه جيدا.

* خدمة واشنطن بوست

عبدالله هادي
26-04-2013, 09:24 AM
رضوان السيد ( الشرق الأوسط )
إيران وتدمير المشرق العربي


قال فريدون عباسي، مدير المنظمة الإيرانية للطاقة النووية، إن من فوائد الملف النووي الإيراني على دول الخليج، ووجود مفاعل بوشهر على مقربة منها «إقبال تلك الدول على اقتناء أحدث أجهزة قياس التلوث.. فلولا مفاعل بوشهر لما كان الخليجيون توجهوا إلى هذه العلوم»! وعلى هذا القياس، ولأن كل تصرفات نظام طهران، يكون علينا نحن عرب المشرق والخليج، بل وسائر العرب، أن نلتمس «الحكمة» الحاضرة ولا شك من وراء إسهام إيران في فصل غزة عن الضفة الغربية بفلسطين، وإسهامها في احتلال بيروت من جانب حزب الله، وإسهامها في نشر الطائفية والفتنة بالعراق، وإسهامها الأخير والمستمر في قتل الشعب السوري وصون نظام بشار الأسد، عن طريق الحرس الثوري، ومتطوعي جيش المختار، وميليشيا أبي الفضل العباس من العراق، وعسكر حزب الله من لبنان.

قال لي كنعان مكية، المعارض الشهير لنظام الرئيس صدام حسين، عام 2006: «إن الإيرانيين تلقوا عام 2001 - 2002 عرضا ما كان بوسعهم رفضه رغم هواجسهم الكثيرة: ضرب طالبان بأفغانستان، ونظام صدام بالعراق. أما ما حصل من جانبهم ومن جانب الأميركيين على حد سواء بعد ذلك، فكلها مسائل سادها سوء التقدير وسوء التصرف من الطرفين»! والذي حصل بعد عام 2008 من انهيار في صورة انتصار للأميركيين كان نتيجة الإصرار على الانسحاب من العراق بأي ثمن خشية من «سيندروم» فيتنام؛ وهي «الواقعة» التي دفعت بالإيرانيين إلى تورط كامل في كل المنطقة، ولن يخرجوا منه سالمين. بيد أن الصورة التي نعرفها للمشرق العربي في التاريخ والأزمنة الحديثة، ستداخلها متغيّرات كثيرة نتيجة التورط المزدوج أو الإغراء والتضليل المتبادل بين الأميركيين والإسرائيليين والإيرانيين!

كان عاما 2008 و2009 بالنسبة للولي الفقيه عامي تحديات كبرى، وبالمعنى الذي بدا إيجابيا أكثر من اللازم: فلديه فرصة التجديد لنجاد في رئاسة الجمهورية، وفرصة الاستيلاء الكامل على العراق ودونما اعتراض، بل بتشجيع من الأميركيين الذين يريدون الانسحاب، وفرصة تشديد القبضة على غزة وعلى لبنان بعد «الانتصار» في غزة على إسرائيل في مقابل 2500 قتيل عربي فقط، وتحقيق انتصار ثان في لبنان بدفع الأسد إلى الخروج من مفاوضات الـ«س + س» وعليها. وهكذا ومع مطالع عام 2011 كان يبدو أن إيران قد أوشكت على ابتلاع المشرق العربي مستفيدة من المتغيرات الاستراتيجية الأميركية بين الاندفاع والتراجع (وقد كان كلاهما لصالحها للوهلة الأولى). على أن الذي حصل بداخل إيران وفي امتداداتها وفي علاقاتها الإقليمية والدولية في السنوات الأخيرة؛ كل ذلك دفعها (بدلا من الانسحاب إلى الداخل أو الانكفاء لتقدير الموقف ومراجعة الحسابات) إلى القيام وبشراسة مشهودة بمحاولات لتدمير المشرق العربي، ليس اتباعا لسياسة الأرض المحروقة، بل بسبب العجز عن ضبط مناطق الامتداد، والعجز عن الانكفاء للداخل خشية تأثيرات الخيبة، والعجز عن إجراء مفاوضات مجدية حول النووي مع الدوليين لأنها أعطت الانطباع بالداخل والخارج بأن «التغيير» في السياسات النووية هو تراجع وهزيمة!

لقد كان بوسع إيران عند إنجاز الاتفاق مع الأميركيين على انسحابهم من العراق، ألا تصر على إبقاء المالكي بخلاف نتائج الانتخابات، وأن تؤثر في المجيء برئيس شيعي معتدل للحكومة العراقية، وتكون (إلى جانب الأميركيين) وسيطا فاعلا بين «المكونات» العراقية الكردية والشيعية والسنية. لكنها على العكس من ذلك أصرت على المالكي، ثم دفعته لمصادمة السنة فالأكراد. فإيران تعتبر منذ البداية (وكذلك تركيا إلى حد ما) أنه لا وجود لعرب وعروبة بالمشرق، بل الناس سنة وشيعة. وكل السنة (العرب) تابعون للسعودية، وكل الشيعة هم تابعون لها حكما. ولأنها مصرة على مواجهة السعودية باعتبارها واعتبار الخليج الطرف المرجعي العربي الباقي؛ فإنها مضت باتجاهين في تلك المواجهة: كسر الأطراف السنية ذات العلاقة الحسنة بالسعودية، وتوجيه السنة الذين يريدون السلام والتوسط إلى تركيا الأردوغانية باعتبارها الطرف المقبول الوساطة لديها. وفي فترة «الراحة» النسبية بين عامي 2006 و2010، مالت إيران حتى إلى إيهام تركيا بالتشارك معها في سوريا وفي الملف الكردي. لكن سرعان ما تبين للطرفين افتراق الأفكار والمصالح، فتقدمت تركيا باتجاه الأكراد والسنة بالعراق باعتبارها طرفا حاميا (من إيران)، وهي تتقدم بالاتجاه نفسه من السنة والأكراد في سوريا. ولذا ومع تصاعد التضييق والضغوط على إيران بعد عام 2010 ازدادت علاقاتها تشنُّجا مع السنة والأكراد بالعراق. وعملها منذ عام وأكثر ينصب على استمرار الضغط للتفجير بين الشيعة والسنة كما في عامي 2006 و2007، ثم تفجير الأمر بين «دولة المالكي» والدولة الكردية. فالسنة بالعراق في نظر إيران هم تابعون للسعودية، والأكراد تابعون للولايات المتحدة وإسرائيل، وما عاد من المصلحة في شيء إبقاء العراق موحدا ولو تحت حكم الشيعة، بل الأفضل تقسيمه عمليا، والاستمرار في نشر الاضطراب فيه، ما دام ضبطه بحكومة المالكي أو غيره ما عاد ممكنا.

ويقول الإيرانيون إن عملهم في سوريا ما كانت له خلفيات وممارسات عملهم بالعراق. فقد كانوا قانعين من بشار الأسد بدعم «المقاومة» في لبنان بشتى الطرق، وبأن يكون إلى جانبهم بالمعنى الاستراتيجي. لكنّ «الجهات المعادية»، وهم يقصدون بها أميركا وإسرائيل، أرادت أن تسلب من إيران هذه الميزة بكسب سوريا إلى معسكرها في ظل نظام آخر، فوقف الإيرانيون (بعد محادثاتٍ وتقديرات مع الروس) إلى جانب نظام الأسد. ثم حدث التدخلان التركي والعربي، فاستيقظت لدى الإيرانيين وجوه الوعي المذهبي والقومي: شيعي/ سني، وإيراني/ عربي. وفي حدود أكتوبر (تشرين الأول) 2012، استقر لديهم الاعتقاد بأن بشار ونظامه إلى ذهاب، فصمموا على القتال إلى النهاية لتدمير سوريا السنية والعربية من جهة، واستحداث جيب استنزاف في المنطقة العلوية متصل بالشرق الشيعي في لبنان.

والخطر على الوضع الشيعي في لبنان نتيجة السياسات الإيرانية أخطر منه على الوضع الشيعي في العراق. ففي العراق قد تتسبب السياسات الإيرانية في الحيلولة دون أن تستطيع الأكثرية الشيعية هناك إنشاء سلطة ودولة تتمتع بالاستقرار والشرعية، وهذا أمر خطير، لكنه لا يتهدد الوجود. أما إدخال حزب الله في البطن السوري الهائل الاضطراب؛ فإنه سيحوله (ومن ورائه الشيعة بلبنان) إلى لقمة سائغة بين فكي سوريا وإسرائيل؛ فضلا عن تدمير الكيان اللبناني. وعندما نناقش الإيرانيين في هذا الأمر، لا يبدون على هذا القدر من «الاستقتال» كما في حالة العراق، لكنهم مصرون على عدم السماح بـ«استخدام» سوريا ولبنان ضد مصالحهم! وعندما نسأل عن تلك «المصالح» التي قد يكون من نتائجها تفكيك العراق وسوريا ولبنان، وانفراد تركيا وإسرائيل (في ظل الولايات المتحدة) بالمنطقة، لا يشيرون إلى قوة «الجمهور» كما كانوا يفعلون من قبل؛ بل يعودون للتذكير بالصمود الأسطوري لإيران في حرب الخليج في الثمانينات! وهذه هي عودة للنفسية الاستشهادية من دون دوافع مقنعة. فإيران لا تواجه تهديدا من أي نوع. ولله الأمر من قبل ومن بعد!

د. أحمد الخضير
26-04-2013, 11:40 PM
قد يتسائل البعض ومالنا ولكُتاب الاعمده والسياسه عموماً ..؟
نرد انه لمجرد تغيير للجو وتنشيط للذاكره وحب اطلاع .... النهاية ..!

الحقيقه أننا بحاجه الي مثل هذه المواضيع التي تجعلنا على إطلاع لما يحدث حولنا ومايقوله أصحاب ( الأعمده ) الصحفيه .

وعسى أن تواصل لنتصفح مايفيد
شكراً لك

عبدالله هادي
27-04-2013, 09:21 AM
الحقيقه أننا بحاجه الي مثل هذه المواضيع التي تجعلنا على إطلاع لما يحدث حولنا ومايقوله أصحاب ( الأعمده ) الصحفيه .
وعسى أن تواصل لنتصفح مايفيد
شكراً لك

اهلا ابا مروان
وحياك الله

عبدالله هادي
27-04-2013, 09:23 AM
القاهرة: عبد الستار حتيتة (الشرق الأوسط ) الحصاد


قضية السياحة الإيرانية لمصر فجرت نقطة خلافية بين البلدين تتعلق بمزارات الشيعة. وبدأت مصر دعوتها للسياح الإيرانيين لزيارتها بالقول إن هؤلاء السياح سيفرض عليهم خط سير محدد لا يتضمن زيارة المساجد ومراقد آل البيت التي يفضل معتنقو المذهب الشيعي زيارتها، كما يحدث في عدد من المدن العراقية.
لكن مسؤولين إيرانيين ردوا قائلين إن زيارات الإيرانيين ستكون مفتوحة ومن دون أي شروط مسبقة، وإن سياحة الإيرانيين لن تقتصر على الشواطئ والمواقع الأثرية الفرعونية، بل ستشمل كل ما يريد الإيرانيون زيارته، بما في ذلك مساجد آل البيت المنتشرة في القاهرة وعدد من مدن الصعيد.

وقبل السيطرة على هذا الخلاف المبكر حول تحديد أماكن السياح الإيرانيين، كانت هناك قضايا خلافية أخرى ممتدة على مدى عقود. العلاقات المصرية - الإيرانية، المقطوعة منذ أكثر من ثلاثين عاما، ما زالت «محلك سر»، وتواجه عراقيل تحول دون عودتها حتى الآن، رغم مرور أكثر من عامين على سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، الذي اعتبرته طهران لعقود خصمها اللدود.

وبدا في الشهرين الأخيرين أن هناك «تقاربا إخوانيا» تجاه إيران تقابله «معارضة سلفية» شديدة، مما جعل مشهد علاقة مصر وإيران «مرتبكا»، لكن مصادر في الحكومة المصرية تقول إن تحسين العلاقات يسير إلى الأمام، لكنه ببطء «لأن الأمر يتعلق بالرأي العام الداخلي والحسابات الإقليمية والدولية».

وزاد عدد الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين المصريين والإيرانيين، بين القاهرة وطهران منذ صيف العام الماضي، إلا أن عودة العلاقات ظلت متعثرة. ولم تكتمل خطة حكومية بالقاهرة لجلب السياح الإيرانيين إلى مصر، وما يمكن أن يتبع ذلك من تعاون اقتصادي، لكن التيار السلفي المصري، الذي دعم فوز الرئيس الحالي محمد مرسي، يرفض أي تقارب مع إيران، محذرا في الوقت نفسه من أطماع طهران في التمدد الشيعي، ومن مواقفها المساندة للرئيس السوري بشار الأسد ضد شعبه، وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه مؤسسة الأزهر أمام الرئيس الإيراني أحمدي نجاد حين زار مصر مطلع العام الحالي.

يقول الدكتور أحمد لاشين، أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة عين شمس المصرية، إن العلاقات بين البلدين مرهونة بثلاثة ملفات رئيسة.. الملف الأول القضية السورية، والثاني يخص علاقات مصر مع الغرب، والثالث يتعلق بالداخل المصري.

ويضيف الدكتور لاشين عن الملف الأول قائلا: «نعرف أن النظام المصري الآن يعلن دعمه للثورة السورية والفصائل الإسلامية المسلحة في الثورة السورية، وفي المقابل هناك الدعم الذي تقدمه إيران للرئيس الأسد، وهنا توجد منافسة بين مصر وإيران في الملف السوري، وأعتقد أنه سيكون عقبة في طريق العلاقة بين البلدين».

أما الملف الثاني الذي يمكن أن يكون من عوامل الأزمة في العلاقات المصرية - الإيرانية أيضا، كما يوضح الدكتور لاشين، فهو «العلاقات المصرية - الأميركية - الإسرائيلية»، قائلا: «أعتقد أن رؤية الإيرانيين لهذه العلاقة ستكون بمثابة عائق كبير جدا في عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، خاصة أن أميركا وإسرائيل تعارضان ذلك، ولا أعتقد أن النظام المصري يريد أن يفسد علاقته مع الغرب».

وبالنسبة للملف الثالث، فيزيد الدكتور لاشين موضحا أنه «يتعلق بالداخل المصري، وهو أمر ذو حساسية ولا يرحب بأي تقارب بين مصر وإيران». ويضيف أن عودة العلاقات بين البلدين «لن تجد ترحيبا من التيار السلفي الذي دعم وصول تيار الإخوان المسلمين للحكم.. من الصعب جدا أن يقبل هذا التيار بعودة العلاقات بين مصر (السنية) وإيران الشيعية»، مشيرا مع ذلك إلى أن النظام الحالي له فواتيره التي ينبغي له أن يسددها، مثل مساندة السلفيين للرئيس مرسي في الوصول إلى الحكم، وما لهذا الأمر من تأثير على الموقف المتردد تجاه التقارب مع إيران.

ويرى الدكتور لاشين أن الزيارات المتبادلة بين مصر وإيران «لا تزيد على كونها محاولات في مجال تحسين العلاقات». ويوضح: «لا ننكر أن العلاقات بين (الإخوان) وإيران قديمة منذ الثورة الإيرانية سنة 1979. وبينهما اتفاق آيديولوجي، لكن هذا لا يمنع من أن هناك بعض العلاقات التي تتم من وراء الستار وليست ظاهرة بشكل يمكن تأسيس نظرية عليه».

وتحدث الرئيس مرسي مؤخرا عن أن العلاقة مع إيران لا تمثل مشكلة بالنسبة لبلاده، وقال حين سئل في مقابلة تلفزيونية حول التقارب بين مصر وإيران، وهل هي رسالة إلى دول الخليج: «إنه يتعجب من تلك الأحاديث، فدول الخليج وغيرها لديها تمثيل بشكل أو بآخر مع إيران، وبالتالي أين الرسالة في التقارب بين إيران ومصر»، مشيرا إلى أنه لا يوجد ما يوجب القلق من هذا التقارب. ويرى أيضا أن تعامل بلاده مع إيران أو غيرها «ليس موجها ضد أي جهة، وإنما لتحقيق مصلحة مصر»، قائلا حول دور إيران في الأزمة السورية، إنه طلب من إيران أن تكون جزءا من حل الأزمة السورية والعمل على وقف نزيف الدم، محملا كل الأطراف مسؤولية ما يدور في سوريا.

لكن حلفاء مرسي من التيار السلفي الذي عضده في انتخابات الرئاسة يرى العكس. ويقول بسام الزرقا، المستشار السابق لمرسي، إن شروط التيار السلفي لعودة السياحة الإيرانية لمصر، هي أن تتوقف طهران عن مشاركتها في قتل السوريين من خلال دعمها لنظام الرئيس السوري، وأن تتوقف عن إثارة القلاقل التي تغذيها في دول الخليج، وكذلك أن تتوقف عن اضطهاد أهل السنة في إيران، مشددا على ضرورة رفض مصر لأي تقارب مع طهران في الوقت الحالي.

وفي مجلس الشورى المصري، يقول عماد المهدي، وكيل لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بالمجلس والقيادي في حزب النور السلفي، إن الرئاسة المصرية تريد على ما يبدو تحقيق مصالح من «اللعب بالورقة الإيرانية»، مشيرا إلى أن التيار السلفي، الذي يمثل ثاني أغلبية بعد أغبية نواب «الإخوان» في مجلس الشورى، يعارض السياحة الإيرانية ويعارض التقارب مع طهران، ولديه تخوفات كبيرة من هذا الملف الذي يؤثر على أمن مصر القومي بالسلب.

وزار مصر بالفعل نحو 50 سائحا إيرانيا مطلع هذا الشهر، أعقبها قيام سلفيين بالهجوم على منزل القائم بالأعمال الإيراني في القاهرة، السفير مجتبي أماني، مما دفع الحكومة المصرية إلى إرجاء الرحلات السياحية بين البلدين إلى منتصف يونيو (حزيران) المقبل «لتقييم التجربة»، لكن، وزيادة في الارتباك، قالت مصادر إيرانية إن طهران هي من أوقف هذه الرحلات، وأنها طلبت من المصريين ضمانات حتى تعود السياحة مرة أخرى، ومعها «فرص للتعاون الاقتصادي».

ويرى الدكتور صفوت عبد الغني، القيادي بالجماعة الإسلامية، وعضو مجلس الشورى بمصر، أن إيران تسعى لنشر مذهبها ومحاولة حصار الدول السنية، و«نحن نراقب ما تفعله، سواء في مصر أو سوريا أو البحرين أو أفريقيا». يأتي ذلك في وقت أخذت فيه قضية العلاقة مع إيران مسارات أخرى وصلت إلى المحاكم بإقامة دعاوى تطالب القضاء بإصدار أحكام تلزم رئيس الدولة ورئيس الوزراء، ووزراء الخارجية والداخلية والسياحة ومفتى الجمهورية منع السياحة الإيرانية، لأنها حسب الدعوى التي رفعها المحامي عبد الرحمن أبو عوف، تمثل خطورة على الأمن القومي المصري.

الدكتور مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية بمصر، والمحلل السياسي المتخصص بالشؤون الإيرانية والتركية، يرى أن العلاقات بين البلدين لم تشهد التطور الذي كان متوقعا بعد عامين من سقوط النظام السابق، مشيرا إلى أنه لم يحدث تبادل للسفراء، إضافة إلى غياب التنسيق أو التحالف الاستراتجي بينهما، مشيرا إلى أن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني علي صالحي كانت تعكس رغبة إيران في فتح آفاق تعاون مع مصر والطموح في عودة العلاقات لمستوى تبادل السفراء.

«الزيارات تظل مجرد زيارات، ما لم يتبعها تنفيذ عملي للوعود التي يطلقها هذا الجانب أو ذاك». ولا يرى أستاذ الأمن القومي في أكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، اللواء محمد قشقوش، أي مؤشر آيديولوجي على الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في مصر وإيران، قائلا إن هذه الزيارات تأتي لحضور مؤتمر هنا أو هناك، مثل حضور الرئيس مرسي مؤتمر دول عدم الانحياز في طهران العام الماضي، وحضور الرئيس نجاد مؤتمر القمة الإسلامية في القاهرة هذا العام.

وتبدو الملفات الرئيسة التي تهم البلدين لا يوجد حولها في الحقيقة نقاط التقاء. ويشير قشقوش إلى أن الرئيس مرسي قال أكثر من مرة إن أمن «الخليج خط أحمر»، لافتا إلى أن مصر قد تحاول مستقبلا لعب دور مواز، لكن المشكلة في يد إيران.. «حين يكون هناك احتلال إيراني للجزر الإماراتية الثلاث، وترفض الذهاب للتحكيم الدولي فهذا يعني أن إيران هي المخطئة، ثم تقوم بتصعيد الأمور في البحرين»، وعليها أن تصدر إشارات تهدئ من روع الخليج.

ويقول المراقبون إن مصر تريد الضغط على الغرب والخليج من خلال «الورقة الإيرانية»، بينما تريد إيران موطئ قدم لها على مياه البحر المتوسط وهي على وشك خسارة حليفها السوري. ويقول اللواء قشقوش عن محاولات إيران التقارب مع مصر في هذا التوقيت: «قد تكون إيران ترى أن النظام السوري على وشك أن يسقط، ويهمها أن يكون لها امتداد استراتيجي على البحر المتوسط. وقد تكون تفكر في ملء هذا الفراغ عن طريق مصر».

ويضيف قائلا: «أعتقد أن مصر أكبر من هذا، لأن إيران ترى أن سقوط سوريا سيؤثر في حزب الله وسيؤثر على المنطقة، ولبنان ستتأثر وغزة كذلك»، مضيفا أن «إيران لم تقدم الخطوة التي تجعل مصر وتجعل العرب والخليج متشجعين للتقارب معها. لكن هل هذا ممكن؟». يقول اللواء قشقوش: «إن زيارة بعض المسؤولين الإيرانيين لمصر تجعلنا نقول إن إيران تعتقد أنها تمد يدها وتجد مصر جاهزة لهذه اليد، لكن مصر متحفظة، وأعتقد أن تحفظها في محله.. ***** مصر الشرقية في الخليج، وأمن مصر يبدأ من الخليج». ويتابع قشقوش قائلا إن تهديد إيران للخليج يهدد مصر، وذلك ما تفعله إيران مع الخليج، والتدخل في الشؤون العربية يجعل مصر والعرب غير مستريحين من التصرفات الإيرانية.. «إيران تستطيع أن تبدد هذه المخاوف إذا كانت تريد أن تأخذ خطوة إلى الأمام، خاصة أنها تستشعر قرب انتهاء النظام السوري». ويزيد قشقوش قائلا: «مصر لن تسمح لإيران بأن تكون قريبة منها على حساب الخليج».

ويعتبر وزير السياحة هشام زعزوع، أكثر وزراء الحكومة المصرية تعرضا للهجوم من عدة أطياف مصرية خاصة التيار السلفي بسبب تشجيعه للسياحة الإيرانية إلى بلاده. وزار الوزير زعزوع إيران قبل نحو شهرين لتوقيع اتفاق جلب السياح إلى مصر، التي يعاني فيها القطاع السياحي تدهورا كبيرا بسبب القلاقل الأمنية التي تضرب البلاد منذ سقوط النظام السابق. ويقول زعزوع، بعد أن اضطرت بلاده إلى وقف السياحة الإيرانية لمدة 45 يوما، إنه سيلتقي السلفيين في مجلس الشورى للتحاور معهم حول السياحة الإيرانية، وهو يرى أن التيار السلفي لديه تخوف من أنه سيحدث تشييع لمصر مع تدفق السياحة الإيرانية، لكنه قال: «أنا شخصيا أرى في ذلك مبالغة».

ويوجه السلفيون انتقادات لحزب الحرية والعدالة أيضا باعتباره حزبا إخوانيا تابعا للرئيس مرسي، ولا يعترض على سياسات تقاربه مع طهران. ويقول ناصر الدين إبراهيم، النائب السابق عن حزب الحرية والعدالة، إنه يتفهم غضب السلفيين، لكن يوضح في المقابل أن «السياسة تعتمد على التعامل مع من يجاور مصر في الإقليم على كافة المستويات العلمية والاقتصادية والسياحية، خاصة إذا كانت دولة مثل إيران، بحيث يكون هناك نوع من أنواع التكافؤ بقدر يمنع التدخل في شؤوني الداخلية».

وتقول إيران إنها لا تسعى لنشر التشيع في مصر، وإنه ليس لها أطماع في المنطقة، وإنها تريد فقط التقارب مع مصر من أجل مصلحة المنطقة والعالم الإسلامي. وفتحت قنوات تلفزيونية شبه رسمية في مصر مجال الحديث لرئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة، السفير أماني، وحاول أكثر من مرة إقناع المصريين والسلفيين بـ«حسن نوايا» بلاده. ويقول أبو الحسن نواب، رئيس جامعة الأديان والمذاهب التابعة لوزارة العلوم والتكنولوجيا والأبحاث في إيران، في اتصال من مقره بطهران عبر الهاتف مع «الشرق الأوسط»، إنه توجد «مشكلات في عودة العلاقات بين بلاده ومصر»، مشيرا إلى أن هذه المشكلة «من جانب مصر وليست من جانب إيران». وأضاف: «لا توجد لدينا أي مشكلة من جانبنا». وعن مخاوف بعض المصريين من التشيع، قال نواب، إنه لا توجد مشكلة بين السنة والشيعة، مشيرا إلى أن إيران سوف تستضيف الأسبوع المقبل مؤتمرا لعلماء من العالم الإسلامي، وقال إن 70 في المائة من هؤلاء العلماء من أهل السنة. وقال: «نحن في حوار دائم وشامل في هذا الموضوع».

وتابع نواب قائلا عن الأزهر: «ليس لدينا أي مشكلة معه.. الأزهر منا ونحن من الأزهر»، موجها الدعوة لعلماء الأزهر من أجل زيارة طهران. وأضاف موجها حديثه للمصريين المتخوفين من التقارب مع إيران: «أقول للمصريين كما قال (الرئيس الراحل) جمال عبد الناصر: كلنا مسلمون.. توفي رسولنا، صلى الله عليه وسلم، وترك لنا ميراثا 95 في المائة منه مشترك، و5 في المائة منه فيه خلاف»، مشيرا إلى أن بعض المصريين تركوا الميراث المشترك وأخذوا بالـ5 في المائة التي تركز على الخلافات.

وبشأن أمن الخليج الذي يطالب به المصريون أوضح أبو الحسن نواب قائلا: «لا توجد مشكلة بين إيران ودول الخليج.. ونحن منذ قرون نعيش مع أبناء دول الخليج بهدوء وراحة». أما بالنسبة لاتهامات قطاع من المصريين لإيران بأنها تدعم النظام السوري ضد شعبه، فقال نواب: «إيران حين بدأت تساعد سوريا قبل ثلاثين سنة، فإنها وجهت هذه المساعدات في كل المجالات للشعب لا إلى النظام»، مشيرا إلى أن موقف إيران وروسيا والصين في المسألة السورية يختلف مع آراء الآخرين، وأضاف: «أعتقد أن المسألة السورية لا بد أن تحل بيد السوريين».

ويقول مجتبي أماني إنه حان الوقت لتحقيق التقارب بين أكبر قوتين إسلاميتين في منطقة الشرق الأوسط، لافتا إلى أن طهران يمكنها مساعدة مصر بما تمتلكه من خبرات في مجال الطاقة النووية وتكرير البترول وصناعة السيارات.

ويرى السفير أماني أن أكثر من 60% من المصريين يؤيدون عودة العلاقات بين البلدين، قائلا إن هناك أعداء لا يريدون استقرار مصر أو عودة العلاقات بينها وبين إيران، مشيرا إلى أن اتهام إيران بالسعي إلى نشر التشيع في مصر «اتهام كاذب».

وعلى العكس من كل ما سبق، لا يوافق القطب الشيعي المصري، الدكتور أحمد راسم النفيس، على عودة العلاقات المصرية مع إيران، بسبب أن مصر في الوقت الحالي - حسب قوله - لا ترقى إلى كونها دولة، وإنما «إمارة إسلامية حليفة لحماس»، معربا عن اعتقاده أن الوضع في مصر مضطرب ولا توجد استراتيجية ولا رؤية، «وطبعا، القضية لا تتعلق فقط بالملف المصري وحده في ظل حالة الاشتباك القائمة في الإقليم، حيث إن مصر في وضع لا يحسد عليه، وليس من السهل عليها أن تتخذ قرارا منفردا» بشأن إعادة العلاقة مع إيران.

ويقول مصدر في الحكومة المصرية عن العلاقات بين مصر وإيران، ولماذا هي ما بين العودة واللاعودة، رغم الزيارات المتبادلة بين البلدين إنه يوجد تضخيم محلي وإقليمي للمخاوف من عودة العلاقات مع طهران، رغم أن العالم كله يتعامل مع إيران، مشيرا إلى أن بلاده حين تسعى للتقارب مع طهران فإن هذا لا يعني أنها قررت أن تدخل في محورها، لأن مصر لديها مواقفها المعروفة للجميع، ومنه الموقف تجاه الأزمة السورية. وتابع المسؤول الحكومي، الذي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع، متسائلا: «هل يتصور البعض، خاصة في الداخل المصري، أن إيران يمكن أن تغير من طبيعة الشعب المصري أو أن تقوم بنشر التشيع كما يتصور البعض.. هذا تضخيم للأمور»، مشيرا إلى أن مصر «لا يمكن أن تنحاز إلى أي محور غير محورها العربي، ومن يرى غير ذلك فهو لا يفهم عروبة مصر ودورها في المنطقة المبني على هذا الأساس».

وعن السبب في عدم عودة السفارات بين البلدين رغم قول الرئيس نجاد حين كان في زيارة لمصر هذا العام إنه سيعاد فتحها قريبا، أوضح المسؤول المصري أن «الأمر لا يتعلق بمسميات، لأن لدينا علاقات فعلية مع الإيرانيين، حيث توجد بعثات يرأسها دبلوماسيون، عدد كبير منهم بدرجة سفير ولا يطلق عليه هذا الاسم ولكنه يعتبر قائما بأعمال فقط»، مشيرا إلى أن مصر لا تريد حدوث ضجة لا مبرر لها من وراء عودة السفراء، و«الأمر برمته في موضوع العلاقة الدبلوماسية الكاملة مع إيران ربما يحتاج لبعض الوقت».

عبدالله هادي
29-04-2013, 07:08 AM
حمد الماجد
هويدي و إيران


كتب الزميل فهمي هويدي في صحيفة «الشرق» مقالا مثيرا عنوانه «السلفيون بين الخائفين منهم والخائفين عليهم»، ينقد فيه موقف السلفيين المصريين من توجه الحكومة المصرية الجديدة نحو تطبيع العلاقات مع إيران، وأن السلفيين بتحذيرهم من النفوذ الإيراني ونشاطها التبشيري يسكبون نارا على الاحتقان الطائفي، ويرى أن السلفيين يصطفون من حيث يدرون أو لا يدرون مع المطلب الإسرائيلي - الأميركي في إحكام الحصار على إيران وكسر عنادها تجاه أميركا وإسرائيل.

لو أن أحدا نثر هذه الأفكار دون قائلها، وسألني عنها: خمن لمن تنسب؟ ما ترددت في القول إنها مقال سياسي لرئيس الجمهورية الإيرانية، أو ربما لحسن نصر الله، بل لا أبالغ إذا نسبتها لوليد المعلم، إنها تختزل حزمة الأفكار التي تتردد في «الأسطوانة» الإيرانية ومعها حلفاؤها في المنطقة ضد من يحذر من مخططاتها التي يريد نظام طهران من خلالها بسط نفوذه السياسي، الفرق هنا أن الأستاذ فهمي لم يستخدم في مقاله بصورة صريحة مصطلحي «الممانعة والمقاومة» اللذين درج على ترديدهما قادة إيران وسوريا وحزب الله اللبناني ضد كل من ينتقد إيران وحزب الله ودعمهما لنظام بشار، واستعاض عنهما السيد هويدي بما يؤدي إلى نفس الغاية.

كما أشك كثيرا أن السيد فهمي هويدي لا يدرك أن «التبشير بالتشيع» مرتكز في عمق الاستراتيجية الإيرانية لبسط نفوذها، تماما كأسلوب الاستعمار الغربي الذي يركب في سفينته الاستعمارية المبشرين قبل الجنود، لما لوجودهم من أهمية في بسط النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي. فهذه مصر التي ينتمي إليها الزميل هويدي صار فيها أقلية شيعية تعد بعشرات الآلاف، وهي التي كانت تعد إلى زمن قريب جدا من الدول التي سكانها المسلمون سنّة 100 في المائة، وقل ذات الشيء عن تونس والجزائر وكل دول المغرب العربي، بل وكل دول العالم السني، وقد كتبت مرارا وتكرارا قائلا: إننا حين نحذر، ومعنا السلفيون والإخوان والشيخ يوسف القرضاوي والأزهر وعامة علماء المسلمين ومفكريهم ومثقفيهم، من التبشير الشيعي في الدول السنية فليس دافعه نفسا طائفيا كما يظنه السيد هويدي وتردده الأبواق الإيرانية في المنطقة، بل قصارى ما نريده ألا نوسع مناطق التماس الطائفي في دول تعتبر خلوا من الوجود الشيعي، وأيضا للحيلولة دون بسط إيران نفوذها المدمر؛ سوريا النموذج الصارخ للتدخلات الإيرانية.

ويؤسفنا أن الزميل هويدي خلط بين التعايش التلقائي الطبيعي بين عامة السنة وعامة الشيعة والذي استمر لقرون، وصلت بساطته وعفويته إلى أن بعضهم لا يعرف مذهب جاره، وبين النشاط «المؤدلج» الذي يرعاه نظام قم ويدعمه بالمليارات؛ طال في نشاطه كل الدول السنية ومثل خطرا واضحا على تناغمها المذهبي والعقدي، وأتمنى أن يسأل السيد هويدي عن نشاط إيران التبشيري في الدول الأفريقية السنية وفي إندونيسيا، أعتذر عن هذه الأمنية فالأستاذ هويدي موسوعة متحركة، فيستحيل أن يكون قد خفي عليه هذا النشاط الإيراني الشاهر الظاهر.

الكرة في ملعب السيد فهمي هويدي الذي أوسع التيار السلفي وعلماء المملكة نقدا بسبب موقفهم من نظام إيران، لا أقول أن يتوقف عن هذا النقد فهو من أبسط حقوقه، ولكن أن يظهر ولو شيئا يسيرا من التوازن فيضع نظام إيران وحزب الله أيضا على مشرحة نقده، وهو الذي يعرف يقينا أنهما قد ولغا في الدم السوري ووقفا حجر عثرة دون تحقيق الشعب السوري لأبسط حقوقه. نريد من السيد هويدي أن يطلب من إيران أن تكف عن بث بذور فرقتها عبر نشاطها التبشيري في بلده وفي دول العالم السني، كما نادى بذلك الأزهر والقرضاوي وليس السلفيين فحسب، حينها سنفهم فهمي هويدي ..

عبدالله هادي
29-04-2013, 07:08 AM
حمد الماجد
الظالم والمظلوم


«إيران وحزب الله يتحملان مسؤولية كل سوري يقتل وكل بيت يدمر وكل شجرة تقطع»، «الشيعة في سوريا ليسوا بحاجة إلى مناصرتنا، فأنا أضمن سلامتهم إذا لم نقف بجانب بشار»، «حجارة السيدة زينب ليست بحاجة إلى من يحميها، وهل السُنة أصلا بيكرهوا السيدة زينب وإحنا اللي بنحبها؟!!»، «حزب الله يتستر خلف نصرة الشيعة ليحمي نظام بشار الذي يقتل شعبه بكل أنواع الأسلحة ولم يوجه صاروخا واحدا إلى إسرائيل»، «كان بمقدورنا كشيعة أن نجنب شيعة سوريا وشيعة لبنان وشيعة المنطقة صراعا طائفيا خطيرا».

هذه مقتطفات لافتة ومثيرة وجريئة لم يقُلها قيادي (شيعي سابق) يدعو إلى مراجعة التشيع فغير نظراته السياسية بناء على تغيير في مراجعاته العقائدية، بل هي أقوال لأحد أعمدة حزب الله اللبناني وأحد مؤسسيه وأول أمين للحزب، الشيخ صبحي الطفيلي (راجع «يوتيوب»: مؤسس حزب الله: جنودنا في سوريا إلى جهنم).

صحيح أن في خلفيات الموضوع خلافا حزبيا حادا للشيخ صبحي مع حزب الله، ومع نظام إيران، لكنه بالتأكيد ليس خلافا آيديولوجيا حمل السيد صبحي على مراجعات عقائدية تلتها مراجعات سياسية، بل ما برح السيد صبحي ناشطا دعويا بين أبناء طائفته بعد أن فارق حزب الله واختلف معه، فتفرغ للدعوة والوعظ خاصة بين الفقراء منهم في منطقتي بعلبك الهرمل، وأنشأ حوزة عين بورضاي في منطقة البقاع اللبنانية، وما زال يزين مكتبه بصورة الخميني الزعيم الثوري الإيراني.

تكمن أهمية تصريحات الشيخ الطفيلي في أنها صدرت من صوت مؤثر من داخل الطائفة الشيعية، فمعظم الأفكار التي طرحها الطفيلي سبق أن تحدثنا عنها وتحدث عنها عدد من السياسيين والمثقفين والكتاب في العالم العربي، وقلنا وقالوا: إن تورط نظام إيران وحزب الله في دعم نظام بشار يقود المنطقة إلى حافة صراع طائفي مدمر، لكننا للأسف دوما نواجه من يشهر في وجوهنا «الكرت الطائفي»، لكن حين تصدر هذه التحذيرات المنطقية والنقد العقلاني لسياسة إيران في سوريا ومعها ذراعها اللبنانية حزب الله من شخصية شيعية لها وزنها العلمي والحزبي فهو حافز لعقلاء الشيعة وعلمائها وقياداتها ورموزها في كل المنطقة أولا أن يكون لهم موقف مستقل وواضح في إدانة نظام بشار ومنح الشعب السوري الحق الكامل في التخلص من نظامه الدموي، وثانيا أن يمارسوا ضغطا مماثلا لموقف الشيخ الطفيلي لثني النظام الإيراني عن سياسته المضرة، ليس نصرة للشعب السوري المكلوم فحسب، بل أيضا نصرة وحماية للطائفة الشيعية في سوريا، التي ورطتها القيادة الإيرانية وحزب الله ووضعتها في مأزق حرج مع الغالبية السنية.

فمثل هذا الموقف العقلاني المنطقي للشيخ الطفيلي لو تبناه المنصفون من رموز الطائفة الشيعية سيصب أيضا لصالح السُنة والشيعة في كل المنطقة، فالسياسة الإيرانية هي المسؤولة بالدرجة الأولى، كما يقول الطفيلي، عن توتير الأجواء الطائفية في دول الشرق الأوسط بدرجة غليان غير مسبوقة، وما زال الوقت ممكنا لنزع هذا الفتيل الخطر، وتجنيب المنطقة كلها، سنتها وشيعتها، مخاطر فتنة طائفية لا تبقي ولا تذر.

عبدالله هادي
29-04-2013, 07:10 AM
حمد الماجد
هل عقمت مصر أن تلد رموزا..؟


قال لي صاحبي: «ما الذي دهى مصر، وهي مصنع الكفاءات والرحم الولود للرموز والقادة، فافتقرت لتوليد قادة من الوزن الثقيل، حتى إنها لم تجد في التسعين مليونا رئيسا للوزراء سوى هذا الشاب الطيب الساكن الهادئ الوديع؟ رئاسة الوزراء في بلد مثل مصر منصب رفيع يحتاج إلى شخص رفيع مكتنز بالكاريزما وقوة الشخصية والحزم والهيبة، باختصار «مالي هدومه» كما يقول إخواننا المصريون. بل إن (الإخوان المسلمين)، وهم ذوو امتداد شعبي عريض ويتبع حركتهم عشرات الألوف من الأتباع والكوادر المدربة، لم يجدوا في أعضائهم شخصية كاريزمية قوية مهيبة من العيار الثقيل لتولي منصب رئاسة الجمهورية، باستثناء خيرت الشاطر رجل الجماعة القوي، وأبو الفتوح الذي ترك جماعته أو تركوه». قلتُ له: هي أزمة «رموز» تواجهها أغلب الدول العربية، بل في كثير من دول العالم وليس مصر وحدها.

دعونا نمكث في مصر قبل أن نطوف عالميا لنثبت «جُدْبَ الرموز» كمشكلة عالمية، فثورة 1952، قدمت قيادات من الوزن الثقيل تركت بصماتها المؤثرة، بغض النظر هل تتفقون معهم أم تختلفون، تحبونهم أم تكرهونهم.. فالمقال لا يهدف إلى تصويب أحد أو تخطئته بقدر ما يعنينا حضوره وتأثيره وكاريزميته فقط. وهذا ما يشترك فيه الصالح والطالح، فالثورة المصرية التي أطاحت بالملكية دفعت إلى الواجهة بأسماء مؤثرة جدا مثل جمال عبد الناصر وأنور السادات وحتى حسني مبارك. وفي الأحزاب المصرية الأخرى، مثل حزب الوفد، كانت سماؤها تزخر بأسماء تاريخية من الوزن الثقيل من أمثال سعد زغلول ومصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين. لكن الآن لا ترى في أحزاب المعارضة المصرية إلا قيادات بوزن لا يقارن بوزن من سبق ذكرهم!

بل افتقدت مصر الحديثة جيل العمالقة في كل الفنون والتخصصات. أين الكوكبة المؤثرة من أسماء شيوخ الأزهر وعلمائه في أيامنا هذه من أمثال محمد الخضر حسين ومحمود شلتوت وأبو زهرة وعبد الحليم محمود؟ أين الأدباء في زمننا هذا في مستوى عمالقة الأدب العربي في الجيل الذهبي المصري: طه حسين والعقاد وسيد قطب والرافعي والمنفلوطي وأحمد شوقي أو من يقاربونهم؟ قال صديقي: «بل حتى في عالم الرياضة لم تستطع مصر أن تلد مثل حسن شحاتة وأبو جريشة ومحمود الخطيب وشوبير. وأما الفن المصري، أحببتموه أم كرهتموه، فقد عقمت مصر أن تنجب مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم والسنباطي وبليغ حمدي».

وفي عالم الإسلاميين المصري، لم تستطع جماعة الإخوان أن تلد قيادات في قامة رعيلها الأول من أمثال حسن البنا الذي توفي شابا على عتبة الأربعين وله إلى هذا الوقت وهج وصيت وتأثير، وتلامذته حسن الهضيبي والسيد سابق وعمر التلمساني ومحمد الغزالي، وحتى القرضاوي الذي ينتمي إلى ذاك الجيل. أقصد أنك لو سألت مختصا في الجماعات الإسلامية المصرية: من في علماء «الإخوان» يستطيع أن يسد مسد رمزهم القرضاوي في مصر؟.. لحار جوابا.

اللافت في هذا الشأن أن مصر ما بعد ثورة 1952 وسكانها نحو 20 مليونا كانت مكتنزة بالرموز المؤثرة في شتى المجالات. ومصر بعدد سكانها الذي يلامس التسعين مليونا الآن أقل إنجابا للرموز في وقت هي في أمس الحاجة فيه إليهم. هذه الظاهرة، كما قلت في أول حديثي، ليست حكرا على مصر، بل تكاد تنسحب على كل دولة عربية، وتتعداها إلى أن تكون ظاهرة عالمية.
وللحديث عنها بقية..

عبدالله هادي
29-04-2013, 07:11 AM
طارق الحميد
لماذا لا يرحل المالكي....؟



ها هو رئيس الوزراء العراقي يسير على خطى جاره وحليفه الطائفي بشار الأسد، حيث تقوم قواته بقتل المتظاهرين العراقيين ثم يطالب بالحوار، محذرا من الطائفية و«القاعدة»، بعد أن كان المالكي يحاضر في الربيع العربي، ويعطي الدروس للبحرين والخليج، كما كان الأسد يفعل أيام الثورة المصرية، وشماتته بالرئيس السابق مبارك.

والحقيقة أن لا فارق بين المالكي والأسد؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة، حيث يحاولان التذاكي سياسيا، وكلاهما حليف لإيران، ويلعبان على ورقة الطائفية، ويريدان الحكم ولو بإراقة الدماء وتخويف الآخرين من الطائفية و«القاعدة» والمخططات الخارجية، وكأنهما، المالكي والأسد، يقرآن من كتاب واحد! ولذا فإن ما يحدث في العراق وسوريا الآن أمر طبيعي ونتيجة حتمية لأخطاء متراكمة من الإقصاء والكذب السياسي، واللعب بكل الأوراق، المحرم منها وغير المحرم.

وقد كان بمقدور المالكي نزع فتيل أزمة بلاده منذ فترة ليست بالقصيرة، وذلك بإيقاف الإقصاء، والامتناع عن تأجيج المكونات العراقية بعضها ضد بعض، أو الرحيل عن الحكم، لكن المالكي لم يفعل ذلك، لأنه مكبل بمشروعه الذي لا يسمح له بالتصرف كرجل دولة، وهو المشروع الطائفي الذي ترعاه إيران في العراق، ونتج عنه تحول المالكي بين عشية وضحاها إلى حليف للأسد!

إشكالية المالكي، وغيره من دول الربيع العربي، وتحديدا الإخوان المسلمين، أنهم لم يتعلموا الدرس الواضح في تاريخ منطقتنا الحديث، وهو أن الإقصاء أمر مستحيل، وغير قابل للتنفيذ مهما طال الترهيب والإقصاء الذي يمثل استنزافا لطاقات أي بلد، وقد جرب صدام حسين ذلك ولم يفلح، وجرب غيره وانتهوا إلى ما انتهوا إليه. وها هو المالكي يحاول اليوم تكرار ذلك بالعراق، ولن يفلح أيضا، لأن ما يصبو إليه أمر غير قابل للتنفيذ، مهما سعت إيران لجعل بغداد مسرحا لنفوذها في المنطقة، خصوصا بعد انتهاء دور نظام الأسد، الذي جرب أيضا خدمة إيران طوال أربعة عقود وها هو يصل لمرحلة النهاية المتوقعة.

وخطأ المالكي يكمن في أنه يريد تجريب المجرب بالمنطقة، وفي الوقت الضائع، وهذا عبث بحد ذاته، وخصوصا أن أمام إيران استحقاقات حاسمة، كما أن نظام الأسد الآن إلى أفول حتمي، فكيف سيكون بمقدور المالكي الصمود وحيدا بمشروعه الطائفي الإقصائي؟!

ومن هنا، فإن إشكالية العراق، منذ سقوط نظام صدام، ليست الطائفية القادمة من الخارج، كما يحاول المالكي تصويرها، بل إن إشكالية العراق الحقيقية هي في الطائفية الداخلية التي تتأجج بسبب تصرفات النظام العراقي نفسه، وهو ما تكرس على يد حكومة المالكي، أكثر من أي وقت مضى.

ولذا، فإن عنف الدولة وترهيبها لن يقدما إلا مزيدا من الخراب والتدمير بحق أرض الرافدين، ولذلك فإن أنجع الحلول للعراق الآن، من أجل نزع فتيل الانفجار الكبير، هو أن يبادر المالكي نفسه بتقديم استقالته والرحيل عن الحكم، وحينها سيكون ذلك أفضل ما قدمه المالكي للعراق طوال حياته.

عبدالله هادي
29-04-2013, 07:12 AM
عبدالرحمن الراشد
الكماشة الإيرانية من الأنبار إلى القصير


في إقليم الأنبار، حيث ينتشر العصيان ضد حكومة نوري المالكي، يتساءل المرء عن أهمية فتح معركة كبيرة كان يمكن حسمها سياسيا بيسر من قبل بغداد؟ لا يوجد نفط في الأنبار، ولا مراكز قوى حقيقية، وليست سوى أرض بور أهلها غاضبون من اضطهاد المالكي المستمر لهم، وكان بإمكانه شخصيا حل قضاياهم بدلا من تقديم الوعود التي لم ينفذ منها شيئا، أو في أسوأ الأحوال كان يمكنه تجاهلها، بدلا من إرسال قواته لارتكاب مجازر بالمئات بحق متظاهرين عزل.

فتش عن السبب في رأس رئيس الوزراء، الذي يتضح مع مرور الوقت أنه يريد أن يحقق أهدافا خارج الخلاف المعلن بينه وبين المتظاهرين والمعتصمين. ففي الفخ أكبر من العصفور. المالكي، من جانب، يريد أن يظهر بمظهر حامي الشيعة بملاحقته السنة، لإضعاف منافسيه من الزعامات الشيعية التي تهدده سياسيا. لهذا، تعمد إقصاء ومطاردة خصومه السياسيين السنة وتجاهل خصومه الشيعة. ومن جانب آخر، المالكي حليف لإيران ويدفع بالعراق لمساندة النظام السوري. فقد فتح الأجواء، والأراضي العراقية، لمرور وعبور الدعم العسكري الإيراني الهائل للأسد. ومصادر تؤكد أنه موّل الأسد ماليا ولوجيستيا خلال الأشهر الماضية، وشاركت قواته في مقاتلة الثوار على الحدود أكثر من مرة. وهو الآن يشن حربا أكبر، هدفها محاصرة المنطقة الفاصلة للقضاء على الثورة السورية ومؤيديها على حدود بلاده وما وراءها.

ولا يمكن فهم الحماس الذي دب في حكومة المالكي لإرسال قواته إلى المناطق الغربية الشمالية، هذه المرة الثانية منذ تسلمه الحكم. الأولى، كانت ضد ميليشيات الصدر تحت عنوان «صولة الفرسان» قبل ست سنوات، وقاتله الصدريون تحت شعار محاربة ميليشيات الدعوة والمخابرات الإيرانية. لا يمكن فهم حماس المالكي لإسالة المزيد من الدماء إلا في إطار التحالف الوثيق مع النظام الإيراني! إنه يقوم بعمل مواز لما يفعله الوكيل الثاني لإيران، حسن نصر الله الذي جند ميليشياته للقتال إلى جانب قوات الأسد لإخماد الثورة في سوريا، وخاصة في القصير وريف حمص وحتى المناطق الحدودية مع لبنان. لذا، يبدو أننا أمام حليفين لطهران يقاتلان إلى جانب الأسد على الجبهتين السوريتين الشرقية الجنوبية، والغربية، أي العراق ولبنان.

إلا أن نجاح الكماشة الإيرانية هذه ضد الشعب السوري مرهون بقدرة الأسد على البقاء صامدا في دمشق للأشهر المقبلة، أمر مستبعد مع تقدم الثوار بإصرار باتجاه العاصمة من حلب ودرعا. وهذا يعيدنا للسؤال السابق، إذن لماذا يورط المالكي نفسه في حرب، الأرجح أنها خاسرة؟ لاحظنا أن كل خطب المالكي ومقابلاته الأخيرة مسكونة بالموضوع السوري ومصير نظام الأسد، وتتناغم مع التصريحات الإيرانية، مما يوحي بأنه ملتزم مع حليفه الإيراني مساندة الأسد بإرسال قواته إلى المناطق العراقية المضطربة وحتى ما وراء الحدود إلى الداخل السوري. إنه يعتقد، مثل الإيرانيين، أن سقوط نظام الأسد، وقيام نظام معاد لإيران بديل في دمشق، يمثل جبهة حرب ضده وإيران وحزب الله. الحرس الثوري في إيران اعترف بأن سقوط سوريا هو بمثابة سقوط طهران. المعنى هنا أن الهزيمة ستؤذن بفتح أبواب جهنم على النظام الإيراني، ستفتح عليهم ثورة داخلية وخارجية. أو هكذا يصورها أحد قادة الحرس الثوري عندما برر المشاركة العسكرية الضخمة لإيران في إنقاذ نظام الأسد من الانهيار.

عبدالله هادي
29-04-2013, 07:13 AM
علي سالم
جمعة تطهير القضاء من القضاة


ابتداء، أسجل اعتراضي بأقوى الكلمات، على استخدام كلمة تطهير في العمل السياسي بوجه عام؛ إذ هي كلمة سيئة السمعة، تاريخيا، ومدانة ومرفوضة، ولم تعد تستخدم إلا في قسم الحوادث بالمستشفيات العامة لتطهير جروح المصابين. وباستخدام هذه الكلمة هتافا وشعارا لمظاهرة، وعندما يكون موضوعها هو قضاء مصر وقضاتها، فإن الجهة صاحبة المظاهرة والهتاف والشعار تعلن عن جهل يصعب وصفه بأحداث التاريخ القديم والوسيط والمعاصر، كما تعلن عن عجزها الفاضح عن الاستفادة من دروسه.

بدأت الحكاية بتصريح للشيخ عاكف مرشد جماعة الإخوان السابق يعلن فيه أن هناك نحو 3500 قاض سيتم تفويرهم، أي التخلص منهم. كلمة تفوير كانت تستخدم في العامية المصرية بمعنى الطرد من العمل. إنها تعني كلمة «إنهاء» أي «التفنيش» المستخدمة في المنطقة العربية. مجرد استخدام كلمة تفوير يشكل إهانة واضحة للقضاء والقضاة، كان من السهل عليه استخدام تعبير «الاستغناء عن خدمات» غير أنه لم يفعل، وفي التفاصيل كان المطلوب هو إنهاء خدمة القضاة الذين تخطوا الستين من أعمارهم، وهو ما يتطلب إصدار قانون جديد من مجلس الشورى الذي تشير عليه الحكومة أو الجماعة بما يجب أن يفعله.

الهدف من القانون الجديد هو التخلص دفعة واحدة من هذا العدد الكبير من القضاة، ثم الاستفادة من خلو أماكنهم بتعيين من يرونه مفيدا أكثر للحكومة. ثارت كل الأحزاب عقب هذا التصريح الذي لم ينفه أو يستنكره أحد في الحكومة، ولكن والحق يقال سارعت الحكومة بإصدار عدة تصريحات تقول فيها إنها تحترم القضاة والقضاء، غير أن المصريين جميعا كانوا على يقين أنه من الممكن أن تفصل شخصا ما من عمله وأن تحترمه في الوقت نفسه، أي إن الاحترام لا يتعارض مع التفوير. حتى هؤلاء الذين يقطعون عليك الطريق ويستولون على سيارتك وأموالك، هم بالتأكيد يكنون لك قدرا كبيرا من الاحترام غير أنهم للأسف في حاجة ماسة للاعتداء عليك. شعر القضاة كما شعرت كل الجماعات والأحزاب السياسية بالغضب وقرر القضاة الاجتماع بدعوة من نادي القضاة وذلك ردا على الحكومة التي سيرت في الشارع مليونية تطهير القضاء، وفي الاجتماع عرض المستشار الزند رئيس النادي مشاهد بالفيديو لحصار سابق لدار القضاء. المشاهد كانت تحفل بشتائم مروعة.

هكذا نزل إلى الشارع عشرات الألوف من القاهريين والقادمين من الأقاليم تلبية لدعوة الحكومة، وكان من المستحيل على أحزاب المعارضة وبقية الجماعات السياسية مواجهة هذه الجحافل. لذلك اكتفوا باجتماع يحضره مندوبون عنهم في دار جمعية الشبان المسلمين، أعيد تذكيرك بأن الدار التي اجتمعوا فيها تسمى جمعية الشبان المسلمين وليس الشبان الذين لا دين لهم. اجتمعوا لممارسة الفن الوحيد الذي نجيده وهو الكلام. في ذلك الوقت كانت الجبهة الأخرى التي تطالب بتطهير القضاء، كانت محتشدة في ميدان التحرير، وظهر بينهم صارخ يصرخ: ياللا على جمعية الشبان المسلمين.. الأعداء هناك.

هكذا اندفع عشرات ألوف البشر لمحاصرة دار الشبان المسلمين، غير أن الشرطة تمكنت من حماية الموجودين بداخلها من الفتك بهم. الجديد في الأمر هذه المرة هو الإنعام على هذه الجحافل بلقب (المجهولين) والعناصر المجهولة، كل العناصر التي قامت بالاحتشاد والتظاهر من قبل كانت معروفة ما عدا هذه المرة التي أصدرت فيها الحكومة الأوامر لعناصرها المجهولة بالنزول إلى الشارع لإهانة القضاء تمهيدا لتفوير القضاة المراد تفويرهم.

حوصرت دار الشبان المسلمين وحوصرت القيادات الحزبية بداخلها، وفي حالات الحصار يشعر الإنسان بالاختناق والخوف مما قد يحدث له، لذلك يفكر في الخروج من المكان بأي طريقة ومهما كانت خسائره. لا بد أن الكاتب الصحافي الأستاذ نبيل زكي اليساري المرموق قرر الخروج من الدار، لا خوف عليه من الجماهير، هذه هي الجماهير التي أنفق عمره ومداد قلمه في الدفاع عنها، أي كاتب يساري وخاصة عندما يكون صاحب سجل نضالي ناصع البياض سيفكر على هذا النحو، لست أخشى الجماهير لأنها واعية وتعرف من هم هؤلاء الكتاب الذين دافعوا عنها في مواجهة كل أنواع الاستبداد. وخرج الرجل من الدار، وبعد لحظات صاح صائح طبقا لأقوال نبيل المنشورة: نبيل زكي الكاتب اليساري أهو..

وبدأ حفل الضرب، انهالوا على الرجل ضربا، واستطاع ضابط مباحث قسم الدقي الإفلات به منهم، غير أنهم تمكنوا من استعادته مرة أخرى بخدعة أصبحت معروفة الآن في حفلات الضرب في المظاهرات السلمية؛ يقترب منك أحد الناس غاضبا ورافضا ما حدث لك ويعرض عليك أن يساعدك في الابتعاد من طرق يعرفها، ولأنك غريق يستنجد بقشة فستمشي معه لتجد نفسك مرة أخرى وسط الجماهير المستمتعة بضربك وتدمير سيارتك.

لعشرات السنين كانت كلمة (الجماهير) هي نقطة خلافي الوحيد مع زملائي في اليسار بأطيافه، كنت أرى دائما أن الجماهير في حالة الاحتشاد العاطفي الغاضب في الشارع أكثر إخلاصا واستجابة وحبا لمن يدعوهم إلى الفتك بالآخرين.

لماذا لم تتمكن الشرطة من فك الحصار حول جمعية الشبان المسلمين؟ كانت وجهة نظرهم هي: نحن قادرون فقط بأعدادنا القليلة نسبيا على حماية المحاصرين، أما عندما نخرج بهم فسنفشل حتما في حمايتهم في مواجهة عشرات ألوف البشر.. ربما يتم تمزيقهم بين أيدينا، لذلك لا بد من مرور الوقت الكافي لانصراف عدد كبير منهم وتغير الموقف على الأرض. المشهد يذكرني هنا بعصر المماليك، كل البيوت كانت لها سراديب (أنفاق) تحت الأرض، عندما يحدث حصار لأهل البيت وتتأخر عنهم نجدة الأصدقاء، كانوا ينزلون إلى هذه السراديب الطويلة التي تخرج بهم إلى مكان آمن. أعتقد أن هذه هي الطريقة الوحيدة لحماية الشخصيات العامة عندما يتعرضون للحصار. مشاكلنا في حاجة إلى استخدام الخيال، على أساتذة هندسة البناء، استخدام كود جديد هو كود السراديب، تماما ككود الزلازل.

هناك في أجهزة الشرطة الأميركية على الأقل شخص يسمى الــ(profiler) إنه راسم الملامح، هو يقوم بدراسة مسرح الجريمة ثم يرسم بما له من خبرة ملامح الفاعل. من هو ذلك الشخص الذي يهين القضاة علنا؟

بالتأكيد هو شخص عانى من الشرطة ورجال المباحث كثيرا، ثم وصلت معاناته إلى السقف عندما كان القاضي يحكم عليه بالسجن عقابا له على جرائمه المتكررة. هو يحلم بعالم بغير شرطة وبغير قضاة، عالم يستطيع فيه الإنسان أن يسرق وأن يقتل وأن ينهب بغير أن يذهب به أحد إلى المحكمة.

عبدالله هادي
29-04-2013, 07:18 AM
رضوان السيد
الصراع على سوريا والرهان الإيراني


غص المشهد في سوريا ومن حولها هذا الأسبوع بالدم والدمع والتزييف الكثير، والخطط الشديدة الهول والرهبة. وما بقي طرف إلا وأدلى بدلوه، وليس من باب الحرص على إنقاذ سوريا؛ بل من أجل الولوغ في دماء الشعب السوري ومأساته. وفي هذا الصد، فإن هذا «الولوغ» ما اقتصر على الخامنئي ونصر الله والروس الأشاوس؛ بل شمل حتى الأخضر الإبراهيمي، المندوب العربي - الدولي المكلف بإيجاد حل للأزمة، الذي أورد إحصائية «دقيقة» بالطبع للمتشددين والإرهابيين في سوريا، الذين بلغوا، في حساباته بالغة الاعتدال، الأربعين ألفا عدّا ونقدا! لقد دوخ أسامة بن لادن الولايات المتحدة والعالم على مدى عقد من الزمان بـ«جهاديين» بلغ عددهم في أقصى التقديرات الأميركية السبعة آلاف، ولو كان في سوريا الثائرة من هؤلاء «المتطرفين والإرهابيين» عشرة آلاف، لما احتاج الشعب السوري إلى وساطته، ولا تمكن نصر الله والروس وميليشيا أبو الفضل العباس من الدخول إلى سوريا والقتال ضد شعبها!

لكن الإبراهيمي وأمثاله معذورون، فكما يقول المثل العربي القديم: «ليست الثكلى كالمستأجرة»! فالرجل يبحث عن نجاح، وقد حسب منذ اللحظة الأولى أن نجاحه مرتبط بتسوية يكون الأسد طرفها الأبرز والأقوى. وشجعه على هذا الاعتقاد ثلاثة أمور: إصرار الروس والإيرانيين على بقاء الأسد، وحرص الإسرائيليين والأميركيين على النظام السوري أيضا وإن لأسباب مختلفة، واشتهار الجامعة العربية بالعجز عن اتخاذ سياسات حازمة في الأزمات العربية الكبرى. وقد صدق حدسه في الأمرين الأولين، وفوجئ بالخيبة في التوقع الثالث. فقد اتخذت الجامعة العربية قرارات متتالية لعزل النظام السوري وضرب شرعيته وقدراته، وكان آخرها في قمة الدوحة: إعطاء مقعد سوريا بالجامعة للمعارضة السورية، واستحثاث الدول العربية والمجتمع الدولي على إمداد المعارضة السورية بالسلاح الذي يمكنها من تغيير الموازين، والتخلص من النظام القاتل! وعلى أثر ذلك اعتبر الإبراهيمي أن العرب تخلوا عن محاولات التفاوض ولم يعودوا بحاجة إليه، ولذا، فقد قال للأمين العام للجامعة العربية وللأمين العام للأمم المتحدة إنه إذا كان لا بد من بقائه، فليكن مندوبا دوليا، وليعف من وكالته عن الجامعة العربية التي تجاوزته.

لماذا هذا الاستطراد الطويل في تتبع مواقف الإبراهيمي؟ لأن «مقولة» الإبراهيمي هذه هي المظهر أو الجانب الأول الذي يكافح به المعروفون بالمجتمع الدولي الثورة في سوريا. ويبلغ من قوة هذه المقولة أنها أحدثت اضطرابا في الائتلاف والمجلس الوطني، ودفعت لإصدار بيانات شبه يومية عن التبرؤ من التطرف والإرهاب، واصطنعت أعذارا لأنصار الأسد بالداخل السوري وبلبنان من الأقليات ومن المرتبطين بمصالح مع النظام في سوريا، واستطرادا مع الإدارة الإيرانية بلبنان والعراق.

على أن الجانب الإيراني يبقى هو الأهم.. فـ«إيران الولي الفقيه» تقاتل بكل قواها على جبهة النظام السوري منذ عام. وإلى جانب الدعم بالمال والعتاد والخبراء، جاء الدعم بالمقاتلين من عراق المالكي، وحزب الله بلبنان. ويقول الإيرانيون علنا إن سوريا الأسد عزيزة عليهم مثل إحدى محافظاتهم أو أكثر. وقد قال حسن نصر الله قبل أشهر في اجتماع للقيادة العسكرية للحزب عندما ارتفعت الشكوى من تزايد القتل في صفوفهم بسوريا: «إننا نقاتل بالقصير ودمشق حتى لا نضطر للقتال على أبواب النجف وقم»!! ولا أحد يدري لماذا هذا الإصرار على تصوير الأمر باعتبار أن الشيعة جميعا يواجهون تحديا مصيريا أو وجوديا إذا سقط النظام الأسدي في سوريا. ومتى كان السنة بلبنان أو في سوريا أو بالعراق يضعون بين اهتماماتهم الحملة على الشيعة؟ ثم متى اعتبر الشيعة العرب أنفسهم قلة معرضة للاضطهاد والتصفية، بحيث تضطر للاستماتة حتى في الدفاع عن المزارات مثلما يحصل الآن بشأن مزار السيدة زينب بدمشق؟!

لا شك أن هناك متعصبين من السنة والشيعة، وما كان هؤلاء موجودين بلبنان ولا حتى بالعراق. وقد أدت أحداث العقد الماضي إلى ظهورهم في كل مكان، فتحقق ما عجزت الحرب العراقية - الإيرانية عن تحقيقه في الثمانينات من القرن الماضي. إنما في العقد الأخير، وسط الظهور والغلبة الإيرانية بمنطقة المشرق العربي على الخصوص، كان الإيرانيون حريصين بالفعل (رغم التربية الطائفية للكوادر والعامة في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والقطيف وصعدة) على عدم الظهور بمظهر طائفي أو مذهبي، خاصة أنهم يحملون شعارات الأكثرية العربية السنية بشأن فلسطين، وبشأن طرد الإمبريالية من المنطقة. لكن هذا المنطق أو المظهر تحول بالاتجاه المعاكس وفي سائر مناطق النفوذ الإيراني: الشيعة - بحسب إيران - يواجهون أخطار الإبادة أو الاستضعاف والاستتباع على الأقل، بسبب الصعود الأصولي والتطرف في أوساط أهل السنة.. فعلى الشيعة الاستقتال لمواجهة هذه الموجة، وإيران بصفتها راعية التشيع تتسلم زمام القيادة في هذه المواجهة المصيرية!

إن الحقيقة أن إيران تجد نفسها في السنوات الثلاث الأخيرة في مواقع الدفاع: بسبب النووي وحصاراته، وبسبب الاضطراب القائم عليها في سائر مناطق نفوذها. ولذلك فهي تستميت بكل الوسائل (بما في ذلك الوسيلة الطائفية والمذهبية) للثبات في كل المواقع، وحساباتها في هذا الاستقتال، تستند إلى أمرين اثنين: تجنب إظهار الضعف أو الضيق لكي لا يجري استضعافها أو الاستهانة بها في التفاوض أو الحرب، والرهان على أن هذا «الثبات» في اللحظات الحاسمة، سيدفع الآخرين من الغربيين والعرب إلى التنازل أو التراجع كما حصل من قبل مرارا. فهي تناكف الولايات المتحدة منذ عقود، وتحصل في كل جولة على قسط وافر من مطالبها. وقد حصلت في العقد الأخير على أكثر مما طلبته. وهي تعلم أنه لن يسمح لها بالنووي السلمي أو الحربي مهما تطلب الأمر، وليس بسبب إسرائيل فقط؛ بل وبسبب التوازن الدولي والإقليمي. ولذا، فقد تكون حساباتها في النهاية تثبيت مواقعها في العراق. لكن حتى في هذا الموقع، لديها التقابل والتنافس مع الأتراك، والكيانية الكردية، وإمكان استمرار التصارع بين الشيعة والسنة.. ثم إنها بهذا السلوك الانتحاري في سوريا (ولبنان) توشك أن تخسر أكبر تجارب نجاحها في الخارج: تجربة حزب الله. وهكذا، فحتى لو تنازلت أميركا عما دون النووي؛ فإن النفوذ العسكري والأمني الإيراني المسلح في المشرق العربي، ليس له مستقبل. ونتيجته الوحيدة مزيد من الشقاء والانقسامات في المشرق العربي، ومزيد من الاستتباع للقوى الدولية! فكل أسبوع تقريبا يلتقي الأميركي والروسي للاتفاق على مستقبل سوريا العربية.. والإيراني يقول لنا إنه يدافع عن نظام الممانعة، ويقول لأتباعه إنه يدافع عن وجودهم في وجه التطرف السني!

ومن أجل استكمال المشهد المقلوب، نذكر بشار الأسد، وهو يتوجه إلى أنصاره من اللبنانيين الذين زاروه في «قصر المهاجرين» بدمشق، بالقول: «السنة طيبون وعروبيون وليسوا طائفيين»! انظروا من يشهد ولمن! السنة هم العرب، فمن أنت؟ سنظل نؤمن بهذه الأمة، ونأبى التنكر لها تحت أي شعار؛

ورائدنا قول شاعر العربية الأكبر أبو الطيب المتنبي:

وكيف ترجي الروم والروس هدمها

وذا الطعن آساس لها ودعائم

عبدالله هادي
30-04-2013, 06:39 AM
مشاري الذايدي
تحالف «شاذ» ضد سوريا!



أريدك، أيها القارئ الكريم أن تتأمل معي في هذه الأخبار والتعليقات، التي قد يبدو أنه لا يوجد جامع يجمعها أو ناظم ينتظمها، في بداية الأمر:

* جوهر تسارنايف، الصبي الشيشاني – الأميركي، المتهم مع شقيقه تامرلان، كتب آخر تعليق له على موقع «فيس بوك» قبل أن يقبض عليه مصابا إصابات بليغة، وهو ملقى تحت قارب صيد مقلوب في بيت مواطن أميركي.

الصفحة أنشأها جوهر الخميس السابق للقبض عليه على «فيس بوك»، جاء فيها: «هذه آخر رسالة لي قبل أن يتم القبض عليّ؛ لم أقم بهذه الفعلة مطلقا». وأكد جوهر في رسالته: «هم من أوقعوا بي في هذا العمل، أبي أرجوك سامحني، أنا آسف إنها وصلت إلى هذا الحد».

* نفت قيادة مجاهدي ولاية داغستان أن تكون لها أي صلة بتفجيرات بوسطن الأخيرة، والتي وُجه الاتهام خلالها إلى شخصين من جمهورية الشيشان.

وجاء في البيان الرسمي للجماعة: «تعلن قيادة مجاهدي ولاية داغستان عدم قيام أي من أفرادها المقاتلين في القوقاز بأي أنشطة عسكرية أو إرهابية ضد الولايات المتحدة الأميركية، وأن الحركة تحارب روسيا فقط»، مضيفة أن على الإعلام الأميركي والأجهزة الأميركية ألا تقع في الفخ الروسي المنصوب من قبل «الأجهزة» الروسية.

* الزعيم السياسي الدرزي اللبناني، وليد جنبلاط، تناول في حديثه الأسبوعي لجريدة «الأنباء» الصادرة عن حزبه، ضمن تعليقات أخرى، رأيه في «توقيت» تفجيرات ماراثون بوسطن. قائلا: «بعيدا عن نظريّة المؤامرة التي ازدهرت في العالم العربي وتم استغلالها على مدى عقود، لكنها مصادفة غير بريئة أن تحدث تفجيرات بوسطن بعد أيام من تهديد الرئيس السوري وحديثه عن تنظيم القاعدة الذي تحوّل إلى تسمية مطاطية تُستحضر عند الطلب وهي بمثابة لغز كبير، خصوصا أن طلائع هذا التنظيم ترعرعت تحت جناح النظام السوري الذي استخدمها في العراق، وتحت أجنحة أنظمة إقليمية أخرى استخدمتها في أفغانستان والعراق».

* في المعلومات الأولية عن الشابين العربيين «السنيين» اللذين قبض عليهما في كندا بتهمة التخطيط لهجمات إرهابية في كندا، تم تسليط الضوء على انغماسهما في «الجهاد» السوري، وترديد أحدهما لأنشودة المطرب اللبناني المعتزل فضل شاكر عن الجهاد.

* ذكرت وكالة رويترز الخميس الماضي أن علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني، شقيق رئيس السلطة القضائية صادق، قال أثناء لقائه مع مساعد مجلس الاتحاد الروسي، إن لإيران وروسيا علاقات استراتيجية ومصالح مشتركة توجب متابعة التشاور بينهما، والعلاقة بين إيران وروسيا حسب وصفه علاقة: «تعاون مستدام وطويل الأمد».

* الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قال أثناء مقابلته لعصام الحداد مبعوث الرئيس المصري محمد مرسي إنه يخشى من نجاح المعارضة السورية لأن هذا «سيغير تاريخ المنطقة طويلا».

* في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي مقابلة أجرتها معه محطة تلفزيون (آر تي) الروسية، رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الانتقادات الغربية الموجهة إلى موسكو في شأن قضية الصراع في سوريا.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت موسكو ستعيد التفكير في موقفها من سوريا، بعد أن استخدمت حق النقض (الفيتو) ثلاث مرات في مجلس الأمن لتعطيل مشاريع قرارات يدعمها الغرب للضغط على سوريا، قال بوتين متسائلا: «ولماذا ينبغي لروسيا فقط أن تعيد تقييم موقفها؟ ربما يتعين على شركائنا في العملية التفاوضية إعادة تقييم مواقفهم». ولمَّح بوتين إلى أن الولايات المتحدة «تنتظر من المتشددين أن يساعدوا في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد»، قائلا إن تلك الدول «ستندم على ذلك». وقارن بوتين بين الوضع في سوريا وما حدث في أفغانستان.

* في مارس (آذار) 2012 ذكر سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي في حديث إلى إذاعة «كوميرسانت - إف إم» الروسية، كلاما هو الأكثر صراحة وتعبيرا عن بواعث الموقف الروسي تجاه المسألة السورية.. قائلا لمحاوره: «أنت قلت إن موقفنا من سوريا يختلف عما يفكرون به في الغرب مثلا. وأنت تعرف بالذات أنهم يفكرون هناك بشكل لا يختلف أبدا عما نورده في موقفنا. هناك يفكرون بالأسلوب ذاته بدقة تماما. والاختلاف هائل بين ما يناقشونه بهدوء في سكون المكاتب وهيئات الأركان العامة، وما يقال علنا في العواصم ذاتها».

* قبل أيام دعا الباحث والكاتب السياسي والمؤرخ الأميركي (دانيال بايبس) وهو من «المحافظين الجدد»، حكومة بلده والحكومات الغربية إلى تقديم الدعم للرئيس السوري بشار الأسد، قائلا في مقالة كتبها في موقع «ذا جويش برس» إن ذلك يحدث توازنا بينه وبين معارضيه ويمنع انتصارا للإسلاميين في سوريا. وكتب بايبس: «المنطق الذي دفعني لتقديم هذا الاقتراح النافر هو أن قوى الشر عندما تحارب بعضها البعض، تصبح أقل خطرا علينا، ما يجعلها أولا تركز على أوضاعها المحلية (...) القوى الغربية يجب أن تدفع الأعداء إلى طريق مسدود بينهم من خلال دعم الطرف الخاسر، لجعل الصراع بينهم يطول أكثر».

حسنا، ماذا نريد القول من إيراد هذه اللقطات السريعة؟

نريد أن نحاول رؤية مصدر الشلل والخلل في مقاربة أميركا ومعها المعسكر الغربي للأزمة السورية، وهي هنا من الوضوح بمكان، حسب تقديري، أن تجعلنا نفكر في هل تريد هذه الدول، فعلا، إسقاط نظام بشار واقتلاع «وظائفه» الإقليمية، أم هي مشغولة بمحاربة ما يسمى بجبهة النصرة، وتختزل كل المشهد السوري برمته في عدة مئات أو بضعة آلاف حتى من مقاتلي جبهة النصرة؟ بل وربما تحضر المشهد الآن لاستهدافات بطائرات (درون) لما بعد سقوط بشار، ومن هنا نفهم التحضيرات الأميركية في الأردن وتركيا.

هل هذا السلوك الاستراتيجي سلوك سطحي وارتجالي، أم هو مقصود بوعي عميق لدى القوى الغربية، ومعها إيران (بعملائها في العراق ولبنان) وروسيا؟

من هو الطرف المستفيد الأكبر من تسليط الضوء «الكامل» والوحيد على سوريا من نافذة «القاعدة»؟

هل إيران بريئة من هذا الاستخدام؟ وهل هي بريئة من التعامل مع «القاعدة»، واستخدامها سابقا؟

لا طبعا، كلنا نعرف أن قيادات «القاعدة»، من الزرقاوي إلى سيف العدل إلى سعد بن لادن، كلهم أقاموا في كنف الحرس الثوري الإيراني، وآخر هؤلاء الكويتي سليمان أبو غيث، ومن أخطر هؤلاء المقيمين في إيران، كان السعودي، صالح القرعاوي، الملقب بـ«نجم»، وهو أخطر قائد لـ«القاعدة» في السعودية بعد القائد الأول يوسف العييري، الذي قال لي شخص، يعرف ما يقول تماما، إنه، أي يوسف، هو ضابط الارتباط السري بين «قاعدة السعودية» وحزب الله اللبناني.

لقد تحدث عن هذه العلاقة الغريبة و«الشاذة» بين إيران ومجاميع «القاعدة» ومشتقاتها، خبير أميركي هو دانيال بايمان (أستاذ برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون) في دراسة بعنوان «تحالف مستبعد: علاقة إيران السرية بتنظيم القاعدة»، وأوضح بايمان في هذه الدراسة أن إيران تضفي على هذه العلاقة نوعا من السرية حتى لا تخسر الشيعة، ولا تستفز الغرب بشكل سافر.

وكثير منا يتذكر نصيحة أيمن الظواهري لأبي مصعب الزرقاوي، قائد «القاعدة» في العراق، بعدم التركيز على استهداف «الرافضة» حسب وصفه في العراق، والمصالح الإيرانية، والأهم تذكير الظواهري للزرقاوي، بإيواء إيران لعدد من المجاهدين، وأنهم «تحت يدها».

هنا، في خاتمة القول، لا نطرح أجوبة، بل نثير أسئلة وعلامات استفهام، حول طبيعة هذه «الطبخة» التي تجري بعيدا عن الأنظار، بين مكونات تبدو مختلفة في بعض القضايا عن بعضها، بل متنافرة (إيران والغرب، روسيا والغرب، «القاعدة» وإيران، حزب الدعوة و«القاعدة»، حزب الله وإسرائيل..) لكن كلها متفقة في التحليل الأخير على منع نجاح الثورة السورية، بوعي أو من دونه، واختزالها العنيد في مقاتلي «القاعدة»، والفرح، أو شبه الفرح، بوجودهم لتأكيد الرواية القائمة بقبح «أهل السنة» واستعصاء إدماجهم في العالم والتفاهم مع الغرب. حسب نظرية الإيراني الأميركي الباحث (ولي نصر).

سؤال أخير: أين العرب، خصوصا دول الخليج بقيادة السعودية، عن كل هذا، وماذا تريد روسيا بالفعل من المنطقة؟!

لعلنا نفكر معا في هذه الأسئلة، في مناسبة مقبلة.

عبدالله هادي
30-04-2013, 06:40 AM
طارق الحميد
تدعم «الإخوان» وتطالب بعلمانية..!


يبدو أن الحملة الدعائية الأسدية الساعية لترسيخ فكرة أن بديل الأسد هو «القاعدة» والإسلاميون في واشنطن باتت تأتي أكلها، ليس بسبب مصداقيتها، وإنما لأنها وافقت هوى لدى الإدارة الأميركية الباحثة عن أعذار لتبرير عدم تدخلها، رغم تجاوز الأسد للخطوط الحمراء التي وضعها أوباما، وهي عدم استخدام الأسلحة الكيماوية التي استخدمها الأسد بالفعل.

المحير أن واشنطن تريد ضمان نظام علماني بسوريا ليخلف الأسد وذلك لضمان حقوق الأقليات، وهناك أعذار أخرى، لكن الإدارة الأميركية الحالية هي من دعم الإخوان المسلمين في مصر، وتجاهلت حقوق الأقباط! وهي نفس الإدارة التي تريد نظاما علمانيا سوريا رغم دعمها لمن يدمر ويهمش العلمانية في تونس! وهي نفس الإدارة التي أقرت لـ«الإخوان» بالسلطة، وساهمت وتساهم بدعمهم رغم كل ما يفعلونه الآن، فكيف يمكن أن نفهم ذلك؟ وليس القصد هنا الدفاع عن المتطرفين أو الإسلاميين، فلا مجال للمزايدة، لكنها أسئلة مستحقة على إدارة أوباما الإجابة عنها، فما ندافع عنه هو حق تقرير المصير القائم على احترام الاتفاقيات، والدساتير، والأنظمة، وعدم الإقصاء، أو التطرف، وكذلك احترام قواعد اللعبة، وليس كما يفعل «إخوان» مصر اليوم!

والقصة لا تقف هنا، بل إن واشنطن شاركت في حرب الناتو بليبيا، ورغم وجود شبهة «القاعدة» القوية، حيث كان هناك مقاتلون وقيادات ليبية سبق لهم القتال مع متطرفين، وكان بعضهم في سجون القذافي، فلماذا كان الأمر مقبولا في ليبيا، وصار ممنوعا الآن في سوريا؟ علما بأن جرائم الأسد تدفع الحليم للتطرف، خصوصا مع تخاذل المجتمع الدولي، وتحديدا إدارة أوباما التي عجزت عن إنقاذ السوريين مما من شأنه دفعهم أكثر للارتماء حتى بأحضان الشيطان للتخلص من جرائم الأسد؟ فخطأ أوباما القاتل هو أن تردده في سوريا كان أحد أهم أسباب انضمام المتطرفين للثوار، حيث انعدام الحسم والدعم، بينما تقوم إيران وحزب الله بدعم الأسد بالمال والرجال والأسلحة، فهل كان الأميركيون ينتظرون، مثلا، أن يسلم السوريون للأسد؟ بالطبع لا، بل ستتأجج الطائفية، ويرتفع منسوب التطرف!

والخطأ الآخر القاتل لأوباما أن دعمه لمشروع «الإخوان» في مصر وتونس، خصوصا مع التأثير التركي الإخواني عليه، وهذه قصة أخرى، جعل أحلام الإسلاميين تكبر بالمنطقة، حيث أصبحوا، أي الإسلاميون، يلتحفون الآن بشعارات الديمقراطية التي كانوا يكفرونها فقط لاستغلال سذاجة واشنطن التي لم تمكن «الإخوان» وحسب، بل مكنت نوري المالكي، المحسوب على حزب الدعوة الإسلامي الشيعي، من السيطرة على العراق، فكيف نفسر تخوف أوباما من إسلاميي سوريا اليوم؟

ملخص القول: إن التردد الأميركي يعقِّد الأمور أكثر في سوريا، والمنطقة كلها، فكل ساعة تمضي مع تردد أوباما تعني أن القادم أسوأ على المجتمع الدولي، وسوريا والسوريين، وما يفعله الرئيس أوباما يوجب القول لعقلاء المنطقة إن عليهم أن يتذكروا دائما، وكلما سمعوا الإدارة الأميركية الحالية تردد عبارات الصداقة والتحالف، المثل الأميركي الشهير: «مع أصدقاء مثل هؤلاء من بحاجة إلى أعداء؟»!

عبدالله هادي
30-04-2013, 06:46 AM
عبدالرحمن الراشد
لماذا يؤيد «الإخوان» الأسد وإيران؟



الدكتور وليد الطبطبائي النائب الكويتي السابق، يكاد يكون الصوت اليتيم الذي استنكر موقف حكومة الإخوان المسلمين في مصر تجاه الثورة السورية، منتقدا التقارب «مع إيران الملطخة يدها بدماء الشعب السوري».

الطبطبائي قال: «عتبنا كبير على (الإخوان) بمصر، بسبب تخاذلهم تجاه الثورة السورية، وبسبب التقارب مع إيران سياسيا وسياحيا، وهي الملطخة يدها بدماء الشعب السوري».

وفي طهران، أعلنت وزارة الخارجية رسميا أنه تم الاتفاق مع حكومة الدكتور محمد مرسي على تبني الحل السياسي في سوريا، وأن المصالحة الوطنية هي الطريق الوحيد لحقن الدماء هناك!

لا يستحق الأمر عناء الرد، لأن الرأي العام العربي، من شدة غضبه، لن يرضى بالمساواة بين النظام السوري والشعب المذبوح، ولن يغفر لأي كان أن يفرض مصالحة بين القاتل والضحية.

حكومة مرسي تغامر بالانحياز إلى جانب إيران وروسيا، وتأخذ موقفا علنيا ينسجم مع خطاب النظام السوري، بالحديث عن مصالحة وطنية. مصر ليست مضطرة للخوض في دماء السوريين والوقوف إلى جانب إيران. كان بإمكانها الاستمرار في سياسة الصمت الغامض. نحن نعرف منذ عام تقريبا أن «الإخوان» في مصر ينظرون بارتياب إلى أن ما يحدث في سوريا هو من تدبير أميركي، وكان ذلك ينسجم مع موقف حركة حماس، التي اضطرت للهروب من دمشق، بعد أن اتسعت رقعة المعارك في سوريا، إلا أن حماس فضلت الصمت على المجاهرة بأي موقف، لأنها ستخسر دعم إيران لو انضمت إلى المجموعة المعادية للأسد، وقد اضطرت قبل أسبوعين إلى نفي أن تكون طرفا في المعارك هناك.

أيضا، كان موقف «الإخوان» من ثورة سوريا، منذ بداية تولي مرسي الحكم، غامضا؛ صمتهم وتعليقات الرئيس مرسي الشاجبة القليلة كانت توحي باصطفاف إخوان مصر مع إيران. وعندما طرح مرسي مشروعا للحل في سوريا، «الرباعية»؛ إيران وتركيا ومصر والسعودية، اعتبر محاولة لإنقاذ الأسد، واللجنة فشلت بسبب تغيب السعودية المتكرر. ثم طرح مشروع مات في مهده، بإرسال قوات سلام عربية، قوبل بالسخرية من الطرفين؛ النظام السوري والمعارضة.

وسواء كان التأييد سرا أو جهرا، فإن السؤال: لماذا يساند إخوان مصر مثلث الشر؛ سوريا روسيا إيران، ويتجاهلون رفاقهم الإخوان المسلمين في سوريا، الذين هم على الضفة الأخرى من الحرب؟

السبب يكمن في الحلف القديم الوثيق مع ثورة آية الله الخميني، التي ارتبط بها إخوان مصر لثلاثين عاما لم تنقطع. وأعتقد أنها المؤثر الأعظم في فكرهم، وتنظيمهم، ولها الفضل عليهم خلال مواجهاتهم لنظام مبارك. وكان ذلك السبب الرئيس وراء الخلاف الذي لم يهدأ بين مبارك والإيرانيين. في نظر متطرفي «الإخوان»، إيران الخامنئية هي الحليف الذي يمكن الاعتماد عليه داخليا وخارجيا، في وجه ما يعتبرونه مؤامرات لإسقاطهم من الحكم في مصر. وبالتالي يرون مذابح نظام الأسد في سوريا مسألة ثانوية، والخلاف مع الشيعة مشكلة تهم السلفيين لا «الإخوان».

عبدالله هادي
30-04-2013, 06:49 AM
عماد الدين اديب
تكلفة الرد على السلاح الكيماوي


مسألة استخدام السلاح الكيماوي من قبل الجيش النظامي السوري ضد المواطنين العزل، أو ضد قوات الجيش السوري الحر، أصبحت مثل الكرة الملتهبة الهابطة من أعلى قمة في واشنطن تجاه الحكم في دمشق.

وينسب إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه في حالة ثبوت استخدام الحكم في سوريا للسلاح الكيماوي ضد مواطنيه، فإن هذا الأمر يعد بمثابة متغير حقيقي في الموقف الأميركي الذي ظل حتى ذلك الوقت يرفض أي تدخل عسكري مباشر في الحرب الأهلية السورية.

ويبدو أن الرئيس الأميركي قد فهم المعادلة التالية التي تقول: «إنه إذا قام النظام في سوريا باستخدام السلاح الكيماوي ضد مواطنيه، فهو - منطقيا - قادر بدرجة أكبر على استخدامه ضد جيرانه في إسرائيل أو الأردن أو تركيا أو العراق»!

وفي الوقت الذي يتم فيه انتقال الأسلحة من دولة إلى أخرى بسهولة، فإن تخوف الإدارة الأميركية يزداد كلما زاد الحديث عن وجود صواريخ سورية متوسطة المدى موجودة في كهوف وجبال البقاع والجنوب اللبناني تحت سيطرة وإدارة رجال حزب الله اللبناني.

وفي حال ثبوت هذه المعلومات فإن واشنطن تدرك أكثر من غيرها أن معادلة القوى بين الحزب وإسرائيل من ناحية، وبين حزب الله وخصومه اللبنانيين قد تغيرت. والنقاش الدائر داخل البيت الأبيض والبنتاغون هو أن أي عملية «جراحية عسكرية» لقصف جوي مدعوم من الولايات المتحدة ودول حلف الأطلنطي بتسهيل من تركيا والأردن وإسرائيل، قد تؤدي إلى تهديد حياة ملايين المواطنين في سوريا والدول المحيطة بها، بناء على قوة دفع الرياح.

إذن ماذا تفعل الولايات المتحدة الأميركية تجاه هذا الموقف؟

نظريا هي لا تستطيع الوقوف موقف المشاهد، وأخلاقيا لا تستطيع غض البصر عن الموضوع، لكنها عمليا سوف تصطدم بإشكاليات تقنية في شكل الضربة العسكرية المطلوبة.

المسألة ليست بالسهولة التي يعتقدها البعض، وليست مخاطرة بسيطة، لكنها عملية قد تتسع وتفتح الباب باتجاه حرب عالمية ثالثة في منطقة هي المخزن الأعظم للبترول والغاز.

يضاف إلى قائمة المحاذير والمخاطر احتمال قوي، وهو احتمال دخول إيران «عسكريا» على الخط في حالة تهديد سوريا أو القيام بعمليات جوية ضدها.

يبدو أن واشنطن سوف تصل إلى قناعة بأن الضغط على النظام في سوريا «بعمليات إيجابية من داخله» أقل كلفة من أي حرب واسعة النطاق .

عبدالله هادي
30-04-2013, 06:52 AM
مأمون فندي
«الإخوان» ضد الأزهر: معركة الإسلام الأخيرة في مصر


لم يبق لـ«الإخوان» أصدقاء في مصر بعد أن استعدت الجماعة القضاء من خلال أزمة النائب العام المتكررة، وحريق المحاكم لإخفاء الأدلة، وحصار المحكمة الدستورية.. الجماعة أيضا في مواجهة مستمرة مع الإعلام من حصار مدينة الإنتاج الإعلامي حيث استوديوهات الفضائيات، وإحالة الإعلاميين إلى النائب العام، وكان آخرهم صاحب البرنامج المشهور باسم يوسف الذي ورط «الإخوان» مع الأميركان، وخلق أزمة دبلوماسية بين مصر والسفارة الأميركية عندما وضعت السفارة على حسابها على «تويتر» حلقة الكوميدي الأشهر جون ستيوارت التي خصصها للسخرية من الرئيس مرسي والدفاع عن باسم يوسف.

حتى الآن الأمر مقدور عليه لو كان «الإخوان» يحاربون القضاء والإعلام فقط، ولكن «الإخوان» استعدوا قطاعات أخرى من المجتمع، حيث استعدى «الإخوان» مؤخرا المخابرات العامة التي اتهمها رئيس حزب الوسط أبو العلا ماضي نقلا عن الرئيس أنها تدير جيشا من البلطجية قوامه 80 ألف بلطجي. وأخيرا مواجهة «الإخوان» مع الأزهر الشريف وقيادته ممثلة في شخص الإمام الشيخ أحمد الطيب.

إذن السؤال هو من يقف مع «الإخوان» الآن بعد أن استعدوا قطاعات عريضة ومتنوعة من المجتمع آخرها معقل الإسلام السني المعتدل متمثلا في الأزهر الشريف، وأتباع الإسلام المعتدل في مصر وبلاد المسلمين كافة، ممن تتعلق عيونهم وقلوبهم بالأزهر، واستدعاء شيخ الأزهر والإمام الأكبر فضيلة الشيخ أحمد الطيب الذي هو في الوقت ذاته مرجع في الطريقة الخلوتية في صعيد مصر، وله من أتباع الطريقة ما يقرب من المليونين في محافظات الصعيد من أسوان وقنا والأقصر والبحر الأحمر وسوهاج وأسيوط حتى الجيزة. «الإخوان» في حربهم مع الأزهر وشيخه يحاربون علي جبهتين: جبهة الأزهر وأتباع الإسلام المعتدل في مصر، وجبهة شيخ شديد المراس له أتباع يبلغ عددهم المليونين، ولهم ولاء له ولطريقته، كما لأعضاء «الإخوان» ولاء للجماعة أو أكثر.

باستعدائهم للأزهر والإسلام الوسطي المعتدل تظهر جماعة الإخوان كجماعة متطرفة من وجهة نظر جمهور العامة في مصر، فالأزهر في مصر له قدسية، والإسلام مربوط تاريخيا بالأزهر لا بجماعة عمرها مقارنة بعمر الأزهر مجرد بضع سنين، وحديثة العهد بالإسلام وعلومه. فرغم أن معظم حملة «الإخوان» عند الأميركان وغيرهم لكي يصلوا إلى الحكم كانت مبنية على أنهم الفصيل الذي يمثل الاعتدال بين الحركات الإسلامية المختلفة في مصر، مثل الجماعة الإسلامية أو السلفية.

لقد خسر «الإخوان» هذه المعركة؛ فبمواجهتهم مع رمز الاعتدال والوسطية المتمثل في الأزهر الشريف يعود «الإخوان» مرة أخرى إلى مربع التطرف. أما مواجهتهم مع شيخ الأزهر فهي ليست كأي مواجهة أخرى، فهذا شيخ له عزوة وليس مجرد منصب. شيخ له أتباع يصل عددهم إلى مليونين من الدراويش ممن يأكلون الأخضر واليابس لو قرر «الإخوان» امتحان قدراتهم، وعددهم أضعاف مضاعفة من عدد المنتمين إلى تنظيم الإخوان. كما أن الشيخ هو حفيد تاريخ طويل من النضال الجنوبي؛ فهو حفيد الشيخ الطيب الذي قام بحركة تمرد ضد الخديوي إسماعيل في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1867) مما اضطر الخديوي إلى إرسال تجريدة عسكرية حرقت مجموعة من قرى قنا والأقصر، مثل قرية السلامية في الشمال، وقرية البعيرات في الجنوب، من أجل القضاء على تمرد الشيخ الطيب.

اليوم وفي المواجهة مع «الإخوان» لا أظن أن الشيخ سيتردد في بعث هذا التاريخ في صفوف أتباعه من أبناء الصعيد، وبهذا يدخل الصعيد كله في موجة الثورة. هذا الصعيد الذي ظل محايدا قد يدخله الطيب في المعمعة.

أعرف الشيخ عن قرب وأسرته، ولنا تاريخ طويل من العلاقات الأسرية، ولا يبعد بيتنا عن بيت الإمام الأكبر إلا دقائق معدودات، يزورنا ونزوره، ونعرف عنه الكثير ويعرف عنا الكثير. لكن ما أود قوله هنا هو أن الشيخ، رغم ما فيه وأسرته من زهد وورع، فإنه شديد المراس وذو بأس، ولا يرضخ للضغوط، ولا يقبل الظلم من كائن من كان، ومن هنا تكون معركة «الإخوان» مع الشيخ خاسرة مقدما، ومع جمهور المسلمين وغير المسلمين الداعمين للأزهر كرمز للاعتدال والوسطية ستكون معركة خاسرة أيضا ضحيتها «الإخوان» أنفسهم حين يعود عنوان حركتهم إلى ما كان عليه في السابق: «الإخوان» رمز التطرف والأزهر رمز الاعتدال.

من يعي درس سقوط مبارك وراقب ردة فعل الأميركان يعرف أن الأميركان تركوه يسقط عندما شاهدوا قطاعات عريضة من الشعب في الشوارع، اليوم تقدير الموقف عند الأميركان تجاه «الإخوان» هو ذاته آخر أيام مبارك: «الإخوان» على خلاف مع القضاء، ومع الإعلام، ومع الجيش، ومع شباب الثورة، ومع جبهة الإنقاذ، والآن في مواجهة مع مركزية الاعتدال الإسلامي ممثلة في الأزهر.

«الإخوان» واقفون بطولهم وبمفردهم وليست لهم ذراع شعبية تحميهم؛ لذلك بدأت نغمة السياسة الأميركية في التغير.

أضف إلى هذا أن حكومة «الإخوان» في مصر متمثلة في الرئيس مرسي ترسل رسائل معاكسة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط؛ فهذا هو الرئيس الإخواني في السودان، ومن قبلها أرسل إشارات تعاون وانفتاح مع إيران، وها هو النظام في مصر راعيا رسميا لحماس، حيث أعلن خالد مشعل ولايته الخامسة من القاهرة. وهي رسالة ضد أي ديمقراطية، فمبارك نفسه لم يكمل الولاية الخامسة.

رسائل الرئيس المصري بالنسبة للرأي العام الأميركي تقول إنه حليف محور الشر. فبعد كل هذه الرقصة الدبلوماسية، مضافا إليها شيطنة صورة الرئيس مرسي من خلال برنامج جون ستيوارت، كل هذا يوحي بأن أوباما أو أي سياسي أميركي إذا اقترب من الدفاع عن مرسي احترق سياسيا.

باختصار نحن أمام الشوط الأخير في معركة «الإخوان» في السيطرة على مصر. نحن أيضا أمام حرب على روح الإسلام في مصر، إما أن ينتصر الإسلام الوسطي المعتدل متمثلا في الأزهر وشيخه ورجاله، أو أن ينتصر التيار الحركي المتطرف متمثلا في «الإخوان» ومن على شاكلتهم. إنها المعركة الحاسمة. طبعا بالنسبة لـ«الإخوان» هي معركة مالية لا إسلامية، فالهجمة على شيخ الأزهر جاءت بعد أن أفتى الأزهر بأن صكوك بيع بعض أصول مصر، خصوصا لقطر، غير إسلامية، ساعتها هاج «الإخوان».. ليس في سبيل الإسلام بل في سبيل الصكوك. ومع ذلك. تلف المعركة في عباءة إسلامية.

هذه معركة فاصلة، وفي تقديري ما هي إلا شهور معدودات وقد يخرج «الإخوان» من المشهد.. ليس من مصر وحدها، بل من السياسة العالمية برمتها.

عبدالله هادي
30-04-2013, 07:05 AM
جاكسون ديل
هل يشهد عام 2013 إجراء عسكريا ضد نووي إيران؟



في مطلع عام 2006، أثار السيناتور الجمهوري جون ماكين من ولاية أريزونا والسيناتور المستقل جو ليبرمان من ولاية كونيكتيكت، ضجة كبيرة في واشنطن حينما ذكرا أن الولايات المتحدة قد تضطر في النهاية إلى الاختيار بين السماح لإيران بأن تصبح دولة نووية، والقيام بعمل عسكري لإيقافها. وفي كل عام تقريبا منذ ذلك الحين، تكون نبوءة أحدهم للعام الجديد هي أن ذلك الاختيار المحتوم قد بدأ يطل برأسه أخيرا أمام الرئيس الأميركي. وطوال 7 أعوام لم يحدث ذلك، ولكن هل يكون عام 2013 مختلفا؟

إن الحكمة التقليدية التي سمعتها من الدبلوماسيين في واشنطن هذا الشهر تقول إنه في الغالب لن يكون كذلك، حيث يؤكدون أن العام المقبل في أغلب الظن سوف يبدو كسابقه: مفاوضات تسير قدما بخطى عرجاء دون نتيجة حاسمة، وإحراز إيران تقدما تدريجيا في تخصيب اليورانيوم، مع الحرص على عدم اتخاذ خطوات من شأنها استثارة أي هجوم أميركي أو إسرائيلي.

ولكن هناك حجة قوية ينبغي طرحها تؤكد أن العام المقبل سوف يشهد أخيرا إلقاء حجر في المياه الإيرانية الراكدة، وذلك بحدوث مواجهة عسكرية، أو ظهور قنبلة نووية إيرانية، أو إبرام صفقة دبلوماسية من نوع ما. ومن اللافت للنظر أن أحد من يقدمون ذلك الطرح هو مستشار الرئيس أوباما أثناء فترة ولايته الأولى في ما يتعلق بالشأن الإيراني، دينيس روس، الذي تعامل مع الشرق الأوسط في 5 إدارات أميركية مختلفة.

ويسلم روس، الذي غادر البيت الأبيض في نهاية عام 2011، بأن المتكهنين بنشوب أزمة مع إيران لديهم سجل طويل من الإخفاق، وتتلخص أسبابه في القول بأن العام المقبل سوف يكون مختلفا في 3 أسباب هي: اقتراب إيران من الوصول إلى قدرة «الانطلاق»، وعزم أوباما المعلن على منعها، وبطء تكون مناخ اقتصادي وسياسي في إيران يمكن أن يدفع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى تغيير المسار.

ولكن ما «قدرة الانطلاق»؟ كما يوضح روس، فقد عرفها أوباما نفسه في المناظرة الرئاسية الثالثة التي تمت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين قال الرئيس إنها «تعني أننا لن نكون قادرين على التدخل في الوقت المناسب لإيقاف برنامجهم النووي». وبعبارة أخرى، فإن إيران سيكون لديها ما يكفي من البنية التحتية ومخزون اليورانيوم متوسط التخصيب كي تتمكن من تصنيع قنبلة نووية في غضون بضعة أسابيع، أي قبل أن تتمكن وكالات الاستخبارات الغربية أو المفتشون الدوليون من اكتشاف ذلك. وحذر أوباما: «إن عقارب الساعة تتحرك».

ويؤكد روس أن تلك العبارة كانت مقصودة، حيث إنها تعكس خطا أحمر تم رسمه بعناية. وفي العام الأول له في منصبه، ترأس أوباما مداولات داخلية حول ما إذا كان من الممكن القبول بامتلاك إيران قنبلة نووية واحتوائه، وقرر في النهاية أنه يجب منع ذلك، عن طريق العمل العسكري إذا لزم الأمر. وقبل اجتماع عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شهر مارس (آذار) الماضي، أعلن أوباما صراحة أنه «من غير المقبول أن تمتلك إيران سلاحا نوويا». ويضيف روس أن سلسلة أخرى من الحوارات العامة والخاصة مع نتنياهو هذا الخريف دفعت بأوباما إلى تعريف «قدرة الانطلاق»، وهي خطوة ربما تكون قد ساهمت في قرار إسرائيل بتأجيل الشروع في عمل عسكري بمفردها.

وقد لمح نتنياهو إلى أن إسرائيل ترى الآن أن منتصف عام 2013 هو التوقيت الذي يمكن لإيران أن تصل فيه إلى ما يكفي من اليورانيوم متوسط التخصيب لتجاوز خط «الانطلاق». وعلى حد تعبير روس: «بنهاية عام 2013، إذا لم يتغير أي شيء، فإنك لن تعرف ما إذا كانوا سيتحركون سريعا جدا ويضعوننا أمام أمر واقع».

ومن الصعب تخيل أوباما وهو يشرح للأمة أنه من الضروري شن حرب شرق أوسطية أخرى لأن مخزون اليورانيوم الإيراني، الذي ظل يتراكم ببطء على مدار سنوات، قد أصبح أكبر من اللازم بمقدار بضعة كيلو غرامات. بيد أن ذلك ليس هو السيناريو الذي يتصوره روس؛ إذ يقول إن أوباما على الأرجح سوف يطرح أولا على خامنئي عرضا أخيرا يسمح لإيران بتطبيق برنامج مدني للطاقة النووية في حدود ضيقة، ويضيف روس: «سوف يكون ذلك إثباتا واضحا على أنه يبذل أكثر مما في وسعه».

وقد ظل روس منذ فترة ينادي بضرورة أن يضع أوباما عرضا شاملا كهذا على الطاولة، وهو يرى أن المحادثات الحالية، التي تعرض على إيران تخفيفا بسيطا في العقوبات مقابل إيقاف التخصيب عالي المستوى وشحن معظم مخزونها خارج البلاد، لن تفلح، مبينا: «هناك مشكلة هيكلية، فالتصور الإيراني هو أن ما يطلب منهم هو التنازل عن ماسة في مقابل قطعة من الحلوى».

ولكن هل يقبل خامنئي يوما بصفقة كبيرة؟ يرى روس، الذي كان يحث أوباما على تجربة ذلك الرهان في فترة ولايته الأولى، أن هناك بعض المؤشرات على أن القيادة والإعلام الحكومي في إيران يخلقان مناخا يمكن فيه أن يتخذ المرشد الأعلى قرارا مثل هذا، والأسباب التي تدفعه إلى ذلك تنقسم إلى شقين: الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإيراني جراء العقوبات، ووجود قناعة بأنه من دون صفقة سوف يحدث هجوم أميركي.

ويقول روس إن الإيرانيين في الوقت الراهن «ليسوا مقتنعين بأننا جاهزون لاستعمال القوة، وبالتالي في هذه اللحظة، ما زلت أقدر فرص نجاح العمل الدبلوماسي بما يقل عن 50 في المائة، وإذا لم تفلح الدبلوماسية بنهاية عام 2013، فإن فرص استعمال القوة تصبح أكبر بكثير».

أتمنى لكم عاما سعيدا!

* خدمة «واشنطن بوست»

عبدالله هادي
30-04-2013, 07:08 AM
جاكسون ديل
كيف ننقذ سوريا؟



أكثر ما يثير المخاوف بشأن سوريا، من وجهة نظر الغرب ربما يكون الفجوة بين السيناريوهات المخيفة التي يناقشها المسؤولون بشأن ما قد يحدث فيما بعد واستراتيجياتهم الضعيفة للحيلولة دون ذلك.

تمثل سوريا في الوقت الراهن بالنسبة لإدارة أوباما صومالا ثانية إلى حد ما - غير أنها في قلب الشرق الأوسط، وتمتلك ثالث أكبر مخزون من الأسلحة الكيماوية في العالم. وقد حاول أحد المسؤولين مؤخرا التنبؤ بالمستقبل القريب لهذه الحرب التي ستتحول فيها من حرب أهلية بين طرفين إلى حرب تشترك فيها جميع الأطراف، يقاتل فيها السنة الأكراد وسيقاتلون سويا العلويين من بقايا جيش بشار الأسد، حيث تسيطر جبهة النصرة التابعة لـ«القاعدة» على أجزاء حيوية من البلاد، وحيث لا يأتي خطر استخدام الأسلحة الكيماوية من النظام بل من أي قوة أخرى تسيطر على مستودع الأسلحة الكيماوية.

وكان لمسؤول فرنسي بارز في واشنطن الأسبوع الماضي وجهة نظره الخاصة، حيث قال إنه بعد خسارة معركة دمشق سيلجأ الأسد وقواته إلى انسحاب على مرحلتين، الأولى إلى وسط مدينة حمص ومناطقها النائية على طول الحدود اللبنانية، ثم كملاذ أخير إلى معقل العلويين على الساحل الشمالي لسوريا. وأضاف أن ذلك قد لا يحدث خلال أسابيع، لكنه قد يتطلب شهورا.

إذا، كيف يمكننا وقف هذا؟ أقامت الولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول العربية والحلفاء الأوروبيين، مؤتمرا دبلوماسيا هذا الأسبوع في مراكش، المغرب، طمعا في تعزيز التحالف السياسي المعارض الذي توصلوا إليه الشهر الماضي، المعروف باسم التحالف الوطني السوري. وقد تعترف به إدارة أوباما مؤخرا بها كحكومة سورية شرعية. ستظهر الكثير من الوثائق حول جبهة النصرة، والتي ستضاف إلى قائمة المنظمات الإرهابية بوزارة الخارجية.

لم يقتنع أحد أن ذلك سيوقف السيناريوهات المرعبة من الحدوث، أهم الأسباب في ذلك أن التحالف لم يتوصل بعد إلى بناء روابط قوية - غياب القيادة والسيطرة - مع العشرات من وحدات مقاتلي الثوار عبر البلاد، على الرغم من أن تشكيل مجلس عسكري للمقاتلين خلال الأسبوع الماضي كان خطوة في الاتجاه الصحيح. يحصل التحالف على المال من فرنسا وعدد من الحكومات الأخرى، لكن محامو وزارة الخارجية أكدوا أن الولايات المتحدة لا يمكنها تمويل منظمات الثوار بشكل مباشر. في الوقت ذاته ازدهرت وحدات «القاعدة» بإسهامات غير مباشرة من بعض الدول.

وجهة النظر الأميركية بشأن نجاح استراتيجيتها تعتمد على مجموعة استثنائية من الأحداث غير المتوقعة. أولا، سيسيطر التحالف على قوات الثوار، ثم تجبر روسيا والمنشقون العلويون الأسد على التنحي، ثم تكون هناك مفاوضات تؤدي إلى اتفاق حول حكومة انتقالية.

وربما يكون السيناريو الأكثر ترجيحا هي أن تتحسن حظوظ الغرب وينهار نظام الأسد في دمشق في وقت قريب. خلال هذا الفراغ الناشئ سيحصل التحالف على اعتراف العالم الخارجي وستسير سوريا في نفس مسار ليبيا الهش، حيث تتعايش الحكومة مع مجموعة من الميليشيات، التي يرتبط بعضها بـ«القاعدة». والاختلاف هو أن أي تدفق للإرهابيين والأسلحة لن يؤثر على مالي بل على إسرائيل وتركيا والعراق والأردن.

السبب الرئيسي في أن ذلك مستبعد الحدوث هو أن أسوأ سيناريوهات الغرب تبدو معقولة بالنسبة للأسد والنخبة العلوية، وراعيهم الأساسي، إيران. فترى الطائفة الحاكمة الأقلية أن الاحتماء داخل معقل محصن، أفضل من المخاطرة بالتعرض للإبادة على يد السنة الراغبين في الانتقام. أما إيران الشيعية فتفضل أن تكون أحد اللاعبين في إحداث الفوضى في سوريا، عن أن ترى حليفا استراتيجيا يتحول إلى الكتلة السنية المناوئة لها.

إذا اتخذت الحرب السورية هذا المسار المتوقع، كيف ستحمي الولايات المتحدة وحلفاؤها مصالحها؟ يبدو أنه لا تتوافر لدى المسؤولين خطة، سوى الأمل في ألا يقع السيناريو الذي يفكرون فيه. الخطوة الأوضح تتمثل في الحرص على أن تكون القوات التي يفضلها الغرب - غالبية وحدات مقاتلي الثوار - جيدة التسليح على الأقل ومسلحة بقدر العلويين والجهاديين. لكن حتى الوقت الراهن تؤكد الولايات المتحدة على العكس، برفضها تقديم المساعدات العسكرية للثوار العلمانيين على الرغم من تسليح الحكومات الإسلامية لمجموعات الثوار المفضلة لديها.

بالنسبة للأسلحة الكيماوية، يأمل الغرب في ألا يكون الأسد جادا بشأن استخدامها، على الرغم من التقارير المتواترة بشأن مزج سلائف غاز السارين في القنابل. لكن ماذا إن فعل؟ حذر الرئيس أوباما مرة أخرى الأسبوع الماضي من عواقب - لكن هل الولايات المتحدة مستعدة للقيام بعمل عسكري سريع في حال وقوع هجوم مفاجئ بالأسلحة الكيماوية؟ وإن لم تكن كذلك، فكيف ستتمكن من وقف الفظائع التي ترتكب؟

أضف ذلك إلى الأسئلة التي لم يتمكن حضور مؤتمر «أصدقاء سوريا» في المغرب من الإجابة عنها.

* خدمة «واشنطن بوست»

عبدالله هادي
30-04-2013, 07:13 AM
شيخ الأزهر يحذر من «مشاريع طائفية خبيثة» ويرفض تدخل إيران في الخليج


تسلم جائزة «شخصية العام» بأبوظبي

القاهرة: وليد عبد الرحمن
قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنه يرفض أي تدخل إيراني في شؤون دول الخليج العربي، محذرا خلال زيارته لدولة الإمارات، من وجود ما سماه «مشاريع أجنبية خبيثة تريد لمصر شرا طائفيا من قبيل التفرقة على أساس شيعة وسنة، ومسلمين ومسيحيين».
وتسلم الطيب، أول من أمس، جائزة «شخصية العام الثقافية» الإماراتية، ضمن فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي عقد تحت رعاية الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وقال مصدر مسؤول في مشيخة الأزهر بالقاهرة، أمس، إن الدكتور الطيب أعلن خلال لقائه ولي عهد أبوظبي، رفضه التدخل الإيراني في شؤون دول الخليج، موضحا أنه تم تأكيد أن موقف الأزهر ثابت من رفض وجود أي تدخل خارجي في شؤون الدول العربية. وأضاف المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «الطيب قال إننا ضد التمدد المذهبي الشيعي في العالم العربي بوجه عام، وفي مصر بوجه خاص، ونعتبر ذلك خروجا على الوحدة في النسيج العقدي والفقهي الوطني»، لافتا إلى أن «الدكتور الطيب أعلنها صراحة.. حين ذكر: سنقف فكريا وعلميا ضد أي محاولة لاختراق الحزام السني في أي بلد عربي وإسلامي، ونعتبر ذلك لعبا بالنار في منطقة متوترة، وبها الكثير من المشكلات، ومصر عبر التاريخ لم - ولن - تتحول أبدا إلى مجتمع شيعي، وكل ما يقال عكس ذلك هو وهم يعيش في أذهان أصحابه، لأنه مناقض لحقائق التاريخ، ومخالف للحقيقة والواقع». يشار إلى أن مؤسسة الأزهر وجهت انتقادات شديدة اللهجة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حين زار المؤسسة بالقاهرة مطلع هذا العام، بسبب «التدخل في شؤون الخليج، ومؤازرة النظام السوري، ونشر التشيع في المنطقة». وجاء تسليم الدكتور الطيب جائزة «شخصية العام الثقافية» الإماراتية، على خلفية إسهاماته العلمية والثقافية ومنهجه الإسلامي الوسطي. ويعد الطيب، شخصية تجمع بين الباحث والأستاذ الأكاديمي المتخصص بالفلسفة التي درس أصولها في فرنسا، وله الكثير من البحوث العلمية الجادة. وتقول مشيخة الأزهر إن من أسباب اختيار الطيب للجائزة دعواته المتكررة لنبذ الفرقة والعنف، والاحتكام إلى العقل، والحفاظ على هوية المجتمع وتماسكه.

عبدالله هادي
30-04-2013, 07:15 AM
بلجيكي يبحث عن نجله بين صفوف الثوار في حلب

«يويون».. من راقص إلى مقاتل سلفي

حلب (سوريا): وائل عصام
من راقص شهير في بلجيكا إلى مقاتل سلفي في صفوف كتيبة جهادية إسلامية.. إنه يويون (سيف الله) ديمتري. هو شاب بلجيكي لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، اختفى أثره قبل شهرين، ليشاهده والده فجأة في شريط فيديو يقاتل ضمن مجموعة جهادية معظم عناصرها من بلجيكا في بلدة خان طومان بالريف الغربي لمدينة حلب في شمال سوريا.
اعتنق «يويون ديمتري» الإسلام قبل سنتين وغير اسمه إلى «سيف الله»، وانضم لجماعة «شريعة لبلجيكا» بزعامة المغربي بلقاسم الذي اعتقل قبل أيام في بلجيكا.

«لقد أخذوا مني ابني.. وأكثر من أربعين شابا من بلجيكا.. ليسوا (جبهة النصرة).. إنهم مجموعة بلقاسم»، هذا ما قاله والده ديمتري عندما التقيناه في مقر رابطة للمحامين السوريين وسط حلب. أطلعنا ديمتري الأب، وهو أول والد يأتي إلى سوريا من بلد غربي بحثا عن نجله، على صور نجله الشاب الأسمر اللون (والدته نيجيرية) ومقاطع الفيديو الخاصة به في إحدى أغاني الفيديو كليب البلجيكية، عندما شارك برقصة.

يقول ديمتري الأب إن ابنه صادق فتاة مغربية في سن المراهقة، وتعرف من خلالها إلى شبان مغاربة مسلمين، وفجأة أشهر إسلامه، وبدأ يتغيب عن البيت لأوقات طويلة. وأضاف: «لقد تغير وأصبح وكأنه غريب علينا.. لبس الجلابية وأطال لحيته، ورفض مصافحة النساء حتى عمته، وبدأ يخرج في الشوارع مع جماعة (شريعة لبلجيكا) يدعو الناس للإسلام، واعتقلته الشرطة أكثر من مرة». ولكن ديمتري فقد الاتصال بابنه فجأة عندما أصر يويون (سيف الله) على الذهاب إلى مصر لدراسة الشريعة الإسلامية، ولم يعارض والده الأمر في البداية.. «إنها عقيدة أحترمها، وهو له حق الاختيار، لكن ما حصل بعد ذلك أنه أصبح متشددا».

وديمتري ليس وحده في محنته هذه، فهناك العشرات من العائلات البلجيكية التي اكتشفت أن أبناءها أرسلوا للقتال في سوريا من خلال شبكات أوروبية، مما دفع بتلك العائلات إلى رفع قضايا ضد بلقاسم وباقي قادة جماعة «شريعة لبلجيكا» الذي أصبح مطاردا من قبل الشرطة البلجيكية في ثلاث مقاطعات إلى تمكنت أخيرا من اعتقاله في أحد المنازل.

رافقت «الشرق الأوسط» ديمتري الأب في زيارة إلى مقر «لواء التوحيد»، أكبر الفصائل في حلب، حيث التقى مسؤول اللجنة الشرعية هناك، وقائد اللواء حجي مارع، وأبلغاه أن فصيلهما لا يجند مقاتلين أجانب في صفوفه.. ثم رافقت «الشرق الأوسط» ديمتري إلى مقر «جبهة النصرة» عند المدخل الرئيس لحلب، وقبل كل شيء أشار إلى ديمتري بيده ليطفئ سيجارة كان يشعلها. تحدثت إليه مع المحامي السوري أبو حرب وشرحنا له الموضوع، ثم وضعت يدي على كتفه لأجد يده معصوبة.. ظننت أن يده مصابة، لكن العصابة لم تكن سوى حزاما ناسفا. لم يسمح للجميع بالدخول إلى مقر الجبهة، فقط سمحوا للمحامي أبو حرب وديمتري الأب الذي قال محتجا: «هل أنت مجنون لتأخذني إلى الداخل» فرد عليه أبو حرب: «تعال ولا تقلق.. (هم) ليسوا وحوشا كما تقرأون عنهم في الغرب». وعاد ديمتري بعد ساعة ليخبرنا بما حصل.

وبعد لقاءات مع أربعة من القيادات هناك، قال إن «جبهة النصرة» أخبرته أن ابنه يقاتل مع مجموعة أخرى (لا يمكن الكشف عن اسمها) تتمركز قيادتها في بلدة بريف حلب الشمالي يقودها إسلامي مصري.

وبعد هذا اللقاء، اجتمع ديمتري وعلى مدى عدة أيام مع عناصر من «جبهة النصرة»، ومن الواضح أنهم تركوا لديه انطباعا طيبا. وقال: «(جبهة النصرة) أبطال هنا في حلب.. الناس ينظرون لهم على أنهم محررون من النظام ومدافعون عنهم. لقد ساعدوني جدا في البحث عن ابني، ووفروا لي حماية من بعض المجموعات التي اعتقلتني وأساءت معاملتي».

وتحدث ديمتري كثيرا عن الصورة الانطباعية التي زرعت في ذهنه عما يسمى «الإرهاب» في سوريا، وقال: «التقيت بهم، إنهم مقاتلون من أجل الحرية، والناس تعتبرهم منقذين لهم في وجه النظام، لكن ابني يجب أن لا يقاتل هنا لأنه ما زال صغيرا وهم ليسوا بحاجة له». ويبرر ديمتري الأب وجود جماعات متطرفة في سوريا بقوله: «لقد شاهدت الدمار والوحشية الرهيبة، ولقد وثقتها في كاميرتي الخاصة. هذا النظام غير إنساني وليس غريبا أن يظهر التطرف بعد كل هذا القتل والهمجية»، ثم يعود مخاطبا المقاتلين الإسلاميين من حوله بكلمات عربية تعلمها: «إن آمنت بالله.. فلا خوف». وسيتوجه ديمتري الأب بعد أيام إلى الريف الحلبي ليلتقي بمجموعة يعتقد أنها تؤوي معظم المقاتلين البلجيكيين. وعندما سألته إن كان يعتقد أن ابنه، إذا ما التقاه، سيعود معه، أجاب: «ابني حر في اتخاذ قراره»، لكنه أضاف متسائلا: «شاب نشأ في الغرب لأبوين مسيحيين، فلماذا يأتي ليموت هنا».

عبدالله هادي
30-04-2013, 07:18 AM
رئيس الوزراء الياباني: بقاء الأسد يزيد من مخاوف تأثير المتطرفين بعده

شينزو آبي أكد في حوار مع «الشرق الأوسط» أن السعودية شريك مهم لأمن الطاقة في اليابان


مساعد الزياني
قال شينزو آبي رئيس الوزراء الياباني إن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، سيعيق العملية الانتقالية بشكل سلس، مشيرا إلى أنه في حال استمرار الوضع الحالي كما هو، فهناك خوف من زيادة تأثير المتطرفين في المرحلة التي تلي نظامه.
وبين رئيس الوزراء الياباني في حوار مع «الشرق الأوسط» أن بلاده كانت ولا تزال تبذل جهودا سياسية، بالتعاون مع المجتمع الدولي، من أجل دعوة الأطراف المعنية في عملية السلام بين فلسطين وإسرائيل إلى استئناف المحادثات للتوصل إلى حل بإنشاء دولتين.

ويبدأ شينزو آبي زيارته لكل من السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا، حيث يشير إلى أنها الدول الرئيسة في المنطقة، ويسعى لتبادل الآراء بشكل معمق حول كيفية التعاون والتنسيق من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، في الوقت الذي أشار فيه إلى أن السعودية تعد شريكا مهما للغاية لأمن الطاقة في اليابان.

وتحدث رئيس الوزراء الياباني في الحوار المكتوب, عن الوضع في شبه الجزيرة الكورية، وحول استعداد بلاده لمواجهة كافة الاحتمالات من قبل كوريا الشمالية، إضافة إلى علاقة اليابان بدول الربيع العربي والوضع الاقتصادي العالمي. وإلى تفاصيل الحوار

*ما الغرض من زيارتكم إلى دول الشرق الأوسط؟ وكيف تقيّمون العلاقة مع المملكة العربية السعودية، خاصة في مجال النفط؟ وكيف ترون إمكانية تطويرها؟

- تحتفظ اليابان ودول الشرق الأوسط بعلاقات ممتازة تقليديا، ولكن خلال عدة سنوات ماضية، لم تكن هناك أي زيارة لرئيس وزراء ياباني إلى دول الشرق الأوسط.

وفي هذه الزيارة يرافقني وفد من رجال الأعمال، لكي نظهر مدى انتعاش اليابان الاقتصادي، ونؤكد أيضا وجود اليابان الصديق القديم للعالم العربي، وبعبارة أخرى، نهدف من الزيارة لبناء شراكة شاملة مع دول الشرق الأوسط، وتطوير العلاقة المتعددة المستويات.

وتشمل هذه الشراكة أولا تعزيز العلاقات في المجال السياسي من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، بما في ذلك مجال الطاقة، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات في مجال التبادل الثقافي بما في ذلك تبادل الزيارات بين الشعوب، وتنمية الموارد البشرية.

وسأزور هذه المرة إلى جانب السعودية، دولة الإمارات، وتركيا وهي الدول الرئيسة في المنطقة، وأود أن أتبادل الآراء بشكل معمق حول كيفية التعاون والتنسيق من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة. وتعتبر المملكة العربية السعودية بشكل خاص، شريكا مهما للغاية لأمن الطاقة في اليابان. ولقد تمكنا من زيادة نطاق التعاون الثنائي من خلال الكثير من الوسائل، مثل زيادة التعاون الصناعي الياباني - السعودي، وفي مجالات المياه، وترشيد استهلاك الطاقة، والطاقة المتجددة، والتنمية الصناعية، وتنمية الموارد البشرية. وقد تم قبول أكثر من 500 طالب سعودي يدرسون الآن في اليابان. وأتمنى توسيع مثل هذه العلاقة الثنائية المتعددة المستويات في مجالات أكثر من أجل تجسيد الشراكة الشاملة.

*مرت عدة بلدان مثل مصر وتونس وليبيا واليمن بثورات وأقامت حكومات جديدة. كيف تقيّمون العلاقة بين اليابان وهذه الدول، وما رسالتكم إلى العالم العربي؟

- على الرغم من بعد المسافة الجغرافية، فإن اليابان والعالم العربي يتمتعان بعلاقات وثيقة جدا. أتذكر أنه عندما ضرب الزلزال الكبير شرقي اليابان، قدمت الدول العربية دعما هائلا لنا، وإننا لن ننسى ذلك أبدا.

وشهد الشرق الأوسط في الأعوام الماضية تغيرات كبيرة، إلا أن ذلك لا يؤثر في موقف اليابان المبدئي، فنحن سنبقى شركاء مخلصين للدول العربية وسنبقى نسير معا، وأود أن أؤكد على نقطتين بالنسبة إلى العلاقات اليابانية - العربية في المستقبل وهما أولا أن استقرار المنطقة العربية يؤثر على استقرار العالم بشكل مباشر. وسوف تواصل اليابان دعمها بقوة لدول الشرق الأوسط التي تبحث عن وسيلة لتحقيق الاستقرار والازدهار بعد أن شهدت الثورات والتغيرات. وثانيا، بناء شراكة شاملة. وقد كانت اليابان وما تزال تتلقى دعما هائلا من دول الشرق الأوسط، في مجال إمدادات الطاقة، وأرغب أن تستخدم اليابان ما لديها من المعرفة والتكنولوجيا في مجالات ترشيد استهلاك الطاقة والطاقة المتجددة، وتطوير البنية التحتية وغيرها، مما يؤدي إلى توسيع الشراكة مع دول الشرق الأوسط، وتعميق العلاقة المتعددة الطبقات التي لا تقتصر على مجالي الاقتصاد والطاقة فحسب مع هذه الدول، وآمل أن تبذل كل من اليابان والشعوب العربية معا مزيدا من الاهتمام والفهم المتبادل للثقافة والمجتمع في البلدين، بحيث تصبح علاقاتنا أقوى أكثر وأكثر.

*ما رأيكم فيما يتعلق بالوضع في الشرق الأوسط، وتحديدا في سوريا، وإسرائيل، وفلسطين؟

- يرتبط استقرار الشرق الأوسط ارتباطا مباشرا باستقرار العالم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أمن اليابان. وستواصل اليابان دعمها للمنطقة بقوة بالتعاون مع الأطراف المعنية، وفيما يتعلق بسوريا بشكل خاص، أود أن أعرب عن بالغ قلقي من الضرر الإنساني الكبير الذي لحق بهذا البلد وشعبه، وامتداد تأثيره إلى المنطقة بأسرها. لقد دفعت اليابان حتى الآن 80 مليون دولار كمساعدات إنسانية عاجلة، وذلك في محاولة لدعم المواطنين السوريين والدول المجاورة. ونحن نرى أن بقاء الرئيس الأسد في السلطة، يعيق سير العملية الانتقالية بشكل سلس. ومن ناحية أخرى، فإنه إذا ما استمر الوضع الحالي كما هو، فهناك خوف من زيادة تأثير المتطرفين في عهد ما بعد نظام الأسد. ويجب على المجتمع الدولي أن يتحد ويدعم عملية توحيد أطراف المعارضة، وذلك من أجل إيجاد حل لهذا الوضع.

أما بالنسبة لقضية تحقيق السلام في الشرق الأوسط، التي تشكل هدفا تاريخيا للمنطقة، فإن استئناف محادثات السلام بات الآن أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. لقد صوتت اليابان العام الماضي، لصالح قرار الأمم المتحدة الذي منح فلسطين صفة دولة مراقب. وعلاوة على ذلك، فإن اليابان كانت ولا تزال تبذل الجهود السياسية، بالتعاون مع المجتمع الدولي، من أجل دعوة الأطراف المعنية إلى استئناف المحادثات للتوصل إلى حل بإنشاء دولتين. ولتحقيق هذا الهدف، تدعم اليابان جهود فلسطين لبناء البلد، وبلغت جملة ما قدمناه من دعم في هذا الشأن حتى الآن نحو 1,35 مليار دولار. وتتعاون اليابان لتجسيد مبادرة «ممر السلام والازدهار» التي أطلقناها عام 2007، بالتعاون مع إسرائيل والأردن، وتهدف إلى الإسهام في التنمية الإقليمية لفلسطين وتشجيع الصناعة فيها، بتمويل ياباني، بهدف تطوير دولة فلسطين لكي تعتمد على الاكتفاء الاقتصادي الذاتي. ونعمل الآن على لإحياء هذه المبادرة من جديد. وبالإضافة إلى ذلك، استضافت اليابان مؤتمرا دوليا في شهر فبراير (شباط) من هذا العام، شارك فيه وزراء من دول شرق آسيا ومن منظمات دولية. وقد وافق هذا المؤتمر على عقد اجتماع لرجال الأعمال من آسيا ودول الشرق الأوسط. وبهذه الطريقة، فإن اليابان تقدم أسلوبها الفريد لدعم فلسطين.

*الاقتصاد العالمي يعاني من عدم الاستقرار. ما خطتكم لإنعاش الاقتصاد العالمي؟ وما مطالبكم؟

- كانت اليابان تعاني من الانكماش الاقتصادي لسنوات ماضية. لكننا نعتقد الآن أن اليابان، التي هي ثالث أكبر اقتصاد في العالم، لديها القدرة لقيادة العالم نحو التقدم. ومهمتي هي إنقاذ اليابان من هذا الانكماش الاقتصادي الذي امتد لفترة طويلة، وإعادة اليابان إلى مسار النمو مرة أخرى.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أطلقنا سياسة نقدية في إطار «الهوامش الثلاثة» وهي السياسة النقدية الجريئة والسياسة المالية المرنة واستراتيجية النمو التي تشجع استثمارات القطاع الخاص. وقد نتج عن هذه السياسات حتى الآن، شعور إيجابي فيما يتعلق بالانتعاش الاقتصادي، حيث لوحظت بعض الإشارات الجيدة مثل نمو مؤشرات سوق الأسهم.

وفي حالة عودة اليابان إلى مسار النمو، فإن ذلك سوف يؤدي إلى ازدياد واردات اليابان وكذلك إلى ازدياد الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل أكبر. وسوف تستفيد دول العالم كثيرا من هذا العنصر. حيث إن أوروبا تعاني من الركود الاقتصادي، وكذلك تباطؤ النمو الاقتصادي في الدول الناشئة. إنني على قناعة بأن انتعاش الاقتصاد الياباني سوف يساهم في مزيد من تنمية العالم. إن منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص ليست مصدرا هاما للطاقة بالنسبة لليابان فحسب، بل هي سوق جذابة ومكان جاذب للاستثمارات للشركات اليابانية، وأعتقد أن استثمارات القطاع الخاص اليابانية، ونقل أحدث التكنولوجيات اليابانية في البنية التحتية، سوف تساهم في تنمية منطقة الشرق الأوسط. ونعتقد أن انتعاش الاقتصاد الياباني سوف يعمق علاقات التعاون إقليميا ودوليا، بما في ذلك دول الشرق الأوسط.

*كيف ترون الوضع في شبه الجزيرة الكورية، وما استعدادات بلادكم لمواجهة التهديدات التي تطلقها بيونغ يانغ؟

- إن خطوة تطوير وإطلاق كوريا الشمالية لصواريخ وأسلحة نووية مخالفة تماما لقرارات مجلس الأمن الدولي، وللبيان المشترك الصادر من أطراف المحادثات السداسية. ويعتبر هذا التصرف تحديا دوليا كبيرا وللجهود الرامية لوقف انتشار الأسلحة النووية، كما يمثل تهديدا للسلام والاستقرار للعالم بأسره ولمنطقة آسيا بشكل خاص. ومن المؤسف أن كوريا الشمالية أظهرت مرارا موقفا متحديا مهددة اليابان باحتمال توجيه الضربة النووية الأولى.

وتعتقد اليابان أن المجتمع الدولي يجب أن لا يتأثر بمواقف كوريا الشمالية، ويجب علينا إفهام كوريا الشمالية أن مثل هذا الموقف لا يعود عليها بأي فائدة.

سوف تستمر اليابان في التنسيق عن كثب مع كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وكذلك مع كل من الصين وروسيا وغيرها من الدول المعنية من أجل نزع فتيل هذه الأزمة. وسوف نستمر في الطلب من كوريا الشمالية بقوة الالتزام التام بقرارات مجلس الأمن وعدم القيام بأي عمل استفزازي. إن حكومة اليابان، تبذل أقصى جهودها من أجل جمع وتحليل المعلومات عن الوضع في كوريا الشمالية، ونحن مستعدون جيدا لتأمين أمننا القومي. وسوف تواصل اليابان جهودها لتأمين الأمن الإقليمي، الذي ننتمي إليه، من خلال تطوير قدرات قوات الدفاع الوطني وكذلك قوة الردع بين اليابان والولايات المتحدة.

عبدالله هادي
01-05-2013, 10:15 AM
عبدالرحمن الراشد
بإمكانكم شراء الخردل والسارين


في صيف العام الماضي هدد الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه إذا تبين له أن سوريا تنقل سلاحا كيميائيا أو تستعمله فسيغير هذا قراره بعدم التدخل عسكريا في سوريا.

وبعد شهر أعلن وزير الخارجية الأميركي أن السوريين بالفعل حركوا مواد كيميائية للاستخدام العسكري، إلا أن محللي البيت الأبيض فسروها بأنها تنقل إلى حزب الله، ولم يفعلوا شيئا.

ومنذ نحو عام والمعلومات المسربة تؤكد استعمال الأسد السلاح الكيماوي. فقد ورد أولا أنه استخدم غاز الكلور، حينها قالوا آه إنه مجرد كلور فقط، وهو غاز من الحرب العالمية الأولى ولا يسبب سوى الاختناق، أما غاز الأعصاب في المقابل فأمر مختلف. بعدها اتضح أنه استخدم غاز الخردل القاتل، ولم يتحرك أحد.

وفي مؤتمر معهد أبحاث الأمن هذا الشهر، أعلن مسؤول إسرائيلي أن النظام السوري استعمل السارين، وهو غاز الأعصاب. أيضا، لم تقلع طائرات أميركية أو غيرها لردع قوات الأسد.

هذا ما لخصه أحد المعلقين الإسرائيليين في صحيفة «هآرتس»، محذرا أن دول المنطقة تتفرج على كيفية التعامل الدولي مع الأسد، ومن الواضح أن الرئيس السوري نفسه كان يجس النبض ووجد أنه لا أحد يريد وقف المذبحة. وهكذا أصبحنا أمام معمل يتم فيه اختبار، ليس أسلحة الدمار الشامل، بل رد فعل المجتمع الدولي، والنتيجة الجميع يدري ولا ينوي فعل شيء.

الأسد، في البداية، عندما رأى أنه لا أحد في العالم يهمه خنق المدنيين بسلاح الكلور المتخلف، انتقل إلى غاز الخردل، وحينما مر ذلك بهدوء أيضا انتقل الأسد إلى سلاح السارين الكيماوي الأخطر. «ونُذكركم بأن قطرة ملليغرام واحدة من السارين تقتل إنسانا، ويكفي ربع ملليغرام لقتل طفل، والأسد يملك أطنانا»!

لماذا هذه اللامبالاة المروعة؟ هل لأن سوريا بلد بلا نفط؟ أو لأن الأسد يقاتل «القاعدة»؟

كيف يمكن أن يقال للعالم إن محاربة الإرهاب والأنظمة الإجرامية واجب دولي؟ كيف يمكن أن تبرر وزارة الخارجية الأميركية بياناتها المنددة بخروقات حقوق الإنسان في دول المنطقة وهي تسكت على خنق آلاف الناس الأبرياء بغاز السارين المحرم؟ والسؤال الذي يجب أن يفكر فيه الجميع غدا، كيف يمكن وقف شهية حكومات المنطقة لشراء وتخزين الأسلحة الكيماوية، الأرخص ثمنا والأكثر فعالية ضد خصومها؟

عندما طرد صدام من الكويت بعمل عسكري دولي جماعي، قيل إنها رسالة للجميع، وليس لصدام وحده، لمعرفة أن البلطجة وتهديد الدول أمر مكلف جدا. وعندما قصفت أفغانستان وفر بن لادن وحليفته طالبان قيل إنها رسالة للإرهاب في أنحاء العالم، سنلاحقهم في أي كهف يلجأون إليه في العالم.

وعلينا أن نعترف أن الدرس قد تعلمه الجميع، لم تغز دولة دولة أخرى، واختبأت معظم الجماعات الإرهابية ولم تتجرأ حكومة على التعامل معها جهارا.

ما فعله الأسد ونظامه من مجازر مروعة على مدى عامين بحق شعبه، وبأسلحة لم يخطر على بال أحد أن تستخدم في ضرب المدنيين، من طائرات عسكرية ودبابات وصواريخ، وكذلك بأنواع مختلفة من الأسلحة الكيماوية، يعطي رسالة للكثيرين، خزن كل ما تحتاج إليه من أسلحة وبإمكانك أن تستخدمه!

وبسبب هذا لن نفاجأ إن قرر الأسد غدا خنق مائة ألف إنسان بأسلحته الكيماوية، إن أراد اختصار الوقت وإنهاء الانتفاضة، فقد أصبح يعرف أنه لن تقلع طائرة واحدة لردعه.

عبدالله هادي
01-05-2013, 10:22 AM
طارق الحميد
سوريا وتطابق وجهات النظر الإيرانية ـ المصرية.!!



على أثر الزيارة التي قام بها مساعد الرئس المصري لشؤون العلاقات الخارجة والتعاون الدولي عصام الحداد لإيران، ولقائه الرئيس أحمدي نجاد، تم الإعلان عن تطابق وجهات النظر الإيرانية - المصرية (الإخوانية بالطبع)، حول الأزمة السورية، وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها عن ذلك.

الغريب أن وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا) التي نقلت خبر تطابق وجهات نظر مصر وإيران تجاه الأزمة السورية، هي نفسها التي نقلت تصريحات لرئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» التي تضم نواب حزب الله في البرلمان اللبناني، النائب محمد رعد، مفادها أن سوريا لن تسقط طالما أن «هناك أصدقاء شرفاء لها يفهمون بالدقة معنى الصمود السوري في وجه إسرائيل». كما أن الوكالة نفسها (إيرنا)، نقلت عن رئيس المجلس التنفذي في حزب الله هاشم صفي الدين، قوله إن ما حصل في سوريا هو «استهداف للمقاومة وسلاحها»، مؤكدا أن «المعركة واحدة والقضة واحدة»، ومنبها إلى أن مشروع التخريب والتدمير الأمريكي لا يقف عند حدود سوريا، بل «يتعداها إلى العراق وتونس ومصر ولبنان وفلسطين المحتلة». فهل هذه هي وجهات النظر المصرية - الإيرانية المتطابقة تجاه سوريا؟ وهل مصر الإخوانية موافقة على الدعم الإيراني للأسد بالمال والسلاح والرجال؟ وهل مصر الإخوانية أيضا متفهمة لأسباب تدخل حزب الله في سوريا، ومقاتلة عناصره للثوار السوريين، كما يحدث الآن؟ وهل «الإخوان» يضعون مصر في خندق إيران وحزب الله نفسه؟

أسئلة ملحة، على «الإخوان» الإجابة عنها، ليعرف الرأي العام العربي مع مَن يقف «الإخوان» في سوريا، فإذا كان قصد «الإخوان» هو إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية، فأهلا وسهلا، ويجب أن يُشكروا على ذلك، لكن ما يفعله «الإخوان» الآن، ومع إيران تحديدا، هو تقديم لتنازلات من دون ثمن حقيقي، فالتقارب المصري - الإيراني يمثل عملية «تبييض وجه سياسي»، مفادها تقديم طوق نجاة لإيران المعزولة دوليا وعربيا، فلمصلحة من يفعل الإخوان المسلمون ذلك؟ ولمصلحة من أيضا يكون هذا التطابق في وجهات النظر الإيرانية - المصرية تجاه سوريا، طالما أن جرائم الأسد متواصلة، وللتو أعلنت واشنطن عن استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد السوريين، فما الذي يريده إخوان مصر تحديدا؟

نطرح هذه الأسئلة الملحة، لأن مساعد الرئيس المصري يشيد «بالرغبة والآراء البناءة والاجابية للجمهورية الإسلامية الإيرانية لتعزيز العلاقات مع مصر»، ومضيفا من طهران أن «التعاون بن إيران ومصر يمكن له أن يصنع التاريخ من جديد»! فأي تاريخ هذا الذي سيُصنع؟! تاريخ تدمير سوريا برجال وأموال وسلاح إيران، ومقاتلين من حزب الله؟ أم تاريخ تفتيت العراق؟ أو تاريخ لبنان المختطف بسلاح حزب الله الإيراني؟ أم تاريخ التجسس الإيراني على دول المنطقة؟ أم محاولات اختطاف البحرين برعاية إيرانية؟ وأي تاريخ الذي يمكن لإيران و«الإخوان» صنعه، و«الإخوان» أنفسهم عاجزون عن إقناع المصريين برجاحة مواقفهم الداخلية والخارجية؟

عبدالله هادي
01-05-2013, 10:23 AM
يوسف الديني
ثمن الربيع السوري..!



ما الذي سيقوله إخوان الخليج والمتعاطفون مع الجماعة الأم من أنصار الإسلام السياسي الآن تجاه التحول الخطير وغير المتوقع من قبل الإخوان في مصر الحاكمين بأمرهم في الأزمة السورية، بعد صدعوا رؤوسنا منذ بدايات مسلسل الأخطاء السياسية الفادحة التي ارتكبتها الجماعة بأن أي نقد لهم هو جزء من سيناريو الإطاحة بالخيار الديمقراطي وحتى «الإسلام المعتدل»؟!

أن تتحول الجماعة إلى فصيل سياسي شمولي يبتلع الحالة المصرية بأكملها أمر رغم فداحته كان متوقعا، حيث لا «ثابت» سياسيا وإنما «آيديولوجي» وربما عقائدي يقول بوضوح إن الوصول إلى سدة الحكم بذلك الفارق الضئيل هو نصر إلهي يجب أن يكلل بتكريس رؤية الجماعة والقفز، ليس فقط على آراء المخالفين لها من التيارات المدنية، وإنما تجاهل من أوصلوها إلى الحكم من شباب الثورة وحتى التيارات السلفية المتحالفة وبعض التيارات المدنية التي كانت ترى نار الإخوان خيرا من جنة النظام السابق.

وإذا كان من المستحيل أن يظل حكم الإخوان في ظل تردي الحالة السياسة الداخلية والحرب المفتوحة ضد الجميع، الأزهر والقضاء والمعارضة وشباب الثورة والتيارات المدنية وحتى الممانعة السلفية للتقارب مع إيران، فإن مجرد الرعاية الأميركية للمشروع الإخواني في المنطقة لن يحول مرسي إلى كرزاي فضلا عن المالكي، فإيجاد حليف للولايات المتحدة يضمن خيارات سياستها الخارجية بالمطلق في مقابل دعم نفوذه في الداخل يتطلب وجود معارضة متطرفة ومسلحة كطالبان من السهل شيطنتها وتجريمها دوليا، إلا أن «كرزنة» الحالة المصرية من خلال صنع فرعون إسلامي بأدوات ديمقراطية هو استخفاف بكل القيم الديمقراطية سينقلب على الإخوان وحتى الدعاية الأميركية ذاتها.

المحك الآن ليس فقط على وضع الإخوان، فهو في انحدار مستمر بفعل الممارسة السياسية المتهورة وليس بسبب نجاح خطاب المعارضة، كما أن أداء السياسة الخارجية الأوبامية لا تقل انهيارا وتضعضعا بعد الأداء المخيب في الملف السوري، والذي لم يكن أكثر المتشائمين ليتوقع هذا الصمت المطبق تجاه ما يحدث في سوريا، لا سيما بعد التصعيد لمرحلة الأسلحة الكيماوية، وهو سيلقي بظلاله على المنطقة، ليس سياسيا فحسب وإنما سيخلق نزعات ارتدادية قاسية على مستوى الإيمان بحقوق الإنسان، ولن تستطيع أميركا آنذاك التذرع بـ«القاعدة» والمجموعات الجهادية التي ستبدو كمخلص وقف مع الشعب المسحوق بالكيماوي بينما يكتفي المجتمع الدولي وأميركا بالمشاهدة.

وإذا كانت كل تلك الأخطاء في الأداء السياسي للإخوان داخليا قد قللت من فرص تمكن الجماعة من السيطرة على الوضع وتقديم حلول سريعة لضمان صيغة توافقية بين أطراف المجتمع، فإن الكارثة الآن هي أداء الجماعة في السياسة الخارجية رغم أن أجندتها مشجعة للرؤية الأميركية، وتحديدا ذلك القلق المفتعل تجاه أمن إسرائيل، والذي أثبت الإخوان أنهم يحصدون درجات مرتفعة.

كارثة الإخوان الآن هي استهداف الإخوان أنفسهم وتحديدا «إخوان سوريا» عبر إعادة النظر في الموقف من النظام السوري وفتح إمكانية التفاوض والتقارب مع إيران صمام الأمان لبقاء الأسد والنظام الأكثر دعما لمجازر بشار تجاه السوريين، هذه الكارثة السياسة التي تقترب من الحماقة لا يبررها برود العلاقة مع دول الاستقرار في الخليج العربي، وتحديدا مع الإمارات، ولا يبررها محاولة استخدام إيران كفزاعة لتركيا والخليج، ولا حتى البحث عن ملاذ اقتصادي يضمن تدفق المليارات للخزينة الإخوانية دون أي شروط سياسية، كما أن العودة إلى تاريخ العلاقات الإخوانية الإيرانية منذ بدايات ثورة ولاية الفقيه والتأثر الإخواني بها لا يفسر القصة سياسيا، وإن كان يعطي تلميحات حول موقف الجماعة تجاه النموذج الإيراني ومحاولة خلق ولاية مرشد سنية.

خطوة الإخوان نحو إيران هي إعادة تعريف للمعادلة الإقليمية ولا شك وبعثرة التوازنات القائمة، فالإخوان يريدون تحويل مشكلات الداخل والفشل السياسي إلى ضربة سياسية خارجية كبرى عبر إيجاد مخرج للأزمة السورية، بما يضمن عدم التدخل الأميركي في سوريا ورفع الحرج عن الراعي الرسمي للربيع الإخواني، كما أن هذا المخرج هو أيضا جزء من ملف الثقة الذي يحاول الإخوان تقديمه لروسيا لإعادة الحضور الإقليمي عبر التقارب مع إيران.

الخطأ الاستراتيجي الفادح الذي ترتكبه الجماعة يفسر رغبتها الملحة في لعب أدوار خارجية لتغطية مشكلات الداخل أو على الأقل لتقبل نسقها الشمولي في التحول إلى ديكتاتور ديمقراطي يقدم مصلحة الجماعة على المصلحة الوطنية، لكنه لا يفسر أبدا استهداف الجماعة لذاتها عبر ضرب إخوان سوريا في صميم ثورتهم، ومن هنا لا يستبعد أن يكون جزءا من التفاوض مع إيران بشأن الملف السوري هو ضمانة لعب الإخوان دورا رئيسا في الصيغة الجديدة للمصالحة، وهذا يعني إمكانية التضحية بكل أطياف المعارضة السورية.

والسؤال: هل سنشهد انقسامات إخوانية إخوانية كما حدث إبان حرب الخليج، حيث فوجئ إخوان الخليج وتحديدا الكويت بتنكر إخوان الشام لهم ووقوفهم مع صدام آنذاك؟ شخصيا لا أعتقد ذلك، فموقف إخوان الخليج الإيجابي من حزب الله في حرب تموز 2006 تعطي مؤشرا على رؤية الإسلام السياسي للثورة الإيرانية وأذرعها، وأن شعار المقاومة وعداء الغرب مقدم على الخلافات المذهبية كما أن النزاع الإخواني الإخواني آنذاك كان بين فصيل يشكل معارضة وآخر حليف للدولة يعمل كحزب دعوي لا سياسي.

والحال أن السؤال السابق لا يقلل من أهمية سؤال آخر على الصعيد الداخلي، وهو: كيف سيعالج الإخوان المصريون تداعيات هذا التقارب مع إيران وتبدل اللهجة في الأزمة السورية لحلفائهم من السلفيين في الداخل؟ حيث تدرك الجماعة أن «الليونة» السلفية في السياسة مرهونة بصلابة الموقف العقائدي، وهو ما يلوح بتجاذبات سياسية حادة. الأكيد أن الحريري صاحب المقامات لو كان بيننا لكتب «وفي نهاية الزمان، برعاية الأميركان، استهدف الإخوان الإخوان، للتقارب مع إيران، فكان ما كان»!

عبدالله هادي
01-05-2013, 10:24 AM
عماد الدين أديب
التضارب الإيراني المزعوم..!



صرح علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، ووزير الخارجية الأسبق، والمرشح الحالي للانتخابات الرئاسية الإيرانية أنه «في حال فوزه بمقعد الرئاسة، فسوف يعطي الأولية رقم واحد في جهوده لتحسين اللافتات وتحقيق التقارب مع دول الجوار».

وإذا كان ولايتي صادقا فيما يقول، فإن «دول الجوار» التي تحدث عنها الرجل تحتاج إلى تحديد النطاق الجغرافي، فلا أحد يعرف ما إذا كانت «الجوار» تعني العراق فحسب، أم تشمل العراق وروسيا وأفغانستان والإمارات، ثم تنضم سوريا إلى مفهوم دول الجوار، وهل الحوثيون في اليمن أيضا؟ وهل يضاف إلى ذلك المعارضة البحرينية؟

هذا النطاق الجغرافي لا بد من تحديده في كلام ولايتي، وهو أيضا كلام يحتاج إلى مقارنته بمدى مصداقية الرجل في تاريخه العملي القريب؟

ولايتي كان وزير الخارجية التي زاد بها تهديد دولة الإمارات العربية، وهو نفسه الوزير الذي تحدثت فيه طهران عن أن البحرين محافظة إيرانية، وهو أيضا كان الوزير الذي تم فيه الدفاع المستميت عن سوريا والتوجه نحو التشدد اللانهائي في موضوع القوة النووية.

كلام ولايتي يبدو أنه كلام مرشح رئاسة يتبع تيار الحكم المتشدد ويحاول بيع كلام إلى تيارات الاعتدال والإصلاح في الداخل الإيراني.

لا بد من مراجعة تصريحات مرشحي انتخابات الرئاسة الإيرانية ومقارنتها بسجل أعمالهم وأفعالهم التي تدل على تشدد كبير وتصعيد دائم ينذر بمخاطر شديدة إذا ما وصل أحدهم إلى سدة الحكم.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية «فارس» بأن «ولايتي» أكد في تصريحه أن ما سماه العلاقات الودية مع دول الجوار ستخدم مصالح إيران و«ستشكل ضمانة للأمن القومي الإيراني».

إذن الرجل يرى التقارب من منظور خدمة الأمن، بهذا المفهوم يمكن تفسير التقارب على أنه تقارب «الإذعان والقوة» التي تسعى طهران إلى فرضها دائما على جيرانها.

إنه تقارب شحن الأسلحة إلى اليمن، وتقارب الأموال النقدية المحمولة في الحقائب إلى البحرين، وهو تقارب احتلال البحرية للجزر الإماراتية، وهو تقارب المناورات البحرية أمام مضيق هرمز، وهو تقارب قتال الحرس الثوري إلى جانب جيش النظام في سوريا.

إذا كان هذا هو التقارب، وهذه هي سياسة حسن الجوار فلا نريدها يا سيدي، وشكرا على تصريحاتك المشكوك فيها!

عبدالله هادي
01-05-2013, 10:27 AM
إياد ابو شقرا
بصدق.. حول التقارب المصري الإيراني



فاجأت كثيرين خلال الأسبوع الفائت زيارة اثنين من كبار مستشاري الرئيس المصري محمد مرسي لطهران، حيث اجتمعا بقيادات إيرانية بارزة على رأسها رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد.

هذه الخطوة غير معزولة عن سياق غدا مألوفا من القيادة المصرية الإخوانية الجديدة، التي تؤكد كل يوم قربها سياسيا من السلطة في إيران. وبغض النظر عما إذا كانت المبررات متصلة بالوفاء لـ«صداقات زمان» في وجه الخصم المشترك السابق، أو اقتناعا بصدق طروحات طهران بشأن «العمل على وحدة المسلمين في وجه الصهيونية وأميركا»، يأخذ بعضنا على الرئيس مرسي وصحبه تعجل التطبيع مع طهران بينما ينزف الدم السوري، وينزلق كل من العراق ولبنان نحو المجهول. وفي حالتي العراق ولبنان لا تغيب طهران عن المشهد.

أذكر جيدا وصف أحد أستاذتنا أيام الدراسة الجامعية مصر بأنها «الدولة الأمة» (Nation – State) الوحيدة في العالم العربي. ومن يتعمق في دراسة تاريخ مصر يكتشف أنه منذ توحيد مملكتي مصر العليا ومصر السفلى تبلورت فيها حقا هوية الدولة المركزية الواحدة التي تعزز الجغرافيا وحدتها وهويتها.

صحيح أن مصر تعرضت عبر الحقب التاريخية المتعاقبة لأشكال مختلفة من الغزو قبل الفتح الإسلامي - العربي وبعده، لكنها استوعبت ما دخلها وهضمته، وبقيت في ثقافتها فرادة لا تتوافر في الكيانات المجاورة.

الإسلام في مصر له طابعه الخاص، فمع أن أقوى دولة إسلامية حكمت مصر كانت الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية، فقد ظلت البلاد معقلا من معاقل أهل السنة والجماعة، وتحول الأزهر الشريف الذي أسسه الفاطميون إلى إحدى القلاع السنية الحصينة. والعروبة في مصر، أيضا، كان ولا يزال لها طابعها «المصري» الخاص، فقد هيمن عليها لبعض الوقت الملوك الرعاة أو الهكسوس الآتون من المشرق العربي قبل أن يذوبوا فيها، وبعدهم ذابت كذلك موجات من الهجرة العربية جاءت إلى مصر من الشرق والغرب. وظلت مصر هي مصر.

وعلى صعيد الاستقلال السياسي شكلت مصر بين مطلع القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين حالة خاصة من التبعية والحماية والاستقلال، إبان حكم السلطنة العثمانية، ظهرت فيها أسرة محمد علي، ولولا التدخل الأجنبي بعد معركة نزيب عام 1839 لكان الفرع غلب الأصل في عقر داره. كانت دولة إقليمية كبرى لها دستور دولة مستقلة عام 1882 وممثليات أجنبية، لكنها ما كانت مستقلة بالكامل.

مع خلفية كهذه، كان صعبا على القيادات التي توالت على حكم مصر فهم التعقيدات البنيوية للكيانات السياسية المحيطة ببلادهم «الدولة - الأمة». هذا أمر طبيعي في بلد يتمتع بقدرة عجيبة على «هضم» الاختلافات والتعددية. وبالتالي، ليس مستغربا فهم الأخطاء التي ارتكبتها القيادات المصرية، على الأقل منذ عهد أسرة محمد علي، في التعامل مع محيطها العربي.

بعكس مصر «السنية»، يعيش في مناطق كثيرة من المشرق العربي عدد من الفرق والمذاهب الإسلامية. والمسيحية في مصر هي في الغالب الأعم القبطية الأرثوذكسية، إذ لم يظهر الأقباط الكاثوليك فعليا قبل العقود الأخيرة من القرن السابع عشر، ولم يعين لهم بطريرك إلا في نهايات القرن التاسع عشر. أما البروتستانت والمذاهب الأخرى فأحدث عهدا، وليس منها ما يعود إلى عهود قديمة سوى أديار الروم الأرثوذكس، ولعل أشهرها على الإطلاق دير سانت كاترين في سيناء. وفي مصر الانقسام الاجتماعي محصور عمليا بثلاثة أشكال هي: سكان المدينة، والفلاحون الريفيون، والهوارة من أهل البادية. وهؤلاء جميعا يعيشون في أرض منبسطة يربطها النيل ويوحدها حيث لا حواجز طبيعية تفصل بين أرجائها، بعكس الحواجز الطبيعية الصحراوية التي تفصلها عما يحيط بها.

في ظل واقع جيوسياسي واجتماعي – بيئي كهذا كان بديهيا أن تولد ثقافة سياسية خاصة، تختلف عن ثقافات كيانات سياسية رسمت حدودها فعليا، واعتباطيا – كحال كيانات بلاد الشام والعراق – خلال القرن العشرين.

ثقافة «الوحدة والتجانس» في مصر تختلف عن ثقافة التنوع في بلاد الشام والعراق بالذات. والمشكلة المستمرة حتى اليوم هي أن لا مصر استطاعت فرض «حالة الوحدة والتجانس» على كيانات المشرق التي احتلتها غير مرة منذ عصر الفراعنة، ولا «تنوع» تلك الكيانات أوجد وعيا عند القيادات المصرية بضرورة التعامل مع قضاياها بحساسية، بل على النقيض من ذلك، أوجدت «حالة الوحدة والتجانس» - تعززها أفضلية الثقل السكاني المصري - نوعا من التعاطي الواثق المفرط أحيانا في فوقيته، والمفعم في فترات متباعدة بأحلام الهيمنة التوسعية.

تجارب أسرة محمد علي في الهيمنة كانت لها نتائج سلبية في عدة أماكن، منها المجازر الطائفية في سوريا وجبل لبنان في منتصف القرن التاسع عشر بعدما أدت الحملة المصرية إلى اختلال العلاقات بين الأديان والطوائف، وبين المدن والريف، قبل نضج حركة الإصلاح في الدولة العثمانية.

وعندما بزغت أفكار «العروبة» في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، فإنها بدت دخيلة وطارئة على النخب المصرية الحاكمة. وظلت كذلك على الرغم من التجربة الناصرية وشعارات الوحدة العربية قرابة عقدين من الزمن. وفي المقابل، تمكن الإسلام السياسي قبل الفترة الناصرية وبعدها – بل على أنقاضها – من فرض وجوده على العامة في مصر.

إن جزءا من تجاوز القيادة المصرية اليوم معاناة ملايين السوريين يمكن تفسيره بأن الشارع المصري لا يدرك مخاطر العبث الإيراني الخطير بالفسيفساء العربية المشرقية. وإذا كان ثمة رد فعل مناهض لهذا العبث فإنه سيأتي من منطلق التكفير المذهبي وليس من وازع حماية الأمن القومي العربي، وصيانة وحدة مجتمعات عربية هشة يمزقها طموح طهران من أجل مساومة إقليمية كبرى.

نحن إزاء سوء فهم خطير، وقد تدفع المنطقة العربية كلها ثمنا باهظا قبل أن تدرك القاهرة «الإخوانية» خطأها الاستراتيجي القاتل.

عبدالله هادي
01-05-2013, 10:34 AM
إياد أبو شقرا
«وحدة المسلمين» و«تحرير فلسطين».. في قاموس طهران




أصغيت بالأمس إلى المؤتمر الصحافي الذي عقده حسين أمير عبد اللهيان، مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الشرق الأوسط، في القاهرة، وتأملت مضمونه طويلا، وخرجت بعده باستنتاج مؤداه أن أزمة الثقة بين إيران والشريحة الأكبر في الأمة العربية تخطت حقا مرحلة سوء الفهم.

لقد بنت طهران استراتيجيتها في ما تعتبره مناطق نفوذ تاريخية أو مستقبلية لها، تحت شعارين جذابين لا يجادل أحد في وجاهتهما: الأول، هو وحدة المسلمين. والثاني، تحرير فلسطين.

تحت الشعار الأول سعت إلى مد نفوذها السياسي والثقافي وخدماتها الاجتماعية والإغاثية واستثماراتها السخية في عدد كبير من الدول والتنظيمات الإسلامية. وتحت الشعار الثاني ارتبطت بعلاقات سياسية وأمنية - ومالية - أيضا - مع أنظمة وتنظيمات عروبية وإسلاموية يتضح الآن مدى الحكمة من كسبها أو، على الأقل، تحييدها.

ومن ثم، عندما هبت رياح «الربيع العربي»، اعتبرت طهران، التي تدعي أنها الحصن الحصين في المنطقة لمقاومة الهيمنة الغربية، أن استثماراتها أخذت تؤتي أكلها.. إذ أخذت تتساقط أنظمة عربية كانت «صداقتها» الغربية أكثر من بديهية لدرجة أضعفت صدقيتها حتى في مراكز القرار الغربية.

ولكن رياح التغيير العربي كانت نابعة في المقام الأول من أسباب داخلية. من معاناة شعبية كانت الأنظمة الأبوية - الأمنية في دول مثل تونس ومصر عاجزة عن التعامل معها إلا بالطريقة الوحيدة التي تجيدها والتي تمرست بها لعقود.. أي القمع. ولأن الأسباب الدافعة إلى التغيير كانت داخلية معيشية، كان مستبعدا نجاح حكم معمر القذافي في ليبيا وحكم حافظ ثم بشار الأسد في سوريا، في مواصلة خداع الشارع بعبارات ثورية جوفاء. فالشعب الليبي، ومثله الشعب السوري، كانا يدركان أن مصطلحات كـ«الثورة» و«الجماهير» و«الاشتراكية» و«التصدي للإمبريالية» أبعد ما تكون عن كيمياء طغم فئوية - قبلية وطائفية - توريثية وفاسدة.

عند المحطة السورية انكشفت أبعاد المشروع الإيراني.. بالتفصيل.

لقد كانت مقدمات المشروع محسوسة في الواقع منذ الساعات الأولى للاحتلال الأميركي للعراق الذي كان ثمرة تخطيط مباشر من «المحافظين الجدد» في «البنتاغون» وكتل ضغطهم في الكونغرس. إذ ما إن استتب الأمر للقوات الغازية حتى بدأ القادة العراقيون اللاجئون إلى إيران وأوروبا الغربية يتوافدون عائدين إلى العراق المحتل.

ثم في عام 2006، وافق حزب الله اللبناني ذو المرجعية الإيرانية بعد حربه الخاصة مع إسرائيل في أعقاب خطفه عسكريين إسرائيليين من داخل «الخط الأزرق»، على قرار مجلس الأمن الدولي 1701، القاضي بمنع الوجود المسلح جنوب نهر الليطاني. أي أن «الحزب»، ومن خلفه طهران، وافق على منطقة آمنة منزوعة السلاح في جنوب لبنان لا مجال بعدها لـ«مقاومة» إسرائيل. ثم استعاض «الحزب» عن جبهة جنوب لبنان بجبهة أخرى فتحها في بيروت والجبل عام 2008، ثم جبهات إضافية في عرسال (بشمال البقاع) وطرابلس تفاقمت أكثر بعد تفجر الثورة السورية قبل سنتين.

في فلسطين، أيضا، كان دور طهران محوريا. وبالتضامن والتنسيق مع دمشق، أسهمت في ترسيخ الانقسام الفلسطيني وفصل قطاع غزة الخاضع لحكم حركة حماس عن الضفة الغربية حيث اليد الطولى لسلطة محمود عباس (أبو مازن)، ومن ثم تعميق الانقسام داخل غزة بين حماسيي «الإخوان» وحماسيي إيران نفسها.

الثورة السورية وترت فعليا العلاقات ضمن ما كان «صفا مقاوما واحدا». وعندما باشر نظام الأسد حربه التي حصدت أكثر من مائة ألف قتيل، ومن ثم سعى إلى تصوير الثورة الشعبية كلها على أنها مؤامرة تكفيرية أصولية، ما عاد ممكنا بقاء القيادات الإسلامية الفلسطينية البارزة المقيمة في دمشق.. في عاصمة عربية تنحر الإسلاميين وتخونهم.

كيف تقبل دمشق بتولي الإسلاميين أمور الفلسطينيين، لكنها تقاتلهم إذا سعوا إلى السلطة في سوريا؟ باختصار، صارت هذه المعادلة العبثية واضحة بالنسبة إلى أي فلسطيني، وخصوصا الفلسطيني الإسلامي.

في مصر اللعبة الإيرانية كانت أكبر وأخطر. هنا كان على الرئيس «الإخواني» الدكتور محمد مرسي دفع فواتير الدعم الإيراني المزمنة، وها نحن منذ عدة أشهر نشهد تردد السياسة المصرية وارتباكها وتناقضها في الشأن السوري. ونشهد أيضا الرهان الإيراني على رفض مرسي اتخاذ أي إجراء جدي لوقف تورط طهران المباشر في الملف السوري، بل فتحه الباب واسعا أمام التغلغل الإيراني في مصر عبر السياحة والاستثمار والثقافة الدينية. وهذا طبعا بالإضافة إلى رهان طهران على محاصرة الثورة السورية من العراق ولبنان، والاستفادة من التباس مواقف «الإخوان» في الأردن، وبعض الفصائل الكردية في تركيا من الثورة.

عودة إلى شعاري طهران الكبيرين..

في ما يخص «تحرير فلسطين» يكفي النظر إلى الموقف الإسرائيلي المرتاح جدا إلى «سيناريو» الفتنة الداخلية الذي يهدد بتمزيق سوريا، وقراءة تعليق نشرته صحيفة «هآرتس» في الأسبوع الماضي عن أن الرئيس السوري بشار الأسد يجد الآن في بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي «صديقا غير محتمل»!

أما عن «وحدة المسلمين» فأمامنا طيف من الإشكالات والنزاعات الإسلامية - الإسلامية التي ما كانت لتحدث لولا المخطط الإيراني لمساومة تل أبيب وواشنطن بالدم العربي، ابتداء من الاستقطاب الطائفي الفتنوي غير المسبوق في كل من العراق ولبنان، إلى الخلاف بين «الإخوان» والسلفيين في مصر حول التقارب مع طهران على حساب دماء السوريين، مرورا بحرب الحوثيين في اليمن.

الشاعرة الأميركية مايا آنجيلو قالت ذات يوم: «لقد سببت الكراهية في مشاكل عديدة على امتداد العالم لكنها لم تنجح في حل أي منها».

حبذا لو يختار إخوتنا بإيران أن يخففوا من «محبتهم» لنا ولقضايانا بعض الشيء، ويحجموا عن التكلم باسمنا وباسم السوريين حول من يشغل مقعد سوريا في جامعة الدول العربية.

عبدالله هادي
01-05-2013, 10:35 AM
اياد ابو شقرا
«مقاومة» و«ممانعة».. في خدمة «مشروع الشرق الأوسط الجديد»



الشيخ نبيل قاووق، نائب رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله وأحد أبرز قادته في جنوب لبنان، اعتاد اللبنانيون على خطبه الصريحة في المناسبات الاحتفالية، بمختلف أحجامها وأنواعها، غير أن اللازمة الدائمة التي لا تحول ولا تزول في خطب الشيخ قاووق هي الإصرار على ثابتة «المقاومة».
في قاموس الشيخ «المقاومة» كلمة تختصر كل شيء. إنها ثابتة في الزمان والمكان. فوق مستوى التعريف والشرح والتحليل. «المقاومة» هنا فلسفة وجود وعصب حياة... التشكيك فيها جريمة والتساؤل حولها خطيئة.

بالأمس، كان جمهور جنوب لبنان على موعد مع خطاب آخر للشيخ قاووق، تطرق فيه – طبعا – إلى «المقاومة». والجديد المثير في الخطاب أنه جاء على خلفية التقارير الميدانية من الريف المحيط بمدينة القصير الحدودية السورية. في ريف القصير يمارس شباب «الحزب» نوعا مختلفا من «المقاومة»... هي مقاومة قيام سوريا حرة يحكمها شعبها، بدلا من طغمة أمنية – طائفية «احتلتها» منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن.

وما يضع الأمور في إطارها الصحيح كلام الرئيس السوري بشار الأسد لدى استقباله وفدا عرمرميا من جماعات «8 آذار» المؤمنة بطروحاته «القومية» و«إصراره» على تحرير فلسطين، إذ قال ما معناه إنه لا يجوز للبنان أن ينأى بنفسه عن الوضع في سوريا، بل يجب عليه المشاركة في مقاتلة «الجماعات المسلحة». وأضاف أن «تحرير» القصير خطوة على الطريق لـ«تحرير» حمص.

كلام الأسد واضح إذن. وموقفه قاطع من أي مبادرة سلمية دولية، فهو منشغل بواجب «تحرير» مدن سوريا – من سكانها على الأرجح – بعدما تعذر عليه تحرير فلسطين.

عودة إلى الشيخ قاووق...

الشيخ قال بالأمس: «المقاومة تمثل اليوم ضرورة وطنية استراتيجية لمواجهة أي محاولة إسرائيلية لاستثمار الأزمة في سوريا (كذا)، كما أن الواجب الوطني يفرض علينا أن نحصن الوطن وإنجازات المقاومة من أي محاولة إسرائيلية... الواجب الوطني يفرض علينا أيضا أن لا نسمح لأميركا وإسرائيل بتحقيق أي مكاسب على حساب قوة لبنان. قوة لبنان هي في معادلة الجيش والشعب والمقاومة». ثم استطرد: «كما انتصرنا على إسرائيل عسكريا نحن ننتصر على أميركا سياسيا، إن بتشكيل الحكومة وإن بالانتخابات النيابية، ولن تحصد أميركا غير الخيبة على الرغم من كل السموم الأميركية التي تبثها في الواقع اللبناني».

ما أتذكره، كمراقب، ويتذكره جيدا اللبنانيون أن حزب الله وافق على قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي يمنع وجوده العسكري – أو «المقاوم» – جنوب نهر الليطاني. وهذه الموافقة ساعدت «الحزب» على توجيه سلاحه.. أولا إلى الداخل اللبناني اعتبارا من 2008، ثم خلال العامين الماضيين إلى الداخل السوري. وهذا يعني أن الجبهة الوحيدة الهادئة حاليا بالنسبة لـ«المقاومة» هي الجبهة الجنوبية التي قامت «المقاومة» أصلا من أجلها، أي تحرير جنوب لبنان.. ومن ثم فلسطين.

كيف تحولت «المقاومة» من الجنوب إلى الشمال؟ وكيف تنظر إسرائيل وينظر داعموها في الولايات المتحدة إلى هذا التحول؟ ما سر الارتياح الإسرائيلي لما يجري في سوريا منذ أكثر من سنتين؟... ثم ما سر الإصرار الأميركي على ترك سوريا تتمزق من الداخل؟.. مع أنه ثبت بالأرقام والأحداث أن الانهيار البطيء حوّل أراضيها إلى وجهة مثالية للأصوليين الجهاديين يأتونها من مختلف أنحاء العالم.. وإذا كان لنا تصديق السيد الأخضر الإبراهيمي، الموفد الدولي – العربي، يقاتل في سوريا اليوم نحو 40 ألف مقاتل أجنبي.

باعتقادي الإجابة على السؤال الأول بسيطة، وهي أنه ما عادت هناك «مقاومة»، بل هي التزام بمشروع إقليمي تكشف الأيام أن تفاصيله قيد المساومة دوليا. «المقاومة» اليوم هي المسمى المهذب للدور الموكل لحزب الله في تنفيذ تفاصيل مشروع «سايكس - بيكو» جديد، باسم إيران وبمباركة إسرائيل، تحت رعاية روسية – أميركية.

إسرائيل، من جانبها، مرتاحة للحقد الفئوي المضاد الذي يثيره قمع دموي يمارسه نظام فئوي، مدعوما بمقاتلي تنظيم فئوي، في ساحتين متاخمتين لها هما سوريا ولبنان. ومن المستبعد جدا أن يكون حزب الله، ومن خلفه الحكم الإيراني، قد فوجئ.. أولا برد الفعل المتشدد في الشارع السني في سوريا ولبنان، وثانيا بزحف الجماعات الجهادية على الداخل السوري من كل فج عميق.

قبل سنوات بدأنا نسمع عما سمي بـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد». ويومذاك قيل لنا إن وراءه تيارات غربية – صهيونية على رأسها «المحافظون الجدد» في الولايات المتحدة. وبعد نشر خرائط تقسيمية للمنطقة مدعومة بتوصيات لبعض مراكز الأبحاث، هب كثيرون مطلقين دعوات حارة للتصدي للمشروع. لكنّ أحدا، ولا سيما أصحاب الحناجر القوية، لم يشرح للناس آلية تنفيذ مخطط من هذا النوع، بل يظهر أن هؤلاء توهموا أن معدي «مشروع الشرق الأوسط الجديد» سينجزونه بقرار سياسي معلن. لكن ما أثبته مرور الزمن أن أولئك الذي كانوا أشرس مهاجميه لفظيا... كانوا على رأس المساهمين في تنفيذ بنوده فعليا.

اليوم يقود حزب الله ونظام بشار الأسد، اللذان يجسدان – كما قيل لنا – زبدة «المقاومة» و«الممانعة»، عبر تدمير سوريا ولبنان وتمزيق نسيج مجتمعيهما، عملية التنفيذ الفعلي لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد».

أن يقدم مسلحون جهاديون من خارج سوريا، بالأمس، على خطف أسقفين قرب حلب – أحدهما كان مرشحا للبطريركية قبل أن ينتخب شقيقه للمنصب – وأن يتسارع إيقاع التهجير والفرز الطائفي والنهوض بـ«الواجب الاستشهادي» في أراضي المحافظات السورية، أمام تواطؤ عنيد من المجتمع الدولي، فهذا دليل قاطع على التنفيذ الدقيق لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد». «مقاومة» و«ممانعة» من هذا النحو مكونان ضروريان لإنجازه.

عبدالله هادي
02-05-2013, 07:09 AM
هدى الحسيني
رفض إيران «اتفاقية السلامة النووية» لا يطمئن دول الخليج!



الهزة الأرضية التي أصابت جنوب طهران منذ نحو ثلاثة أسابيع، أعادت المخاوف من حادث غير متوقع يصيب مفاعل «بوشهر» وكذلك المنشآت النووية الإيرانية الأخرى، خصوصا أن إيران تقع على خط الزلازل.

بالنسبة إلى دول الخليج العربي، فإن كل ما يؤثر على محيط مفاعل «بوشهر»، يثير لديها الكثير من القلق على حياة مواطنيها. ويتفق الكثيرون على أن أهم منشأة للاستخدامات السلمية في إيران هي مفاعل «بوشهر» لإنتاج الطاقة الكهربائية، لقد صمم ونفذ لهذا الغرض ويخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بناه الألمان في الأساس، لكن بعد الثورة الخمينية احتاج الروس وقتا طويلا في المفاوضات ليوافقوا، إذ أصر الإيرانيون على تكملة المفاعل من حيث وصل الألمان.

المهم، أن البناء استكمل وبدأ الإنتاج. وفي عام 2012، وقعت مشاكل فنية، بعضها غامض، وتوقف العمل فيه. الروس وعدوا بإعادة تشغيله على أساس تسليمه للإيرانيين بعد سنة، لكنهم لن يتخلوا عن المراقبة والإشراف نتيجة لاتفاق بينهم وبين الإيرانيين، على الرغم مما يردده الطرفان عن تسلم وتسليم، وذلك لأسباب تعاقدية: مثلا، أن الوقود النووي المستهلك سيعود إلى روسيا وفقا للاتفاق. وعندما يقال إنه سيعود، فذلك يعني أن روسيا تزود إيران بالوقود النووي؛ أي اليورانيوم المخصب بنسبة 4 إلى 5% للكهرباء، وبعد سنة أو سنتين عندما تستنفد الطاقة الموجودة فيه أو اليورانيوم 235، (معظمه يحرق ويتفاعل وينتج الطاقة)، تستعيده روسيا حتما. لأن من الوقود النووي المستنفد يمكن استخلاص البلوتونيوم.

إذا استطاعت إيران، بطريقة سرية أو خفية، الاستحواذ على تكنولوجيا فصل البلوتونيوم عن اليورانيوم بالوقود المستنفد، وتنقية الفصل إلى درجة عالية جدا بطرق كيماوية – الوقود مشع جدا وصعب التعامل معه، ولا تملك إيران، حسب المعلومات المتوافرة، تكنولوجيا فصل البلوتونيوم إلا على مستوى الأبحاث – عندها يمكنها إنتاج قنبلة نووية!

أصرت روسيا في العقد، على أن يعود إليها الوقود النووي المستنفد بعدما يبرد (يكون إشعاعيا ساخنا جدا)، ويؤكد الروس علنا وسرا أنهم لن يتنازلوا عن هذا الشرط، وإلا يلغى الاتفاق ويتوقف العمل في المفاعل. وإذا تخلى الروس عن المفاعل، فسيصعب على الإيرانيين تشغيله إلا بعد فترة طويلة.

«بوشهر» أهم منشأة لاستخدامات الطاقة النووية السلمية، لكن لدى إيران منشآت أخرى للطاقة السلمية، الأهم بينها مفاعل طهران للأبحاث وصار قديم العهد، ويفترض أن يكون مفاعل «أراك»، الذي هو قيد الإنشاء، بديلا عنه. «أراك» أكبر بكثير من مفاعل طهران، وأغلب الظن أن له استخدامات مزدوجة، إذ يمكن استخدامه للأبحاث الطبية وأيضا لإنتاج البلوتونيوم (الوسيلة الثانية لإنتاج الأسلحة النووية).

هناك من يقول إنه يمكن تطوير «بوشهر» أيضا لإنتاج البلوتونيوم. من الناحية النظرية، هذا ممكن، لكن «بوشهر» ليس بنفس كفاءة مفاعل «أراك»، فهو مصمم أساسا لإنتاج الطاقة الكهربائية.

كيف سيحدث ذلك، إذا حدث؟ إن الوقود المستخلص يحول إلى أغراض أخرى والبلوتونيوم موجود، إذ عندما ينتهي التفاعل النووي في اليورانيوم، فإن جزءا من اليورانيوم يتحول إلى بلوتونيوم.

في المفاعلات ذات الأغراض السلمية، فإن معظم اليورانيوم يتحول إلى طاقة، هذه المفاعلات مصممة لهذا الغرض. أما المفاعلات للأغراض غير السلمية (إسرائيل، باكستان، الهند وأوزيراك سابقا)، فقد صممت بالدرجة الأولى لزيادة كمية البلوتونيوم المنتجة. ومن أجل الحصول على سلاح نووي أو قنبلة واحدة، يجب أن يتوافر من 9 إلى 10 كلغ بلوتونيوم، هذا إذا كان التصميم جيدا، وإن لم يكن كذلك تكون الحاجة إلى كمية أكبر.

وأسأل خبيرا نوويا خليجيا عن الدول الأبرع في هذه المهمة فيجيب: أميركا وروسيا والصين التي لديها قنابل هيدروجينية، وهذه دمارها أفظع، وإسرائيل. أما باكستان والهند اللتان تملكان المئات من القنابل النووية، فليستا بهذه الكفاءة.

إذن، هناك المفاعل الأساسي «بوشهر»، وهناك مفاعل طهران، ثم مفاعل «أراك» الذي يبنى، والمفترض استخدامه لأغراض سلمية إلا إذا أزيلت الرقابة عنه، وهذا ينطبق على «بوشهر». لكن مفاعل «بوشهر» تحت الرقابة، وروسيا ملتزمة ذلك.

أما «أراك»، فإنه حتى الآن لا يعمل، وبالتالي لا يحق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفقا لاتفاقية الحماية، أن تزور المنشأة إلا إذا وقعت إيران على البروتوكولات الإضافية. وكانت طهران قد وقعت، لكن مجلس الشورى لم يصدّق. والتزمت في مرحلة من المراحل، لكنها تراجعت فيما بعد.

عندما اكتشفت برامجها السرية وافقت طوعيا أن تلتزم الاتفاقيات الإضافية، وطبقتها جزئيا ثم عادت عن ذلك مدعية أنه نتيجة لخلاف بينها وبين الوكالة الدولية.

يعني هذا الوضع بالنسبة إلى «بوشهر»، أنه إذا ما قررت إيران أن تبقي على الوقود لتستخلص منه البلوتونيوم، فيجب أن تتوقف المراقبة الدولية على المفاعل وعلى أماكن التخزين قبل نقلها إلى روسيا، فالوقود يجب أن يخزن قبل أن تتم عملية النقل، وبمجرد أن تقوم إيران بعملية التحوير هذه سيكتشف الروس والوكالة الدولية ذلك.

وستحتاج إيران أيضا إلى أكثر من سنة أو سنتين للحصول على البلوتونيوم من «بوشهر»، لأنها لا تملك تكنولوجيا التصنيع. إذن، طريق «بوشهر» طويل، لكن طريق «أراك» أسرع. والخطورة في «أراك»، أنه ليس هناك ما يلزم إيران في مرحلة التخطيط أن تكشف عن المعلومات أو تسمح للوكالة الدولية بأن تطلع على المفاعل خلال إنشائه.

هناك من يقول إن إيران قد تنتهي من بناء مفاعل «أراك» ثم تقول إنها توقفت عن العمل فيه. في هذه الحالة، وبعد سنة مثلا، تكون لديها كمية كافية من البلوتونيوم لتصنيع قنبلة، ولا تكون تحت الإشراف الدولي، عندها سيكون من الصعب التخلص منه، لأن قصفه سيسبب إشعاعات مضرة. لذلك، وبسبب خوف المجتمع الدولي من أن هذا المفاعل سوف يكون لخدمات عسكرية، فيجب التعامل معه قبل التشغيل.

ما يقلق دول الخليج العربي، أن «تشرنوبيل» في أوكرانيا كان مفاعل يورانيوم للطاقة الكهربائية، عندما انفجر تطاير الوقود وانتشر البلوتونيوم. المضر الذي انتشر كانت المواد الناجمة عن الانشطار النووي، السيزيوم والسترونشيوم، وهما مادتان تعيشان فترة 30 سنة في الهواء. أما البلوتونيوم، فعندما ينفجر لا يطير في الهواء بسبب ثقله.

لذلك، تصر الدول الخليجية على أن تتأكد من أن تصميم أو تشغيل هذا المفاعل يحقق أعلى درجة من السلامة. ثم إنه بعد انفجار مفاعل «فوكوشيما» في اليابان، صار مطلوبا أن تخضع كل المفاعلات في العالم إلى (stress test). وهذا الفحص لا يقصد منه الإشراف على المفاعل، إنما مراجعة التصاميم وأوراق البناء، والتأكد من أن فرص وقوع حادث نووي جسيم غير موجودة، وفي حال أسوأ الفرضيات، مثل الهزات أو تسرب الغاز، تريد الدول الخليجية أن تعرف مدى الأضرار وألا تكون أضرارا غير قابلة للتعامل معها.

هنا، يأتي الدور الروسي والوكالة الدولية للطاقة الذرية لإخضاع «بوشهر» لهذا الفحص، وأن تطلع دول الخليج المجاورة على تفاصيله.

اتفاقية السلامة النووية التي لم توقع إيران عليها، تلزم كل الدول الموقعة أن تحيط الدول المجاورة علما بالتصاميم أثناء وضعها. وحدث ذلك مع النمسا وتشيكيا، إذ طلبت فيينا من براغ إيقاف العمل في أحد مفاعلها لأن التصاميم الموضوعة لا توحي بالسلامة.

إيران ترفض التوقيع على اتفاقية السلامة النووية، تستخدمها كأداة من أدوات التفاوض، رغم أن التوقيع من مصلحتها، فهي تحصل في المقابل على مساعدة تقنية من المجتمع الدولي ومن الوكالة الدولية.

كل ما تطالب به دول الخليج يصب في مصلحة مواطنيها لا أكثر ولا أقل، تريد أن تطمئن إلى أن مفاعل «بوشهر» سليم، وإذا لم يكن كذلك فهي تريد الاطمئنان إلى وجود ترتيبات السلامة.

ترى متى تقرر إيران التعامل بجدية مع العالم، حتى لا يبقى التهديد الهوية الوحيدة التي تعرف عنها؟

عبدالله هادي
02-05-2013, 07:10 AM
صالح القلاب
أسباب إغراق إيران المنطقة بالحروب المذهبية!



للمرة الأولى منذ انهيار الدولة الصفوية وهزيمتها أمام دولة الخلافة العثمانية، يصل التوتر المذهبي بين السنة والشيعة إلى هذا المستوى المخيف والمرعب فعلا، الذي إن هو استمر على هذا النحو، وبهذه الوتيرة التصاعدية، فإن هذه المنطقة سوف تكتوي بنيران حروب مذهبية، كالحروب التي شهدتها سابقا، وعلى مدى نحو قرنين، وكالحروب الدينية إن في أوروبا، وإن في العديد من دول العالم، التي كانت حروبا قذرة بكل معنى الكلمة.

قبل أن تكون هناك الدولة الصفوية، التي حولت إيران من المذهب السني إلى المذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري القائم حاليا في إيران الخمينية، لم يكن هناك أي تنافر بين هذين المذهبين الإسلاميين، وكان أئمة السنة الأربعة أبو حنيفة النعمان وابن حنبل والشافعي والمالكي من المتعاطفين مع آل البيت، وكان أتباعهم ينظرون إلى هذا المذهب الجعفري الاثني عشري على أنه المذهب الخامس في الإسلام، الذي لا شك أن هناك بعض التعارض معه في بعض الاجتهادات التي لا تمس أركان هذا الدين الحنيف الأساسية.

لقد بدأت المشكلة عندما تم تحويل الطريقة الصوفية التي أسسها الشيخ الجليل صفي الدين الأردبيلي إلى حركة سياسية حوّلها إسماعيل الصفوي إلى دولة توسعية بناء على فتوى أصدرها شيخ لبناني هو علي عبد العال من قرية «الكرك»، ليس «الكرك» الأردنية، البقاعية بالقرب من مدينة زحلة المعروفة بـ«جارة الوادي»، وحيث كان المذهب الشيعي (الجعفري الاثني عشري) يعتبر أن إقامة الدولة الدنيوية الحاكمة يتنافى مع الاعتقاد السائد لدى أتباع هذا المذهب، وعلى أساس أن الإمام المهدي (المنتظر) سيعود ليملأ الأرض عدلا بعد أن امتلأت جورا.

لقد كان إسماعيل الصفوي هذا تستبد به شهوة الحكم والسلطة ولذلك فإنه بادر، بناءً على هذه الفتوى الآنفة الذكر، إلى إقامة دولة جعل المذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري مذهبا رسميا لها وبالقوة ثم بادر إلى احتلال العراق، وأدخل المنطقة في حروب مدمرة إلى أن انهزم أمام العثمانيين في معركة «جالديران» الشهيرة في عام 1514 التي تلتها مواجهات حدودية عثمانية - صفوية حتى انهيار هذه الدولة الصفوية، وزوالها لحساب الدولة القاجارية التي استمرت حتى عام 1929، حيث حكمت بعد ذلك سلالة بهلوي التي أطاحت بها الثورة الخمينية في فبراير (شباط) عام 1979.

لقد كان الاعتقاد، عندما عاد الإمام الخميني في فبراير 1979 من باريس بطائرة فرنسية وأسقط نظام أسرة بهلوي بأن العلاقات العربية - الإيرانية سوف تشهد حقبة جديدة عنوانها حسن الجوار والمصالح المشتركة ونهاية حقيقية لكل منغصات السنوات والعقود الطويلة الماضية، ولكن، وعلى الرغم من هذا، فقد شعرت بعض الدول العربية، خاصة دول الخليج العربي، ومنذ البدايات، بمخاوف حقيقية إزاء هذا المقبل الجديد أكثر كثيرا من المخاوف التي بقيت تراودها خلال حكم «شاهنشاه» رضا بهلوي الذي اعتبر نفسه شرطي المنطقة، والذي تصرف على أساس أن نظامه يشكل امتدادا للإمبراطورية الفارسية القديمة، والذي، في حقيقة الأمر، كان يبدي «احتقارا» للعرب كأمة وكثقافة، وكانت لديه تطلعات توسعية باستمرار.

كان الاعتقاد، خاصة بالنسبة للمثقفين العرب ومعظم الأحزاب والقوى العربية اليسارية والقومية، وأيضا بالنسبة لسوريا واليمن الجنوبي والجزائر وليبيا، أن الثورة الخمينية قد خلصتهم من نظام كان في حقيقة الأمر حليفا لإسرائيل، وبالطبع للولايات المتحدة، وكان قد احتل الجزر الإماراتية الثلاث؛ طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، كما كان قد احتل قبل ذلك عربستان (1929)، التي تعتبر إحدى أكثر المناطق العربية غنى بالنفط، ولذلك، واستنادا إلى هذا الاعتقاد، فقد كانت هناك قناعة شعبية بالنسبة للعرب في كل دولهم القريبة والبعيدة، بأن المستقبل بعد هذه الثورة سيكون مزهرا، وأن إيران ستصبح عمقا استراتيجيا يصل إلى بحر الخزر، وأن الماضي بأمراضه ومنغصاته قد ولّى بلا رجعة، وأنه لن يعود.

لكن هذه الأحلام والتطلعات ما لبثت أن أصيبت بكثير من الاهتزاز لدى الذين رافقوا الرئيس الفلسطيني الراحل في زيارته التاريخية إلى طهران، التي تمت قبل أن تحسم الثورة الأمور لمصلحتها وبصورة نهائية، ومعظم هؤلاء كانوا من العرب؛ فالإمام الخميني الذي كان قد عاش في النجف الأشرف في العراق 13 عاما، والذي ألف كثيرا من الكتب وألقى كثيرا من المحاضرات الدينية والسياسية باللغة العربية رفض التحدث مع ياسر عرفات، ولو بكلمة واحدة، بلغة القرآن الكريم، وبدلا من هذا، فإنه تمت الاستعانة بجلال الفارسي الذي كان عاد على الطائرة نفسها التي أقلت «أبو عمار» من دمشق إلى العاصمة الإيرانية، والذي مُنِعَ من الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية لأن والدته أفغانية.

لقد كان هذا هو أول مؤشر على أن الخميني ليس هو ذلك الذي في أذهان العرب الذين صفقوا للثورة الإيرانية حتى أدميت أكفهم، والذين هتفوا لها حتى بُحّت حناجرهم، أما المؤشر الثاني، فهو أن «آية الله العظمى» الذي أصبح هو الآمر الناهي وكل شيء في إيران ما بعد حكم أسرة بهلوي، رفض حتى أن يعتبر الجزر الإماراتية الثلاث جزرا إسلامية، وأصر، عندما فاتحه «أبو عمار» بهذا الأمر، على أنها إيرانية، وأنها ستبقى إيرانية إلى أبد الآبدين، وحتى نهاية التاريخ، وكذلك فإن ما أثار الاستغراب لدى ياسر عرفات ولدى بعض من كانوا معه أن هذا الرجل الذي يضع فوق رأسه عمامة سوداء كدلالة على أنه «سيِّد» وأنه من آل البيت قد اعتبر أن المقامات الشيعية في العراق (في النجف وكربلاء وفي سامراء وبغداد) محتلة، وأنه لا بد من تحريرها، وهذا في حقيقة الأمر كان أول إشارة على حتمية اشتعال الحرب العراقية - الإيرانية التي استمرت 8 أعوام دامية.

إن هذه هي الأرضية التي تستند إليها كل هذه الحروب المذهبية التي أشعلت إيران نيرانها في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن وفي البحرين، وكل هذا التوتر المذهبي الذي يقف خلفه الولي الفقيه؛ إن في عدد من دول الخليج العربي، وإن في مصر وفي بعض دول المغرب، ولعل ما يؤكد أن الجمهورية الخمينية باتت تشكل امتدادا للدولة البويهية وللدولة الصفوية والدولة «القاجارية» أن مرشد الثورة بات يتعامل مع المذاهب الشيعية الأخرى، كالمذهب الإسماعيلي، الذي يشكل مرجعية الدولة الفاطمية، والمذهب «الزيدي» الذي يتركز وجوده الرئيس في شمال اليمن، وأيضا الطائفة «العلوية» التي لا تؤمن بـ«المهدي المنتظر»، والتي لا تعترف إلا بـ11 إماما آخرهم الحسن العسكري، الذي كان مؤسس هذه الطائفة؛ أبو شعيب بن محمد بن نصير النمري، «بابا» له.

وحقيقة أن المشكلة في هذا المجال ليست مشكلة طوائف ولا مذاهب ولا أئمة. إنها مشكلة أن الشعوبية الفارسية القديمة التي انتعشت وتجددت في عهد إسماعيل الصفوي، وقبل ذلك في عهد الدولة البويهية، وبعد ذلك في عهد الدولة «القاجارية» قد استيقظت بعد انتصار الثورة الخمينية، وأن كل هذه الحروب والتوترات التي افتعلتها إيران خلال الفترة كلها منذ عام 1979 وحتى الآن، وبما في ذلك هذا التدخل السافر في العراق وفي سوريا ودفع حزب الله لمهاجمة أراضٍ سورية، هي حروب تسديد حسابات وثارات قديمة، حيث حقق العرب متسلحين بالإسلام العظيم ورافعين لراياته الخفاقة انتصارا حضاريا وتاريخيا على الامبراطورية الفارسية كانت بدايته معركة القادسية الخالدة؛ فالمسألة ليست مسألة ولاء لآل البيت، فالمعروف أن الأمة العربية أكثر الأمم الإسلامية ولاءً لآل بيت رسول الله (صلوات الله عليه)، ولكن ليس بالمفاهيم الصفوية ولا الخمينية.

عبدالله هادي
02-05-2013, 07:12 AM
طارق الحميد
إلى من خدعهم نصر الله


من الواضح أن أكثر المصدومين بخطاب زعيم حزب الله الأخير هم من كانوا مخدوعين بحسن نصر الله وحزبه، ولذا فقد كانت ردود فعلهم صاخبة وغاضبة، بعد أن هدد نصر الله بأن للأسد «أصدقاء» لن يسمحوا بسقوطه، وتندر على دول الربيع العربي، واعتبر قتلى حزبه في سوريا شهداء!

والحقيقة أن حسن نصر الله الذي تحدث مساء الثلاثاء هو نفسه حسن نصر الله الذي كنا ننتقده طوال السنين الماضية، ونحذر من خطورته وخطورة حزبه وكان المخدوعون ينتقدوننا ويصفونه بـ«سيدهم»، و«سيد» المقاومة المزعومة، والجديد الآن أن نصر الله خلع عنه لباس «التقية» الذي خدع به من خدع بالمنطقة وأظهر وجها طائفيا طالما تم التحذير منه خصوصا حين اختطف لبنان بسلاح إيران، وقام بالمغامرة تلو الأخرى خدمة لأجندة إيران بالمنطقة، لكن المخدوعين به لم يستطيعوا تمييز ذلك حيث كانت هناك ماكينة دعائية ضخمة تضلل المتابعين، وبمشاركة من اللوبي الإيراني بالإعلام العربي، وماكينة الإخوان المسلمين في مصر والخليج العربي.

الجديد اليوم، الذي جعل نصر الله يخلع عنه ثوب التقية، هو اهتزاز الأرض تحت أقدام الأسد، مما دفع نصر الله للخروج مهددا في خطابه الأخير الجميع معلنا أن الأسد لن يسقط لأن له أصدقاء بالمنطقة والعالم، أي حزب الله وإيران، وهو ما يعني رسالة واضحة مفادها أنه في حال تدخلت أميركا في الأزمة السورية، خصوصا بعد الإعلان عن أن الأسد قد تجاوز الخطوط الحمراء باستخدامه الأسلحة الكيماوية، فإن حزب الله وإيران لن يقفا متفرجين، وسيخوضان معركة الأسد.

نصر الله لم يكتف بذلك، أي التهديد والوعيد، بل إنه كشف عن وجهه الطائفي بكل وضوح حين اتهم السنة والسوريين بأنهم تكفيريون وحلفاء لأميركا وإسرائيل، معتبرا في نفس الوقت أن قتلى حزبه في سوريا شهداء!

والقصة لا تقف عند هذا الحد، بل إن نصر الله تهكم في خطابه على حال دول الربيع العربي بعد أن كان يتغنى بذلك الربيع، ومعتبرا ما يحدث بالمنطقة ثورات مباركة، إلا أنه الآن يحذر بأن سوريا لن تصبح مثل دول الربيع العربي، التي لا يراها إلا مجرد مشروع أميركي، وهذا أمر طبيعي ومتوقع لأن نصر الله لم يكن يصدق بأن الأرض ستهتز تحت أقدام الأسد، مما يهدد المشروع الإيراني برمته في المنطقة، رغم أن بعض قيادات الحزب كانت ترى عكس ذلك.

ففي أوائل الربيع العربي قال لي صحافي أميركي شهير بمحادثة هاتفية، ومن لبنان: «دع عنك ما يقوله حزب الله علنا عن الربيع العربي، فكبار مسؤولي الحزب يعتقدون بأن ما يحدث في المنطقة هو ثورة سنية»، وهذا ما أكده نصر الله الآن في خطابه الذي يعد بمثابة خطاب انتحار. أما بالنسبة للمخدوعين بنصر الله فنقول لهم: اللهم لا شماتة .!

عبدالله هادي
03-05-2013, 10:13 AM
عماد الدين أديب
لم تقتل إسرائيل مائة ألف سوري!


إسرائيل، هي بالتأكيد، العدو التاريخي للعالم العربي منذ عقود طويلة ولعقود مقبلة.

ومن وسائل تفسير ظاهرة «العدو»، وهنا نتحدث عن أي عدو، أنه الطرف الأكثر إحداثا للضرر تجاهنا، لأنه، ببساطة، عدو.

العدو هو الذي يلحق الأذى، والشقيق هو الذي يصلح الضرر ويمنع الخطر.

هنا، يصبح السؤال صعبا، ومحيرا، حينما يكون الضرر والأذى الآتيان من الشقيق أضعاف أضعاف ما يأتي من العدو!

المنطق البسيط الساذج البدائي الذي لا يحتاج إلى ذكاء غير عادي، ولا عبقرية فكرية، ولا الحصول على رسائل دكتوراه من السوربون أو كمبردج أو كولومبيا - هو أن «العدو» هو من يقتل ويصيب ويدمر، والشقيق هو من يدافع ويحمي ويمنع الضرر.

في عالمنا العربي، المنطق - كالعادة - معكوس!

في عالمنا العربي، قتل العرب من العرب أكثر مما قتلت إسرائيل من العرب! في غزو إسرائيل للبنان، قتلت الميليشيات اللبنانية من الفلسطينيين أكثر مما قتلت إسرائيل!

وفي الحرب الأهلية اللبنانية، قتل اللبناني شقيقه اللبناني أكثر مما قتل أي عدد آخر.

وفي العراق، قتلت السلطة من شعبها أكثر مما قتلت إيران في حربها الطويلة مع العراق.

وفي الجزائر، وليبيا، ومصر، واليمن، دخلت السلطات الأمنية في حروب مع مواطنيها كلفت البلاد ضحايا بالمئات والآلاف في مصادمات دموية بين السلطات والقوى الدينية المتطرفة.

أما في سوريا، فإن تاريخ مصادمات نظام البعث، سواء كان في عهد الرئيس الأسد الأب أو الأسد الابن، تاريخ مؤلم للغاية، فيه تواؤم لا ينتهي من الضحايا الذين لقوا نحبهم على يد هذه الأنظمة المتعاقبة.

ورغم أن سوريا دولة مواجهة عسكرية مع العدو الإسرائيلي، ورغم أن جيشها من الأقوى تسليحا وأكثر الجيوش المركزية جهوزية، فإن ضحايا هذا الجيش من المواطنين السوريين يساوي عشرة أضعاف - على الأقل - قتلاه من العدو الإسرائيلي!

لقد قتل جيش «الدفاع السوري» من المواطنين السوريين المدنيين العزل أضعاف أضعاف من استشهد على يد جيش «الاحتلال» الإسرائيلي في كافة المواجهات العسكرية التاريخية بين البلدين.

لم تقصف إسرائيل مدينة سورية بالمدفعية الثقيلة، ولم تجرؤ إسرائيل على إعطاء الأوامر لمقاتلاتها القاذفة بضرب المدنيين السوريين بشكل عشوائي.

هل هذا معقول يا عرب؟ يا مسلمين ..؟!

عبدالله هادي
03-05-2013, 10:15 AM
حسين شبكشي
«النصرة».. ونصر الله.. فخار!




الخطاب الأخير الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله ظهر فيه بحالة مختلفة جدا عن خطاباته السابقة منذ انطلاق الثورة السورية على نظام بشار الأسد الدموي.. بدا الرجل في الخطاب مرتبكا ومترددا فاقدا للكاريزما التي عرف بها.. اختفت ابتسامة الواثق المدافع عن القضية الحقة، وبدا مهزوزا متلعثما وكأنه بذلك يكشف عن قضية يستحيل الدفاع عنها بصدق وأمانة واقتناع. كان في الخطاب تناقضات واضحة مع مواقفه السابقة من ثورات الربيع العربي، وهو الذي كان من كبار المرحبين والمهللين لها ومن أهم المنكرين لمن يحاول ترويج صفة «المؤامرة» و«التخطيط الخارجي» لها وسلب إرادة الشعوب فيها، ويتهم من يقول بذلك بأنه مضلل ومجرم..

والآن ها هو يؤكد أن سوريا والمنطقة تتعرض لمؤامرة خارجية تحاك لفكفكة المنطقة برمتها، والأدهى حينما يصر الرجل على أنه هو وأصدقاء سوريا سيقفون سدا أمام سقوط سوريا الذي يدبر له الآخرون، بينما واقع الأمر أنه لا أحد يتحدث عن سقوط أو إسقاط سوريا، ولكن حتما الكل يتحدث عن إسقاط الأسد، وفارق شاسع بين الاثنين. وهو يكرر الخطاب الموتور لنظام الأسد الذي ربط عقائديا بين الاثنين فتحولت «سوريا» إلى «سوريا الأسد»، وكأن الموضوع بات يشبه تحويل ونقل ملكية بلد بأكمله إلى عائلة تحكم بالنار والحديد، مستعملا كل الوسائل والعتاد لتكريس ذلك من صواريخ، وسلاح كيماوي، وطائرات، ودبابات، لإبادة تاريخ وحاضر ومستقبل البلاد، فقط لأجل البقاء في السلطة والإبقاء على نظامه.

حسن نصر الله اختار المعركة الخطأ وراهن على الحصان الخطأ.. ضحى بكل رصيده الشعبي وتاريخه المقاوم لأجل أيقونة من أيقونات الظلم والاستبداد والخداع والجريمة السياسية في العالم اليوم.. إنه موقف لا يمكن الدفاع عنه لا باسم العروبة ولا الدين ولا الأعراف ولا الإنسانية. ولذلك، فمن الممكن تفهم ارتباك وتردد وتلعثم وهزة الرجل في خطابه الأخير.

حسن نصر الله لم يعد واجهة الدفاع الإعلامية عن الأسد كما كان في الشهور الماضية عبر لقاءاته وندواته وخطبه الرنانة، ولكن تحول إلى جزء من الحل العسكري الموتور الذي بناه نظام الأسد المجرم بحق شعبه. ولم ينكر حسن نصر الله ذلك، بل كان يجادل حول أرقام الذين قتلوا من قواته. ولكنه بعد اعترافه الأول والصريح بقتال قواته في الداخل السوري، ارتبك وهو يفسر أسباب وجودهم هناك. فتارة كان سبب وجودهم هناك هو الدفاع عن مقام السيدة زينب بدمشق، وتارة أخرى كان لأجل الدفاع عن المواطنين اللبنانيين الموجودين في سوريا نفسها. وهي أسباب متناقضة نوعا ما، لأن المناطق الجغرافية التي يوجد فيها مقاتلو حزب الله لا علاقة لها بما يقول الرجل أبدا.

حزب الله وضع كل الرصيد الذي لديه على ورقة نظام الأسد، معتقدا يقينا أن إسرائيل وإيران وروسيا والصين ستبقي نظام بشار الأسد قائما لأجل مصالح هذه الدول التي يهمها، كل على حدة، استمرار الأسد، وهو رهان منطقي، ولكنه غير واقعي، خصوصا مع استمرار مقاومة الشعب السوري لهذا النظام المجرم.

وعلى الصعيد اللبناني، فقد نصر الله موضوعية حجته القديمة كحركة مقاومة يوجه سلاحها «فقط» للعدو الإسرائيلي، لأن هذا الطرح لم يعد قابلا للتصريح؛ بل أصبح أشبه بمادة مضحكة.

سفينة بشار الأسد الغارقة تسحب معها للقاع كل من اختار الإبحار معها. لا حسرة على من اختار ذلك ولا أسف.

إذا كان العالم يركز على مخاطر تطرف «حركة النصرة» الدموية، وهي كذلك، فإن اختيار حسن نصر الله وحزبه الدموي تأييد نظام الأسد، لا يقل خطورة .

عبدالله هادي
03-05-2013, 10:16 AM
عماد الدين أديب
تعريف «أســلـحـة فـتــاكــة»




الحديث عن قيام الرئيس أوباما بالتفكير في إرسال أسلحة فتاكة إلى سوريا، يحتاج إلى مناقشة متأنية!

وبناء على كلام الصحف الأميركية، فإن وصف نوعية الأسلحة التي يفكر الرئيس الأميركي في إرسالها هو وصف «الفتاكة».

هنا، نقول: أرجوكم نريد تعريف «فتاكة»، هل هي صواريخ أرض - أرض، أم صواريخ محمولة على الكتف، مضادة للطائرات أم مضادة للدروع؟

هل «فتاكة» تعني مدفعية ميدان ثقيلة أم طائرات مروحية مزودة بالصواريخ؟

هل «فتاكة» تعني قيام طائرات «الناتو» بعمل ضربات جوية جراحية لمواقع مختارة خاصة بالجيش الرسمي السوري؟

إن مثل هذا القرار لا يملكه الرئيس أوباما وحده، فهو أميركيا بحاجة إلى موافقة الكونغرس وبالذات المعارضة الجمهورية، وهو بحاجة إلى تدبير موارد إضافية، وأيضا بحاجة إلى الدعم الفني والتقني لهيئة الأركان الأميركية التي ستحدد نوعية وحجم الأسلحة المطلوبة وطرق إيصالها ورسائل التدريب عليها.

من ناحية استراتيجية، فإن الرئيس الأميركي لا يمكن له أن يدمر «الجسور الممتدة حاليا» للتفاهم بين واشنطن وموسكو منذ أن تولى مقعد الرئاسة. وفي اعتقادي المتواضع، إن مثل هذا القرار يحتاج إلى التفاهم مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل أو أثناء اللقاء المتوقع بينهما في آيرلندا في مطلع يونيو (حزيران) المقبل.

ويصبح من الصعب دائما التفكير في إرسال السلاح وحده دون إرسال خبراء إدارة معارك أو مدربين مهرة مصاحبين له، وهو - دائما - يكون بدايات تورط كبير لأي جيوش نظامية في أي حروب أهلية.

ويبدو أن السفير الأميركي في دمشق – الذي تم استدعاؤه إلى واشنطن - «روبرت فورد» هو أكثر المؤيدين والداعمين داخل الإدارة الأميركية لضرورة «التدخل الإيجابي والقوي» لبلاده في الشأن السوري.

ويبدو أن مخاوف وزارة الدفاع الأميركية من أن يكون التدخل الأميركي بداية لفتح جرح نازف جديد مثلما حدث في العراق وأفغانستان - هي أمر أيضا يدخل في حسابات البيت الأبيض وهو يقوم بصياغة شكل قراره المقبل. ويبدو أنه يتعين علينا أن نفكر بعقلية ومصالح الولايات المتحدة ونحن نقيم أبعاد القرار الأميركي الذي قد يدخل واشنطن في دائرة مسؤوليات أكبر من قدرة الولايات المتحدة على تحملها الآن، في ظل اقتصاد مأزوم ووضع سياسي شديد الحرج. في كل هذا الملف، يجب ألا ننسى صاحبة المصلحة الرئيسة في كل ما يحدث، وصاحبة الكلمة العليا لدى الإدارة الأميركية في هذا المجال، إنها إسرائيل.

عبدالله هادي
03-05-2013, 10:21 AM
رضوان السيد
العرب بين التدخل الإيراني والإسلام السياسي




يغص المشهد العربي والشرق أوسطي بالأحداث والوقائع ذات الدلالة، بيد أن الأبرز في الأيام الأخيرة ثلاثة أحداث أو وقائع: أولها كلام خامنئي وحسن نصر الله عن سوريا، وثانيها خطف المطرانين الأرثوذكسيين بسوريا، وثالثها رحلة الرئيس محمد مرسي إلى روسيا للقاء بوتين.

أما خامنئي ونصر الله فيركزان على أسباب التدخل في سوريا. ويقولان إنهما إنما يتدخلان لمقاومة «المؤامرة» التي تريد «تدمير»، نعم: تدمير، سوريا والعراق ولبنان والأردن، وليس مجرد إنهاء «محور المقاومة والممانعة». والطريف والجديد في هذه المقاربة أن الأدوات الأميركية والصهيونية لهذا التدمير إنما هم «التكفيريون»، ولذلك يصارحنا نصر الله أنه يقاتل في ثلاثة أماكن في سوريا هي: دمشق دفاعا عن نظام الأسد، وريف دمشق الغربي دفاعا عن المقدسات (مزار السيدة زينب)، والقصير دفاعا عن اللبنانيين الشيعة هنـاك. ولست أدري بعد هذا لماذا يختـلف نصر الله مع الأميركيين والصهاينة، فهم أيضا يخشون التكفيريين ويعيروننا بالوحش الأسطوري الذي اخترعوه هم وإسرائيل وروسيا بالذات؟ ونصر الله متوجس من الحرب، نتيجة طائرات أيوب ونوح وهاروت وماروت، ولذا اعترف بطائرة أيوب، ولم يعترف بالطائرة الثانية. إذ يظهر أن نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف الذي جاء إلى طهران ثم إلى بيروت، نقل للطرفين تحذيرا إسرائيليا من التلاعب بالنارين: نار الطائرات من دون طيار، ونار الكيماوي!

لا جديد إذن في كلام خامنئي ونصر الله باستثناء التأويل الجديد الذي يتلاءم والهوى الغربي والإسرائيلي والروسي: لا عدو لكم جميعا غير المتطرفين والإرهابيين السنة، ونحن نقاتلهم عنكم في العراق وسوريا ولبنان، ولا خوف عليكم من الطائرات من دون طيار ولا من الكيماوي؛ لأن الأولوية الآن لمكافحة العدو الواحد والمشترك! وهنا أصل إلى مسألة خطف المطرانين الأرثوذكسيين في شمال سوريا. فقد خطفتهما فرقة من الشيشان، ثم أطلقتهما تحت الضغط (بحسب مقالة لميشال كيلو)، فوقعا بين يدي فرقة أخرى! وقد رأيت من قبل، وبحسب تقارير متطابقة أن «القاعدة» أو ما كان يسمى «القاعدة» هي الآن ثلاثة أقسام: قسم تحت السيطرة الإيرانية؛ لأن أيمن الظواهري لجأ إلى إيران عام 2005 أو 2006. وهذا القسم هو الذي يتحرك بالعراق وسوريا الآن، فيرتكب جرائم هنا وهناك ضد السنة أو الشيعة للإثارة بحسب المخطط. والقسم الثاني تحت سيطرة المخابرات الأميركية والروسية. وأحسب أن كل الشيشان المسلحين بسوريا والولايات المتحدة هم من جماعة قديروف وبوتين. أما قسم «القاعدة» الثالث فهو عصابات من المهربين وقطاع الطرق، رأوا من اللائق والملائم في العقد الأخير وضع يافطة القاعدة الجهادية لتحسين المنظر، وترويج بضاعة المخدرات والرهائن في الصومال ومالي، وسائر أنحاء الصحراء، وبالداخل الليبي. وأنا لا أزعم أن كل المسلحين بسوريا هم أبرار أطهار، فبين من يحملون السلاح من يرفعون يافطات ساذجة أو مزورة، إنما على الثوار أن يتنبهوا إلى هذه التجارة الهائلة التي تمارسها إسرائيل وأميركا وروسيا والنظام السوري من زمان، ودخلت عليها في الأعوام الأخيرة إيران ونصر الله أيضا! إنه تعليل أوهن من خيوط العنكبوت: أن تعمل على تدمير سوريا مع الأسد (كان شبيحته يقولون: الأسد أو نحرق البلد!)، ثم تنسب ذلك إلى التكفيريين، وتريد حماية مقام السيدة زينب منهم. والسوريون السنة هم الذين بنوا المقام والمزار، وقد زاره ابن بطوطة في القرن الثامن الهجري، وما كان هناك من حوله لحراسته لا ميليشيا حزب الله، ولا ميليشيا أبي الفضل العباس! نعم هناك من يريد تدمير سوريا، مثلما دمرتم مع الأميركيين العراق، والنضال الوطني الفلسطيني الواحد - وأنتم مشاركون اليوم وبوعي في ضرب وحدة وعمران بلدان العرب والمسلمين.

على أن الطرف الآخر غير الإسرائيلي وغير الروسي، والمشارك في عمليات تدمير الهوية والوعي، بعد الإيراني وأحيانا معه، هو الطرف الرئيسي فيما صار يعرف بالإسلام السياسي. والحديث هنا عن رحلة الرئيس مرسي إلى روسيا الاتحادية ولقائه مع بوتين. وقد شاع وقتها أن الرئيس المصري طلب من الروس مساعدته في الدخول إلى مجموعة البريكس الاقتصادية (!)، أما ما يتحدث عنه الروس فأمر مختلف تماما، إذ يقولون إنه عرض التعاون معهم في «مكافحة الإرهاب».. نعم: مكافحة الإرهاب! كما عرض عليهم التعاون معهم ومع إيران في إيجاد حل سلمي وتفاوضي للأزمة في سوريا!

مرسي يقول منذ عام: على الأسد أن يتنحى، ثم يقترح تشكيل «الرباعية» التي أدخل عليها إيران وتركيا والسعودية إلى جانب مصر. وما قبلت السعودية، ونبهته إلى أن الجامعة العربية هي الإطار الوحيد الصالح لذلك وبالتعاون مع المجتمع الدولي! وقد استقبل الإيرانيين عشرات المرات، وأرسل إليهم وفودا عشرات المرات، ليس من أجل سوريا بالطبع؛ بل من أجل التعاون والتحالف. وقد صار معروفا موقف الشعب المصري من هذه المحاولات، لكن مرسي والمرشد ما يزالان يحاولان. ومرة أخرى: الشعب المصري هو الذي يقرر مع من يريد التعاون والتحالف، إنما لي ملام على الجمهور المصري الذي اعترض على الاتفاقية السياحية مع إيران، كيف ما اعترض أحد منه على تجارة «الإخوان» بدماء السوريين؟ ومع من؟ مع الروس والإيرانيين! وإذا كان الذين يقرأون هذه المقالة سينكرون علي أنني ما ذكرت التعليل الاقتصادي الذي يعطيه مرسي ومستشاروه للاتفاقية السياحية مع إيران، والإفادة من خبرتهم في بناء ما يشبه الحرس الثوري بمصر (!) فأنا أريد أن أذكر لكم هنا ما قاله عصام الحداد مستشار الرئيس مرسي الاقتصادي والسياسي والوسيط الأبرز في العلاقة مع إيران (وأميركا أيضا!)، وذلك في مقابلة مع عماد الدين أديب على فضائية الـ«CBC» المصرية، ما تحدث الحداد عن السياحة والاقتصاد وحسب؛ بل قال إنه يريد «هداية» الإيرانيين؛ إذ يأتون إلى مصر ويشاهدون إسلامها السمح! طيب، أنت يا رجل تريد هداية الإيرانيين للإسلام السني، وشيخ الأزهر والسلفيون يقولون للرئيس الإيراني إن الإيرانيين يسعون لتشييع السنة، ويتدخلون في شؤون الدول العربية بالخليج، ويقاتلون الشعب السوري!

نعرف أن الإيرانيين تورطوا في اصطناع مناطق نفوذ بالمشرق العربي، فأحسوا بلذائذ الامتداد. وهم يحاولون الآن الحفاظ على مناطق النفوذ هذه بالقتال والأموال والتعصب المذهبي والقومي، وإلا فقل لي يا سيد نصر الله: كيف يكون لك مستقبل وسط عالم عربي 90 في المائة من مواطنيه من السنة، الذين تقاتلهم اليوم باعتبارهم تكفيريين!

بيد أن مشكلتنا مع «الإخوان المسلمين» تكاد تكون أفظع. فهم في سبيل الحفاظ على السلطة والشعبية يبيعون كلا من كيسه، معتبرين ذلك تذاكيا. ولأنه لا اعتبار عندهم لغير السلطة ومناعمها ومغانمها، فإنهم لا يترددون في وضع الإسلام في وجه العروبة. والحداد نفسه قال في طهران إنه متوافق مع الإيرانيين بشأن سوريا. وسمعت «الإخوان» في عدد من المؤتمرات يقولون للإيرانيين وللأتراك إنهم يتلاقون معهم اليوم في مواجهة العصبيات القومية! وهكذا فهم لا يدركون معنى لأخطار تزعزع الانتماء العربي للعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، فيتفكهون بالاعتدال في مواجهة التطرف (مع الأميركيين والروس)، وبالإسلام في مواجهة العروبة (مع الإيرانيين والأتراك). وهذه أوهام وعي ولا وعي ما وقع فيها الضابط الشاب جمال عبد الناصر، ووقع فيها شيوخ الإخوان: «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».

عبدالله هادي
03-05-2013, 10:50 AM
عبدالرحمن الراشد
المالكي والسعودية وقطر!




«عجيب أمر هاتين الدولتين»! المستنكر هو نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، والمعني بالدولتين السعودية وقطر، والعجيب في نظره أنهما تقدمان الدعم العسكري واللوجيستي والإنساني للشعب السوري في وجه الذبح اليومي من قبل نظام بشار الأسد.

ويشمر المالكي عن ساعديه متحديا هاتين الدولتين قائلا: «النظام لم يسقط، ولن يسقط، ولماذا يسقط؟».

وتصريحاته تأتي على خلفية أخبار تتسرب عن تسليح الثوار السوريين، آخرها شحنة أسلحة من كرواتيا. الحقيقة عجيب أمر المالكي نفسه! يجلس على حدود سوريا، التي كان يزود نظامها بالبنزين والديزل والسلاح ويسمح للطائرات الإيرانية بأن تزود قوات الأسد بكل ما تتمناه. لم يستنكر المالكي طوال هذه الفترة الطويلة دعمه لنظام يرتكب أعظم مجزرة في القرن الحالي، وهو نفسه شريك فيها، ويستغرب لأن دولتين هبتا لنجدة الغالبية الملاحقة التي تقتل يوميا.

المعادلة في سوريا كالتالي: نظام مدجج بالسلاح أصلا، لأنه نظام عسكري أمني في أساسه، ومدعوم علانية من إيران وروسيا والعراق وحزب الله. يحصل منهم على كل شيء تقريبا: المال، والسلاح، والوقود، والمقاتلين، والمعلومات الاستخبارية، والدبلوماسية، والدعاية الإعلامية. في وجه هذا الكم الهائل من الدعم يحصل الشعب السوري المستهدف على دعم محدود نسبيا من الخارج بسبب الحدود المغلقة، والإشكالات القانونية، والمحاذير السياسية. المعارضة تسلحت حديثا، بعضها منشقون عن العسكر، وأكثرها أناس يدافعون عن أحيائهم، والآن بعد الدم يريدون إسقاط النظام. وعلينا أن لا ننسى أن الثورة السورية بدأت ودامت أول أربعة أشهر سلمية، إلا أن النظام واجهها بوحشية، وشهد على سلميتها سفراء الدول الكبرى الذين ذهبوا بأنفسهم وزاروا مدنا فاضت بالمتظاهرين مثل حماه. وبعد أن صارت قوات النظام تقتل عامدة المسالمين صار من الطبيعي أن يحمل الناس السلاح دفاعا عن أنفسهم.خلال العشرين شهرا الماضية انتشر التمرد تقريبا في كل أنحاء البلاد، وواجهه النظام بالطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ، دك المدن والأرياف، ومعظم ضحاياه من المدنيين. نحن لا نعرف حالة كهذه في التاريخ المعاصر يستخدم فيها طيران ودبابات ضد المدن لنحو سنتين ولا تفعل المنظمات الدولية شيئا لوقفه. في ظل الدم والدمار ليس بإمكان دول المنطقة وشعوبها الجلوس متفرجين أمام شاشات التلفزيون يرون الفواجع وهم يتناولون عشاءهم. قلة من حكومات عربية تبنت مواقف ناقدة لأفعال النظام السوري، وطبيعي أن تهب لإعانة الشعب السوري بالمال والبطانيات والسلاح، هذا واجبها. ونحن فخورون جدا أن هذه الحكومات المتهمة تفعل ذلك، لأنها تدعم الدفاع عن ملايين السوريين، وتردع قوات النظام التي ترتكب بشكل شبه يومي المذابح. لو تدخلت الأمم المتحدة وفرضت الحظر الجوي لما كانت هناك حاجة إلى الدعم، ولو قبل الأسد بحل سياسي فمن المؤكد أن هذه الدول كانت وقفت مع الحل السياسي.

نحن نقول إن واجب الحكومات العربية، بل وكل حكومات العالم، وقف أي مجازر من قوات أي نظام، مثل سوريا، حيث لا يعقل أن نقارن شخصا يحمل بندقية بجيش يستخدم مقاتلات الميغ والسوخوي والدبابات ضد المدن والقرى! المالكي ينتقد من دعم الشعب السوري الذي يذبح بوحشية لنحو عامين، وهو الذي يشتكي لماذا سكت العالم عما حدث في جنوب العراق أيام صدام حسين عندما هاجمت قواته المنتفضين في خلال أربعة أيام. تلك جريمة وهذه جرائم أعظم! بكل أسف، كان بإمكان المالكي أن يتبنى موقفا سياسيا عادلا ويبرهن للعرب، ولجيرانه السوريين، وقبل ذلك لمواطنيه العراقيين، أنه يقف ضد الظلم. كان ذلك كفيلا بأن يزيل الشكوك حوله ومواقفه السيئة دائما. اليوم يقف مع نظام يقاتل نحو عشرين مليون سوري، معظم الشعب، ولا أدري كيف يصدق أن النظام قادر على البقاء ولن يسقط.

عبدالله هادي
03-05-2013, 10:54 AM
عبدالرحمن الراشد
أوباما يريد أن يكسب الحرب مجانا!




حزب الله تسيل دماؤه في سوريا وليس على الحدود مع إسرائيل، وإيران تنفق بجنون المقامر الخاسر مئات الملايين من الدولارات، وتتصرف بجنون المجروح في سوريا أيضا، ونظام الأسد ينزف بركة دماء كبيرة لأول مرة، بعد أن عاش أربعين عاما يقطع أوردة الآخرين، وروسيا تكابر وتعين نظاما مهزوما بالسلاح والمؤتمرات والفيتو.
يبدو المشهد مناسبا للرئيس الأميركي باراك أوباما، مثل مدير ناجح يكسب الكثير بالقليل من المخاطر والدولارات. يريد تحويل سوريا إلى عراق للإيرانيين، ومصيدة لحزب الله وكذلك روسيا، ويريد التخلص من نظام بشار الأسد بأقل من ثمن مكالمة هاتفية!

على أرض الواقع هذا ما يحدث حتى الآن، ربما من دون تخطيط مسبق، لكن نقول للرئيس أوباما حذار من أن تكون مصيدة لك وللآخرين، لم يعد الوضع في سوريا يحتمل الفرجة. أولا: نحن أمام مأساة إنسانية مروعة. وثانيا: نحن في بدايات أخطر بناء لـ«القاعدة» منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)؛ فهي الآن تكسب التعاطف والأرض والمساعدات، وبالتالي كل ما تحقق في العشر سنوات الماضية مهدد بأن يتبخر في سوريا. إيران وروسيا تريدان أن يرث الظواهري الأسد، بعد سقوط دمشق، أي إن كان سقوط نظام الأسد محتوما فمرحبا بـ«القاعدة» التي ستفسد حصاد الثورة! هكذا تبدو مسارات الأمور.

أكثر من خمسة عشر ألف مقاتل، هو تقدير قوات جبهة النصرة المتطرفة، التي تقاتل بضراوة قوات الأسد وتستولي على المراكز والحواجز والكثير من الأحياء وبعض المدن، وتجد قبولا من المواطنين إلى درجة الإعجاب، لأنها تقاتل العدو بشراسة وبسالة، وتنفق الكثير على حاجات المواطنين الإنسانية اليومية.

يقول لي أحد المتابعين لتطورات القتال في سوريا، إن جبهة النصرة تحمل ملامح «القاعدة» في فكرها، لكنها تحاول أن تتصرف بخلاف «القاعدة» في تعاملها من أجل كسب تعاطف السكان وتجنيد أبنائهم، هكذا انتفخت هذه الحركة في عدد مقاتليها وإمكانياتها مقارنة بالجيش الحر، الذي رغم أن حجمه يماثل ثلاث مرات جبهة النصرة، عددا، فإنه يعاني بسبب شح إمكانياته وكثرة الضغوط عليه.

لكن ما هي علاقة الجبهة المتطرفة بسياسة الحرب المجانية التي يديرها أوباما من الخلف؟ الإجابة في النتيجة المحتملة، عندما تكسب «القاعدة» موطئ قدم، سيكون أعمق وأهم من كل ما حققته في محاولاتها الكثيرة من أفغانستان إلى شمال مالي. لن يكون سهلا طردها من سوريا في كلتا الحالتين، إن سقط نظام الأسد أو بقي.

كلنا نعرف أن الذي حمى الأسد من السقوط ليس استراتيجيته العسكرية، ولا حتى المدد الهائل من حليفيه الإيراني والروسي، بل نتيجة ترك المعارضة تقاتل هذه القوى مجتمعة وهي مسلحة بأسلحة بسيطة، ووحدها. لو قدمت لها المساعدة أو الحماية، خاصة مع الفارق الهائل في ميزان القوة المستمر منذ عامين، لسقط النظام في أقل من شهر واحد.

نقول للرئيس أوباما إن حرب سوريا ربما تحقق للولايات المتحدة المعركة المثالية، إدماء الخصوم دون تكاليف على الجانب الأميركي، إنما قد تكون كلفتها مخيفة في الفصل اللاحق من الحرب، عندما تتمكن «القاعدة» من معظم الأرض السورية، ومن عواطف السوريين المقهورين. اليوم نرى فرنسا التي كانت في الماضي أقل مبالاة في المشاركة في الحرب على الإرهاب، تخوض حربا صعبة، وربما طويلة، في جنوب الصحراء وشمال مالي، هي نتيجة تراكمات التجاهل الطويلة. وقد تصبح الحرب في سوريا لاحقا كذلك.

أنقذوا الشعب السوري من المذابح ولا تتركوه يجد في «القاعدة» وأشباهها المعين الوحيد. أو لا تلوموه غدا.

عبدالله هادي
04-05-2013, 06:34 AM
أميركا تقود 40 دولة في أكبر مناورات يشهدها الخليج العربي

البحرية الأميركية: المناورات للتدريب على إزالة الألغام وحراسة السفن


لندن: «الشرق الأوسط»
أشارت صحيفة «الغارديان» إلى إرسال بريطانيا غواصات موجهة آليا إلى الخليج العربي في مناورات تشترك فيها 40 دولة، ووصفت بأنها الأكبر في مياه الخليج العربي.
وكانت البحرية الأميركية قد أعلنت الاثنين الماضي أن الولايات المتحدة ستجري مع حلفائها مناورات عسكرية في منطقة الخليج للتدريب على إزالة الألغام وحراسة السفن.

ومن المقرر أن تقتصر المناورات على منطقة الخليج، وستركز على حماية البنى التحتية الحيوية مثل الأصول النفطية البحرية. ولا توجد هناك خطط لإجراء مناورات في مضيق هرمز، نظرا لأنها قد تعوق حركة الملاحة، بحسب تصريحات مسؤولين أميركيين. ولم تعلن حتى الآن أسماء البلدان التي ستشارك في المناورات، ولكن من المعروف أن أميركا وبريطانيا وفرنسا وبعض بلدان الشرق الأوسط ودولا أخرى مثل أستونيا ونيوزيلندا شاركت في التدريبات التي جرت في سبتمبر (أيلول) الماضي.

من ناحيته، أشار موقع «روسيا اليوم» إلى أنه سيجتمع ممثلون من أكثر من 30 دولة في البحرين للمشاركة في التدريب الدولي على إجراءات مكافحة الألغام خلال الفترة من السادس وحتى الثلاثين من مايو (أيار) الجاري، أي بعد ثمانية أشهر من النسخة السابقة للمناورات التي جرت في فترة شهدت تبادل التهديدات بالحرب بين إيران وإسرائيل.

وأشار موقع «أنباء موسكو» نقلا عن مصادر روسية إلى أن المناورات الأميركية في الخليج هدفها زرع الألغام لا إزالتها، وحذر محللون روس من عواقب قيام الغرب بأي عمل عسكري ضد إيران، معتبرين أن هدف التدريبات العسكرية الأميركية المقبلة في منطقة الخليج ليس إزالة الألغام، بل زرعها عبر الضغط على إيران على عتبة الانتخابات الرئاسية، وتعميق الشرخ السني - الشيعي في المنطقة.

ويأتي الترتيب لهذه المناورات في الوقت الذي يجري فيه حاليا 12 دولة خليجية وعربية وغربية تدريبات عسكرية في قطر تحت اسم «حسم العقبان 2013»، بينها الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا، بالإضافة إلى دول الخليج الست، والأردن ولبنان، بهدف زيادة درجة استعداد المنطقة ورفع كفاءة القوات والتدريب على صد الهجمات الصاروخية وتسرب المواد الكيماوية.

والتقى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ولي العهد القطري نائب القائد العام للقوات المسلحة، أول من أمس، القادة العسكريين المشاركين في التدريبات، حيث استمع إلى شرح موجز من الاستخبارات البرية والعمليات البرية عن العمليات التي قامت بها القوات المشاركة في التمرين الذي انقسم إلى عدة مراحل ابتداء من مرحلة انتشار القوات في المناطق الاقتصادية والبرية وعمق البحر إلى مرحلة الإعداد والتنفيذ وإعادة الانتشار وصولا إلى التمارين القتالية، والذي ركز على عدة نقاط مهمة من بينها التعاون في مجال التصدي للهجمات الصاروخية ومقاومة التسرب الإشعاعي وحماية المناطق الاقتصادية ومكافحة الإرهاب بجميع أنواعه بما في ذلك القضاء على الخلايا النائمة.

وحسب وكالة الأنباء القطرية، فإن القوات المشاركة في التمرين أجرت أمس تمرين رماية حية بالأسلحة لوحدات المناورة للوقوف على مدى تحقيق أهداف التمرين سواء النظرية أو العملية. واشتمل العرض أيضا على الرماية بالمدفعية والهاون والدبابات، بإسناد من الطائرات «أوغاستا» المقاتلة والعمودية والتوسع على الأهداف المحددة للرماية.

عبدالله هادي
04-05-2013, 06:35 AM
12 دولة تشارك في تدريبات عسكرية بقطر للتصدي لهجمات صواريخ وخلايا إرهابية نائمة

مسؤول أميركي: التدريبات شملت سيناريوهات للتصرف في حالات احتجاز رهائن وتسرب مواد كيماوية سامة



الدوحة: «الشرق الأوسط» واشنطن: هبة القدسي
تجري 12 دولة خليجية وعربية وغربية تدريبات عسكرية في قطر تحت اسم «حسم العقبان 2013»، بينها الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا، بالإضافة إلى دول الخليج الست، والأردن ولبنان، بهدف زيادة درجة استعداد المنطقة ورفع كفاءة القوات والتدريب على صد الهجمات الصاروخية وتسرب المواد الكيماوية.
والتقى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ولي العهد القطري نائب القائد العام للقوات المسلحة، أمس، القادة العسكريين المشاركين في التدريبات، حيث استمع إلى شرح موجز من الاستخبارات البرية والعمليات البرية عن العمليات التي قامت بها القوات المشاركة في التمرين الذي انقسم إلى عدة مراحل ابتداء من مرحلة انتشار القوات في المناطق الاقتصادية والبرية وعمق البحر إلى مرحلة الإعداد والتنفيذ وإعادة الانتشار وإلى التمارين القتالية، والذي ركز على عدة نقاط مهمة من بينها التعاون في مجال التصدي للهجمات الصاروخية ومقاومة التسرب الإشعاعي وحماية المناطق الاقتصادية ومكافحة الإرهاب بجميع أنواعه بما في ذلك القضاء على الخلايا النائمة.

وحسب وكالة الأنباء القطرية فإن القوات المشاركة في التمرين أجرت أمس تمرين رماية حية بالأسلحة لوحدات المناورة للوقوف على مدى تحقيق أهداف التمرين سواء النظرية أو العملية. واشتمل العرض أيضا على الرماية بالمدفعية والهاون والدبابات، وبإسناد من الطائرات «أوغاستا» المقاتلة والعمودية والتوسع على الأهداف المحددة للرماية.

وقال اللواء الركن طيار عبد الله جمعان الحمد، مدير التمرين، في كلمة نيابة عن لجنة الإعداد والتحضير ومنفذي تمرين «حسم العقبان 2013»، إن القوات القطرية نفذت سلسلة هذه التمارين، مشيرا إلى أن «مشاركة الدول الشقيقة والصديقة في تمرين (حسم العقبان 2013) كان لها دورها الإيجابي في إنجاح فعاليات التمرين». وأوضح أن دولة الكويت قد شاركت بفصيل قوات خاصة وقوة برية، ودولة الإمارات العربية المتحدة بفريق مكافحة الإرهاب، بالإضافة لفريق استجابة سريعة، والجمهورية اللبنانية بفريق مكافحة إرهاب، إضافة لفريق قوة خاصة، فيما شاركت المملكة الأردنية الهاشمية بفريق قوات خاصة بالإضافة لفريق مكافحة إرهاب وفريق بحث وإنقاذ.

ونوه اللواء الركن طيار عبد الله جمعان الحمد بالدور الكبير الذي قامت به القيادة المركزية الأميركية، والذي كانت له نتائجه الإيجابية في إنجاح مراحل التمرين الميداني، علاوة على مشاركة كل من السعودية والبحرين وسلطنة عمان والجمهورية الفرنسية والجمهورية الإيطالية والمملكة المتحدة بصفة مراقبين.

وقال اللواء كاتا لانوتي، مدير التمارين والتدريبات بالقوات المسلحة الأميركية، في كلمة نيابة عن الجنرال لويد أوستن قائد القيادة المركزية الأميركية إن تمرين مركز القيادة (C.P.E) قد اتسم بقدر عال من التحدي والديناميكية، موضحا أن «التدريبات الميدانية المكثفة التي استمرت 4 أيام بلغت ذروتها بهجوم بالمدفعية مع ثلاث كتائب من القوات الخاصة القطرية وأخرى ميكانيكية تساندها فيها قوات أميركية».

وأشار إلى المساهمات الكبيرة الأخرى للدول الشريكة، ومساهمات دول مجلس التعاون الخليجي ودعم القوات البريطانية والفرنسية والإيطالية، وقال «لقد أثبتنا قابلية التشغيل البيني في الأوضاع والسيناريوهات المعقدة خلال هذا التمرين»، معبرا عن سعادته «كون الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعمان والأردن ولبنان وشركائنا الفرنسيين والإيطاليين والبريطانيين، موجودين مع الدولة المضيفة، قطر». وأضاف «لقد أثبتنا عزيمة جماعية للأمن الإقليمي وسيادة القانون. وهذا هو حقا جهد دولي. لكنه أيضا حدث كبير من حيث جهد الحكومة ككل، بما أن التمرين شمل عناصر من وزارة الداخلية القطرية ووزارة الصحة، بالإضافة إلى شركة (قطر للبترول) ووكالة الدفاع الأميركية للحد من التهديدات».

من جهته، أشاد العقيد جيرالد لوي، عضو القيادة المركزية الأميركية للتدريب، بتدريبات «حسم العقبان»، وقال في بيان للقيادة المركزية الأميركية من الدوحة «إن التدريبات حققت خطوات واسعة لزيادة درجة استعداد المنطقة وتأهبها، كما زادت من درجة التعاون بين القوات المسلحة من الدول المشاركة وتحسين تكتيكات تتعلق بمن يتولى الرد على الهجمات ودور كل وحدة عسكرية في تنفيذ المهمات». وأضاف «تدريب (حسم العقبان) هو وسيلة أخرى لإظهار تفاني الولايات المتحدة في مساعدة المنطقة على تحقيق هدفها المتمثل في السلام والاستقرار على المدى الطويل».

وأشار إلى أن التدريبات التي بدأت يوم الأحد 28 أبريل (نيسان) وتنتهي في 6 مايو (أيار) الحالي، يشارك فيها ألفا جندي أميركي من قوات البحرية والمشاة، وألف جندي من قوات دول الخليج، وتستضيف قطر هذه التدريبات. وقال لوي إن التدريبات اشتملت على تدريبات بحرية وبرية ومناورات جوية، وشملت سيناريوهات للتصرف في حالات احتجاز رهائن وهجمات صاروخية باليستية بحرية وتسرب للمواد الكيماوية السامة.

وأكد لوي أن التدريبات ركزت على زيادة التعاون في مجال الدفاعات الجوية والصاروخية ورفع كفاءة إدارة المخاطر ومكافحة الإرهاب وحماية البنية التحتية، والتأمين ضد مخاطر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية. وقال «حققنا خطوات كبيرة في مجال رفع حالة التأهب وإدارة المخاطر، وهذا يتعدى حدود التعاون العسكري، وهو واحد من جوانب كثيرة أحرزنا فيها تقدما كبيرا».

ونفى الكولونيل لوي أن تكون لهذه التدريبات علاقة بالأخبار المتعلقة بقيام النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية، مشيرا إلى أن التدريبات والتكتيكات تم التخطيط لها خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، ولا ترتبط بالتقارير التي تتحدث عن سوريا. وقال «هدف التدريبات هو زيادة الكفاءة التكتيكية بين المشاركين، وقدرتهم على العمل معا لمواجهة التحديات المشتركة، حيث يأتي كبار القادة ويستعرضون الدروس المستفادة من هذه التدريبات الميدانية».

وأشار عضو القيادة المركزية الأميركية للتدريب إلى أن عملية «حسم العقبان» بدأت في عام 1999 كحلقة نقاشية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتطورت بعد ذلك في كل عام لتشمل تدريبات تكتيكية بما يتيح لكل طرف من الأطراف المشاركة التعلم من بعض وفهم الأساليب التي تعمل بها كل دولة، وتبادل المزيد من المعلومات. وقال «هذه ليست عملية تعلم من جانب واحد، نحن نتحدى بعضنا ونبني شراكات مع الشركاء الإقليميين حتى نتمكن من التعاون».

وتتكون تدريبات «حسم العقبان» التي تستضيفها دولة قطر من ثلاثة أجزاء، وتشارك فيها قوات مسلحة من 12 دولة، بهدف تعزيز القدرات الدفاعية لمنطقة الخليج. وهي تدريبات سنوية بدأت منذ أحد عشر عاما.

عبدالله هادي
04-05-2013, 06:37 AM
عماد الدين أديب
لا تسوية من دون إيران..!



قد لا تستطيع إيران حسم أي موقف عسكري رئيس في المنطقة، لكنها - بلا شك - قادرة على تعطيل أي جهود تسوية في أي ملف من ملفات المنطقة.

لا يمكن ضمان تسوية سياسية بين حماس وإسرائيل بسبب علاقة «الإدارة بالتمويل» التي تمارسها طهران مع حماس منذ سنوات طويلة.. ولا يمكن ضمان استقرار الأوضاع في البحرين وفي اليمن بسبب الجسور الممتدة بين طهران وشيعة البحرين والحوثيين في اليمن.. ولا يمكن الحديث عن استقرار الأوضاع في لبنان وتشكيل سلس ومرن لحكومة وحدة وطنية في بيروت من دون مباركة حزب الله ذي المرجعية الدينية والسياسية مع إيران. ويبقى الوضع المأزوم الآن في سوريا الذي يلعب فيه اللاعب الإيراني أدوارا متعددة.

دعم النظام السوري الرسمي بالمال والسلاح يأتي يوميا من طهران، وقيمة صفقات السلاح السورية تدفعها طهران، والصواريخ ذات المدى المتوسط والقوة التدميرية الكبرى مصنوعة في إيران. أما خبراء إدارة المعارك والقوى المقاتلة فهي كتائب مدربة من الحرس الثوري الإيراني، ووحدات خاصة من مقاتلي حزب الله الموالي لطهران. وعلاقة طهران بموسكو وبالصين تلعب دورا رئيسا في حسابات هاتين الدولتين عند التصويت على أي قرار في مجلس الأمن خاص بالوضع في سوريا.

من هنا، مهما كان موقفك من السياسة الإيرانية، أو نظام الحكم الحالي في طهران، أو رؤيتك، فإن أي عاقل كامل الأهلية عليه أن يدرك أنه لا استقرار حقيقيا في المنطقة من دون تفاهم ما مع إيران. ويعتبر نوعا من أنواع الجنون ذلك النوع من التفكير القائم على أن أزمة المنطقة يمكن تسويتها رغما عن وليس بالتوافق مع إيران.

بالطبع الأمر لا يمنع من ملاعبة إيران هنا وهناك بهدف تحسين شروط التفاوض حينما تأتي تلك اللحظة المهمة التي يتم فيها تسطير شكل المنطقة ورسم مناطق نفوذها. ويبقى دائما السؤال: هل العقل الإيراني قابل للتسوية أم قابل فقط للإملاء والتكبر والتعالي على دول المنطقة؟

مرحلة أحمدي نجاد لم تبشر بأي إمكانية للتسوية أو التفاهم، لذلك فإن المراقب المحايد يسعى إلى متابعة ما يحدث من تطورات انتخابية وتحديد مواقف مرشحي الرئاسة في إيران باهتمام شديد وأمل كبير في أن تسفر هذه الانتخابات عن بزوغ نجم بناء إصلاحي قابل للتفاهم والتسوية، ويمكن أن نتلقف تصريحات وزير الخارجية الإيراني الأخيرة، التي سعى فيها إلى الإسراع في اجتماعات اللجنة الرباعية للملف السوري (مصر والسعودية وتركيا وإيران) والتي دعا إليها الرئيس المصري منذ أشهر، كبادرة خير ومرونة.

المهم أن يكون السعي الإيراني إلى المشاركة في أعمال اللجنة من قبيل نزع فتيل التوتر واتساع الخلاف الإقليمي حول سوريا، وليس استغلال اللجنة كمنصة لإطلاق صواريخ الغضب الإيراني ضد السياسة الأميركية. نحن بحاجة إلى التفاهم مع إيران شريطة أن تكون طهران مفتوحة العقل والقلب والمنطق حتى لا يندمج الزيت بالانفجار النووي!

عبدالله هادي
04-05-2013, 06:43 AM
فؤاد مطر
ملامح «القطاف الإقليمي» بين المحيط والخليج



كأننا من المحيط إلى الخليج، أو من ضفاف المتوسط في لبنان وسوريا وإسرائيل إلى ضفاف الأطلسي في الديار المغاربية مرورا بضفاف الأحمر بين الأردن ومصر والسودان وضفاف الخليج باباً ومضيقاً، على موعد مع «القطاف الإقليمي»، أو مع «الصيف الإقليمي»، نظيرا، بطبعة مختلفة، «الربيع العربي». وإلا فما معنى هذا السيناريو المتعدد المشاهد الذي يحدث تزامنا مع دخول المحنة السورية سنتها الثالثة.


ما معنى أن يزور الرئيس أوباما إسرائيل يوم 20 مارس (آذار) 2013 ثم في اليوم التالي مقر السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، فيقول كلاما نصوحا أمام جيل الشباب من اليهود، كلاما موجّها في الواقع إلى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وغلاة التشدد. وما قاله الرئيس أوباما كموقف وكنصيحة لليهود الشباب هو: «أعلم أن هناك عناصر فلسطينية إرهابية تريد دمار إسرائيل، ولكن غالبية الشعب الفلسطيني تريد السلام، وإسرائيل مجبرة على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعدالة. ضعوا أنفسكم مكان الفلسطينيين. انظروا إلى العالم بأعين الفلسطينيين، ليس من العدل ألا تستطيع طفلة فلسطينية أن تنمو في دولة مستقلة لها، لا يجوز أن تعيش طفلة كهذه في ظل احتلال لجيش أجنبي يتحكم في حياتها وحركتها هي وأفراد عائلتها. إن السلام ممكن، وأنتم الشباب تتحملون مسؤولية في ذلك». وبعد هذه الموعظة يؤدي أوباما أمام أهل السلطة الفلسطينية موعظة أخرى جاء فيها من الكلام الذي لا يسمن للتو من جوع الفلسطينيين إلى الحل الذي يأملونه، وهو إتباع خطوة الدولة غير المكتملة العضوية في الأمم المتحدة، أي «الدولة المراقب» فقط، بخطوة إعلان قيام دولة فلسطين. وبدل أن يشيع بعض التفاؤل في نفوس أهل السلطة، فإنه قال: «يمكن التوصل إلى حل على أساس الدولتين إذا تمكّنا من الوصول إلى مفاوضات مباشرة وأن نبدأ هذه المفاوضات، وأعتقد أن شكل الصفقة موجود، والعالم كله سيدعم ذلك. نريد تحقيق الاستقرار والسيادة والأمن والسلام للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. هذا هو لب الموضوع، وإذا قمنا بحل ذلك فإن مشكلة الاستيطان ستنتهي. لا نريد أن نضع العربة أمام الحصان؛ نريد أن نتأكد من أننا نصل إلى القضايا الحقيقية والرئيسة لأجل إعادة بناء الثقة».

ذلك كان جوهر رؤية الرئيس أوباما عندما زار إسرائيل ومقر السلطة الوطنية في رام الله، الذي سبق أن زاره كعضو في مجلس الشيوخ في يناير (كانون الثاني) 2006. والفرق كبير بين قدرة «أوباما السيناتور» قبل 7 سنوات، وقدرة «أوباما الرئيس» المتطلع، لا شك في ذلك، إلى دور تاريخي يكمل فيه دور الرئيس (الديمقراطي) الآخر جيمي كارتر. ولا يقلل من إيحاءات الرئيس أوباما الواردة بكثير من الوضوح في كلامه الذي أوردنا فقرات منه؛ أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، المتطلع إلى تسجيل اسمه في صفحة قيام دولة فلسطين «المتصلة» بـ«دولة إسرائيل»، وعلى نحو ما آلت إليه دولتا السودان بعد استقلال جنوبه برضا «إنقاذ شماله»، رد بلغة المنطق على موعظة أوباما، فقال مخاطبا الرئيس الأميركي: «لم نتخلّ عن رؤيتنا، لكننا نرى أن الاستيطان غير شرعي. لسنا وحدنا من يقول إن الاستيطان غير شرعي، بل إنه صدر عن مجلس الأمن 13 قرارا تطالب باجتثاث الاستيطان. نحن لا نطالب بشيء خارج إطار الشرعية الدولية، نريد أن تُوقف النشاطات الاستيطانية لنتكلم عن القضايا، ومن ثم عندما نحدد حدودنا يعرف كل منا أرضه التي يعمل فيها ما يريد».

بعد هذه الزيارة التي أعقبتها مهمة قام بها وزير الخارجية جون كيري، فجولة قام بها وزير الدفاع تشاك هيغل، وشملت، إلى جانب إسرائيل، مصر والسعودية ودولة الإمارات، عفا رئيس الوزراء التركي أردوغان عما سلف من جانب إسرائيل، وتزايدت الحمم البشّارية ضد المنتفضين على نظامه، واختلط الحابل السوري العلماني بالنابل الإسلاموي، بحيث باتت ظاهرة «النصراويين» حطبا يُرمى في أتون المحرقة السورية، وفي الوقت نفسه تراجعت الهمة الدولية التي عقد المنتفضون الآمال عليها، ثم دخل «حزب الله» الميدان السوري في سابقة ألقت ظلالا على عقيدته وتاريخه. وفي الوقت نفسه، بدأت كرة النار المذهبية تتدحرج على الأرض العراقية، الأمر الذي جعل أهل الحكم الإيراني الحائر في أمر من سيخلف محمود أحمدي نجاد رئيسا للبلاد يخططون لمواجهة فقدانهم العراق بقبضة نوري المالكي، رافعين منسوب التهديد بتدمير تل أبيب في حال نفذت إسرائيل مخطط تدمير البرنامج النووي العسكري. وتزامن ذلك مع مخاوف جدية في دول الخليج نشأت بعد الزلزال الذي شملت اهتزازاته بدرجات أقل شرق السعودية ودبي، وحذر أهل الخبرة العلمية من احتمال حدوث «تشرنوبل إيرانية» تلوث البيئة زراعة ومياها، وهكذا، فإن النووي الإيراني في نظر الخليجيين كارثة إذا جرى استعماله، و«أبو المصائب» إذا هو انفجر بفعل زلزال. كما أنه عنصر إقلاق وتهديد لمجرد استكمال مشروع امتلاك إيران لقنابل ذرية صغيرة.

هذه الوقائع وغيرها، وكذلك الكم الهائل من التصريحات، تجعل مراقبا متابعا لأحوال المنطقة مثل حالي يربط هذا كله بالزيارة التي قام بها الرئيس أوباما في مارس 2013 إلى فلسطين بجناحيها؛ الجناح المغتصَب للعقد السادس على التوالي من جانب الصهيونية، والجناح المحتل من جانب إسرائيل للعقد الرابع على التوالي، ومن دون أن تفيد مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات في شيء. فالرئيس أوباما يراهن على الجيل الشاب في إسرائيل أن ينتفض من أجل السلام، وهذا واضح في فقرات كلامه الذي قاله أمام شبان لا ينتمون إلى جيل المؤسسين قادة العصابات مثل «شتيرن»، ذلك أن هؤلاء إلى اندثار ومن دون أن يتحقق الأمن لإسرائيل. كما أن حرص أوباما أن تكون زيارته الأولى في ولايته الرئاسية الثانية لفلسطين بجناحيها «فلسطين المغتصَبة» و«فلسطين المحتلة»، ومن دون أن تشمل دولا أخرى في المنطقة، مؤشرا إلى أنه ينوي حلا، وأن ما أعقب الزيارة من أحداث وتطورات يرسم في المشهد أمامنا ملامح «القِطاف الإقليمي» أو «الصيف الإقليمي» الذي، واستنادا إلى قول وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، وهو في الطائرة قبل هبوطها في مطار تل أبيب، يوم الأحد 21 مارس 2013 للصحافيين المرافقين له في جولته «إن إسرائيل والولايات المتحدة على توافُق تام في رؤية الخطر من التسلح الإيراني النووي، ولكنهما على خلاف في وجهتي النظر بشأن الجدول الزمني لتطوير الخبرة النووية الإيرانية، وتوقيت توجيه ضربة عسكرية. ثم إن إسرائيل لا تحتاج إلى موافقة أميركية عند اتخاذها قرار توجيه ضربة عسكرية لإيران، وكيف تكون هذه الضربة». وهذا الكلام يعزز ملامح «الصيف الإقليمي» الوارد كاحتمال حدوثه، ويتلخص في أن إسرائيل ستحرج إيران، وذلك من خلال استهداف لبرنامجها النووي العسكري، وأن إيران تنفيذا من جانبها لتهديداتها ستحرج إسرائيل، من خلال رد مماثل يستهدف بعض مدنها. وهنا تدخل أميركا وأوروبا وكذلك روسيا والصين على الخط، كون هذه الدول مع بقاء إسرائيل دولة كاملة الاعتراف بها، فتضع حدا للمغامرتين اللتين ستنتهيان بأن تنكفئ إيران وتنشغل بأمورها، فلا تصدير ولا تهديد ولا أعماق مسلحة في لبنان والعراق واليمن، أي لا تعود إيران ما قبل الضربة، وأن ترتدع إسرائيل وتصبح كما رسم ملامحها الرئيس أوباما عندما التقى رموزا شبابية خلال زيارته، أي إسرائيل التي تتعايش مع الآخرين في المنطقة، وتحمد الله على أن مبادرة السلام العربية تجيز لها هذا العيش، إنما في حال قامت دولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشريف. وهنا تبدو الأنظار شاخصة نحو مسعى جديد من جانب أبي المبادرة العربية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لدى البابا فرانسيس، عسى أن يتصرف مع دول العالم الكاثوليكي نصحا وضغطا كما لم يفعل السابقون. وعندها، تحل محل صيحات العدوان الصهيوني حكمة السيد المسيح.. «على الأرض السلام وفي الناس المسرّة».

عبدالله هادي
05-05-2013, 05:36 AM
عبدالله بن بجاد العتيبي
التطهير الطائفي والغضب السني



هل أحد يصدق بشار الأسد حين يتحدث عن الإرهاب؟ هل أحد يصدق نوري المالكي حين يتحدث عن الطائفية؟ هل أحد يصدق جماعة الإخوان حين تتحدث قياداتها ورموزها عن الوطن أو الشعب لا عن الجماعة؟

إنها أسئلة مستحقة لحقبة جديدة في العالم العربي، حقبة الإسلام السياسي الذي يمارس السياسة بأردأ طرقها وآلياتها ومناهجها وأخطائها ثم يحمّل كل فشله وتطرفه على الإسلام كدين، يصح هذا في الإسلام السياسي السني والشيعي على حد سواء.

تحت سخونة الأوضاع في سوريا، وتحت حرارة الدم السوري المراق بدأت تذوب الأكاذيب وتذوي الشعارات، لقد أبانت إيران ومحورها الذي لطالما بث الدعايات حول كونه الممثل الشرعي للأمة في مقاومة إسرائيل أن القضية الفلسطينية بالنسبة له لا تعدو أن تكون ستارا كثيفا تدير تحته الجمهورية الإسلامية طموحاتها في التوسع وأحلامها في النفوذ في المنطقة العربية وهو ما كشفته بوضوح الأزمة والمأساة السورية.

ويجدر هنا أن نتساءل، لماذا توقف حزب الله نهائيا عن تهديد إسرائيل؟ ولماذا توقف حسن نصر الله عن تهديداته وتحدياته المعتادة تجاهها؟ ولماذا صمتت حماس تماما عن أي موقف يشتبه بأن فيه عداء لإسرائيل؟ إن إيران ومحورها مهتمان أكثر ببقاء النظام السوري وتصفية الشعب السوري حتى يستطيع بشار الأسد أن يحكم ما يتبقى منه. وقل مثل هذا في حكم الإخوان المسلمين بمصر الذين يخاطبون الرئيس الإسرائيلي بالصديق العزيز والعظيم، وأكثر من هذا أن الطرفين - إيران والإخوان - قاما بالتبرؤ من أي عمل عدائي تجاه إسرائيل على مراحل متفاوتة في الفترة القريبة الماضية، كتبرؤ حزب الله من الطائرة من دون طيار، وكتبرؤ حماس من أي إطلاق للصواريخ من غزة.

خرج الأسبوع الماضي السيد حسن نصر الله متحدثا عن الأزمة السورية وهو حاول أن يبدو واقعيا ورابط الجأش واعترف بمشاركة عناصر حزبه العسكرية في القتال ضد الشعب السوري وإن حاول تبرير تلك المشاركة لأتباعه، وهو كعادته حاول تقديم رؤية عامة للمشهد الذي يتحدث عنه، ولكن رؤيته هذه المرة كانت أبعد ما تكون عن أي واقعية أو مصداقية، فهي رؤية منحازة وطائفية بامتياز، منحازة للنظام السوري وتزايد على تبريراته وطائفية في بعض المسائل التي سمّاها بالحساسة كمقام السيدة زينب في ريف دمشق.

تحدث نصر الله عن أن ميليشياته لم تدخل المعركة السورية بشكل كامل، والواقع يقول إنها تعيث في الكثير من المواقع السورية كما هو معلوم، ولكنه يستخدم طريقة التهديد بما هو أعظم، وهي نفس الطريقة التي اتخذها النظام السوري في قتل شعبه منذ البداية. لقد كان يقول إن الأوضاع تحت السيطرة والأمن هو الذي يواجه المتظاهرين وبعد أن أدخل القوّات المسلحة والجيش في المعركة كان ينفي ذلك، ثم ومع تضييق الخناق على قوّاته أخذ يلجأ شيئا فشيئا لما هو أكبر، فلجأ لاستخدام المروحيات ثم القوات الجوية بكامل عتادها وصواريخها، ثم الصواريخ الباليستية كصاروخ سكود، ثم السلاح الكيماوي.

((قبل يومين فقط قام النظام بمجزرة في قرية البيضا التابعة لـ«بانياس» وتحدث مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في اتصال هاتفي مع وكالة الصحافة الفرنسية قائلا إن «الأحياء السنية في المدينة تتعرض للقصف والقرى السنية جنوب المدينة كذلك، والطرق إلى اللاذقية وطرطوس تنتشر عليها حواجز للقوات النظامية، ما يجعل فرار السُنة إلى مناطق أخرى أمرا مستحيلا»، وتساءل «ماذا ستفعل الأمم المتحدة؟ تترك هذه الأقلية السنية في محيط علوي محاصرة؟)) » (العربية نت).

وقد اتهم ائتلاف المعارضة السورية نظام بشار الأسد باللجوء إلى «التطهير الطائفي» وطالب الجامعة العربية والأمم المتحدة بإحالة هذه القضية ومثيلاتها للمحكمة الجنائية الدولية كجريمة حرب يجب أن يحاسب عليها النظام.

إن إيران وحلفاءها يلعبون بالنار الطائفية بشكل مخيف، وانظر لما تصنعه في سوريا وتدخل حزب الله في مهاجمة قرى سنية في القصير بحمص، وقارن بالهجوم الشرس الذي تبناه رئيس الوزراء نوري المالكي ضد بعض المناطق السنية والاعتصامات السلمية فيها، وانظر إلى توظيفها لبعض أفراد من الأقليات الشيعية في الخليج ضد دولهم، وكذلك إرسالها الأسلحة والعتاد لبعض الجماعات الشيعية المعارضة في اليمن.

إن الحديث عن الطائفية بغيض ومخيف في الآن ذاته، وإدخالها في صراعات السياسة بشكل مسلح ومنهجي ودموي ربما خدم سياسات إيران التوسعية مرحليا وقد تكون حكومة إيران قادرة على حماية نفسها داخليا كونها تمثل الأكثرية الشيعية في إيران، ولكنها أبدا لن تكون قادرة على لجم «الغضب السُني» الذي بدأ ينتشر ويتفشى في كثير من البلدان العربية والإسلامية، وهو إذا انفجر فسوف تكون الأوضاع كارثية على الأقليات الشيعية في تلك البلدان.

لا شيء أبغض من الحديث عن الطائفية، ولكن أي محاولة لقراءة استراتيجية المحور الإيراني في المنطقة بشكل عقلاني وواقعي يجب أن تصطدم بهذا السلاح الطائفي البغيض الذي تدير به إيران معاركها، والاعتراف بوجوده كمعطى واقعي ملموس والتنبيه والتحذير منه الآن أمر ضروري حتى يكون الجميع على بصيرة من أمرهم حين تنجرف الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه لاحقا.

لقد أظهر الشعب السوري قدرة عظيمة حتى الآن في عدم الانسياق وراء سياسة النظام الطائفية المحضة، وأظهرت المعارضة السورية والجيش الحر مواقف رافضة على طول الخط لتحويل معركة الشعب ضد النظام إلى معركة طائفية لا يمكن لأحد حين تشتعل نيرانها أن يطفئها لعقود ربما.

يمثل المنتسبون للمذاهب السنية من تعداد المسلمين ما يزيد على الثلاثة أرباع ويبقى ما يقارب الربع للمذاهب الشيعية، وهي بالتأكيد مذاهب محترمة، ولكن ما مصلحة إيران من تحشيد ربع المسلمين أو من استطاعت الوصول إليه منهم ضد الأكثرية الكبرى؟ وما حجم الجناية التاريخية التي ترتكبها في حقهم؟ وهل فعلا هي واعية بما تصنعه سياساتها؟ وهل المشروع النووي وطموحات النفوذ والتوسع تستحق كل هذه الحروب التي لم نرَ إلا بداياتها حتى الآن؟

إنها أسئلة مشروعة وهناك المزيد، وسيكون على ساسة الجمهورية الإسلامية تحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية عن أي موجات غضب قد تنتشر في مقبل الأيام.

عبدالله هادي
05-05-2013, 05:37 AM
طارق الحميد
سوريا والغارة الإسرائيلية



رسالتان يمكن قراءتهما من الغارة الإسرائيلية على سوريا مساء الجمعة الماضي، والتي أعلن عنها مسؤولون أميركيون، الرسالة الأولى هي أن إسرائيل لا تكترث بتهديدات حسن نصر الله التي رددها في خطابه الثلاثاء الماضي. والثانية أن قدرات الأسد الدفاعية ليست بتلك الصورة التي يرددها الأميركيون!

الغارة الإسرائيلية التي استهدفت شحنة من الصواريخ المتطورة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، حيث سبق أن استهدفت إسرائيل شحنة أسلحة قيل إنها كانت في طريقها لحزب الله، كما أن إسرائيل التي أقرت بتوجيه الضربة الأخيرة للأراضي السورية قال مسؤول في وزارة دفاعها لمحطة «سي إن إن» الأميركية التي نقلت خبر الغارة، إن إسرائيل ستقوم بكل ما يلزم لضمان عدم نقل الأسلحة للجماعات «الإرهابية»، وإنها فعلت ذلك بالماضي، و«ستفعلها مستقبلا في حال اضطرت لذلك». ومن هنا فإن هذه الغارة الجوية هي بمثابة رسالة لحزب الله مفادها أن إسرائيل لا تكترث بتهديدات حسن نصر الله التي توعد فيها بأن لدى النظام الأسدي أصدقاء بالمنطقة والعالم، أي إيران وحزب الله، ولن يسمحوا بسقوط الأسد، كما أن إسرائيل تريد القول بأنها جاهزة لو حاول حزب الله التحرك، أو فتح جبهة، خدمة للأسد أو إيران. وبالطبع، فمن شأن ذلك أن يزيد الأزمة السورية تعقيدا، لكن من قال أصلا إن الأزمة السورية ليست معقدة، وتصل للحظة الانفجار، فالمشهد الآن هو كالتالي: الأسد يعتدي على الحدود الأردنية، بينما حزب الله يشارك في قتل السوريين، وإسرائيل تقوم باصطياد ما يحلو لها في الأراضي السورية، فهل هناك تعقيد أكثر من هذا؟ وعليه فإن الرسالة الثانية للغارة الإسرائيلية هي أن نظام الدفاعات الجوية الأسدية ليس بتلك القوة التي يصورها الأميركيون في حال الرغبة في فرض مناطق حظر طيران، أو حتى القيام بعمل عسكري، من قبل الناتو، أو تحالف الراغبين، فالطيران الإسرائيلي يحلق في الأجواء السورية واللبنانية كيفما شاء، وأنظمة الأسد الدفاعية تغط في سبات عميق، بل إن كل همها الآن هو قصف السوريين، وليس التصدي للإسرائيليين. ونقول إن هذه رسالة للمجتمع الدولي حتى ولو كانت الطائرات الإسرائيلية أصابت أهدافها من خارج الأجواء السورية، كما أعلن، فذلك يعني أيضا أنه بمقدور الأميركيين والمجتمع الدولي تقليم أظافر الأسد في ساعات محدودة، جويا، وعكس كل ما يقال عن أنظمة الأسد الدفاعية.

وهذا ليس تبسيطا، وإنما محاولة لكشف حجم المبالغة حول قدرات قوات الأسد الجوية؛ فالنظام الأسدي اليوم بمثابة الجثة الميتة التي تنتظر من يواريها الثرى، وهذا ما أثبتته، وتثبته، الغارات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، وعليه فإن السؤال الآن هو نفس السؤال المطروح، وبعمر الثورة: ما الذي ينتظره الأميركيون، والمجتمع الدولي حتى يتدخلوا؟ إلى متى الانتظار وفي سوريا يجتمع ما لا يجتمع؛ حيث «القاعدة»، وإيران، وحزب الله، وإسرائيل؟

أمر مذهل بالفعل.

عبدالله هادي
05-05-2013, 05:38 AM
فايز سارة
في استراتيجية حزب الله


قامت استراتيجية حزب الله في لبنان في الظاهر العلني على فكرة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وكانت الظروف اللبنانية والإقليمية والدولية تدعم قيام تلك الاستراتيجية، حيث هناك أجزاء من لبنان تحتلها إسرائيل، وثمة قوى إقليمية ودولية تعارض الاحتلال، وتدعم إخراج الإسرائيليين من الأراضي اللبنانية في موقف منسجم مع إرادة المجتمع الدولي، ومن أصول تلك المعطيات حصل حزب الله على دعم وتأييد متعدد الأوجه لاستراتيجيته في مواجهة الاحتلال وسياسة إسرائيل في المنطقة.. غير أن الظروف المحيطة باستراتيجية حزب الله، تغيرت بعد انسحاب إسرائيل من لبنان في عام 2000، مما جعل استراتيجية حزب الله، تتحول في اتجاهات أخرى، وهذا لم يكن ممكنا من دون حدث مهم يفسر ويبرر التحول في استراتيجية حزب الله، وكانت الخطوة الحاسمة في حرب عام 2006 ونتائجها المدمرة على لبنان واللبنانيين، التي خلق أساسها حزب الله، ثم طورت إسرائيل تفاعلاتها، وجاءت الظروف الإقليمية والدولية لتضع بصماتها عليها، فتفرض بنتائجها اتفاقا يجعل حزب الله خارج أي معركة مباشرة مع الإسرائيليين.

ورغم الغرق اللفظي الذي مارسه حزب الله في اعتبار تلك الحرب نصرا، بل «نصرا إلهيا»، فإن اللبنانيين شعروا أن تلك الحرب هي آخر حروب حزب الله المباشرة مع الإسرائيليين، في ظل وقائع فرضتها تدخلات القوى الإقليمية والدولية في رسم نتائج الحرب على الأرض، من أبرزها ذهاب الجيش اللبناني إلى الجنوب في أول خطوة من نوعها عبر عقود الحرب اللبنانية، وتمت إقامة ساتر من القوات الدولية في الجنوب، بالتزامن مع ميل الأغلبية اللبنانية لتجنب حرب جديدة مع إسرائيل بموازين القوى القائمة، والتوجه لاتخاذ السياسة والدبلوماسية مسارا في السعي لاستعادة ما تبقى من أرض لبنان بيد المحتلين الإسرائيليين.

إن نهاية استراتيجية حزب الله في الصراع مع إسرائيل، جعلت الحزب يبدل ميدان اهتمامه فصار لبنان ساحته، فركز اهتمامه بالداخل اللبناني وانخرط في السياسة اليومية، وأخذ يبني استراتيجية جديدة أساسها السيطرة على الداخل اللبناني مستغلا معطيات كرسها في المرحلة الماضية، أبرزها وزنه في التركيبة الطائفية، وقوته المالية التي يوفرها الدعم الإيراني، وتنظيمه العسكري - المدني – الأمني الذي بنى عبره مرتكزات قوية في معظم المناطق اللبنانية، والسمعة التي اكتسبها في مرحلة المواجهة مع المحتل الإسرائيلي، ولم تكن ثمة اعتراضات جدية على هذا التحول في استراتيجية حزب الله، بل كان كثير من أوساط وقوى محلية وخارجية يميلون إلى هذا التحول.

المشكلة الأساسية المحيطة بالتحول في استراتيجية حزب الله، أنها لم تتضمن موقعا ووظيفة يخصان سلاح حزب الله.. ففي الداخل اللبناني، لم يكن هناك أطراف مسلحة غير الحزب، ولم يعد هناك مجابهات مع إسرائيليين بعد أن جرى فصلهم عن الحزب بحواجز لبنانية ودولية، مما جعل الحزب يلجأ إلى سلوكيات إعلامية دعاوية وأخرى عملية إجرائية للحفاظ على دور لسلاحه، وفي هذا الإطار كان الاستمرار اللفظي - الإعلامي في العداء لإسرائيل، وتأكيد حضور قوة الحزب والتهديد بها في الصراع مع خصومه في لبنان، إضافة إلى التطلع إلى دور خارجي لسلاح حزب الله بإعلانه دعم إيران في أي مواجهات تدخلها مع الأعداء، ثم دعمه السياسي والعملي للنظام في سوريا في وجه ثورة السوريين الذين وصفهم زعيم حزب الله بأنهم «جماعات مسلحة». ولولا ما يقال عن روابط سياسية وآيديولوجية بين الحزب وحليفيه في طهران ودمشق، لأمكن القول إن الحزب تحول إلى حامل بندقية للإيجار، لأن علاقاته مع الطرفين لا تخلو من مصلحية مباشرة أبرز تعبيراتها مال نظيف من طهران، ودعم قوي وخدمات استراتيجية من دمشق.

خارج تلك الصورة في وضعية حزب الله وعلاقاته وآفاق استخدامه لقوته، ثمة أسئلة جدية حول السبب الذي يجعل حزب الله، يتذكر سكان قرى سورية أصولهم لبنانية في وقت يتجاهل القرى اللبنانية التي يحتلها الإسرائيليون منذ قيام إسرائيل، والأراضي التي يقول إن الإسرائيليين يحتلونها من أواسط السبعينات في مزارع شبعا والغجر، ولماذا يرسل الحزب قواته للقتال ضد السوريين، بينما لم يرسل قواته إلى العراق للدفاع عن المراقد الشيعية في السنوات العشر الماضية، وهي تتعرض لخطر الدمار، بل لماذا لم يرسل الحزب قواته للقتال ضد الجماعات المسلحة من «فتح الإسلام» في الحرب الطويلة القاسية التي خاضها الجيش اللبناني في شمال لبنان.

ثمة أسئلة كثيرة يمكن طرحها قبل وبعد الحديث الأخير لزعيم حزب الله، حول تدخل قوات وأسلحة الحزب في الأزمة السورية ووقوفه إلى جانب النظام ضد الشعب والذي وصف فيه موقفه وموقف حزبه بأنه «إنساني وأخلاقي»، وأن أصدقاء النظام - وبينهم حزب الله - لن يسمحوا بإسقاط النظام، الذي يواجه الشعب منذ أكثر من عامين غارقا في قتل السوريين وتدمير قدراتهم وبلدهم.. هل ثمة بؤس أكثر من ذلك؟!

عبدالله هادي
05-05-2013, 05:39 AM
عبدالرحمن الراشد
إبادة سنة بانياس



هذه مدينة ساحلية صغيرة، سكانها خمسون ألفا.. خليط طائفي من سنة وعلويين ومسيحيين، وعرقي من عرب وتركمان. سمعنا ببانياس بشكل مكرر في مناسبتين، مرة عندما كان يرد الحديث بكثافة عن صادرات النفط العراقي أيام العقوبات الاقتصادية في التسعينات، حيث كان يضخ النفط عبر أنبوب كركوك - بانياس الذي بني في الخمسينات من القرن الماضي، ويصب في المصفاة والميناء. ثم عادت بانياس إلى واجهة الأخبار في بدايات الثورة ضد نظام الأسد، قبل عامين، وكان أهلها من أوائل المنتفضين. وقد عاقبهم النظام، كما فعل بمدينة حلب، بتقطيع المدينة والأحياء من خلال بناء حواجز أمنية كثيفة. عمليا سجن معظم الأهالي في منازلهم طوال عامين تقريبا.

وليس غريبا، في ظل التوتر، أن تكون المدينة الساحلية خط تماس طائفي، خاصة أنها امتداد لمناطق طائفة الرئيس، وقد شاع أنه يعتزم إقامة دولة علوية في المنطقة الجبلية وحتى الساحل، الأمر الذي يعني أنه يخطط لارتكاب جرائم إبادة وتهجير ضخمة للتخلص من كل سكان المنطقة من السنة. ويبدو أننا دخلنا هذا التاريخ القبيح بمجزرتين ارتكبتهما شبيحة وميليشيات الأسد الطائفية في مدينة بانياس وقرية البيضا. بسببها فر مئات من عائلات القرى بحثا عن السلامة، بعد أن تبين أن المذابح ارتكبت عمدا ضد الأطفال والنساء بأسلوب الذبح، والشباب أعدموا في ميدان البلدة برصاص في الرأس. هذه المذابح البشعة هدفها إشاعة الخوف، ودفع السكان من السنة إلى ترك بيوتهم ومدنهم وقراهم، والهجرة إلى ملاذات بعيدة. تطهير بانياس والبيضا طائفي يماثل ما ترتكبه ميليشيات الأسد في مناطق أخرى، ويؤكد مخطط النظام لبناء دولة جبلية ساحلية يكون له فيها الأغلبية والحكم المطلق.

وأهالي هذه المدينة ضحية السياسة الطائفية منذ ثلاثين عاما، مما جعل الجانبين (العلويين والسنة)، يعيشان في حالة انكفاء وتوتر صامت، ويلجأ كل طرف إلى طائفته بتعصب شديد. وصار من السهل على النظام إشعال فتيل الفتنة لإدارة المعركة و«تطهير» المناطق من سكان المدن والقرى الذين عاشوا فيها أبا عن جد، منذ قرون طويلة.

ما الذي يمكن فعله لإنقاذ حياة الناس، وردع هذا النظام الذي لم يعد يبالي برأي دولي بعد أن تبين له أن قتل آلاف المدنيين العزل ليس ضمن الخطوط الحمراء التي حذر من فعلها؟ إن ما يؤلمنا جميعا ليس لامبالاة الغرب، أو انحياز روسيا وإيران مع الأسد، فهم أقوام بعيدة، لكن الظاهر أن العرب يتفرجون بحنق وحزن معا، لكنهم لا يفعلون الكثير. لقد ملأوا العالم ضجيجا في قضية الرسوم الكارتونية المسيئة لكن لا نرى ما يشابهها من مطالب وإلحاح ضد ما يحدث في سوريا!

يمكن دعم الجيش الحر بأكثر مما هو مدعوم، وجعل إسقاط النظام السوري مطلبا سياسيا تحاسب عليه الحكومات العربية. نحن ندري أن الشارع يغلي حتى يكاد ينفجر بسبب ما يسمعه ويشاهده من مذابح وجرائم يرتكبها الأسد، وهو سينفجر في يوم ما بشكل أكثر حدة مما نتخيل، لهذا نقول لا تتركوا المذابح تسير بلا مواجهة على قدر الجريمة.

عبدالله هادي
05-05-2013, 05:40 AM
عماد الدين أديب
سياسة التعامل بالقطعة!



كانت قطعة الكنافة بالقشدة رائعة المذاق حينما اقتحم عليّ متعتي ذلك الشاب العربي المتحمس ساعيا إلى حوار جاد في زمن أصبحت - لأول مرة - في حياتي لا أرى فيه أي جدوى من الحوار!

صرخ الشاب قائلا: «أرجوك يا أستاذ، اترك الكنافة بالقشدة والشاي بالنعناع وتدخين الأرجيلة وأجبني على أسئلتي»!

العبد لله: وما هي أسئلتك يا سيدي؟

الشاب: أولا إلى أين تذهب الأمة العربية؟

العبد لله: هل أحد قال لك إنني «نوستراداموس» ذلك الفلكي العبقري الذي يتنبأ بالمستقبل.

الشاب: أنتم يا أستاذ في الإعلام تعرفون كل شيء بدءا من أسرار الحكام إلى أين تخبئ البطة وليدها؟!

العبد لله: لا تبالغ أرجوك، فلا أحد يعرف حقيقة ما يجري في هذه المنطقة الغامضة!

الشاب: لماذا تسميها غامضة؟

العبد لله: إننا نعيش مرحلة من التقلب وعدم الاستقرار الذي يرجع إلى سيولة الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية!

الشاب: وكيف يمكن أن تكون نتيجة هذه الأوضاع؟

العبد لله: في علم السياسة يسمونها حالة من «عدم التيقن» أي عدم وجود يقين واحد واضح ومحدد يمكن رسم صورة المستقبل عليه.. باختصار كل شيء قابل للحدوث!

الشاب: كيف ذلك؟

العبد لله: بمعنى أن الاستقرار ممكن وكذلك الثورة، والهدوء وارد جدا وأيضا الفوضى، والتدخل الأميركي ممكن، وكذلك احتمالات الجلوس موقع المشاهد، والضربة النووية لإيران تتزايد وأيضا إمكانية التفاوض السياسي وعقد صفقة إقليمية معها!

الشاب: إنها مسألة محيرة للغاية؟

العبد لله: وشديدة التعقيد، ولا أحد، وهنا أؤكد أنه لا أحد، سواء كان فردا أو جهازا استخباريا، يستطيع أن يقرأ كف الأيام القليلة المقبلة.

الشاب: إذن كيف يتم التعامل مع ملفات هذه المنطقة؟

العبد لله: صدق أو لا تصدق، إنه تعامل صاحب عربة الفول المدمس الجائل في مصر؟

الشاب: وما هو أسلوب صاحب عربة الفول؟

العبد لله: إنه يتعامل بمنطق التعامل مع الرزق يوما بيوم أي حسب ما تأتي به الرياح من دون تخطيط مسبق أو استقرار ممكن لما هو مقبل!

الشاب: يوما بيوم؟ هل هذا ممكن يا أستاذ.

العبد لله: نعم، هذا صحيح. وإذا قمت بتحليل سياسات أهم الدول الموجودة على مسرح الأحداث في المنطقة ستجدها تتعامل مع الموقف «بالقطعة» أي من دون تصور متكامل ذي رؤية استراتيجية مبرمجة زمنيا وذات خطة تنفيذية واضحة!

الشاب: إذن نحن في خطر!

العبد لله: نحن مثل الذين يرتادون قطارا لا يعرف قائده اتجاه المحطة الأخيرة!

عبدالله هادي
06-05-2013, 05:38 AM
عطاء الله مهاجراني
العراق بعد أحداث الحويجة



في كل مرة أكتب مقالا عن العراق، أجد نفسي في معاناة غريبة. أسأل نفسي عن أي وجوه العراق سأكتب؟ فللعراق وجهان مختلفان، كوجهي «يانوس»، وجه يفيض بالسعادة والآخر بالمعاناة.

كان العراق رمز الحضارة والثقافة والعلوم في تاريخ الإسلام، وكانت بغداد واحدة من أهم الحواضر الثقافية في العالم، ورأينا كيف كانت تيارات العلوم والفلسفة والأدب والترجمة تتلاقى مع بعضها في بيت الحكمة.

كانت بغداد مرفأ عظيما للعلوم، ومكانا لصياغة الأفكار والآراء ثم انتقالها إلى أماكن أخرى. وبرأيي كان نقل الكلمات أكثر أهمية من نقل البضائع. ومن المدهش أيضا استمرار هجرة الأفكار والكلمات من حضارة وثقافة إلى أخرى.

كان بيت الحكمة والمدرسة النظامية، وكلاهما في بغداد، من دون شك أهم مراكز أكاديمية في العالم، وهو ما يؤكد الدور الذي لعبته بغداد كأهم مركز للعلوم والمعرفة في العالم أجمع، لا في الدول الإسلامية فقط.

على الجانب الآخر، أظهرت الخمسون عاما الماضية، والعقد الماضي على وجه التحديد، عراقا جديدا. وبدلا من الثقافة والإنسانية والتسامح، ارتبط العراق الجديد بكارثة.

أعتقد أن هذه الفترة المأساوية من العنف والكراهية والقتل بدأت في عام 1963، باغتيال عبد الكريم قاسم، السياسي المتميز والشخصية العظيمة، ومنذ ذلك الحين تنامى القتل والعنف في العراق، وكان صدام نتاجا ورمزا لهذه الثقافة.

في الوقت الراهن يواجه العراق كارثة متوقعة ربما تكون أسوأ من أي كارثة أخرى في تاريخه، فقد ينقسم العراق إلى ثلاثة أجزاء، فتصر المجموعات الثلاث (الشيعة والسنة والأكراد) على شيعية وسنية وكردية كل منهم، وغاب عن بال الطائفية عنصران في غاية الأهمية: العراق والإسلام. وركز الجميع على مصلحته، وصدق فيهم قول المولى عز وجل: «قل كل يعمل على شاكلته» (الإسراء: 84).

لقد وضع رسولنا الكريم مصطلحي المهاجرين والأنصار للتخلص من القيم القبلية والتركيز على القيم المشتركة. لكن في الدولة الأموية انتهجت استراتيجية أخرى، عندما نُسب كل شخص إلى قبيلته أو قبيلتها الأصلية، وألغي لقبا المهاجرين والأنصار الشائعان.

بدا واضحا أن التركيز على أرضيات مشتركة بين الدول والأديان استراتيجية ناجحة نشرها نبينا. ففي القرآن على سبيل المثال، لدينا دعوة عظيمة، تقترب إلى الناس بالوصف كاليهودية والمسيحية والزرادشتية والصابئة.

«قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا اللـه ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللـه فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون» (آل عمران: 64).

ويروى عن معاوية أنه أراد أن يحيي القيم القبلية. وعندما حضر نفر للقائه، سأل عن نسبهم، فقال له حاجبه إنهم من المهاجرين، وهو ما رد عليه معاوية بضرورة تسمية الأفراد بقبائلهم وأنسابهم. هذه الخطوة كانت عامل تغيير مهما في تاريخ الإسلام في القرن الأول الهجري.

وعلى الرغم من حلم جورج بوش، لم يتحول العراق إلى رمز للديمقراطية في الشرق الأوسط، والأسوأ من ذلك أنه غير قادر على حل مشكلاته الخاصة. الآن يثور سؤال مهم: لماذا يقف العراق على شفير كارثة، وفشلت الخطة الأميركية بشكل كلي؟

دعونا نركز على قضية الطائفية في العراق التي تزداد بقوة بين الشيعة والسنة والأكراد، وفي مقال متميز، كتب رشيد الخيون:

«فتحولت فلاليج السواد إلى مخازن للسلاح الثقيل، ومكامن للقادمين من أفغانستان، فعلى إحدى المنائر كتب اسم أفغانستان. وكتب الإخوة العرب القادمون من هناك عبارات لم يكتبها الفلوجيون طوال عمر بلدتهم الغارق بالقدم، مثل (ارفع رأسك أنت من الفلوجة)، و(من الفلوجة تحرر القدس) وغيرها».

أستطيع القول إن تطور الفلوجة مثال واضح على تطور العراق، الذي يقف على شفا حرب أهلية لا نهاية لها، وكارثة قد لا يمكن تجاوزها بسلام، ونهاية دائمة للعراق كدولة موحدة. وستجعل العراق يمر بما عانته يوغوسلافيا السابقة التي انقسمت إلى ست دويلات صغيرة، وينقسم إلى ثلاث مناطق.

هذه هي النتيجة الحتمية للطائفية ونهاية العراق.

هل هناك أي ضوء في نهاية النفق؟ بالطبع هناك، لكن وفق شروط معينة.

أولا: ينبغي أن يدرك كل العراقيين، بغض النظر عن العرق أو الدين، أن حجر البناء الرئيس هو العراق الموحد. فقد قال الخميني ذات مرة إن حماية النظام أكثر أهمية من حماية الإسلام. وبعبارة أخرى، فهو يعتقد أن الحقيقة أكثر أهمية من النظرية، وأنا أود القول إن حماية العراق أكثر أهمية من الإسلام السياسي ومن الطائفية السنية أو الشيعية.

ثانيا: ينبغي علينا أن ندرك أن جوهر الإسلام هو العدل والتسامح، فيقول ربنا: «لا إكراه في الدين» (البقرة: 257).

ثالثا: إن الخطاب القرآني جاء إلى الناس كافة، فيقول الله عز وجل «يا أيها الناس»، ويقول أيضا: «يا أيها الذين آمنوا».

فمنذ أول آية وحتى آخر آية، لا يوجد خطاب خاص بالعرب والمسلمين. وعلى الرغم من حديث القرآن عن حوادث مختلفة بشأن العرب والمسلمين، فإنه لم يخاطبهم بـ«يا أيها العرب» أو «يا أيها المسلمون». كيف استغل قرآننا العظيم كأداة سياسية لتشويه القرآن والإسلام. من يعرف عدد المسلمين الذين قتلوا على يد مسلمين؟ وأحيانا كانوا يقتلون بعضهم بعضا أثناء الصلاة. في نهاية هذا الطريق المليء بالكراهية والقتل الذي لا نهاية له، لا يوجد سوى الدمار.

وفي ديوان مجنون ليلى قال قيس:

يقولون ليلى بالعراق مريضة ** فما لك لا تضنى وأنت صديق

سقى الله مرضى بالعراق فإنني ** على كل مرضى بالعراق شفيق

الآن العراق سقيم ويعاني الآلام، والحويجة هي نقطة التحول في تاريخ العراق المعاصر. فهل ستكون نهاية الطائفية أم نهاية العراقية؟

عبدالله هادي
06-05-2013, 05:40 AM
طارق الحميد
سوريا وإسرائيل.. تنظيف مسرح الجريمة!



حتى هذه اللحظة يصعب إدراك أبعاد الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مفاصل حساسة لنظام الأسد في دمشق فجر يوم الأحد، لكن القراءة الأولية تقول إننا أمام ما يشبه محاولة تنظيف مسرح الجريمة! فالأكيد أن استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية قد غير قواعد اللعبة في سوريا، والمنطقة ككل.

صحيح أن الإدارة الأميركية لم تفعل شيئا حتى اللحظة، إلا أن استخدام تلك الأسلحة قد غير حسابات إسرائيل، وغيرها، حيث وقع المحظور وظهر أن نظام الأسد قد وصل إلى مرحلة اليأس من تحقيق انفراجة بالأزمة، رغم التدخلات الإيرانية ومساعدة مقاتلي حزب الله للنظام. إسرائيل، وبحسب ما سمعته من زعيم كبير أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لديها مخطط متكامل لاستهداف مخزون أسلحة الأسد، وضمان عدم وقوعها بيد حزب الله، أو غيره، ممن تعتبرهم إسرائيل جماعات إرهابية، وكانت تنوي القيام بذلك من قبل لولا ضغوط تمت عليها بمبرر أن استهداف الأسلحة الكيماوية، وغيرها، سيحدث كارثة على الجميع، بما فيهم إسرائيل.

لكن الواضح اليوم أن قواعد اللعبة قد تغيرت، فالأسد استخدم الأسلحة، ومقاتلي فيلق القدس الإيراني على الأرض، ومعهم حزب الله، ومن ناحية أخرى هناك التقدم الذي يحققه الجيش الحر، والثوار، والتصريحات الأميركية الأخيرة حول إمكانية تزويد الجيش الحر بأسلحة فتاكة، ويأتي كل ذلك مع تضعضع نظام الأسد الواضح، ومن شأن كل ذلك أن يؤدي إلى انهيار مفاجئ للنظام الأسدي، خصوصا أن هناك رصدا لعمليات نقل أسلحة من إيران إلى دمشق، ومن دمشق إلى حزب الله، ومناطق يتوقع أنها تمثل الخطة البديلة للأسد، أي الدولة العلوية، وهذا ما يفسر أيضا كثافة المعارك في القصير، ومشاركة حزب الله الشرسة فيها. ومن هنا فإن ما يحدث اليوم هو أن الأسد يسابق الوقت لتأمين أسلحته، وإعادة نشرها، وحزب الله يفعل الأمر نفسه لتأمين تلك الأسلحة، مع المساعدة في تأمين الخطة البديلة للأسد، وإسرائيل بالطبع تسابق الوقت أيضا لضمان عدم نقل ترسانة الأسلحة تلك إلى حزب الله، ومن أجل تقليم أظافر الأسد لكي لا يتمكن من استخدام ما لديه من الصواريخ مع تزويدها بمواد كيماوية في اللحظات الأخيرة، خصوصا أن المعلومات الأولية تقول إن الغارة الإسرائيلية الأخيرة تمت بالتنسيق مع واشنطن.

وعليه فإن الجميع يتسابق لتنظيف مسرح الجريمة من الأسلحة قبل السقوط، أو تزويد الجيش الحر بالأسلحة الفتاكة، ويتسابق في ذلك كل من الأسد، وإيران، وحزب الله، وإسرائيل التي تريد تفويت الفرصة عليهم جميعا، كما تريد تفويت الفرصة على الثوار لضمان عدم حصولهم على تلك الأسلحة في حال سقط الأسد، ولضمان عدم وصول تلك الأسلحة إلى جماعات قد تسارع لفتح جبهة مع إسرائيل. ملخص القول إن قواعد اللعبة تغيرت، وما نشاهده الآن هو أشبه بعملية تنظيف لمسرح الجريمة تحسبا لمرحلة ما بعد الأسد، وقد يتبعها عمليات أكبر وأشد، وربما التدخل الدولي.

عبدالله هادي
06-05-2013, 05:41 AM
حمد الماجد
هل توقف قطار الثورات العربية سيئ؟




مهما حاول المدافعون عن الثورات العربية الاستماتة في تبرير تردي الأوضاع في الدول التي اندلعت فيها الثورات العربية، فإن هناك شعورا بالإحباط لا تكاد تخطئه العين من الثورات ونتائجها ومخرجاتها، حتى بين بعض المتحمسين لها، الطامحين إلى إصابة بقية الدول بعدواها، ولن تجدي الاستكانة إلى نظرية المؤامرة لتسويغ إخفاقاتها؛ فكل الدول الأربع التي أسقطت أنظمتها أو رؤساؤها تعاني درجات متفاوتة من التخبط الأمني والسياسي والاقتصادي. صحيح أن للتخلص من أنظمة ديكتاتورية مستبدة نشوة، لكنها أشبه بنشوة الثمل الذي لا يلبث أن يواجه واقعه المرير.

وفي تقديري أن الثورة السورية بتعقيدات صراعها الطائفي والحزبي والإقليمي، وقربها من إسرائيل، وتنافر مكونات معارضتها السياسية، والتزاوج الذي تم بين جبهة النصرة، الفصيل الأقوى في ساحة المعركة، وبين «القاعدة»، وتماسك النظام رغم الضربات القوية التي تلقاها من الثوار، والقلق من أن يؤدي سقوط النظام إلى اندلاع نار طائفية في المنطقة كلها، والقتل الذي استحر في شعبها، والتشريد المذل لملايين السوريين، والدمار الهائل، هذه العوامل وغيرها جعلت سوريا المرشح الأقوى لأن تكون العصا في دولاب الثورات العربية، أو المحطة التي سيتوقف عندها قطار الثورات العربية.

السؤال المهم هنا: هل توقف قطار الثورات العربية سيئ؟ الجواب في تقديري يحتمل لا ونعم، أما «لا» فلأن الثورة عملية جراحية معقدة ومحفوفة بالمخاطر، واحتمالات نجاحها وارد، والموت أو الإعاقة الدائمة أيضا واردان، بل حتى النجاح دونه فترة ليست بالقصيرة من الانتكاسات والاضطرابات والقلاقل، وفي كل الأحوال فثمن الثورات باهظ وباهظ جدا، والناس بفطرتها تنزع إلى الطريق الأسهل والأقل مخاطر، ثم إن نظرة أغلب الجماهير العربية للثورات بعيد اندلاعها قطعا ليست مثل نظرتها الآن، وهي ترقب ما يحدث في سوريا ومصر وبقية الدول الثورية.

وأما الجواب بـ«نعم»، فهو وارد إذا اتكأت بقية الدول العربية على هذا «الإحباط» من مخرجات الثورات العربية، في إيقاف عملية الإصلاح ومحاربة الفساد ومواكبة تطلعات شعوبها وإشراكها في اتخاذ القرار، لأنها بهذا الأسلوب البارد في التعامل مع الرياح الساخنة التي هبت على العالم العربي تفقد الأسلوب الأحكم والأعقل في التعامل مع المتغيرات، بل إنها توجد بيئة خصبة لنمو بكتيريا الثورات.

ولو افترضنا أن قطار الثورات العربية قد توقف فعلا في سوريا، كما يريد القطار أو يراد له، فإن قطار الاستبداد وقمع الحريات وسلب أقوات الشعوب، قد أعلن الحراك العربي موته إكلينيكيا، فلو افترضنا أن الثورة انتكست في مصر مثلا وانفلت حزام الأمن وتدخل العسكر، فلن يقبل الشعب المصري بعودة الديكتاتورية والتوريث واقتسام ثروات البلاد، ولو أراد أحد أن يحاول إعادة العجلة إلى الوراء فإنه قرر أن يزج ببلاده إلى أتون فتنة لا تبقي ولا تذر.

هذا بالنسبة للشعوب التي اندلعت فيها الثورات، أما الشعوب العربية الأخرى فلا ريب أنها وإن أصاب أغلبيتها الإحباط من الحال التي آلت إليها الثورات العربية، فإن في هذه الشعوب شريحة تحمل «جرثومة» الثورة، والدور على حكومات هذه الشعوب لاستخدام «أمصال الإصلاح» للقضاء على هذه الجرثومة ما دامت في مرحلة الكمون، ولو احتقرتها أو تغافلت عنها فقد تتحول إلى مرحلة الاستعصاء على العلاج، تماما مثل المرض الذي لا يعالج إلا في مرحلة متأخرة جدا.

عبدالله هادي
06-05-2013, 05:42 AM
عماد الدين أديب
«الهدف النهائي»؟



في علم السياسة، وفي الحدث السياسي، هناك دائما السؤال العظيم عن «الهدف النهائي» للمشروع والفعل السياسي. وفي الحالة السورية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة على عقول المراقبين هو: ما هو «الهدف النهائي» لنظام الحكم في دمشق؟

استقراء سجل العمليات الأخرى في مناطق الساحل السوري خلال الأيام الأخيرة تعطي 3 مؤشرات رئيسية:

1) قيام قوات الجيش النظامي السوري بعمليات تطهير مذهبي تؤدي إلى إفراغ هذه المناطق من سكانها السنة واستبدالهم بسكان من مذاهب أخرى.

2) مشاركة قوات حزب الله المدعومة من قوات الحرس الثوري الإيراني، وذلك على عهدة تقارير القيادة العسكرية للجيش السوري الحر في عمليات التطهير المذهبي في مناطق الساحل.

3) عدم اكتراث النظام لسلامة المنطقة المحيطة بدمشق وعدم تركيز قوات لحمايتها، بل ترك سمائها مفتوحة أمام الطيران العسكري الإسرائيلي الذي استباح المجال الجوي السوري مرتين في أقل من 48 ساعة بهدف تدمير الترسانة الكيماوية الإسرائيلية. وكما قال مصدر عسكري إسرائيلي: «كانت تهدف لتدمير صواريخ سورية كانت في طريقها إلى حزب الله». ولأول مرة تنقطع الكهرباء والاتصالات في المدن الكبرى، وعلى رأسها دمشق، نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي مما يعطي دفعه معنوية ويحسب لصالح المعارضة السورية. ومما لا شك فيه أن النظام سوف يستخدم ورقة اتفاق مصالح إسرائيل مع مصالح المعارضة كثيرا في المرحلة المقبلة.

من هنا تصبح فكرة «الهدف النهائي» الممكنة والمتاحة للنظام السوري حاليا تحويل منطقة الساحل إلى منطقة نقاء عرقي ومذهبي علوي وشيعي مع السماح بممرات آمنة للأكراد وكبار التجار المسيحيين بهدف إقامة دويلة طائفية تكون بمثابة النموذج الذي يراد له أن ينتشر بقوة في المنطقة.

هل يمكن لهذا الكيان البزوغ إلى الحياة؟ وهل نمتلك كافة المقومات في التجانس البشري والقدرة الاقتصادية على الاستمرار، والعدد والعتاد من القوى الأمنية والعسكرية القادرة على تكوين كيان مستقل؟

الأمر المخيف هو دخول حزب الله، وقوات الحرس الثوري الإيراني، وإسرائيل على الخط العسكري بقوة. ويزيد تعقيد الموقف حديث سكان مناطق الساحل عن قيام بوارج بحرية - يعتقد أنها روسية من قبالة المدن إلى مدن الساحل في طرطوس وبانياس - بقصف السكان والأهداف خلال الأيام القليلة الماضية. إن اتساع حجم ونوعية الأطراف في الصراع على سوريا يخلق موقفا شديد التعقد والصعوبة ويجعل «الهدف النهائي» لمشروع النظام في وضع هش للغاية.

عبدالله هادي
06-05-2013, 05:44 AM
عبد الرحمن الراشد
مع من: إسرائيل أم الأسد؟




ليس من الضرورة مساندة أحدهما، فإسرائيل عندما تهاجم النظام السوري فهي تدافع عن أمنها ومصالحها. ونحن، أيضا، عندما نسعد بهجوم الإسرائيليين على قوات الأسد ومخازنها، لأن ذلك سيسرع في سقوط النظام ويجرده من أسلحته التي ستستخدم لقتل المزيد من آلاف السوريين. فقط الموالون لإيران هم الذين يعارضون، وينددون بالغارة الإسرائيلية، لأنهم يخافون على حلفاء طهران، مثل حزب الله والأسد وليس صحيحا أنهم يستنكرونها من باب العداء لإسرائيل.

سنتان من المجازر بحق عشرات الآلاف من السوريين العزل كشفتا أعظم كذبة في تاريخ هذه الأمة، كذبة المقاومة والممانعة، التي لم تكن في يوم من الأيام حقا ضد إسرائيل، وقطعا ما كانت تدافع عن فلسطين. بسبب الاستيلاء على عقولنا، قلة كانت تعي الحقيقة، أما الأغلبية فقد كان مغررا بها.

حزب الله وعملياته ضد إسرائيل لا علاقة لها بحماية لبنان ولا الدفاع عن فلسطين، الحزب مجرد كتيبة إيرانية مزروعة منذ أكثر من ثلاثين عاما لخدمة أهداف نظام آية الله في طهران. سعى الإيرانيون، وكذلك الأسد، ثم ابنه من بعده، لخطف القضية الفلسطينية للهيمنة على سوريا واحتلال لبنان وخدمة المصالح الإيرانية. وهذا ما كانت تفعله كذلك جماعات أخرى، مثل أبو نضال، وأحمد جبريل الجبهة الشعبية القيادة العامة، وغيرها من دكاكين النضال المزعومة. وكانت جميعها تصب في مواجهة واغتيال قيادات منظمة التحرير الفلسطينية في وقت قيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات لها.

وعندما نددت حكومة الرئيس المصري محمد مرسي، مثل إيران، بالهجمة العسكرية الجوية الإسرائيلية على قوات الأسد فإنها عمليا ساندت الأسد ولم تشجب إسرائيل. وكان يمكن أن تعذر حكومة مرسي موقفها المنحاز لإيران، المنحاز بدوره للأسد، لو أنها طرف فاعل في دعم الجيش الحر تقاتل معه ضد الأسد. إنما موقفها المعلن إلى الآن هو مع إيران وروسيا، اللتين تؤيدان صراحة الأسد. أكثر من ذلك، فحكومة مرسي انضمت لموسكو وطهران بالدعوة لما سمته الحل السياسي واعتماد فقط مصالحة وطنية بين نظام الأسد والمعارضة، وعدا أنه موقف معيب، أيضا مشروع مستحيل التطبيق بعد عامين من المذابح والتدمير اللذين مارستهما قوات الأسد وشبيحته.

ومهما كان التنديد المصري والإيراني، فمن المؤكد أن الشعب السوري كان سعيدا بقصف مقار الأسد وقواته وأسلحته، بغض النظر عن أسباب إسرائيل وأهدافها. وسيكون السوريون أكثر سعادة لو أن تركيا ردت على خرق قوات الأسد لسيادة أرضها وسمائها، وهاجمت قوات الأسد بدل الاكتفاء بالتنديد والبيانات الكلامية.

السوريون شبعوا من البيانات التي صارت تغيظهم أكثر مما تعطيهم الأمل، ولن يبالوا كثيرا بالحسابات السياسية الإقليمية، سواء قصف الأسد إسرائيليون أم غربيون أم عرب. الأهم تدمير هذه الآلة الفتاكة التي تعان من قبل الروس والإيرانيين وحزب الله علانية.

عبدالله هادي
27-05-2013, 08:44 PM
حزب الله.. كذبة الإعلام العربي


الجرائم في معارك منطقة القصير بسوريا، حيث يشارك في تطهير طائفي بشع، زادت حنق العرب وكراهيتهم لحزب الله. وبسبب ذلك اضطر رئيسه حسن نصر الله إلى الظهور أمس للدفاع عن سمعته الملطخة بدماء الأطفال والنساء وآلاف الأبرياء المذبوحين.

من أجل استمالة جمهوره الكاره له اجتر خطبه القديمة، الموجهة أمس للسنة العرب، بالحديث عن الجبهة الموحدة ضد إسرائيل والغرب، وأنه حارب من أجل الفلسطينيين رغم أنه ليس بينهم شيعة، وحارب في البوسنة في التسعينات وهم أيضا مسلمون سُنة!

هل أقنع نصر الله ملايين السوريين، ومائتي مليون عربي، أنه يقاتل في سوريا إلى جانب قوات الأسد حقا من أجل فلسطين والقدس، كما يزعم؟ أستبعد أن يكون قد أقنع أحدا، لأن أخبار المجازر والقتل على الهوية الطائفية في سوريا أصبحت أعمق من أن يعطرها بأحاديث الماضي المشترك المزور.

الحقيقة أن حزب الله اليوم هو حزب الله الأمس، لكن ما تغير هم معظم العرب، الذين اكتشفوا الحقيقة متأخرين جدا. حزب الله، عندما ولد في عام 1982، هو حزب الله اليوم مشروعا وبرنامجا وأهدافا، لكن لأن العرب المحبطين مستعدون لتقبيل رأس كل من يرفع علم فلسطين، فإنهم ساروا وراء هذا التنظيم الإيراني، الذي رُسم في قم، وبني في لبنان كجزء من أدوات الصراع الإقليمي المتعدد الأقطاب.

في نفس عام ميلاد حزب الله دخلت قوات الجزار الإسرائيلي إريل شارون لبنان، وفاجأت الجميع بتوجهها إلى بيروت العاصمة، حيث حاصرتها ودمرتها، وأخيرا قضت على القوة الفلسطينية الوحيدة، فتح، التي حاربت 88 يوما صعبة، وأخيرا استسلمت وأبحر رئيسها ياسر عرفات مهزوما مكسورا على سفينة إلى قبرص، ثم إلى المنفى الأخير تونس. حزب الله ولد بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان الإيرانيون قد قرروا استخدام القضية الفلسطينية مدخلا للعالم العربي، والرد على دعاية صدام حسين، الرئيس العراقي الذي كان يشكك في نيات إيران، ويقاتلها على الحدود.

ولو راجعنا بذهن صاف ما فعله حزب الله في ثلاثين عاما لوجدنا أنه كان يعمل ككتيبة إيرانية ضمن صراع إيران مع دول المنطقة بما في ذلك ضد اللبنانيين والعرب وإسرائيل. لقد ألغى القوى الوطنية اللبنانية، والفلسطينية، وصار سدا يحمي إسرائيل، باستثناء بضع مواجهات معها، كانت الغلبة فيها لإسرائيل. أما لماذا كان حزب الله دائما يبدو منتصرا وقلعة صامدة في وجه إسرائيل؟ السبب في الدعاية العربية المزورة التي اعتادت على تزوير الحقائق وقلبها. ومعظم حروبه كانت لصالح إسرائيل.. في عام 85 قامت حرب المخيمات واشتركت القوات السورية مع حزب الله و«أمل» في ارتكاب مجازر ضد الفلسطينيين، إلا أن الإعلام العربي وقف إلى جانب المجرمين ضد الضحية. وكرر المجمع نفسه ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين في العام التالي. وتكررت أيضا عمليات التأديب الإسرائيلية ضد حزب الله في معركتين، عام 93 و96، وحسمت باتفاقيات قدم فيها حزب الله تنازلات وتعهدات لإسرائيل، لكن الإعلام العربي زعم أن حزب الله ينتصر. حتى عندما قررت إسرائيل الانسحاب من الجنوب في عام 2000 بعدما صار هادئا لم يكن الحزب طرفا، بل هدد بأنه لن يسمح بانسحابها، ثم اخترع قصة مزارع شبعا ليبرر احتفاظه بسلاح، كما يسميه، سلاح المقاومة، وهو كان ولا يزال سلاحا ضد اللبنانيين، والآن ضد السوريين.. الدليل أن السنوات اللاحقة صارت كلها حروبا ضد القوى اللبنانية الوطنية؛ باغتيال الحريري وآخرين من زعامات البلاد في مخطط للهيمنة الإيرانية على لبنان.

أعرف أنه يصعب على الذين رضعوا ثلاثين سنة من الأكاذيب فهم ما أقوله، أو تصديقه، لكن ما يجري في القصير وبقية سوريا ليس إلا فصلا آخر من تاريخ حزب الله السيئ.

عبدالله هادي
27-05-2013, 08:45 PM
دائما «فتش» عن إيران


قرابة العام وأكثر والمجتمع الدولي يبحث عن مصادر الهجوم الإلكتروني الذي يستهدف شركات ومؤسسات دولية، سواء في أميركا أو السعودية، ودول أخرى، مع البحث أيضا عن حقيقة «جيش الأسد الإلكتروني» ومن يقف خلفه. اليوم تقول المعلومات الأميركية إن مصادر الهجمات الإلكترونية هي إيران!

وبحسب ما نقلته صحيفة الـ«نيويورك تايمز» عن مسؤولين في الإدارة الأميركية، ومتخصصين في قطاع الأمن التقني، فإن مصادر الهجمات هي إيران، والهدف منها هو التخريب وليس التجسس، والأمر نفسه حدث ويحدث بحق مؤسسات سعودية. والأمر لا يقتصر على تلك الهجمات الإلكترونية التي تستهدف بعض الدول، بل هناك «جيش الأسد الإلكتروني» الذي يستهدف المعارضة، ووسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم اختراق موقع إحدى وكالات الأنباء في «تويتر» وبث من خلاله خبر مزور عن حادثة في البيت الأبيض.

وطالما أن الأميركيين، وغيرهم، يعرفون أن مصادر الهجمات الإلكترونية تلك التي تكلف مئات الملايين هي إيران، فإن السؤال هو ما الثمن الذي ستدفعه طهران المتورطة في جميع ملفات التخريب بالمنطقة؟ فهدف إيران الواضح هو الابتزاز للوصول إلى تسوية تضمن تحقيق أمرين؛ الأول بسط نفوذها بالمنطقة، والثاني هو تمرير مشروعها النووي، ولتحقيق هذين الهدفين تقوم طهران بالتصعيد على كل الجبهات، وتقترف الحماقة تلو الأخرى حيث تحتجز المنطقة واستقرارها رهينة لتحقيق أهدافها، وأبرز مثال على دور طهران التخريبي ما تفعله في سوريا، فما هو الثمن الذي ستدفعه إيران جراء كل ذلك؟

سؤال ملح، وليس برسم الإدارة الأميركية وحدها، بل ودول المنطقة، خصوصا أن الصداع الإيراني ليس وليد اليوم، بل هو صداع مزمن على مدى قرابة الأربعة عقود، وأكثر، وكلف ويكلف المنطقة الكثير، فهل الحل هو حرب على إيران؟ ومن الذي سيدفع ثمنها؟ أم أن الحل هو استهداف المصالح الإيرانية في إيران نفسها، والمنطقة، لتقليم أظافر الجنون الإيراني؟ ومن الذي سيقوم بذلك؟ فالإشكالية، وهو ما كتبناه مرارا، أن إيران دائما ما تلعب خارج أرضها، بينما لم يلعب معها خصومها، وبلغة كرة القدم، مباراة إياب واحدة، وربما تكون أزمة نظام الأسد هي أول مباراة إياب، لكن المعالجة في سوريا ضعيفة سواء من قبل المجتمع الدولي، أو الدول العربية والإقليمية، وبالطبع فإن إيران ليست قوة عظمى، لكن، وكما يقول المثل، فإن حجرا يرميه مجنون يرهق مائة عاقل، ونحن نعيش في عصر جنون النظام الإيراني!

وخطورة إيران ليست بالهجمات الإلكترونية وحسب، بل في عدم توانيها عن استخدام كل الأوراق بمنطقتنا لتحقيق طموحها المجنون، فأينما كان الخراب في منطقتنا ففتش عن إيران، التي فشلت كل محاولات التسوية والتهدئة معها، وعليه فمن يجعل طهران تدفع ثمنا ما، ولو لمرة واحدة؟ أستطيع أن أدل «الجادين فقط» على أهم منطقة رخوة لقطع يد المارد الإيراني وهي نظام الأسد، لكن من يتحرك جديا وبالأفعال لا الأقوال؟ هذا هو السؤال!

عبدالله هادي
27-05-2013, 08:46 PM
كم عدد قتلى حزب الله؟


السؤال أعلاه هو الشغل الشاغل اليوم لجل وسائل الإعلام العربية بقصد معرفة عدد قتلى حزب الله في معركة القصير دفاعا عن بشار الأسد، بينما يحاول الحزب نفسه إخفاء عدد قتلاه لإخفاء جريمته «الكبرى» ضد السوريين، والمنطقة، فهل يمكن إحصاء عدد قتلى الحزب؟ بالطبع لا، بل من المستحيل!

وقبل الشروع في التحليل فلا بد من تأمل التالي، ففي عام 2006 كان كثر في هذه المنطقة، صادقين ومغررا بهم، يلهجون بالدعاء لحزب الله في حربه مع إسرائيل، بينما الواقع الآن مختلف تماما، فبالأمس نقلت هذه الصحيفة عن عضو المجلس والائتلاف الوطني السوري المعارض محمد سرميني قول اللواء سليم إدريس، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش السوري الحر، إن «الذخيرة موجودة ومتوفرة في القصير، وقد وصلت إلى أبطالها، وستصل إليهم إمدادات إضافية من الأركان»، ومشددا، وهنا الأهم، أن «معنويات المقاتلين عالية ولا ينقصهم إلا الدعاء»! والدعاء هنا لمن؟ وعلى من؟

بالطبع إن الدعاء هنا للثوار السوريين وعلى حزب الله، وبالتالي فإنه من الصعب إحصاء عدد قتلى حزب الله؛ حيث قتل الحزب كله في هذه المنطقة، وسقط في أعين الصادقين، والمغرر بهم، كما أنه أسقط بيد الذين كانوا يضللون الرأي العام العربي دفاعا عن الحزب الإيراني، وبالتالي سقطت الدعاية الكاذبة التي كانت تقول إن سلاح حزب الله هو سلاح المقاومة، حيث طعن الحزب بسلاحه ظهور السوريين الذين يقاتلون أكبر نظام إجرامي عرفته المنطقة، وهو نظام بشار الأسد. فضحايا الحزب ليسوا مقاتليه وحسب، بل جل أبناء الطائفة الشيعية بالمنطقة التي لم ينكر عقلاؤها، ومثقفوها، على الحزب جرائمه في سوريا، وليس اليوم، بل منذ اندلاع الثورة، ومن أنكر على الحزب جرائمه كان عددهم محدودا جدا، وأناس كان لهم موقف نقدي من الأساس للحزب، لكن الإنكار والرفض لجرائم الحزب ليست بالشكل الكافي حتى الآن للأسف.

خطورة ما يفعله حزب الله في سوريا أنه يؤجج الحس الطائفي، مما يعرض المنطقة كلها للخطر، والدليل على ذلك أنه حتى سياسي لبناني متقلب مثل ميشال عون لم يتحمل أفعال الحزب في سوريا، مما دفعه للقول: «أنا مع حزب الله بالدفاع عن الأرض اللبنانية، ولكن لست معه بأن يوسع عملياته». فإذا كان سياسي متقلب مثل عون تنبه لخطورة ما يفعله الحزب، فأين عقلاء الشيعة، ومثقفوهم، وكل شيء ينبئ بخطر طائفي قادم لا محالة في كل المنطقة؟ فما يفعله حزب الله اليوم هو أشبه بالانتحار الجماعي، للحزب، والطائفة، للأسف!

ملخص القول أنه يصعب حصر عدد قتلى حزب الله، فالقصة هنا ليست قصة مقاتلين على الأرض وحسب، فما يفعله حسن نصر الله في سوريا، وإرضاء لإيران، هو انتحار جماعي للحزب، ضحيته أبناء الطائفة، والمنطقة ككل، ومن لا يرى ذلك الآن فإنه يخادع نفسه.

عبدالله هادي
27-05-2013, 08:46 PM
الدولة «المختطفة»!



حادثة اختطاف الجنود المصريين في سيناء، لا تختلف كثيرا عن اختطاف هيمنة الدولة من قبل السلفية الجهادية في تونس، كما أنها ذاتها عدم الانصياع لمشروع نزع السلاح في ليبيا، والحبل على الجرار في كل دول «الربيع العربي» الذي ثارت فيه الشعوب، فلم تسقط النظام لأن بنيته المعرفية هي عملية تبادلية في شكل ممارسة سياسية بين كل الفاعلين وهم في السابق الإسلام السياسي الذي انتقل من المعارضة إلى الحكم بنفس الصيغ والأدوات القديمة.

ما حدث هو إسقاط «الدولة» بمؤسساتها واستقرارها وهيبتها وليس مجرد نظام، وهو ما يجعل المنطقة مفتوحة على كيانات سياسة بلا مشروع دولة تحافظ على بقائها في سدة الحكم مهما كلف الثمن.

ما يحدث الآن وبالمناسبة هو مشروع كبير لأيديولوجية الإسلام السياسي الذي لا يمكن أن ينسجم مع مفهوم الدولة بمعناها الحقيقي، دولة تتسع لكل المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، مفهوم المواطنة هو مضاد تماما لمفهوم الانتماء الحزبي الذي يتم تمريره عبر شعارات مفخخة كتطبيق الشريعة أو الحرية المقيدة أو حماية الثوابت.. إلخ وربما كان تفكك السودان إلى دولتين وقبلها انفصال حماس عن باقي القطاع، ثم انفراد التشيع السياسي بالكعكة في العراق وكل الدعوات الانفصالية التي مرت بالمنطقة ما قبل الثورات مؤشرا على انهيار مشروع الدولة القومية على حساب مشروع الإسلام السياسي، إلا أن ثورات «الربيع العربي» جاءت لتنقل المسألة من حيز الصراع والممانعة تحت سقف الدولة إلى «مشروع بديل» حين أسقطوا الدولة بمعناها المؤسساتي أولا عبر فرمانات ملاحقة «الفلول» وإضعاف الجيش وإحلال الكوادر غير المؤهلة في المناصب القيادية، إلا أن هذه الممارسات الشمولية المدمرة لبنية الدولة، لا يمكن أن تمر دون ارتدادات من داخل الإسلام السياسي الذي عادة ما يخفي تحت مظلته الأيديولوجية الواسعة تيارات متطرفة تريد اقتسام جزء من كعكة الدولة المدمرة، وهو بالضبط ما يحدث في سيناء وتونس واليمن وحتى في سوريا، حيث مناكفات الجماعة المتطرفة لتيار الثورة المدني وذلك بنقل المعركة من إطارها القومي الوطني وتعميمها بالانضمام مثلا إلى قاعدة العراق.

مبدأ المواطنة في شكله البسيط هو المكون الرئيس للدولة الوطنية التي نراها تنهار بفعل مشروع الإسلام السياسي، هذا المبدأ يقوم على المساواة والحرية والمشاركة في الشأن العام على حد سواء، وهو على بساطته يتعارض بشكل جذري مع فكرة الإسلام السياسي القائمة على «الوصاية» سواء في تعريف المواطنة أو ممارستها سياسيا وحتى اجتماعيا.

تآكل الدولة «الوطنية» كان مبكرا، فحظ المنطقة الرديء أن استقلالها لم يجلب سوى حكومات بملامح وطنية، لكنها في العمق تكرس مفهوم الحزب الواحد لكن بصيغ ليبرالية ويسارية وقومية، وأنتجت في نهاية المطاف «القائد الملهم الفرد» الذي يبيد شعبه كما يفعل النظام الأسدي، لكنه يطلق حمامات الصمت تجاه الاستفزاز الإسرائيلي، وبعد ذلك كله نجد من يبرر له في وسائل الإعلام وبطريقة مشينة أنه ضمانة بقاء سوريا موحدة وهو بالمناسبة نفس الدعوى الإسرائيلية التي ترى فيه ضمانة استقرارها ويا للمفارقة.

ثقافتنا العربية مصابة بأزمة دولة، وهي بحسب ملاحظات المفكر الكبير عبد الله العروي الذي صال وجال على مدى سنوات طويلة في تأسيس مفهوم الدولة، أزمة تمتد إلى جذور ثقافتنا، فهو يؤكد أن عالمنا العربي الحديث لم يعش تجربة نظرية الدولة، بل ما زال في نطاق الفرمانات التي تحولت إلى مجرد تلفيق مدني لا معنى له مرجعا هذه الأزمة إلى مفكري النهضة ما بعد الاستقلال الذين أسلموا بشكل مؤدلج مفهوم الدولة الدستورية الحديثة لتتحول إلى دولة مدنية بمرجعية دينية، ثم جاء الإسلام السياسي ليلغي مشروع الدولة، ويبقي على الأسلمة ويطالب بعودة دولة الخلافة، التي بغض النظر عن طابعها التمييزي، لا تنتمي إلى مجال مفهوم الدولة بمعناه الحديث الذي تأسس بعد القرن السادس عشر الميلادي وهو ما يعني أن حتى تجارب الأمم ما قبل ذلك لم تؤسس لمفهوم الدولة الذي لا ينطبق على كل أنظمة العصور القديمة والوسطى.

معركة الربيع العربي كانت ضد «الدولة» بالأساس، وكل محاولات التصحيح الآن ينبغي أن تنصب على إعادة بناء مفهوم الدولة عبر إيجاد مشروع إعادة ما اختطفه الإسلام السياسي، وهو أمر يحتاج إلى «الوعي» بمعناه السياسي الاجتماعي، وعي جمعي يدرك جيدا أن أي مساس بمفهوم الدولة لكل المواطنين، هو غرق في الفوضى وتحويل للوطن العربي إلى مرتع للخارجين عن القانون، الذين يتعاظم دورهم كلما أمعن «الربيعيون» في إفشال الدولة لبقاء الحزب.

عبدالله هادي
27-05-2013, 08:48 PM
عدوى تفتيت الدولة العربية


«احذروا انتشار العدوى اللبنانية». هذا كان عنوان مقالي في «الفايننشيال تايمز» البريطانية في التاسع من أغسطس (آب) عام 2006، أي في عز حرب إسرائيل وحزب الله. وكانت المقولة الأساسية في ذلك المقال والتي تعيش معنا حتى الآن، هي أن الشرق الأوسط جزء من حالة عالمية تتجه إلى حالة من الانشطار وتشظي الدولة إلى مكوناتها الدنيا (state disintegration)، انهيار الدولة الحديثة لمصلحة الولاءات الدنيا من الدولة التي تقدم الحماية والرعاية القريبة والموثوق بها، مثل القبيلة والطائفة، أو حتى المنطقة، أو الجهة (الصعيد، جنوب لبنان، شيعة، سنة، علويين.. إلخ).

الحالة العالمية ما بعد الحداثية التي تجلت فيها حالة الانشطار هذه، كانت بوضوح في أوروبا هي حالة يوغوسلافيا، حيث تفككت دولة الجنرال تيتو لمصلحة جماعات إثنية أقل من الدولة اليوغوسلافية، مثل الكروات والصرب والبوشناق المسلمين والكوسوفار.. وغيرهم. بعضهم أصبح دولا مستقلة، والباقي ينتظر، كما في حالة الكوسوفار.

في عالمنا العربي، لبنان هو المثال الصارخ، حيث تكون الدولة مجرد غطاء لولاءات، تكون الدولة شيئا أشبه بصاج السيارة (قطعة الصفيح التي تصنع الغطاء الخارجي). ولكن على عكس السيارة التي تعمل بمحرك واحد، لبنان دولة تعمل بمحركات طائفية (سنة وشيعة ودروز ومسيحيين بطوائفهم المختلفة وولاءاتهم الصغرى.. إلخ)، أضعفها محرك الدولة.

ظن العرب ولفترات أنه يمكن احتواء الطاعون اللبناني الضارب في عصب الدولة، وظنوا أنه مرض غير معد، حتى تفاقمت عندهم أعراض المرض، وظهرت جماعات فاعلة غير الدولة، مثل حركة الإخوان المسلمين في مصر، حركات عابرة للحدود استطاعت بعد الثورات أن تتملك جزءا كبيرا من الدولة. والحركات العابرة للحدود التي بدأت مع منظمة التحرير الفلسطينية عرقلت من نمو الدولة الوطنية في الشرق الأوسط، وأضعفت من مناعتها. بعدها ظهرت حركات مثل حماس، قوضت الحركة الكبرى، كما نرى الآن كيف أن جبهة النصرة في سوريا قوضت قدرات جماعة الإخوان، وكما أن السلفيين والجهاديين في مصر نزعوا الشرعية والهيبة عن جماعة الإخوان.

وفي ذلك المقال القديم أيضا في عام 2006 قلت إن أول من سيعاني من عدوى المرض اللبناني بطائفيته وتمزق أوصاله هي سوريا، ويومها ذهبت بعيدا وقلت إن الطائفية قد تبكر من فكرة إقامة دولة علوية في الساحل وتجعلها ليست بعيدة عن التخيل، وقد يؤدي هذا إلى تمدد الفضاء الشيعي بشكل أوسع، مما يعضد من تطييف النظام الإقليمي برمته، ويهدد فكرة الدولة الوطنية، وندخل في علاقات بين تجمعات عرقية وطائفية، وليس علاقات دولية بين دول.

جزء من هذا التنبؤ كان حقيقيا في تمدد الفضاء الشيعي، فقبل سقوط صدام كان هذا الفضاء يشمل جنوب لبنان وإيران، وتحالفا سوريا - إيرانيا، واليوم تمدد هذا الفضاء ليشمل العراق كدولة كبيرة في المنطقة، مضافا جنوب لبنان وسوريا، هذا إلى جانب التوتر الطائفي في البحرين وأحياء شيعية في مناطق أخرى من العالم العربي.

النقطة هنا هي أننا أمام ما يمكن تسميته بتطييف العلاقات الدولية في المنطقة، وأن المواجهة المصطنعة بين فضاء سني وآخر شيعي باتت قريبة من الحقيقة.

هذا التوصيف المزعوم منذ عام 2006 لم يكن ضربا بالودع، ولكن المنطقة كانت تعاني من دولة حديثة هشة، لم تنجح النخب الوطنية فيها في الانتقال من حالة الطوائف والقبائل إلى حالة الانصهار في كيان وطني.

كانت الدولة ولا تزال حتى في الدول القديمة مثل مصر، هي دولة مدينة، أي أن القاهرة هي صرة الحكم، ومركزية الدولة شيء أشبه بالحالة المغربية المقسومة بين المخزن وبلاد السبا. المخزن مركز الحكم، وبلاد السبا هي نوع من الخلاء.

فشلت الدولة في التغلغل في المجتمع، كما أنه لم تكن هناك شرعية وطنية جامعة غير فكرة الوطنية ومواجهة عدو خارجي، وكلها مع الزمن فقدت الزخم وتراجعت لصالح شرعيات محلية تمثلها القبيلة والجهة والطائفة. والناظر إلى منطقة قناة السويس في مصر، أو إلى الصعيد، يرى بوضوح غياب الدولة المركزية وظهور نعرات جهوية محلية.

ليس هذا هو المدهش في الأمر، الدهشة مصدرها في حالة تقسيم دولة عربية انشطرت إلى دولتين، ولم يتوقف أحد عند المشهد أو يستغرب، وربما أنت، عزيزي القارئ، لا تستطيع تخمينها قبل أن أكتب اسمها في نهاية الجملة، وهي دولة السودان. لم يحس أحد بانشطارها، ولم يحزن أحد، ولا حتى أهالي السودان أنفسهم. أصبح شيئا عاديا أن تنقسم دولة أمام أعيننا ولا نذرف دمعة واحدة. وكما أننا لم نتأثر بتقسيم السودان، يؤسفني القول بأننا لن نتأثر بتقسيم سوريا أو تقسيم العراق.

العراق وسوريا هما أقرب الحالات إلى تلك العدوى اللبنانية التي وصلت ذروتها في تقسيم السودان، وظني أن احتمال ظهور دولة كردية في العراق اليوم هو احتمال أقرب من ظهور دولة فلسطينية. الولاءات الأولية هي المحرك الجديد في سياسات العالم العربي اليوم، داخليا وخارجيا. وما علينا إلا أن ننظر لحالة الجيوش الموازية حتى نفهم هذه النقطة، من جيش حزب الله في لبنان، إلى الجيش الحر في سوريا، إلى جيش الأنبار الجديد في مواجهة جيش المالكي، إلى البيشمركة الكردية التي تحاصر كركوك، إلى حالة مصر وظهور البلاك بلوك وميليشيات الإخوان والجيوش الجهادية في سيناء.. كلها وصفات تفتيت الدولة.

دول الخليج قد تكون الاستثناء، إما لصغر حجم بعضها، مما يجعلها غير قابلة للانقسام أصغر من هذا، أو لأن وجود العائلات الحاكمة في بعضها يشكل ضرورة وطنية وبهذا تصبح الأسر الحاكمة ضرورة وطنية.

ومع ذلك حتى بعض الدول العربية ليست بعيدة عن هذا الطاعون المعدي، وذلك لسببين؛ الأول هو أن حالة الولاءات الدنيا بدأت تصبح حالة عالمية؛ من تفسخ الاتحاد السوفياتي، إلى تقسيم يوغوسلافيا، إلى الهوتو والتوتسي في رواندا، أو القبائل والأقاليم المتنازعة في ليبيا، والأمثلة كثيرة. أما السبب الثاني فهو رغم التيارات الرومانسية في العالم العربي؛ من قومية عربية، إلى إسلام سياسي، فشل العرب في العبور بالدولة من حالة تجمعات عشائرية وطائفية مرصوصة جنبا إلى جنب، إلى حالة الدولة الوطنية المبنية على أساس المواطنة.

وإذا أضفت إلى فكرة الطائفية رؤية الإسلاميين الجدد المتمثلة في فكرة الفرقة الناجية، تكون في هذا وصفة حرب قال عنها توماس هوبز في كتابه العظيم التنين أو لفايثون؟؟؟؟ بأنها حرب الجميع ضد الجميع.

هل هناك من وسائل أو تطعيم ضد هذه العدوى المنتشرة كالطاعون أم أن الوقت قد مضى؟ وهل الثورات العربية هي محرك جديد لمواجهة هذا التفسخ أم أنها عرض لهذا المرض؟

سؤال يحتاج إلى ورشات عمل طويلة للوصول إلى إجابة.

عبدالله هادي
27-05-2013, 08:49 PM
طائرات إيران فوق البحرين وسوريا!


هل نحن أمام تطور نوعي في المواجهة مع إيران؟ أخشى ذلك. نلمس تصعيدا سياسيا وعسكريا، مثل ما تواترت به الأنباء عن إسقاط طائرة استطلاع إيرانية فوق المياه الإقليمية البحرينية، وما ذكرته مصادر المعارضة السورية عن إسقاط طائرة مماثلة فوق مناطق القتال في القصير.

إن كان ذلك صحيحا، أعني جرأة إيران على السباحة في الأجواء البعيدة مخترقة قواعد الاشتباك السياسية المتعارف عليها، فإنه يشي بتطور خطير يفترض أن نقرأه في إطار الأحداث الأخرى، مثل إرسال مقاتلين إيرانيين إلى سوريا، وتنشيط خلايا تجسس في البحرين والكويت والسعودية، وقبلها الجرأة على إرسال سفينة أسلحة إلى اليمن.

هذه دلالات على تعاظم عدوانية السياسة الإيرانية التي يبدو أنها تتجه نحو التصعيد لأحد سببين؛ إما لإحساسها بالمحاصرة الدولية وتراجعها الإقليمي، نتيجة برنامجها النووي وتطورات الثورات العربية، وإما لأنها تشعر أن في المنطقة فراغا وفرصة نتيجة شبه غياب للأميركيين. سياسة الرئيس باراك أوباما ربما توحي باللامبالاة حيال صراع أقطاب المنطقة، وعدم وجود شهية عنده للمعارك والمواجهات في العالم، وتحديدا في الشرق الأوسط.

وأنا أرجح السبب الثاني؛ شعورها بوجود فرصة لمد نفوذها وليس سبب الخوف. إيران قد تظن أن أمامها فرصة نادرة للتقدم على الأرض نتيجة العزلة الأوبامية التي لم تعرف المنطقة مثلها منذ ما قبل زمن الحرب العالمية الثانية. وهي لذلك تظن أن أوباما لا ينوي الدخول في مواجهات عسكرية مهما عظم التنازع على مناطق النفوذ، ومهما تقاتلت دول المنطقة، وتريد إيران، تحت قيادة الحرس الثوري، التقدم وإحراز مكاسب أرضية، في سوريا والعراق، مع تهديد مناطق البترول بدءا من البحرين وما وراءها.

هل هذا مجرد شعورنا بالخوف أم أن له دلائل على الأرض؟ المسلحون، والخلايا النشطة، وطائرات الاستطلاع، وغيرها الكثير يوحي بأن إيران تنوي فتح معارك وفرض وجودها غير مبالية بالحسابات الدولية التي طالما كانت جزءا من المعادلة الإقليمية في مناطق البترول تحديدا. وشراسة التوجهات الخارجية الإيرانية يغذيها إحساسها بقدرتها على اجتياز الامتحان النووي، بعد فشل التهديدات الغربية، وكذلك فشل العقوبات الاقتصادية في وقف مشروع التخصيب النووي، واستمرارها في تطوير منظومتها العسكرية بشكل عام. وصار الموقف الروسي الملتصق بإيران يدفع بالأمور إلى الأسوأ.

نحن أمام غول يكبر اسمه النظام الإيراني الذي لن يتوقف، مع تعاظم نفوذ مؤسسة الحرس الثوري وهيمنتها على الكثير من القطاعات الحيوية للبلاد، مثل النفط، وشركات الاقتصاد الرئيسة، والاستخبارات، وقرارات الخارجية. الغول الإيراني سيدفع المنطقة إلى المزيد من التوتر والصدامات وتوسيع دوائر الحروب.

عبدالله هادي
27-05-2013, 08:51 PM
المالكي.. والبيان رقم واحد!


قبل أيام دعا رئيس الوزراء العراقي إلى مقاطعة جلسة البرلمان، على خلفية الاضطرابات التي يشهدها العراق، قائلا: «هذه الجلسة ستكون جلسة تصعيدية.. جلسة موتورة.. جلسة سينشط فيها دعاة العنف والطائفية من البعثيين وغير البعثيين»، معتبرا مجلس النواب «شريكا أساسيا في الاضطرابات التي عليها البلد»، فإذا لم يكن هذا انقلابا فماذا يمكن أن نسميه؟

الصراع السياسي في العراق بلغ مبلغا خطرا جدا على كل البلاد، ومكوناتها، بل ووجودها ووحدتها، وهو صراع طائفي أججته المرحلة السياسية في العراق، مرحلة نوري المالكي، وبشكل غير مسبوق؛ فالانقسام الذي يضرب العراق اليوم كله يدور حول رجل واحد يريد تعزيز سلطته ونفوذه، ضاربا عرض الحائط بكل العملية السياسية، خصوصا أن المالكي يصور خصومه السياسيين، سُنة أو شيعة، بأنهم مجرد طائفيين وبعثيين. ومن يتتبع نهج رئيس الوزراء العراقي لن يخالجه شك في أن الرجل لا ينوي أساسا ترك السلطة، وإن انتهت فترته السياسية، فلا يمكن أن يكون نهج المالكي نهج رجل منتخب ينوي العودة إلى منزله بعد قضاء فترته السياسية.

هجوم المالكي على البرلمان، واعتباره إياه شريكا في الاضطرابات، وأنه داع من دواعي العنف والطائفية، لا يشير إلى نزعة ديكتاتورية وحسب، بل إنه يعني أن المالكي قد شرع فعليا في تغيير قواعد العملية السياسية في العراق، فهو يتجاهل البرلمان المنتخب من الشعب، والمشرِّع الذي يفترض أن يكون هو الضامن للعملية السياسية، والمعني بتنفيذ الدستور وحمايته، وهذا كله يعني عمليا أن المالكي يقوم بانقلاب، ويحكم العراق حاليا وفق منطق أنا الدولة والدولة أنا، وهنا لا فرق بين المالكي والأسد فكلاهما فوق القانون، وأعلى من الدستور، وهما يعتبران ما يحدث في بلادهما مجرد مخطط خارجي طائفي! فالمالكي، مثله مثل الأسد، يعتقد أن ما يدور في الأنبار هو عمل طائفي يُدعم من الخارج. والسؤال للمالكي ومن يصدقونه هنا هو: أي خارج ذاك الذي يدعم مقتدى الصدر، مثلا، صاحب الصراع السياسي الحقيقي مع المالكي، والذي يقف تياره، أي الصدر، وراء توجيه الدعوة لعقد الجلسة الاستثنائية الطارئة للبرلمان التي قاطعها المالكي، وهاجمها، مطالبا بمقاطعتها؟

ولذا فإن القراءة الواقعية لما يحدث في العراق، وما يفعله السيد المالكي، خصوصا مع تصاعد وتيرة العنف الطائفي الذي بات يستهدف السُنة والشيعة هناك، تقول لنا إن ما يفعله المالكي هو انقلاب واضح ينوي من خلاله العودة بالعراق لما هو أسوأ من مرحلة عراق صدام حسين، فهذا انقلاب طائفي يقوده «صدام الشيعي»، كما سميناه من قبل، مما يعني أن مستقبل العراق كله في خطر، ومع رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي كل الحق عندما اتهم المالكي بـ«التمرد» على الدستور وعدم «المبالاة» بدماء العراقيين، فمقاطعة المالكي للبرلمان، وتهجمه عليه، لا يمكن أن تقرأ إلا على أنها البيان رقم واحد في انقلابه الطائفي.

عبدالله هادي
27-05-2013, 08:52 PM
أوباما حائر.. والحائر مخيف!


الرئيس الأميركي باراك أوباما، مشكلته تكمن في كلمة واحدة: التردد.
الرجل كثير التنظير، مشوش، فاقد للعزيمة، خلاصة سياسته، كما يبدو، تكمن في مخالفة أي سياسة اتخذها سلفه جورج بوش الابن! وهذه طبعا ليست سياسة، بل مناكفة.

هذا التقويم لسياسة أوباما، ليس صادرا من خصومه فقط من الجمهوريين في أميركا، أو من كارهي بعض سياساته العالمية، بل حتى من بعض «المتعاطفين» مع تيار أوباما، مثل الكاتب الأميركي المعروف ديفيد إغناتيوس، الذي كتب مؤخرا ناقدا لسياسة إدارة أوباما، ليس في الشؤون الخارجية، وحسب، بل كان جوهر تركيز إغناتيوس، على سياسة أوباما الداخلية، فيما يخص الضرائب، وفيما يخص أزمة التجسس على الصحافيين، وأيضا طريقة التعامل الإعلامي لإدارة أوباما مع مسألة الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، ومقتل السفير هناك.

إغناتيوس وفي جملة تلخص مشكلة منهج أوباما، قال إن العامة تخشى من الحكومة الضعيفة أكثر مما تخشى من الحكومة القوية!

لن نتحدث عن الناقدين العتاة لهذه الإدارة، سواء داخل أميركا أو خارجها، ويكفي الاطلاع على مقال أخير للكاتب الأميركي - اللبناني، فؤاد عجمي، فقد هاجم، بضراوة، رخاوة أوباما وفقدانه لصفات القيادة، وشجاعة اتخاذ القرار تحت الظروف الصعبة، خصوصا في موقفه من الكارثة السورية، ولن نتحدث كذلك عن هجمات الجمهوريين عليه، لكن نتحدث عن الناس الذين فرحوا لمقدم هذا الشخص، خريج هارفارد، الرجل الأسود، صاحب الأصول الإسلامية الأفريقية، ابن حسين أوباما، ليكون أكثر تفهما لواقع المجتمعات وطبيعتها في العالم الإسلامي والعربي. ولكن تبين في النهاية، ومع استفحال العجز الدولي في سوريا، بسبب أميركا أوباما، أن هذا الرجل عاجز عن القيادة، ويغطي فشله وجهله، بالحديث التنظيري الكثير والغزير، عن الخطوط الحمراء والزرقاء والبنفسجية.

في أزمة الهجوم على قنصلية أميركا في بنغازي، ومقتل السفير هناك، تعرض أوباما، ومن قبله وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، لهجمات حادة، وقيل إن إدارته قد أخفت الكثير من الحقائق عن الرأي العام، وهو يرد بأن هذه الاتهامات ليست إلا مزايدة سياسية من خصومه الجمهوريين، وربما هو صادق في هذا، فهذه طبيعة السياسة، لكن الأخطر أن يتم الربط بين ضعف أداء الإدارة الأميركية في التعامل الإعلامي مع هذه القصة، كما أقر بذلك ديفيد إغناتيوس، المقرب من أوباما، بسبب رغبة عميقة لدى الإدارة في عدم تسليط الضوء على الخطر الأصولي وإبعاد هذا الضوء عن «الربيع العربي». الرجل قد يكون صادق النية في الإيمان بالديمقراطية، ولديه عاطفة مع شعوب العالم الأخرى، خصوصا شعوب آسيا وأفريقيا، وأن مشكلة أميركا العالمية تنتهي بتحسين الصورة فقط، وتقدير الثقافات الأخرى، قد تكون له كل هذه المشاعر، لكن المشاعر شيء، والواقع شيء آخر، وليت الأمور تحل بالنيات الطيبة، لكان اللون الوردي هو الغالب.

مما يجسد لك فقر الرؤية لدى أوباما فيما يخص الأزمة السورية، مثلا، هو قوله أثناء استقباله لرئيس الحكومة التركي، رجب طيب أردوغان، قبل بضعة أيام، إنه لا يوجد «حل سحري» للأزمة السورية! بينما المطلوب هو «حل واقعي» للأزمة المستفحلة، وليس حلا سحريا. حل سياسي غير مثالي. الرجل هو من صعّب المسألة السورية، وجعل الجرح يلتهب، والدماء تنزف، والطباخين يكثرون، والأصوات تتعالى، والأشقياء يتدخلون، من ميليشيا حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية، إلى الشبان المجاهدين مع جبهة النصرة من كل حدب وصوب، هو – بالأساس - من يتحمل مسؤولية إيصال المسألة السورية إلى هذا الحد من التوهان والضياع. لولا تردد أوباما، وضعف بصيرته، ووهن عزيمته، وولعه بالشعبوية «التويترية» - كما يحب عقد مؤتمراته الصحافية فيه، لما أصبح «قيصر روسيا الثلجي»، فلاديمير بوتين، يحلم بهذا الدور ويكاد العالم الغربي يوكل إليه مهمة حل المشكلة في سوريا، ولما خرج بشار الأسد في حواره الأخير مع الصحيفة الأرجنتينية، ليقول إنه يشعر الآن ببداية تجاوز حدة الضغوط عليه، ولتصل العنجهية والاستهانة الإيرانية بالتصريح علنا بأن معركة سوريا هي معركتها، وتوعز إلى ضابطها اللبناني حسن نصر الله، الخروج علنا لشن المعركة وبداية «المقاومة»، ليس في حدود إسرائيل، بل مع السوريين في مدينة القصير، حيث يحاصر شبيحة الأسد، مع أتباع نصر الله، المدينة منذ فترة، وعلى مرأى من أوباما نفسه!

المفارقة، أن أميركا تعيش تحت ظل رئيس من أضعف رؤسائها: رؤية، وعزيمة، في حين تعيش روسيا تحت قيادة رجل شديد العزم، واضح الحزم. وتكون المفارقة أكثر ألما حينما ترى أنه يفترض بأميركا هذه أن تكون إلى جانب الثائرين على الأسد، في حين أن روسيا إلى جانب النظام، هنا يصبح الحلف عبئا أكثر منه عونا!

قرأت قبل أيام في مقابلة مع سفير لبنان السابق لدى الولايات المتحدة، رياض طبارة، مع مجلة «الشراع»، وهو يقرأ السياسة الأميركية تجاه سوريا، وكان مما قاله في مقارنة لاذعة: «الرئيس جورج بوش الابن كان يعمل من دون أن يفكر، بينما الرئيس باراك أوباما يفكر من دون أن يعمل».

المشكلة تبلغ نقطة حرجة، حينما يضع أوباما المقدمات المنهجية لولادة التطرف والعنف الديني بشكل نترحم فيه على «القاعدة»، أيام جورج بوش الابن، في نفس اللحظة التي يتوهم فيها أنه قضى على «القاعدة» من خلال قتل رجل يدعى أسامة بن لادن!

خطير جدا ما يجري في العراق، وفي سوريا، وفي لبنان، وربما في حدود تركيا الجنوبية لاحقا، بسبب سياسة الانسحاب الكبير التي ينفذها أوباما، من دون ترو أو تأمل عميق. ما يجري في هذه البلدان، وربما أيضا في مصر وشمال أفريقيا، بصيغة أخرى، هو تدشين لمرحلة مرعبة من الإرهاب الديني، والحروب المذهبية والأهلية تأكل الأخضر واليابس، وتصبح عندها هجمات جماعات «القاعدة» في السنوات الماضية، ليست شيئا يذكر بالمقارنة مع ما سيجري، وبدأنا بالفعل نراه في حمص وريفها، وفي هجمات المساجد والحسينيات في العراق، وفي مقاتلي لواء «الإسكندورن» من علويي الأتراك «نصرة» لعلويي سوريا.

هجمات «القاعدة» السابقة، كانت تتسم بالنوعية وقائمة على نخبة مختارة من الجنود، لا يمثلون قواعد اجتماعية واسعة من المجتمعات العربية، أما هذه الحروب التي نراها في سوريا ولبنان والعراق، فهي الحروب المخيفة، لأنها تستند إلى «مجتمعات» قائمة خلفها، تشكل لها مظلة ونبعا دفاقا.

من هنا تتوجه الملاحظة المحبطة من سوء سياسة أوباما وسطحيتها في التطبيق الحرفي والمغلق لسياسة الانسحاب مهما كلف الأمر، حتى لو جرت مستجدات جديدة، فأنت هنا لست أمام قائد وسياسي محترف، صاحب حلول خلاقة، بل أمام مثقف عادي، يردد شعارات مصمتة، من دون أن يتمتع بالحساسة والرهافة السياسية التي تزن الأمور حق وزنها، وتقدم حيث يجب الإقدام وتحجم حيث يحسن الإحجام. في حوار أجراه، مؤخرا، الزميل ممدوح المهيني في هذه الصحيفة مع الصحافي والكاتب الأميركي جوزيف براودي، وهو يجيد العربية كون والدته عراقية، قال وهو يصف المنهج الاحتفائي في الإعلام الأميركي تجاه ما سمي بـ«الربيع العربي». ويحاول شرح سبب هذه الخفة: «أظن أن الكثير من المسؤولين عن المحطات التلفزيونية (الأميركية) يبحثون عن الصحافي الذي يرى الأشياء من خلال لونين فقط: الأبيض والأسود. تقديم مثل هذا الرأي يبدو أسهل لأنه يخلو من التحليل والتمحيص. الأشخاص الذين يرون المسائل المطروحة في العالم العربي من زوايا متعددة، غير مرغوب فيهم».

ويبدو أن مأزق الإعلام الأميركي، هو نفسه مأزق البيت الأبيض في عهد سيده: باراك أوباما!

عبدالله هادي
27-05-2013, 08:53 PM
مخاطر الخروج عن السيطرة


أكد فايز الطراونة رئيس الديوان الملكي الأردني، التحذير الذي سبق أن أطلقناه هنا منذ أسابيع حول خطورة الوضع الحالي في العراق ومخاطر الانشغال الكامل والتركيز الكلي على الملف السوري وحده دون سواه. وقال الطراونة، الذي شغل منصب رئيس الوزراء عدة مرات، في محاضرة سياسية له في عمان، إن الملف العراقي لا يقل خطورة في تأثيراته على الإقليم عن الملف السوري.

وحذر الطراونة من التوترات الطائفية الأخيرة في العراق التي تذكر بأعوام العنف التي تلت الغزو الأميركي لبغداد.

والقلق الأردني مما يحدث في العراق له أسبابه الموضوعية من منطلق أن الأردن وطن الجغرافيا السياسية فيه تصنع له التاريخ.

موقع حرج ودقيق وضع فيه الأردن بصفته كيانا سياسيا وجغرافيا شديد الصعوبة؛ فمن ناحية البحر والحدود المشتركة، تأتي أكبر حدود مشتركة لدولة عربية مع إسرائيل. ومن ناحية أخرى، هناك سوريا ذات الحرب الأهلية الدموية. ومن الجانب الآخر، هناك العراق بكل نزعاته الطائفية والمذهبية وفرق العنف المنتشرة على مساحة أراضيه.

لقد تعرض الأردن لثلاثة أنواع من النزوح الجماعي مؤخرا في نصف القرن الماضي؛ النزوح الفلسطيني الكبير عقب حرب 1948، وعقب هزيمة 1967، ثم النزوح العراقي عقب الغزو الأميركي، ثم النزوح السوري الأخير عقب الحرب الأهلية الحالية. كلما انفجر الوضع عند الجيران، تحمل الأردن الثمن إنسانيا واقتصاديا وأصبح أمنه مهددا.

والأردن هو أكثر الدول تأثرا بطبيعة النظامين الحاكمين في بغداد ودمشق على حد سواء. ومن أهم المواصفات التي يسعى إليها الأردن فيمن يحكم بغداد ودمشق أن يكون معتدلا، واقعيا، يؤمن بتداول السلطة، ولا يحكم بالحديد والنار، ولديه القدرة على بسط الأمن والأمان في ظل دولة القانون. ولعل أكثر ما يخشى منه الأردن في أي نظام حكم متوتر في بغداد أو دمشق أن يكون ذا صبغة مذهبية، ويقوم على إعلاء فكرة الدولة الدينية، وهي أفكار قد تتفق مع تنظيم جماعة الإخوان المسلمين الذي يدخل في حالة شد وجذب دائمة مع النظام في عمّان. وخطورة انفلات الوضع الأمني في بغداد ودمشق هو أنه سوف يصدّر الفوضى والسلاح والمال السياسي وفرق الاغتيالات إلى الأردن ولبنان والدائرة الأكبر المحيطة بالمنطقة.

وقد كتب القدر على الأردن أن يكون منطقة تلقي الصدمات الأولى للتفجيرات القريبة في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان، لذلك كله يضع الحكماء في عمّان أيديهم على قلوبهم وهم يتابعون إدارة الأزمة في المنطقة. ولعل هذه الرسالة الواضحة المليئة بالقلق العميق هو ما نقله العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لوزير الخارجية الأميركي جون كيري عند لقائهما المطول في عمّان.

المهم أن يفهم الأميركيون حقيقة خطورة انفلات الموقف.

عبدالله هادي
27-05-2013, 08:54 PM
الأسد باق حتى إشعار آخر!


يتعيّن على كل متابع للأزمة السورية أن يقرأ بتأنّ وعمق حوار الدكتور بشار الأسد مع وكالة الأنباء الأرجنتينية، الذي أذيع، الجمعة الماضي. في هذا الحوار، أكد الرئيس السوري على الرسائل التالية:

أولا: إنه لن يترك الحكم لأنه لن يقدم على «الهروب» (على حد قوله)، وسوف يترك تقرير استمراره في الحكم من عدمه إلى الشعب السوري في الانتخابات الرئاسية عام 2014.

ثانيا: إن جيشه لم يستخدم السلاح الكيماوي في أي مرحلة من مراحل الصراع.

ثالثا: انتقاد وزير الخارجية كيري لتدخله في الشأن الداخلي السوري.

بناء على ما سبق، نحن أمام حاكم قرر أن لا يهرب أو يستقيل أو يتنحى، ولكن أن يستمر في الحكم حتى نهاية ولايته الحالية، التي تنتهي العام المقبل.

ونحن أيضا أمام رئيس يرى أن الأزمة في سوريا تحت السيطرة، وأنه «مرتاح» لوضعية قواته ومكانته وحكومته، وأن ضغط الأزمة الذي كان يفرض نفسه عليه في الشهور السابقة قد خفّ بشكل كبير.

ويبدو أن الرئيس بشار يراهن على 3 أمور أساسية:

أولا: إن حجم الدمار والقتل يؤدي إلى تطهير بلاده بشكل دموي حاسم للقوى المناوئة للنظام.

ثانيا: مخاوف كل من أميركا وروسيا وأوروبا وتركيا والأردن من أن يكون بديل نظام الأسد نظام إسلامي سني متطرف مرتبط بـ«القاعدة» أو بالتنظيمات الإسلامية المتشددة عالميا، مما يهدد مكانة سوريا ودول الجوار.

ثالثا: استمرار الدعم الروسي والإيراني وحزب الله بقوة لنظام الأسد معنويا وماديا وتسليحيا، مما يطيل من أمد وعمر النظام الحاكم في مواجهة المعارضة المسلحة له.

ويراهن أيضا نظام الأسد على الخلاف التقليدي والدائم بين فصائل المعارضة السورية، وهي حالة عربية كلاسيكية، حيث يزداد الخلاف بين فصائل المعارضة أكثر من خلافهم مع نظام الحكم.

أكثر مخاطر بقاء نظام الأسد، كما هو دون تغيير يُذكر، أنه يكرس مبدأ خطيرا، وهو: يستطيع أي حاكم في الحكم أن يقتل أكثر من مائة ألف مواطن من مواطنيه، ويؤدي إلى نزوح أكثر من ثلث شعبه، وتدمير بنيته التحتية، واستخدام كل أسلحة الدمار ضد المدنيين، إلى حد استخدام الطائرات القاذفة المقاتلة، واستخدام مدفعية الميدان الثقيلة ضد المدن والسكان العزل، ويفلت من أي عقاب، بل ويستمر جهارا نهارا في الحكم.

إن استمرار هذه الحالة هي التحدي الأخلاقي الأكبر أمام موسكو وواشنطن، اللتين قررتا الاستقالة من مسألة الأخلاق هذه.

عبدالله هادي
29-05-2013, 11:00 PM
الخطر على الخليج بعد سوريا


بعد وضوح المواقف الدولية والإقليمية، أصبحت الصورة جلية حول الصراع الدائر في سوريا وعليها. هذه حرب ستغير خارطة المنطقة، إن نجا نظام بشار الأسد.. انتصرت معه إيران وحزب الله. لهذا، ليس من قبيل المبالغة القول إنها معركة مفصلية لدول الخليج والأردن ولبنان، وقبل هذا كله سوريا نفسها.

انتصار نظام الأسد سيؤول إلى تسيد إيران في العراق وسوريا ولبنان، وبالتالي هيمنتها على الخليج وتهديد وجود الأردن ولبنان تباعا. وهي تعتقد أي إيران أن انتصارها في سوريا سيضمن تلقائيا تنازلات غربية لنفوذها ومشروعها النووي، وهذا ما يقوله البريطانيون والفرنسيون الناقدون لموقف وزير الخارجية الأميركي، الذي باع الشعب السوري للروس، فقط من أجل الذهاب إلى مؤتمر جنيف. الوزير جون كيري أعطى الأسد أكثر مما كان يحلم به، كل الوزارات أبقاها في يده، وتعهد بأن يبقى الأسد عاما آخر، وأن الحكومة الانتقالية مجرد صورة شكلية، ولا شيء غير ذلك.

ومن الخطأ التعويل على الدعم الدولي، أو قرارات مجلس الأمن، لأن هذه ليست في وارد الحسبان إلى عام آخر على الأقل، فالرئيس الأميركي الحالي وحكومته اختاروا أن يغمضوا أعينهم، وروسيا قررت أن تستأسد مع الأسد وإيران.

والأمل كبير بانتصار الشعب السوري، لأنه يدرك جيدا أن الهزيمة ستعني ذبحه وهو قد مضى شوطا بعيدا، وحرر أكثر من نصف بلاده، وقد دفع، ولا يزال يدفع بالدم ثمنا لحريته من أسوأ نظام أمني قمعي في العالم.

ولولا نضال السوريين كأفراد وجماعات، ربما ما دامت الحرب أكثر من سنة، ولاستطاع الأسد سحق المعارضة، والانتقام من البقية. إنما ترك الشعب السوري لوحده، بعد كل هذا الوقت والجهد والتضحيات، سيجعل من العسير انتصاره على نظام الأسد. الآن صار يقاتل جيوشا هبت من إيران وحزب الله والعراق وروسيا، وليس عدلا أن ننتظر منه أن يقف في وجهها جميعا. ومع دخول هذه القوات من العراق وحزب الله تحديدا، صار دعم الشعب السوري في محنته مسؤولية جماعية. الواجب الذي كان على المجتمع الدولي بالدرجة الأولى أن يقفه لردع هذا النظام الشرير عند حده، كما فعل ضد ميلوشفيتش في البوسنة، لولا أننا ندرك أنه في غيبوبة. لم يعد هناك من يقف مع الشعب السوري سوى جزئيا بريطانيا وفرنسا، وليس للسوريين سوى بضع دول عربية قليلة تساندهم، تحديدا الأردن والسعودية والإمارات وقطر. أما مصر والجزائر والسودان وتونس فهي تصف إلى جانب نظام بشار الأسد، والبقية الباقية من الدول العربية محايدة.

الدول الخليجية، هي بالفعل السند الحقيقي للسوريين، وكان موقفها شجاعا، رغم عظم المخاطرة، وعلى الرغم من اختلافها سياسيا وعسكريا بشكل واضح عن الموقف الأميركي لأول مرة في النزاعات الإقليمية. وهي، وإن كانت الداعم شبه الوحيد في الساحة إلى جانب السوريين، إلا أن عليها أن تدرك أن الصورة باتت أوضح خلال الأسابيع القليلة الماضية مع تقاطر آلاف المقاتلين من إيران والعراق وحزب الله إلى جانب نظام الأسد. هذه تشير إلى تحولات الثورة السورية إلى ساحة حرب إقليمية لا خيار فيها سوى الوقوف بشكل كامل وكبير إلى جانب السوريين في حربهم ضد الظلم، وضد معسكر الأشرار الذي اصطف إلى جانب الأسد

عبدالله هادي
29-05-2013, 11:01 PM
برميل «الوقود» الطائفي!



ربما كان أكبر إساءة وخطر وتهديد يمس الإخوة «الشيعة» في تاريخهم المعاصر هو تورط حزب الله في قتل الشعب السوري بدم بارد لحماية نظام بعثي تغنى بالبعث والقومية والمقاومة والممانعة، لكنه شكل التجربة الأكثر دموية وديكتاتورية ما بعد استقلال الدول العربية.

جريمة حزب الله لم يجرؤ عليها العراقيون الشيعة في الحرب العراقية الإيرانية، كما أن جريمته لم تلتفت إلى الذين تحزبوا له - كان الإخوان على رأس المتحزبين ويا للمفارقة! - في «نصره الإلهي» ضد إسرائيل، وكان وقتها مجرد انتقاد حسن نصر الله أو الحزب يكفي لأن تتهم بالوقوف مع الصهيونية، فما الذي جرأ حزب الله ليتجاوز السياق الشيعي والإخواني؟

الجواب لا يمكن أن يأخذنا، ويجب أن لا يفعل في أتون التصعيد الطائفي الذي يحدث الآن، لا سيما أن عددا من رموز الشيعة يستنكر موقف الحزب، وإن كانت هذه المواقف لا تزال خجولة، ذلك أنه رغم كل التفسيرات ذات البعد الديني في الثورة السورية تصب في صالح «تديين الصراع»، وقد يكفي أن نتذكر الحرب الضروس بين حزب الله ومقاتلي حركة أمل الشيعية في منتصف الثمانينات في لبنان كجزء من الآيديولوجيا السياسية التي تتفوق على منطق الطائفة، ومن جهة ثانية فإن قراءة تدخل حزب الله بأدوات طائفية يقطع الطريق على الصوت العاقل لدى عدد من رموز وقيادات الشيعة التي تقرأ في الأزمة السورية أبعادا لا علاقة لها بالطائفية أو الثورة الداخلية بعد أن تحولت الأزمة في نظرهم من بعدها السياسي المحلي إلى الإقليمي الدولي.

والحال أن «تديين الصراع» لا يسعفه تفاصيل الموقف الروسي المشين المسنود بالرضا النسبي من الصين والهند وبعض دول أميركا اللاتينية التي لم تعترض على روسيا حين ألقت بكل ثقلها لدعم حليفها الإيراني البعثي في المنطقة، هذا التطابق الروسي الإيراني لا يتصور معه أبدا أن يتساءل المخدوعون بحسن نصر الله وحزب الله ومدى استقلالية «الحزب» عن المواقف الإيرانية، وكلنا يدرك أن ما يحدث في سوريا أكد بما لا يدع مجالا للريبة أن الحزب لا يدار من إيران فحسب، بل يستطيع تجييش مقاتليه لغير معركتهم طمعا في التحول إلى فزاعة في الداخل اللبناني من شأنها تخفيف الضغط على عزلة النظام الأسدي وتوسيع نطاق المعركة على الأرض بعد أن استنفدت بعدها الأخلاقي وباتت أزمة وجودية تنذر بكارثة لن تنجو منها المنطقة بأسرها على المدى القريب.

دخول عناصر مقاتلة من حزب الله هو امتداد للتدخل الإيراني المباشر الذي بدأ تصاعديا، ولو عدنا إلى التقارير سنجدها تتحدث عن رغبة إيران في تحويل ما تبقى من عصابات الأسد إلى «باسداران»، اللقب الذي يطلق على عناصر الحرس الثوري الإيراني، وربما كانت أنباء أول مقاتل إيراني ثلاثيني قتل في دمشق وتم نعته بالشهيد شرارة الاعتراف الأولى بوجود عناصر مقاتلة قادمة من إيران بعد أن كان الدعم لوجيستيا في بدايات الثورة السورية في شكل مراقبة للاتصالات، ثم تحول إلى دعم خبراتي حين قدمت إيران تجربتها في قمع أعمال الشغب والمظاهرات، وذلك عبر أحمد رضا رادان وفقا لتقرير «اللوموند»، ومع تعاظم قوة الجيش الحر قدمت إيران عناصر مدربة لمساندة قوات الأسد ثم تبع ذلك التدخل النوعي من عناصر حزب الله على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، وفي ظل صمت الولايات المتحدة التي تمر بأحد أكثر أوقاتها حرجا على مستوى السياسة الخارجية.

المفارقة أن تدخل إيران وحزب الله لا يمكن مقارنته بفزاعة «القاعدة» والجماعات الإرهابية رغم أنها ظرف طارئ لأنها لا تنتمي إلى دولة، بل كانت وما زالت هذه العناصر محاربة في دولها الأصلية التي تشاطر المجتمع الدولي الآن القلق والترقب في حال انتهاء الأزمة السورية وعودة المقاتلين، فالفرق كبير بين إرهاب الدولة بمؤسساتها وعلى رأسها الحرس الثوري وبحلفائها وامتدادها الإقليمي حزب الله، وبين دعاوى مساندة المقاتلين من الجماعات الجهادية المقاتلة وهي لا تنتمي إلى دولة، فضلا عن أن تكون امتدادا لمؤسساتها، كما أن قتالها لا يطمح لأدوار سياسية إقليمية، وحتى القراءة الارتجاعية لتجربة أفغانستان هي قراءة مضللة حيث التوافق الأميركي آنذاك والمجاهدون هو اتفاق مصالح وليس تحالفا تحت مظلة سياسة إقليمية موحدة.

تعرية الحزب سياسيا ونزع هالات المقاومة وممانعة إسرائيل أهم بكثير من الوقوع في برميل «الوقود» الطائفي الذي يبدو أنه سيشتعل قريبا بعد جرائم القصير، فتقزيم سياسي لحزب الله كفيل بإعطاء الفرصة لمناوئيه سياسيا من الشيعة لتجريمه، كما أنه سيعطي بقية المخدوعين فيه من القوميين واليسار وكل الأحزاب والآيديولوجيات الممانعة تاريخيا مبررا للخروج من الحياد البارد بحجة أنها حرب أتون طائفية بين الحزب و«القاعدة»، ودون هذا التوصيف السياسي لجرائم حزب الله ضد لبنان قبل سوريا سنكون قد وقعنا في الفخ الذي تريده إيران وحلفاؤها، وهو تصوير ما يجري للمجتمع الدولي على أنه مستنقع طائفي سيلطخ كل الأقدام التي تحاول الدخول لانتشال الأبرياء هناك.

عبدالله هادي
29-05-2013, 11:04 PM
شيعة عراقيون يقاتلون في سوريا!


مشاركة المقاتلين العراقيين الشيعة في سوريا لم تعد سرا، بل إن أحد قياديي الجماعات الشيعية العراقية بسوريا يقول لصحيفة «واشنطن بوست» إنه بات من الدارج أن يقول شيعة العراق علنا: «نحن ذاهبون للقتال بسوريا»، مضيفا: «لماذا بمقدور الظواهري أن يقولها علنا، ولا نقولها نحن؟»!

وهذا أمر طبيعي طالما أن المجتمع الدولي، بقيادة أميركا، لا يزال مترددا ويمارس نفاقا صارخا في التعاطي مع الأزمة السورية التي جرها الأسد إلى المستنقع الطائفي؛ فالتقاعس الدولي هو ما دفع الأمور إلى هذا الحد، وخصوصا مع الفراغ الحاصل على الأرض في سوريا، فمقاتلو الأسد ليسوا بالمؤمنين بمعركته، ومهما قيل، ومهما حدث، فبحسب قصة صحيفة «واشنطن بوست» التي كشفت التورط الشيعي العراقي في سوريا، فإن قائد الميليشيا العراقية الشيعية الذي تحدث للصحيفة عرض للصحافي الذي أعد القصة مقطع فيديو من جواله الخاص يظهر المقاتلين العراقيين وهم يقومون بقتال الثوار السوريين، ويقول للصحافي: «انظر لجنود الأسد، إنهم لا يفعلون شيئا، فهم مذعورون»! وهذا وحده يسقط كذبة أن للأسد أتباعا يقاتلون من أجله، فلو كان له أتباع مؤمنون بمعركته لما استعان بمرتزقة إيران، وحزب الله، وشيعة العراق، ضد السوريين.

قصة «واشنطن بوست» التي كشفت تدخل الميليشيات الشيعية للعراق، لم تأتِ بجديد للمتابع العربي؛ فالتورط العراقي في سوريا معروف منذ فترة طويلة، الجديد اليوم في القصة أنها تنشر في واشنطن، وعبر إحدى أهم الصحف الأميركية تأثيرا، فهل يقرأها الرئيس أوباما ليرى كيف تعقدت الأمور بسبب تردده غير المبرر؟ اليوم يقول حزب الله علنا إنه لن يسمح بسقوط الأسد، والميليشيات العراقية تفاخر بالقتال في سوريا، بينما لا تزال الحكومة العراقية تمارس التقية التي مارسها حسن نصر الله إلى أن تعلن تورطها رسميا، لكن هل الإدارة الأميركية عاجزة، مثلا، عن قراءة دلالات إلغاء التأشيرة لـ«السياح» العراقيين الراغبين في زيارة سوريا الآن؟ فأي سياح هؤلاء الذين يزورون بلدا يوشك على الانهيار كسوريا؟ فالواضح أنهم مقاتلون طائفيون هدفهم نصرة الأسد، فما الذي تنتظره أميركا، وغيرها من المجتمع الدولي؟! أمر محير فعلا.

الإدارة الأميركية أضاعت قرابة العام بالحديث عن «جبهة النصرة»، وتنظيم القاعدة، واليوم تفاخر «قاعدة» الشيعة، من حزب الله، والميليشيات العراقية الشيعية، بفعل الأمر نفسه الذي تفعله «القاعدة» السنية بسوريا، برعاية إيرانية، وإدارة الرئيس أوباما لا تزال تلتزم صمت الأفعال، وليس صمت الأقوال، حيث لم نرَ تحركا يستهدف الجماعات الشيعية تلك، ولا دعما حقيقيا بالسلاح للثوار السوريين للدفاع عن بلادهم المستباحة من قبل مرتزقة إيران، فهل تعتقد إدارة أوباما أن ما يحدث الآن سيقف عند هذا الحد؟ إذا كان كذلك فهذا هو العبث بعينه، فالمنطقة تغلي طائفيا، وكل ما يحدث في سوريا الآن يبعث روحا جديدة في الأصولية والتطرف، بشكل غير مسبوق، فما الذي ينتظره أوباما للتحرك؟!

________________


سوريا.. صعود الميليشيا وفشل الدول!


جزء كبير من أزمة منطقتنا يتمثل بصعود نفوذ العصابات والجماعات مقابل نفوذ الدولة.. الخارجين على القانون مقابل القانون، راقب ذلك في اليمن، مصر، لبنان، العراق، وغزة، وغيرها، وبالطبع فإن المثال الصارخ هو ما يحدث في سوريا. ولفهم المقصود فلا بد من التوقف عند قرار الاتحاد الأوروبي القاضي برفع حظر التسليح عن الثوار السوريين مع اشتراط أن لا يتم التسليح قبل شهر أغسطس (آب)، وذلك لمنح الجهود الدبلوماسية فرصة! سياسيا، قد تكون هذه خطوة عقلانية، لكن على أرض الواقع فإنها تعني إفراطا بالمثالية السياسية! ففي الوقت الذي يتحرك فيه الأوروبيون ببطء وفقا لاعتبارات سياسية وقانونية نجد أن الأسد ومن خلفه إيران، وحزب الله، وشيعة العراق، يتحركون بسرعة فائقة لتغيير المعادلة على الأرض، ويمارسون مزيدا من القتل والجرائم في سوريا، بل ها هو لبنان يجر للحريق الكبير، مما يعني أنه حتى لو شرعت بعض الدول الأوروبية بالتسليح متأخرة فإن ذلك لن يكفي، وقد تتطلب الأوضاع حينها تدخلا عسكريا دوليا.

وما نتحدث عنه هنا ليس بالجديد، فقد سبق طرحه والتحذير منه، فمنطقتنا تغرق في فوضى مرعبة، حيث لكل جماعة علم وميليشيا ووسائل إعلام، ونواب برلمانيون، وكأننا نشاهد فيلما من أفلام المافيا القديمة، وبالطبع فإن الجميع يتحمل مسؤولية هذه الإشكالية سواء الدول العربية، ونخبها «المضروبة»، التي تماهت طويلا مع جماعات تخريبية تهدم ولا تبني، مثل حزب الله، وحماس، والإخوان المسلمين، كما أن المجتمع الدولي يتحمل جزءا من هذه الإشكالية أيضا، حيث كان ينظر لجماعة مثل حزب الله على أنها بشقين، عسكري لا يجب التعامل معه، وشق سياسي يمكن التعامل معه، والأمر نفسه ينطبق على تعامل الغرب مع «الإخوان المسلمين»، وتحديدا بعد الربيع العربي، حيث لم تكن النظرة مبنية على التزامات حقيقية لتحقيق مفهوم الدولة، وإنما كان المقياس هو الوعود، والشكل التجميلي للديمقراطية، وبالطبع الالتزام بعدم المساس بالاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، ويكفي تأمل قصة اختطاف الجنود المصريين لفهم المقصود!

وعليه فمن غير المقبول، ولا المعقول، أن يتم التعامل مع الأزمة السورية وفق مفاهيم قانونية وسياسية دون مراعاة للحقائق التي تقول إن المجتمع الدولي يواجه أزمة من فعل جماعات وأنظمة خارجة عن القانون، وتقوم بارتكاب جرائم غير مسبوقة بمنطقتنا، وأبسط مثال استخدام الأسلحة الكيماوية التي لا يهم حجم المستخدم منها، بقدر أهمية أنها استخدمت، مما من شأنه أن يشرع أبواب الجنون بمنطقة شحيح فيها العقل السياسي من الأساس. ولذا، وبعد استخدام الكيماوي، وتورط كل من حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية، وخلفهم إيران، في سوريا فإنه لا مجال الآن للمزيد من الخطب والوعود السياسية، فالوقت هو وقت أفعال لا أقوال، وأول تلك الأفعال وأهمها هو تسليح الجيش السوري الحر الآن، وليس في أغسطس المقبل، وإلا فإن المنتصر حينها سيكون الميليشيات، وعلى حساب مفهوم الدولة بكل منطقتنا.

عبدالله هادي
29-05-2013, 11:06 PM
نصر الله.. راعي «الطريق الشيعي السريع»


بغض النظر عمّا إذا كان جمهور «الشيعية السياسية» في لبنان ومنطقة الشرق الأدنى مقتنعا حقا بما تسمّيه قيادة «حزب الله» بوجود «مشروع مقاومة»، أم أن المسألة برمّتها مشروع إيراني إقليمي كبير، فإن ما يحدث على الأرض أكثر من كافٍ لتنحية الجدل العبثي جانبا.

مشروع «المقاومة»، الذي يتضح لكثيرين اليوم أنه مجرّد مُسمّى معتمد لضرورات العلاقات العامة، منشغل بتحقيق الغَلَبة الطائفية المذهبية إقليميا بقوة السلاح. وبعد انكشاف حقيقة «علمانية» النظام السوري و«عروبته» - وطبعا «اشتراكيته» - نرى اليوم كيف يتصرّف رئيس الحكومة العراقي السيد نوري المالكي مع المكوّنات المذهبية والإثنية في العراق، وكيف يثبت «حزب الله» أنه «قوة احتلال» في لبنان تماما، كما هو «قوة تدخّل سريع» في سوريا لدعم حكم بشار الأسد.

خلال الأسبوع الفائت، مع احتدام المعارك الهادفة إلى احتلال بلدة القُصَير، ومن ثَم تطويق مدينة حمص وإسقاطها.. وخلق واقع «جغرافي - سياسي - طائفي» في قلب سوريا، ألقى السيد حسن نصر الله أمين عام «حزب الله» خطابا ذا دلالة بمناسبة «عيد المقاومة والتحرير» في بلدة مشغرة بأقصى جنوب غربي محافظة البقاع اللبنانية.

مفارقة كبرى في اختيار مشغرة.. لماذا مشغرة؟ ولماذا الآن؟

لمن يتابع معركة القُصير ومسوّغاتها الطائفية، بما فيها التصدّي لمن يصفهم نصر الله بـ«التكفيريين»، وأبعادها الجغرافية الخطيرة لما ستؤول إليه سوريا، لا يأتي من قبيل المصادفة اختيار أمين عام «حزب الله» بلدة مشغرة لإلقاء خطاب سياسي أعلن فيه رسميا سحب اعترافه بالدولة اللبنانية، ودعا فيه خصومه من اللبنانيين لملاقاته في ميادين القتال في سوريا.

مشغرة، أو مشغرى - كما وردت في بعض المصادر التاريخية، ومنها «خُطَط جبل عامل» للعلامة السيد محسن الأمين - بلدة كبيرة وعريقة في تاريخها الديني والثقافي والمهني. وهي عاصمة صناعة دباغة الجلود في لبنان. ثم إنها بلدة مختلطة طائفيا، سكانها ينتمون إلى ثلاث طوائف دينية، هي: الشيعة والروم الكاثوليك والروم الأرثوذكس، لكنها على الرغم من إرثها الديني الغني، كانت، حتى الأمس القريب، من معاقل الأحزاب العلمانية والقومية واليسارية في لبنان، وخرج منها عدد من أعلام السياسة القياديين في هذه الأحزاب، لا سيما الحزب الشيوعي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي، كما خرج منها عدد من أشهر أهل الفن والأدب والموسيقى.

وبالتالي، لم يُعرف عن مشغرة في يوم من الأيام أنها على علاقة عداء أو تنافر مع محيطها من السنّة والدروز والموارنة. بل لقد أسهم انتشار الأحزاب اللادينية في عموم المنطقة المعروفة بـ«البقاع الغربي» (أو الشوف البياضي أو شوف البيادر)، بما فيها مشغرة، ووادي التيم، على السفوح الغربية لجبل الشيخ, إلى بناء نسيج اجتماعي صحي وأخوي عبر العقود.

ما كان يُنظَر أبدا إلى مشغرة على أنها «جسر شيعي» يصل الخزّانين البشريين الشيعيين الكبيرين في جنوب لبنان وشماله الشرقي.

وما كان ينظر إليها أنها «حامية» لـ«الطريق الشيعي السريع» - أو «الأوتوستراد الشيعي» - الذي يصل مدينتي النبطية الجنوبية وبعلبك البقاعية الشمالية، والذي اشتُريت أراضٍ واسعة على طول مساره خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما في بعض قرى جبل الريحان وقرى البقاع الغربي وضواحي مدينة زحلة.

بل ما كان يُنظر إلى ذلك «الطريق» على أنه طريق استراتيجي يهمّ أصحاب «مشروع المقاومة» السيطرة عليه.. ليس لوصل «الخزانين الشيعيين» فحسب، بل أيضا لفصل جبل لبنان السنّي والدرزي والمسيحي عن وادي التيم والبقاع الغربي. واستطرادا عزل البلدتين السنّيتين الحدوديتين الكبيرتين.. شبعا جنوبا، وعرسال شمالا، عن باقي لبنان. وفي هذا الجانب الخطير هدف سياسي متلازم مع الهدف الجغرافي - الديموغرافي يقوم على نسف أي خطة يمكن أن تبقي على الكيان اللبناني قابلا للحياة عبر تطبيق «اللامركزية الإدارية» التي نص عليها «اتفاق الطائف».

«حزب الله»، الذي لم يتحرّج أمينه العام من القول علنا إنه «جندي في جيش الولي الفقيه»، يكشف الآن على لسان قيادته حقيقة دوره التنفيذي المباشر في مشروع إقليمي لا علاقة له بمواجهة إسرائيل - إلا إذا صدّقنا الكلام عن وجود «حلف» بين تل أبيب ومعها واشنطن من جهة و«التكفيريين» من جهة أخرى - ولا ينفي أنه يخوض معركة مفتوحة مع مَن يعتبرهم «تكفيريين» من منطلقات واعتبارات مذهبية داخل سوريا.

ولكن هذا الواقع يطرح سؤالا منطقيا بسيطا، هو كيف سيتصرّف «حزب الله» بناءً على تكليفه الشرعي، إذا وجد «التكفيريون» الذين يتكلّم عنهم «بيئة حاضنة» لهم داخل لبنان؟ ألا يمتدّ التكليف الشرعي للولي الفقيه إلى طرابلس وصيدا وبيروت.. وحتى شبعا، التي تذرّع بها «الحزب» طويلا للاحتفاظ بسلاحه عندما تخلّى جميع اللبنانيين عن سلاحهم؟

نظريا، قد يستغرب الراصد أن لا يربط «حزب الله» وأمينه العام بين تزايد أعداد «التكفيريين» وتسارع التمدّد الإيراني في المنطقة. وربما يستغرب أكثر سبب إحجام واشنطن، وتل أبيب، عن إغاثة «أتباعها» - وفق منطق «حزب الله» - وهم في أمسّ الحاجة إلى الدعم الأميركي - الإسرائيلي بعدما فقدوا أكثر من 100 ألف قتيل خلال سنتين على أرض سوريا.

إن تطوّرات الأسابيع القليلة الفائتة توحي بأن المجتمع الدولي لا يمانع من استعادة نظام الأسد زمام المبادرة عسكريا. وفي ظل تمتّع جيش النظام بالغطاء الجوّي والقدرات الصاروخية و«الضوء الأخضر» حتى لاستخدام السلاح الكيماوي، يجوز القول إن معركة القُصير لم تعد متكافئة. وفي المقابل، يُستبعد إحداث نقلة نوعية في مستوى تسليح «الجيش السوري الحر» أو ضمان توصل المعارضة السورية إلى اتفاق في العمق يؤهلهم للتفاوض كقوى سياسية قادرة على المناورة وتقديم الضمانات وقطع الطريق على فرض جماعات تابعة للنظام، تزعم أنها معارضة، على طاولة المفاوضات.

أما في لبنان، فلا بد من الاعتراف بأن «حزب الله» أنجز القسم الموكل إليه في شلّ مؤسسات الدولة اللبنانية كمقدمة للإجهاز عليها. وقد يكتشف اللبنانيون خلال الأشهر المقبلة حصيلة تعمّد إحداث فراغ في مختلف أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية، بعد القضاء على مُتنفسي الاصطياف والخدمات، اللذين هما عماد الاقتصاد اللبناني.

________________


خذلان السوريين.. بعد الفلسطينيين


بديهي أن أولويات ثوار سوريا تختلف عن أولويات رئيس الولايات المتحدة ورئيس وزراء بريطانيا.
الهم السوري هو الهم الأساسي لشعب فقد أكثر من 100 ألف قتيل، وعانى من تهجير ما لا يقل عن سبعة ملايين مواطن، داخل سوريا وخارجها. لكن، إذا ما تجاوزنا سذاجة التصديق أن حقوق الإنسان، ولا شيء غير حقوق الإنسان، هي العامل الذي يسيّر السياسات الدولية الكبرى.. لا تعود الحصيلة التي خرجت بها القمة الأميركية - البريطانية بالأمس مفاجئة.

ما عاد الأمر بحاجة إلى عبقري للاستنتاج أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سلّم بالتفسير الروسي لـ«اتفاق جنيف» حول سوريا، بل غدا حقيقة واقعة قبول واشنطن ببقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا حتى نهاية ولايته الرئاسية في العام المقبل.. تماما كما ترى موسكو وطهران.

أكثر من هذا، أحسب أن أحدا لن يصدق بعد اليوم تعهدات أوباما، ومعه حليفه البريطاني الذي خُدع كثيرون بوهم تصعيده اللفظي خلال الأشهر القليلة الفائتة، عن «سوريا من دون الأسد» من دون تحديد مهلة زمنية، ومن دون اعتبار خروج الأسد من الصورة مقدمة ضرورية لأي تسوية سياسية. كل هذا الكلام الجميل محاولة لستر عورة في سياسة خارجية خرقاء وقاصرة عن الفهم، أو متآمرة كليا على مصير منطقة حيوية من العالم لا ترى واشنطن ضيرا في تجاهل مصالح شعوبها والمتاجرة بمصائرهم إلى ما لا نهاية.

المسألة، باعتقادي، تجاوزت الحذر من هيمنة الأصوليين الجهاديين والتكفيريين على سوريا. وأساسا كان إدخال الجهاديين والتكفيريين إلى سوريا جزءا من الاحتياطي المستتر للنظام. فالنظام بعدما ضمن «الفيتو» الروسي - الصيني المزدوج والدعم الإيراني الاستراتيجي المباشر حظي بالهامش الزمني الكافي للصمود في وجه الثورة. ولقد كان محسوبا تماما دخول هذه الجماعات إلى الأراضي السورية، بالنظر إلى سوابق نظام دمشق مع كل من لبنان والعراق، ذلك إن تسلل هذه الجماعات كان كثيرا ما يحدث بمباركة النظام ومساعدته بهدف خلق «الفزاعة» المطلوبة لتبييض صفحته.. وتخويف المجتمع الدولي من عواقب الاستغناء عن خدماته.

ولكن لندع ظروف الأزمة السورية نفسها، ونتابع ما يحدث خارج حدود سوريا..

قبل نحو سنة ونصف السنة كان الكلام الصادر عن كبار القادة الأتراك تهديديا وحازما من نوعية «لن نقف مكتوفي الأيدي إزاء مجازر النظام في سوريا». أما الآن، بعدما تجاوز نظام الأسد عددا من «الخطوط الحمراء» الوهمية.. من قصف آقجه قلعة، إلى استهداف مخيمات اللاجئين السوريين عبر الحدود، ومن إسقاط طائرة حربية تركية فوق المياه الدولية إلى تفجيري الريحانية، فقد تغيّر خطاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، كليا، مشددا بنزعة دفاعية مرتبكة على أن تركيا «لن تنزلق إلى مستنقع الاستدراج السوري المتعمد»!

قبل بضعة أشهر في لبنان، كان حزب الله يتكتم على دوره القتالي إلى جانب النظام ضد الشعب السوري، وكان حريصا على الإبقاء على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مجرد غلالة رقيقة تستر ذلك الدور. ولكن، فجأة، قرر الحزب - أو قررت له مرجعيته عبر الحدود - أنه لا حاجة له بعد اليوم لغلالة. وخلال هذه الساعات يشتد التصعيد داخل لبنان مع فتح الحزب، بواسطة أدواته وأتباعه في البرلمان والشارع، معركة «إلغاء» سياسية ضارية. فيهدد صراحة رئيس الحكومة المكلف تمام سلام بالويل والثبور إن هو تجرأ وشكل حكومة من غير السياسيين، معتبرا أن في ذلك تهميشا لمعسكره. وفي الوقت ذاته يعمل على ضرب تحفظات القيادات السنية (بما فيها نجيب ميقاتي) والدرزية عرض الحائط بالنسبة لمناقشة «قانون الانتخاب الأرثوذكسي» حصرا. ثم على مستوى أدنى بكثير يدفع الحزب أدواته وأبواقه الإعلامية للتحريض على خصومه وخصوم النظام السوري والشماتة فيهم.

ولا يختلف الوضع كثيرا في الأردن، الذي كان قبل بضع سنوات أول المحذرين علنا من مشروع «الهلال الشيعي» برعاية إيران، والذي يحاول الآن احتواء تداعيات أزمة معيشية وسياسية وأمنية حاول نظام الأسد مرارا تصديرها إلى الأردن على مختلف المستويات.

هذه الصورة القاتمة التي ترسمها الحالات التركية واللبنانية والأردنية، تضاف إليها تعقيدات الجانب العراقي، يفترض بها أنها تصل إلى واشنطن عبر تقارير سفرائها على الأقل، وهو ما يدعو إلى استبعاد جانب نقص المعلومات. وأيضا يوجد في واشنطن خبراء ومعاهد أبحاث، ناهيك عن تقارير المنظمات الدولية على مختلف أنواعها، وهناك الحلفاء المعنيون بأوضاع الشرق الأوسط والمتأثرون بها، وإن لم يكونوا على تماس حدودي مع سوريا.

وزير الخارجية الإيراني الدكتور علي أكبر صالحي قال بالأمس إن بلاده ضد «تقسيم سوريا»، وهذا جانب تناوله أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. غير أن الحقيقة التي يرفضها القائدان الغربيان، ومعهما قادة طهران، هي أن «التقسيم» كان دائما ملاذ الأقليات عندما تخسر.. مقابل توقها إلى «الهيمنة» عندما تكون كفتها راجحة، في حين أنه لا مصلحة للأكثرية في أي مكان في «التقسيم».

وبناء عليه، تبدو المسألة الآن مسألة قرار سياسي متخذ يقضي بإشاحة النظر عن معاناة السوريين، وترك النظام يرتب أوراقه التفاوضية ميدانيا «على راحته»، وتفويض موسكو وطهران بأمور المنطقة، من دون أن تكون تل أبيب بعيدة عن المشهد. وهنا لا بد أن يؤخذ على محل الجد تحرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أولا في بكين، وثانيا في موسكو.. ولو بذريعة عرقلة تسليم صواريخ «إس 300».

إن تبني الإدارة الأميركية تفسير موسكو «تفاهم جنيف»، بالكامل، يشكل بعد كل الذي حدث خلال السنتين خذلانا مريرا للشعب السوري يوازي، في كثير من النواحي، خذلان الرئيس أوباما الشعب الفلسطيني بعد وعوده المعسولة خلال زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط.

___________________


«مقاومة» و«ممانعة».. في خدمة «مشروع الشرق الأوسط الجديد»


الشيخ نبيل قاووق، نائب رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله وأحد أبرز قادته في جنوب لبنان، اعتاد اللبنانيون على خطبه الصريحة في المناسبات الاحتفالية، بمختلف أحجامها وأنواعها، غير أن اللازمة الدائمة التي لا تحول ولا تزول في خطب الشيخ قاووق هي الإصرار على ثابتة «المقاومة».
في قاموس الشيخ «المقاومة» كلمة تختصر كل شيء. إنها ثابتة في الزمان والمكان. فوق مستوى التعريف والشرح والتحليل. «المقاومة» هنا فلسفة وجود وعصب حياة... التشكيك فيها جريمة والتساؤل حولها خطيئة.

بالأمس، كان جمهور جنوب لبنان على موعد مع خطاب آخر للشيخ قاووق، تطرق فيه – طبعا – إلى «المقاومة». والجديد المثير في الخطاب أنه جاء على خلفية التقارير الميدانية من الريف المحيط بمدينة القصير الحدودية السورية. في ريف القصير يمارس شباب «الحزب» نوعا مختلفا من «المقاومة»... هي مقاومة قيام سوريا حرة يحكمها شعبها، بدلا من طغمة أمنية – طائفية «احتلتها» منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن.

وما يضع الأمور في إطارها الصحيح كلام الرئيس السوري بشار الأسد لدى استقباله وفدا عرمرميا من جماعات «8 آذار» المؤمنة بطروحاته «القومية» و«إصراره» على تحرير فلسطين، إذ قال ما معناه إنه لا يجوز للبنان أن ينأى بنفسه عن الوضع في سوريا، بل يجب عليه المشاركة في مقاتلة «الجماعات المسلحة». وأضاف أن «تحرير» القصير خطوة على الطريق لـ«تحرير» حمص.

كلام الأسد واضح إذن. وموقفه قاطع من أي مبادرة سلمية دولية، فهو منشغل بواجب «تحرير» مدن سوريا – من سكانها على الأرجح – بعدما تعذر عليه تحرير فلسطين.

عودة إلى الشيخ قاووق...

الشيخ قال بالأمس: «المقاومة تمثل اليوم ضرورة وطنية استراتيجية لمواجهة أي محاولة إسرائيلية لاستثمار الأزمة في سوريا (كذا)، كما أن الواجب الوطني يفرض علينا أن نحصن الوطن وإنجازات المقاومة من أي محاولة إسرائيلية... الواجب الوطني يفرض علينا أيضا أن لا نسمح لأميركا وإسرائيل بتحقيق أي مكاسب على حساب قوة لبنان. قوة لبنان هي في معادلة الجيش والشعب والمقاومة». ثم استطرد: «كما انتصرنا على إسرائيل عسكريا نحن ننتصر على أميركا سياسيا، إن بتشكيل الحكومة وإن بالانتخابات النيابية، ولن تحصد أميركا غير الخيبة على الرغم من كل السموم الأميركية التي تبثها في الواقع اللبناني».

ما أتذكره، كمراقب، ويتذكره جيدا اللبنانيون أن حزب الله وافق على قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي يمنع وجوده العسكري – أو «المقاوم» – جنوب نهر الليطاني. وهذه الموافقة ساعدت «الحزب» على توجيه سلاحه.. أولا إلى الداخل اللبناني اعتبارا من 2008، ثم خلال العامين الماضيين إلى الداخل السوري. وهذا يعني أن الجبهة الوحيدة الهادئة حاليا بالنسبة لـ«المقاومة» هي الجبهة الجنوبية التي قامت «المقاومة» أصلا من أجلها، أي تحرير جنوب لبنان.. ومن ثم فلسطين.

كيف تحولت «المقاومة» من الجنوب إلى الشمال؟ وكيف تنظر إسرائيل وينظر داعموها في الولايات المتحدة إلى هذا التحول؟ ما سر الارتياح الإسرائيلي لما يجري في سوريا منذ أكثر من سنتين؟... ثم ما سر الإصرار الأميركي على ترك سوريا تتمزق من الداخل؟.. مع أنه ثبت بالأرقام والأحداث أن الانهيار البطيء حوّل أراضيها إلى وجهة مثالية للأصوليين الجهاديين يأتونها من مختلف أنحاء العالم.. وإذا كان لنا تصديق السيد الأخضر الإبراهيمي، الموفد الدولي – العربي، يقاتل في سوريا اليوم نحو 40 ألف مقاتل أجنبي.

باعتقادي الإجابة على السؤال الأول بسيطة، وهي أنه ما عادت هناك «مقاومة»، بل هي التزام بمشروع إقليمي تكشف الأيام أن تفاصيله قيد المساومة دوليا. «المقاومة» اليوم هي المسمى المهذب للدور الموكل لحزب الله في تنفيذ تفاصيل مشروع «سايكس - بيكو» جديد، باسم إيران وبمباركة إسرائيل، تحت رعاية روسية – أميركية.

إسرائيل، من جانبها، مرتاحة للحقد الفئوي المضاد الذي يثيره قمع دموي يمارسه نظام فئوي، مدعوما بمقاتلي تنظيم فئوي، في ساحتين متاخمتين لها هما سوريا ولبنان. ومن المستبعد جدا أن يكون حزب الله، ومن خلفه الحكم الإيراني، قد فوجئ.. أولا برد الفعل المتشدد في الشارع السني في سوريا ولبنان، وثانيا بزحف الجماعات الجهادية على الداخل السوري من كل فج عميق.

قبل سنوات بدأنا نسمع عما سمي بـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد». ويومذاك قيل لنا إن وراءه تيارات غربية – صهيونية على رأسها «المحافظون الجدد» في الولايات المتحدة. وبعد نشر خرائط تقسيمية للمنطقة مدعومة بتوصيات لبعض مراكز الأبحاث، هب كثيرون مطلقين دعوات حارة للتصدي للمشروع. لكنّ أحدا، ولا سيما أصحاب الحناجر القوية، لم يشرح للناس آلية تنفيذ مخطط من هذا النوع، بل يظهر أن هؤلاء توهموا أن معدي «مشروع الشرق الأوسط الجديد» سينجزونه بقرار سياسي معلن. لكن ما أثبته مرور الزمن أن أولئك الذي كانوا أشرس مهاجميه لفظيا... كانوا على رأس المساهمين في تنفيذ بنوده فعليا.

اليوم يقود حزب الله ونظام بشار الأسد، اللذان يجسدان – كما قيل لنا – زبدة «المقاومة» و«الممانعة»، عبر تدمير سوريا ولبنان وتمزيق نسيج مجتمعيهما، عملية التنفيذ الفعلي لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد».

أن يقدم مسلحون جهاديون من خارج سوريا، بالأمس، على خطف أسقفين قرب حلب – أحدهما كان مرشحا للبطريركية قبل أن ينتخب شقيقه للمنصب – وأن يتسارع إيقاع التهجير والفرز الطائفي والنهوض بـ«الواجب الاستشهادي» في أراضي المحافظات السورية، أمام تواطؤ عنيد من المجتمع الدولي، فهذا دليل قاطع على التنفيذ الدقيق لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد». «مقاومة» و«ممانعة» من هذا النحو مكونان ضروريان لإنجازه.

عبدالله هادي
29-05-2013, 11:13 PM
مرحلة «القاعدة» ومخاطرها؟
ما الصفة الغالبة التي تربط كل التوترات الأخيرة منذ 3 أشهر؟ الرابط الوحيد والأساسي هو انتماء القوى الممارسة للعنف والتوتر في المنطقة لتنظيم القاعدة بطريقة مباشرة أو من خلال إعلان الولاء للتنظيم الأم. تعالوا نستعرض أهم توترات الأسابيع القليلة الماضية:

1) صدام السلطات التونسية مع تنظيم أنصار الشريعة، ومطاردة بعض من الميليشيات التابعة له حتى الحدود الجزائرية. 2) اختطاف شخصيات أوروبية كرهائن في صحراء مالي. 3) اختطاف 7 رهائن في شبه جزيرة سيناء من خلال تنظيم تابع للسلفية الجهادية. 4) صدام الجيش النظامي العراقي مع جماعات مسلحة غربي الرمادي وفي مناطق عشائر الأنبار. 5) المصادمات الدموية في منطقة القصير وحول مدينة حلب بين جيش النظام وتيارات وفرق جبهة النصرة المعارضة. 6) الإعلان عن كشف ثلاثة تنظيمات سرية مسلحة في منطقة اليمن والخليج العربي.

ويضاف إلى ما سبق ملاحظة زيادة نشاط التيارات الجهادية في طرابلس وصيدا بلبنان، وعمليات محاصرة المنشآت الحكومية في ليبيا في بنغازي وطرابلس وسرت. ولوحظ أيضا في الشهور الأخيرة ازدياد النشاط التسليحي للجماعات الجهادية الموالية لـ«القاعدة» في منطقتي غزة ورفح، وهو أمر تتابعه الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بقلق شديد.

وهذا كله يجمعه خيط واحد ممتد وهو خيط العلاقة بتنظيم القاعدة الدولي، إما بالتوجيه والتأسيس المباشر أو من خلال ظهور تنظيمات فكرية مسلحة تحمل فكر «القاعدة»، وتعلن الولاء للتنظيم الدولي عقب الانتقال من مرحلة الفكرة إلى التنفيذ العملياتي. مرة أخرى نعود ونلف وندور ونصطدم بحائط كبير اسمه تنظيم القاعدة الذي يهدد بأنه قرر التحول من العمليات خارج المنطقة إلى اعتبار العالمين العربي والإسلامي هما مسرح الأحداث والعمليات الذي يجب التركيز عليه بقوة.

إن التغيير الرئيس الذي يشهده تنظيم القاعدة عقب اغتيال زعيمه أسامة بن لادن وتحول الفكر والتنفيذ إلى قيادة الدكتور أيمن الظواهري هو «خلخلة» أنظمة المنطقة بعمليات محدودة الأفراد لكن شديدة التأثير المعنوي في إضعاف تلك الأنظمة. هذه الاستراتيجية يبدو أنها ممتدة ومتصاعدة ومتزايدة بشكل مكثف على مساحة المنطقة كلها دون استثناء. إن المرحلة المقبلة هي مرحلة العمليات القائمة على العنف والمقايضة والإحراج الأمني والسياسي لأجهزة النظام العربي الرسمي.

إن مرحلة تهديد الشرعيات القائمة بضربات عنف متلاحقة هي منهج أيمن الظواهري منذ أن شارك في الجماعات الإسلامية في السبعينات، ويبدو أنه قد حان الوقت كي يطبقه بكل قوة دون أي قيد أو شرط.

_______________



مصلحة إسرائيل الحقيقية؟


بينما كنت أتناول «بوظة» شامية في أحد محلات بيروت الشهيرة استأذن شاب عربي في مقتبل العمر أن يجلس معي كي أساعده في الإجابة على بعض الأسئلة السياسية التي تحيره، ودار بيننا الحوار التالي: العبد لله: ماذا يشغلك يا أخي العزيز؟

الشاب: تشغلني جدا مسألة إسرائيل.

العبد لله: وماذا يقلق في موضوع إسرائيل؟

الشاب: الإجابة على أهم سؤال يشغل بالي وهو

أين تكمن المصلحة الحقيقية للدولة العبرية؟

العبد لله: ألا تتفق معي أن مصالح إسرائيل واضحة وضوح الشمس؟

الشاب: هناك ما هو ظاهر وهناك ما هو باطن!

العبد لله: أعتقد أن كل شيء بالنسبة لإسرائيل معلن بشكل واضح. إنهم يقولون منذ أكثر من قرن إنهم يريدون إقامة دولة يهودية من المحيط للخليج. الشاب: إذن دعني أسألك بعض أسئلة لعلك تستطيع أن تجد الإجابة الحقيقية عليها مثل:

1 - هل من مصلحة إسرائيل الحقيقية بقاء نظام الحكم الحالي أم زواله؟

2 - هل من مصلحة إسرائيل بقاء سوريا دولة موحدة أم دولة طوائف وعرقيات منقسمة؟

3 - هل من مصلحة إسرائيل استمرار حالة الربيع العربي وأنظمته؟

4 - هل من مصلحة إسرائيل استمرار حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس ونموها في الأردن وسوريا أم لا؟

5 - هل ستصل إسرائيل إلى حوار مباشر وعلاقة تعاون مع حركة حماس؟

6 - هل الأفضل لإسرائيل إقامة تسوية سياسية مع حركة فتح أم هدنة عسكرية مع حركة حماس؟

7 - هل تريد إسرائيل الاستعانة بالإسلام السني لمواجهة التمدد السياسي للإسلام الشيعي؟

8 - هل حقيقة العلاقات التركية - الإسرائيلية في مجال التعاون العسكري والتصنيع الحربي المشترك بين البلدين أكبر من حجم علاقتها مع الدول العربية والإسلامية مجتمعة؟

9 - هل تعد إسرائيل نفسها كي تحارب في صف بعض الجيوش العربية ضد إيران قريبا ولكي تشهد المنطقة أول تعاون وتنسيق عسكري عربي - إسرائيلي؟!

10 - هل يمكن أن تصل إسرائيل ذات يوم إلى تسوية حقيقية لمدينة القدس أم أن «الخزعبلات» والخرافات التاريخية الدينية ما زالت تسيطر عليها؟!

العبد لله: إنها أسئلة شديدة الصعوبة وتحتاج إلى مراكز أبحاث متخصصة للإجابة عليها!

الشاب: إنها أسئلة واضحة وصريحة لا تحتاج أي لف أو دوران في الإجابة عليها.

العبد لله: لقد طرحت كل الأسئلة حول مصلحة إسرائيل ودون أن تطرح السؤال الأهم!

الشاب: وما هو؟

العبد لله: هل تحتاج إسرائيل للقيام بأي عمل عدائي ضد العرب أم يكفي أن تتركهم وشأنهم وهم بلا شك سوف يتكفلون بتوجيه أكبر إساءة ودمار لأنفسهم!

- اكتأب الشاب من سؤالي وتركني وحدي دون أن ينطق بكلمة واحدة!


_________________________




لبنان مسرح قتال جديد؟



إطلاق صاروخين من منطقة غير مأهولة بين «عيتات» و«يسابا» على منطقة «الشياح» بالضاحية الجنوبية في بيروت، حدث بالغ الخطورة، ويجب ألا يمر مرور الكرام. نوعية الصاروخين هي «أرض - أرض»، والمدى لا يقل عن 10 كيلومترات ولا يزيد على 60 كيلومترا، وهما من نوعية تلك الصواريخ التي تستخدم في القتال الدائر الآن في سوريا.

وتعتبر هذه الواقعة ذات دلالة على أن هناك من يريد إرسال رسالة إلى سكان الضاحية الجنوبية، وهي منطقة ذات أغلبية شيعية بشكل واضح. وقد تكون الرسالة من قرى لبنانية أو سورية تريد أن تقول لقيادة حزب الله إنه إذا كنتم تحاربون ضدنا في «القصير» بسوريا لدعم النظام، فنحن أيضا لدينا القدرة على الوصول إليكم في عقر داركم. وهناك احتمال آخر هو أنه عمل من جهاز أمني خارجي يسعى إلى استدراج ردود فعل لإثارة فتنة سياسية في البلاد، وهذا الاحتمال يوافق بيان حكومة تصريف الأعمال الذي صدر فور الحادث. ولا بد من ملاحظة أن توترات شديدة اجتاحت مدينة طرابلس خلال الأسبوع الماضي عاكسة القتال والتوتر الطائفي الذي نجم عن معارك القصير بسوريا. من هنا يخشى البعض أن تنتقل حالة القصير إلى طرابلس وتنتقل حالة طرابلس إلى الضاحية الجنوبية حتى يشتعل لبنان كله في صدام طائفي يوسع مسرح الأحداث الدموية من سوريا حتى لبنان. وباستقراء التاريخ، فإن لبنان يشهد في الفترة ذاتها من كل عام في السنوات الأخيرة رسائل عنف وتوتر بهدف ضرب موسم السياحة العربية التي تعتبر المورد الرئيس للبلاد في تلك الفترة.

شيء ما يخطط لهذا الشعب الصبور، ولا أحد يعرف بالضبط حجم أو مدى اتساع الصراع المطلوب أو حجم التكلفة الباهظة التي يجب أن يدفعها الإنسان اللبناني لصراع إقليمي لم يسعَ يوما إلى أن يكون طرفا فيه. ويبقى على قيادة «حزب الله» أن تتدارس سياسيا وأمنيا الخطوة المقبلة لجمع شظايا الخسائر السياسية التي أصابت الحزب نتيجة التورط في الدفاع عن نظام الحكم في سوريا بشكل علني ومباشر وقوي.

ماذا سيختار «حزب الله»؛ المواجهة أم الاحتواء؟

وتأتي هذه الواقعة عقب خطاب حماسي ساخن للأمين العام لحزب الله أكد فيه بما لا يدع مجالا للشك استمرار دعم الحزب لنظام الحكم في دمشق. وقد قوبل هذا الخطاب بهجوم شديد من سعد الحريري زعيم تيار المستقبل. وتأتي هذه الواقعة أيضا بعد ما تسرب عن رفض الرئيس اللبناني تورط حزب الله في القتال الدائر في سوريا مما يشكل تهديدا لسياسة «النأي بالنفس» التي كان يرعاها الرئيس ميشال سليمان. نحن أمام حالة انقسام داخلي في لبنان يزداد بشكل متصاعد، وله امتدادات سورية وإيرانية وإقليمية، وينذر بتحويل لبنان إلى مسرح قتال جديد.

عبدالله هادي
29-05-2013, 11:18 PM
نصر الله سقط.. ماذا عن الآخرين؟!



لم أجد أسوأ من كلام حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني - الإيراني، في الدعوة لنقل الحرب بين الميليشيا التابعة له، وبين المعارضين لبشار الأسد، إلى أرض سوريا، وتحييد لبنان، إلا كلام المتحدث باسم الخارجية الإيرانية (عباس عراقجي) لدعوة الآخرين لعدم التدخل في سوريا.

نصر الله في خطابه الأخير بدا عاريا من كل أكاذيب المقاومة العربية والإسلامية و«النصر الإلهي». وخطاب: أشرف الناس وأنبل الناس... والمحاضرة على البقية في الاستقلال والنزاهة. كان مجرد مقاتل طائفي مريض، يصرخ بشعارات شيعية مجلوبة من أعماق التاريخ.

تبخرت أكاذيب السيد، التي خدر بها السذج، الذين ينسبون زورا إلى «النخبة» العربية الواعية غير الانفعالية، وها هم اليوم يندبون حظهم، ويلومون عقولهم كيف «انخدعت» بكذبة حزب الله والمقاومة، رغم أنهم - هم أنفسهم - من كانوا يشتمون ويخوّنون كل من كان يقف معارضا لخدعة حزب الله ومن معه من تجار القضية الفلسطينية، ويتحدثون ويحاضرون، وينظّرون عن «فكر المقاومة»، وهراء الممانعة، وتحت هذا الضجيج اللفظي ولج جنرال الظلام، قاسم سليماني، خفاش المرشد خامنئي، ومسؤول التجنيد الإيراني عنده، إلى غزة، ومصر، ولبنان، والبحرين، كما نجح خطاب الممانعين العرب في إقامة حفلة تشويه وهجاء منهجي، في الفضائيات، والمقالات، والمحاضرات، والندوات، طيلة العقد الماضي، لشتم كل مخالف لهذا المحور الوهمي، محور خامنئي، والأسد، ومعهما تابعهما حسن نصر الله، وحبيبهما خالد مشعل، ورفيقه رمضان شلح، وطبعا صديق إيران «المقاومة»، سابقا، مهدي عاكف في مصر، والجناح الإيراني الإخواني الكبير في العالم العربي.

لقد كان كل هؤلاء «النخبة» مضخة تضليل، ومنصة تشويه، لكل من يعارض هذا المحور الضال، وإذا تحدث أحد عن نيات إيرانية مخفية خلف ضجيج الشعارات الإسلامية، والممانعة، وأن حنجرة حسن نصر الله الصاخبة ليست إلا بوقا إيرانيا، إذا تحدث أحد بمثل هذا الكلام في السنوات العشر الماضية، وُصم بالعمالة والصهيونية، والقبض بالبترودولار، على أساس أن القبض بالمال الإيراني «النظيف» حلال زلال كشرب ماء المطر!

الآن، لا عزاء للمخدوعين، والسذج، من المنسوبين زورا إلى الوعي والنخبة، حصحص الحق، وأشرقت الشمس، ولكن للأسف على مشهد خراب ودمار وذبح يومي طائفي في سوريا، واختطاف كامل للدولة في لبنان تحت قبضة سلاح الميليشيا الإيرانية بقيادة حسن نصر الله، وتجنيد للدولة العراقية في هذا المخطط، تحت توجيه ابن حزب الدعوة، نوري المالكي.

المشكلة، كل المشكلة، أن هؤلاء السذج، المنسوبين زورا إلى النخبة العربية، والذين كانوا مطبلين ومزمرين للمحور الإيراني الإخواني طيلة الفترة الماضية، لن يتعظوا، ولن يعتبروا، وسينتجون نفس الأخطاء، وسيمدحون أصناما أخرى، عند اكتمال زوال الأكذوبة الحالية، ليدخلوا في أكذوبة أخرى، كما قال المتنبي ذات يوم:

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر

فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

إنها نفس النخبة التي هتفت لجمال عبد الناصر، وصفقت لصدام حسين، ونوهت بإرهاب وديع حداد، ومجدت ميليشيا حسن نصر الله، بل وأشاد بعضها بأسامة بن لادن بوصفه بطلا قوميا ضد الإمبريالية!

شاعر عربي آخر، قديم، قال يشخص علة النخبة في وقته، والنخبة في وقته كانوا يسمون «القراء»، وهم من اتسموا بالنزاهة والعلم والتدين، ولذلك صاروا يلقبون بـ«ملح البلد»، ولكن كيف السبيل إلى الصلاح إذا كان الملح نفسه فاسدا؟ لذلك قال هذا الشاعر:

يا أيها القراء يا ملح البلد

من يصلح الملح إذا الملح فسد؟!

الحديث حول فساد النخبة العربية حديث موجع، ومحبط، ولكن لا بد منه.

الأمر الحاضر الآن، وكان فاتحة المقال، هو عند أكذوبة أخرى، من فقاقيع الدعاية الإيرانية التي ما فترت عن الظهور على سطح ماء الإعلام العربي.

فقبل أيام ظهر حسن نصر الله، محاولا تجميل القبيح، وتفصيح الكلام الفارسي، عبر الحديث عن أنه بزجه لقوات الحزب الإيراني في لبنان، حزب الله، إنما يحمي ظهر المقاومة (والمقاومة كلمة رديفة لشبكة إيران في المنطقة)، وأنه يقاوم الأميركان والصهاينة، ومن معهم (الإشارة طبعا إلى تركيا والسعودية ودول الخليج، خصوصا قطر)، وأضاف المعمم اللبناني نصر الله: «وأيضا التكفيريين».

هذا كذب. وكلام حافل بالمغالطة.

ليت أميركا تقف مع الثوار في سوريا، علتنا هي في تخاذل أوباما، وتفضيله للهروب الدبلوماسي، وهذا الدعم الأميركي لو حصل ليس عيبا يعيب به نصر الله الثوار، فحليفه نوري المالكي في العراق جاء على ظهر دبابة أميركية صريحة، وهو اليوم جزء من حلف نصر الله، الإلهي، ضد الآخرين!

أما الصهاينة فليسوا مع بشار، ولا مع الثوار، على الأقل هذا كلامهم، ومنطق حالهم يقول: فخّار يكسر بعضه بعضا. بل وربما، وهذا قالوه، فضلوا لو أن بشار استمر في الحكم كما هو سابقا، على اعتباره أهون الشرور.

أما دول الخليج وتحديدا قطر، فقد كانت لا تقطع حبل الود مع حسن نصر الله ومرشده خامنئي، قبل أن تعلن صراحة سعيها لانتصار الثوار في سوريا ضد بشار، وكانت صور أمير قطر تزين الضاحية والجنوب اللبناني، بوصفه من أمراء المقاومة، ولكن حين اعلنت قطر اختلافها مع هذا المحور الإيراني «الطائفي» الداعم لبشار، صارت قطر شريرة فقط عند هذه اللحظة، وغضب حسن نصر الله من وزير خارجيتها ورئيس وزرائها، في وقت سابق، تعليقا على كلام له حول الخذلان العربي للثورة السورية.

الأمر مكشوف، وحسن نصر الله مهما أوتي من البلاغة اللفظية، والصراخ، والهتافات، واستدعاء صورة الحسين، وتذكرة كربلاء، لن يخرج عن كونه جنديا طائفيا، يهلك الحرث والنسل، ويقامر بمستقبل كل شيعي في هذه المنطقة، في لعبة خطيرة. أعجب من عدم انتفاضة الشيعة العرب عليه! حسن نصر الله، ليس إلا مقاتلا يتلقى «التكليف الشرعي» من ولي أمره، المرشد خامنئي، وهو قال صراحة في خطابه الأخير إن لديه تكليفا شرعيا، ولدى خصومه كذلك، فلنطبق تكاليفنا الشرعية في سوريا، ترجمة هذا الكلام هي: لنقتل ونهدم ونقصف ونذبح، الناس في سوريا، ناسكم، وناسنا، وندع لبنان، لأن التكليف الشرعي لم يأتِ بعد!

حسن نصر الله يناور بالكلام، مثل زميله في دولة الولي الفقيه، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس عراقجي الذي وعظ فرنسا مؤخرا حول سوريا بالقول: «فرنسا تسعى إلى التستر على تدخلها في الشؤون السورية الذي أدى إلى خسائر بشرية ومالية».

وجاءت تصريحات المسؤول الإيراني بعدما جدد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس اتهام إيران بعرقلة الحل السياسي للأزمة السورية، ومشاركة قواتها في النزاع الدائر.

سقطت الأقنعة، وانكشفت الأجندة المخفية، وليس المهم أن تتعرى إيران وكل أعضاء شبكتها في المنطقة، على أهمية هذا الأمر، لكن المهم وضع اليد على موضع الداء العربي، وموضع الداء هو فيمن يفترض به أن يصنع الدواء: النخبة العربية!

______________



الشام وإيران.. ونهاية الزمان


في لحظات التحولات السياسية الحادة، وأوقات الكوارث الطبيعية، وتفشي الوباء المهلك، أو استفحال الحرب المبيدة، تغلب لهجة اليأس، وينزاح سلطان العقل والمنطق، ليحل محله سلطان العاطفة والتفكير فيما وراء الممكن، وفيما وراء المشاهَد عيانا.

بكلمة أخرى، تغلب لغة الماوراء على لغة المحسوس المعاين. وهذا النوع من التفكير هو ما يسمى في بعض الثقافات باللحظة (أبوكاليبس)، وهي لفظة ذات أصول يونانية، صارت تعني لحظة نهاية الزمان.

موجودة تقريبا لدى جلّ الحضارات البشرية، حتى من غير أتباع الديانات السماوية، ولكنها تتقدم المشهد وتتأخر بحسب ضغط اللحظة، واختلال الحال.

مثل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة العربية، خصوصا منطقة بلاد العراق والشام ومصر، محفزة للتفكير بهذه الطريقة الخلاصية الملحمية النهائية.

من هنا كان التفكير، لدى البعض، بتتابع الزلازل الإيرانية، ورأى فيها من رأى، أن الأمر يتجاوز حدثا طبيعيا إلى حدث دلالي في مؤشراته، وربطه بما يجري في سوريا (بلاد الشام)، وأن ذلك كله يجب تضفير بعضه ببعض في ضفيرة واحدة، لنصل إلى المعركة الكبرى، معركة الشام، و(الطائفة المنصورة)، وفي المقابل، نجد الطرف الشيعي لا يقصر هو الآخر في الغَرف من هذا المعين الملحمي الغيبي - هم أسخى وأكرم في هذا - وتوجيه الحدث باتجاه الخيال الشيعي الخلاصي النهائي. وفي العراق، مثلا، نجد عدة مجموعات وشخصيات تكون ميليشيا وتقيم حيثية دينية وإعلامية وسياسية جديدة، بالتأسيس على منطلق غيبي ديني، أو إشارة لما في مجاميع الأخبار والنصوص الحافلة، مثل فكرة «اليماني»، وغير ذلك من الأفكار.

أتذكر في حرب غزو صدام للكويت في أغسطس (آب) 1990. وتكوّن تحالف دولي بقيادة أميركا، واحتضان السعودية لهذا التحالف، ومشاركتها الفاعلة فيه، لطرد جيش صدام من الكويت، أتذكر كيف اندلعت موجات من الاحتجاجات، بعضها من منطلق «قومي» عروبي، وبعضها يساري، وأكثرها، وهذا هو المهم، من منطلقات الإسلام السياسي، وكان رموز ما يسمى بـ«الصحوة» في السعودية، هم قادة المشهد، وتحدث أمثال الدكتور سفر الحوالي، وغيره، بالكثير تحذيرا وتخويفا من هذا التحالف الدولي، وحقيقة نواياه، وكان الظرف دقيقا وحساسا. ما يرسخ في الذاكرة، الكثير منه مدون الآن في الإنترنت والكتب، هو مداخلات ومقاربات الدكتور سفر الحوالي حول طبيعة الأزمة، حيث اختار أن يلج إلى حدث سياسي ضخم من ***** الدين والمقدس، واختار بعض النصوص، من مدونة تراثية هائلة، ليسقطها على الواقعة المحددة، واقعة غزو صدام للكويت، وتحدث فيما تحدث عن «غزو الروم» لجزيرة العرب، وأن هذا مذكور في النصوص الدينية، وأن هذا المذكور من النصوص ينطبق تحديدا على ما يجري في الكويت، ليخلص من ذلك كله إلى إدخال المتلقي في جو ملحمي عابر للمنطق والمحسوس، وعليه فكل شيء ممكن، وكل قانون، سابق لهذه اللحظة، فهو لا قيمة له، نحن أمام لحظة خلاصية ملحمية نهائية!

كان مما استند إليه الحوالي آنذاك في محاضراته، الحديث عن الروم، والروم في نظره هم كل أوروبا ومعها أميركا، وربما أستراليا ونيوزيلندا، بصرف النظر عن المعنى التاريخي المحدد للروم «البيزنطيين»، مما قاله الحوالي لحظتها: «الملاحم مع الروم مستمرة إلى قيام الساعة، بل قد أخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من حديث عوف بن مالك الأشجعي في صحيح البخاري فقال (اعدد ستا قبل قيام الساعة: أولهن موتي، وهدنة ثم هدنة ثم هدنة، ثم يكون بينكم وبين بني الأصفر فينزلون فيأتونكم تحت ثمانين غاية - أي: راية - تحت كل غاية اثنا عشر ألفا) أي: (تسعمائة وستون ألفا). وفي حديث ضعيف لكن يعتضد بكثرة رواية هذا الحديث وبكونه صحيحا، يقول صلى الله عليه وسلم: «ثم تأتيكم الروم بألف ألف، خمسمائة ألف بالبر، وخمسمائة ألف في البحر».

رغم هذا الحشد من النصوص، حتى الضعيفة منها، باعتراف الشيخ، لم يحدث شيء مما هوّل به، وكل تيار الصحوة معه، ولكن هذا الإخفاق في التوقع، لم يحدث لحظة مراجعة للذات والتفكير، بل تم تجاوز اللحظة، والانشغال بما يليها، بنفس الآليات التحليلية، وبنفس المقاربات، وكأن شيئا لم يكن، وها نحن نرى هذا المنهج الاستنزافي للتراث، لفكرة المقدس، وللتعويل على هيبة الغيب وغموضه، ما زال قائما ومشتغلا في كل الأزمات التي نراها أمامنا، منهج خلاصته دخول على الواقع من ***** اللاواقع، استغلالا لهيبة المقدس، ودهشة الغيب، واستسهالا للتحليل وهربا من ملامسة المسببات الواقعية «الدنيوية» للحادثة.

هذا المنهج، كما قلنا، ليس خاصا بتيار معين، ولا بحادثة معينة، فمثلا حركة (جهيمان) التي احتلت الحرم المكي 1979 استغلت فكرة «المهدي المنتظر»، وحتى علامات آخر الزمان لتفسير موقفها من الدولة السعودية. ففي بعض رسائل جهيمان، قائد الحركة، نجد حضورا واضحا لفكرة نهاية الزمان، وظهور علامات التأييد الزماني، حيث قال في رسالته (الإمارة والبيعة) بعدما أورد حديث الصحابي عبد الله بن عمر في سنن أبي داود الذي يتحدث عن المعارك التي تقع آخر الزمان وفتنة (الدهيماء) التي لا تدع أحدا إلا لطمته، وأن الناس، بعد ذلك، يصطلحون على رجل كضلع على ورك، قال جهيمان «وفتنة الدهيماء هي التي يصبح فيها الرجل مؤمنا ويمسي كافرا. وهي التي لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، وهي التي تكون بعد اصطلاح الناس، مؤمنهم وكافرهم، على هذا الرجل، الذي هو الملك عبد العزيز كما يتبين لك من الحديث، وراجع رسالة الفتن يتضح لك الأمر أكثر».

وغير جهيمان كثير، وصولا إلى رئيس إيران أحمدي نجاد الذي يعتقد أن صاحب الزمان، أي المهدي المنتظر، يسانده، ويرسل له هالات النور المشرق، خصوصا حينما كان يلقي خطابه في منصة الأمم المتحدة.

خارج السياق الإسلامي، لدينا خلفيات نفسية وثقافية من هذا النوع الخلاصي، تقف كمحفزات، خلف بعض الحركات التاريخية، والشخصيات التي غيرت مجرى التاريخ.

مثلا، الحركة التطهرية «البيوريتانية» في أوروبا الغربية، وهي أشد أشكال البروتستانتية تطرفا فيما عرف بالثورة البيوريتانية في إنجلترا في القرن 17. وجدت في العهد القديم مثالا سماويا للحكومة الوطنية، وكانت الدعوة «البيوريتانية الصهيونية» عاصفة خلال القرن الذي أعقب عصر النهضة (1771)، وذلك يعود إلى الحروب الدينية التي جلبت مع عدم الاستقرار الاجتماعي جوا مشبعا بالأفكار الصوفية والتوقعات المتعلقة بـ«نهاية الزمان» بين كافة الطبقات، وفي جميع دول أوروبا. وتشير المصادر التاريخية إلى أن (أوليفر كرومويل) الثائر الإنجليزي الشهير، كان عضوا في هذه الجماعة. (بحث عماد أبو رحمة، نقلا عن أديب ديمتري في كتابه: نفي العقل. مؤسسة عيبال للدراسات والنشر).

بعد قرب نهاية الألف الهجرية الأولى، سرت في بعض الأوساط المسلمة أن نهاية هذا الألف هو نهاية لعمر الأمة كلها، فكان ذلك داعيا لأن يؤلف عالم وفقيه مصري شهير في وقتها، هو جلال الدين السيوطي، كتابا ينقض هذه الفكرة بعنوان: «الكشف عن تجاوز الأمة الألف».

وتكررت نفس فكرة النهاية الألفية، في العالم المسيحي، مع قرب نهاية الألف الميلادية الثانية، كما يذكر من يذكر قبل عدة سنوات.

لجوء الإنسان إلى العالم غير المرئي وغير المحسوس أمامه هو نوع من التعويض النفسي والحماية للذات، لا يجوز التعامل معه كخطاب تحليلي جاد، لكن في نفس الوقت لا يجوز إهمال التعامل مع مثل هذه الخطابات بوصفها حافزا نفسيا وثقافيا لأفعال خطيرة، فكم ارتكبت من كوارث وجرائم باسم المقدسات، سواء من أفراد، أو جماعات، أو دول.

الصراع في مبتدئه ومنتهاه، هو بين البشر، على هذه الأرض، وربما هذا ما لا يجعلهم يقنعون بإبقاء صراعهم على الأرض.

عبدالله هادي
29-05-2013, 11:48 PM
الحرب السورية على تركيا لم تبدأ من الريحانية


أدوات النظام السوري اختارت الريحانية أكثر المناطق حساسية في تركيبتها العرقية والدينية في إقليم هتاي واسخنها سياسيا بين السكان و«ضيوفهم» السوريين لتصيب أكثر من عصفور بهذين الانفجارين. عطلة نهاية الأسبوع، منتصف النهار، الساعات الأكثر ازدحاما في الشوارع وتفجيرات مدوية تقود إلى سقوط العشرات بين القتلى والجرحى. هجمة تختلف في توصيفها عن هجمات التحذير والتحدي والاستفزاز لكنها تعكس هذه المرة أيضا حقيقة تمسك دمشق بقرار إعلان الحرب المباشرة على تركيا والذي تجاهلتها حكومة أردوغان أكثر من مرة.

أنقرة تقول إنها تملك الكثير من الاعترافات والأدلة حول دور المخابرات السورية في تنفيذ الهجوم ودمشق رفضت الاتهامات التركية حول تحريك مجموعة يسارية تركية جندها ودعمها ومولها النظام السوري لتقوم بعمليات من هذا النوع عند الضرورة.

كنا نردد بعد كل استهداف سوري للداخل التركي وتحديدا بعد إسقاط الطائرة الحربية التركية فوق المتوسط وتفجير «باب الهوى» في فبراير (شباط) المنصرم أنه إذا ما ثبت أن دمشق هي التي تقف وراء هذه الهجمات فهذا سيعني بالنسبة لأنقرة الوصول إلى الفرصة التي تريدها للدخول في مواجهة علنية مباشرة والتنسيق ضمن كل الوسائل المتاحة وبالتعاون مع أي جهة محلية أو إقليمية يهمها الإطاحة بالنظام في سوريا. وراهنا على أن تركيا ستقود بعدما يثبت تورط النظام السوري في استهدافها على هذا النحو عملية تسريع التدخل العسكري باتجاه دمشق قبل أن تطاردها صدمة جديدة قد تكون أشد وأقوى لمنعها من النهوض من بين أنقاض الهجمات والانفجارات المتلاحقة، لكنه يبدو أن الذين يقفون وراء هذا العمل نجحوا قبل كل شيء في توتير العلاقة بين حكومة أردوغان وقواعدها الشعبية حتى حول مسار السياسة التركية في سوريا أين وعود الانفراج الموعود بها خلال أشهر؟

الانفجار الجديد هذا نجح على ما يبدو في زيادة غضب الإعلام والمعارضة وسكان المناطق الحدودية التركية وتحريك الشارع باتجاه طرح السؤال الذي تجنب المجاهرة به في وجه حكومة أردوغان حتى الساعة. كيف سننجح في الخروج من المستنقع السوري؟ لكن الرد والخيار الوحيد المتقدم على بقية الخيارات هو أن تركيا لن تسمح بمثل هذه السهولة لدمشق وحلفائها باستهدافها بهذا الشكل لأن الأضرار لا تطال تركيا وحدها بل هي ستدفع شركاء وحلفاء أنقرة في المعارضة السورية وفي سياسات الاصطفاف الإقليمي الجديد للقلق على مصالحهم ومواقعهم.

يبدو أن الذي أغضب النظام السوري على هذا النحو هذه المرة هو إعلان أنقرة تحركها للكشف عن تفاصيل استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين العزل في المدن الثائرة وإرسال خبراء وإخصائيين أتراك وأجانب للتأكد من ذلك عبر معاينة وفحص حالات هي تحت الشبهات، كذلك استعداد حكومة أردوغان للقيام بجولات على الكثير من العواصم الغربية لشرح حقيقة لجوء دمشق لاستخدام هذه الأسلحة المحظورة. لا بل إن دمشق تريد توجيه إحدى أقوى رسائلها لقطع الطريق على أردوغان الذاهب لمقابلة الرئيس الأميركي أوباما حاملا الكثير من الملفات والخيارات التي ستتم مناقشتها تحت عنوانين لا ثالث لهما رحيل نظام الأسد بأسرع ما يمكن عبر اتفاق سياسي دولي أو إسقاطه عسكريا من خلال عمليات لا اعتراض بعد الآن أن تنطلق من الأراضي التركية.

أنقرة تذكر الجميع بأن الخيارات تتقلص فهي إما أنها ستنجح في إقناع اللاعبين الإقليميين والدوليين بإيجاد الحل السياسي الذي يزيح النظام وإما أنها ستعطيه ما يريد منذ بداية الأزمة توسيع رقعة المواجهات العسكرية بعدما اختبر صبر تركيا طيلة الأشهر الماضية من خلال تحرشات واستفزازات كثيرة لم ترد عليها حكومة أردوغان.

دمشق بدأت الحرب على تركيا قبل عام وعلى أكثر من جبهة فالتحريض في لبنان في أوجه والخدمات التي تقدمها حكومة المالكي يتزايد عددها وإيران التي توفر التمويل المالي المفتوح وروسيا التي تتجاهل سقوط عشرات آلاف القتلى بأسلحتها المقدمة للنظام متمسكة «بأخلاقيتها التجارية» في إرسال بقية الشحنات التي لا يعرف أحد متى تنتهي؟

أنقرة تعرف أنه بعد هذه الساعة لا فرص وأوراق كثيرة تلعبها وتناور بها فالتحريض السوري في ذروته وأردوغان الجار والصديق والحليف تحول إلى إرهابي بنظر وزير الإعلام السوري وإطالة عمر النظام في دمشق على هذا النحو سيوفر له الفرص والوقت لتكثيف الهجمات واستدعاء المزيد من الخلايا من إجازاتها.

النظام السوري يعرف استحالة أن يكون «جنيف الثاني» دولاب النجاة وأنه راحل لا محالة لكنه يريد أن يثبت ما قاله منذ اندلاع الثورة في سوريا أنه يختلف عن القذافي ومبارك وبن علي.


_________________________




«العصر الشيعي».. ليس بهذه الطريقة



حملة مدروسة تنفذها حكومة نوري المالكي وقيادات حزب الله في لبنان، بالتنسيق مع النظام السوري وبدعم وتخطيط مباشر من إيران، ضد الكثير من دول المنطقة وبينها تركيا طبعا. وهذه الحملة ستتفاعل وتتضاعف في الأيام المقبلة لتتحول إلى ضغوط سياسية ودبلوماسية وخروقات أمنية جديدة في أكثر من مكان، بهدف «إقناع» البعض بتغيير سياساتهم السورية. لكن المشهد الحقيقي مهما حاول البعض إخفاء ذلك، هو تحرك إيراني واسع وبغطاء ديني مذهبي توضحت معالمه من خلال المواقف والرسائل الموجهة على أكثر من جبهة.

تحريك البعض ضد المصالح التركية في لبنان وتهديد أنقرة يوميا بأنها ستدفع ثمن احتجاز مواطنين لبنانيين شيعيين - لا يمكن بعد هذه الساعة سوى ربطهما بقرار التحاق مباشر لـ«ثلة من مقاتلي حزب الله» في المعارك الدائرة داخل المدن السورية دعما لقوات النظام، وتبرير أمينه العام حسن نصر الله أسباب ذلك بالخشية من سيطرة «التيار التكفيري» على المعارضة السورية، ومحاولتهم السيطرة على محافظات سورية بمحاذاة لبنان، حيث سيشكل ذلك خطرا كبيرا على كل اللبنانيين.

ألن يقرأ الإخوة الشيعة في لبنان وخارجه، بيان الائتلاف الوطني السوري حول الخطاب الموصوف بـ«أنه ينثر بذور صراع في المنطقة، ويقدم مصالح المشروع الإيراني على مصالح الشعوب وحقوقها؟».

من حق حزب الله ألا يكون «في جبهة فيها أميركا وإسرائيل»، لكنه سيطالب دائما بتوضيح أسباب تورطه في حرب داخل الأراضي السورية وقتل أنصار المعارضة السورية؟ إيران انتقدت لسنوات سياسة إسرائيل في «الهجوم الوقائي» على لبنان وغزة، لكن يبدو أنها تتبناها في سوريا من خلال دعم مقاتلي حزب الله، ليس دفاعا عن النظام وحسب، بل عن نفوذها ومصالحها في لبنان أيضا.

تهديدات نوري المالكي الأخيرة لأنقرة بإحالتها إلى مجلس الأمن الدولي بحجة اختراق سيادة العراق وتهديد أمنه واستقراره، من خلال تورطها في دخول عناصر حزب العمال الكردستاني إلى جبال قنديل، حيث يوجدون أصلا ومنذ عقود - لا بد من التوقف عندها أيضا.

رسائل طهران هذه المرة وقعت في مأزق تناقض مواقف بغداد، حيث تم تجاهل السيادة التركية واختراق تراب الجار لسنوات طويلة من دون أن تقول أنقرة يوما إنها ستذهب إلى الأمم المتحدة، أو أن تتحدث عن وجود صفقة إقليمية ضدها، لكنها نسيت السيادة السورية المخترقة من قبل مقاتلي حزب الله هناك.

قبل أيام في مؤتمر العراق الدولي المنعقد بمدينة إسطنبول، رفض الكثير من المتحدثين محاولات تكريس مزاعم أن العرب السنة أقلية في العراق. كيف ومن أين وصلوا إلى هذه النتيجة حول سنة العراق؟ ألن يتحرك المجتمع الدولي والمؤسسات العالمية للمساعدة على إجراء مسح وتعداد سكاني عادل ومنصف في البلاد ليعرف كل ذي حق حقه؟ أما التساؤلات، فكان أبرزها حول هذه الصدفة التي تهمش وتستبعد سنة العراق اليوم عن الكثير من المواقع القيادية السياسية والعسكرية، وحول الاعتداءات والتجاوزات والاعتقالات التي تأتي في غالبيتها مستهدفة السنة الذين تجاوزت فترات توقيف أو احتجاز بعضهم السنوات دون أن يمثلوا أمام المحاكم حتى اليوم؟

طارق الهاشمي أشار أكثر من مرة إلى انحرافات ممنهجة يريدها البعض لتكريس الدولة الطائفية في العراق: ما هذه المفارقة التي تشير إلى محاكمة الكثير من القيادات السنية في العراق بالمادة 4 إرهاب، بينما لا نجد ولو قياديا شيعيا واحدا؟ يحاولون تصفيتنا بكل الوسائل رغم أننا لم نعترض على من يحكم، بل على طريقة الحكم والذهنية الطائفية المذهبية في الإدارة. هو خروج عن مشروع الدولة المدنية المتفق عليه في دستور 2005. ليقولوا لنا أين هي اليوم مساجد ودور عبادة السنة في العراق وكم عددها؟

البعض يريد تحويل المواجهة إلى أبعد من أن تكون مواجهة قطع الأرزاق، هو يريدها مواجهة قطع الأعناق.

عبدالله هادي
30-05-2013, 03:43 AM
وهنية على خطى نصر الله!



طالب إسماعيل هنية، رئيس حكومة حماس الإخوانية في غزة، الدولة المصرية بضرورة إعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد للسلام الموقعة مع إسرائيل، أو إلغائها، وعلى أثر ذلك ثارت ثائرة بعض المؤسسات المصرية، ومنها القوات المسلحة، وذلك وفق ما نقلته صحيفة «الوطن» المصرية الاثنين الماضي.

الصحيفة نقلت عن مسؤول عسكري لم تسمِه قوله ردا على مطالبات هنية: «إن المؤسسة العسكرية تترفع عن هذه الصغائر ولا تدخل في حرب كلامية مع فصائل أو حركات سياسية، ولكنها ترفض في الوقت نفسه أي تصريحات تمثل تدخلا غير مقبول في الشأن الداخلي»، ومضيفا أن «السيادة المصرية والشأن الداخلي لمصر خط أحمر لا يمكن تجاوزه»، معتبرا أن اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل أو غيرها «شأن مصري داخلي لا يخص أحدا غير المصريين، وتختص به القوات المسلحة ومؤسسة الرئاسة، وكل أطياف الشعب».

والسؤال هنا هو: هل هنية أول قيادي في جماعة، أو حزب، يتدخل في الشأن المصري، ويتطاول على مؤسسات الدولة المصرية؟ الإجابة بالطبع لا، فقد فعلها قبله حسن نصر الله حين ألقى خطابا شهيرا في عام 2008 حرض فيه المصريين على نظام مبارك، وطالب الجيش المصري بالتحرك وقتها ضده، ولم يجد نصر الله حينها إنكارا واضحا، أو غضبة مؤسساتية! بل لم نسمع للآن تفسيرا واضحا عن كيفية هروب مساجين حزب الله المتهمين بالتجسس من مصر بعد الثورة، ولا المنتمين لحماس، كما لم نسمع للآن من الإخوان المسلمين موقفا واضحا صارما مما يفعله حزب الله في سوريا، وتحديدا بالقصير! ولذا فلا غرابة اليوم أن يكرر هنية ما سبق أن فعله نصر الله مع مصر ومؤسساتها؛ فهنية يعتقد أنه «يمون» الآن أكثر على مصر، ويعتبر نفسه ابن الدار، خصوصا في ظل حكم الإخوان، ومن هنا فإنه يتحدث علانية وبأريحية عما يجب أن تفعله مصر، وما لا يجب، ولا نعلم بالطبع ما يقال خلف الأبواب المغلقة، فربما يكون أعظم!

وقبل أن يتهجم علينا المتهجمون نقول إذا كان هنية يقول ما يقوله كونه الناصح الأمين فلماذا لم نسمع منه دعوات صريحة للأسد، أو لحليف حماس حزب الله، بضرورة وقف العدوان على السوريين، والوقف عن جر المنطقة كلها إلى أتون الطائفية؟ ولماذا لم نسمع حماس، أو هنية، يطالبون إيران مطالبة واضحة، ومن على منبر الجمعة، كما فعل هنية بحق مصر، ويطالبونها بوقف تدخلها في سوريا، وضرورة سحب مرتزقة حزب الله والميليشيات العراقية الشيعية من هناك؟ الواضح أن حماس لم، ولن، تفعل ذلك لأن آخر همّ هذه الجماعات، وكما قلنا بالأمس، أن تبني دولا؛ فهي السوس الذي ينخر فيها، ولذا نجد منطقتنا تعج اليوم بأشباه الدول!

ملخص القول إنه لو رُدع حسن نصر الله، ومنذ زمن، لما تجرأ إسماعيل هنية، أو غيره، اليوم على مصر، وسائر الدول العربية!

عبدالله هادي
30-05-2013, 03:57 AM
إيران تمزق العراق وسوريا
ضروري ولازم وواجب قومي وديني، كل هذا الانشغال بما يجري في سوريا من عنف ودمار ومن مخاوف حقيقية من تمزق هذا البلد الذي يشكل حلقة رئيسة في السلسلة العربية، وتشظيه وانهيار وحدته الجغرافية والسياسية والاجتماعية. لكن من الضروري أيضا النظر إلى ما يجري في العراق على أنه ربما أكثر خطورة مما تتعرض له الجمهورية العربية السورية من تهديدات فعلية في ضوء دموية نظام بشار الأسد وطائفيته، التي تجاوزت كل الحدود، وأيضا في ضوء قتال روسيا وإيران المستميت إلى جانب هذا النظام الذي اعتبر رئيسه في حديثه الأخير لصحيفة أرجنتينية أن قتل سبعين ألفا من السوريين «وليس أكثر» يعتبر مسألة عادية!

ولعل ما هو ملاحظ، أن الاستهداف في سوريا وفي العراق واحد وأن المستهدفين هم أنفسهم. وحقيقة، ورغم صعوبة البوح بهذا الأمر وطنيا وقوميا وأخلاقيا فإنه بعدما طفح الكيل وبات السكوت عن هذا الوجع غير ممكن وعلى الإطلاق، أنه لا بد من القول، وبأعلى الصوت، إن هناك مؤامرة تطهير مذهبي في هذين البلدين وإن هذه المؤامرة، التي تقف وراءها إيران وتساندها روسيا لأهداف خسيسة بالفعل، تستهدف «السُنة»، ليس لتسديد ثارات تاريخية كما يعتقد البعض، وإنما لأسباب سياسية غدت مكشوفة ومعروفة، وهي تتعلق بالتطلعات الإيرانية في مرحلة ما بعد انتصار الثورة الخمينية لاستعادة دور الدولة الصفوية وإنعاش تمدد الإمبراطورية الفارسية في هذه المنطقة.

والمشكلة بالنسبة للعراق، أن الأميركيين بعد احتلالهم هذا البلد قد بادروا إلى تدمير الدولة العراقية، وأنهم تماشوا مع مؤامرة تحميل «السُنة» مسؤولية كل ما فعله صدام حسين ونظامه، وكل هذا والمفترض أنه من المعروف أن مواقف الرئيس العراقي الأسبق لم تكن على أساس طائفي، بل على أساس الولاء له ولنظامه، ولهذا فإن ضحاياه من قيادات حزب البعث في تلك الوجبات المتلاحقة منذ عام 1968 فصاعدا كانت أكثر كثيرا من ضحاياه من أي حزب آخر، حتى بما في ذلك حزب «الدعوة» و«الحزب الشيوعي» والحزبان الكرديان الرئيسان؛ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (البارتي) بقيادة مسعود بارزاني، وحزب الاتحاد الوطني بقيادة جلال طالباني.

ثم، وربما أنه غير معروف أن «الشيعة» العرب في العراق كانت نسبتهم في بنية حزب البعث القاعدية تزيد على 76%، ولهذا فإنه كان استهدافا مقصودا ومؤامرة أدارتها إيران، بسذاجة من الأميركيين أو تواطؤا منهم، اعتبار أن نظام صدام حسين كان نظاما «سنيا»، وبالتالي، وعلى غرار ما حدث فعلا، فإن عليهم أن يدفعوا الثمن وأنه لا بد من اتباع سياسة «تهميشية» تجاههم، ولقد أشرف على هذه السياسة جهاز المخابرات الإيراني وحراس الثورة ونفذها حزب «الدعوة»، وخاصة في ظل قيادة نوري المالكي، وشاركت في عملية التنفيذ هذه تنظيمات مذهبية من نمط حزب الله اللبناني.

وهنا، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن بعض أطراف الحركة الوطنية الكردية العراقية قد انساقت، وللأسف، مع هذا التوجه، وهي ربما لا تعرف أنه ينطبق عليها في هذا المجال ذلك المثل القائل: «لقد أُكلت يوم أكل الثور الأبيض». فإيران، التي تعتبر أن هناك في خاصرتها شوكة كردية مؤلمة والتي لا بد أن قادتها يعرفون أن أول دولة للأكراد هي جمهورية «مهاباد» كانت قد قامت في إيران مع أنها لم تستمر إلا لفترة قصيرة جدا لا بد أن تتجه، وذات يوم قريب، نحو السليمانية وأربيل ودهوك بعد تصفية حساباتها مع الموصل والرمادي وبعقوبة وبغداد وسامراء، فهي - أي إيران - لا يمكن أن تقبل بأن تبقى متفرجة وهي ترى أن أساسات الدولة القومية الكردية، التي يستحقها هذا الشعب العظيم المكافح، ترتفع الآن في شمال العراق.

وهكذا، فإنه ليس عسيرا على أي معني متابع أن يدرك أن عمليات التطهير المذهبي التي تقوم بها إيران بواجهة عراقية حاضرة في قلب السلطة، وبعض الميليشيات والتنظيمات الطائفية التي يسيّرها ويشرف عليها رئيس «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني - هدفها دفع المناطق ذات الأغلبية «السُنية»، على غرار ما يجري حاليا في الرمادي، إلى الانشقاق عن الدولة العراقية وإقامة كيانها المتجانس مذهبيا في مناطق ومحافظات أكثرية المذهب السني، ليكون هذا مبررا لإقامة الدولة «الشيعية» التي كثر الحديث عن إمكانية إقامتها في الجنوب العراقي الذي يختزن معظم مصادر الثروة العراقية.

إن هذا الكلام، الجارح لكل مفاهيمنا وقناعاتنا القومية، ليس مجرد أوهام وتصورات تحت ضغط كل هذه المآسي والمذابح والويلات التي تجري في سوريا، بل هو واقع تؤكده الأحداث المتلاحقة، فإيران، التي تقاتل إلى جانب بشار الأسد طائفيا والتي دفعت حزب الله ليشارك في قمع الشعب السوري بدوافع طائفية مذهبية معلنة، متورطة في دفع العراق نحو التمزق والانقسام على أساس مذهبي، وهدفها هو إنشاء دولة مذهبية شيعية في الجنوب العراقي لتكون بمثابة منصة متقدمة في اتجاه السعودية وباقي دول الخليج العربي.

وهنا، فإن ما لم يعد خافيا أن إيران، التي تبرر تدخلها العسكري والمالي والسياسي إلى جانب نظام بشار الأسد بحجة الدفاع عن مقام السيدة زينب ابنة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، تعتبر أن سوريا بصمود نظامها الطائفي والمذهبي تشكل فك الكماشة الآخر لخطط وتطلعات التمدد الإيراني في هذه المنطقة، ولهذا فإنها دأبت على التعامل مع الأزمة السورية، ومنذ اليوم الأول، على اعتبار أن هذه المعركة هي معركتها، وهذا ما كان قاله السيد علي خامنئي مرارا وأيضا ما كان قاله محمود أحمدي نجاد وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين، المدنيين والعسكريين، أكثر من مرة.

ولهذا، فإنه على العرب أن يدركوا خطورة كل هذا الذي يجري في العراق وكل هذا الذي يجري في سوريا على كياناتهم وعلى أنظمتهم وأيضا على مستقبل أجيالهم، فالمسألة ليست مجرد صراع عابر بين معارضة تتطلع إلى السيطرة على الحكم ونظام مستبد وقاتل يتمسك بهذه السلطة بنواجذه، إنها مواجهة إقليمية ودولية أيضا، ولذلك فإننا نرى كم أن هذا التحالف الجهنمي الإيراني - الروسي مصرّ ومصمم على سحق انتفاضة الشعب السوري وكم أنه متمسك ببقاء بشار الأسد في الحكم، فالهدف هو رسم خريطة سياسية جديدة لهذه المنطقة، وهو إزالة أنظمة وإنشاء أنظمة بديلة. إن هناك «سايكس بيكو» جديدة على الطريق، وهذا يجب أن يلزم العرب المعنيين بكل هذه العواصف التي تضرب هذه المنطقة ألا يتركوا الثورة السورية تواجه تحالفا دوليا بكل هذا الحجم وبكل هذه التطلعات وبكل هذه القوة وحدها وبإمكانياتها المحدودة، وألا يتخلوا عن الذين يتصدون للمخططات الإيرانية في العراق وبالتالي في الدول العربية القريبة المجاورة والبعيدة، فهذا الذي يجري في غاية الخطورة، وهو في كل الأحوال ليس مجرد مسألة داخلية محصورة، لا في سوريا، ولا في بلاد الرافدين التي أقحمها الإيرانيون في هذه الحرب المذهبية المدمرة.

إنه على العرب عندما يتلقى نظام بشار الأسد كل هذا الدعم من روسيا ومن إيران ومن أتباعهما وامتداداتهما في المنطقة، ألا يبخلوا بالسلاح والأموال وبكل شيء، لا على المعارضة السورية ولا على الذين يتصدون للمشروع الإيراني الطائفي في العراق، فهؤلاء يقاتلون ليس دفاعا عن أنفسهم فقط، وإنما عن هذه الأمة التي لم تستهدف على مدى تاريخها الطويل كما تستهدف الآن والتي وصلت معظم كياناتها خلال العقود الأخيرة إلى ما وصلت إليه من انهيار وأوضاع مأساوية غير مسبوقة.

إن المعارضة السورية، التي تصمد الآن في «ماراثون» الدفاع عن الأمة العربية كما صمد جنود أسبرطة الأشاوس دفاعا عن بلدهم وعن قيمهم، بحاجة أولا إلى وحدة الموقف العربي تجاهها، وبحاجة ثانيا إلى دعم حقيقي يرتقي إلى مستوى التضحيات التي تقدمها وإلى مستوى الصراع الذي تخوضه. وهنا، فليعرف الجميع أنه إذا أصبحت ثورة الشعب السوري ثورة مغدورة، فإن علينا جميعا في هذه المنطقة أن نتلمس رقابنا ورؤوسنا، فالإيرانيون ينتظرون لحظة بقوا ينتظرونها سنوات طويلة لتسديد تلك الحسابات القديمة مع هذه الأمة.. التي غدت مستضعفة وللأسف!!


_______________________


«يالطا» جديدة بوابتها «جنيف2».. وترقب «سايكس بيكو» ثانية


لم يعد هناك أي شك في أن هناك أمرا مريبا يجري بين الأميركيين والروس، بعيدا عن كل المعنيين بالأزمة السورية، حتى بما في ذلك نظام بشار الأسد نفسه؛ فهذه المفاوضات بين جون كيري وسيرغي لافروف المستمرة منذ ما قبل «جنيف الأولى» وبعدها، والتي انتقلت أخيرا من موسكو إلى باريس، لا بد أنها تدور حول قضايا أبعد وأهم من مجرد الاتفاق على المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها لحل الأزمة السورية وصلاحيات الحكومة التي من المفترض أن تشرف على هذه المرحلة وما إذا كانت هذه الصلاحيات ستشمل الجيش والأجهزة الأمنية والبنك المركزي أم لا، وأيضا ما إذا كان الرئيس السوري سيحتفظ بموقعه وبعض صلاحياته لفترة محددة أم أن عليه التنحي المسبق والخروج نهائيا من هذه المعادلة السياسية الجديدة؟!

إنه من غير المعقول أن تضع روسيا نفسها بديلا للنظام السوري على هذا النحو وتتصرف على أنها هي المعنية بهذه الأزمة وليس غيرها، وأن يواصل وزير خارجيتها سيرغي لافروف إطلاق التأكيد تلو التأكيد على أن بشار الأسد باق في موقعه حتى العام المقبل 2014، وأن من حقه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ما لم تكن هناك قضية بين بلاده والولايات المتحدة أكبر كثيرا من مجرد إيجاد مخرج من المأزق الذي أصبحت فيه سوريا وتأثيراته على المنطقة الشرق أوسطية وكل ما فيها من أوضاع مضطربة مقلقة لكل من لهم مصالح في هذه المنطقة.

حتى بالنسبة لحضور حكومة بشار الأسد المؤتمر الدولي (جنيف2) الذي من المفترض أن ينعقد الشهر المقبل، فإن الخارجية الروسية هي التي تحدثت باسم هذه الحكومة وليس وليد المعلم ولا فيصل المقداد، والمعروف أن لافروف بقي يكرر على مدى العامين الماضيين أنه لم يطرح على الرئيس بشار الأسد التنحي، وأنه حتى لو طرح عليه أن يتنحى فإنه لن يقبل وأنه لن يقدم على مثل هذه الخطوة على الإطلاق.

وهكذا فإن آخر ما تحدث به لافروف نيابة عن الحكومة السورية، وربما من دون استشارتها ومن دون علمها، هو الاعتراض على القرار الأوروبي برفع الحظر عن تزويد المعارضة السورية بالأسلحة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها وعن شعبها، والقول إن هذا سيؤثر على مؤتمر جنيف المقترح، وإنه قد يحول دون انعقاده، وبالتالي إفشال هذه المحاولة الوحيدة لحل الأزمة السورية.

إن هناك أمرا يجري في الخفاء بين الروس والأميركيين، وإلا فما معنى أن يوافق وزير الخارجية الأميركي جون كيري فجأة على وجهة نظر نظيره الروسي سيرغي لافروف القائلة بأن الجيش والأجهزة الأمنية والبنك المركزي أيضا خارج صلاحيات الحكومة الانتقالية التي تم التوافق عليها من حيث المبدأ بين روسيا والولايات المتحدة، ولكن على نحو لا يزال يلفه الغموض، وبخاصة فيما يتعلق بمصير بشار الأسد في هذه «التسوية» الغامضة التي من الواضح أنه لا تزال أمامها عقبات كثيرة.

إنها لعبة أمم جديدة ينفرد بها الروس والأميركيون من دون علم دول الاتحاد الأوروبي، التي تعتبر الحليف الرئيس لأميركا، وهذا هو بالتأكيد ما جعل هذه الدول تتخذ قرار تسليح المعارضة السورية من دون التنسيق مع الأميركيين ومن دون التشاور معهم، وأيضا من دون علم ما يسمى مجموعة الـ«بريكس» (الصين وجنوب أفريقيا والبرازيل وروسيا والهند)، المحسوبة على موسكو وتشكل معها تكتلا يرفض وحدانية القطبية العالمية، ويطالب بصيغة تعددية جديدة لهذه القطبية.

وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن مسؤولا سابقا لمخابرات أكبر دولة فيما كان يسمى مجموعة أوروبا الشرقية، التي كانت جزءا من حلف وارسو وتدور في فلك الاتحاد السوفياتي، قد أبلغ مسؤولا عربيا قبل أسابيع بأنه حصل على معلومات، بحكم موقعه السابق وعلاقاته الروسية الحالية، تؤكد أن المؤتمر الدولي (جنيف2) الذي ينفرد الأميركيون والروس بالإعداد له سيكون بمثابة «يالطا» جديدة، وأنه، إلى جانب قراراته واتفاقاته المعلنة المتعلقة بالأزمة السورية التي يجري الحديث عنها، ستكون هناك اتفاقات سرية بين روسيا والولايات المتحدة، وعلى أساس أن أميركا قد تخلت عن مكانة «القطب» العالمي الواحد والأوحد لمصلحة الثنائية القطبية، وعلى غرار ما كان عليه الوضع قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وما كان يسمى «المنظومة الاشتراكية» في بدايات تسعينات القرن الماضي.

ولقد قال هذا المسؤول الأمني الأوروبي الشرقي السابق، مما قاله للمسؤول العربي الآنف الذكر، إن ما يجري بين روسيا والولايات المتحدة، وبين جون كيري وسيرغي لافروف، وما سيجري في القمة المنتظرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما؛ هو الاتفاق على تقاسم النفوذ في المنطقة الشرق أوسطية، وربمـا أيضا في أفريقيا، وإن هذا يعني أن الأوضاع السورية ستبقـى معلقة، وإنه لا حل لهذه الأزمة قبل التفاهم والاتفاق بين الأميركيين والروس على حصـة كل منهما في خريطة النفوذ الجديدة في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة.

وحسب هذا المسؤول الأمني الأوروبي الشرقي السابق أيضا، فإنه إذا جرى الاتفاق بين الأميركيين والروس على تقاسم النفوذ في هذه المنطقة، فإنه من غير المستبعد أن تختفي دول حالية، وأن تظهر دول جديدة، وأن الدولة الفلسطينية المنشودة ستكون من بين هذه الدول الجديدة التي ستظهر. وهو، أي هذا المسؤول، قد قال إن العراق كدولة واحدة ستكون مستهدفة بهذه الخريطة الجديدة، وإن مشكلة القدرات النووية الإيرانية ستكون جزءا من هذه الصفقة الأميركية - الروسية التي تجري المفاوضات بشأنها تحت غطاء البحث عن حل «استراتيجي» للأزمة السورية.

وحقيقة فإن ما يعزز هذا الذي قاله هذا المسؤول الأوروبي الشرقي السابق هو أن فلاديمير بوتين قد استغل ضعف الرئيس الأميركي باراك أوباما وخوف إدارته من الغرق في مستنقع جديد كذلك المستنقع القديم في فيتنام، وكالمستنقعين الجديدين في أفغانستان والعراق، وبادر إلى اختراع مجموعة الـ«بريكس» الآنفة الذكر التي تطالب بإنهاء صيغة الأحادية القطبية في العالم لحساب صيغة جديدة قائمة على التعددية القطبية؛ كي يفرض على الأميركيين إعادة تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط كبداية، وكي يشمل هذا التقاسم لاحقا كل الكرة الأرضية.

لقد بات واضحا أن بوتين، الذي يتصرف على أنه أحد أباطرة روسيا القديمة، استغل الأزمة السورية التي انفجرت في مارس (آذار) 2011، وبقي يحول دون أي حل لها لا يضمن له إجبار الأميركيين على الاتفاق مع الروس على خريطة جديدة لهذه المنطقة الشرق أوسطية تعيد لهم بعض ما كانوا خسروه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي.

وهذا يعني ويؤكد أن ما يجري بين الأميركيين والروس هو أبعد كثيرا من مجرد الاتفاق على الأزمة السورية المتفاقمة والمستفحلة، وأن موسكو ترى أنها خسرت أوروبا الشرقية كلها، وخسرت الشرق الأوسط كله تقريبا، وخسرت أيضا قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي مصر وإثيوبيا (هيلا مريام) والصومال (سياد بري)، وحديثا ليبيا (معمر القذافي)، في لحظة تاريخية مريضة، وأنه عليها بعدما تعافت ووقفت على قدميها أن تستغل ضعف الرئيس الأميركي وضعف إدارته لتستعيد إن لم يكن كل ما خسرته فبعضه على الأقل.

إن هذه مسألة في منتهى الخطورة والجدية، ولذلك فيقينا أنه إذا بقيت الدول العربية تنشغل بقشور الأزمة السورية، التي لم يستفد منها حتى الآن إلا الروس والإيرانيون وبعض أتباعهم، على هذا النحو، فإنها ستجد نفسها أمام واقع إقليمي ودولي جديد كالواقع الذي وجد العرب أنفسهم أمامه بعد الحرب العالمية الأولى، وربما أخطر، وإنها ستجد أنها مضطرة إلى التعاطي مع مستجدات كالمستجدات التي ترتبت على «وعد بلفور» المشؤوم، وعلى اتفاقيات سايكس - بيكو المعروفة.

عبدالله هادي
30-05-2013, 04:08 AM
بانتظار تسوية أم كارثة في سوريا؟


تتحدث الصحف الأميركية هذه الأيام عن نوع من الصفقة تدخل فيها الولايات المتحدة وروسيا وإيران والمعارضة السورية من أجل عمل تسوية ما مع النظام السوري حول الأزمة الحالية.

ومن الواضح أن ما تلمح إليه «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» صراحة حول هذه التسوية هو عمل يتم الإعداد له بقوة في الغرف الجانبية للعواصم الكبرى.

وقيل إن اللقاء الأخير بين وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا منذ عدة أيام وصل إلى 3 مبادئ رئيسة:

أولا: إنه لا يوجد حسم عسكري لأي طرف من أطراف القوى المتحاربة في سوريا.

ثانيا: إن التدخل العسكري المباشر من قوات أميركية وقوى لدول حلف الأطلسي تساندها قوى في المنطقة قد يؤدي إلى تعقيد شديد في التوازنات الإقليمية والدولية وقد يعطي إيران وحزب الله وأنصارهما فرصة ذهبية لتسخين المنطقة من العراق إلى لبنان وصولا للبحرين!

ثالثا: إنه لا يمكن تجاهل أن هناك نظامًا حاكمًا في سوريا وأن أي تسوية يجب أن تتضمن تسوية لشكل خروجه من النظام وانتقال الحكم الحالي إلى حكم آخر يرضى عنه الجميع.

ومن الواضح أن ظهور الدور المتصاعد لتنظيم القاعدة مؤخرا في المنطقة وفي سوريا بالذات وبامتداداته في شمال لبنان ووسط العراق أصاب واشنطن وحلف الأطلسي بحالة من القلق تتوافق تماما مع ذات المخاوف التي أعربت روسيا عنها منذ فترة طويلة.

ويحاول حزب الله اللبناني تسويق وجوده في سوريا عسكريا على أنه محاولة للتصدي لوجود «إرهاب القاعدة» الذي يهدد سوريا ولبنان والمنطقة بأسرها.

وتتجه الأنظار الآن إلى ترتيبات مؤتمر «جنيف 2» بهدف أن يكون مكانا للتسوية المقبلة للأوضاع في سوريا.

ويبقى السؤال: ماذا يحدث لو فشل مؤتمر «جنيف 2» في تحقيق التسوية؟

يقول الواقع إن أول الاحتمالات هو السعي إلى عقد «جنيف 3» لتجنب مخاطر فشل «جنيف 2» لأن القوى الكبرى والأوضاع في المنطقة لا تتحمل أي تصعيد عسكري إضافي.

يبقى أهم سؤال وهو: هل ستوافق المعارضة السورية على تسوية «مع» النظام الحالي في دمشق أم سوف تنقسم على نفسها حينما تأتي لحظة المفاوضات الجدية بين راغب في القتال حتى النهاية أو من يدرك مخاطر العمل العسكري ويسعى لأي تسوية بهدف تقليل خسائر الشعب السوري؟

عبدالله هادي
31-05-2013, 03:44 AM
إيران وسقوط الأقنعة



هل لا يزال الأمر مثيرا للاهتمام؟ يتعلق السؤال بالانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران. يعتقد البعض أن قرار منع المرشحين «ذوي الثقل» من خوض الانتخابات فرّغ العملية الانتخابية من مضمونها، خصوصا الذين قالوا إن الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني والمستشار الرئاسي إسفانديار مشائي قادران على إجراء مجموعة من الإصلاحات التي لم يتم تحديدها. مع ذلك هناك تحليل آخر محتمل. كان ترشيح كل من رفسنجاني ومشائي يستند إلى أكاذيب ذات طابع انتقادي بالنسبة إلى الأول، وذات طابع عاطفي بالنسبة إلى الأخير. لقد كذب الرجلان على نفسيهما بافتراض قدرتهما على أن يكونا نبيلين ينتميان إلى النظام وفي الوقت ذاته ينتقدانه. كيف يمكن لرفسنجاني، الذي كان له دور أساسي في تأسيس النظام الذي يغلق أمامه الأبواب حاليا، أن يقدم نفسه فجأة كبطل الإصلاح والتغيير؟

أما بالنسبة إلى مشائي، فلا بد أنه كان واهما حينما زعم تفويض الإمام المهدي له، في حين يسعى للحصول على موافقة «مجلس الأوصياء» المكون من 12 عضوا ويفحص طلبات الترشح. وبعد أكثر من ثلاثة عقود من تولي الخميني السلطة، من المهم للإيرانيين الاعتراف بحقيقة وضعهم. الجمهورية الإسلامية الإيرانية كذبة من ثلاثة أجزاء. إنها ليست إيرانية لأن الآيديولوجية تتعارض مع مفهوم الدولة والوطنية. وهذا النظام ليس إسلاميا لأن آيديولوجيته تقصي أي شخص لا يتبنى شعاره «الله، القرآن، الخميني». كذلك يتم إقصاء الذين لا يقبلون علي خامنئي كـ«زعيم للأمة الإسلامية». ويقول قائد الشرطة، اللواء أحمدي مقدم: «أي شخص لا يؤمن بالولاية كافر وبالتالي فهو مهدر دمه». من الواضح أن النظام ليس جمهوريا لأن «المرشد الأعلى» هو الذي لديه الكلمة الأخيرة في كل القضايا. هكذا عبر خامنئي نفسه بصراحة مثيرة للإعجاب في خطاب مؤخرا قائلا: «أي شيء أقوله في الأمور العامة هو مرسوم».

إن النظام الذي أسسه الخميني وحش فريد من نوعه. لقد قبل آية الله مفهوما مثل الدستور والانتخابات من أجل خداع الطبقة المتوسطة وإغواء اليساريين وأنصار مصدق الذين كان يعميهم الغضب الشديد من الشاه. مع ذلك كان واضحا أنه لا يستطيع أو يرغب في ديمقراطية «على النسق الغربي» بنظام جمهوري. ولعل أدق وصف للنظام، الذي أرساه الخميني بمساعدة أناس مثل رفسنجاني، هو أنه نسخة «إمامية» من النظام الذي كان يحكم اليمن حتى انقلاب عام 1962. كذلك يشبه نظام الخميني «الإمارة الإسلامية» التي أرستها حركة طالبان في أفغانستان، حيث حمل الملا محمد عمر لقب «أمير المؤمنين». المؤكد أن لنموذج الخميني سمات محددة توضح أن إيران ليست اليمن ولا أفغانستان. من تلك السمات دور نخبة الاستخبارات العسكرية التي تمتعت بنفوذ اقتصادي واجتماعي هائل باسم «الولاية». وبهذا المعنى يشبه النظام الأنظمة الاستبدادية في دول العالم الثالث التي تهيمن عليها المؤسسة العسكرية.

مع ذلك تظل حقيقة أن للنماذج الثلاثة جذورا آيديولوجية متشابهة. في النماذج الثلاثة هناك فرد واحد يدعي التفويض الإلهي له وينصب نفسه حاكما لكل جوانب الحياة العامة والخاصة. في هذا النموذج يمثل التظاهر بكون الرئيس منتخبا وهما في أفضل الأحوال، وإهانة لذكاء المرء في أسوئها. منذ عامين، تناول خامنئي تلك القضية، وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة، عندما اقترح أن يتم الاستغناء عن منصب الرئيس المنتخب انتخابا مباشرا بحيث يحل محله رئيس وزراء معين من «المرشد الأعلى».

وتمنى رفسنجاني ومشائي تجاهل حقيقة النظام في الوقت الذي يتحركان فيه من خلاله. وجرب بعض «أبناء الثورة» الآخرين المناورة نفسها قبلهما. أوهم مهدي بازرغان نفسه بأن الخمينية ستكون مثل الديمقراطية المسيحية في أوروبا. وتجول محمد خاتمي حول العالم للترويج للخمينية كبديل للنموذج الغربي الذي كان التنوير والنهضة هما مصدر إلهامه، في الوقت الذي كان أفراد شرطته يقمعون ثورة الطلبة ويغتالون المفكرين في أنحاء البلاد.

سيواجه الإيرانيون بمجرد اعترافهم بحقيقة النظام وعيوبه وأمراضه ثلاثة أسئلة أساسية: هل هذا النظام يعبر عن ثقافتنا وحقيقتنا كدولة؟ هل يمكن بناء مجتمع نستطيع التمتع فيه بسلام ورخاء نسبي وبحقوقنا وحرياتنا الأساسية كبشر؟ هل نريد هذا النظام؟

إذا كانت إجابات الأسئلة بالإيجاب، فينبغي على الإيرانيين المساهمة في تحسين النظام بحيث يصبح فعالا. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فعليهم العمل من أجل تغيير النظام مهما كان الوقت الذي يستغرقه ذلك. حاول كل من رفسنجاني ومشائي الهروب من تلك الأسئلة، لذا كذبا على نفسيهما وعلى النظام وعلى الشعب الإيراني. سيبدد إقصاؤهما كل الشكوك من خلال تسليط الضوء على حقيقة النظام.

قد تكون الرسالة هي أن «ذوي الثقل»، الذين تم إقصاؤهم، قد يعودون بتدخل خامنئي. مع ذلك إذا حدث هذا، وهو أمر مستبعد، فستوضح تلك الخطوة أكثر حقيقة النظام. وفي يونيو (حزيران) سيعرف الإيرانيون للمرة الأولى منذ تولي الخميني السلطة بالضبط حقيقة النظام الذي ينتخبونه. هذه العملية مثيرة لأننا سنرى عدد الذين سيذهبون إلى مراكز الاقتراع.

------------------------------------


لبنان: استراتيجية حزب الله الخطرة



«الإسلام يريد مؤمنين واعين وأذكياء، لا متعصبين عبيدا لأهوائهم».

جاء هذا المقطع ضمن كلمة موسى الصدر، رجل الدين الإيراني المولد، الذي كان حتى اختفائه عام 1978 أبرز قادة الشيعة اللبنانيين.

وأنقل هنا اقتباسين آخرين مما قاله الصدر أيضا: «نحن نرفض الانتهازية والخداع السياسي والتحالف مع الشيطان، والانحناء إذا اشتدت العاصفة».

و«الإسلام ليس متجرا نجني منه الأرباح، وليس وسيلة لتسخير الناس لخدمتنا، كما تفعل المؤسسات والمؤسسات الدينية».

في الخطبة السابقة التي لم تنشر، يصف الصدر أيضا عالم الاجتماع الشيعي الإيراني علي شريعتي، بمصدر الإلهام، وكرر توبيخ شريعتي للملالي. وتحدث الصدر عن الحفاظ على أمن لبنان ورفع مستوى معيشة الشيعة الذين يشكلون أفقر شرائح المجتمع اللبناني في ذلك الوقت.

وصلني نص هذه الكلمة، بالمصادفة، عبر البريد الإلكتروني في نفس توقيت إلقاء حسن نصر الله، زعيم حزب الله الحالي، كلمته التي برر فيها مشاركته الرئيس بشار الأسد حملته ضد الشعب السوري.

ما الذي كان الصدر ليقوله عن قرار نصر الله؟

لا يملك المرء إلا الاعتقاد بأنه سيشعر بالقلق إزاء جر لبنان إلى مغامرة خطرة خارجة عن السيطرة.

وقد يتكهن أحدهم، ببعض الثقة، أن الصدر لن يعتبر الحفاظ على بقاء أسرة الأسد سببا يستحق القتال من أجله، فقد كان الصدر متشككا في الطبيعة الحقيقية لنظام الأسد، وبرغم تودد حافظ الأسد الدؤوب له فإنه لم يتوجه مطلقا إلى دمشق.

كان سيحزن من دون شك لوفاة مئات المسلمين، بينهم نحو 150 من مقاتلي حزب الله، في المعركة للسيطرة على القصير.

ربما الأهم من ذلك أن الصدر كان سيرفض قرار نصر الله بالتحرك بناء على أوامر من طهران، فذكرت صحيفة «كيهان» الإيرانية أن دخول الفرع اللبناني لحزب الله الحرب الأهلية السورية جاء استجابة لتعليمات المرشد الأعلى علي خامنئي.

يأتي هذا على نقيض محاولات الصدر المتواصلة بألا يتحول إلى أداة للتأثير لصالح قوة خارجية، بما في ذلك مسقط رأسه إيران. والحقيقة أن هذه القضية أسهمت بشكل كبير، أكثر من أي شيء آخر، في انفصاله نهائيا عن إيران أثناء حكم الشاه؛ فقد أدى رفضه طاعة أوامر من طهران إلى توقف المساعدات المالية والدعم السياسي، لكن الصدر لم يتأثر وصار زعيما للشيعة اللبنانيين، وتعلم كيف يفكر ويتحرك لصالح لبنان لا إيران.

وكصحافي، التقيت الصدر عدة مرات، على مدى سنوات، وشهدت كيف تحول تدريجيا إلى زعيم لبناني كامل، حتى إن لكنته الفارسية اكتسبت نبرة لبنانية.

قرار نصر الله يثير تساؤلا بشأن عدد من الروايات، أولها أنه لم يتم التشاور مع أي من مسؤولي حزب الله بشأن الأمر، كما لم يتم إعلام الحكومة اللبنانية شريك حزب الله.

وغني عن القول أنه لم يستشر الجيش اللبناني أيضا؛ فهناك جيش لبناني خاص تسيطر عليه قوى أجنبية تستخدم قواعده في لبنان للمشاركة في حرب في دولة أجنبية.

ومن ثم لا يوجد مؤشر على أن غالبية اللبنانيين أو حتى غالبية الشيعة اللبنانيين يوافقون على سلوك نصر الله المغامر. والحقيقة أن المعلومات التي تلقيناها من بيروت والجنوب تشير إلى قلق متزايد بين الشيعة.

هناك مؤشرات أيضا على أن البعض داخل حزب الله ذاته غير سعداء باستراتيجية حزب الله. والمؤكد أن غالبية الشيعة اللبنانيين يريدون القرب من إيران، ويوافقون على بناء علاقات وثيقة مع أي نظام قائم في طهران، لكن الصداقة شيء، والخضوع شيء آخر.

خلال حربه الصغيرة مع إسرائيل عام 2006، خسر حزب الله نحو 600 من رجاله، لكن خسائره في سوريا فاقت بالفعل 300 بحسب تقارير؛ فمقاتلو حزب الله مدربون على عمليات الكر والفر، وغير مؤهلين لاحتلال أراض والسيطرة عليها، الأمر الذي يحتاجه الأسد إذا أراد استعادة المناطق التي يحتلها الثوار السوريون. والنمط الحالي للصراع يشير إلى أن الأسد يستخدم عناصر حزب الله وقودا لمدافعه، لتمكين وحداته العلوية من السيطرة على المناطق ذات الأغلبية السنية. وبعبارة أخرى يتم استخدام حزب الله كأداة للتطهير العرقي ضد مسلمين آخرين، وهو أمر ما كان الصدر ليوافق عليه.

لقد حاول نصر الله على مدى سنوات تنصيب نفسه حامي الإسلام، وإن كان ذلك صعبا فعلى الأقل بين العرب. لكنه الآن لم يعد يتصرف حتى كزعيم مجتمعي، وبدا وكأنه واحد من البيادق التي يتحكم فيها قاسم سليماني في لبنان وسوريا.

الاختلاف بين الصدر ونصر الله هو أن الصدر كان مهتما بشكل أساسي بلبنان، وبشكل أكثر تحديدا بمجتمعه الشيعي، فيما كان نصر الله مقاتلا مواليا للشيعة يرى في إيران مصدر عقيدته.

يتصرف نصر الله كالقادة الاشتراكيين الذين اعتبروا أنفسهم مجرد وكلاء للاتحاد السوفياتي. ومع سقوط الاتحاد السوفياتي اختفت هذه الأحزاب جميعا، لكن الأحزاب الاشتراكية التي احتفظت بنوع من الاستقلالية عن الاتحاد السوفياتي السابق، تمكنت من البقاء، وخاصة في فرنسا والبرتغال وإسبانيا.

سيقوم نصر الله بعمل جيد إذا تفكر في الأمثلة التي ضربها شيخان آخران؛ الأول هو آية الله العظمى علي محمد السيستاني، مرجع تقليد للشيعة الآن، ورفض السيستاني على مدى أكثر من عقد التضحية بمصالح العراق على مذبح الطموحات السياسية، فبدلا من إذكاء نيران الحرب الطائفية، استغل السيستاني مكانته الكبيرة للمساعدة في تصفية خلافات السياسات العراقية. وبرغم المحاولات اللامتناهية فإنه رفض التدخل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

المثال الثاني للراحل السيد محمد حسين فضل الله الذي كان يعتبر الزعيم الديني الأول للحزب في ذلك الوقت. لكن فضل الله كان طوال حياته زعيما شيعيا لبنانيا لا مجرد أداة لتحقيق أحلام الخميني.

ما يفعله نصر الله يضر الشيعة ولبنان وحزب الله وسوريا وإيران أيضا، وسوف يدخله في ما أطلق عليه الصدر مخططات شيطانية.

عبدالله هادي
31-05-2013, 04:01 AM
التهجير والإبادة والتدخل ضد التكفيريين!


لا يجوز أن تبقى أمورنا في زمن «الثورات» واقعة بين رثاء النفس ومعذرتها. فقد سمعت أحد نواب حزب الله يقول إنهم إنما يتدخلون في سوريا لحماية المقدسات من التكفيريين! وهذا عذر أقبح من ذنب. فحسن نصر الله نفسه قال قبل أيام إنهم إنما تدخلوا في سوريا ويتدخلون للحيلولة دون سقوط النظام، ولحماية «الشيعة» اللبنانيين بالقصير، ولحماية مقام السيدة زينب من التكفيريين! وهكذا تطور الأمر خلال أسبوع ليصبح القتال في سوريا علته التكفيريون ولا شيء آخر! لكنني سمعت أيضا البطريرك يوحنا العاشر وبمناسبة الفصح الشرقي يقول إن المسيحيين في سوريا هم بين خائف وهارب أو مقتول! وقد تكون في هذه المقولة مبالغة، لكنها تستند ليس إلى وعي معين فقط؛ بل إلى وقائع تتالت وتفاقمت عبر العامين الماضيين. ونحن نعلم أن الإيرانيين وحزب الله تدخلوا منذ أكثر من عام أيضا. لكن ما الداعي لتهديد مقام السيدة زينب، وما الداعي لنبش القبر المنسوب للصحابي حجر بن عدي، وما الداعي لخطف المطرانين، وما الداعي في تونس لاعتزال ثلاثة آلاف في شعاب الجبال لأنه «إما هم وإما المجتمع الجاهلي السائد» وقد عمد المسلحون في ليبيا أيضا لتخريب الأضرحة. وهو الأمر نفسه الذي يحدث بالسودان بحجة مكافحة بناء الحسينيات أو تقديس القبور. وقد صار مثل ذلك أو شبيهه في الجزائر في التسعينات بحجة مكافحة البدع أو منع الزيارات للأضرحة والمقامات الصوفية.

عندما صدر كتاب عبد السلام فرج في أواخر السبعينات بعنوان «الفريضة الغائبة» وهو يعني بها الجهاد بالداخل العربي والإسلامي، قال لنا الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: «إنها موجة تكفيرية نسأل الله سبحانه أن يقينا شرها!»، وعندما لم نفهم نحن سامعيه ماذا يقصد، قال لنا: «إن النظرية الكلاسيكية في الجهاد تقع بين جهاد الدفع وهو الأغلب، وجهاد الطلب، وهذا النوع الثاني لا يقول به أكثر الفقهاء. إنما على أي حال، فكلا النوعين يحدث بين الأمة والخارج، وعندما يقول قائل بالقتال في الداخل، فلأنه يعتبر أن الداخل صار أرضا للجهاد أيضا، لأن الدار لم تعد دار إسلام، ويحدث ذلك لأحد ثلاثة أسباب: الاستيلاء الخارجي على الأمة والدولة، أو الانحراف العقدي الكبير من جانب النظام ومعظم المجتمع، أو التشخيص بأن البدع تكاثرت، وتعذر أداء العبادات. فصار يمكن القول إن المجتمع ترك النهج المستقيم، بحيث ما عاد أحد يستطيع إقامة عباداته، وإجراء معاملاته في أمن وأمان»!

الجهادية بالداخل تأتي معها إذن بالتكفير. والتكفير سبيل لحروب أهلية، لأن عقائد الناس ومذاهبهم تختلف. وإذا اعتبر فريق أن ممارسات الآخرين مسلمين وغير مسلمين، هي بدع وكفريات، فإنه يستحل لنفسه شن الحرب عليهم أو على بدعهم، فيكون من حق هؤلاء الدفاع عن اعتقاداتهم ومزاراتهم وأسلوب حياتهم. وأذكر أنه عندما شنت «القاعدة» غارتها على الولايات المتحدة، فإن الإنجيليين المستنفرين تساءلوا في رسالة صارت مشهورة وجهوها للعرب والمسلمين: لماذا تكرهوننا؟! وقد أجابوا وقتها أنفسهم: أنتم تكرهوننا بسبب أسلوب حياتنا واعتقاداتنا وحرياتنا والنجاح الذي حققناه ونحققه. ورحنا نحن نجيبهم قائلين إنه لا معذرة لما قام به الذين هاجموا برج التجارة العالمي، لكن السياسات الأميركية ما كانت حسنة تجاه قضايا العرب والمسلمين! وكان ذلك دفاعا ضعيفا بالطبع، لأن أزمنة الاستعمار والحروب ما كانت أقل قسوة على الصينيين والهنود واليابانيين، ومع ذلك فإن تلك الأمم ما أجابت على الطريقة الجهادية والانتحارية، وقد استطاعت أخذ حقوقها وحرياتها وسيادتها دونما استعراض للناس، أو قتل للمدنيين لا لشيء إلا لأنه تصادف أنهم أميركيون!

ولنعد إلى مشكلاتنا نحن بالداخل العربي والإسلامي. ما كانت مجتمعاتنا في يوم من الأيام على دين أو مذهب واحد. وقد ظل المسيحيون في بلاد الشام أكثرية إلى زمن الحروب الصليبية. أما الشيعة الإمامية فهم موجودون بيننا منذ القرن الخامس الهجري، وكذلك الفرق المتطرفة في الاعتقاد. وقد عشنا معا في السراء والضراء، وصار لدينا فقه للعيش بديع. وكذلك الأمر مع الصوفية وقبور أوليائهم ومزاراتهم. وقد ذكر عبد الغني النابلسي في القرن الثامن عشر أن ثلثي المسلمين السنة من أتباع المذاهب الأربعة، ينتمون إلى إحدى الطرق الصوفية. وبالطبع فقد كان هناك متشددون فيما بيننا لا يقبلون هذا الأمر أو ذاك، لكن عندما استفتى أحدهم عز الدين بن عبد السلام (660هـ) بشأن جواز التعرض لأهل البدع إن أظهروا بدعتهم ارتاع سلطان العلماء وأجاب السائل بحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن السفينة ذات الطبقتين، وقد فكر المبحرون في الطبقة الأولى أن «يخرقوا» في نصيبهم خرقا: «فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا». وما قصده ابن عبد السلام أن هناك نظاما للعيش تعارف عليه الناس وصار بمثابة «العقد» بينهم، وليس من حق أحد منهم خرق العقد أو النظام أو ينهدم المجتمع. فكيف يكون الإنسان في دار الإسلام «آمنا بالأمان الأول» كما يقول الأحناف والمالكية والحنابلة، وكيف تكون مجتمعات المسلمين مجتمعات ثقة، كما قال عالم الأديان المعاصر تشارلز تايلور، إن كان هناك نبش وقتل واعتزال؟!

منذ نحو مائتي عام ومجتمعاتنا تتعرض لوجوه فظيعة من الاستهداف والتجريف للإنسان والأعراف وأوليات العيش. وقد كانت لذلك نتائج وردود فعل. ظهر المنقبض والمعتزل والمنكفئ. وظهر التارك للدين والتقليد. وظهر المجنون والخارج على الناس بسيفه ويده. وظلت الكثرة الساحقة من أهل المجتمعات على ما عودها عليه دينها من ثقة برحمة الله وعونه. وعلى مدى ثلاثمائة عام اختلف المتكلمون المسلمون بين معتزلي وسني، أي القيم والفضائل أولى بالاعتبار، فقالت المعتزلة إن العدل هو القيمة العليا، وقال أهل السنة: بل إن الرحمة هي القيمة العليا. ومع الرحمة الإلهية لا تكفير ولا تبديع ولا تخريب، وإلا فما هو الزمان الذي تحدث عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والذي يكون فيه المؤمن القابض على دينه كالقابض على الجمر. وما معنى القبض على الجمر إن لم يكن صبرا على الشدة، ونظرا للغد، وأملا برحمة الله؟

نعم، منذ قيام الثورة في سوريا، تداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة على القصعة. لقد خرج الناس من أجل الحرية، وانصرف النظام القائم لقتلهم وتشريدهم وتخريب ديارهم. وقال لهم العالم كله إنه مع النظام ضدهم، وما تردد أناس من العرب في القول: إننا ضدكم لأنكم أكثرية، والأكثرية تطغى: متى طغت الأكثرية من قبل حتى تطغى الآن؟ وأما كان النظام القائم طغيانا وقتلا للجميع طوال خمسين عاما؟ لكن وإن تدخل الإيرانيون وحزب الله وعصائب الحق والباطل في قتالكم، فهل تنصرفون أيها الثائرون أو ينصرف بعضكم لهدم المقامات ونبش القبور لأناس صالحين أجدادكم هم الذين بنوا عليهم، ولا شأن لهم من قريب أو بعيد بمطامع الإيرانيين، وخنزوانات حزب الله وميليشياته؟ ثم لماذا ينبغي أن يخاف المسيحي ويهجر أرضه وسواء أكان ثائرا معكم أو لم يثر، فهو مواطن مثلكم، وسيظل كذلك أو لا تكون لنا جميعا حياة.

إنها أنظمة إجرامية هذه الجمهوريات الأمنية الخالدة. لكن الشعوب التي ثارت ما ثارت من أجل قلة دين الحكام، بل من أجل طغيانها وسوء إدارتها. ولذا فقتالها ليس جهادا، بل هو تمرد على الظلم، وتطلب للحرية. وكيف يستقيم الدين أو ينتظم بهدم مقام أو اعتزال في جبل أو تخويف الناس أو تقليد العصابات في السفك والقتل؟ أخيرا كيف نكون أكثرية ونتصرف تصرف الأقليات المذعورة؟!

---------------------------------------------


إيران والإصرار على مواجهة العرب


جاء وزير الخارجية الإيراني صالحي إلى الأردن، ثم زار السعودية. وبالطبع ما كانت لهجته في السعودية مثلها في الأردن، لكن الجوهر واحد. ففي الأردن عرض مساعدات وتحسينا للعلاقات وبخاصة أنه جاء إلى عمان لافتتاح السفارة الإيرانية الجديدة هناك. لكنه بعد هذا التمهيد انصرف لتحذير الأردنيين من التدخل في الشأن السوري كما يفعل الآخرون! وواجهه وزير خارجية الأردن بمشكلة اللاجئين المتفاقمة، كما واجهه بأحداث القتل الفظيع الذي يقوم به النظام من دون توقف، وتصرفاته باتجاه إقامة مناطق طائفية «صافية». وواجهه أخيرا بالتدخل الإيراني المقاتل إلى جانب النظام، وهو أمر لا يهدد الكيان السوري وحسب؛ بل ويزعج العرب جميعا وفي العراق وسوريا ولبنان والأردن! وما تزحزح الإيراني عن موقفه في محادثاته بالمملكة العربية السعودية، لكنه ما أتى إلى المملكة لتأكيد الإصرار على مقاتلة الشعب السوري مع الأسد، بل اهتم بالعلاقات الثنائية، وبالإسراع في إنجاز الحل السياسي للأزمة السورية تحت عنوان الحوار بين النظام والمعارضة. فالنظام لن يسقط، ولا فائدة من الاستمرار في مقاتلته!

جاءت زيارة صالحي إلى الأردن وسوريا والسعودية بعد خطاب حسن نصر الله الذي أكد على ما كان مؤكدا من قبل، وأضاف إلى ذلك فتح جبهة للمقاومة «الشعبية» في الجولان السوري المحتل. وقد أوضح الرجل أن نظام الأسد «تحول» بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة إلى المقاومة، فقرر أمرين اثنين: الاستمرار في إعطاء حزب الله أسلحة نوعية تقلب التوازن المختل القائم، والاتجاه مع المقاومة (الشعبية) (حزب الله بالطبع، وكتائب أحمد جبريل، وربما الحزب القومي السوري!) لتحرير الجولان ومن ورائه فلسطين!

وما سأل نصر الله ولا صالحي بالطبع الأسد لماذا تأخر هو وأبوه من قبل إلى هذا الحد في مد صلاحيات المقاومة العتيدة إلى الجولان المحتل؟ كما أنهما ما سألاه عن المذابح والتصفيات ببانياس وجوارها وحمص والقصير، لاصطناع مناطق طائفية صافية. ولعدم السؤال سبب وجيه، فالإيرانيون مشاركون في ذلك كله، وقد يكونون هم أصحاب الخطة الإبادية، وأعني بذلك أنهم يقاتلون في القصير وجوارها، وحمص وجوارها، وحلب وجوارها، ودمشق وجوارها، منذ عام وأكثر. وقد ذكر حسن نصر الله لذلك أسبابا ثلاثة: الدفاع عن «اللبنانيين» في سوريا، والدفاع عن السيدة زينب باعتباره دفاعا عن المقدسات، ومنع النظام من السقوط، وأضاف لذلك في خطابه الأخير سببا رابعا أو جبهة رابعة هي: تحرير الجولان المحتل بإذن من النظام أو لمؤازرته في تحولاته المقاومة! ولا داعي للسؤال عن هذه الأحجية، أي كيف تتحول فجأة دولة قائمة لها مؤسساتها وعسكرها وأمنها إلى تنظيمات «شعبية» لتحرير أرضها المحتلة منذ عام 1967؟!

إن المقصود من هذه التفصيلات ليس «إحراج» الأسد أو حزب الله أو إيران. فقد تجاوزوا منذ عامين بل منذ ثمانية أعوام، مرحلة الحياء وحسن الجوار، وفي العراق ثم في لبنان، وأضافوا لذلك قبل عامين كما سبق القول: سوريا! بل المقصود كشف المنطق من وراء هذه الجبهة التي فتحتها إيران على العرب بالمشرق والخليج، ومن طريق حزب الله بلبنان والميليشيات بالعراق واليمن، واليوم من خلال تلك الميليشيات، ومن طريق التدخل المباشر عبر الحرس الثوري، وبخاصة فيلق القدس والجنرال سليماني. وقد نجحت إيران في الأعوام الماضية في الاستيلاء على مؤسسات سياسية وعسكرية وأمنية بلبنان والعراق، وهي الآن في موقع الفريق العسكري والأمني الأقوى على الساحة السورية.

وما انقطع التواصل على المستوى الرسمي بين الإيرانيين والغرب خلال العقد الماضي على الخصوص أو منذ الإيذان ببدء مرحلة جديدة في السياسات الخارجية الإيرانية بوصول محمود أحمدي نجاد إلى الرئاسة عام 2005. وقد انصبت الشكوى العربية على التدخلات الإيرانية الفاقعة في كل مكان. وكان الإيرانيون ينكرون ذلك تارة (مثلما هو عليه الحال إلى الآن في اليمن والبحرين والكويت)، أو يقولون عندما يضطرون إنهم بصدد مواجهة إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة! وقد صارت هذه الحجة بارزة في المماحكات معهم بعد حرب عام 2006، ثم عادت فخفت بعد المهادنة مع الأميركيين بشأن العراق والمنطقة عام 2009. وها هي تتصاعد من جديد بعد اندلاع الثورة السورية في ربيع عام 2011. فإلى حين اندلاع الثورة السورية، كان الإيرانيون يعتبرون أن مناطق نفوذهم استتبت وبموافقة الأميركيين والإسرائيليين، ولذا فلا داعي للتظاهر الكثير بإرادة العلاقات الحسنة أو غير التدخلية مع العرب. ففي ظل السلام الأميركي/ الإيراني/ الإسرائيلي، سلمت أطراف دولية بالوضع القائم ولجهتين: جهة إقبال إسرائيل على ازدراد ما تبقى من فلسطين، وجهة ظهور محور إيراني في المشرق العربي مكون من العراق وسوريا ولبنان. ولذلك فقد أقبل الدوليون على تفاوض مكثف لحل النزاع مع إيران حول النووي. وقد كان هناك من الدوليين من فكر بالمبادلة، أي أن تتنازل إيران في النوويات، مقابل التسليم بنفوذها في العربيات، ولذا ومن ضمن هذه «الاعتبارات» إعراض الاتحاد الأوروبي عن الجزم بأن حزب الله تنظيم إرهابي، بخلاف ما فعلته الولايات المتحدة قبل سنوات. وهذه الحسابات كلها ما عرضها للاندثار التطاول في النووي، بل وبالدرجة الأولى: الثورة السورية، ثم منذ شهور الحراك الشعبي الكبير بالعراق. فقد بلغ من ارتياع نظام ولاية الفقيه من الثورة السورية أن قال خامنئي وكرر: إن إسرائيل تدعم التمرد على الرئيس الأسد بالمال والسلاح! وحجته في الذهاب لذلك أن إسرائيل وأميركا هما المهتمتان بإخراج إيران من الإقليم! وهو يتجاهل بذلك المعاناة العربية من وراء السياسات الإيرانية، ويتناسى أن الأميركيين والإسرائيليين كانوا قد تركوا بالفعل العراق وسوريا ولبنان لإيران!

يجتمع الإيرانيون هذه الأيام مع لجنة الـ5+1 بشأن النووي. والذي أراه أن الدوليين سيعطون إيران مهلة جديدة لما بعد انتخابات الرئاسة في يونيو (حزيران) المقبل. لكن في الحالتين، فإن الإيرانيين سيصلون إلى مهادنة أو تسوية مع الدوليين بشأن النووي، مما يسمح لهم باستمرار القتال على جبهتهم مع العرب دونما اهتمام دولي كبير. وإن بدا ذلك غريبا، فلنتأمل ما يحدث في سوريا منذ عامين وأربعة أشهر، وما يحصل بالعراق ولبنان من استيلاء على الدولة، وتكسير أو إخضاع للمؤسسات دون اهتمام من الدوليين بغير الوساطة!

سيظل الإيرانيون يقاتلون للاحتفاظ بقرار البلدان الثلاثة، رغم الاستنزاف الشديد الذي يتعرضون له، وأنه لا مستقبل لهم في بلاد الشام. ولن يتغير الأمر في القريب إلا إذا استطاعت شعوب تلك البلدان طردهم، أو إذا تغيرت أولويات السياسة

-----------------------------------------------


الدور العربي في حماية المجتمعات والدول


في الصراع الدائر للاستيلاء على مدينة القصير بريف حمص، بين ثوار سوريا المدافعين عن المدينة من جهة، وكتائب الأسد وحزب الله من جهة ثانية، أعلن الثوار أنهم قبضوا على مجموعة من «الحوثيين» تقاتل مع الحزب على الأرض السورية! ونحن نعلم منذ قرابة السنوات العشر، أن الاستنفار الإيراني الذي تسبب به الغزو الأميركي للعراق (بل والاستعداد له)، اقترن بمحاولة تعميم تجربة حزب الله في مشارق العالم العربي والخليج. وإبان ذلك الوقت (أو بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000) رأينا في لبنان عشرات من الشبان والكهول اليمنيين والخليجيين والعراقيين، يأتون إلى ضاحية بيروت للتحشيد الآيديولوجي، وانتقاء العناصر التي تعود للعمل في البلدان التي أتت منها، والأخرى التي ترسل إلى سوريا وإيران للتدريب العسكري بحجة الإعداد والاستعداد للاستمرار في مناضلة إسرائيل والولايات المتحدة. وهكذا فإن ما تحدث عنه بعض المسؤولين العرب عام 2004، وما قاله ولي نصر في كتابه: «صحوة الشيعة» (2006 - 2007) عن وجود «هلال شيعي» أو «عالمية شيعية»، لا مبالغة فيه على الإطلاق. وبالطبع والطبيعة فإن التحشيد ما كان ليحصل أو لينجح تحت شعار «مكافحة إسرائيل» لأنه لا مواجهة بين الشيعة وإسرائيل باستثناء جنوب لبنان - وقد تراجعت المواجهة الواقعية هذه بعد عام 2000. ففي التربية الداخلية لعناصر حزب الله وفيلق القدس، حديث مستمر عن تهديد السلفيين للشيعة (الذين سماهم حسن نصر الله أخيرا: التكفيريين)، وعن أن الصراع الاستراتيجي هو بين الإسلام (الذي تقوده إيران) والولايات المتحدة. وإذا قيل في حلقات الدرس (كما أخبرني شاب بحريني عام 2005) إن العرب سبق أن قاتلوا ضد إسرائيل. فالجواب أن العرب اليوم هم أحد ثلاثة فرقاء: الفريق الخاضع والمتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل، والفريق غير المعني بشيء، والفريق الجهادي الذي يناضل مع إيران وحزب الله مثل الجهاد الإسلامي وحماس! وهناك فريق رابع ما ذكره آيديولوجيو الحزب ومربوه، هو فريق الإسلام السياسي، المكون من الإخوان المسلمين وأشباههم، وإخوان مصر بالذات. وهؤلاء كانوا يقيمون علاقات مع طهران ومع مفوضها بالمنطقة حزب الله، نكاية بالأنظمة السائدة وبحجة أن «الحل الإسلامي» واحد وإن تعددت مداخله!

إن إيران اليوم في موقف يشبه الموقف الذي كانت عليه إبان غزو العراق عام 2003. فالدخول الأميركي إلى العراق عنى تحديا كبيرا وفرصة كبرى في الوقت نفسه. كان التحدي ظاهرا في إحاطة الولايات المتحدة لها من كل ناحية، وكانت الفرصة ظاهرة في إمكان وراثة أميركا بالعراق وغيره. فالأميركيون قصيرو النفس، وسرعان ما سيرغبون في الانسحاب. وقد حصل ذلك بالفعل، وقامت إيران بعدة أمور لإثبات تأهلها للوراثة، ومن ذلك الحرب على إسرائيل عام 2006. وعلى الطريق وخلال تلك التجاذبات وبعدها جمعت كتائب الإسلام السياسي باعتبارهم جزءا من الغنيمة التي وردتها لها الأنظمة العسكرية والأمنية أو الولايات المتحدة، التي وضعت في خدمتها أيضا ليس أفغانستان والعراق فحسب؛ بل وجزءا من «القاعدة» بقيادة أيمن الظواهري. إن ما فعلته الثورات العربية، وبخاصة الثورة السورية، أنها جردت المشروع الإيراني للسيطرة والاستيلاء والتقاسم مع أميركا وإسرائيل - من كل أقنعته. وبذلك استحال عليه استخدام التنظيمات السنية المقاتلة علنا، كما استحال عليه الحصول على تأييد تنظيمات الإسلام السياسي لموقفه مع النظام السوري علنا أيضا. بيد أن إيران المتغلغلة في أوساط الإسلام الجهادي، والآخر السياسي؛ استطاعت حتى الآن التعطيل والشرذمة. فمن الذي يعرف على سبيل المثال موقف تنظيم الجهاد الإسلامي من الثورة السورية؟ ومن الذي يعرف موقف حركة الإخوان المسلمين بمصر من التدخل الإيراني بسوريا؟ وعلى أي حال فإن الحركة الإيرانية اليوم بالمشرق العربي والخليج هي حركة شيعية بحتة، وفيها تنظيمات مسلحة أو غير مسلحة، وهي تدار دينيا وسياسيا من إيران مباشرة، في حين تدار التنظيمات المسلحة ومنها حزب الله من جانب الجنرال سليماني قائد فيلق القدس. وقد اجتمع حول بلدة القصير وتحت راية حزب الله مقاتلون من العراق واليمن وإيران وغيرها. وقد عللوا ذلك طبعا بالدفاع عن مقام السيدة زينب، وعن نظام الممانعة، وعن اللبنانيين في سوريا. وما بقي في النهاية غير سبب واحد: القتال من أجل مشروع الاستيلاء ومناطق النفوذ في المنطقة!

لقد كنت مثل عرب كثيرين، نعتبر أن إيران مهتمة بالاستيلاء على العراق، وأنها تريد من وراء حزب الله إزعاج إسرائيل وأميركا من أجل التوازنات ومناطق النفوذ، والتسوية بشأن «النووي». ونحن نعرف الآن، ومنذ قيام الثورات، أن إيران ترى من حقها الاستقرار في كل تلك البلدان، إما لأنها تمثل الشيعة، وإما لأنها تمثل النضال ضد إسرائيل، وإما لأنها تريد البقاء في كل تلك البلدان وكفى! ولدينا عوامل أخرى للضعف في مواجهة إيران غير عامل عدم المعرفة أو تأخر الإدراك للمشروع الإيراني، وهذه العوامل هي: الإسراع العربي في الاستجابة للتسوية مع إيران وغيرها، وميل الولايات المتحدة في عهد أوباما لعقد صفقات مع إيران على الرغم من التدخل في العراق وسوريا ولبنان، بل بسبب ذلك التدخل، والاستنزاف والتضييع الذي يتسبب به الإسلام السياسي باصطناع أهداف أخرى وهمية لدى إخوان مصر وتنظيمات إسلامية أخرى في الأردن والعراق.

إن خلاصة الأمر أنه ما عاد من الجائز غض الطرف، أو التماس المعاذير عن التدخل الإيراني من أجل التخريب والتدمير للاستمتاع بالاستيلاء بعد ذلك، وتعيير أميركا وإسرائيل بالهزيمة! فكأنما أميركا وإسرائيل هما اللتان تفقدان العراق وسوريا ولبنان، وليس شعوب تلك البلدان!

إن عرب المشرق والخليج جميعا مهددون بالتدخل الإيراني. وهم مهددون في الداخل بالتنظيمات التي أقامتها إيران، ومهددون من الخارج بالتنظيمات المسلحة مثل التي تقاتل الشعب السوري، وتتمركز في قلب لبنان. وقد نرى تنظيمات مشابهة على الحدود الأردنية أو التركية. كما أن التنظيمات ذاتها أو ما يشبهها حاضرة بالعراق واليمن. وليس لهؤلاء من يتصدى لهم غير دول الخليج، وفئات واسعة من المواطنين في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وهذه المقاومة للانسياح الإيراني الدموي تمتلك عدة مهام: الحفاظ بقدر الإمكان على التماسك الداخلي، ومكافحة العنف الذي ينشره النظامان السوري والعراقي، وحشد وسائل الدعم المدني لمنع الإيرانيين من الاستمرار في الشرذمة والتفتيت. وما أقصده بالحفاظ على التماسك الداخلي، أن المجتمعات العربية في البلدان الأربعة تعرضت لاستنزاف شديد، ونشر الإيرانيون في أوساطها الفتنة إلى جانب السلاح والأموال. والمطلوب دعم مؤسسات المجتمع المدني في تلك البلدان، كما ندعم الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية. لست أدري كيف يعود العيش الأخوي أو التعايش في الحد الأدنى. لكن فئات واسعة من الناس يجري اقتلاعهم من أرضهم في سوريا والعراق واليمن ولبنان. وينبغي التركيز على ثباتهم في الأرض والمرافق والمؤسسات. التهديد وجودي، وقد لا يعود التدارك ممكنا!

لا بد من دعم ثوار سوريا بالسلاح إلى جانب المؤن، وهو الأمر الذي يحصل وينبغي أن يزداد إلى حدود كبيرة، لأننا مهددون في أوطاننا ومجتمعاتنا ودولنا بالانقسام والتهجير والقتل والغلبة الطائفية والمذهبية.

-----------------------------------------



العرب أمام أخطار ضياع سوريا


عبرت الدول العربية الداخلة في منظومة الجامعة العربية، إزاء الثورة السورية بثلاث مراحل، وهي تدخل الآن في المرحلة الرابعة.

في المرحلة الأولى سعى العرب، وفي طليعتهم السعودية وقطر والأردن والإمارات على جمع دول الجامعة على موقف واحد، هدفه الوقوف إلى جانب الشعب السوري، من أجل زحزحة نظام الأسد، والتمهيد لقيام نظام جديد مثلما حدث في دول الثورات الأخرى، خاصة في اليمن. ووقتَها كان النظام لا يزال هو الأقوى، وكان الدعم الآتي له مقصورا على الأموال والسلاح والخبراء من إيران والعراق وروسيا والصين وكوريا الشمالية، كما أنه حتى الدول العربية الداعمة للثوار، مما كانت تريد أن يكون دعمها ظاهرا جدا، حتى لا يزداد التدخل الخارجي، ولكي يكون موقفها قويا في التفاوض مع داعمي النظام الأسدي، مثل روسيا والصين. بيد أن الحل العربي فشل لثلاثة أسباب: عدم القدرة على الإجماع ليس بسبب مواقف حكومات العراق ولبنان والسودان الموالية للأسد وإيران فقط، بل وبسبب موقف كل من الجزائر ومصر الإخوانية. والسبب الثاني إصرار لجنة الجامعة التي ذهبت إلى سوريا على اعتبار الثوار متمردين على الحكومة الشرعية، وأن المطلوب «وقف العنف» من سائر الأطراف. والسبب الثالث إصرار الأطراف الدولية والإقليمية الصديقة للعرب مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وتركيا، على أن يكون لها دور في الحل، وليس من خلال دول الجامعة، لأنها اعتادت على «الغياب العربي» المتفاقم خلال أكثر من عقد، وفي مشكلات كبرى، مثل فلسطين، وتحولات العراق بعد الغزو الأميركي.

وجاءت المرحلة الثانية في التعامل مع الثورة السورية، وهي المرحلة العربية/ الدولية، التي عَبَرت بكوفي أنان والإبراهيمي. وفي هذه المرحلة ازداد الدعم العربي للثورة السورية، وبدأت قوى الأسد والنظام هناك تتزعزع، واضطُرّت الصين للتراجع من الواجهة مع الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وتقدمت روسيا الاتحادية في مجالي تعطيل مجلس الأمن، وزيادة الدعم للنظام السوري بالسلاح والخبراء. وفي هذه المرحلة اتخذت إيران قرارا استراتيجيا بالتدخل المباشر. لكن الكفة ظلت راجحة لصالح الثوار، مما اضطر روسيا للقبول بوثيقة جنيف التي تعترف بضرورة تغيير النظام إنما بطرائق تدرجية. ولأن توازن القوى بالداخل كان قد تعدل بعض الشيء؛ فإن العرب، الذين يناصرون الثورة من الإقليميين والدوليين، صاروا يتحدثون عن المناطق الآمنة، وعن حكومة مؤقتة في المناطق المحرّرة تفترض وحدة كلمة الثوار عسكريا وسياسيا.

وبدأت المرحلة الثالثة قبل ستة أشهر، أي في أواخر عام 2012. في ذلك الوقت كان الروس قد تولّوا قيادة القوات الأسدية الاستراتيجية، التي تهدف إلى تثبيت النظام في المدن الرئيسة. أما الإيرانيون وقد رأوا أن النظام مهدد بالسقوط فقد أنشأوا لأنفسهم قيادة مستقلة بداخل سوريا بزعامة الجنرال سليماني، وضموا بداخلها قوات حزب الله والمالكي والحرس الثوري، التي ينبغي أن يبلُغَ عددها الثلاثين ألفا في سائر المناطق، إنما في ذلك الوقت أيضا أدرك الروس والإيرانيون أن الأميركيين لن يتدخلوا بأي شكل، وأنهم يمنعون أيضا البريطانيين والفرنسيين من التدخل، بل وبالإضافة لذلك يخوّفون الأتراك والأردنيين والدول العربية الأخرى من التدخل أكثر. وقد تنوعت أعذارُهُم في ذلك عبر الشهور الماضية، مثل الخوف من المتطرفين الإسلاميين، مثلما حدث في ليبيا، والخوف من الصدام «على الأرض» مع الروس، والخوف من امتداد الصراع إلى العراق ولبنان والأردن، والخوف من امتداد الصراع الشيعي/ السني خارج بلاد الشام إلى دول الخليج. بيد أن العامل الحاسم «على الأرض»، الذي حوّل الرؤية الأميركية العامة باتجاه «الحل السلمي» بأي ثمن كان فشل «الزحف على دمشق» من الجنوب، فيما بين أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012. وأخيرا فإنه في أواخر المرحلة الثالثة هذه (وبعد فشل الهجوم باتجاه دمشق)؛ فإن «المبادرة» العسكرية كانت قد عادت، ليس إلى أيدي الآلة العسكرية للنظام الأسدي، بل إلى أيدي الإيرانيين والروس في تنسيق مُحكَم. وهذا هو الذي أثار انزعاج إسرائيل، وليس إمكانية بقاء النظام. بل لأن إيران صارت على الجبهة معها في سوريا بعد لبنان. ولذلك كثّفت غاراتها، إلى أن تلقت تطمينات من روسيا بوتين.

ومنذ الشهر الرابع من العام الحالي (2013) دخل النزاع والصراع على العرب، ومن خلال سوريا وغير سوريا في مرحلته الرابعة. مما مكّن الثوار، في المرحلتين الأولى والثانية، عندما كان التدخل الإقليمي والدولي لا يزال محدودا، أن يهزموا النظام عسكريا، لضعف قدراتهم، وضعف الدعم العربي لهم سياسيا وعسكريا. لكنهم أثبتوا قدرة عالية على التضحية والتصميم. والمسألة الآن ليست أن النظام سوف يبقى. بل إن هناك ثلاثة صراعات متداخلة؛ صراع عربي/ إيراني، وصراع تركي/ إيراني، وصراع أميركي/ روسي. وكما في أيام الحرب الباردة، فإن المظلة العالية للصراع على سوريا جرى تقاسُمُها بين الأميركان والروس. لكن بخلاف أيام الحرب البادرة؛ فإن أوراق الأطراف الإقليمية ليست كلّها بيد الجبارَين. فالأتراك مصلحتهم الاستراتيجية مع الأميركيين، لكنهم يملكون مصالحهم الخاصة في سوريا، وعلاقاتهم الخاصة بالعرب، والعرب مصالحهم الاستراتيجية مع الأميركان، لكنهم ما عادوا يستطيعون التعامل مع الوضع في سوريا، كما تعاملوا من قبل. والإيرانيون اضطُرّوا للجوء للمظلة الاستراتيجية الروسية، لكنهم يملكون رؤية ومصالح مختلفة عن الروس، في ملفات كبرى كثيرة، مثل النووي، والأكراد، والنظام الإقليمي، ومشكلات الأقليات. لقد مضت على نهايات الحرب الباردة عشرات الأعوام، وقد ظهرت مصالح جديدة، وفرقاء جدد. وإذا أمكن القول إن الأميركيين والروس محكومون بالتوافق والحلول الوسط خوفَ الأعظم؛ فإن الأطراف الإقليمية، خاصة العربية، ليست كذلك. ثم إنه في حالة سوريا، فإن ما يجري على الأرض سيظلّ مؤثرا في «التوافُق»، الذي يجري العمل عليه. وهذا ما يقوله البريطانيون والفرنسيون منذ أسابيع، حتى الحل السياسي، ولكي ينجح، فإنه محتاج لدعم أكبر للمعارضة السورية!

لستُ أزعُمُ أنّ مصائر الثورة السورية يتعلقُ بها توازُن القوى لصالح العرب أو ضدَّهم. فالاختلال الثاني في ميزان القوى بعد هزيمة عام 1967، حدث في غزو الأميركيين للعراق عام 2003، وتسليمه لإيران عام 2010. ولا تزال إيران في حالة اندفاع استراتيجي على الرغم من تزايُد التحديات بعد الثورات العربية. ولذا فإنه بالمؤتمر الدولي وقبله وبعده أو من دونه ينبغي العمل على تعديل ميزان القوى من خلال الاندفاع العربي بشتى الوسائل لنصرة الثورة السورية. ولولا شعور الإيرانيين بالخطر الشديد، لما اندفع حسن نصر الله هذه الاندفاعة الانتحارية. وإذا لم نواجه بكل القدرات إيران الآن في سوريا، فسنضطر لمواجهتها في حرب علنية ومن دون قناع خلال هذا العقد. إن هذا كله يعني المزيد من الضحايا والآلام للشعب السوري، وللعرب جميعا. لكنّ أرضنا ومنذ نكبة فلسطين صارت مسرحا وساحة للغُزاة الدوليين والإقليميين. وإذا لم نقرر الآن الصمود بأي ثمن في سوريا ودمشق وحلب وحماه وحمص، فقد لا تبقى لنا دول ولا مجتمعات، وليس بسبب الهجمات الخارجية فقط، بل وبسبب الاضطراب الداخلي:

فالنار تأكُلُ بعضَها

إن لم تجدْ ما تأكُلُه

عبدالله هادي
31-05-2013, 04:17 AM
فترة اختبار لثوار سوريا


ثمة قاعدة عامة أساسية في نزاعات الشرق الأوسط، مفادها أنه كلما تم الإعلان عن محادثات سلام، يكثف كل طرف القتال بحيث يمكنه الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الأراضي قبل رسم خطوط وقف إطلاق النار.

يحدث هذا الصراع على السيطرة الآن في سوريا، قبل المفاوضات المزمع إجراؤها في جنيف الشهر المقبل التي سوف سترعاها بشكل مشترك كل من الولايات المتحدة وروسيا. غير أن المعركة الدائرة على الأرض حامية الوطيس، كما أن الطلب على الأسلحة الإضافية قوي جدا، إلى حد أن أي شخص متشكك يجب أن يسأل عما إذا كانت محادثات جنيف ستتم بالأساس أم لا. ربما يتعين على الطرفين القتال لفترة أطول قليلا قبل أن يكونا على أهبة الاستعداد للدخول في محادثات.

من البديهي أنه لن يرغب أي من الطرفين في التفاوض من موقف ضعف. وبالنسبة لنظام الرئيس بشار الأسد، يعني هذا المزيد من الأسلحة الروسية ومعركة عنيفة (مدعومة من قبل حزب الله) للسيطرة على مدينة القصير ذات الموقع الاستراتيجي، التي تربط دمشق بالمعقل العلوي للأسد في الشمال الغربي. علاوة على ذلك، فإن الأسد يساوم بشراسة حول المرحلة الانتقالية، زاعما أنه سيبقى في السلطة فقط حتى إدلاء الشعب السوري بصوته في الانتخابات.

جاء ملخص جيد لمدى استعداد الثوار للمشاركة في مؤتمر جنيف من محادثة هاتفية تمت يوم الاثنين مع اللواء سليم إدريس، قائد المجلس العسكري الأعلى للثوار. وتحدث من الأردن، حيث تلقت قواته للتو شحنة جديدة ممثلة في 35 طنا من الأسلحة، وقال إدريس إن هذه الأسلحة ستلعب دورا مساعدا، ولكنها ليست متقدمة بالدرجة الكافية لمجابهة دبابات وطائرات الأسد المقاتلة في القصير.

وأشار إدريس إلى أنه لن يحضر محادثات جنيف ما لم تحقق الولايات المتحدة وحلفاؤها «توازنا عسكريا» بمنحه أسلحة حديثة مضادة للدبابات والطائرات. وقال إدريس: «ليس من المجدي الدخول في مفاوضات في الوقت الذي نعاني فيه ضعفا على الأرض».

إن قوات الثوار في حالة افتقار دائم للذخيرة، بحسب إدريس.

وحسبما أفاد أحد مصادر الثوار، فقد طلب من الولايات المتحدة سرا 700 طن من الذخيرة أسبوعيا على مدى الشهر المقبل للمساعدة في تقوية شوكة الثوار وتوفير مصدر قوة وتأثير قبل اجتماع جنيف.

وقال قائد الثوار إن الأسد «يستعد لإرسال ممثلين من النظام إلى جنيف في موقف غاية في القوة. إنهم يحاولون إخبارنا بأننا ضعفاء ولسنا متحدين، وأن علينا أن نقبل كل ما يقولونه». وحتى في حالة عدم حصول إدريس على المزيد من الأسلحة من الغرب، فقد أوضح أنه «مستعد للقتال لمائة عام» من أجل إسقاط النظام.

وأخبرتني مصادر من الثوار بأن إدريس يعتقد أنه سيكون «عملا انتحاريا» بالنسبة لأي زعيم معارضة أن يذهب إلى جنيف من دون «ضوء أخضر» يفيد بأنه سيتم خلع الأسد والدائرة المقربة منه إبان المرحلة الانتقالية.

بعث إدريس بخطاب إلى وزير الخارجية جون كيري نهاية الأسبوع الماضي يلخص فيه هذه المواقف التي تسبق التفاوض. وقال إن «الهدف الملح» الآن هو وقف القتال ومنع حدوث «انهيار كامل للدولة». وأشار إلى أن قواته «سوف ترحب بانتقال سلمي» إلى «سلطة مؤقتة» جديدة سوف تضم كلا من المعارضة «وأفرادا من النظام السابق لم يصدروا أوامر بارتكاب الأعمال الوحشية أو يشاركوا فيها».

وكتب إدريس إلى كيري: «كي يكون للمفاوضات قيمة حقيقية، ينبغي أن نصل إلى توازن عسكري استراتيجي، الذي من دونه سيشعر النظام بأنه قادر على إملاء أوامره، أو على الأقل أن نتمهل لفترة كافية من الوقت». ودعا إلى إصلاح الجيش، مع حل الأجهزة الأمنية التي تدير نظام الدولة البوليسية التي يقودها الأسد.

وخلال المقابلة، قال إدريس إنه كان يأمل فتح قنوات مع روسيا قبل محادثات جنيف. وهو على استعداد لمقابلة نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، لمناقشة دور روسيا المستقبلي، وأنه سيصطحب معه ثلاثة آخرين من قادة الثوار.

وقد حاول إدريس أيضا مخاطبة مخاوف البيت الأبيض من احتمال سقوط الأسلحة الحديثة المضادة للطائرات الممنوحة للثوار في أيدي الجماعات الإرهابية. وقال إن الأسلحة المتقدمة يمكن السيطرة عليها من قبل المقاتلين المدربين الذين خاضوا تجربة الجيش السوري، وأن المتعهدين الموثوق بهم يمكنهم نقلها والتحقق من سلامتهم.

تتجلى قوة المتطرفين داخل صفوف المعارضة بشكل مؤسف في الوضع الجاري في شمال شرقي سوريا. يقال إن «جبهة النصرة»، التي تعتبر فرعا من تنظيم القاعدة، لعبت دورا قويا على وجه الخصوص في منطقة دير الزور، من خلال سيطرتها على مبيعات القطن المحلية وتوزيع 100 عربة تم الاستيلاء عليها على المقاتلين والتخطيط لتسويق النفط بالمنطقة. ووصف مصدر من المعارضة الموقف بأنه «مقلق جدا».

هنا، يكمن أكبر اختبار بالنسبة لإدريس. إن عليه أن يتحدث بلغة الدبلوماسية، لكن يجب في الوقت نفسه أن يظهر قوته كقائد عسكري وألا يكتفي بقتال الأسد في الغرب، بل يقاتل الإرهابيين والقادة العسكريين في الشمال والشرق.

----------------------------------------



لمحة عما يمكن أن يحدث


عند مشاهدة خطاب الرئيس أوباما المقنع عن سياسة مكافحة الإرهاب يوم الخميس الماضي، لا يسعك سوى التساؤل عما يمكن أن ينجزه إذا تمكن من تطبيق ما قاله بالقدر نفسه في حكم البلاد التي أظهرها كرئاسة أركان سرية. بإعلانه وضع قيود جديدة على استخدام الطائرات المقاتلة التي تعمل من دون طيار للقتل بالاستهداف والدفع باتجاه إغلاق معتقل غوانتانامو، أشار أوباما بقوة أكبر من أي وقت مضى إلى رغبته في طي صفحة في التاريخ الأميركي بدأت بهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وقال في ختام خطابه: «لا بد لهذه الحرب أن تنتهي مثل كل الحروب الأخرى». وقال إنه أراد تعديل أو إلغاء تفويض عام 2001 باستخدام القوة العسكرية الذي يعد المبرر القانوني للحرب العالمية على الإرهاب. إنه يريد إبعاد أميركا عن الحرب المستمرة بحيث يتعين على الرؤساء القادمين تقديم تبرير حصيف لأي استخدام للقوة في المستقبل بحسب كل حالة.

ويتطلب إرساء هذا الواقع الجديد وضوحا فكريا وجرأة أيضا. إنها لمفارقة أن ترسخ قدما هذا الرئيس، الذي يمتلك سلطة إدارة وتجربة سياسية محدودة، في عالم الحروب السرية ويعرف متى يصعّد الأمور كما فعل في الهجمات، التي تجري بالطائرات التي تعمل من دون طيار، وهجوم مايو (أيار) 2011 الذي أسفر عن مقتل أسامة بن لادن، ومتى يخفف حدتها كما يفعل الآن. جاءت لحظة أوباما غير المخططة عندما قاطع إحدى الحضور عرضه لأكثر مشكلات الدولة الاستخباراتية حساسية ولم يخسر الرئيس أي خطوة، فهو لم يدافع فقط عن حق التي قاطعته في الحديث، بل دافع عن حقها في انتقادها للسياسات الأميركية وقولها إنها تؤدي إلى تدمير البلاد من دون قصد. ما يزعج أوباما هو الإرث الذي خلفه وراءه جورج بوش الابن من حرب خطابية ساخنة، قائمة على قواعد غير منضبطة وافتراضات سياسية بحرب طويلة لا نهاية لها. لقد عمل على الخطاب وجعل القواعد أكثر انضباطا. إنه حكيم من الجانبين.

لا تزال بعض السياسات غير واضحة. يقول الرئيس إنه يريد الابتعاد عن الهجمات التي تتم من دون طيار والاتجاه إلى استهداف من يمثلون «خطرا محدقا مستمرا» على الأميركيين فقط، لكن هذا ليس الآن وكذلك ليس في جميع الأماكن. إنه يعلم أن «محدقا» لا يعني فوريا، ولحماية الأميركيين ربما يقتل مفجر انتحاري على بعد آلاف الأميال وقبل أشهر. ويحظى بثناء البلاد بهذا الاعتراف الذي يتسم برباطة الجأش. ولا تزال هناك الكثير من التفاصيل، فعلى الساحة الأفغانية، التي تشمل منطقة القبائل في باكستان، يعتزم استخدام الطائرات التي تعمل من دون طيار بشكل كبير حتى انسحاب القوات الأميركية المقاتلة عام 2014. ما رأي باكستان في ذلك؟ ويريد الرئيس نقل مهمة تشغيل تلك الطائرات من سلطة الاستخبارات الأميركية إلى سلطة الجيش، لكنه لم يوضح كيفية تحقيق ذلك. إنه يريد المزيد من الرقابة على القتل بالاستهداف، لكنه يواجه اعتراضات دستورية وعملية على إيكال المهمة للمحكمة الخاصة أو لهيئة المراجعة التنفيذية. ولا تعد هذه خطة تحول مثالية، لكن شاهدت البلاد يوم الخميس الماضي رئيسا يؤكد أهمية التحذير الذي اقتبسه من جيمس ماديسون وهو «لا يمكن لدولة الحفاظ على حريتها في ظل حروب مستمرة». ولا ينطبق هذا القلق من الصراع المستمر على الطائرات التي تعمل من دون طيار، ولم يطلع أوباما على خطة للقوات العسكرية الأميركية إزاء سوريا يعتقد أنها ستجدي نفعا، لذا يرفض الموافقة عليها. ويدرك ورطة القيادة أحادية الجانب منذ الحادي عشر من سبتمبر، فلا أحد يريد تحدي قرار رئاسي في وقت اتخاذه، لكن يريد الجميع تقديم تخمين آخر. إنه محق في ضرورة تغيير طرفي المعادلة. ويبدو أوباما بدوره الماكر كرئيس أركان سري أنه استوعب نصيحة روبرت غيتس، وزير دفاعه المنتقد كثيرا، خلال مدته الرئاسية الأولى؛ فقد حذر غيتس قائلا: «يفسد شخص ما في مكان ما في الحكومة الفيدرالية كل يوم شيئا، ويمكن أن يصل ذلك إلى البيت الأبيض». لقد وضع أوباما، المتبع لنصيحة غيتس، حدا لانفلات قواعد الجيش والاستخبارات خلال إدارة الحروب الأميركية السرية، لكنه قرر أيضا مهاجمة بن لادن مع علمه بأن هذا سيؤدي إلى كارثة. ويتمثل التحدي، الذي يواجهه أوباما الآن مع بداية العودة بسياسات مكافحة الإرهاب الأميركية إلى المسار الصحيح المتمثل في التعامل مع التهديدات الحقيقية، في استخدام نفس الصرامة والحزم، مع الصراحة والنقاش المجتمعي، في معالجة المشكلات الأكبر التي تتعلق بإدارة شؤون أميركا.

عند مشاهدة أوباما يوم الخميس تشعر بأنه لا يزال يتمتع بالذكاء والحكمة التي تحتاجها قيادة البلاد بعيدا عن هذا الوضع المتدهور الفوضوي. ولهذا السبب أعادت البلاد انتخابه؛ استمر.

عبدالله هادي
31-05-2013, 04:28 AM
فاتورة حزب الله


بعد الخطاب التلفزيوني الأخير لزعيم ميليشيا حزب الله، حسن نصر الله، لم يعد هناك مجال للبحث والاعتقاد ومحاولة فهم موقف حسن نصر الله من دعم نظام بشار الأسد والقتال دفاعا عنه، فهو أعلنها بصريح العبارة وبلسانه وبشكل واضح وصريح وقدم مبرراته «العجيبة» لشرح موقفه هذا، وقال لأنصاره إنه يعدهم بالنصر، وطلب من مخالفيه في الموقف من اللبنانيين والمؤيدين لثوار سوريا عدم الاقتتال في طرابلس ولكن الاقتتال في سوريا، وهي لغة غير حكيمة وغير منطقية على أقل تقدير.

بدا حسن نصر الله في خطابه مرتبكا ومتوترا يصرخ تارة ويبتسم بلا داع تارة أخرى، يذكر الناس أنه حركة مقاومة ويكاد يقسم مذكرا وكأنه يستشعر حجم المصداقية الهائل الذي تبخر منه بسبب موقفه المؤيد لنظام مجرم ودموي وطاغية. يدرك حسن نصر الله أنه بات عليه سداد أكبر فاتورة جراء الثورة السورية، فسُمعته كفصيل مقاوم تبخرت وطارت ولم يعد بالإمكان ربطه أبدا بفصيل قاوم إسرائيل، والسمعة التي نالها جراء ذلك اختفت، ومع كل ذلك زال الحصن الشعبي الذي كان بمثابة غطاء وشرعية عظيمة له تقيه أمام كل المواقف السياسية المتناقضة، وخصوصا في الداخل اللبناني، وأصبح مكشوفا أمام العالم.

ويضاف لتوتر حسن نصر الله تحديدا وحزب الله عموما أنه يدرك تماما أن شريان الحياة المتمثل في بقاء النظام السوري يزول، وأن العمق الإيراني لن يكون بإمكانه تعويضه بسبب البعد الجغرافي وصعوبة إيجاد التجهيزات نفسها التي وفرها نظام الأسد بشكل مؤثر وفعال، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل هيبة الحزب العسكرية بأنه قوة لا تقهر خلخلت قوة إسرائيل وأرعبتها وكانت أهم مهدد لها، تبخرت هي أيضا وتحول الحزب وقوته العسكرية إلى «ملطشة» أمام قوة الثوار، وكانت أرتال جثث حزب الله تعود وسط ذهول وصدمات ونحيب المعزين والمشيعين من هول الصدمة وعنف الخسارة. كذلك خسر الحزب العديد من أهم رجالاته وقادته الميدانيين الذين تصدروا لمهمة القضاء على القصير «بسرعة وفعالية»، وكلفه ذلك الأمر تمددا في الأراضي لم يعهده، وكشفه للثوار وأنهك ميليشيا حزب الله التي لم تعتد قط على مثل هذه المواجهات، وتحول اعتقاد حزب الله بشكل كامل إلى قناعة وإيمان مطلق بأن سقوط بشار الأسد الوشيك هو نهاية الحزب، وهو الذي يفسر القتال الأشبه بالجنوني من عناصر حزب الله وتحولهم إلى من يقاتل وهو في الرمق الأخير.

لم يعد حزب الله قادرا على التفريق، حيث موقفه المتشابه والمتطابق مع خطاب إسرائيل وهما يدعوان للقضاء على التكفيريين ومنع وصولهم بأي شكل والبقاء على نظام الأسد مهما كان الثمن، والحزب بهذا الشكل تحول إلى أداة تنفيذية حقيقية لرغبة أميركا وإسرائيل في القضاء على «التكفيريين ونابشي القبور» بحسب وصف حسن نصر الله للثوار السوريين الذين يقاتلونه وحزبه.

حسن نصر الله وميليشياته أصبحوا في ورطة لا مخرج منها، فهو عدو علني لسوريا اليوم وثورتها، وعدو لمعظم لبنان ولا ضمان له للنصر لأن المجتمع الدولي مجمع على عدم بقاء الأسد بما في ذلك الروس الذين صرحوا بأنهم راغبون في إبقاء الدولة وليس الأسد.

حسن نصر الله مثل الطغاة الذين سبقوه وتاجروا بقضية فلسطين ففضحتهم الجغرافيا.. عبد الناصر أضاع الطريق وانفضح في اليمن، وحافظ الأسد في لبنان، وصدام حسين في الكويت، وها هو حسن نصر الله يُفضح في القصير بسوريا. حسن نصر الله وحزبه انتهوا.

عبدالله هادي
31-05-2013, 04:34 AM
طلال سلمان.. هل من أمل؟


هذه حرب ليست كبقية الحروب العربية، إنها حرب بين «العناصر الأولية» لمكونات الهوية، أو هكذا تدار.

أمسينا طوائف، نتكلم بقاموس المِلل والنِحل.

يوم الاثنين الماضي كتب رئيس تحرير «السفير»، الصحافي اللبناني المعروف، طلال سلمان عن تورط لبنان في الحرب السورية، وهو يعني تدخل حزب الله الى جانب بشار الأسد، في مقابل تدخل متطوعين، سُنة، مع الثوار، بعد أكذوبة سياسة «النأي بالنفس».

كلام طلال سلمان لافت، لأن الرجل، رغم كونه شيعيا بالمعنى «البيولوجي» للكلمة، لكنه لم يكن يوما إنسانا أصوليا، أو من أتباع فكرة ولاية الفقيه، على العكس فهو عروبي الهوى، منفتح الثقافة، وصحافي ماهر، وصاحب تاريخ مهني، لكنه يقارب تدخل حزب الله، وتورط لبنان في هذه الحرب الرهيبة بسوريا، من منظور لا تستطيع أن تنفي عنه هواجس الطائفة، بالمعنى الاجتماعي والنفسي، لا الديني.

يقول طلال سلمان: «إنها معركة دفاع عن النفس قبل أن تكون دعماً للنظام في سوريا».

ويسجل لحزب الله، أن تدخله في الحرب كان متأخرا جدا، عن التنظيمات (السُنية) ذات الشعار الأصولي، والتي أوفدت وما تزال توفد المجاميع..

ويكثف هواجسه بهذه الجملة التي تندرج ربما تحت عنوان: أعلل النفس بالآمال أرقبها/ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!

فيقول: «وقد تكون هذه المعركة استباقية في توقيتها منعاً لتمددها، ولكنها متوقعة، وهي حرب مفروضة لا مفر من مواجهتها قبل أن يتوسع مسرحها لإدخال المنطقة جميعاً في (فتنة كبرى) لا تبقي ولا تذر».

الحق أنها ليست حربا لا مفر منها، بل كان يمكن الفرار منها بعيدا بعيدا، لولا سياسات إيران الهجومية الخمينية، ولولا شعارات ايران التي «نشّطت» الشعارات الأصولية السُنية المقابلة، وبثت فيها «إشعاعا» نوويا، ومن دق الباب سمع الجواب كما يقال.

حزب الله، هو شظية عضوية، من جسد الجمهورية الاسلامية الايرانية، ذات الآيديولوجيا الخمينية، القائمة على فكرة من صميم الثورية الاسلامية، بنسخة شيعية، فيها قبسات إخوانية قطبية. كان يقال من بداية الثورة السورية، حينما كانت سلمية، وشعاراتها وطنية، قبل ولادة ما سمي بجبهة النصرة، كان يقال للنظام: صالح وأصلح، وللعالم، ادعم المطالب، واحضن المعارضة، وحينما تحولت المعارضة الى خيار السلاح، بعد بضعة أشهر، وبعد مجازر النظام، كان يقال للعالم الغربي والعربي، بادر باحتضان الثوار «الوطنيين» حتى لا تلجأ الناس الى اليأس فيستعان بشيطان «القاعدة» والتكفير والجن الأزرق..

كان يقال كل هذا.. ولا جواب.. ولا مجيب.

الآن، نحن نعيش نتيجة هذا التخاذل، والتكاذب الذي كان حزب الله يمارسه أيضا من خلال دعواه أنه لم يتدخل وأنه مع المعارضة الإصلاحية... وأنه وأنه، ثم لما أحس النظام بوطأة المعارضة المسلحة، ودفع حزب الله ثمن انحيازه العقائدي، هانحن نرى الثمرة، ونعمى عن الشجرة التي تدلت منها هذه الثمار!

هل من أمل؟

لا ندري، لكن بشار الأسد يؤكد مجددا كما في مقابلته مع فضائية «المنار» التابعة لحزب الله، أنه «وحزب الله في محور واحد».

ربما كان لفوز شخص مثل هاشمي رفسنجاني أن يفتح ثغرة نور في جدار الصلف الإيراني، لو نجح ترشحه، لكن رجال المرشد منعوه، وقد قال الرجل الأربعاء الماضي في كلمة له بحضور أعضاء حملته الانتخابية إن أهم سبب دفعه للترشح هو وضع حدٍّ للخلافات بين السُّنة والشيعة في المنطقة، حسب وكالة «إيلنا» العمالية شبه الرسمية.

نعم هناك من يكره الشيعة، ويكفرهم، وهم موجودون باستمرار، ويحبون أن يروا العالم بمنظار طائفي فقط، ومن أجل ذلك، بوجه خاص، كنا نحذر في الكارثة السورية من موقف حزب شيعي يرفع شعارا أصوليا، كحزب الله، ويمارس السياسة من ***** «ولاية الفقيه» ويتبع دولة ينص دستورها على أنها دولة شيعية تتبع قيادة المرشد، ويقاتل رجالها في إيران والعراق تحت شعارات وهتافات طائفية.

كنا نحذر.. ولا مجيب ولا جواب.

هذه هي النتيجة، للأسف، والخاسر هم أعداء الطائفية من الجانبين... إلى أجل غير مسمى.

عبدالله هادي
31-05-2013, 04:35 AM
بعد أفغانستان تأتي «سورياستان»



الخبر الذي نشرته «الشرق الأوسط» من صنعاء ولندن، والذي يؤكده «مصدر يمني مطلع» بأن جماعة الحوثيين أرسلت خلال الفترة الماضية مئات من مقاتليها للقتال بجانب قوات النظام السوري، أمر شديد الخطورة.

وحتى نرى الصورة كاملة، فإنه يتردد أن داخل الأراضي السورية من ينتمون إلى 38 جنسية يقاتلون مع أو ضد النظام.

وعلى سبيل المثال، يمكن القول إن هناك مقاتلين من «الجهادية» و«السلفية» من مصر، ومن «جبهة الإنقاذ» في الجزائر، ومن الحركة السلفية في تونس.. ومن حزب الله في لبنان، ومن التنظيمات الجهادية في طرابلس، ومن المسلمين في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا والسويد والدنمارك، ومن أفغانستان وباكستان والصومال.. وأخيرا اليمن!

وبالطبع لا يمكن نسيان وجود قوات تنتمي إلى الحركات الكردية السورية المنتمية بالولاء لحركة أوجلان، ولا نسيان أو تجاهل كل تيارات وفصائل «القاعدة» المهاجرة من العراق إلى سوريا بعد خبرة طويلة من القتال ضد الأميركيين واللجوء إلى أساليب التفجير والتفخيخ ضد حكومة المالكي.

ولا بد من التوقف طويلا أمام دور مقاتلي وخبراء إدارة المعارك في الحرس الثوري الإيراني الذين قتل وأصيب بعضهم في معارك ضارية مؤخرا، وأيضا لا يمكن تجاهل دور عملاء المخابرات التركية الذين ينتشرون عبر الخطوط التركية - السورية المشتركة، والذين يلعبون دورا مهما في دعم قوات المعارضة.

ويلعب الأردن دورا بالغ الأهمية في مجال تأمين النازحين الذين تعدى عددهم أكثر من 300 ألف نازح سوري، وفي أن عمان قاعدة معلومات أساسية ودقيقة للأوضاع في سوريا. هذا كله يجعل من الوضع داخل سوريا أكثر تعقيدا من ذي قبل، ويجعل احتمالات السيطرة عليه شبه مستحيلة، وينذر بذيول سياسية وأمنية مخيفة حتى لو تمت أي تسوية سياسية شاملة.

وقد علمتنا تجربة أفغانستان ثلاثة دروس رئيسة:

1- لا يمكن فرض حل عسكري على مجتمع قبلي وطائفي ومتطرف دينيا.

2- القوى الأجنبية دائما ليست الحل الحاسم في إحداث الاستقرار إذا ما كان الحل الداخلي من قبل الأطراف المعنية مستحيلا.

3- دخول مقاتلين أو إدخال أطراف مقاتلة من دول أخرى على مسرح العمليات العسكرية يزيد تعقيد الموقف على الدولة التي يدور فيها القتال، ويفتح أبواب جهنم على الدول التي أرسلت هؤلاء عقب عودتهم إليها مرة أخرى.

إن تجربة أفغانستان علمتنا أنها كانت بيئة حاضنة بقوة لكل عناصر التطرف الديني والمذهبي في المنطقة، والتجربة السورية ستصبح أكثر خطورة لأنها تحتضن قوى معبرة عن طرفي النقيض؛ سواء من مؤيدي الحكم (إيران، وحزب الله، والحوثيون) أو المعارضة (كل من يعادي الفريق الأول).

إن تحويل سوريا إلى أرض قتل وقتال لكل القوى المتصارعة مذهبيا ودينيا وسياسيا، خطر عظيم ولعب بالنار.

عبدالله هادي
31-05-2013, 04:40 AM
هل نشهد تصعيدا للحرب الإقليمية في سوريا؟


بعد التطورات القتالية والمكاسب التي حققتها قوات النظام السوري في منطقة القصير وبعض ضواحي دمشق، وتزايد الكشف عن دور قوات حزب الله، وفقدان الجيش الحر لزمام المبادرة - في المرحلة الحالية - في مناطق العمليات الساخنة، اعتبر رئيس أركان الجيش الإيراني أن المعارضة «هزمت» أمام ما سماه «المقاومة السورية واللجان الشعبية والجيش النظامي». وفشلت الجهود الغربية في زحزحة موقف القيادة الروسية التي يحتمل قيامها برفع القيود عن تزويد النظام السوري بصواريخ «S300» المضادة للطائرات والصواريخ أرض – أرض، رغم الاعتراضات الأميركية والإسرائيلية المستمرة، لما يمكن أن تحدثه من نقلة نوعية في الدفاع الجوي السوري، قد تؤثر على برامج التدخل العسكري المحتمل.

من الناحية العسكرية المجردة، حققت كفة النظام تقدما على مدى الأسابيع القليلة الماضية، ولم يظهر نقص في مستويات القصف والعمليات، مما يدل على تدفق مستمر للسلاح والعتاد، من قبل روسيا وإيران حليفي النظام القويين المتمسكين بموقفيهما المعلنين، فضلا عن تزايد القوة البشرية العسكرية الموالية للنظام. وفي المقابل، لم تظهر تجهيزات قتالية حديثة يعول عليها لدى كتائب «الجيش الحر» والتشكيلات القتالية المعارضة الأخرى، وكل ما قيل عن تجهيز ومعدات لم يتعدَ المواقف الاستهلاكية الواقعة على أقل تقدير تحت ضغط بيروقراطية قرارات السماح بتسليح قوات المعارضة، والتلكؤ الغربي خشية وقوع السلاح في أيد غير موالية لمصادره.

وتشكل نشاطات حزب الله في سوريا، والتفجيرات التي طالت أهدافا مدنية في مدينة الريحانية التركية، والقصف الجوي الإسرائيلي لمواقع عسكرية في دمشق، تطورات مهمة في حالة الصراع، واتسم رد وزير الإعلام السوري على الاتهام التركي للنظام السوري بتدبير هجمات الريحانية، بلهجة أقرب ما تكون إلى التحدي والاستعداد للتصعيد المقابل، حيث حمل الحكومة التركية مسؤولية الهجمات بسبب مواقفها تجاه الأزمة السورية. وبقي رد الفعل التركي كلاسيكيا ويعكس تجنب القيادة التركية اتخاذ قرارات عسكرية منفردة، لأنها لا تريد تحمل مسؤوليات أكبر مما تضطلع به حاليا، ضمن السياق العام لسياسة الدولة.

وطبقا لحركة الأحداث والمعلومات، فإن من المتوقع حدوث تطورات نسبية على مستوى تسليح قوات «الجيش الحر»، ومساعدته في جوانب المناورة والتخطيط، لإعادة تغيير معادلات المبادأة وشن عمليات إرباك للتأثير على توازن قوات النظام وقراراته. وعلى مستوى النشاطات المقابلة أيضا تبدو الساحة التركية أكثر عرضة لهجمات تجاه التجمعات المدنية، لصعوبة الوصول إلى مواقع عسكرية، خصوصا بعد الاتفاق التركي مع حزب العمال الكردستاني بالانتقال من الأراضي التركية إلى كردستان العراق. ومثل هذه الهجمات قد تدفع الولايات المتحدة إلى التجاوب مع الضغوط التركية والعربية للقيام بفعل ما يجرد النظام السوري من مزايا التفوق القتالي، التي بات من الصعب توقع تآكلها سريعا على يد قوات المعارضة المسلحة، بسبب الدعم المفتوح للنظام من قبل حلفائه.

وتحاول الإدارة الأميركية الوصول إلى مبرر دامغ للتدخل، لمجابهة حالة الاستعصاء واحتمالات انتقال العنف إلى خارج سوريا، ويبدو أن موضوع الأسلحة الكيماوية هو المنفذ الأوسع المؤدي إلى قرار التدخل، حيث دأبت واشنطن على تجديد الحديث عن الموضوع باستمرار، فضلا عن أن هجمات إسرائيلية جديدة قد تقابل بردود فعل صاروخية خروجا عن قاعدة عدم الرد المعتادة، وهو ما يعني المزيد من التصعيد خارج الأطر الحالية حتى الآن. ولا يستبعد ظهور مؤشرات لجماعات مسلحة لبنانية أو إيرانية أكبر على الساحة السورية، سيكون من الصعب التكتم عليها، بسبب التباين الكبير في مجريات العمليات القتالية والتطورات على الأرض عما كانت عليه في الفترات الماضية.

وسواء نجحت الجهود الثلاثية الأميركية - البريطانية - الروسية لعقد مؤتمر جنيف 2 أم لم تنجح، فإن العمليات القتالية ستزداد ضراوة في مناطق دمشق ودرعا وحمص لأسابيع عدة على الأقل. ولم تعد حلب بعيدة عن احتمالات التصعيد، إلى جانب الهجمات الجوية والصاروخية المستمرة. غير أن من المستبعد أن تؤدي المعارك إلى شكل من أشكال الحسم قريبا، وتبقى عناصر التدخل الإقليمي مستمرة، وستترك هزيمة أي من الطرفين الإقليميين أثرا كبيرا على مستقبل المنطقة. وفي ظل هذه الأوضاع المتشابكة التي أصبح من الصعب التكهن بنهاياتها، يعيش اللاجئون السوريون حياة بالغة القسوة داخل سوريا وخارجها، وأظهرت الشعوب العربية لا مبالاة غريبة حيال أزمتهم المعيشية.

---------------------------------------------


«سنة عرب العراق» والانزلاق عن الترفع


من علامات السوء أن تتبدل الأدوار أو تتسع في مدار الاتهام بالطائفية بين سياسيي العراق الحديث، رغم أن التفسير المنطقي يفرض حالة صحية مستجدة تستند إلى غياب الشعور بالاستفزاز من طرف دون آخر. ففي السابق، كان الاتهام بالطائفية موجها إلى بعض سياسيي شيعة العراق خارج السلطة قبل حرب 2003، وضمن هياكل السلطة بعد الحرب. أما الآن، فقد ارتكب «سياسيون» من سُنة عرب العراق خطأ الانزلاق عن موقع الترفع عن الطائفية - ترفعا حقيقيا كان أم زائفا مغطى بسلطة الحكم سابقا - إلى قعر التوصيف الطائفي، بهجوم علني لم يستثنِ أحدا من شركاء الوطن، إلا في سياق استدراك ضعيف التبرير، وهو ما كان مفترضا تفاديه طالما بقي قدر من التعايش قائما.

وإذا لم يكن الوطن مقدسا مقابل مشكلات ظرفية تتغير مع مرور الوقت المصحوب بالإيمان بمعطيات القيم التي تصل إلى صفة التقديس، فإن الأنانية الفردية - حتى إذا كانت بصفة الجمع المجزأ - تدل على انزلاق عن سمو المواقف المبدئية، فمن يكشف عدم علاقته بمصير جزء من شريحة ينتمي إليها، يفقد شرعية التحدث عن هوية تلك الشريحة وكيانها، حتى لو جرى تغليف الحالة بغلاف «الحرص على الدين»، وحتى لو فهم أن ضفتي النهر الواحد حالتان غريبتان عن بعضهما لا العكس.

الاضطراب في موقف سياسيي سُنة عرب العراق لم يعد يتوقف عند حدود معينة، فمنهم من يتحدث عن إقليم في المحافظات الست، عادا ضمنها العاصمة بغداد وكركوك المختلف عليها مع الكرد وديالى بكل تعقيداتها الشائكة، وهو ادعاء ينم عن تبسيط أو جهل أو تغطية مهلهلة لمشروع يؤدي إلى شرذمة المواقف الموحدة للشريحة المعنية التي يمكنها الإسهام في توحيد العراق، وإعادة ردم فجوة الاختلافات التي ابتلي بها العراق جراء سياسة بعض السياسيين، ونهج بعض رجال الدين من الطرفين، ممن لا يقدرون انعكاسات تطور الاختلافات وتحويلها إلى مسألة تعطى صفة عقائدية.

ومن الواقع المر أن معظم دعاة الإقليم لا يدركون حجم المخاطر التدميرية في ظروف تصادم تآمري تشهده المنطقة، وهو ما أدى إلى ظهور تيارات وشخصيات معروفة تذهب إلى حد تجريم وتخوين أصحاب مشروع الأقاليم الطائفية، التي لا تستند إلى التفسير الآخر لمطالب الأقاليم أو الإدارة اللامركزية، وتبقى للحالة الكردية خصوصيات موضوعية لم تعد موضع نقاش. وقد ظهر هذا الاتجاه المضاد نتيجة الهجوم مما يوصف بأنهم أقلية سياسية تتحكم في مشاعر الناس وفق اعتبارات معلومة، غير أن الشعب قادر في النتيجة على فرز المواقف وبلورتها بهدوء وصبر وتأنٍ، وكلما ترجلت القوى الحريصة على التفاهم والوحدة عن ظهور ما هي عليه، يمكن تجنيب العراق مشكلات العنف و«التآمر».

الذين يتحدثون عن الحرب يخرقون أسس العلاقات الوطنية، فضلا عن جهلهم بالقدر الأدنى من الفهم الاستراتيجي للحرب، وهو ما لا نرى له وجودا، فمعظم الجنرالات السابقين معارضون لهذا التوجه عندما تتاح لهم فرص التعبير، أما الشباب المتحمس فلم يخُض معاناة الحروب التي سببت كل هذا الدمار المادي والمعنوي والمجتمعي. ثم إن الحرب مع من؟ إنها بين أبناء العشيرة الواحدة والمدينة الواحدة والأمة الواحدة، وهو ما يجسد صورة «المؤامرة السوداء».

غير أن الوقوف إلى جانب مبدأ التفاهم والتعاون والوحدة لا يعني تجاهل أو إغفال حقوق المواطنة؛ فحتى المجرمون لا بد أن يجري التعامل معهم وفق مقاييس الوطن وأخلاقياته الإنسانية، من دون الحاجة إلى البحث عن معايير أخرى. ويبقى تكثيف التواصل العشائري ضروريا في معالجة ما يفسده راكبو الموجات الظرفية من أي لون كانوا، فهؤلاء في المحصلة طارئون عابرون سرعان ما تعبرهم صفحات الأحداث، فالعراق أكبر منهم جميعا.

وبحكم رؤية الاختصاص العام عسكريا، والخاص كما تعرفه الأجهزة الخاصة، فإن منطقة الشرق الأوسط لا تتحمل اتساعا للحرب الجارية على الساحة السورية، فالذين ذاقوا مراراتها قبل ثلاثة عقود، أو شهدوها من مواقع الرصد والمتابعة الإقليمية، مدعوون اليوم إلى المساعدة في عدم التدخل في حالة قد لا يدركها جيل شباب المختصين كما ينبغي، فحروب العراق تختلف عن غيرها، ولا خيار غير الجنوح إلى العقل ومنطق الإصلاح، والعراق باق والسياسيون راحلون، ولا مجال للتصعيد من أي طرف من أطراف اللعبة.

------------------------------------------------



التعتيم المخابراتي في الشرق الأوسط.. لماذا؟


لا شيء أكثر أهمية من المعلومات في مناطق الحروب والأحداث، فهي مهمة للمشاركين في الحرب والحدث، ومهمة للمتابعين والمؤسسات القانونية ولمنظمات حقوق الإنسان وللمنظمات الدولية ووسطاء السلام، وربما أكثر أهمية للمؤسسات الإعلامية ولكل من يدخل تحت هذا التصنيف بأي مستوى كان. فحركة المعلومات تساعد على البحث والتحليل وقراءة احتمالات تطور الحرب والأحداث، ومن خلال القراءة يمكن التوصل إلى آراء وتوصيات ومقترحات كثيرا ما تغيب عن فطنة وإدراك وكفاءة مؤسسات حساسة، بما في ذلك أجهزة الأمن والاستخبارات، خصوصا تلك التي لا يزال بناؤها حديثا وتفتقر إلى المحللين من ذوي الخبرة العالية، فلا شيء أكثر تعقيدا من إعداد المحللين للوصول إلى مستوى تحويل نتف المعلومات إلى استنتاجات قوية، يجري التعامل معها بوصفها حقائق ثابتة، وتصدر القرارات في ضوئها.

في كثير من الحروب يجري تعيين مراسلين حربيين، يتابعون حركة القوات، ويطلعون على حقائق تقترب إلى حد ما من بعض ما هو متاح لضباط الاستخبارات، وهؤلاء هم الذين يثيرون انتباه المؤسسات المعنية والأفراد على مستوى الشعوب من متابعي الأخبار. وكان لافتا ظهور مراسلي قنوات فضائية «مؤيدة للثورة السورية» في خطوط القتال الأمامية في دمشق، مثلما كان مثيرا توقف مثل هذا النشاط فجأة. وقد عرفت وسائل الإعلام الغربية بالجرأة في مثل هذه المواقف، كما حصل للصحافية البارعة ماري كالفن، التي قضت في حمص العام الماضي، ومبعوثي قناة «العربية» إلى حلب ودرعا وغيرهم.

لكن ما يثير التساؤلات هو تغيب أجهزة الاستخبارات الإقليمية عن التصريح والكشف عن معلومات تعكس صورة قريبة إلى الوضع الحقيقي لسير الحرب وتطور الأحداث. ولا يعقل أن تحجب أجهزة استخبارات منغمسة فيما يحدث في سوريا، ولو من باب المراقبة الدقيقة المباشرة، كل مستويات المعلومات وحركة الأحداث واحتمالات المستقبل عن كل من يهمهم ذلك. فواجب الأجهزة ليس فقط الاهتمام بمهمتها المباشرة تجاه قياداتها، بل هي معنية لاعتبارات كثيرة بإحاطة الرأي العام بما يمكن الاسترشاد به في مجالات الحياة اليومية.

وخلاف أجهزة الاستخبارات العربية والإقليمية الأخرى، التي لا تزال تحتفظ بسقف ممنوعات مرتفع، قد لا يكون معظمه ضروريا، نرى الاستخبارات الإسرائيلية هي الأكثر شفافية وتصريحا وتوضيحا. فمنذ بدء الحرب السورية لم أقرأ تقريرا أو تحليلا أو تصريحا لجهاز استخبارات من كل دول المنطقة، بما في ذلك الاستخبارات التركية، التي قد تكون معنية أكثر من غيرها بما يحدث هناك، وهو مما يجعل البحث في قراءة الاحتمالات أكثر تعقيدا. لذلك تكون الأجهزة الأكثر سخاء في المعلومات والرأي أكثر تفاعلا في مشاركة الآخرين لإيجاد حلول، يحتاج إليها المسؤولون السياسيون والعسكريون والمؤسسات الأممية، للحد من ديكتاتورية أو بيروقراطية المؤسسات.

قبل بضعة أسابيع قرأت تحليلا يعكس وجهة نظر الاستخبارات الإسرائيلية حول الوضع العسكري السوري، وما تمكن المعارضون من تحقيقه بقوة السلاح، وآفاق مستقبل النظام وخياراته الرئيسة، ومثل هذه التقارير غالبا ما تنشر من قبل مدير جهاز استخبارات ترك الخدمة حديثا أو لا يزال في موقعه، أو من قبل محلل كبير ضمن الجهاز المعني. وكان هذا التحليل المستند إلى معلومات من مصادر مختلفة هو الأوضح مما نشر آنذاك في ظل غياب دراسات يعوّل عليها من قبل مراكز الدراسات، التي بقي معظمها عاجزا عن توضيح حقيقة ما يجري، بينما الصورة أبسط بكثير من حالة التعقيد.

وهناك من يعتقد بأن الاستخبارات الإسرائيلية بأسلوبها هذا إنما تسعى إلى إبراز كفاءتها وقدرتها على المتابعة لتعزيز مكانة الدولة لدى دول الاهتمام والمجتمع الدولي، وهو اعتقاد يمكن الأخذ به، فيما يذهب البعض إلى توصيف هذا النشاط بأنه محاولة نفسية لإقامة علاقات مع الأشخاص الأكثر كفاءة ومتابعة في هذا المجال على مستوى الإقليم، وهو ما أرى نقيضه تماما، لأن المواد المنشورة تعطي إجابات وافية للمتابعين بما لا يدع حاجة للاتصال المباشر.

على الاتجاه الآخر، هناك من يحرص على بقاء كل تحركات أجهزة الاستخبارات ومعلوماتها سرا. غير أن بقاء سقف الممنوعات مرتفعا يسهم في تقليص فرص البحث عن تقليل المعاناة البشرية من الحروب والأحداث الساخنة، فالإعلاميون كثيرا ما تكون لهم لمسات في تعديل المسارات الخاطئة.. وهذه دعوة للأجهزة المعنية للانفتاح على الرأي العام وعدم التزام الصمت.

عبدالله هادي
01-06-2013, 06:47 PM
كيف بدد المالكي أموال العراقيين في سوريا وإيران؟


قبل أشهر كانت قراءتي عندما قلت بتورط الحكومة العراقية في سوريا خدمة للنظام الإيراني، بلا أسانيد كافية، بنيتها على روايات ونشاطات إيرانية - عراقية في مصر ولبنان وغزة وسوريا. اليوم الصورة أوضح والأدلة كثيرة، حكومة نوري المالكي بالفعل تلعب دورا ضخما في مساندة المشاريع الإيرانية، من التمويل المالي الكامل إلى حد التورط العسكري في مقاتلة الشعب السوري.

المالكي، الذي يفترض أنه رئيس وزراء ائتلافي، لأن حزبه «الدعوة» لم يحقق النصاب الكافي لتولي المنصب، تحول تدريجيا إلى ديكتاتور بكامل الصلاحيات. وهو مثل رئيس كوريا الشمالية، رئيس وزراء، ووزير للدفاع، على اعتبار أن ترك سعدون الدليمي وزيرا بالوكالة لا يعتد به. وهو الآن وزير المالية بعد أن اتهم الوزير رافع العيساوي بأنه إرهابي. ومنذ البداية أمسك في يده بصلاحيات الأمن والاستخبارات، والأغرب أنه كذلك رئيس البنك المركزي.. بسبب نهمه للسلطة الذي لا نظير له أبدا، تحت زعم الديمقراطية الانتخابية التي أصلا فشل فيها، حيث حصل على مقاعد أقل من منافسه الدكتور إياد علاوي، يتصرف اليوم بديكتاتورية، والأسوأ أنها في خدمة النظام الإيراني.

ولأن إيران محاصرة اقتصاديا بسبب مشروعها النووي، ولا تستطيع بيع النفط إلا القليل منه، ولا المتاجرة مع العديد من دول العالم، بل ولا تستطيع تحويل الدولار نتيجة الحظر والملاحقة الأميركية، فإن المالكي أصبح يقدم لها هذه الخدمة مجانا، ينفق على مشاريعها السياسية من أموال الشعب العراقي مليارات الدولارات. الفواتير الإيرانية أرسلت للمالكي يدفعها بالنيابة، لحزب الله، وحركة حماس، وقدم عرضا بثلاثة مليارات دولار للرئيس المصري محمد مرسي، مجانا، في حين أن قطر التي تلام على دعمها مرسي قدمت مبلغا مثله لكن بفائدة بنكية عالية. وعقد المالكي صفقة سخية مع موسكو لشراء أسلحة، ومول نظام الأسد بما يحتاجه مالا وذخائر، وتكفل بمصاريفه الخارجية، وينقل له الوقود بلا توقف منذ نحو عامين، لهذا لم تتوقف الآليات العسكرية السورية عن الحركة رغم توقف مصافيها البترولية.

لقد نجح المالكي في رفع الحصار على إيران التي استمرت في مغامراتها العسكرية الخارجية. ونجح في تبديد أموال الشعب العراقي الذي لا يزال من أفقر الشعوب العربية، تحت المالكي الذي يحكم العراق بلا منافس منذ عام 2006، وهو صاحب كل القرارات بلا منازع، وتحت يده ثروة لم تشهد البلاد مثلها في الـ100 سنة الماضية. حتى عندما غادر الأميركيون سلموه نحو سبعين مليار دولار مما تبقى من أموال، فضلا عن أنه يبيع من النفط حتى أكثر من دولة الكويت!

المشكلة ليست الحرمان والفقر فقط، بل الاستقرار المفقود بسببه. وكأن الشعب العراقي لا يكفيه ثماني سنوات حرب خاضها الديكتاتور الذي سبقه، صدام حسين، ضد إيران، واثنا عشر عاما ما بين حرب الكويت وما تلاها، ثم سبع سنوات من مواجهة للإرهاب بعد سقوط صدام. كأن سنين الدم والفوضى لم تعلم المالكي شيئا حتى يمنحه الإنسان العراقي، فيمنحه الأمن والسلام والتنمية، بل فتح معارك شخصية ضد زعامات سنية وكلهم كانوا حلفاءه مثل المطلك والهاشمي والعيساوي، وضد زعماء شيعة مثل السيد مقتدى الصدر، وكذلك شركائه الأكراد الذين مكنوه بأصواتهم من أن يصبح رئيسا للوزراء. وبعد أن شق البلاد يفتح الآن معركة جديدة دعما لنظام الأسد الساقط في سوريا. فقد فاجأ العالم الأسبوع الماضي بإرسال قوة هائلة، عشرين ألف جندي، بصفته وزير دفاع وقائدا للقوات المسلحة، إلى الحدود مع سوريا تحت عنوان ملاحقة «القاعدة». طبعا، لا توجد «قاعدة»، فالمقصود هنا الثوار السوريون، وقام بـ«تحرير» قرى خسرتها قوات الأسد، ويحاول فتح المعابر التي سقطت، ثم الانتقال إلى ما وراء ذلك في حرب جديدة!

إنه الآن، بالاشتراك مع حزب الله، يقاتل إلى جانب قوات الأسد في سوريا خدمة للنظام الإيراني الذي تعهد أنه لن يسمح بسقوط الأسد مهما كلفه من دماء اللبنانيين والعراقيين، ومن أموال البنك المركزي العراقي!

عبدالله هادي
01-06-2013, 06:48 PM
ما الجديد في مقابلة الأسد؟


الواضح من مقابلة بشار الأسد مع قناة «المنار» التابعة لحزب الله مساء الخميس، هو أن الأسد يريد القول إنه ليس تحت وصاية حسن نصر الله الذي أعلن الاستنفار دفاعا عن نظام الطاغية، وعدا ذلك فلا جديد بالمقابلة، أو ما ورد فيها من تحليل سياسي.

ما قاله الأسد بالمقابلة كان كلاما مكررا لما نشر من تسريبات أخيرا، سواء تقييمه للدول العربية، أو الغارات الإسرائيلية، كما أن حديثه عن مؤتمر «جنيف 2» لا يختلف كثيرا عما طرحه بمقابلته مع الإعلام الأرجنتيني. الجديد في كلام الأسد الذي بدا وكأنه يقرأ من نفس كتاب معمر القذافي الذي كان ممسكا به يوم خطابه الأول بطرابلس، هو هوس الأسد بالدفاع عن صورته، ونفي أن يكون تحت وصاية حزب الله، أو أن يكون حسن نصر الله هو من يدير المعارك اليوم ضد السوريين، فالأسد لم يقلل من خطاب نصر الله الأخير فحسب، بل إنه قلل أيضا من قيمة معركة القصير!

يقول الأسد بالمقابلة: «دعيني أتحدث بصراحة.. مؤخرا خاصة بعد الخطاب الأخير للسيد حسن نصر الله، طرح في الإعلام العربي والأجنبي أن مقاتلي حزب الله يقاتلون في سوريا ويدافعون عن الدولة السورية.. إذا كان حزب الله يريد أن يدافع عن سوريا أو المقاومة، فسيرسل عددا من المقاتلين، كم يرسل؟ بضع مئات، ألفا، ألفين. نحن نتحدث عن معركة فيها مئات الألوف من الجيش السوري، وعشرات الآلاف من الإرهابيين، إن لم يكن أكثر من ذلك، أكثر من مائة ألف، لأن العدد مستمر في التزايد».. إلى أن يقول: «.. إذا قالوا إنه يدافع عن الدولة، فلماذا اليوم؟ لماذا هذا التوقيت؟ لماذا لم نرَ حزب الله في دمشق وحلب؟ المعركة الأكبر في دمشق وحلب وليست في القصير. القصير مدينة صغيرة. لماذا لم نره في حمص؟».

والغريب هنا أن الأسد يقول إن المعركة الأكبر هي «في دمشق وحلب»، وبالطبع حمص، وعلى الرغم من كل ذلك نجده يطيل الحديث في مقابلة «المنار» حول انتصار قواته، فكيف يكون منتصرا وأكبر مدينتين سوريتين تحت قصف الثوار؟ وكيف يبرر الأسد، في نفس المقابلة، تدخل حزب الله في سوريا بالقول إنه فقط للدفاع عن حدود المقاومة ثم يقول إن المقاومة «ليست عملية بسيطة، ليست هي فقط فتح جبهة بالمعنى الجغرافي، هي قضية عقائدية سياسية اجتماعية، وبالمحصلة تكون قضية عسكرية»؟ فهل هناك هذيان أكثر من هذا؟

ملخص القول هو أن مقابلة الأسد لم تكشف فقط عن شخصية مفصولة عن الواقع، بل إنها كشفت عن حجم الحرج والضغوط التي يواجهها الأسد من تبعات خطاب نصر الله الذي أعلن فيه الوصاية على النظام الأسدي، مما يجعل الأسد يبدو أضعف من أي وقت مضى، سواء أمام أنصاره، أو أمام المجتمع الدولي.

عبدالله هادي
01-06-2013, 06:52 PM
دولة أم فوضى؟


في الإسكندرية حرقوا مجمع المحاكم، وفي تونس اقتحم متظاهرون مبنى حكوميا، وفي بغداد مظاهرات وعصيان واحتجاج لحين سقوط حكومة المالكي، وفي طرابلس تم اقتحام مبنى تابع لسلطة الثورة الليبية، وفي اليمن ما زالت المطالب الفئوية مستمرة، وفي الأردن بلغ عدد الاحتجاجات والمظاهرات السياسية والفئوية أكثر من 1200 واقعة خلال الـ24 شهرا الماضية!

وفي لبنان يقطع الناس الطرق العامة احتجاجا على انقطاع المياه أو الكهرباء أو عدم وجود «تنكة» بنزين في محطة وقود!

وفي سوريا يتظاهر الشعب ضد الاتجار في دقيق الطعام المدعوم من الدولة في السوق السوداء في زمن الحرب الأهلية الدائرة الآن.

السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بقوة على عقولنا ونفوسنا وقلوبنا اليوم ونحن نتابع هذه الأحداث اليومية على شاشات الفضائيات هو: «إلى أين تأخذنا سياسة القوة التي تتبعها الجماهير الثائرة في العالم العربي»؟

لو كنت أريد أن أصبح بطلا شعبيا لقلت: «نعم هذا حق الجماهير، المحرومة، المهمشة، المظلومة لعقود طويلة، وإنه يتعين عليها أن تنزل للشارع وتستخلص حقوقها بيدها»!

هذا هو الكلام الشعبوي، لكنه في يقيني ليس الكلام المسؤول والصحيح.

ليس من حق الجماهير أن تأخذ حقها بيدها وإلا تحولت البلاد إلى فوضى وسقطت سلطة الدولة وأصبحت الجماهير مجموعات متضادة من «البلطجية» الذين يشنون حرب عصابات على مؤسسات للدولة أو قوى أخرى مضادة لهم.

لا يمكن كما هو حادث في الحالة المصرية أن يتم تحطيم محكمة لأن أحكام القضاء ليست على هوى المتظاهرين، أو أن يتم حرق مقار أحزاب الحزب الحاكم لأنه ليس على مزاج المعارضة، أو أن يتم احتلال مكتب محافظ أو رئيس مجلس إدارة شركة حكومية أو خاصة لأنه لم يتم الاستجابة لمطالب البعض بزيادة الرواتب أو الحوافز.

الدولة إما أنها موجودة أو معدومة الوجود!

السلطة إما أنها لدولة القانون أو للفوضى!

الاحتكام إما أنه للقضاء الحر أو للشارع الغاضب!

هذه أمور لا يمكن السكوت عنها أو محاولة التوفيق بينها، إنها مسألة حياة أو موت؛ إدارة حقيقية للبلاد أو فوضى تهدد بالتقسيم العامودي سياسياَ والمناطقي جغرافياَ!

عبدالله هادي
02-06-2013, 03:05 AM
هل يستحق السوريون كل هذا؟


عاشت دول المنطقة ومحيطها عشرات الكوارث الإنسانية في العقود الستة الأخيرة، وكان جيلنا السوري شاهدا يوميا على ما أحاط بها، وعرف وتفاعل مع كثير من تفاصيلها اليومية والإنسانية. وإذ كانت بعض تلك الكوارث من صنع الطبيعة كما هي الزلازل والعواصف والسيول الجارفة، فإن أغلب الكوارث كانت من صنع البشر وأغلبهم من أعداء أو حكام أطاحوا بحقوق شعوبهم وكرسوا الاستبداد والاستئثار بالسلطة في مواجهة شعوبهم، والبعض منهم قاد بلاده إلى حروب مدمرة مع الجوار أو أنه دخل ببلاده أتون حرب أهلية، بعد أن استنزف قدراتها البشرية والمادية عقودا من السنوات، وتركت تلك السياسات كوارث وآثارا لا تقل سوءا عما خلفته الكوارث الطبيعية، بل كانت أشد قسوة وأثرا.

وعلى الرغم من أنه لم يكن للسوريين في غالب الأحيان دور فيما أصاب تلك الدول وشعوبها من كوارث ومصائب، وعلى الرغم من أن حال السوريين لم يكن أفضل بكثير من أحوال الشعوب المحيطة بهم والقريبة منهم، فإنهم وقفوا، كما ينبغي للإخوة والبشر أن يقفوا، إلى جانب إخوتهم وجيرانهم في المحن التي تعرضوا لها، والسلسلة في ذلك ممتدة إلى بلاد وشعوب تقارب في كثير من أحوالها حالة الشعب السوري.

وإذا كان من الطبيعي، أن يساهم السوريون في حملات الدعم والمساندة الإنسانية لضحايا الكوارث الطبيعية، فليس من باب المنة قول إن السوريين، كانوا أكثر من وقفوا إلى جانب إخوتهم الفلسطينيين في المحنة الكبرى التي تعرضوا لها طوال قرن مضى، وكانوا أنصارهم وملجأهم في أغلب حلقات المحنة، ووفروا لهم ليس ملاذا آمنا فقط، وإنما حياة تماثل وتقارب حياة السوريين، كما وقف السوريون في مواجهة محنة الحرب بين الهند وباكستان بداية السبعينات، ووفروا ملاذا آمنا لعشرات آلاف الضحايا والهاربين من الحرب، واحتضن السوريون ضحايا الصراعات التي جرت في أفغانستان أواسط السبعينات، واستمرت سنوات طويلة، كما استقبل السوريون أردنيين وفلسطينيين وصلوا إلى الأراضي السورية نتيجة الصراع الدامي في الأردن بين المقاومة الفلسطينية والسلطات الأردنية بين عامي 1970 و1971، ثم استقبلوا اللبنانيين في سنوات الحرب الأهلية 1975 - 1990، وزادوا على ذلك استقبال لبنانيين وفلسطينيين في كل الحروب الإسرائيلية على لبنان وخاصة في حروب 1978 و1982 و1996 وصولا إلى حرب عام 2006، التي جاءت ردا على عملية قام بها حزب الله عبر حدود لبنان الجنوبية، واستقبل السوريون إخوانهم من الكويت بعد اجتياح القوات العراقية للكويت عام 1990، ثم استقبلوا اللاجئين العراقيين الهاربين من الحرب الدولية على العراق مرتين؛ الأولى عام 1991، والثانية في عام 2003 التي انتهت بسقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق.

ولم يقتصر استقبال السوريين على اللاجئين والهاربين من الحروب، وتقديم كل مساعدة ممكنة لهم، بل امتد الأمر إلى استقبال ضحايا الاضطهاد السياسي من بلدان كثيرة في سوريا، التي عاش فيها لاجئون سياسيون وأصحاب رأي عراقيون ومصريون ويمنيون ومن دول عربية أخرى، ومن بلدان أفريقية وآسيوية، ووفرت لهم احتياجات إنسانية بعد أن تعذر عليهم العيش في بلادهم على نحو ما عاش معظم قادة العراق الحاليين في سوريا وسط أفضل شروط وفرها الشعب السوري.

وإن كان ثمة من يرى أن بعض تلك الحالات، تتوافق وسياسات النظام ومواقفه في ضوء الصراعات الإقليمية والدولية وموقفه منها، فإن ذلك لا يعني أن الشعب السوري كان يستجيب لتلك الحالات تناغما مع مواقف النظام وسياساته، إنما كانت مواقفه نتيجة الحس الإنساني والتضامني الذي ميز سلوك السوريين حيال أصحاب الحاجة إلى الملاذ الآمن والباحثين عن فرصة لحياة طبيعية بعد أن تعذر الحصول عليها في بلدانهم ووسط أهلهم وفي ظل حكوماتهم الباغية، وهذا سلوك سوري قديم، تؤكده فصول من تاريخ سوريا في استقبالها لمغاربة وجزائريين وشركس وأرمن وأرناؤوط وغيرهم ممن وفدوا إلى سوريا في ظروف صعبة، ثم اندمجوا في النسيج السكاني للسوريين.

وسط ذلك الإرث من مساعدة الآخرين باعتبارها واجبا أخلاقيا وأخويا وإنسانيا، تنطلق الأسئلة تباعا عن الأوضاع التي تحيط بالسوريين في بلدان الجوار وغيرها، حيث ثمة شكاوى من مواقف تمييزية كما الحال في لبنان، ومن سياسات احتجاز في مخيمات متواضعة الخدمات على نحو ما هو عليه الحال في الأردن وبعض مخيمات تركيا، ومن تقييد لاستقبالهم كما في العديد من الدول العربية، أو التشدد في منحهم أذونات الدخول إلى كثير من بلدان العالم. بل إن الأفظع مما سبق، مشاركة دول مثل روسيا وإيران في الحرب على السوريين بتقديم السلاح والمال والخبرات لنظام يقتل الشعب، وأن يسمح العراق بمرور شحنات الأسلحة عبر أراضية لقتل السوريين، وأن تسكت السلطات العراقية إن لم نقل إنها تدعم مرور عناصر الميليشيات الشيعية للمشاركة في الحرب على السوريين، ولعل أبشع ما يمكن في هذا المسار قيام قوات حزب الله بالهجوم على مناطق سورية وتدميرها على نحو ما يحصل في منطقة القصير وفي ريف دمشق في خطوة ستؤدي إلى تعزيز فرص حرب طائفية بين المسلمين الشيعة والسُنة، التي هي جزء من استراتيجية إيران في المنطقة.

إن الأسئلة المثارة كلها، يمكن اختصارها في سؤال جوهري خلاصته: هل يستحق السوريون ما يحصل لهم؟

عبدالله هادي
02-06-2013, 03:07 AM
اعترافات القرضاوي.. موقف شجاع


مراجعات الشيخ يوسف القرضاوي حدث مهم؛ لأنه وقف واعترف صراحة «إنني ظللت لسنوات أدعو إلى تقريب بين المذاهب، وسافرت إلى إيران أيام الرئيس السابق محمد خاتمي. هم ضحكوا عليّ وعلى كثير مثلي، وكانوا يقولون إنهم يريدون التقريب بين المذاهب».

ويعترف بخطئه: «دافعت (قبل سنوات) عن حسن نصر الله الذي يسمي حزبه حزب الله وهو حزب الطاغوت وحزب الشيطان، هؤلاء يدافعون عن بشار الأسد». وقال: «وقفت ضد المشايخ الكبار في السعودية داعيا لنصرة حزب الله (آنذاك)، لكن مشايخ السعودية كانوا أنضج مني وأبصر مني؛ لأنهم عرفوا هؤلاء على حقيقتهم.. هم كذبة».

شيخ في مقام الشيخ القرضاوي يقدم اعترافاته علانية وصريحة حدث مهم جدا، يقول كنت على خطأ في كل ما فعلته، ودافعت عنه، وهاجمت الآخرين بسببه. المعارك التي دارت في السنوات العشرين الماضية كانت تقوم على فكرة بناء عالم إسلامي من حكومات وأحزاب وشخصيات، وبني المشروع الرومانسي على كم هائل من الأكاذيب والخرافات، جمع المخادعين مع المخدوعين.

شجاعة الشيخ القرضاوي تستحق الاحترام؛ لأنه شبه الوحيد الذي قال لقد أخطأت، وكان بإمكانه أن يلجأ للتبرير أو التجاهل، إنما اختار أن يواجه أتباعه معترفا بخطئه.

لم يخطئ القرضاوي في فكرة التقارب بين المذاهب، والدعوة للتعاون الإسلامي؛ لأنها أفكار نبيلة. أخطأ في فهم محركات السياسة التي أدارت المشروع في طهران وبيروت ودمشق. طهران الخميني مشروع لا علاقة له بالإسلام، بل مشروع إيراني هدفه الهيمنة على المنطقة، واعتمد مخططوه في طهران على كذبة الثورة الإسلامية، لأنها الرابط الوحيد مع ألف مليون مسلم في العالم، والتي يمكن ركوبها للتوسع جغرافياً ونفوذاً.

خضنا معارك جدلية مع كل حلفاء إيران وحزب الله ونظام سوريا، مثقفيهم ودعاتهم؛ لأننا نعرف كنه هذه النظم، وأهدافها، وتفاصيل نشاطاتها. نعرف أن الأغلبية التي سارت خلف هذه الجماعات الشريرة غرر بها، اتبعتها بنية حسنة، لكن كما تعلمون.. الطريق إلى جهنم مليء بالنوايا الطيبة. الشيخ القرضاوي، نفسه، انساق وراء أوهام كبيرة، ككثير من رجال الدين الذين دخلوا ساحة السياسة بكثير من الحماس وقليل من العلم في هذا المجال. غادر مصر احتجاجا على الرئيس الراحل أنور السادات؛ لأنه وقع اتفاق السلام مع إسرائيل، وعاش بعدها في قطر. وكانت إيران قبلة للغاضبين والمتحمسين لتغيير العالم الإسلامي. المحبطون والمبهورون كتبوا كتبا تمجد الثورة الإيرانية، وألقوا خطبا تبجل القيادات الإيرانية، رغم أن أوساخها السياسية ظاهرة للعيان منذ هروب أبو الحسن بني صدر، أول رئيس منتخب والمقرب من آية الله الخميني. عصابة النظام الجديد طاردوا شركاءهم في الثورة وقتلوا العديد منهم. بعد هذا كيف يصدقون أن نظاما مجرما في حق أهله في طهران يمكن أن يكون قائدا لهم يحرر فلسطين ويزيل أنظمة الطواغيت؟

ليس صحيحا أن إيران كانت لغزا مجهولا، بل كانت نظاما طائفيا سيئا منذ البداية. عندما ألف سلمان رشدي روايته «آيات شيطانية»، قادت إيران حملة ضد بريطانيا وسعت تطلب معاقبتها في مؤتمر إسلامي في جدة. المفارقة أن الوفد الفلسطيني الذي كان يعرف أكاذيب نظام الخميني مبكرا، قال بريطانيا ليست بلدا إسلاميا، وطرح فكرة منع سب الصحابة أولا في الدول الإسلامية، وليس فقط ضد بريطانيا. جن جنون الوفد الإيراني ورفض وانسحب.

وبكل أسف لا يزال رفاق القرضاوي المخدوعون يسيرون وراء إيران، مثل قيادات حماس، وقيادة «الإخوان المسلمين» في مصر. ألا يفكر أحدهم قليلا ويتخيل كيف سيكون عالمنا غدا تحت سيطرة شخص سيئ مثل علي خامنئي أو قاسم سليماني أو حسن نصر الله؟ من المؤكد أن إيران المتطرفة ستتحالف غدا مع أميركا الشيطان الأكبر، وستتعاون مع إسرائيل، وستجثم على نفط المنطقة وتفرض مشروعها!

عبدالله هادي
02-06-2013, 03:09 AM
تراجع الشيخ.. ماذا عن الشتامين؟


أعلنها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي صريحة هذا الأسبوع، ومن الدوحة، حيث قال: «إنني ظللت لسنوات أدعو إلى تقريب بين المذاهب، وسافرت إلى إيران لكن هؤلاء المتعصبين والمتشددين يريدون أكل أهل السنة.. هم ضحكوا عليّ وعلى كثيرين مثلي»!

كلام الشيخ القرضاوي هذا جاء تعقيبا على خطاب حسن نصر الله الذي أعلن فيه الوقوف مع بشار الأسد، والقتال دفاعا عنه، ولم يكتفِ القرضاوي بقول ما نقلناه أعلاه بل إنه اعترف بأنه دافع قبل سنوات عن حسن نصر الله وحزبه، وتحديدا منذ مغامرة حزب الله التي كلفت حربا إسرائيلية على لبنان عام 2006، وعن ذلك يقول القرضاوي: «وقفت ضد المشايخ الكبار في السعودية داعيا لنصرة حزب الله، لكن مشايخ السعودية كانوا أنضج مني وأبصر مني، لأنهم عرفوا هؤلاء على حقيقتهم...».

حسنا، السؤال هنا هو: ما دام أن القرضاوي أقر بخطئه، وأقر بأن علماء السعودية الكبار كانوا أنضج وأبصر، فما الذي ينتظره طلاب القرضاوي ومريدوه؟ لماذا لا يعتذرون عن شتائمهم، وحملاتهم الكاذبة؟ لماذا لا يعتذرون لكل من كان ذا بصيرة وتعقل؟ صحيح أن علماء السعودية الكبار كانوا متيقظين، لكن كان هناك أيضا قلة من العقلاء الذين حذروا من خطورة حزب الله، ومن خلفه إيران، وحذروا من نظام الأسد وكذبة المقاومة والممانعة، كما حذروا من حلفاء طهران كحركة حماس، وذلك خشية على قضايانا واستقرارنا وأمننا، وليس بسبب الدافع الطائفي الذي يتكلم عنه القرضاوي الآن. فالتحذير من إيران وحلفائها لم يكن لأسباب طائفية، بل كان تحذيرا من كل من يريد الترويج للتطرف شيعيا كان أو سنيا ولأهداف حزبية وحركية، كعلاقة الإخوان المسلمين بطهران، أو ممن يريدون الاستفادة من البعد الطائفي لشق الصفوف، وهدم دولنا.

كلام القرضاوي مهم صحيح، لكنه لا يبرئ ساحته، فمن يتحمل تبعات كل ما جرى من سنوات التماهي الإخواني مع إيران؟ ومن يتحمل وزر هذه الدماء في منطقتنا؟ ومن سيقوم بتنظيف، وتصحيح هذا الإرث الملوث للعقول؟ ولماذا لا يعتذر الشتامون عن شتائمهم المقذعة، ويعتذرون عن اختلاق، وترويج، قوائم التشهير الكاذبة؟ فلا يكفي أن ينقلب الآن على حسن نصر الله من روجوا له بالأمس، والتقطوا الصور معه تفاخرا، دون أن يعتذروا عما فعلوه زورا وبهتانا ولسنوات. والأمر ليس بالثأر الشخصي، بل لضمان عدم تكرار الأخطاء، والأهم اليوم ألا يخدم المنقلبون على إيران أهدافها مرتين؛ الأولى يوم تحالفوا معها، ومكنوها بمنطقتنا، والثانية بإذكاء الروح الطائفية الآن دفاعا عن السوريين.

الواجب اليوم هو عدم الانسياق خلف أهداف إيران والحذر من إنجاح مشروعها الطائفي، مع ضرورة التوعية من مخاطر طهران وحلفائها على منطقتنا، وكذلك السعي لنزع الفتيل الطائفي الذي من شأنه إحراق كل المنطقة. ولذا فإن المنتظر من مريدي القرضاوي الآن هو الاعتذار، وعدم الانسياق خلف تطرف جديد لا يقل سوءا عن تطرفهم القديم.

عبدالله هادي
03-06-2013, 03:28 AM
«جنيف2»: فرصة أم بداية مستنقع؟


للإجابة عن السؤال: هل «جنيف2» بداية فرصة للحل السياسي في سوريا أم بداية ترسيم لملامح مستنقع لحروب عصابات لسنوات قادمة؟

منهجي منذ بدايات الكتابة هو تحليل القضايا الكبرى من خلال تفكيك القضايا الصغيرة، لذلك سأبدأ التحليل من مشهد مهم شاهدناه جميعا في الأسبوع الماضي الذي أفضى إلى توسيع مجلس المعارضة السورية.

بداية، توسيع المعارضة السورية يكشف عن اختلاف جوهري بين الدول الراعية: دول تهدف إلى تغيير النظام وتسليم سوريا لـ«الإخوان المسلمين» على غرار مصر وتونس، ودول أخرى تورطت في المشهد وتحاول في اللحظة الأخيرة أن تضع فرامل أو كوابح أو فيتو ضد تسليم مقاليد الأمور لـ«الإخوان»، رغم أنها تشارك تركيا وقطر في رؤية تغيير النظام، ولكنها تختلف معها في تسليم سوريا لـ«الإخوان».

مهم لمن يريد أن يفهم بعين صافية أن يحدد بوضوح لماذا تركيا وقطر، مثلا لا تقبل بأقل من تغيير النظام في سوريا وبقاء سوريا موحدة غير مقسمة؟

أبدأ بقطر وتركيا والصراع في سوريا. بداية، لو امتد الصراع في سوريا لمدة عام آخر ودخلنا في حرب عصابات شيعية وسنية على الأرض فالنتيجة الحتمية لصراع العصابات، بما فيها الدولة كعصابة أيضا، فالنتيجة هي ظهور دولة علوية في الساحل السوري ودولة كردية ملحقة بأكراد العراق وأكراد تركيا. من الخاسر الأكبر في هذا؟ تركيا تكون هي الخاسر الأكبر؛ لأن بها ما يقرب من 12 مليون نسمة من العلويين ربما يفضلون العيش ضمن دولة علوية تشمل الساحل السوري ولواء الإسكندرون. إذن تقسيم سوريا يقضم أيضا من المساحة التركية من الناحية العلوية، وأيضا يقضم منها قطعة من ناحية الأكراد الذين قد تكون دويلة كردية لهم في سوريا هي نواة دولة الكرد الكبرى التي تقتطع أجزاء من العراق وإيران وتركيا. إذن كل هذه الدول الخاسرة من قيام دولة كردية تتفق على عدم تقسيم سوريا، وخصوصا تركيا الخاسر الأكبر لن تقبل مطلقا بالتقسيم؛ لأنها تخسر من جهتين: ظهور دولة كردية يأتي على حساب أراضيها، وظهور دولة علوية يأتي على حساب أرضها وسكانها. إذن ما يهم تركيا هو تغيير نظام الأسد وتسليم سوريا لـ«الإخوان» وليس تقسيم سوريا، وتنضم قطر إلى تركيا في هذه الرؤية.

الأطراف الأخرى الراعية للمعارضة السورية والتي تعادي نظام الأسد ونظام «الإخوان» في الوقت ذاته، تريد تغيير النظام، أما الطرف الثاني الراعي للمعارضة غير الدينية، فهو يريد تغيير النظام شريطة ألا يتم تسليم سوريا بعد الأسد إلى «الإخوان»، ولكنه طرف حتى الآن لا يعرف كيف يمنع سيطرة «الإخوان» على سوريا بعد الأسد، فقط اقترح أن يترك هذا المجلس ويدعو لتكوين مجلس يعبر عن الداخل من خلال تمثيل المقاتلين على الأرض إذا ما أصر «الإخوان» على السيطرة. أمام هذا التهديد يبدو أن قطر وتركيا تراجعتا وقبلتا بتوسيع المجلس حتى لا يتم توسيع الشقاق بين الدول الراعية للمعارضة.

في مقابل الموقف التركي - القطري القائل بضرورة تغيير النظام، هناك محور النقيض المتمثل بنظام إيران، ومعه نظام نوري المالكي في العراق، ومعهما حزب الله، يقولون ببقاء النظام الحالي واستمراريته رغم شلال الدماء وبشاعة مائة ألف قتيل حتى اليوم.

تبقى السعودية والإمارات اللتان تتناقض مصالحهما مع إيران ومحاورها بشكل مباشر، وتختلفان في الرؤية، مع كل من تركيا وقطر. أين تقف كل منهما بين هذين النقيضين: القائلين بتغيير النظام (تركيا وقطر) والمنافحين من أجل بقائه واستمراره (إيران والعراق وحزب الله)؟ المؤكد في الحالتين أن الدولتين لا تفضلان تسليم سوريا لـ«الإخوان»، كما أنه من الواضح أيضا أنهما ليستا مع تقسيم سوريا، ولكنهما مع تغيير النظام بشرط عدم تسليم سوريا لـ«الإخوان».

هذا كلام جيد على الورق، ولكن ماذا يعني على أرض الواقع؟ وهنا أسوق مثالين يعقدان الأمر ولا يسهلانه: الأول هو كيف أن توسيع المجلس لا يعني عدم سيطرة «الإخوان» على سوريا وهناك درس واضح وضوح الشمس في الحالة المصرية، حيث كان «الإخوان» أقلية ضمن ممثلي المعارضة التي تفاوضت مع عمر سليمان، ومع ذلك لم يمنع هذا «الإخوان» من سرقة الثورة والسيطرة على المشهد في مصر ولمدة عامين حتى الآن؟!

أما المثال الثاني فهو في حالة اتخاذ الصراع منحى طائفيا بين السنة والشيعة وجيوشهما كما بينت في المقال السابق (الجيش الإيراني والسوري والعراقي وحزب الله) قد تصطف هذه الدول إلى جوار «الإخوان» في مقاومة سيطرة شيعية وتوسع إيراني في المنطقة. أقول قد تصطف رغم أنها لا تقبل هذا الاصطفاف، كما أنه ليس في مصلحة أي منهما على المدى البعيد أن تتحالفا مع «الإخوان المسلمين»، وقد كتبت هذا أيضا في مقال سابق عن المنطقة بين هلالين (الهلال الشيعي والهلال الإخواني)، وكيف أن بعض دول الخليج قد تجد نفسها مع «الإخوان» رغم أنها لا ترغب في ذلك.

توسيع مجلس المعارضة السورية كاشف لاختلاف في الرؤية رغم إصرار البعض على أنه خلاف تكتيكي حول مستقبل الحكم في سوريا وعلاقته باستقرار الإقليم.

واضح من الأحاديث ومن السلوك السياسي في هذه الأزمة أن الرؤية لم تتبلور بعد، وأن الاختلاف بين المعارضة يعكس خلافا بين الدول الراعية. قد يكون الموقفان الروسي والإيراني من الأزمة السورية موقفين في منتهى الغباء، إلا أنهما موقفان متماسكان رغم هذا، وهذه ميزة.

على الطرف الآخر المواقف تستحق الإشادة في بعدها الإنساني الذي يراعي مأساة الشعب السوري، ولكنه موقف لا يتسم بتماسك الرؤية، أو في أحسن الأحوال موقف يتسم بالضبابية. قد تكون إحدى حسنات مؤتمر «جنيف2» هي أن تتبلور الرؤى على طاولة المفاوضات، وتنقل المشهد من صراعاته الإقليمية إلى بعده الدولي.

البعد العالمي هو السياق الحاكم هنا لشكل التغيير في سوريا والمنطقة برمتها، فما زالت أميركا وأوروبا بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 تريدان الصراع الحضاري داخل البيت الإسلامي (سنة وشيعة)، وكل هذا يشير إلى أننا أمام إما حالة صراع ممتد داخل الصندوق السوري أو صراع إقليمي محدود وممتد أيضا بين السنة والشيعة: صراع يجعل كلا من أميركا وأوروبا بعيدتين عن نيران الجهاد والحروب الدينية. إذن نحن أمام ثلاثة أهلة: هلال شيعي وهلال إخواني وهلال النيران أو هلال الحروب.

في ظل هذه الأجواء يبدو أن «جنيف2» ستكون بداية ترسيم ملامح مستنقع يدوم لسنوات لا بداية حل للأزمة؛ إذ لا يوجد تصور استراتيجي حاكم لهذا المؤتمر يأخذ في الاعتبار مصالح دول الجوار المختلفة وتخوفاتها، ويترك الأمر لجماعات صغيرة ترسم الملامح الاستراتيجية لمنطقة هامة جدا من العالم.

ما لا يدركه المنادون بتغيير النظام في سوريا أن سوريا كلها تغيرت بعد عامين من الثورة، ومن ضمنها النظام، ولكن أهم ما تغير في هذه المعادلة هو الشعب السوري نفسه الذي لم يؤخذ تغييره الكبير حتى في حسبان من يحاولون البحث عن مخرج في سوريا، مخرج يجب أن يكون في مصلحة الشعب السوري قبل كل شيء.

عبدالله هادي
03-06-2013, 03:29 AM
وانفرطت مسبحة الملالي!


ها هو عقد حلفاء إيران بالمنطقة ينفرط كانفراط حبات المسبحة بيد ملالي طهران، وحتى قبل سقوط الأسد، فقبل يومين أعلن الشيخ يوسف القرضاوي أن الإيرانيين خدعوه، وها هو الآن خالد مشعل يحل «ضيفا» على حفلة المنقلبين على حلفاء الأمس الأسد، وبالطبع إيران!

الآن يعلن زعيم حماس الإخوانية، وبعد عامين من الثورة السورية، وكل هذه الدماء على يد الأسد بدعم إيراني، أنه غادر دمشق بسبب ضغوط الأسد عليه! والآن يعلن غازي حمد نائب وزير خارجية حماس، وعبر صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية، أن علاقة حماس مع إيران «سيئة» حيث أوقفت طهران دعمها المالي لحماس بسبب عدم وقوفها مع الأسد، وهناك تسريبات من حماس أيضا أن حزب الله يضايقهم في لبنان، ويأتي كل هذا في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة «القبس» الكويتية أن مشعل وصل للكويت ليبحث فيها أوضاع غزة ولشرح «الظروف الإنسانية الصعبة، التي يمر بها القطاع وآلية تقديم الدعم المادي»!

وليس الغرض هنا الحديث عن المنقلبين على الأسد وإيران الآن، والتذكير بما قلناه منذ سنوات عنهم، فالحمد الله الذي قضى بكشف زيف حزب «المقاومة» و«الممانعة» بأسرع مما نتخيل، فالقصة الآن، والرسالة الأهم، فيما يجب أن تعنيه هذه الانقلابات على إيران الآن لساكن البيت الأبيض. أولم يحن الوقت ليتعلم الرئيس الأميركي ولو درسا واحدا من دروس منطقتنا الكثيرة في بحر العامين الماضيين؟

أبسط مثال هنا هو انفراط عقد حلفاء إيران، وانكشاف حزب الله حتى قبل سقوط الأسد، فكيف سيكون الحال بعد سقوطه؟ وليس القصد هنا بالطبع أن إسقاط الأسد سيكون بمثابة لي ذراع للفلسطينيين، مثلا، وإنما لتقوية معسكر الباحثين عن سلام حقيقي. فإشكالية الرئيس أوباما أنه أضاع، ويضيع، فرص العمر بهذه المنطقة، وليس بالعامين الماضيين وحسب، فقد أضاع الفرصة أيام الثورة الخضراء في إيران، وأضاعها يوم استقبلته المنطقة بأذرع مفتوحة بعد خطاب القاهرة المنمق بلا أفعال، وأضاعها حين باشر إلى هرولة غير محسوبة للخروج من العراق، ودون ضمان إرساء قواعد للعملية السياسية هناك. كما أضاع أوباما الفرصة أوائل الربيع العربي حيث كان بمقدور أميركا، والمجتمع الدولي، اشتراط قواعد واضحة للعملية السياسية على القوى الصاعدة بدلا من تسهيل الطريق للإخوان المسلمين، وتمكينهم على بياض! واليوم ها هو أوباما يضيع سوريا والسوريين، ومستقبل المنطقة، حيث لم يستوعب أوباما للآن أن الأسد هو وتد خيمة التآمر والشر بمنطقتنا، وأقل ما يستحقه هو المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، وليس التمثيل في «جنيف2»!

ومن هنا، وبانشقاق مشعل عن الأسد وإيران، ولا ندري متى ينشق إخوان مصر عن طهران، تكون الثورة السورية قد قدمت الدليل تلو الآخر للرئيس أوباما على ضرورة التحرك لاقتلاع أسوأ طاغية بمنطقتنا، فمتى يعي أوباما أن سقوط الأسد يعني سقوط المشروع الإيراني العدواني بالمنطقة؟

عبدالله هادي
03-06-2013, 03:32 AM
استهلاك المثقف الخليجي للآيديولوجيات

المثقف الخليجي ليس معزولا عن عالمه المحيط القريب منه والبعيد، فهو يتأثر بالتيارات والحركات التي تنمو في العالم العربي ويتفاعل معها، لكن هذا التفاعل ظل في معظمه فعلا استهلاكيا، يستورد الأفكار كما هي من مصادرها دون النظر إلى الاختلافات التي تميز المنطقة عن غيرها من مناطق العالم العربي. كان التعامل معها أشبه ما يكون بوكالات السيارات وغيرها من المنتجات المستوردة، فالمثقف أو مجموعة المثقفين يصبحون وكلاء ومكاتب فرعية لتنفيذ واتباع أجندات الحزب أو التيار الأم وسياساته، في الوقت الذي ينظر فيه إليهم ربابنة الحزب على أنهم مجموعة من «العربان» يتصفون بالولاء المطلق والحماس، وأهم من ذلك كله توفر المال، وهي النظرة الاستعلائية الازدرائية التي استدعتها أبواق النظام السوري من أدبياتها الحزبية البعثية بعد وقوف الحكومات والشعوب الخليجية ضد تقتيل النظام الغاشم لشعبه.

التجربة التي ربما شذت عن هذه العلاقة الاستهلاكية هي تجربة الدكتور أحمد الخطيب مع حركة القوميين العرب، حين ساهم في تأسيسها في الخمسينات مع جورج حبش ووديع حداد ومجموعة من طلاب الجامعة الأميركية في بيروت، وتولى مسؤولية فرعها في الكويت، ولم يدُم هذا الارتباط، فقد انفصل فرع الكويت عن الحركة لتخليها عن التوجه القومي وتبنيها النزعة الثورية.

ازدهرت القومية العربية بين شباب تمايل مع موجات إذاعة «صوت العرب» التي عبرت إلى شواطئ الخليج، كانت الخطب الحماسية والقصائد والأغاني كفيلة بإيقاد الحماس في قلوب تحتاج إلى أي حاضنة فكرية لتفرغ فيها طاقات عقولها وعواطفها. وانتهى الحال إلى اختزال القومية في الناصرية، ففي ثقافة «التصنيم» لا بد من شخصية تعلق عليها أحلام الشعوب، ورغم انهيار الأحلام بعد «نكبة حزيران» فإن بعض الناصريين الخليجيين لا يزالون حتى الآن على عشقهم القديم، إما لطبع الوفاء والولاء سابق الذكر وإما هو مجرد حنين إلى عنفوان الشباب.

ودخلت الشيوعية والماركسية من الباب الخلفي للخليج، فنشأت في السبعينات والثمانينات أحزاب سرية، منها «حزب العمل الاشتراكي» و«الحزب الشيوعي»، وكان المنتمون إليها يحملون أسماء حركية. ووجد حزب البعث العربي الاشتراكي موطئا له عن طريق وافدين عرب وطلاب خليجيين في جامعات عربية تولوا تأسيس مكاتب للحزب في بعض دول الخليج.

وتعد التيارات والحركات الواردة أعلاه في عداد الموتى، فلم تعد شعاراتها تدغدع مشاعر المتطلعين إلى نهضة الأمة وإنقاذها مما هي فيه من هوان، ولم يعد لها مناصرون سوى عشاق الأطلال، ولكن مع ذلك لا يزال لها بقايا مخزونة في العقل الباطن للجماهير، تستيقظ مع أي حلم أو سراب يداعب عطشها للكرامة والانتصار. ومن هذا السراب «محور المقاومة» الذي انخدع به بقايا القوميين وأغرار المثقفين. أعلن حزب الله أحد أعمدة المحور بوضوح تبعيته لإيران على لسان أمينه حسن نصر الله حين قال قديما: «ومشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره - كوننا مؤمنين عقائديين - هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما يكون جزءا من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني»، ومع ذلك صدّق بعض مثقفي الخليج وهْمَ مقاومته لإسرائيل التي لم تحصد سوى دمار البنية التحتية للبنان وزيادة القوة العسكرية لحزب الله الذي يقاتل الآن بالنيابة عن إيران في سوريا.

ومن التيارات الفكرية الإسلامية المستوردة جماعة الإخوان المسلمين التي نشر فكرها في أوساط الخليج بعض الإسلاميين الفارين من ملاحقة أنظمة بلدانهم البعثية والاشتراكية. تأسست جمعيات في الكويت والبحرين كغطاء وواجهة دعائية للجماعة، وأصبح لها أنصار وداعمون. وبرزت جماهيرية الجماعة في وسائل التواصل الاجتماعي بعد فوزها بالانتخابات المصرية، فلم يتعامل أنصارها معها على أنها حزب سياسي، بل على أنها ممثل للإسلام، لا يجوز تخطئته ونقده، وتولوا الدفاع عنها والرد على منتقدي أدائها بحماس وجدية تفوق أعضاءها. وإذا كان لفكر «القاعدة» الإرهابي أن يعد نوعا من الآيديولوجيا، فحتما سيضاف إلى المستوردة منها، فقد ذهب خليجيون للجهاد في أفغانستان وعادوا بعد اختلاطهم بجماعات عربية متشددة بصفقة استيراد لفكر التكفير والتفجير مما لم يكن معروفا قبل ذلك في الخليج لا دينا ولا عرفا ولا ثقافة.

ليس هدف المقال الدعوة للانغلاق والانكفاء على الذات وعدم الاستفادة من الأفكار والنظريات النافعة، وإنما من الخطأ اعتبارها وصفة علاجية شاملة للمشكلات الراهنة. إن التعامل معها بعقلانية يستوجب أخذ مزاياها وتجنب عيوبها وإضافتها إلى الحلول الفكرية المبنية على استقراء متأنٍّ للوضع القائم، يأخذ في الاعتبار خصائص المنطقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. استيراد الآيديولوجيا كما هي دون النظر إلى هذه الخصائص ودون تطوير وتعديل هو أشبه ما يكون بجلب دب قطبي ليعيش في الربع الخالي.

عبدالله هادي
03-06-2013, 03:38 AM
دول الخليج.. قلق الجغرافيا وانعكاساتها


هل يعكس شعار «خليجنا واحد» حقائق الجغرافيا السياسية لمنطقة الخليج العربي؟

يبرز هذا السؤال بقوة عند الحديث عن منطقة مجلس التعاون الخليجي كوحدة سياسية، وتزداد أهمية السؤال في ظل حالة عدم اليقين السياسي (political uncertainty) التي أوجدها الربيع العربي.

تبدو منطقة الخليج العربي واحدة بالفعل في حال اعتبار عامل الاشتراك التاريخي والثقافي والاجتماعي بين دوله، ويمكن حتى في هذه الحالة اعتبار اليمن ومناطق من العراق امتدادا حتى بادية الشام جزءا لا يتجزأ من وحدة ثقافية وتاريخية واحدة ترتبط بمنظومة قبائل شبه الجزيرة العربية. على أن عامل الارتباط الثقافي واللغوي (تشابه اللهجة) لا يشكل في حد ذاته أساسا قويا لنشوء وحدة سياسية تعبر عن ذات المصالح والتطلعات، وهذا ما يقود للسؤال حول مدى تعبير شعار «خليجنا واحد» لحقائق الجغرافيا السياسية لمنطقة الخليج ووحدته السياسية المتمثلة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي أنشئ عام 1981، خاصة أن دول الخليج تقف اليوم أمام استحقاق فكرة التحول لاتحاد خليجي في ظل كل الظروف الداخلية والإقليمية المحيطة بها.

تكشف الجغرافيا السياسية لدول التعاون الخليجي عن وجود ثلاث معضلات رئيسة تواجهها منطقة الخليج اليوم:

أولا: قضية المياه: ينعكس ارتباط دول الخليج العربي في واقع الأمر بمضيق هرمز أكثر من ارتباطهم بالخليج كمسطح مائي، ويمر من مضيق هرمز ما يقارب 20 في المائة من إنتاج النفط العالمي بشكل يومي (90 في المائة من إنتاج نفط الخليج)، ما يجعل مضيق هرمز نقطة الاختناق المائي الأهم في العالم، ورغم إطلالة عمان على الخليج من خلال رأس مسندم، إلا أن سلطنة عمان تختلف عن باقي دول مجلس التعاون في كونها الدولة الخليجية الوحيدة التي تملك إطلالة على بحر العرب، وبالتالي المحيط الهندي. هذا الأمر خلق لعمان بعدا استراتيجيا مغايرا لبقية دول الخليج، وبالأخص فيما يتعلق بالتهديد الإيراني لمضيق هرمز، فعلى العكس من بقية دول الخليج لم تر عمان في الوجود الإيراني في الخليج نوعا من التهديد؛ كون عمان بطبيعتها الجغرافية تنفتح نحو جنوبها حيث المحيط الهندي؛ لذلك انتهجت عمان على مدى العقود الماضية سياسة مغايرة تجاه إيران لتلك التي اتبعتها دول الخليج، حيث يتغير مصدر التهديد الإيراني لهم ليتحول إلى فرص يمكن استغلالها. وهذا ما يجعل عمان (ثاني أكبر دول مجلس التعاون من حيث المساحة والسكان) تتبع منظومة مصالح متباينة عن بقية دول الخليج.

ثانيا: الأطراف: تشكل شبه الجزيرة العربية بطبيعتها رأسا ممتدا في الماء بحدود بحرية طبيعية، وباستثناء اليمن الذي يقبع في خاصرة السعودية حيث تمتد عروق جبال السروات من جنوب المملكة حتى اليمن، تتمتع دول مجلس التعاون بوجود حاجز جغرافي طبيعي متمثل في الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر، من جهة أخرى تمثل الأراضي الصحراوية شمال الجزيرة حاجزا طبيعيا لهذه البقعة الجغرافية باستثناء الانكشاف الكويتي أمام مناطق جنوب العراق، وهو ما يجعل كلا من اليمن والعراق دولتي الأطراف التي يتوجب على دول الخليج التعامل جيو - سياسيا معها (من جهة أخرى يمثل الأردن المنطقة العازلة التي تحجز الانكشاف السعودي أمام إسرائيل).

تنطلق سياسة السعودية نحو اليمن من أساسيات التلاصق الجغرافي، في المقابل تفصل صحراء الربع الخالي بين مناطق التوتر في اليمن وعواصم دول المجلس المطلة على الخليج العربي، وهو ما جعل بقية الدول الخليجية تتبع سياسة مغايرة أدنى في سلم الأولويات عن سياسة السعودية فيما يخص اليمن بشكل عام.

ثالثا: الأحجام: تشكل دول الخليج الخمس مجتمعة نحو 18 في المائة فقط من مساحة السعودية، ولذلك فإن التوازن الجغرافي بين ضفتي الخليج هو في واقع الأمر توازن بين كل من السعودية وإيران (التي تبلغ مساحتها نحو 1.6 مليون كم مربع، بينما السعودية نحو 2.2 مليون كم مربع). لكن تظهر معضلة الأحجام مقابل إيران في عدة نقاط أخرى، ففي حين يبلغ تعداد السكان في إيران نحو 73 مليون شخص، يبلغ تعداد السكان في دول الخليج الست مجتمعة نحو 43 مليون شخص بمن فيهم العاملون الأجانب، وتشير الأرقام إلى تجاوز الأجانب في دول الخليج أكثر من نصف السكان باستثناء السعودية وعمان (حيث النسبة في كليهما نحو 30 في المائة، بينما تصل نسبة الأجانب في قطر لنحو 85 في المائة والإمارات والكويت نحو 70 في المائة).

ورغم تقدم الجيوش الخليجية من جهة التقنية العسكرية فإن الجيش الإيراني الذي يملك تعدادا قوامه نصف مليون شخص يمثل ضعف التعداد العسكري لدول الخليج مجتمعة. إضافة لذلك تعاني دول الخليج من حتمية جغرافية (geographic imperative) متمثلة في غياب مصادر المياه المتجددة على العكس من إيران، وهو ما يضعف قدرات دول الخليج على توفير المياه، وبالتبعية توفير الغذاء، وتشير الأرقام إلى أن المخزون الاستراتيجي للمياه في حالة الطوارئ بدول الخليج يكفي لعدة أيام فقط (5 أيام في الكويت، 3 أيام في السعودية، ويومين في قطر والإمارات)، وباستثناء السعودية التي تملك شاطئا يمتد إلى أكثر من 1000 كيلومتر على البحر الأحمر، وعمان التي تملك شاطئا على بحر العرب، فإن بقية دول الخليج التي تعتمد بشكل شبه كلي على تحلية مياه الخليج تقع مرافقها تحت التهديد المباشر لإيران.

هذه المعضلات أثرت بصيغة أو أخرى على تركيبة العلاقات والسياسات في دول مجلس التعاون، ومن ثم فإن أي محاولة للتأثير على هذه التركيبة مستقبلا بالإيجاب لا بد أن تتنبه لهذه المعضلات والعوامل التي تؤثر على صياغة القرار الخليجي كما نراه اليوم. للحديث بقية.

عبدالله هادي
03-06-2013, 03:40 AM
هل تتطور علاقات مجلس التعاون مع إيران؟


ظلت إيران على الدوام ترفع لواء تحرير فلسطين والقدس، في الوقت الذي تمارس هي الاحتلال للأراضي العربية منذ أكثر من أربعين عاما. وكانت تربط عداءَها للولايات المتحدة بأي حوار ممكن حول نزاع احتلالها لجزر الإمارات بالطرق السلمية.

وفي واقع الأمر فإن ادعاءات إيران بأن بريطانيا قد تنازلت لها عن الجزر الثلاث قبل إنهائها للمعاهدات مع دولة الإمارات وانسحابها من المنطقة عام 1971، غير واقعية لأن بريطانيا لم تكن لديها السيادة على المنطقة، رغم معاهدات الحماية التي أنهيت في حينه. كما أن (الشارقة) و(رأس الخيمة) لم تتنازلا عن سيادتهما عن الجزر الثلاث، حتى مع توقيع الاتفاق المبرم بين الشارقة وإيران! وبذلك لا يجوز لإيران احتلال الجزر بالقوة من دون أن يكون لديها سند قانوني أو دولي يمكنها من السيادة على الجزر الثلاث.

ولقد توالت الإجراءات الاستفزازية الإيرانية حتى بعد قيام مجلس التعاون عام 1981. ففي عام 1993 أجاز البرلمان الإيراني قانونا يمنع الحكومة من بحث السيادة على أي جزء من «أراضي الأمة»، بما في ذلك الجزر.

في مقابل ذلك، وفي ذات العام دعا الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تطوير علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، بما يعزز الثقة، و«بما تتخذه الجمهورية الإسلامية الإيرانية من إجراءات تنسجم مع التزامها بمبادئ القانون الدولي والمواثيق الدولية، واحترامها لسيادة ووحدة أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة، ولمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى».

وردّ الرئيس الإيراني آنذاك (هاشمي رفسنجاني) على تلك الدعوة الهادئة والعاقلة بالقول: «إن من يحاول استعادة هذه الجزر عليه أن يخوض إليها بحرا من الدماء»؟!. لكن يبدو أن الرجل قد أعاد حساباته وعدّل قليلا من مواقفه تجاه مجلس التعاون.

دخل مجلس التعاون على خط النزاع وقوفا مع دولة الإمارات العربية المتحدة منذ الدورة الأولى لقمة أبوظبي عام 1981، حيث أكد قادة دول المجلس على أن «أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسؤولية شعوبها ودولها، وأن هذا المجلس إنما يعبّر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها. كما أكدوا رفضهم المطلق لأي تدخل أجنبي في المنطقة، مهما كان مصدره. وطالبوا بضرورة إبعاد المنطقة عن الصراعات الدولية، وخاصة وجود الأساطيل العسكرية والقواعد الأجنبية لما فيه مصلحتها ومصلحة العالم».

لكن الأحداث التي واكبت قيام المجلس غيّرت من خريطة التفاؤل، خصوصا الحرب العراقية الإيرانية، والتي ظل مجلس التعاون يطالب على الدوام بضرورة إيجاد حل سلمي لها. كما دعا المجلس في قمة الكويت عام 1994 إيران إلى أن «تساهم بالجهود التي ترمي إلى إيجاد حل يقوم على مراعاة حقوق الطرفين». وخلال السنوات التي تلت، ظلت لهجة (الخليجي) متزنة وواقعية لإنهاء تلك الحرب المدمرة، من أجل تحقيق تسوية شاملة ودائمة وعادلة للنزاع.

برزت قضية احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث من جديد بعد الإجراءات التي قامت بها إيران في جزيرة (أبو موسى) عام 1992، حيث عبّر المجلس عن «أسفه الشديد وقلقه البالغ للإجراءات الإيرانية غير المبرَرة، لما فيها من إخلال بالرغبة المعلنة لتطوير العلاقات بين الجانبين، وتعارض مع المبادئ التي تقوم عليها العلاقات بين دول المجلس والجمهورية الإسلامية الإيرانية».

وقد أقدمت إيران حينها على طرد العمال العرب والأجانب وأبناء الإمارات المقيمين في جزيرة (أبو موسى)، في الوقت الذي طرحت فيه دولة الإمارات – على منبر الأمم المتحدة – قضية احتلال إيران لجزرها الثلاث، وأعلن وزير الخارجية آنذاك (راشد بن عبد الله) أن دولة الإمارات العربية المتحدة ما زالت مستعدة لتسوية هذه المسألة بالطرق السلمية المنصوص عليها في المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار سيادة دولة الإمارات على الجزر الثلاث.

وظلت القضية عالقة حتى يومنا هذا. وظلت لهجة (الخليجي) هادئة نحو إيران، وبتأييد كامل لحق دولة الإمارات في جزرها الثلاث. وزاد من التوتر زيارة الرئيس (أحمدي نجاد) لجزيرة (أبو موسى) العام الماضي، وهي أرض محل نزاع. كما قامت إيران بمناورات عسكرية ضخمة في مياه الخليج في استعراض للقوة مقابل الدعوة الخليجية لحل نزاع الجزر المحتلة بالطرق السلمية.

وزاد من توتر العلاقة بين مجلس التعاون وإيران دخول هذه الأخيرة الحرب الدائرة في سوريا ووقوفها مع النظام السوري ضد تطلعات الشعب السوري في الكرامة والحرية! وهو مسعى طائفي أكدهُ وجود مقاتلين ومنسقين إيرانيين يعملون مع الجيش السوري. كما أيدته شحنات الصواريخ الإيرانية المرسلة إلى (حزب الله) والتي قصفتها إسرائيل قبل فترة. كما ينظر مجلس التعاون بعين القلق إلى الدور الإيراني في العراق، ومحاولة إيران تدعيم النزاع الطائفي في هذا البلد.

كما ظلت الولايات المتحدة - التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع دول مجلس التعاون - البعبع الأكبر لإيران، التي ما انفكت تناجزها وتهدّد بضرب مصالحها في المنطقة، في إشارة إلى حلفائها في دول المجلس.

إذن، يُفهم من هذا التأريخ السياسي الموجز أن إيران لم تبد أية مبادرة طيبة نحو حل النزاع مع دول المجلس، إلا إذا استثنينا عهد (محمد خاتمي) الذي حاول فتح صفحة جديدة في علاقات إيران مع دول المجلس، باتجاه تعديل أو تطبيع علاقاتها مع دول المجلس.

فهل يُقدم الرئيس الإيراني القادم على فتح صفحة جديدة؟! خصوصا أن مرشح الرئاسة (رفسنجاني) قد أشار إلى أن إيران بحاجة لبناء الدولة، وأن «سوء الإدارة في بلدنا دمرّ كل شيء»! وهل سيظهر من الـ(650) مرشحا من يقرأ أوراق التاريخ بوضوح؟! وهل من مصلحة إيران أن تبقى معزولة عالميا ومرفوضة إقليميا؟ وهل سيطول (نفس) الشعب الإيراني أكثر ويتحمل هذه الحالة غير الطبيعية في اتجاهات السياسة الإيرانية؟!

عبدالله هادي
04-06-2013, 03:06 AM
عقوبات الخليج ضد حزب الله


مصالح حزب الله في المنطقة العربية، وتحديدا دول الخليج العربية، ليست بالصغيرة. الحزب، الذي أصبح مبغوضا، ربما أكثر من إسرائيل، له صلات عريقة وعميقة في المنطقة من خلال تعاملات شركات تعمل له هناك تحت أغطية مختلفة. وقد أظهرت عمليات الملاحقة له في الولايات المتحدة، تعدد تجارة حزب الله هناك، من تهريب السجائر إلى تحويل الأموال، مع شبكات معقدة من الأفراد الذين يستخدمون لأغراض اقتصادية وبعضها سياسية.

ودول الخليج الست ليست متشابهة في درجة تعاملاتها مع حزب الله؛ هناك السعودية والإمارات والبحرين أكثر تشددا، ورقابة للتعاملات. أما الكويت أكثر دول الخليج تساهلا مع حزب الله، ولها شركات ومجموعات اقتصادية تنشط تجاريا وإنشائيا في مناطق حزب الله في لبنان. وليس لقطر شركات تجارية كما هو الحال في الدول الخليجية بمعناها المتعدد والكبير، لكن قطر كانت أكثر الدول الخليجية دعما ماديا وسياسيا لحزب الله عقدا كاملا، هذا كان قبل الثورة السورية ومن المستبعد أن يكون قد بقي شيء من هذه العلاقة الخاصة. سلطنة عمان أكثر الدول الست حذرا بشكل عام مع كل الدول المشتبه فيها دوليا.

ومع أن حزب الله متورط في أعمال إرهابية ضد الكويت والسعودية والبحرين منذ عقود إلا أن هذه الدول لم تفعل شيئا ضده. حزب الله تورط بشكل كامل في محاولة اغتيال أمير الكويت بتفجير سيارة مفخخة عام 1985. المدان الرئيس في تلك الجريمة مصطفى بدر الدين، هو الفاعل وهو أيضا المطلوب للمحكمة الدولية في اغتيال رفيق الحريري. المفارقة أن صدام حسين أطلق سراحه بعد اجتياحه الكويت لخمس سنوات لاحقة! أيضا، قام فريق من حزب الله بخطف طائرة كويتية في مسقط وقتل راكبين كويتيين. وتم ضبط مخططات إرهابية لحزب الله في أعمال إرهاب في السعودية والبحرين، وكلها ذهبت بلا عقوبات. فقط الولايات المتحدة التي صنفت حزب الله منظمة إرهابية مبكرا، وذلك في عام 1995 ووضعته على لائحة العقوبات. دول الخليج اختارت السكوت عن جرائم الحزب ضد حكوماتها ومواطنيها لأنه كان يصنف منظمة مقاومة ويحظى بشعبية في الشارع العربي، في حين كان دائما ذراعا للحرس الثوري الإيراني. أيضا، رغبت هذه الدول في الحفاظ على التوازن بين القوى في لبنان، وأبقت على علاقة تمثل الحد الأدنى مع حزب الله دعما للسلم الأهلي هناك.

أخيرا، قررت دول الخليج تصنيف حزب الله منظمة إرهابية بعد أن أصبح طرفا رئيسا في قتل آلاف المدنيين في سوريا، يحارب إلى جانب نظام بشار الأسد. ومع أنها خطوة متأخرة إلا أنني أشك أنه سيتم تطبيقها حقا على مستويات مختلفة، وستبقى قرارا سياسيا.

عبدالله هادي
04-06-2013, 03:08 AM
قهوة تركي.. سادة!


منذ اندلاع مظاهرات اسطنبول والكثيرون يحاولون تفسير ما حدث ومحاولة «فهم» أسباب قيام الأتراك بالتظاهر ضد حكومتهم. ظاهريا وبحسب المعلن، فإن الأتراك قاموا بالتظاهر احتجاجا على قيام الحكومة التركية بنزع مجموعة من الأشجار في حديقة عامة لأن المكان سيحل محله موقع تجاري ويعاد أيضا فيه بناء قلعة عثمانية أثرية قديمة. هذه هي الأسباب «الأساسية» التي جرى تناقلها وتداولها لتفسير ما حدث. وانقضت بعض أحزاب المعارضة في لحظة «ثأرية» لتركب الموجة وتستغل الظرف لتنادي بتغيير النظام، ودخل على الخط بكل عنجهية النظام الكاريكاتيري في سوريا بزعامة بشار الأسد معلقا بأن نظام أردوغان يتعامل مع شعبه بكل عنف وعليه أن يستجيب للمطالب ويتنحى، وأضاف بعد ذلك أن سوريا تنصح وتحذر مواطنيها بعدم الذهاب إلى تركيا وذلك لخطورة الوضع وأن سلامتهم ستكون معرضة للخطر الشديد. ولا يمكن التعليق على تصريحات حكومة الأسد إلا كما قال أحد السوريين لي وهو يتابع ذلك على القنوات الإخبارية الفضائية قائلا: «يخرب بيتن.. شوغلاظ وبلا ناموس»، ولكن هل «مظاهرات» الأتراك طبيعية، ثورة، أم هناك دوافع خارجية لذلك؟ بلد يحقق مداخيل اقتصادية محترمة، وتم رفع متوسط دخل الفرد فيه من 3 آلاف دولار إلى 11 ألف دولار خلال عقد من الزمان، وفي وقت تحولت فيه بالتدريج تركيا من ذيل القارة الأوروبية إلى قائدة للعالم الثالث، وباتت الصناعات التركية مضربا للأمثال في الجودة والسعر والإتقان، وكذلك الأمر بالنسبة للخدمات التركية التي جعلت تركيا مقصدا سياحيا أساسيا، وكذلك تحولت خطوط طيرانها إلى إحدى أهم الناقلات الجوية في العالم وانعكس ذلك الأمر بشكل واضح على قطاعات أخرى في تركيا، لينتشر المطبخ التركي بشكل مدهش وهو المعروف بأطباقه الطيبة، وكذلك انتشرت المسلسلات التركية والموسيقى والكتب الأدبية حتى نال أحد أبرز كتابها جائزة نوبل في الآداب، وأصبحت فرقها الكروية من أهم الأندية الرياضية في القارة الأوروبية العتيدة. وبالتدريج قويت تركيا ونضجت سياسيا وتمكنت من تبوؤ مكانتها بجدارة وسط أهم عشرين قوة اقتصادية حول العالم، ونالت احترام العالم وتقديره، وحلت ببراعة مشكلة «الأكراد» المعقدة وسحبت التسليح منهم وأنهت الخيار العسكري معهم، ليكون الحل السلمي المسلك الوحيد للحل، وهي المسألة التي كادت تهلك الأمن والسياسة التركية.

ودخلت تركيا منذ سنتين وبقوة من باب مسؤولية «نصرة الجار» في دعم الثورة السورية التي قامت ضد نظام بشار الأسد الإجرامي ونصحت الرئيس السوري بشار الأسد المرة تلو الأخرى ولم ينصع، وتحول هو ونظامه إلى آلة قتل بحق شعبه حتى تجاوز عدد من قتلهم المائة ألف، ولم يكتف بذلك بل استعان بقوات مأجورة مثل ميليشيات حزب الله وقوات من إيران والعراق ليساعدوه في مهمته الدموية، وساعدت تركيا اللاجئين والنازحين السوريين لديها ودفعت الثمن باضطرابات على حدودها وإطلاق صواريخ عليها وإسقاط طائرات لها واغتيال جنودها.

الجهتان الوحيدتان المستفيدتان من أحداث تركيا (إن لم نقل المتعاونتان في هذه الأحداث) هما نظام بشار الأسد وإسرائيل، وهما متفقان معا بشكل غير مباشر على أن نظام الأسد وأمنه من أمن إسرائيل، قالاها في أكثر من مناسبة بأشكال مختلفة. واليوم في تركيا «يجري» تحريك عناصر غريبة من مناطق محددة (بقيادة علوية من حزب معارض) وهذه القيادة تقف بقوة ضد مساندة ثوار سوريا وتصر على تأييد الأسد.

قد يكون في هذه الخلفية تفسير لما حدث في تركيا وإدراك أن خبث نظام الأسد كالسرطان، كما طال جيرانه في العراق والأردن ولبنان يطال أيضا تركيا وخصوصا حينما ندرك أنه لا يتحرك وحده ولكن تسانده جيوش أخرى من الشر.

عبدالله هادي
04-06-2013, 03:18 AM
نهاية السياسة!


كتب الأرمل المُتَيَّمُ على قبر زوجته الراحلة: «لقد انطفأ سراج حياتي». بعد سنوات من الوحدة القاسية، «تَعَثَّر» الرجل بامرأة أخرى أشعلت رغبته في الزواج. فذهب إلى قس الكنيسة يسأله حلا. هل يمحو الرثاء؟ حك القس رأسه. ثم قال له: «لا. يا بُني. فقط استكمل العبارة على القبر: لكني أضأت سراجا آخر».

هاجم دومينيك ستراوس كاهن، بضراوة الافتراس، الخادمة الفقيرة المسلمة، في غرفته بالفندق الفخم. فقضى الرجل الذي كان يدير صندوق النقد الدولي يوما. يومين، في ضيافة شرطة نيويورك. ثم استقال. وعاد إلى باريس ليستعيد طمأنينته بالقرب من زوجته نجمة التلفزيون آن سينكلير. ثم.. ثم أطفأ سراج حياته. ومن دون سؤال الحاخام، ظهر أخيرا على أغلفة المجلات وصفحاتها، وهو يمسك بسراج آخر أكثر جمالا. وتألقا. وشبابا!

أسأل نفسي، وأنا أتابع مسيرة هذا الاشتراكي المُتَمَرِّس: كيف يرتكب ستراوس كاهن خطأ مذهلا، وهو على وشك الجلوس في قصر الإليزيه رئيسا لفرنسا؟ رَتَقَ بارونات الحزب الاشتراكي الفَتْقَ، بالعثور على اشتراكي نظيف وطيب (فرنسوا أولاند) وأجلسوه في القصر.

لكن أزمة الاشتراكية، كمبدأ. ونظرية. وسلطة، ما زالت مستمرة. قرأت الاشتراكية المثالية عند القس سان سيمون. ثم بهرتني الاشتراكية الفابية البريطانية. فقد صنعت الحلف الصعب بين المثقفين وعمال البروليتاريا، ولتحقق عبر النضال النقابي السلمي والديمقراطي الطويل، مكاسب وضمانات للمجتمعات الغربية الأوروبية، لم تحققها الاشتراكية الماركسية بالعنف الدموي والثوري.

ماذا حدث للاشتراكية الحالمة بالمساواة وتكافؤ الفرص بين الطبقات، لتنتج أمثال دومينيك ستراوس كاهن، وجيروم كاهوزاك وزير الميزانية الاشتراكي الذي اكتشف زملاؤه الوزراء الاشتراكيون أن زميلهم الذي يطارد المتهربين من دفع الضرائب، فتح حسابين مصرفيين سريين في مصارف سويسرا. وسنغافورة.

علماء النفس والاجتماع الفرنسيون يجيبون بأن هناك شعورا لدى أولئك في السلطة بأن أحدا لا يستطيع منعهم. ثمة شعور آخر يخالجني بأن عجز السياسة عن تقديم حل بات أزمة أخلاقية عالمية. قبل الانتفاضات والثورات العربية، قدمت تفسيرا لظاهرة انسداد الحل، بأن النظام الجمهوري أقدم على إلغاء السياسة باستمرار لمدة خمسين سنة، الأمر الذي أدى إلى تعطله. ثم انهياره.

النظام الانتفاضي الجديد يكاد ينهي أمل الناس المحتجين، بإحياء السياسة. العرب الآن أمام أزمة جديدة: سقوط السياسة. أو بالأحرى «نهاية السياسة». أميركا مارست السياسة باختراع الإنترنت. نزل شباب الإنترنت إلى الشارع. ففاجأتهم أميركا بتسليم السلطة إلى الإسلام السياسي (الإخواني)، ظنا أنه يشبه الإسلام التركي الذي سمح بالسياسة، من خلال الجرأة على تكييف الإسلام مع الديمقراطية.

ماذا تعني نهاية السياسة؟ إنها عجز النظام. والتنظيم. والحزب. والمجتمع المدني، عن ممارسة لعبة المساومة والتسوية السلمية، عبر مؤسسات شعبية منتخبة (السلطة التشريعية) تؤمن بالحوار الهادئ والعقلاني. بدلا من ذلك، اختفى شباب الإنترنت. ونزلت إلى الشوارع قوى شبابية أخرى أقرب إلى الدهماء. فهي لا تعرف لماذا تُناوش بالعنف المتأسلمين الذين خطفوا السلطة. ولا تعرف ماذا تعني «أخونة» السلطة. والأمن. والثقافة. والفن...

في تونس، اختفت قوى الحوار السلمي أمام عنف المنظمة الجهادية/ التكفيرية المسلحة التي استفادت شعبيا، من ظاهرة تعرية صدور النساء. أما في سوريا، فلم يعرف رئيس شاب بلا تجربة سياسية، كيف يتعامل باحترام مع سلمية الانتفاضة النبيلة.

لماذا تجد روسيا نفسها في صف دول تستخدم العنف لإلغاء السياسة. أو تسقط السياسة بعنف القمع؟ لأن «القوميسار» بوتين قضى على فساد نظام معلمه يلتسين، بإحياء الشوفينية (التعصب القومي). فاستعاد سيطرة الدولة على الثروة الوطنية (موارد النفط والغاز). يغالط بوتين السياسة عندما يزعم أنه يزود بشار بالسلاح. بموجب عقود تسليح سابقة! العرب الذين ساهموا بدفع ديون سوريا إلى روسيا، يعلمون أن بوتين امتنع عن تصدير السلاح، إلا إذا قبض الثمن سلفا. هو الآن يصدِّر السلاح مجانا، لأن مصلحة روسيا التقت مع مصلحة نظام القتل والدمار.

إذا كانت روسيا لا تملك تراثا حضاريا ديمقراطيا، يمنعها أخلاقيا من التحالف مع دول مارقة، فلماذا تعطلت بوتقة الصهر الاجتماعي في المجتمع الأميركي؟! هنا تملكت ثقافة العنف والجنس المجتمع. فعطلت بوتقة الصهر. وعطلت أيضا السياسة والتسوية السلمية في المؤسسة الديمقراطية المنتخبة (الكونغرس بمجلسيه للشيوخ والنواب).

عجز الرئيس أوباما عن استخدام القانون، لمنع ترويج ثقافة اقتناء السلاح الفردي. لأن لوبي تجار السلاح الذي يموِّل حملات الساسة الانتخابية، أقوى من الدولة. بات بإمكان المراهق شراء السلاح، ليقتل أمه وأباه. ثم يذهب لينسف مبنى حكوميا غاصا بالموظفين. أو ليقتحم مدرسته. فيقتل عشرات التلامذة. والمدرسات. والمدرسين.

ليس لوبي السلاح وحده المسؤول. إنها مسؤولية الثقافة الشعبية التي أشاعت العنف والجنس، بأفلام العنف. ومسلسلات التلفزيون. وألعاب الفيديو. وحرية البذاءة في الإنترنت.

كان العالم المحكوم بآيديولوجيات الحرب الباردة وتوازن الردع النووي أكثر انضباطا وأقل خطرا. سقوط الآيديولوجيا مع عجز السياسة والدبلوماسية، أشاع عنف «الفوضى الخلّاقة»، و«الحرب الوقائية» ضد العدو الجديد: الجهادية التكفيرية التي لا تستطيع حكم المجتمع العربي. لكن تستطيع أن تروِّعه مع مجتمعات العالم، بالعمليات الانتحارية، لأنها عاجزة عن استخدام فقه التسامح الديني مع الجميع.

حتى في لبنان، حيث عزز اتفاق الطائف ديمقراطية المساواة السياسية بين الطوائف، فقد باتت الطبقة السياسية عاجزة عن التحكم والسيطرة على مسلحي «المحاور الشارعية» التي مزقت سلام المجتمع المدني. وألهبت الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة.

سقوط السياسة أنهى الحوار السلمي بين الطوائف. والدولة. والحزب الميليشيوي المسلح. عَجَزَ الساسة عن الاتفاق على كيفية انتخاب مجلس النواب، وتشكيل الحكومة الجديدة. وباتت تيارات السنة تميل إلى عدم مشاركة حزب الشيعة في الحكومة، بعد تورطه في الحرب السورية، بأوامر من الدولة الفارسية.

ما الحل. لا حل. فقد انطفأ سراج الفيلسوف ديوجين. هل يمكن إضاءة سراج آخر؟ كان ميشال سليمان أول رئيس في تاريخ لبنان الاستقلالي يملك الجرأة على الكلام علنا. ببراءة. بصراحة. أثبت هذا المسيحي الماروني الجريء المتواضع أن العرب ما زالوا يملكون على اختلاف انتماءاتهم مُكَوِّنات الأمة: الثقافة. العاطفة. المصلحة. اللغة الواحدة.

قال لي بشار يوما: «يجب أن تعود إلى سوريا. فنحن نقرؤك». كنت أول من سأله عن الديمقراطية والحرية، وهو يتأهب لوراثة أبيه المتعب. فقال كثيرا. وفعل قليلا. لم أعد. فقد فهمت منه أن السوريين غير مؤهلين للديمقراطية. صدق حدسي. تكلّفت الأخطاء المروِّعة بإطفاء سراج الأمل في النفس. أشعر وأنا أستمع إلى ميشال سليمان، وهو يتحدث ببراءة الأمل، عن تألمه لما يحدث في سوريا، مطالبا الحزب الشيعي بالانسحاب منها، بأن الصدق في السياسة قادر على إشعال سراج آخر.

عبدالله هادي
04-06-2013, 03:19 AM
الحرافيش الإيرانيون


مثلما ربما تكون على علم، فإن الكاتب نجيب محفوظ في روايته «الحرافيش» يسرد تاريخ الحكومات التي امتدت على مدار ثمانية قرون. ذلك هو الطراز الغريب للحكم، حكم الحرافيش. وبينما لا يوجد عنصر زمان أو مكان محدد للقصة، فإنها تعكس بحق تاريخ حياتنا وحكوماتنا.

لقد كتب نجيب محفوظ قصة تلك الأيام. فهي تنطبق على جميع الأماكن والعصور في منطقتنا. إضافة إلى ذلك، فقد وظف قصائد حافظ شيرازي كرسالة سرية للرواية. بعبارة أخرى، يتمثل المفتاح السحري للرواية في تلك القصائد. أعتقد أن القصة هي بالفعل قصة الحكومات في مصر وإيران والعراق واليمن وليبيا وهلم جرا.

يمكنني القول إن ثمة وجه تشابه بين روايتي «الحرافيش» و«أولاد حارتنا». لكن في كلتا الروايتين يتسم الحكام بروح التهور والعجرفة، والغباء في الأغلب.

إذا سألتني من كان الرئيس الفعلي لإيران خلال السنوات الثماني الماضية (وسيظل على مدى الأشهر القليلة المقبلة)، فسأجيبك بأن كلمة «حرفوش»، أي الفرد الواحد من جماعة الحرافيش، مشتقة من عبارة «احرنفش الديك» (أي تهيأ للقتال وأقام ريش عنقه وكذلك الرجل إذا تهيأ للقتال). وإذا بادرتني بالسؤال عمن سيتولى منصب الرئيس القادم لإيران، فسأجيبك بأنه سيكون حرفوشا آخر! في هذه المرة، ربما يأتي حاملا شعارات جديدة، لكنه سيحمل الهوية نفسها.

إن «الحرافيش» رواية عن أجيال من العيش في زقاق في مدينة غير معروفة، من المفترض أنها القاهرة. لكن في هذه المرة، لا توجد أي من آليات الواقعية الأدبية. تغطي القصة فترة 800 عام تقريبا، لكن لا يبدو أن الوقت يمر، مع محاكاة الأحداث بعضها البعض عبر الأجيال. إن الأسلوب الأدبي يرتبط بالأساطير أو القصص الأخلاقية الرمزية أو الاستعارات والمجازات، غير أن تأثيره يحمل أكثر صور الواقعية حدة.

في رواية «أولاد حارتنا»، يروي نجيب محفوظ قصة وتاريخ الأديان؛ أما في «الحرافيش»، فيروي قصة الحكومات والعلاقات التي تربط بين الحكومات والشعب. في «الحرافيش»، ينصب التركيز على الشعبوية، بمعنى عامة الشعب، أي هؤلاء الذين يعملون في وظائف متدنية والعاملين غير الدائمين والعاطلين ومن هم بلا مأوى. يأتي الطفل اللقيط عاشور عبد الله الناجي من الحرافيش، وعبر صلابته البدنية وقوة شخصيته يصبح كبير عشيرته وزعيمها.

تتعقب رواية «الحرافيش»، التي تضم 10 قصص ملحمية، تاريخ عائلة الناجي على مر 10 أجيال، قد يحلو للمرء أن يطلق عليها انتكاسات، نظرا لأنه بدرجات تنزلق الأسرة من مثلها العليا الموروثة وتجمع ثروات وتبددها وتستحوذ على سلطة وتسيء استغلالها، ثم تخسرها. وفي النهاية، يظهر عاشور ناجي جديد، يسترد ثروات أسرته بالعودة إلى مثلها الأصلية. وهذا يعني أننا قد فهمنا النقطة الأولى، أننا كنا نتحرك وندور حول الصفر! من عاشور الأول حتى عاشور العاشر والأخير، لا تنس المعنى الحقيقي لعاشور!

هناك شخصيات خالدة في رواية «الحرافيش». لدينا جلال المجنون المهووس بفكرة الخلود؛ فهو يقيم مئذنة غريبة الشكل من دون مسجد ويموت مسموما على يد عشيقته السابقة.

يغلب على الأحداث في «الحرافيش» طابع العنف في الأغلب: هناك جريمة قتل وانتحار وانحراف جنسي وعنف أسري وكل أنواع الدعم الأسري والصراعات؛ والتي تعتبر جميعها بالتأكيد صورا مجازية تشير للحكومات وسيرورة التاريخ لا التقدم.

أود التركيز على هذه النقطة المحورية. في ظل حكم الحرافيش لا نتوقف فقط عند موضعنا الحالي، لكننا ننحدر أيضا إلى الماضي. استشهد هاشمي رفسنجاني بمثال شهير من القرآن:

«أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ» (سورة الرعد، آية 17).

وشرح أن الزبد لا يمكن أن يبقى.. لا يوجد مستقبل للتطرف والطيش والتهور.

في يوم 29 أغسطس (آب) 2008، صرح مدير الموساد الإسرائيلي السابق، إفرايم هاليفي لقناة «الحرة»، وهي شبكة تلفزيونية فضائية عربية ترعاها الولايات المتحدة الأميركية، بأن عبارات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الاستفزازية المعادية لإسرائيل قد وحدت صف المجتمع الدولي ضد بلده، ومن ثم فهو يخدم مصلحة رئيسة لإسرائيل:

«أحمدي نجاد هو أعظم هدية لنا. لم نكن لنستطيع تنفيذ عملية أفضل في الموساد الإسرائيلي من دون تقلد رجل مثل أحمدي نجاد منصب رئيس إيران»، هذا ما قاله إفرايم هاليفي.

وأخيرا، وبالتحديد يوم 29 مايو (أيار)، صرح دان شيفتان، الأكاديمي الإسرائيلي البارز ومدير مركز دراسات الأمن القومي بجامعة حيفا، لمحطة «بي بي سي الفارسية»، بأن أحمدي نجاد كان الوجه القبيح للحكومة الإيرانية، لكنه في الوقت نفسه كان هدية عظيمة النفع للإسرائيليين.

ما أرغب في قوله هو أنه عندما نواجه حكم الحرافيش، يمكننا أن نتبين أن تطرفهم وطيشهم صفتان تقدمان فرصة ذهبية لإسرائيل وخصومهم. دعوني أعرض لكم مثالا أحدث. لقد قيل إن سعيد جليلي (المرشح الرئاسي الإيراني) يحظى بالدعم من الحرس الثوري وقوات الأمن وآية الله مصباح يزدي، والأهم أنه مدعوم من قبل آية الله خامنئي. وأشار جليلي مؤخرا إلى أنه يرغب في اقتلاع الشيوعية والليبرالية والعلمانية في العالم من جذورها! على سبيل المثال، غيرت حكومة تركيا، التي تعتبر دولة الجوار المباشرة لإيران، صورة الدولة والشعب التركي في العقود الأخيرة. في عام 2004، بلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في تركيا 8 آلاف دولار، والآن يبلغ 17.279 دولارا. على الجانب الآخر، قبل ثماني سنوات من الآن، حينما تولى أحمدي نجاد منصب الرئاسة في عام 2005، بلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي 6.367 دولارا. باختصار، يمكننا القول إن اقتصاد تركيا أقوى بقيمة ثلاثة أمثال من اقتصاد إيران. وتجدر الإشارة إلى أن الدعامة الرئيسة لاقتصاد إيران هي النفط. وهذه هي نتيجة حكم الحرافيش في إيران ووجود حكومة حصيفة في تركيا.

منذ ثلاثة أسابيع كنت في إسطنبول؛ وكنت أستقل مترو الأنفاق متجها إلى ميدان تقسيم لزيارة معصوميت موزه سي في شارع استقلال، وكان هناك شاب وفتاة إسرائيليان يتحدثان العبرية. قال الشاب إن تركيا، بوصفها قوة ناشئة ودولة متقدمة، ستمثل تهديدا خطيرا لإسرائيل! فسألته الفتاة «وماذا عن إيران؟»، فأجابها بأنه «لا ينبغي أن يخالجنا شعور بالتهديد من شعارات معادية، وإنما يجب أن نقلق من التطور والتنمية».

كان هاشمي رفسنجاني هو أيقونة التطوير والبناء في إيران، وقد تم استبعاده من سباق الانتخابات الإيرانية من قبل الحكومة وأجبر على ترك المشهد لصالح الحرافيش. في لقائه الأخير بالإصلاحيين في مكتبه، قال «إننا نواجه الخوارج في إيران». دعوني ألخص لكم التاريخ الطويل، الخوارج مثل الحرافيش، النقطة المشتركة بين الجانبين هي الجهل والقبضة الحديدية والفساد. تذكروا أيضا صدام والقذافي والعديد والعديد من الأمثلة الحية الأخرى.

بلغ معدل النمو الاقتصادي في إيران 0.36 في المائة في عام 2012، مما وضعها في المرتبة الـ164 بين دول العالم، ويعتبر هذا إنجازا للحرافيش. إنه نتاج الحرافيش، مئذنة غريبة الشكل من دون مسجد.

هناك عبارة مميزة لنجيب محفوظ قد تكون مفتاحا لاكتشاف الرواية:

«في البدء كانت اللعنة.. والآن الجنون» - (الحرافيش ص: 205).

عبدالله هادي
04-06-2013, 03:23 AM
إثيوبيا ومصر.. حرب الخميني والعراق؟


هذه قصة تكبر، ويتزايد خطرها، وهي قصة سد النهضة الذي تشيده إثيوبيا ويخشى أن يؤثر على تدفق مياه النيل وحصة مصر منها، مما يعرض الأمن القومي المصري للخطر، مما جعل أزمة السد الشغل الشاغل للفرقاء المصريين، حيث التأم بالأمس اجتماع لشخصيات كبيرة مع الرئيس مرسي لمناقشة الأزمة.

واللافت في القصة هو البعد الذي ذهب إليه النقاش بمصر ولدرجة القول بأنه لا بد أن توضع كل الخيارات على الطاولة، بما في ذلك الخيار العسكري ضد إثيوبيا، مما يدفع المتابع لطرح تساؤل مخيف وهو: هل تكون أزمة سد النهضة لحزب الإخوان المسلمين في مصر بمثابة حرب العراق للخميني؟ فبعد الثورة الخمينية شهدت إيران حالة انقسام حادة، ومصيرية حتى جاءت حرب العراق - إيران وشكلت نافذة هرب منها الخميني للأمام، واستطاع التخلص من كل خصومه. وبالطبع فإن قصة السد الإثيوبي، أو سد الألفية الكبيرة كما يسمى، هي قصة أمن قومي لمصر، وليس اليوم، بل منذ عقود، ولمصر الحق في الدفاع عن مصالحها، والواجب عربيا هو الوقوف مع القاهرة، لكن الخوف كل الخوف هو أن تستغل هذه القصة من قبل الإخوان المسلمين للهروب للأمام، خصوصا أن هناك قضايا مصرية داخلية حقيقية تستحق المعالجة من قبل الإخوان المسلمين، والحق أنه لولا الانقسام الداخلي الشديد بمصر لما تجرأ الإثيوبيون الآن، أو غيرهم، على مصر.

ففي مصر اليوم، مثلا، أزمة جديدة توشك على الانفجار بين الإخوان والمحكمة الدستورية العليا، إضافة إلى عدم الاستقرار الأمني، والأزمة الاقتصادية الخانقة، عدا عن الانقسامات السياسية الحقيقية، فكيف يكون بمقدور بلد بهذه الحالة أن يخوض حربا، أو ينتظر من الآخرين عدم المساس بأمنه! والخوف اليوم هو في أن تكون الأزمة مع إثيوبيا بمثابة الهروب للأمام من استحقاقات داخلية حقيقية، خصوصا أن الأزمة حول نسب الحصص بمياه النيل، المنبع والمصب، ليست بالجديدة، وكما قلنا فلم يكن ليتجرأ الإثيوبيون لولا حالة الضعف الداخلي بمصر، والذي يتعمق يوما بعد يوم، وقضية بعد قضية، ومن هنا فطبيعي أن يتجرأ الإثيوبيون طالما أن المصريين مشغولون بمعارك جانبية إقصائية، الهدف منها هو الاستئثار. فمن يتأمل الثورة المصرية، بعد رحيل مبارك مباشرة، يجد أنها كانت بمثابة السهم المرتفع في سوق الرأي العام الدولي، ولو انتهج الإخوان الطريق الصحيح عند توليهم السلطة لما تجرأ الإثيوبيون أو غيرهم، فحينها كان سيقف الجميع مع مصر، واليوم من الصعب توفر الدعم الدولي مع كل هذه المعارك الاستئثارية التي تضعف الدولة المصرية، وتعرض أمنها للخطر.

ولذا فالخوف الآن هو أن تصبح أزمة سد النهضة الإثيوبي للإخوان، أو غيرهم، بمثابة حرب العراق للخميني حيث مكنته، وأوصلت إيران إلى ما هي عليه اليوم، مما يدفع للقول بأن الوقوف مع مصر واجب، لكن مع حذر شديد يوجب التذكر دائما أن الهدف هو حماية الأمن القومي المصري وليس تمكين جماعة، أو خلافه.

عبدالله هادي
04-06-2013, 05:56 AM
تركي الدخيل ..... حزب الله.. أي صدقية بقيت؟!


ربما وجب التذكير في هذه المرحلة التي يخوض فيها حزب الله حرباً ضد السوريين بالمواقف العقلانية التي وُصمت بالتصهين حين انتقدتْ حزب الله في حربه مع إسرائيل في يونيو 2006. خاض الزملاء الصحافيون المستقلون معمعةً أخلاقية، إذ اُتهموا بالتصهين والعمالة والوقوف مع إسرائيل. مع أن الموقف كان واضحاً: “حزب الله يقتلُ شعبَه حين يخوض حرباً غير متكافئة مع إسرائيل”، وبالفعل كسبت إسرائيل الحرب وجاءت القوات الدولة وقُتل الآلاف من اللبنانيين، وتشرد عشرات الآلاف منهم، بينما الخسائر الإسرائيلية طفيفة، لهذا قالت السعودية إن هذه مغامرات غير محسوبة، ولهذا انتقد الأمير سعود الفيصل موقف حزب الله آنذاك. وشغب الناس على السعودية وعلى الصحافيين والكتاب الذين قالوا: حزب الله يخوض عملية انتحارية والجسد الذي يحترق هو الشعب الذي قصف بالطائرات والصواريخ.
حين انتقدنا حزب الله فلأننا نعرف الخطة الأيديولوجية التي تحركه، فهو حزب ضمن ميليشيا إيران، وهو نسخة عربية من الحرس الثوري الإيراني، والذي يقوم به حالياً بسوريا أكبر دليل على ذلك. في 2006 شبه بعض العرب حسن نصرالله بجمال عبد الناصر، وكثر الكلام والقصيد والنشيد بهذه الشخصية لكن سرعان ما عاد حزب الله إلى ميليشيويته وإلى عادته القديمة في مايو 2008 حين غزا بيروت! نعم لم يغزُ تل أبيب، بل بيروت، وأغار على البيوت وتمت كوارث إنسانية وحالات اعتداء على الحرمات والأسر وأحرقوا قنواتٍ كانت تنتقدهم من بينها قناة المستقبل!
الآن حزب الله يقف مع النظام السوري ضد الشعب السوري، وحين قصفت إسرائيل عدة مرات الأرض السورية لم يتجه جيش حزب الله إلى الجولان لقتال إسرائيل بل بقوا في سوريا لقتال السوريين بحجج طائفية، ورغم تكبد هذا الحزب لخسائر فادحة غير أنه يصر على خوض هذه الحرب الغريبة والتي لا يمكن أن يخوضها أي حزبٍ مقاوم! حتى حماس التي غامرت هي أيضاً في فتراتٍ مضت لم تقف مع النظام السوري، إذ هناك حدود للجنون والمغامرات.
حزب الله لم يقاتل الإسرائيليين الآن بل يقتل العرب من علويين وسنة، يقتل كل المعارضين له، وهو بهذا يجر لبنان إلى المجهول، وقد صدق العقلاء الساسة في لبنان حين أدانوا هذا التدخل من حزب الله وآخرهم رئيس الجمهورية ميشيل سليمان.
بآخر السطر، حزب الله كذبة كبرى وصدقناها من 2006 إلى 2013 فمن من العرب لا يزال مسحوراً بهذا الكذب الفاضح؟!

الرياض 28/5/2013

عبدالله هادي
05-06-2013, 04:58 AM
الحرب الطائفية إذا اشتعلت!


لفترة طويلة ظللنا ننكر أن ما يحدث في سوريا أصبح حربا أهلية، حتى توسعت الحرب وشملت كل أطراف البلد، وجرت إليها مختلف مكوناته، فأصبح من الصعب عدم الاعتراف بأن ما بدأ كثورة شعبية تحول، لأسباب داخلية وإقليمية ودولية، إلى حرب أهلية.

بعد أن اعترفنا بأن الحرب الأهلية باتت حقيقة ماثلة، أصر البعض على رفض القول إنها تحولت أيضا إلى حرب طائفية، بينما واصل ممثلو المعارضة حديثهم عن أن سوريا لن تسقط في مستنقع العنف الطائفي، وأن تنظيمات المعارضة تمثل كل الطوائف. لكن الكلام شيء والواقع شيء آخر. فما يحدث على الأرض من قتل وتهجير واستهداف كان يصرخ فينا وبالصوت العالي: إنها الحرب الطائفية بكل بشاعتها وفظاظتها بدأت تنهش في الجسد السوري الدامي وتمزق أطرافه ونسيجه.

الأرقام التي نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان المؤيد للمعارضة قبل أيام تقول إن أكثر من 94 ألف قتيل (تقديرات أخرى تذكر أن العدد أعلى من 120 ألفا) سقطوا منذ بدء الأزمة، بينهم نحو 41 ألفا من العلويين، بينما الغالبية من السنة مع وجود قتلى من مختلف الطوائف الأخرى أيضا. صحيح أن المرء يجب أن يتعامل مع الأرقام بحذر في ظل ما يحدث في سوريا، لكن الواقع يؤكد في كل الأحوال أن هناك قتلا يحدث على الهوية، وقتلى كثرا من السنة والعلويين. تصرفات المقاتلين من المتطرفين ومن شبيحة النظام، والقصص المرعبة والمأساوية التي ينقلها النازحون والمهجرون ويرويها الناجون من المذابح، ترسخ صورة الحرب الطائفية. الفيديو المقزز الذي جرى تناقله عبر الإنترنت أخيرا وأدانه حتى الائتلاف السوري المعارض، ويظهر فيه المدعو خالد الحمد أحد قادة كتيبة «عمر الفاروق» ينتزع أحشاء جندي سوري ويبدو وكأنه يريد التهام قلبه، يظهر المدى الذي بلغته هذه الحرب من دموية ووحشية، والكراهية التي تنتشر فتغذيها وتتغذى منها، وتعمق في ندوبها الطائفية.

خطاب حسن نصر الله الأخير يؤكد أيضا طائفية الحرب ويجاهر بما كان معروفا أصلا، وهو أن حزب الله يشارك في القتال إلى جانب قوات الأسد. تصريحات نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي وتحذيراته من أن انتصار المعارضة السورية سيؤدي إلى «حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق»، تثبت النظرة والتداعيات الطائفية التي تتداخل مع الحرب السورية. الموقف الإيراني القاطع برفض سقوط نظام الأسد، يدور في هذا الفلك، ويفصح عن طبيعة الحرب بالوكالة الدائرة في سوريا، مما يغذي نيرانها الطائفية.

في لبنان والأردن والعراق يشعر الكثيرون بالخطر من امتدادات وانعكاسات الحرب السورية وتشابكاتها الطائفية، وتجاذباتها الإقليمية، وحساباتها الدولية.. فالعراق عاش ويعيش منذ الغزو عام 2003 عنفا طائفيا وصل في فترة من الفترات إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وهو لا يزال يجلس على برميل بارود الطائفية. الأردن يدفع دائما ثمن موقعه الجغرافي، وجواره الملتهب بالنزاعات والحروب الدموية، وموجات اللاجئين الهاربين من الحروب الداخلية أو العنف الطائفي، وهو يجد نفسه اليوم في مواجهة تداعيات الحرب السورية التي دفعت إليه بما يفوق قدراته وموارده المحدودة، بعد أن بات عدد اللاجئين السوريين يعادل 10 في المائة من مجموع سكانه، بحسب ما أوضحه الملك عبد الله الثاني. أما لبنان الذي شهد أطول الحروب الطائفية وأقساها، فإنه معرض دائما للاهتزاز أمام أي رياح طائفية بسبب هشاشة وضعه الداخلي والمماحكات السياسية ونظامه الدستوري الذي يضعف نسيج البلد ولا يعزز وحدته الوطنية. لهذا لسع سريعا بنيران الحرب السورية، فسقطت القذائف عبر الحدود ثم وصلت إلى بيروت، واشتعلت طرابلس، وعلت التحذيرات من أن البلد يجر للانزلاق مجددا نحو حرب طائفية. فخطاب نصر الله الأخير دفع لبنان برمته وليس حزب الله وحده، إلى أتون الحرب السورية، وكان مؤشرا جديدا على أن تداعياتها باتت ممتدة عبر الحدود.

نظام الأسد سيسقط، ويجب أن يذهب بعد كل القتل والدمار الذي حدث، لكن سوريا يجب أن تبقى وتسلم من التفتت ومن جراثيم الطائفية. فما الفائدة إذا سقط النظام وخسرنا سوريا، أو رأينا الطائفية تتمدد لتشعل المزيد من النيران والعنف في المنطقة. لقد هالنا وروعنا ما حدث ويحدث في العراق، فهل نسمح بتكراره في سوريا ولو بصورة معكوسة؟! بل ما هي الرسالة للأقليات إذا كان الثمن لسقوط أي نظام استبدادي، هو بروز الطائفية والفوضى وسقوط الانفتاح والتعايش؟!

المعركة في سوريا أكبر وأهم من مجرد سقوط نظام الأسد، فهل ننجح في التحدي أم يستمر مسلسل سقوط الدول في الفوضى والخراب، ويتواصل النفخ في الطائفية التي لن يسلم منها أحد؟



_______________________


غلطة حزب الله


عندما غزا صدام حسين الكويت عام 1990. عمد في سياق خطاباته وضمن مبرراته وحججه لإقناع الناس بما لا يمكن الاقتناع به، إلى إقحام فلسطين في الأمر وقال: إنه سيصلي في القدس وإنه يتصدى لمؤامرة ضد العراق. حسب كثيرون أن صدام ضل الطريق لأن الطريق إلى فلسطين لا يمر بالكويت، ولا باحتلال بلد عربي لبلد شقيق.

وعندما تحدث حسن نصر الله زعيم حزب الله قبل أيام عن مبرراته لإقحام مقاتلي حزبه في الحرب السورية، تحدث عن مؤامرة وعن الدفاع عن المقاومة، فبدا هو الآخر وقد أضاع البوصلة لأنه طالما تحدث في السابق عن سلاح حزبه المصوب باتجاه إسرائيل وليس باتجاه القصير أو دمشق.

لا يهم أن صدام كان زعيما سنيا، وأن نصر الله قائد شيعي، فكلاهما أقحم مفردات المقاومة والمؤامرة وفلسطين لكسب الناس، وللتغطية على المبررات الحقيقية لإرسال المقاتلين للحرب في بلد عربي آخر. وفي الحالتين كان التدخل مغامرة مكلفة، دفع صدام ثمنها، وأحسب أن نصر الله أيضا سيخسر كثيرا من جرائها.

زعيم حزب الله بكل براعته وموهبته الخطابية، لم يستطع التغطية على أن الحرب السورية باتت حربا طائفية، ولم ينجح في طمس الحقيقة باجترار وتكرار شعار الدفاع عن المقاومة. وكان لافتا أن خطاب نصر الله، جاء بعد أيام معدودة من حديث بشار الأسد عن أنه يريد فتح باب المقاومة وتحويل سوريا كلها إلى بلد مقاوم، وكأن سوريا تذكرت المقاومة فجأة بعد اندلاع الحرب فيها رغم كل الخطب السابقة عن «محور المقاومة» و«دول الصمود».

نصر الله في سعيه لتبرير الزج بقواته في الحرب السورية قال: إن سوريا (وهو في الواقع يقصد نظام الأسد) هي ظهر المقاومة، وإن المسألة بالنسبة لحزب الله هي حياة أو موت. بالمنطق ذاته فإن ظهر حزب الله سينقصم إذا خسر مقامرته الراهنة التي وضعته في مواجهة سنة سوريا والمنطقة، وفي أتون حرب طائفية لها أبعاد إقليمية ودولية، وستكون لها انعكاساتها أيضا على لبنان الذي انتقلت المواجهات إليه وقد تقوده نحو هاوية حرب أوسع.

هذا ليس الخطأ الوحيد الذي ارتكبه نصر الله بدفعه لقواته للقتال في سوريا. فليس سرا أن هناك أطرافا لبنانية وإقليمية ودولية، تنادي منذ زمن بنزع سلاح حزب الله لأسباب متباينة. كان الحزب يرد دائما بأنه متمسك بسلاحه لأنه سلاح مقاوم ضد إسرائيل. تزايدت الدعوات لنزع سلاح الحزب بعد اغتيال الحريري، ثم بعد يونيو (حزيران) 2006 عندما وجه سلاحه نحو الداخل.

اليوم وقع حزب الله في أخطر مطب بانجراره إلى الحرب السورية. فإذا كان هناك من يريد ضرب الحزب، فقد انجر إلى حيث يمكن ضربه، ووضع سلاحه في معادلة لا يمكن أن يخرج منها رابحا، سياسيا أو عسكريا أو حتى طائفيا، لأن هناك أصواتا شيعية مؤثرة تنتقد قرار نصر الله وترفض المشاركة في القتال ضد المعارضة السورية، وتحذر من التداعيات على وضع لبنان الهش.

هناك الكثير من المؤشرات والحسابات التي ترجح إطالة أمد الحرب التي دخلت عامها الثالث، وهناك أطراف مستفيدة من إطالتها ما دام أنها تحدث المزيد من الإنهاك في الجسد العربي المنهك أصلا بسبب تشرذمه وصراعاته. المنطق يقول إن نظام الأسد سيسقط لا محالة بعد كل الدماء التي سكبت، والدمار الذي حدث، والشروخ التي حدثت في النسيج السوري، ناهيك عن الدعم الواسع الذي تلقاه المعارضة. صحيح أن نظام الأسد مدعوم أيضا لكن ميزان القوى ليس لصالحه، ولولا ضعف المعارضة وخلافاتها، وحسابات بعض القوى التي تجد مصلحة في إطالة أمد الحرب، لكان قد سقط منذ فترة. ومع استمرار الحرب فإن سوريا سوف تنهك وتنضم إلى قائمة الدول الأخرى في المنطقة التي أنهكتها حروبها الداخلية، أو ثوراتها التي لم تكتمل فانتهت إلى التناحر والفوضى.

الوضع بالنسبة لحزب الله سيكون أكثر تعقيدا حتى إذا حدث المستحيل وتمكن نظام الأسد من البقاء. فمزيد من القوة سيعني مزيدا من التعقيدات في لبنان، وبالتالي مطالب أكبر بنزع سلاح الحزب الذي سينظر إليه كثيرون في الداخل والخارج على أنه أصبح مصدر خطر أكبر، وبالتالي لا بد من تحجيمه وعزله. أما إذا سقط الحليف السوري، فإن ظهر حزب الله سيكون قد قصم، إذا استخدمنا المفردة التي استخدمها نصر الله. سيكون الحزب قد خسر أعدادا كبيرة من مقاتليه، واستنزف سلاحا لن يستطيع تعويضه بسهولة، وفقد تعاطفا ربما كسبه في السابق في العالم العربي عندما كان يمكنه رفع ورقة المقاومة التي سقطت الآن في أتون الحرب الطائفية في سوريا.

عبدالله هادي
05-06-2013, 05:00 AM
أي أردوغان ترى؟


ما إن هبت المظاهرات المفاجئة تماما، في ميدان تقسيم بمدينة إسطنبول التركية، حتى ظن كثيرون أنهم يشاهدون تونس ومصر وسوريا، في بدايات ثوراتها. واختلطت المواقف المتعجلة، أحد المصريين قال أتمنى سقوط أردوغان، وزير إعلام سوريا وجه نصائحه الساخرة من رئيس وزراء تركيا، الصحف تناقلت صور مشاهير الممثلين والممثلات الأتراك المشاركين في المظاهرات، صحف النظم الإسلامية الجديدة اعتبرتها مؤامرة إيرانية إسرائيلية. أردوغان نفسه قال، إنها من فعل خصومه الحزب الجمهوري.

ولأننا لم نتوقعها في مصر آنذاك، ولم نتخيلها تحدث لاحقا في سوريا، تعلمنا أن نراقب المشهد مثل سباقات الخيول ومباريات الكرة، ننتظر النتيجة في النهاية.

ميدان تقسيم في إسطنبول ليس ميدان التحرير في القاهرة ولا ساحة الإرادة في صنعاء، مع هذا أخذت من الاهتمام مثلها، وهناك من انشغل يبحث عن سبب لتبرير «الانتفاضة البيئية» ضد أردوغان. كل يراها من موقفه السياسي، الإيرانيون والنظام السوري يعتقدون أنها نجدة إلهية في وقت عصيب لإنقاذ الجار الأخطر الرئيس الذي يترنح، بشار الأسد. لو قامت ثورة في تركيا لسهل قمع الثورة في سوريا، هكذا يتمنون. وهناك الإسرائيليون، حتى بعد المصالحة والاعتذار وزيارات المسؤولين الأتراك لتل أبيب، الذين يعتقدون أن أردوغان يمثل مشكلة وسيكرر البحث عن شعبية على حسابهم. الفريق الآخر القوى الليبرالية العربية. في الحقيقة هي ليست ضد أردوغان بل ضد الإسلاميين العرب الذين يتمسحون بعباءته وينسبون نجاحاته لفكرهم. ليبراليو العرب يرون في انتفاضة الأتراك إسقاطا رمزيا مهما، يرون انتفاضة ضد المعسكر الديني الذي يركب الديمقراطية لغاياته. إسلاميو تونس ومصر وصلوا للحكم على ظهر الفكر الليبرالي، الديمقراطية، ثم تنكروا له وحاربوه ويريدون تغييره ليناسب فكرهم الديكتاتوري المتطرف. والحقيقة الفريقان، الإسلامي التركي والإسلامي العربي، مختلفان في الفلسفة والممارسة. ولا نملك دليلا حقيقيا على نيات انقلابية عند الحكومة الإسلامية للهيمنة على تركيا. ممارسات حزب أردوغان وحكومته أقرب كثيرا لفكر الليبراليين العرب منها إلى «الإخوان المسلمين» في مصر وغيرها.

إذن هل ما يخشى منه في حركة الشباب المعارضة في إسطنبول؟ تركيا ليست مصر، وبالتأكيد ليست سوريا، وحكومة طيب أردوغان ليست حكومة بن علي في تونس، أو صالح في اليمن. تركيا بلد يحتكم للانتخابات، وأردوغان جاء عبر الصناديق، وأعيد انتخابه وفاز بالأغلبية، ولم يطعن أحد في شرعيته. من جانب آخر، أردوغان ليس رئيس وزراء بريطانيا أو مستشارة ألمانيا، ملتزم تماما بقواعد العمل الديمقراطي، بل حبس صحافيين، ولاحق الإعلام المنافس، وسعى للتضييق على حريات الناس. وربما هذا ما دفع خصومه للتجمهر ضده في ميدان تقسيم بحجة رفض قلع الأشجار.

عبدالله هادي
05-06-2013, 05:01 AM
مفاجأة تركيا!


ربما كانت آخر ما تحتاج إليه «تركيا»، النموذج الأكثر إلهاما لدى العرب الآن بمختلف تياراتهم، مثل هذه الاحتجاجات التي تعم البلاد وتنذر بتغيير للمعادلة السياسية الداخلية قسرا إذا ما فشل أردوغان في احتوائها أو اختيارا بعد أقل من عام حيث الانتخابات التي سيتم فيها استحضار ما يحدث الآن.

تفسير ما يحدث على أنه «مؤامرة» خارجية أو انتفاضة «مخمورين» كما يحاول المولعون بالتجربة التركية من الإسلاميين تقزيم ما يحدث، لا يقل فداحة عن خطأ أردوغان بوصفهم باللصوص والمخربين، مما ساهم في تأزيم الوضع على الرغم من المحاولة التصحيحية لتهدئة الأوضاع التي قام بها الرئيس عبد الله غل الذي «حذر» من التمادي في استخدام العنف ضد المتظاهرين.

«مفاجأة» تركيا جاءت صادمة للمراقبين، لا سيما من أنصار «نمذجة» السياسة في قوالب مسبقة، فمن يتصور أن تحدث احتجاجات عنيفة تنذر بثورة عارمة في دولة في أكثر أحوالها الاقتصادية انتعاشا، كما أن حضورها الخارجي حوّلها إلى أهم لاعب إقليمي في المنطقة؟ إلا أن كل ذلك لم يشفع عند الأتراك الناقمين والذين يرون في تجربة أردوغان أبعد من ثقلها السياسي والاقتصادي، فالرضا الداخلي عن أردوغان وحزبه يقل بكثير عن الانبهار بهما خارجيا.

ما حدث هو جزء من رد فعل لصراع طويل بين الإسلاميين وخصومهم من الحرس القديم، وهم مزيج من الأحزاب اليسارية والعلمانيين وفئات من الفنانين والرياضيين وأستاذة الجامعات وحتى قوميات كالأكراد وأنصار القومية التركية والذين يرون في تجربة أردوغان انحرافا عن الهوية التركية الكمالية، وبالتالي فإن هذا القلق الهوياتي انفجر مع حادثة «قطع الأشجار» للساحة الأكثر شهرة في إسطنبول، والذي تمثل لهم كمحاولة فجة للإيغال في تعويم معالم المدينة لصالح رأس المال المتحالف مع الإسلاميين.

وإذا كانت الديمقراطية المدعومة باقتصاد قوي ومتين تبرز جوانب مشرقة من التجربة السياسية، فإنها تخفي أيضا في طياتها مخاوف الأقلية التي لم تفز بالانتخابات ومطامعها التي تظل مطفأة حتى يتم إشعالها مجددا، وفي الحالة التركية لا يمكن الحديث عن أقلية، بل عن نصف المجتمع الذي لم يحالفه الفوز أمام قوة ومتانة «حزب العدالة» التنظيمية، وبالطبع يمكن إشعال ثورة (عادة ما تتحول الاحتجاجات المناطقية إلى ثورة بسبب رد فعل الحكومة المركزية) من خلال تحويل الاحتجاجات إلى مواجهة عنيفة في حال استجابت الشرطة لاستفزاز المتظاهرين وقامت بالرد عليهم، وهو ما حدث في تركيا حيث جرى استخدام القوة المفرطة، الذي يحول بفضل الإعلام الجديد وسهولة الحشد من قبل الأحزاب المعارضة المسألة إلى شأن عام وينقله من خانة «رد الفعل» إلى صراع سياسي وربما دموي.

هناك شكاوى لدى الأتراك رغم اعترافهم بنجاح التجربة الاقتصادية لحزب أردوغان بفرض الوصاية على المجتمع التركي وأسلمة تدريجية بطيئة لكل مفاصل الدولة، الأمر الذي يشكل تهديدا للهوية العلمانية المنكسرة، التي رغم فشلها في حصد الانتخابات فإن هذا الفشل المرتبط بقوة الأحزاب وقدرتها على إقناع الناخب لا يعني تحولا نوعيا في الهوية أو انزياحيا لصالح قناعات الأحزاب الإسلامية في القضايا الاجتماعية والحريات العامة، وهذا جزء من أزمة فهم صعود الإسلاميين عموما وعلاقة ذلك بممانعة اجتماعية في رؤيتهم للحريات ومسألة تطبيق الشريعة، وهي بالطبع عربيا أقل حدة من دولة كتركيا منقسمة بين جذورها الإسلامية وطابعها العلماني الأوروبي.

الوصاية على الحريات العامة التي لا تقبل الشخصية التركية المساس بها لا يمكن أن يجري تبريرها أو تمريرها عبر «التفوق الاقتصادي» لأسباب كثيرة، أبرزها في ما يخص تركيا أن نسب النمو العالية وازدياد الموارد وكل علامات النجاح المالي لا تنعكس بالضرورة على عموم الشعب وإنما تخص بالدرجة الأولى رجال الأعمال المتحالفين مع حزب العدالة والتنمية، كما هو الحال في معدلات النمو في تجارب كالهند والبرازيل... إلخ، ويمكن القول إن محاولات الأسلمة القسرية في تركيا هي الشكل المضاد لمحاولات العلمنة القسرية التي جربتها حكومات وأحزاب سياسية في العالم العربي وفشلت بسبب الممانعة المجتمعية بغض النظر عن الحالة الاقتصادية.

صورة أردوغان الداخلية في أكثر حالاتها حرجا، لكن ذلك أيضا لا يعني تحول الاحتجاجات إلى «ثورة» عارمة، فحتى الآن لا يوجد قتلى في صفوف المعارضة كما أن محاولات غل لتهدئة الموقف قد تساهم في تخفيف حدة الاحتقان.

المفاجأة «التركية» تعزز أن قيم الديمقراطية لا تقبل التجزئة، فالفوز بنسبة 50% المعزز بنجاح اقتصادي باهر، لا يفيد شيئا في حال جرى تجاهل النصف الآخر، وهو درس لدول الربيع العربي التي تفقد نصفها الانتخابي الآن، بسبب فشلها الاقتصادي، ولم تنجح سوى في «الوصاية» بطرحها الشمولي الإقصائي، الذي يجعلها أسوأ مستخدم للعبة الديمقراطية المستوردة.

عبدالله هادي
05-06-2013, 05:04 AM
كباش «تقسيم»


الأشجار والمتنزه ما هي إلا ذريعة لتصفية حسابات سياسية فكرية عقائدية مع رجب طيب أردوغان وحكمه الذي يستمر منذ أكثر من 10 سنوات، وهو قد أعطاهم حتما الفرصة التي يريدونها في الأسابيع الأخيرة..
عندما:
قرر إنشاء مطار إسطنبول الثالث في أجمل بقعة خضراء متبقية في المنطقة.. هناك يقولون إنها بدأت منذ الآن تتحول إلى مكان تنافس عقاري وتجاري بين كبريات الشركات العالمية.

وعندما تحرك لشن حرب جديدة على الكحول ومتناوليه في بلد علماني تعيش فيه شرائح عرقية ودينية واجتماعية مختلفة، دون الرجوع إلى الشارع واستشارته في احتمالات تقبله تشريعات يقول إنها ستزيل آخر ما تبقى من حريات فردية للأتراك بعد الحرب الضروس التي شنها أردوغان على التدخين والمدخنين.

وعندما ارتكب الخطأ الأكبر ليس فقط في اختيار مكان تشييد الجسر الثالث المعلق وسط أجمل بقعة خضراء متبقية في ضواحي إسطنبول، بل في إطلاق تسمية «يافوز سلطان سليم» على هذا الجسر، مقحما تركيا والأتراك في نقاش لم يكن أحد يحتاجه في مثل هذه الظروف، بسبب الحروب التي خاضها السلطان العثماني في شرق الأناضول، مذكرا بصفحات التاريخ التي اقتتل فيها العثمانيون والصفويون والعلويون والأكراد والعرب والمماليك في مشروع إعادة توزيع الخرائط قبل أكثر من 500 عام.

أردوغان إذا لم يلملم الأنقاض وما بعثرته أخطاء حزبه، فعليه ألا يراهن بعد هذه الساعة على استحالة خروج المعارضة من سباتها العميق وعدم قدرتها على تقليص المسافة الشعبية والرقمية بينهما، بل عليه أن يتطلع إلى ما يجري حوله في «العدالة والتنمية» حيث اكتفى البعض بالتفرج مصدوما تاركا رئيسه وحيدا في قلب الهجمات والحملات. بقدر ما سيتحرك أردوغان لإجراء مراجعة جذرية في صفوف أعوانه ومساعديه الذين فشلوا في إدارة الأزمة، فإنه لا بد أن يدقق مطولا في أسلوب وطريقة إصدار القرارات والقوانين وتحديد مشاريع الإنماء والتحديث التي يصر على فوائدها وإيجابياتها وإقرارها بقوة الصناديق التي تمنحه هذا الحق؛ كما يردد دائما. لكن الأهم طبعا هي مراجعة أسلوبه السياسي عندما سارع قبل أيام وهو في قلب المواجهات لترك علامات تعجب واستفهام حول توقيت صدور قرار محكمة الإدارة التي جمدت مشروع توسيع متنزه ميدان «تقسيم» حتى تستكمل الإجراءات القانونية، وإصراره على تقديم البعد «الآيديولوجي» على بقية الأسباب التي قادت إلى الانفجار في قلب إسطنبول، متجاهلا سرعة انتشاره إلى بقية المدن التركية الكبرى مثل فتيل البارود المقترب من برميل المتفجرات.

المحتجون الذين يضمون في صفوفهم العشرات من شباب اليسار القومي والمنظمات المحظورة ويدعمهم حزب الشعب الجمهوري، نجحوا في جلب كثير من المفكرين والمثقفين والإعلاميين والسياسيين الذين لن ينسوا بمثل هذه البساطة مشهد نقلهم إلى المستشفيات للمعالجة من آثار الغاز المسيل للدموع، وهنا ستكون مهمة أردوغان صعبة جدا خلال زيارتهم وإقناعهم بالخطأ الذي ارتكبه البعض وبالمبالغة في استخدام القوة من قبل رجال الأمن الذين لم نعرف بعد نوع الأوامر التي كانت موجهة لهم.

الحديث عن «ربيع تركي» هي نتيجة الحماس والتخوف والصدمة التي يعيشها البعض داخل تركيا وخارجها، لكن تحول ما يجري إلى صيف لاهب في تركيا لن يكون مستبعدا إذا ما ظلت قيادات «العدالة والتنمية» تفشل في التعريف بإنجازاتها السياسية والاقتصادية والإنمائية الكبيرة في أوساط الشعب التركي، وتعطي الفرص للمعارضين والمحتجين لتقديم بعض السلبيات والأخطاء والتلاعب بقدر ومصير الحزب الحاكم بهذه الطريقة.

أردوغان يقول إن هدف البعض من هذه الاحتجاجات هو انتزاع رئاسة بلدية مدينة إسطنبول، كبرى المدن التركية وأهمها، من «العدالة والتنمية» في الانتخابات المحلية المقبلة، لكن أردوغان سيكتشف عاجلا أم آجلا أن أول الأضرار والخسائر التي سيتلقاها، ستكون أبعد وأهم من ذلك إذا لم يقرأ المشهد بطريقة مغايرة.. ففكرة «العدالة والتنمية» بإجراء انتخابات ثلاثية مبكرة مرة واحدة تشمل البرلمان والبلديات واختيار الرئيس الجديد في العام المقبل، ستكون عرضة للتغيير بعد مناقشة سلبياتها ومخاطرها مطولا، لكن الأهم هو عدم استغراب قرار الحزب بسحب مشروع النظام الرئاسي ووصول أردوغان إلى قصر الرئاسة في شنقايا بصلاحيات واسعة، وطيه أمام الأخطاء والهجمات المتزايدة.

في الوقت الذي كنا نناقش فيه أسباب وانعكاسات ما جرى في ميدان «تقسيم»، كانت الأجهزة الأمنية تتحدث عن العثور على شاحنة جديدة محملة بالمتفجرات وافدة من داخل الأراضي السورية.

عبدالله هادي
05-06-2013, 05:06 AM
استغلال احتجاجات «تقسيم»


لم تشهد المدن الرئيسة في تركيا أي انتفاضات كبرى منذ السبعينات من القرن الماضي. وكانت تركيا قد عانت ويلات الإرهاب على مدى 30 عاما، وكان الإرهاب يعيش معنا جنبا إلى جنب، وكنا نرى بأم أعيننا التفجيرات الانتحارية ونسف المصارف وتفجيرات الأتوبيسات هنا في إسطنبول؛ تلك المدينة الجميلة التي عشنا ودرسنا وعملنا وتجولنا بها. ومع ذلك، لم أر في حياتي ثورة من الشعب التركي.

وقد بدأت المشكلة الحالية نتيجة احتجاج سلمي ضد اقتلاع الأشجار. دعونا نتفق على أن حب الأشجار والطبيعة شيء جيد، وأن الاحتجاجات شيء مقبول وضروري للتعبير عن الأفكار والحديث بحرية، وشيء يصب بالطبع في مصلحة الديمقراطية، وأن الاحتجاجات تؤدي إلى حل الكثير من المشكلات في البلدان الديمقراطية، وهذا هو ما يحدث في تركيا؛ تلك الدولة المسلمة التي يتحدث فيها الناس بمنتهى الحرية.

إن ما حدث في ميدان «تقسيم» يعد بمثابة غطاء لمثل هذه الجماعات، حيث بدأت تلك الأحداث بشكل غريب للغاية، وما إن اندلعت الاحتجاجات السلمية، حتى بدأت هذه الجماعات تبعث برسائل مهينة لمؤيدي الحكومة، وكان الجميع مهيئا ومحرضا على «العنف»، وبدا أن هناك حسابات من الواضح أنها لن تدع الاحتجاجات تمر بسلام.

وكان المحتجون الأصليون سلميين ويعترضون بشكل ديمقراطي، ولكن تلك الجماعات نجحت في تحويل الاحتجاجات إلى مظاهر للعنف، ولم يعد هناك حديث عن اقتلاع الأشجار وعن الحدائق، وبدلا من ذلك بدأنا نرى الكثير من اللافتات التي تمثل المنظمات الشيوعية، وجاء رد فعل الأحزاب السياسية غريبا، ويكفي أن نعرف أن حزب «الشعب الجمهوري»، وهو الحزب المعارض الرئيس الذي وقع على مشروع إزالة الحديقة، قد شارك في الاحتجاجات! وقال حزب «الحركة القومية»: «نحن نعارض هذا العمل».

وبدأت تقارير خاطئة تنتشر بسرعة على موقع «تويتر»، وانتشرت صورة لأميركي أصيب في يخت بولاية فلوريدا الأميركية على أنه «شاب قتل على يد الشرطة» التركية، كما انتشرت صورة ادعي أنها «على جسر البسفور»، في حين أنها جاءت في الأساس من ماراثون أوراسيا عام 2012.

ونشرت صور للشرطة السلوفينية على أنها صور للشرطة التركية وهي تقمع المتظاهرين، كما كانت أول صورة لاندلاع الاحتجاجات هي صورة التقطت في ميدان التحرير المصري!

وجرى إعداد كرات مملوءة بالمسامير وتحطيم حجارة الرصيف قبل اندلاع المظاهرات، وهو ما يعني أن من قاموا بذلك يسعون للقتل والتدمير. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل من المنطقي أن يقوم الأشخاص الذين يسعون لحماية الأشجار بإعداد أسلحة بهدف القتل والتدمير؟ بالطبع، لا، وبالطبع لم يكن من قاموا بذلك متظاهرين سلميين، والأمر نفسه ينطبق على من قاموا بقذف الشرطة بالحجارة وهي تنسحب من ميدان تقسيم ومن قاموا بتحطيم سيارات الشرطة. وعندما وصل الكثير من الفنانين إلى الميدان للمشاركة في الاحتجاجات عادوا على الفور وحذروا من عدم خدمة أهداف أولئك الذين يسعون للتحريض عبر صفحاتهم على موقع «تويتر»، وبالفعل تفهم الكثير من المتظاهرين ذلك وعادوا إلى منازلهم، أما من بقي الآن في الميدان فهم المحرضون.

لم يقتل أي شخص في تلك الاحتجاجات ولم يجر استخدام الدبابات، ولكن الشيء الحقيقي هو أنه قد جرى استخدام غاز الفلفل، وبالطبع ما كان ينبغي أن يستخدم بهذه الكمية، وهو ما صرحت به الحكومة نفسها عقب الاحتجاجات مباشرة. ومع ذلك، لم يكن هذا هو الخطأ الوحيد، حيث جرى الإعلان بعد أيام قليلة من الاحتجاجات أنه لم تقطع أي أشجار وأنها نقلت وزرعت في مكان آخر في إسطنبول، وأن المشروع الجديد يتضمن إنشاء حديقة، وأن الحكومة قامت حتى الآن بتشجير 900000 هكتار، ولذا كان يتعين على الحكومة الإعلان عن ذلك من البداية.

من السذاجة أن تصف ما يحدث الآن بأنه «ربيع تركي»، لأن تركيا ليست مصر في عهد مبارك أو سوريا تحت قيادة الأسد، ويكفي أن نعرف أن أكثر من 20 حزبا قد شاركوا في الانتخابات في تركيا، وأن 22 حزبا سيشاركون في انتخابات عام 2014. بما في ذلك أحزاب شيوعية وماوية وكردية ويسارية ويمينية، وأحزاب تمثل جميع التوجهات، وعلى الشعب أن يختار أيا من هذه الأحزاب لتمثله في الحكومة، وتكون هناك انتخابات كل أربع سنوات يمكننا من خلالها الإبقاء على رئيس الحكومة أو انتخاب آخر. وعلى عكس ما يحدث في بلدان الربيع العربي، لا يتنحى الزعيم التركي بسبب الحجارة وقذفها، وإنما ما يحدد بقاءه أو رحيله هو الانتخابات. في تركيا، يمكن لأحزاب المعارضة أن ترفع أصواتها وتحتج بقوة، كما يمكنها توجيه انتقادات للحكومة بكل حرية. ونظرا لوجود ديمقراطية في تركيا، يأتي الحكام ويرحلون بصناديق الاقتراع، ولذا يتعين على الصحف الأجنبية أن تضع ذلك في الاعتبار وتركز على الخطر الحقيقي.

هذه الاستفزازات والتوترات لا يمكن حلها إلا بالحب. أتمنى أن تكون هناك مساحة أكبر للحب في قلوب مسؤولي الحكومة والشرطة والشعب في تركيا، ويتعين عليهم أن يؤثروا الحوار والتفاهم على الغضب. في الحقيقة، كاد الحب يختفي من العالم، وتركيا بالطبع جزء من هذا العالم، ويجب أن نعرف أن الذين يعتمدون على الحقد قد أخطأوا وفشلوا في رؤية الخطر الحقيقي، وهم بذلك يدعمون الكراهية، وهذا عار عليهم.


* معلقة ومحللة في التلفزيون التركي*

عبدالله هادي
05-06-2013, 05:07 AM
روسيا كذبت الأسد وتلاعبت بأميركا!


بكل غرور أعلن المتحدث باسم الخارجية الروسية إفشال بلاده لمشروع بريطاني في مجلس الأمن حول القصير قائلا: إن موسكو على اعتقاد بأن المبادرة البريطانية جاءت في وقت غير مناسب، ومعتبرا الثوار مجرد «جماعات إرهابية»!

ولم يكتف المتحدث الروسي بذلك بل إنه يقول: «هيهات أن يقال: إن مقترح رفع صوت المجتمع الدولي جاء في القوت المناسب، وذلك في الوقت الذي ينهي فيه الجيش السوري عملية مكافحة الإرهاب ضد المسلحين الذين كانوا يروعون سكان المدينة الحدودية خلال عدة أشهر من دون أي عقاب». ومعنى هذا التصريح أن موسكو تعتقد بأنها قد ضحكت على الأميركيين باستدراجهم إلى «جنيف2» بينما لم تنجح حيلة موسكو تلك على البريطانيين الأكثر دهاء من الإدارة الأميركية في فهم الأزمة السورية، وأكاذيب نظام الأسد، وحيل موسكو لإضاعة الوقت.

الدهاء البريطاني تمثل بسعي لندن، وبكل نجاح، لانتزاع حق تسليح المعارضة السورية من الاتحاد الأوروبي، والتلويح بأن بريطانيا ستتخذ قرار التسليح عطفا على نتائج «جنيف2» الذي تشكك فيه من الأساس، والخطوة البريطانية هذه المراد منها القول للروس: صحيح ضحكتم على إدارة أوباما، لكن لا يمكن أن تضحكوا علينا. ولذا فقد الروس صوابهم من المشروع البريطاني بمجلس الأمن، مما دفع المتحدث باسم الخارجية الروسي لقول ما قاله، وهذا ليس كل شيء، بل إن الرئيس الروسي نفسه صرح أمس باجتماعه مع الاتحاد الأوروبي عن أسفه حيال رفع الحظر المفروض على تسليح المعارضة، وقوله: إن التدخل الخارجي بسوريا مصيره الفشل، لكن رغم كل ذلك فإن بوتين تصرف ببرغماتية واضحة بعد أن استوعب الضربة البريطانية التي كشفت حيلة موسكو تجاه الأزمة السورية حيث أعلن بوتين أن بلاده لم تسلم صواريخ «إس-300» للنظام الأسدي، وهذا تكذيب روسي واضح لما ورد بمقابلة الأسد الأخيرة مع قناة «المنار» حول تسلم جزء من صفقة الصواريخ!

وبالطبع فإن الدهاء البريطاني لم يحرج موسكو وحدها، بل إنه يحرج الإدارة الأميركية أيضا التي قال وزير خارجيتها إن بلاده تدخلت متأخرة بالأزمة السورية، فواشنطن تعتقد أن بمقدورها إقناع الروس دبلوماسيا لإخراج الأسد، وهو أمر أقرب للخيال طالما لم يكن هناك ثمن سيتسلمه الروس مقابل رأس الأسد، ولا أحد يعرف هذا الثمن، أو من خلال فرض واقع على الأرض بدعم الثوار بالسلاح لإجبار الروس على التراجع كما فعل البريطانيون بدهاء، ومن دون تسليم الثوار رصاصة واحدة، على الأقل علنا! لكن ما حدث كان العكس حيث خدر الروس الأميركيين بـ«جنيف2» وزادوا من مساعدتهم للأسد وبدعم من إيران وحزب الله على أمل أن يتم القضاء على الثوار قبل المؤتمر الدولي لتجريد الأميركيين من كل أوراقهم. وكل ذلك يقول لنا إن الثورة السورية هي ضحية السذاجة الأميركية الواضحة، وليس الآن، بل منذ عامين للأسف.

عبدالله هادي
05-06-2013, 06:05 AM
خرائط جديدة في الشرق الأوسط

عشنا الصبا والشباب حتى الكهولة ونحن إزاء نوعين من المشاعر المتناقضة: أولهما أحلام وردية عن الوحدة العربية حتى تقوم دولة واحدة كبيرة ممتدة من المحيط الأطلنطي إلى الخليج العربي، وثانيهما أن هناك مؤامرة كبرى تجري لتفتيت الأمة كما جرى في اتفاقية «سايكس بيكو» الشهيرة أثناء الحرب العالمية الأولى. كان ما عشناه مرتبطا بهذه الحرب من الناحية العملية، حيث نبعت فيها فكرة مملكة للعرب، كما جاء فيها التوافق الفرنسي - البريطاني على تقسيم المنطقة العربية أو الإرث العثماني في الشرق الأوسط. كان الطموح والخوف في آن واحد مسيطرين، ومن ثم كانت اللعنة جارية على «الدولة القطرية» لأنها لا تحقق الرجاء، وليس فيها من القوة ما تستطيع به أن تثبت القلوب.

ما كان ناقصا معنا كان النظرة إلى العالم وكيف تمددت فيه إمبراطوريات كبرى هيلينية ورومانية وعربية إسلامية وعثمانية وبرتغالية وإسبانية سرعان ما تمزقت كلها تحت ضغوط ما عرف بالدولة القومية. ومن ينظر إلى الخريطة الأوروبية ربما سوف يجد بعضا من دول كبرى مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا، ولكنه سوف يجد دولا لا تكاد تظهر على الخريطة مثل لوكسمبورغ أو ليختنشتاين أو سلوفينيا، وعدد كبير من الدول الصغيرة التي كانت يوما ما جزءا من إمبراطورية أكبر. ومن عجب أنه مع انتشار العولمة وتكنولوجياتها وأدواتها الاقتصادية التي تدعي ربط عالم واحد، إذا بها تمزق دولا كبرى حتى تغيرت خرائط العالم، والأعلام الواقفة أمام الأمم المتحدة خلال ربع القرن الأخير. والحقيقة أن القوة النووية للاتحاد السوفياتي لم تمنع تمزقه إلى 15 دولة، بل إن روسيا ظلت مهددة بمزيد من تغيير خرائطها تحت ضغوط من الأقاليم الإسلامية. ولا منعت روابط التحرير من الحكم النازي، ولا الحزب الشيوعي يوغوسلافيا من التمزق إلى ست دول ومعها إقليم كوسوفو. وفي أفريقيا خرجت إريتريا من الدولة الإثيوبية، وانفصل جنوب السودان عن السودان، ولا يعلم أحد ماذا سوف يحدث مع إقليمي دارفور وكردفان.

كان الشائع أن الدول الديكتاتورية هي التي فشلت في الحفاظ على دولتها ووحدتها، وأن الدول الديمقراطية هي التي تستطيع أن تلم الشمل كما فعلت ألمانيا التي استعادت ما انقسم منها وذهب إلى منحى آخر من الآيديولوجية طوال الحرب الباردة. ولكن انفصال سلوفاكيا عن جمهورية التشيك جعل الخريطة الأوروبية تتغير في قلبها، وفي إطار ديمقراطي أيضا. وببساطة كان التاريخ يلعب لعبته بسخرية مريرة، فكانت الحركات الانفصالية تجري، بينما يلحق الجميع بتجربة وحدوية في الاتحاد الأوروبي، ويحاول الكل أن يلحق بالعالم الواحد في إطار العولمة، فلم يحدث في التاريخ الإنساني أن أصبح العالم أكثر قربا من بعضه كما هو الآن.

في الشرق الأوسط تبدو المسألة مختلفة ربما لأننا في في خضم عملية التغيير وبناء خرائط جديدة، بينما لعبة الكراسي الموسيقية يجري فيها العزف على أنغام ميلاد صعب فيه الصراخ يصل إلى السماء، والدماء علت الحلوق، والشظايا تناثرت إلى مدى لم تصل إليه من قبل. لقد جاء وقت تغيير الخرائط كما يبدو، وربما كانت البداية هي ما جرى في العراق الذي أصبح مقسما من الناحية الموضوعية والنفسية إلى ثلاثة أجزاء، وكانت البداية في عهد صدام حسين عندما تم تأسيس ما يشبه دولة كردية في الشمال، وحصل الجنوب على منطقة حظر جوي، وبقي للسلطة المركزية الوسط تمارس عليه سلطتها، ومع سقوطها بعد الغزو الأميركي لم يبق في الدولة العراقية الكثير، اللهم إلا من وحدة الصراع التي تربط الجميع بالكراهية والدماء النازفة. وأصبحت سوريا الآن محط الأنظار، وعلى الرغم من أن كل الأطراف المشتركة في الاشتباك الدبلوماسي الخاص بالدولة السورية لا تكف الحديث عن الحفاظ على التكامل الإقليمي للدولة، فإنها تعلم تماما أنه عندما تصمت المدافع وينتهي الصراع فإن سوريا لن تعود كما كانت، ولن تذهب أبدا إلى ما تريد، حيث تقوم دولة ديمقراطية على المواطنة لا فرق فيها بين عربي أو كردي، بين مسلم ومسيحي، أو بين سني أو شيعي أو علوي. دماء هذه الرحلة سالت بغزارة إلى الدرجة التي تجعل كل إقليم يلوذ بذاته بعد انفراط العقد، وبعد أن جرى ما جرى مثله من قبل في كرواتيا وسلوفانيا وببشاعة في البوسنة والهرسك وكوسوفو.

المراقبون في العالم الآن ينظرون إلى منطقتنا ولا يرون فيها - أحيانا كسبيل لتحقيق الاستقرار وأحيانا أخرى باعتباره منطق الأشياء - سوى عملية رسم لخرائط جديدة تبزغ فيها دولة علوية على شاطئ المتوسط، ودولة كردية ممتدة بين سوريا والعراق، بينما تبدأ مشروعات أخرى تمتد حتى تصل إلى تركيا، حيث تقوم دولة الأكراد، وحتى إلى إيران، حيث تقوم دول مثل أذربيجان وبلوشستان. وباختصار تتغير خرائط المنطقة كما نعرفها الآن، ولكن ربما عرفناها في مراحل تاريخية سابقة، وهي جائزة الامتداد حتى تصل إلى ليبيا في شمال أفريقيا وتهدد جوارها من الدول في المغرب والجزائر.

الدول لا تبقى على حالها ووفق خرائطها إلا إذا فاقت عوامل الوحدة والارتباط عوامل الفرقة، أو الفرص التي يتيحها كلاهما. في الأصل فإن الدول تتحد إما نتيجة القوة والسيطرة، وإما نتيجة نمو السوق الواحدة والمصالح المشتركة، بالإضافة إلى عناصر أخرى مثل العرق أو الدين أو المذهب، أو الخوف من عدو تاريخي. ولكن الدول تتفرق وتنقسم عندما لا يوجد أي من ذلك، بل إن الوحدة تصبح لا تعبر إلا عن تاريخ من الاضطهاد والعنت والظلم، بينما يكون الفرار مزدانا بثروة بترولية أو بعلاقات دولية متميزة. وفي الدول العربية فإن النفط على سبيل المثال الذي يتيح طرقا للتنمية المشتركة والغنى المتبادل، فإنه في أحيان أكثر يصبح مجالا للتنازع والصراع على اقتسام الثروة. الشائع في الماضي كان الخلاف على إقليم كركوك في العراق، ولكن الحاضر يشهد انقسامات قامت في السودان على نفط منطقة أبيي، وفي سوريا حيث يوجد النفط في المناطق الكردية، وفي ليبيا كان إقليم برقة على استعداد للرحيل لأن الجزء الأعظم من النفط الليبي يقع فيه. هناك أمثلة أكثر، ولكنها لا تقطع بالضرورة انفصالا ورحيلا، ومع ذلك فإنها عناصر للفرقة يصعب تجاهلها أو التغاضي عنها، وللأسف فإن الحكومات المركزية التي لا تتوقف عن معزوفة النسيج الواحد والمصير المشترك لا تلبث أن تصدق نفسها، فإذا ما جد الجد وضعت اللوم على العنصر الأجنبي الذي لا شك في وجوده، ولكنه لا يأتي إلا عندما تكون الساحة جاهزة.


_____________________________



استراتيجية التوازن؟!


في دروس الصف الأول في مدرسة العلاقات الدولية يقال إن الدول في سياستها الخارجية تتبع واحدة من ثلاث استراتيجيات عظمى: أولاها الاعتماد على الذات، فهي لا تحتاج لدول أخرى فيما يختص بالدفاع عن أمنها أو حاجاتها الأساسية، فهي تنتج سلاحها بنفسها، ولديها قدرة على الحركة باتساع الكون، ولديها من القدرة الإنتاجية ما يجعلها لا تحتاج لطرف أو أطراف أخرى، وإذا احتاجت لأسباب ما فإن لديها من المال والوسائل الاقتصادية لكي تحصل على ما تريد أو تنتزعه انتزاعا. وثانيتها السعي لخلق حالة من التوازن الإقليمي أو الدولي بحيث تلغي القوى القادرة الواحدة الأخرى، بل إنها سوف تتنافس لجذب القوى الأصغر إلى جانبها لكي يكون التوازن في صالحها مما يعطي لهذه القوى الصغرى بعضا من عناصر القوة لا توفرها بنفسها وإنما تأتي إليها نتيجة ظروف المنافسة السائدة. وثالثتها اللحاق بالقوة أو القوى الأقوى والأكثر تأثيرا في العالم والحصول على مزايا توفير الأمن بتكلفة أقل، والفوائد الاقتصادية العالية مقابل خدمات معقولة.

وكانت فكرة القومية العربية والوحدة العربية في جوهرها محاولة لاتباع الاستراتيجية الأولى على أساس أن الدول العربية مجتمعة يمكنها أن تحقق قوة دولية لديها من الموارد ما يسمح لها بالاعتماد على الذات. ولكن عندما ظهر أن هذا الهدف صعب التحقيق لأسباب ليس هنا مكان ذكرها فإن الاستراتيجيتين الثانية والثالثة صارتا هما المفضلتين لتشكيل السياسة الخارجية للدول العربية. وكانت الحرب الباردة - 1947 إلى 1989 - هي فترة الازدهار لاستراتيجية التوازن بين العملاقين السوفياتي والأميركي والتحالفات الملتفة حولهما. ووجد الكثير من الدول العربية الرئيسة أن اتباع سياسات من نوعية «الحياد الإيجابي» و«عدم الانحياز» وتنويع مصادر السلاح والاقتصاد وسيلة فعالة للحصول على مكانة دولية وتعظيم المصالح الخاصة بكل دولة. ولعب الصراع العربي الإسرائيلي دورا في هذه الاستراتيجية حيث كان التحالف الأميركي الغربي مع إسرائيل سببا في اللجوء إلى الاتحاد السوفياتي وكتلته الاشتراكية لطلب السلاح والمصانع. وكان ذلك على العكس تماما من الاستراتيجيات التي اتبعتها دول مثل باكستان وكوريا الجنوبية وتركيا وكوبا وغيرها التي لم تلعب على حبال التوازن بين المعسكرين، وإنما اختارت اللحاق بأحد المعسكرين لكي تحقق مصالحها.

في الواقع العملي بالطبع فإن الدول لا تأخذ بأي من هذه الاستراتيجيات بصورة نقية وفي كل الأوقات، والمرجح أنها تستخدم خليطا منها تتراوح فيها الخلطة بين لحظة زمنية وأخرى. ولكن الدول العربية في العموم كانت تميل إلى عالم يكون فيه أكثر من كتلة، وأكثر من توازن، ويكون الانزعاج على آخره عندما تنفرد قوة واحدة بقيادة العالم كما جرى للولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي. وفي وقت من الأوقات جرت تمنيات كثيرة أن يقوم عالم خماسي الأضلاع يضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي واليابان والصين. عمليا لم يكن ذلك ممكنا وأوروبا واليابان جزء من التحالف الغربي الكبير في السلاح والاقتصاد والقيم الديمقراطية، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي لم تعد روسيا ندا يذكر؛ أما الصين فلم تكن المسألة فقط أنها تعد نفسها من العالم الثالث، وإنما أيضا أنه لم يكن لديها سياسة كونية من نوع أو آخر. على أي الأحوال تعايش العرب مع الانفراد الأميركي بالعالم خاصة أن إعلانه جاء في عملية تحرير الكويت عام 1991، وبعدها في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، وما تلا ذلك من الحرب العالمية ضد الإرهاب التي استهدفت دولا عربية بقدر ما استهدف الدول الغربية أيضا. ولكن عقدي اللحاق بالولايات المتحدة والغرب لم يكونا سببا للراحة العربية، وظل البحث جاريا عن عناصر للتوازن في الساحة العالمية، وعندما تغيرت الأحوال في دول عربية كثيرة في يناير 2011 أصبح البحث حثيثا عن طرف آخر في العلاقات الدولية يمكنه أن يشكل كتلة موازنة للتكتل الغربي. ويبدو أن كتلة «البريك» التي تضم البرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والصين توافرت فيها مجموعة من المواصفات التي تجعلها تلائم الاستراتيجية المطلوبة، وتجعل الغرب ليس مطلق اليد في الساحة الدولية.

وربما كانت مصر التي نأت عن الأحلاف العسكرية أثناء الحرب الباردة، وكانت طرفا في سياسات الحياد الإيجابي متلهفة بعد تغييرات يناير للبحث عن هذا الطريق الجديد، ومن ثم كانت زيارات رئيس الجمهورية المصري د. محمد مرسي للصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا ومؤخرا البرازيل رسالة لمن يهمه الأمر أن مصر لم تعد أسيرة العلاقة مع معسكر واحد، بل إن هناك طرفا دوليا جديدا وقويا يعطيها قدرا غير قليل من حرية الحركة ومرونتها، كما أن لديه الكثير من الدروس التي يمكن الانتفاع بها خاصة في التنمية الاقتصادية. وعلى الرغم من أنه لا يزال مبكرا تقييم هذا التوجه من حيث تحقيق الأهداف المصرية، فإن هناك بعضا من الحدود الموضوعية التي لا بد من الإشارة إليها. أولها أن تكتل «البريك» ليس تحالفا عسكريا متجانسا في النظم السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية التي تميز التحالف الغربي. فالديمقراطية في البرازيل وجنوب أفريقيا لا تزال حديثة، وفي الهند عريقة، وفي روسيا تختلط بحكم دولة المخابرات القديمة والمافيا السياسية الحديثة، وهي غائبة في الصين التي يحكمها حزب شيوعي. ومن الناحية الاقتصادية البحتة، فرغم أن هذه الدول فيما عدا روسيا تعيش في ظل معدلات عالية من النمو، فإنها في الجانب المقابل يوجد بها معدلات عالية من الفقر. والصين فيها قرابة 700 مليون نسمة يعيشون دون حد الفقر، وهناك عدد قريب من هذا في الهند، أما في جنوب أفريقيا فأمامها طريق طويل حتى تقترب الثروة من السود كما اقتربت السلطة. وعلى الرغم من أن البرازيل حققت قفزات واسعة من حيث التنمية الاقتصادية فإنها تعد من أسوأ دول العالم توزيعا للثروة. ومن المدهش أنه وفق المعيار الخاص بتوزيع الثروة فإن الحال في مصر أفضل مما هي عليه من كل دول «البريك» خاصة البرازيل، فضلا عن أن متوسط دخل الإنسان المصري مقوما بالدولار هو أفضل من الصين والهند ونصف ذلك المتوافر في البرازيل. الأهم من ذلك كله أن هذه الدول فيما عدا روسيا ليس لديها سياسة شرق أوسطية نشطة، وهي حريصة على علاقاتها مع الولايات المتحدة أكثر بكثير مما يظن كثرة من العرب.

_________________________



الانفجار أو الانطباق أو السيولة؟!


باتت الخيارات المتاحة في منطقتنا كلها صعبة، بل وكافية لخلق صداع مخيف لكل من عليه اتخاذ القرار، وحتى نعرفها ربما نحتاج إلى درجة من التبسيط. تعالوا نتخيل علبة فارغة من علب المشروبات الغازية. كل ما علينا، وبطريقة محكمة، أن ندخل فيها هواء ساخنا أو باردا وبقوة اندفاع كبيرة، والنتيجة سوف تكون أن تنفجر العلبة وتتحول إلى شظايا كل منها له أطراف حادة تكفي للجرح وربما القتل. كان ذلك هو ما فعله إرهابيان من أصل شيشاني في مدينة بوسطن الأميركية عندما أحضروا إناء الطبخ بالبخار، ووضعوا فيه بضع شفرات ومسامير وأدوات صغيرة حادة، ومع بعض البارود الذي تم استخلاصه من ألعاب الأطفال مضافا إليه آلة تفجير صغيرة مستخلصة أيضا من لعب الأطفال. هذه تم تفجيرها فتولد عنها بخار كثيف ضغط على جوانب الآنية فإذا بها تنفجر في مكان تقتل ثلاثة وتصيب 260 بجروح قطعية. العكس يمكن أن يحدث أيضا، ولكن النتيجة سوف تكون مختلفة، وهو أن يتم سحب الهواء من العلبة بسرعة واندفاع، فيكون المشهد هو أن تنطبق العلبة على نفسها لأن الضغط من خارجها تفوق على ذلك الواقع داخلها، فانطبقت على نفسها ولم تعد علبة على الإطلاق. ماذا يحدث لو أن كلتا العمليتين تمت في آن واحد؟ الحقيقة أن النتيجة لن تكون متعادلة، فسوف تتشقق العلبة نتيجة الضعف الذي سوف تتعرض له جدرانها، وتصبح حالة السيولة هذه، حيث لا انفجار أو انطباق، وسيلة من وسائل الكسر والوهن.
بشكل ما، فإن هذا التبسيط هو ما يجري بشكل أكثر بشاعة في منطقتنا العربية، كان البخار قد تراكم طوال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ومع العقد الثاني انفجرت دول عربية لم تعد تتحمل ضغط البخار المتصاعد داخلها، وكان ذلك هو ما سمي «ثورات»، أو ما ادعاه رومانسيون «الربيع العربي»، ولكن الثورة ما كان لها قيادة تعرف إلى أي اتجاه تذهب، ولا الربيع كان يانعا بزهور أفكار جديدة تقيل دولا من عثراتها ومن مد يد البؤس لغيرها. انفجر العراق بعد إطاحة صدام حسين عن طريق قوة أجنبية، ولكن لا انسحاب هذه القوة سمح بعودة البلاد إلى مسارها الطبيعي، ولا ذهاب صدام أعطى لجماعات كثيرة أن تستغل الحرية التي حصلت عليها، وما انتهى إليه الأمر كان أن العراق بدأ ينطبق على نفسه، متشظيا إلى الداخل في حالة انطباق عجيبة. وما جرى في العراق بدأ يتكرر بقوة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وظهرت تقلصات له في دول عربية أخرى أخذت أشكالا أقل من الانفجار والانطباق، فبقي بعض من جدران العلبة ولكن العلبة نفسها باتت معوجة في أماكن متعددة.

ما جرى في الكثير من الدول من انفجارات، تلتها انطباقات من السماء على الأرض، ومن بعد ذلك لم يعد هنا إلا سيولة تظهر في ضعف الدولة وعجز النخبة السياسية عن الاتفاق على شيء ما، ووقوف دول الجوار والنظام الدولي عاجزين عن فهم ما يحدث. تونس انفجرت وذهب الديكتاتور، ولكنّ السلفيين جاءوا وتنظيم القاعدة حل على الساحة، وباتت المظاهرات موازية لعدد الوزارات والتعديلات الوزارية. واختلفت مصر كثيرا أو قليلا ولكن الجوهر بقي على حاله، فالدولة لا تخرج مشروعا إلا وكانت الاعتراضات عليه كتلك التي ذاعت أيام النظام القديم، وباتت الحكومة والمعارضة في حالة خصام تشبه الخصومات الزوجية بعد فترة العسل في ميدان التحرير، وضربت السلطات بعضها في بعض، فإذا ما فتحت السلطة القضائية ملف مشروعية مجلس الشورى، فتح المجلس قانون السلطة القضائية، وتنطبق الجدران بعدها فورا على مؤتمر العدالة. الانفجار والانطباق والسيولة الجارية في القاهرة لا تجعل واشنطن تعرف ما إذا كانت مصر حليفا أو عدوا، ولا تجعل صندوق النقد الدولي يعطي قرضا أو يحجبه، ولا تعود الدول العربية المستورة تعرف هل تترك مصر تنهار، أم أنها أكبر من أن تنهار فتضيع المنطقة من ورائها.

حالة سوريا لا تقل فيها المعادلة الثلاثية، فتصاعد البخار الاحتجاجي على البعث أدى إلى الثورة، ولكنها اختلطت بأبخرة من نوع جهادي قاعدي يذكر بما جرى في العراق تحت تحكم الزرقاوي في المناطق السنية، ونتيجة الانفجار كانت محاولات لاستيعاب البخار من قوى خارجية حاول بعضه سحبه بعيدا عن السلطة مثل إيران وحزب الله وروسيا، وبعضه الآخر حاول تكثيفه لعل القضية تنتهي وتعود الأيام الطيبة للشام سيرتها الأولى. الدول العربية تنقل الاعتراف بسوريا من البعث إلى قوى الثورة المؤتلفة والمتحالفة، ولكن الدول العربية تستنكر في الأمم المتحدة الاعتداء الإسرائيلي على سوريا، وبعدها يجري في الأمم المتحدة أيضا إلقاء اللوم على النظام السوري وتحميله - عن حق - مسؤولية استمرار الأزمة. هل توجد حالة سيولة أكثر من ذلك؟ وهل يمكن لدولة لم تعرف حكما مركزيا ولا دولة مثل ليبيا أن تخرج من تلك الحالة السائلة دون أن تغرق أو تنكسر؟

لا أظن أن مثل هذه الحالة يمكنها أن تستمر طويلا، ولقد سبق أن شبهت الموقف في المنطقة العربية الشرق أوسطية بالأحوال في أوروبا خلال القرن التاسع عشر وكيف تحولت الفوضى - وهي خليط من الانفجار والانطباق والسيولة - التي جلبتها الثورة الفرنسية إلى نظام استمر مائة عام. ولكن النظام لم يتولد فجأة أو دون محاولة وقيادة، وما نشاهده أن هناك محاولة للصياغة تجري في الجامعة العربية تحت القيادة الخليجية هذه المرة، وبالتعاون مع الأمم المتحدة تارة والدول الكبرى تارة أخرى. ولكن الشواهد تقول إن الصياغة ليست قريبة، فالحالة مغرية للأقوياء لميراث إقليم بأكمله. لاحظ هنا أن روسيا في الوقت الذي وافقت فيه على عقد مؤتمر دولي يخص الأزمة السورية قامت بتزويد بشار الأسد بصواريخ مضادة للقطع البحرية، وصواريخ أخرى مضادة للطائرات لكي تمنع المؤتمر من اتخاذ أي قرار له علاقة بالحصار البحري أو المناطق المانعة للطيران. باختصار، لا حل إلا في الحدود التي تعطي لبشار سبيلا إلى المشاركة. روسيا تعرف أن الانفجار والانطباق الذي جرى أنهى إلى الأبد بشار وسلطته، ولكن موسكو تريد ثمنا حتى ولو لجثة هامدة!

عبدالله هادي
05-06-2013, 06:07 AM
بعد 56 سنة... دخلنا حقا مرحلة «الدول الفاشلة»


كل 5 يونيو (حزيران) وأنتم بخير.. وصدق القائل:

رب يوم بكيت منه فلما

صرت في غيره بكيت عليه!

زلزال 5 يونيو كان أسوأ بكثير مما حاولنا إقناع أنفسنا به، غير أن أسوأ ما فيه هو أننا أخفقنا في استخلاص العبر منه، ولذا كان بداية لسلسلة من «النهايات» المأساوية المتعاقبة.. بدلا من أن يطلق شرارة صحوة كنا في أمس الحاجة إليها.

ثم كان أحد أسوأ الأوهام التي صنعت على تداعيات ذلك الزلزال «الانتصار» الوهمي الفظيع يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وهو زلزال ثان أجهز على البقية الباقية من أحلام - أو أوهام، في لغة المتشائمين - كانت لا تزال تدغدغ مخيلات شعوبنا، وترفع معنوياتهم، وتقنعهم بأن العيب ليس في أن تسقط... بل في أن تيأس من محاولة النهوض.

إذا أمعنا النظر في حال المنطقة العربية اليوم يتضح لنا كم كان الخطأ كبيرا في الهروب إلى الأمام وتجاهل حقيقتين جوهريتين تشكلان الأرضية الضرورية لأي نهضة، هما: أولا احترام حقوق الإنسان، وثانيا تحصين هذه الحقوق وصونها عبر مؤسسات وآليات تسمح بالتداول السلس والمنتظم للسلطة.

حدود الكيانات، أي كيانات في العالم، لم تهبط من السماء بمظلة، بل رسمتها موازين قوى عالمية. وإحداث تغيير في هذه الحدود أو تلك لا يجوز أن يكون نهاية في حد ذاته. ودول عديدة أمامنا اليوم في أوروبا «أم الديمقراطيات»، تعيد رسم حدودها بطريقة أو بأخرى من دون أي تأثير سلبي على واقع الإنسان وحقوقه، بل العكس هو الصحيح.

فاتسلاف هافل لم يستخدم الجيش للمحافظة على كيان تشيكوسلوفاكيا السابقة، بل احترم رغبة السلوفاكيين بالانفصال عن التشيك في طلاق ودي... خفف كثيرا من سلبياته التوسع الإرادي لمظلة «الاتحاد الأوروبي» الكبيرة.

وفي بريطانيا ارتفعت خلال السنوات الأخيرة أسهم الحزب القومي الأسكوتلندي الذي يدعو لاستقلال أسكوتلندا، وفي المقابل، ينشط في مناطق أخرى من بريطانيا حزب استقلال المملكة المتحدة المنادي بانسحاب البلاد من أسرة «الاتحاد الأوروبي». وفي حالتي الحزبين لا إرغام ولا سلاح ولا تخوين... بل احتكام إلى المؤسسات في ظل احترام الرأي الآخر.

وفي إسبانيا، هناك سباق دائم بين دعاة الانفصال عن الكيان الإسباني الاتحادي (الفيدرالي) والمطالبين بتعزيز مفهوم الفيدرالية الموجودة أصلا، وهنا أيضا بعد سنوات من العنف العبثي في بلاد الباسك، قطع احترام الغالبيات الشعبية مفهوم «الحكم الذاتي» عبر طريق صناديق الاقتراع الطريق على دعاة العنف وأسقط ذرائعهم وادعاءات مظلوميتهم.

غاية القول، أن في المجتمعات الواعية ثمة حرصا دائما على التوافق، وتنظيم الاختلاف تحت قبة الدستور والمصلحة العامة ومبادئ العدل والمساواة للجميع في الحقوق والواجبات.

بعد 56 سنة من زلزال 1967 ها نحن نواجه الآن خطر تعدد «الدول الفاشلة» على امتداد المشهد العربي. من العراق وسوريا ولبنان، إلى السودان واليمن وليبيا، نحن أمام مشاريع تقسيم وتفتيت منجزة فعلا أو مرتقبة. وحتى بعض الدول الأخرى ما عادت بمنأى عن تشنج داخلي يقوم على الخطاب التقسيمي - التفتيتي نفسه الذي أجهز على مفهوم «الدولة» كما نعرفه... ونشاهده اليوم في مشاريع «الدول الفاشلة».

مما لا شك فيه أن المسؤولية الأولى والأخيرة في هذا الحال التعيس تتحملها شعوب المنطقة وقياداتها وتنظيماتها الشعبية والحزبية، ولكن إذا كان هناك من أعذار تخفيفية فهي أن التأثيرات الإقليمية والدوافع الدولية سهلت الوصول إلى ما وصلنا إليه؛ فمواقف القوى الدولية الكبرى إزاء شعوب المنطقة كانت، وما زالت، أبعد ما تكون عن النزاهة، والرغبة في التفهم والتفاهم.

التبني الأميركي المطلق والمزمن لمواقف إسرائيل تحت ذريعة «المحافظة على التوازن الاستراتيجي» في الشرق الأوسط إبان فترة «الحرب الباردة» - بما في ذلك في أكتوبر 1973 - تبلور بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، فبات هدف واشنطن «المحافظة على التفوق النوعي» الإسرائيلي.. من دون بذل أي جهد لوقف تكاثر المستوطنات وتوسعها، ومعها تنامي الإحباط والمرارة في الأراضي الفلسطينية وخارجها. ومن ثم، بدأ العد العكسي لانهيار الاعتدال العربي. وهكذا تبين أن احتكار واشنطن «أوراق اللعبة» في المنطقة، كما كان يقول أنور السادات، كان عاملا أعطى التطرف العربي والإسلامي صدقية لا يستحقها.

واليوم نرى الطريقة التي تتصرف فيها روسيا إزاء المأساة السورية، فنجد أنها لا تكاد تختلف بشيء عن التصرف الأميركي الدائم حيال الأزمة الفلسطينية.

نحن أمام حالة بشعة من الغطرسة والعناد والاستخفاف بالدماء والمعاناة الإنسانية يستحيل تبريرها بغير الانتقام من واشنطن، وابتزازها عبر التحالف المباشر وغير المباشر مع نظام إيراني ثيوقراطي لا قواسم مشتركة بينه وبين ما تزعم روسيا الليبرالية الحالية تمثيله.

كلام فلاديمير بوتين بالأمس عن حتمية «فشل أي تدخل عسكري في سوريا»، معطوفا على «إبداء الأسف» الأميركي من تفاقم الوضع - كما جاء بالأمس على لسان جون كيري - ثم الإعلان البريطاني عن أن أي تفعيل لقرار رفع الحظر عن تزويد المعارضة بالسلاح يعتمد على «جنيف2»... كله يضيف إلى قتامة الصورة، ويعزز المنطق الأعوج للتطرف. فلا قيمة للدم السوري، ولا اكتراث برغبة المعتدلين على امتداد المنطقة في التعايش، ولا تحرج من تسليم الحكم في دول مأزومة أصلا إلى قوى إلغائية واجتثاثية لا تملك حلولا ولا تعبأ بالمشاركة ولا تقبل بالرأي الآخر.

وسط كل هذه الـ«لاءات» المؤلمة تعود إلى الذاكرة... الـ«لاءات» الأخرى عام 1967 في الخرطوم، عاصمة السودان.. قبل تقسيمه!

عبدالله هادي
06-06-2013, 04:57 AM
الأسد لن يفعلها و«أبشر بطول سلامة يا مربع»!!


لأن «الرد الاستراتيجي»، الذي هدد الرئيس السوري بشار الأسد به إسرائيل، إن هي كررت عدوانها على سوريا، قد فهم على أنه تلويح بفتح أبواب هضبة الجولان المحتلة، التي بقيت مغلقة لنحو ستة وأربعين عاما، للمقاومة المسلحة، فإنه لا شك في أن كثيرين من الذين سمعوا هذا التهديد قد بادروا إلى القول: «أبشر بطول سلامة يا مربع»؛ فالمقاومة ليست «كبسة زر»، كما يقال، ثم إن تبعاتها أكثر كثيرا من تبعات مواجهة عسكرية مباشرة كحرب عام 1973 وككل الحروب السابقة مع الدولة الإسرائيلية.

وإن ما يؤكد أن هذا التهديد سيبقى مجرد صرخة في واد، أن الرئيس السوري نفسه قد قال، وفي مقابلته الأخيرة إياها مع تلفزيون «المنار»، الذي يملكه ويديره حزب الله بتمويل من جمهورية «الولي الفقيه» الإيرانية: إن عملية المقاومة تعتمد أولا على الحالة الشعبية وهي ليست بسيطة، كما أنها ليست فتح جبهة بالمعنى الجغرافي فقط.. إنها قضية عقائدية وسياسية واجتماعية.. وهذا يعني أن هذا «الرد الاستراتيجي» لن يكون في اتجاه الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية المحتلة، وإنما في اتجاه داخل سوريا وعلى غرار ما تفعله قواته وقوات حسن نصر الله الآن في بلدة القصير. وبالطبع وعلى طريقته في «الأستذة» والتنظير المدرسي، قال بشار الأسد: هم يتحدثون دوما عن أن سوريا تغلق الجبهة أو تفتح الجبهة.. الدولة لا توجد ولا تختلق مقاومة.. إن لم تكن المقاومة عفوية وشعبية فهي ليست مقاومة.. الدولة لا يمكن أن تصنع مقاومة.. الدولة إما أن تدعم أو تعرقل كما يحصل في بعض الدول العربية.. أنا أعتقد أن الدولة التي تقف في وجه المقاومة متهورة.. والقضية ليست أن سوريا قررت بعد أربعين عاما أن تذهب في هذا الاتجاه.. القضية أن هناك جيشا يقوم بواجبه وبالتالي فإن الحالة النفسية بالنسبة للمواطن، أن هناك من يقوم بهذا الواجب، وأن هناك من يعمل من أجل تحرير الأرض.

وحقيقة أن هذا هو بيت القصيد، وأن هذه هي الحجة التي كان ساقها حافظ الأسد عندما كان لا يزال وزيرا للدفاع بعد هزيمة يونيو (حزيران) عام 1967 مباشرة، وبعد ذلك عندما قام بانقلابه على رفاقه في عام 1970، فالمبرر الذي قيل لقادة المقاومة الفلسطينية وللعرب ولكل من سأل عن هذه المسألة، أن الجيش السوري هو الذي سيتولى عملية تحرير هضبة الجولان، وأنه يجري إعداده لهذه المهمة الوطنية والقومية، ولذلك فإنه ليس من غير الجائز فقط بل هي جريمة ما بعدها جريمة القيام بأي عمل طائش عبر هذه الجبهة ستستخدمه إسرائيل ذريعة لجر سوريا إلى مواجهة عسكرية قبل أوانها.

والمعروف أن القيادة السورية في عهد الرئيس بشار الأسد نفسه كانت قد لوحت في عام 2006 بفتح أبواب الجولان للمقاومة وذلك تحت وهج ما اعتبر انتصارات عظيمة حققها حزب الله في حربه مع الإسرائيليين التي استدرجها استدراجا استجابة لمخططات إيران في هذه المنطقة.. هذه المخططات التي استدعت افتعال معركة مع إسرائيل للتغطية على كل هذا ولإظهار أن محاولات مد نفوذها في الشرق الأوسط كله تأتي في إطار ما سمته «المقاومة والممانعة»!

وبالطبع فإن التبشير بذلك التلويح الذي قام به «الأتباع»، إن في الأردن أو في لبنان أو في دول عربية أخرى والذي لم يهز ولو شعرة واحدة لا في جسد إسرائيل ولا في رأسها، نيابة عن الرئيس السوري والقيادة السورية قد بقي مجرد تلويح؛ فالحجة بقيت هي هي والمبرر بقي هو نفسه، وهو أن الجيش العربي السوري يجري إعداده لهذه المهمة التاريخية، وأن عملية المقاومة ليست بسيطة، وأنها ليست فتح جبهة بالمعنى الجغرافي فقط.. إنها قضية عقائدية سياسية اجتماعية، وبالتالي فإنه لا يجوز «جر» القطر العربي السوري إلى معركة قبل أوانها!!

وهكذا واستنادا إلى هذه الحجة الواهية، والتي مع طول الزمن انكشفت على حقيقتها، فإن هضبة الجولان المحتلة قد بقيت محرمة على المقاومة والمقاومين حتى من أبناء الشعب السوري العظيم الذين التحق الكثيرون منهم بالفصائل الفلسطينية التي كانت تعمل من خلال الأردن وعبر الجنوب اللبناني، وهكذا أيضا فإن هذا النظام نفسه قد تبنى مقاومة حزب الله لدرء تهم التقاعس عن نفسه والمعروف أن بشار الأسد ومعه حزب الله وخلفهما إيران قد رفضا ما اعتبراه انسحابا إسرائيليا من طرف واحد في عام 2000 والهدف هو تعزيز كذبة «الممانعة والمقاومة» بالحفاظ على استدامة «الاشتباك» عبر الجنوب اللبناني وعلى حساب أهله من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة.

وحقيقة أن هذا هو الذي يحصل الآن؛ فالرئيس السوري الذي هدد برد «استراتيجي» على العملية الإسرائيلية الأخيرة المدمرة التي استهدفت مطار دمشق واستهدفت قيادة الفرقة الرابعة في جبل قاسيون المطل على العاصمة السورية من الناحية الشمالية الغربية ما لبث أن وجد المبرر للتملص من هذا التهديد بالقول إن حزب الله موجود في القصير الآن لأن المعركة هناك هي مع إسرائيل ووكلائها وهذا ما فعله حسن نصر الله الذي هدد بدوره بحرب تحريرية في الجولان لكنه وقبل أن يتلاشى صدى تهديداته اتجه بقوات حزبه، الذي كان ادعى إحراز ثلاثة انتصارات وهمية على إسرائيل، إلى هذه المدينة السورية بحجة حماية ظهر المقاومة والدفاع عن نظام بشار الأسد بدعوى أنه نظام «مقاومة وممانعة» يواجه إسرائيل وأميركا.. و«القاعدة» والقوى التكفيرية!!

ولعل ما يجب أن تسأل فصائل منظمة التحرير عنه وتحديدا حركة «فتح»، التي فجرت الثورة الفلسطينية المعاصرة، هو: هل أن نظام «الممانعة والمقاومة» هذا قد سمح ولو بعملية فدائية واحدة عبر هضبة الجولان المحتلة بعد وصول حافظ الأسد إلى الحكم في عام 1970 وقبل ذلك عندما كان وزيرا للدفاع منذ عام 1966 وإلى أن أصبح رئيسا للجمهورية في عام 1971؟!

إن ما يعرفه قادة المقاومة الفلسطينية من غير أتباع المخابرات السورية، هو أن جبهة الجولان لم تنطلق عبرها لا قبل حرب يونيو 1967 ولا بعدها إلا عملية واحدة هي العملية التي قادها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) نفسه، رحمه الله، في الفاتح من عام 1965 وأعلن من خلالها بدء ثورة الشعب الفلسطيني المعاصرة هذه العملية التي استهدفت عبارة «عيلبون» إلى الشمال الشرقي من مدينة الناصرة التاريخية.

وكذلك أيضا فإن ما يعرفه ما بقي من القادة الفلسطينيين المخضرمين وبخاصة من قادة حركة «فتح»، هو أن حافظ الأسد عندما كان وزيرا للدفاع وبعد ذلك عندما أصبح رئيسا للجمهورية كان يعتبر العمل الفدائي مجرد لعبة عبثية، وكان يردد أن لواء عسكريا واحدا أهم من كل الفصائل الفلسطينية، ولذلك فإنه قد فرض على كل هذه الفصائل، حتى بما في ذلك منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة)، التي كانت تتبع لحزب البعث الحاكم في سوريا، الارتباط بالاستخبارات العسكرية بالنسبة لوجودها على الأراضي السورية وبالنسبة لتحركاتها ولكل شيء.

إنه لم يكن مسموحا لأي منظمة فلسطينية حتى بما في ذلك منظمة «الصاعقة» هذه الآنفة الذكر بالاقتراب من هضبة الجولان التي غدت محتلة بعد حرب عام 1967 والتي لا تزال محتلة، والمعروف لدى المعنيين الذين عاشوا تلك المرحلة من السوريين والفلسطينيين أن أعداد معتقلي الاستخبارات العسكرية السورية من كل فصائل منظمة التحرير كان يزيد على معتقلي هذه الفصائل في السجون الإسرائيلية في ذلك الحين، وأن بعض هؤلاء ربما ما زالوا معتقلين في سجون «الممانعة والمقاومة» منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

إن ما سلف ذكره هو بعض الحقائق التاريخية المثبتة والمعروفة، ولذلك فإن الرد «الاستراتيجي» الذي هدد بشار الأسد به إسرائيل إن هي كررت عدوانها على سوريا لن يكون إلا انكفاء نحو الداخل للمزيد من ذبح الشعب السوري وعلى غرار ما يجري الآن في بلدة القصير وفي غيرها.. إن الرئيس السوري، الذي هذا هو ماضيه وماضي والده بالنسبة للمقاومة، لن يفعل شيئا مما هدد به، وأن «الجولان» ستبقى تنتظر التحرير ما دام أنه في سدة الحكم، وهنا فإنه لا بد من التذكير ومرة أخرى بعجز بيت الشعر القائل: «أبشر بطول سلامة يا مربع»!!

عبدالله هادي
06-06-2013, 04:58 AM
حلوى الانتصار في الضاحية


توزيع الحلوى في الضاحية الجنوبية، حيث جمهورية حزب الله في بيروت، ورفع أعلامه احتفالا بتدمير القصير وتشريد أهالي البلدة السورية، لم يقل بشاعة عن منظر النساء والأطفال المشردين الهاربين من جحيم الحصار والقتل.

في عشرين سنة ماضية لم نعرف قضية ألهبت مشاعر الناس مثل بلدة القصير السورية؛ قصة فيها بطولة الصمود ومأساة أربعين ألفا معظمهم أطفال ونساء، وهمجية العدو الذي بعد أن فشل في مقاتلة أهلها لجأ إلى تدمير البلدة بالدبابات والصواريخ. عشرون يوما موثقة بالصور، والفيديوهات، وشهادات الأهالي عرّت همجية حزب الله وجوره، وفضحت تاريخه المزور. أخيرا وبعد أن فشل في القتال، استولى عليها بعد أن هدمها بصواريخ سكود وبمعاونة طيران الأسد بأكثر من ثمانين غارة جوية. نجح الغزاة في «تطهير» القصير وتشريد أهلها، هذا هو مجد حزب الله وفخره الذي احتفل به.

عسكريا، كانت خسارة القصير محتومة لمن يعرف جغرافيا المنطقة، البلدة تبعد فقط خمسة عشر كيلومترا عن حدود لبنان، حيث تربض ميليشيات حزب الله، المعززة بالأسلحة والمدربة دائما. وتحولت إلى معركة معنوية لقوات الأسد، وتحديدا لحليفه حزب الله، بعد هزائمهم المستمرة خلال العام الماضي.

القصير دمرت وشرد أهلها، إنما الثمن أغلى على حزب الله وإيران من الدم الذي دفعوه رخيصا هناك. الثمن انقلاب في المفاهيم السياسية في الشارع العربي. العدو اليوم هو حزب الله وإيران. والمشاعر أصبحت أقوى من أي يوم مضى لتحرير سوريا من نظامها ومن القوات المساندة له من إيرانية وعراقية وحزب الله. وإذا كان حزب الله يظن أنه أسدى خدمة كبيرة لبشار الأسد بأن يذهب وفده إلى مؤتمر جنيف معززا بانتصاره في القصير، فالحقيقة عكس ذلك. انتصاره في القصير بالهمجية التي شاهدها العرب، وتوزيع الحلوى في الضاحية، ودق طبول النصر في طهران، أضعف كل الأصوات التي كانت ترضى بالذهاب إلى جنيف، أو القبول بشيء من الحل السياسي.

هل سقوط القصير يعني بقاء الأسد ونهاية الثورة السورية؟

لا، أبدا. الثوار في سوريا ليسوا القوات الأميركية في العراق أو أفغانستان كان عليهم الرحيل يوما ما. هؤلاء أهل البلد وغالبية سكانه، إلى أين سيرحل أكثر من خمسة عشر مليون سوري، هم الغالبية الساحقة للسكان؟ كيف سيقضي حزب الله عليهم وهو الذي فقد المئات من القتلى، وأمضى يقاتل ثلاثة أسابيع من أجل بلدة مثل القصير؟

معركة سوريا ليست حربا سياسية، بين قوى إقليمية ودولية، رغم وجود هذه القوى على أرضها تقاتل برجالها. هذه حرب شعب حقيقية، لا يمكن مقارنتها إلا بحروب مثل الجزائريين ضد الفرنسيين، والفلسطينيين ضد الإسرائيليين. فهل ينوي حزب الله والإيرانيون البقاء في سوريا واحتلالها، وإلى متى؟

من أجل البقاء نظام الأسد يعيش على فيلق القدس الإيراني، وحزب الله اللبناني، وميليشيات عراقية، فهل هذه القوى مستعدة للمحاربة عنه إلى آخر بلدة في سوريا؟ وإلى متى؟ ستصبح سوريا أرضا جاذبة لكل المقاتلين من كل العقائد والأفكار، وما مأساة القصير إلا الملهم لمثل هذه القوى الغاضبة المنتشرة في عرض المنطقة العربية.

عبدالله هادي
06-06-2013, 05:03 AM
القتال تحت «راية الحسين»!


حقا هي «أمور يضحك السفهاء منها.. ويبكي من عواقبها اللبيب»، فالخارجية الإيرانية تهنئ قوات الأسد، وحزب الله، على ما اعتبرته «نصرا» على «التكفيريين» في القصير، في الوقت الذي وزع فيه أنصار حزب الله الحلوى في الضاحية الجنوبية في بيروت احتفالا بالنصر المزعوم!

والقصة لا تقف عند هذا الحد المأساوي؛ فقد أظهر شريط فيديو قائد العمليات العسكرية في حلب، التابعة للأسد، العميد محمد خضور وهو يقدم وعودا وإغراءات إلى شباب بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين للمشاركة في العمليات العسكرية لفك الحصار عن مطار منغ العسكري في ريف حلب، حيث يقول: «سنرفع راية الحسين في منغ، وسنقاتل تحت راية الحسين»! فأي مساحة للعقل والتعايش بعد كل ذلك في منطقتنا؟ وما الذي تبقى أصلا لننعى دولنا والسلم الاجتماعي فيها؟ فما يحدث اليوم من تأجيج طائفي مقيت لا يمكن اختزاله بجدليات سطحية مثل قول إن وجود «جبهة النصرة»، أو خلافها، هو ما أقحم حزب الله والميليشيات الشيعية بالأزمة السورية، فهذا أمر لا يستقيم، بل هو بمثابة تبرئة للتطرف الشيعي الذي يمثل الوجه الآخر لنفس عملة «القاعدة»، فللقصة أبعاد أخطر.

حزب الله يدعي كذبا أنه حزب مقاومة، كما يدعي كذبا أيضا أنه جزء من العملية السياسية الديمقراطية الكاذبة كذلك في لبنان، كما أن الميليشيات الشيعية العراقية تأتي من تحت عباءة دولة تدعي الديمقراطية، وهي العراق، وكلهم يأتون لنصرة نظام دموي إجرامي طائفي بسوريا، وبرعاية الدولة الإيرانية، ومؤسساتها، وهو على عكس ما تفعله «القاعدة»، أو «جبهة النصرة» حيث يتدخلون دون رعاية دولية، أو مظلات حزبية ممثلة بدول المنطقة، وتدخلهم هذا يعد طبيعيا مع تقاعس المجتمع الدولي، بينما تدخل حزب الله، والميليشيات الشيعية العراقية، المدعومين من إيران، هو تدخل ممأسس، ومن أحزاب تدعي الانتماء كذبا لدول ديمقراطية، وتستغل شعارات المقاومة والتعايش باطلا.

وكل هذا يقول لنا إن منطقتنا قد عادت إلى نقطة الصفر، أو قل القاع، حيث الحس الطائفي المتأجج، حتى لدى العقلاء، مع انكشاف زيف هذه الأحزاب الطائفية وانكشاف زيف العملية الديمقراطية برمتها في دولنا والتي ارتضتها الأحزاب الشيعية الطائفية، وكذلك الإسلامية السنية منها التي لم تنكر تدخل حزب الله في سوريا، مما يثبت أن الديمقراطية مجرد شعار كاذب للوصول للحكم، وعند أول أزمة فإن القتال هو تحت «راية الحسين»!

وعليه، فنحن أمام مستقبل مظلم يتطلب كثيرا من الحذر، والاستعداد، فالقتال تحت «راية الحسين» يعني نهاية كل الشعارات الكاذبة في منطقتنا، ويعني دخولنا مرحلة جديدة تقول إن بقاء الأسد ليس خطرا على أمن السوريين، بل على السلم الاجتماعي بمنطقتنا ككل، فالأسد وحلفاؤه أخطر بكثير من «القاعدة» وكل ما عرفناه من الأنظمة الإجرامية التي مرت بتاريخنا الحديث.

عبدالله هادي
06-06-2013, 05:05 AM
خطة طوارئ إيرانية لما بعد الأسد في لبنان


يتصرف النظام السوري كأنه باق أبدا، ويريد، كما في الماضي، تقوية حلفائه لأهداف كثيرة ليس بينها واحد إيجابي.

وتتصرف إيران وحزب الله، رغم كل المساعدات والمواقف التي كشفت أن انتماء الاثنين واحد وهو لأهداف ولاية الفقيه، على أن النظام السوري، مهما طال الوقت وكثرت التضحيات، ذاهب.

كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن صفقات السلاح الروسية إلى سوريا، وأبرزها صواريخ أرض - جو «إس - 300» التي لم تصل بعد. لكن الذي وصل وأشارت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» وصحف دولية أخرى هي صواريخ أرض - جو «إس اي 17» ونوع متقدم من صواريخ بحر - بحر من طراز «YAKHONT» وهو صاروخ بطول 22 قدما يصل مداه إلى 180 ميلا، ويمكنه أن يحمل رؤوسا حربية شديدة الانفجار.

في حديثه لصحيفة «كلارين» الأرجنتينية، قال الرئيس السوري بشار الأسد إنه سيزود حزب الله بأسلحة متطورة (بعدها كشف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن قواته تقاتل علنا في مدينة القصير، مسقطا بذلك معادلة: الجيش والشعب والمقاومة في لبنان)، والخطط جارية الآن سرا لنقل صواريخ «YAKHONT» إلى حزب الله وإلى إيران بأسرع وقت ممكن بسبب فقدان الجيش السوري العديد من قواعده العسكرية وأنظمة الأسلحة.

قرار النظام السوري تحويل هذه الصواريخ إلى الحليف الإيراني جاء لأنها تشكل تهديدا للسفن الغربية في الخليج والنشاط التجاري في المتوسط. في هذه الحالة، مع استمرار المعارك داخل سوريا، تراقب الدول الغربية والعربية وكذلك إسرائيل وصول الأسلحة المتطورة الروسية إلى سوريا، والجهود التي تبذل لنقلها إلى حزب الله في لبنان.

في الوقت نفسه، ومن جهة أخرى، فإن إيران وحزب الله يستعدان لمعركة الصراع على لبنان، بعد سقوط الأسد.. إذ إنه على الرغم من كل المساعدات الضخمة التي تقدمها إيران إلى سوريا، والعمل على تجريد حزب الله من صفته اللبنانية، والكشف عن أنه يأتمر مباشرة بأمر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي (يلاحظ أخيرا اختفاء الأعلام اللبنانية، وأن المنابر التي يقف عليها قياديو حزب الله لتأبين ضحاياه، أو لتبرير تدخله في القصير، تزينها صورتان عملاقتان لآية الله الخميني والمرشد خامنئي)، فإن هناك اعترافا إيرانيا ضمنيا بأن النظام السوري سيسقط، ويدرك، بالتالي، شاغلو المناصب العليا في الجمهورية الإسلامية أن موطئ القدم الرئيس لإيران سيكون لبنان.

بناء على هذا التقييم، فإن كبار المسؤولين في إيران وفي الحزب وضعوا خطة طوارئ لليوم الذي سيلي سقوط الأسد. تشمل النقاط الرئيسة لهذه الخطة نقل المقر الرئيس المشترك لهما، من سوريا إلى إيران، وإعداد جسر جوي لإيصال الأسلحة من طهران إلى بيروت، والتصويب على غير الحلفاء السياسيين لتخويفهم وإسكاتهم.

في بداية شهر مارس (آذار) الماضي اتفق قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والأمين العام لحزب الله على الشروع في المرحلة الأولى من خطة الطوارئ للاستراتيجية التي أعدت العام الماضي بهدف الحفاظ على النفوذ السياسي والعسكري لطهران في لبنان. ووفقا للمعلومات، تجري الاستعدادات لنقل مقر القيادة العامة إلى طهران، حيث ستضم مستشارين إيرانيين في الحقل السياسي والاستراتيجي والعسكري. وستشمل المشاركة الإيرانية ممثلين عن وزارتي الخارجية، والاستخبارات، وقوات «الحرس الثوري» بقيادة قائد «فيلق لبنان» في الحرس حسن مهداوي. أما المشاركة اللبنانية، فتشمل ممثلين عن الحزب سيكونون على اتصال مباشر مع المستشار الأمني الأول للأمين العام للحزب المسؤول عن الوحدات التشغيلية السرية، ومع أحد مستشاريه السياسيين الرئيسين. الغرض الرئيس من خطة الطوارئ التي وضعها المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بمساعدة عناصر من حزب الله شاركوا في التخطيط الاستراتيجي، هو إحباط كل الاحتمالات من قبل المعارضة اللبنانية التي ستحاول الاستفادة من احتمال سقوط الأسد، وتزعزع الجبهة الداخلية الاستراتيجية في لبنان التي تدعم الحزب، من أجل إضعاف نفوذه في الداخل.

من وجهة النظر الإيرانية، من دون سوريا، يصبح لبنان حاسما بوصفه بلدا تكون عبره إيران قادرة على مواصلة التأثير في المنطقة العربية.

أما حزب الله، فإنه معني بإمكانية انتفاضة وطنية واسعة ضده في اليوم الذي يلي انهيار الأسد، تذكّر بمظاهرة 14 آذار/ مارس 2005.

حسب الخطة على المستوى العسكري، فإن أول خطوة عملية تكون بإقامة جسر جوي مكثف لنقل أسلحة وأدوات مكافحة الشغب، ووفقا للتوجيهات، فإن «الحرس الثوري» يجب أن يكون على استعداد لتحميل طائرات بالمعدات في وقت قصير، وإرسالها مباشرة إلى مطار بيروت الدولي.

وتشير تقارير لبنانية إلى أن مساعي الحزب لدمج المتعاطفين معه في الجيش اللبناني مستمرة، يساعده في ذلك بعض كبار الضباط الأمنيين، وتجنب الجيش خوض أي اشتباك مع قيادة الحزب. وتضيف هذه التقارير أن الحزب يعمل على تقوية شعبة استخباراته الخاصة الموثوق بها، لإحباط أي خطط من قبل المعارضة اللبنانية، كما أنه يدرب فرقا خاصة من مقاتليه لقمع أعمال الشغب.

المرحلة التشغيلية الثانية من خطة الطوارئ التي يمكن لحزب الله وإيران الاضطلاع بها في وقت واحد، تركز على الساحة السياسية اللبنانية المنقسمة بشدة، وأهم ما يتطلعان إليه بعد إلغاء الانتخابات والتمديد لمجلس النواب، التركيز على حق النقض أو ما يسمى في لبنان بـ«الثلث الضامن» فيما يتعلق بكل قرارات الحكومات اللبنانية. ومن أهداف خطة الطوارئ بالنسبة للمعارضة اللبنانية، التخوين، والتخويف بكل الوسائل، للوصول إلى الرعب والتزام الصمت المطبق، ثم إن لحزب الله خطة خاصة به للسيطرة على الحكومة، والاتصالات، وأجهزة البنية التحتية في لبنان، وتتضمن هذه الخطة زيادة الأمن في مناطق وجوده في الضاحية الجنوبية لبيروت وكل الطرق التي تربط الجنوب بالعاصمة، حتى إذا ما كان هناك اضطرار ما، فيمكن السيطرة العسكرية الكاملة على العاصمة.

لقد وضعت خطة الطوارئ السرية على أساس إدراك مكتب الأمن القومي الإيراني، أن كل النشاطات المدنية التي قامت بها طهران تجاه لبنان في السنتين الماضيتين لم تحقق النتائج المطلوبة. خلال تلك الفترة، منفردة أو بالتعاون مع حزب الله، عملت إيران على توسيع التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري مع لبنان.

عسكريا، وفي عدة مناسبات، عبرت إيران عن رغبتها في توسيع التعاون الأمني مع لبنان والمساعدة في تسليح الجيش. لكن، كل هذه الإغراءات، لم يجرِ شراؤها من قبل لبنان، ولم تنجح إيران في تقوية نفوذها فوق الجزء الكبير الرافض لها فيه.. لا بل إن التصرفات الإيرانية وكل اقتراحاتها لاقت انتقادات علنية في لبنان، رغم أدب كبار المسؤولين اللبنانيين في استقبال الضيوف الإيرانيين وعروضهم التي اعتقدوا أنها مسيلة للعاب.

ربما عندما جرى وضع خطة الطوارئ هذه، كان هناك احتمال ضئيل بتطبيقها. حتى نتائج حرب يوليو (تموز) 2006، ورغم الدمار الذي لحق بكل لبنان، فإن اللبنانيين تقبلوا طرح حزب الله لأسبابها. لكن التورط في سوريا أخاف معظم اللبنانيين؛ إذ من يتحمل تبعاته؟ تسلسلت الأسباب من الدفاع عن «المقدسات» وحي السيدة زينب، إلى الدفاع عن القرى الشيعية على الحدود داخل سوريا التي يسكنها لبنانيون، ثم صارت الدفاع عن نظام الأسد أمام «الهجمة التكفيرية». من يقول إن كل من في القصير هو تكفيري؟! ثم صارت الأسباب أن التدخل هو للدفاع عن لبنان الذي سينتهي إذا انتصر التكفيريون (النائب نواف الموسوي يوم الأحد الماضي، الذي أضاف أيضا: «الحرب هناك أميركية - إسرائيلية بمشاركة أوروبية وأنظمة عربية لإسقاط الدولة السورية ولجعلها لعبة في يد الأميركيين والإسرائيليين»).

وأخيرا ما قاله الشيخ نعيم قاسم بأن قرار المشاركة هو استراتيجي. الغريب أن الموسوي قال: «هدف الصراع تمزيق الوحدة الإسلامية وتأليب المذاهب الإسلامية بعضها على بعض».

السؤال هو: أَلَم يسقط حزب الله في هذا الفخ البشع.. فماذا ستكون النتيجة؟

عبدالله هادي
06-06-2013, 05:06 AM
حرب سرية على الهواء!


مصر لا حديث لها، وحق لها، يعلو حديث الخطر على النيل، شريان الحياة المصرية، بعد بناء إثيوبيا دولة المنبع لسد «النهضة» الذي سيحول مجرى النيل الأزرق، لأول مرة في تاريخ الأرض، بفعل إنساني.

تنادى أهل الرأي، والساسة في أرض الكنانة، لبحث الأمر، وتقليب الاختيارات، ودعا المختلفون إلى نسيان الخلاف مع السلطة الحاكمة. في هذا الجو دعت الرئاسة المصرية ثلة من المشتغلين بالسياسة، إلى التشاور، في ما يشبه مجلس الحرب، ماذا نفعل مع إثيوبيا المعتدية على مياهنا؟!

طرحوا آراء معقولة، لكن طرحت أيضا آراء تحتاج إلى نظر. قال بعضهم: «نرسل طائرات حربية ولو من باب التهويش»، وقال بعضهم: «نرسل مغاوير خلف خطوط العدو، وعناصر استخبارات». قال بعضهم: «بل نفتح معبر رفح للنكاية بإسرائيل، حليفة إثيوبيا». وتحدث القوم بشفافية وجرأة، فالقصة قصة حرب، والرأي يجب أن يكون صريحا، ما دام النقاش سريا، بين أهل الدار.

لكن كيف يدار نقاش من هذا النوع «الحربي» على الهواء مباشرة؟ وهل إثيوبيا لا يمكن أن تسمع آذانها، وتبصر عيونها، جلبة أهل الكنانة وغضبهم؟

السياسي أيمن نور من حضور هذا اللقاء «الخطير» شاطر أهل الإعلام استغرابهم، وقال لصحيفة «اليوم السابع» المصرية: «الحضور في اجتماع الرئيس بخصوص أزمة مياه النيل، وسد إثيوبيا، لم يكونوا على علم بأن الحوار مذاع على الهواء مباشرة». وقال إن هذا الأمر أثار دهشته بعدما علم به: «لأنه من المفترض أن الحديث حول أزمة يجب ألا يعلمه الطرف الآخر».

اندهاش نور مفهوم، لكن هل كانت الكاميرات المنصوبة مطلية بمادة سحرية تخفيها عن الأنظار مثلا.. أو ربما كان الحضور يظنون أن التصوير هو فقط لزوم التوثيق والأرشفة الحكومية، ثم تحفظ هذه التسجيلات والجلسات السرية الخطيرة في حرز مكين لا تمسسه يد إنس ولا جان؟!

الحق أن الأحباش ليسوا بحاجة إلى التكلف في التعرف على ردود فعل المصريين أو السودانيين، كما أن المصريين والسودانيين أيضا ليسوا بحاجة إلى التكلف في ذلك تجاه الأحباش.

لم يعد ثمة كثير من الأسرار في هذا العالم، خصوصا مع جهود الأستاذ «أسانج» المتواري عن الأنظار، صاحب «ويكيليكس»، الذي ينشغل حاليا، من مقره في سفارة الإكوادور في لندن، بالتفرج على فيلم صُنع عنه، ولم يعجبه، بسبب عدم استئذان المخرج منه في بعض التفاصيل!

ليس من أسرار ولا مفاجآت، وحسنا فعلت السلطة المصرية ببث هذا اللقاء على الهواء، منعا لجموح الخيال، وتصور أن هناك كارثة حربية ستحل في شرق القارة الأفريقية.

سلام على مصر.. ونيلها الخالد.

عبدالله هادي
09-06-2013, 12:14 AM
سوريا بين جبهة النصرة وحزب الله!

تسارعت الحملات الإعلامية خلال الأسبوعين الأخيرين من جانب وسائل إعلام حزب الله وحلفائه في لبنان والعراق، مُهَوِّلةً من شأن «التكفيريين» الذين تأخر «الحزب» كثيرا في مواجهتهم. وقد لام الحزبَ على هذا التأخر والتردد قوميون ويساريون أيضا. وهذا ليس غريبا على الطوائف والإثنيات الحزبية والآيديولوجية في سوريا ولبنان وفلسطين. فالبعثيون والشيوعيون والقوميون السوريون هم مع النظام السوري ومع حزب الله وإيران منذ أكثر من عقدين. وهؤلاء يتقاضون بدلات مادية أو سلطوية ومن إيران إلى لبنان وسوريا وفلسطين بالطبع. كل هذا - كما سبق القول - ليس جديدا وليس غريبا، فالمشكلة لدى هؤلاء وبالدرجة الأولى إيجاد طرف داعم يستطيعون الاستناد إليه بعد الانهيار التدريجي ثم الزلزالي للأنظمة الاستبدادية الحاكمة أو التي كانت حاكمة (وهم شركاء صغار لها) باسم العروبة أو الحداثة أو العلمانية أو المقاومة. والطريف وغير الظريف أن هذه الحداثة كلها التي مثلها بالنسبة لهم الأسد والقذافي وصدام حسين، صارت الآن (من دون أن يجدوا حرجا في ذلك!) بأيدي آل الأسد، وحكومة ولاية الفقيه بطهران! وقد كانوا (وبينهم الحزب القومي السوري العلماني جدا) إلى ما قبل ثلاثة أشهر يدافعون عن بقايا نظام الأسد باعتبار أن انهياره يمثل انهيارا لمنظومة المقاومة، كما يمثل استسلاما للتنظيمات «الإرهابية» التي تقاتل ذلك النظام! وحزب الله يقاتل في سوريا منذ أكثر من عام. لكنه قبل ستة أشهر (وعلى لسان أمينه العام) حصر قتاله بالدفاع عن «اللبنانيين» في سوريا. ثم تقدم خطوة مع الأمر الإيراني بالقتال الكامل مع النظام وفي سائر أنحاء سوريا، فأضاف: «من أجل حشد الحزبيين، وإسكات تذمرهم من ازدياد عدد قتلاهم هناك» إلى هدف الدفاع عن اللبنانيين الشيعة بسوريا: الدفاع عن المقدسات الشيعية مثل السيدة زينب والسيدة سكينة وحجر بن عدي.. إلخ، لكنه في خطابه الأخير قبل أسبوعين حدد هدفين واضحين: مقاتلة التكفيريين، ومنع سقوط النظام. بعدها انطلقت وسائل إعلامه من كل ناحية في حملة على جبهة النصرة والسلفية الجهادية و«القاعدة»، (وهي بحسبهم تسميات متعددة لجهة واحدة). فأما وسائل الإعلام الشيعية فهي تتوجه إلى الشيعة في سائر أنحاء العالم لمساعدة حزب الله والمالكي في الحيلولة دون إبادة الشيعة بسوريا ولبنان والعراق، وأما وسائل الإعلام الأخرى (العلمانية والقومية واليسارية سابقا) فتعتبر أن «الظاهرة الإسلامية» التي أتت بها الثورات ما استطاع الوقوف في وجهها حتى الآن غير الأسد ونظامه، ولذلك لا بد من دعم النظام بشتى الوسائل من جهة، وحزب الله من جهة ثانية، لأن العدو واحد، فضلا عن فضائل الحزب في مقاومة إسرائيل من قبل ومن بعد!

لقد دخل في هذه الحملة على «التكفيريين» (الذين يسميهم الأميركيون والروس والأوروبيون: إرهابيين) الغربيون أيضا، وقبل حزب الله. بل إن وزير الخارجية الروسي رد أخيرا على وزير الخارجية الأميركي ومسؤولي حقوق الإنسان الذين طلبوا الرأفة بالمدنيين في القصير، بأن الأسد إنما يضرب الإرهابيين هناك، وليس من المنطقي أن يوقف النظام أو حزب الله إطلاق النار من جانب واحد!

وإذا كان المقصود الأول من خطاب نصر الله تحشيد الشيعة بالذات، وتبرير المخاطرة رغم كثرة القتلى واحتمال انفجار الصراع الشيعي – السني، فإن الهدف الثاني هو الالتقاء مع الغرب والروس على «مصالح مشتركة»، يصبح معها الأسد ونظامه تفصيلا بين التفاصيل. فتحت وطأة هذا التصعيد من شأن جبهة النصرة إرادة إرعاب للأوروبيين بعد الأميركيين. وقد اضطر ذلك الفرنسيين إلى التراجع بعض الشيء، كما اضطر وزير الخارجية البريطاني المتحمس لدعم الثوار السوريين إلى القول إنه لن يفعل ذلك إلا بعد مؤتمر «جنيف - 2» الذي لا يعرف متى ينعقد، هذا إذا انعقد! وقد ادعى أحد الكتاب المعروفين في صحيفة بارزة، أن وزير الخارجية البريطاني هو من المحافظين الجدد الكارهين للعرب والمسلمين! كما اكتشف فظاعة «جبهة النصرة» الكاتب الفرنسي المعروف برنار هنري ليفي (الذي كان شديد الحماس للثورة الليبية)، وعشرات المعلقين الإسرائيليين. وما عاد سرا خافيا أن بين أسباب تردد الأوروبيين وجود قوات لهم في جنوب لبنان، واحتمال تعرض حزب الله لها، شأن الأميركيين الذين كانوا خائفين من تعرض الإيرانيين لجنودهم في العراق، وانتهى بهم الأمر إلى تسليم العراق لإيران وخروجهم منه عام 2010 - 2011!

ولنعد بعد وصف المشهد المصنوع في الإعلام ودوائر القرار خلال شهور عام 2013، إلى حقائق المسألة. هناك مشكلة كأداء في وعي المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم من أهل الاعتدال، والذين ينهمكون دائما في مناقشة الغربيين وخطاباتهم الإعلامية إرادة كسبهم. هؤلاء يريدون التسوية بين جبهة النصرة وحزب الله باعتبارهما وجهين لعملة واحدة هي التطرف، وهم يرون أنهم بذلك يتبرأون من «القاعدة» والجهاديين، ويسهلون على أنفسهم وعلينا عمليات النقاش والجدال مع الغربيين الذين لا يزالون متحيرين في كيفية إدانة حزب الله أو معاقبته، خوفا على الأمن في لبنان، وخوفا على المفاوضات مع إيران وروسيا. وهذه التسوية بين حزب الله وجبهة النصرة، وإن كان المقصود بها تخفيف الضغوط، وتمكين الثورة السورية من الحصول على الدعم هي خطأ، بل خطيئة في الوعي وفي قراءة الواقع أو فهمه. فجبهة النصرة المتشددة هي جبهة سوريا، وتقاتل النظام السوري. وهي تهدف لإسقاطه مثل الليبراليين والعلمانيين والإسلاميين الآخرين. بينما حزب الله هو جزء من المنظومة الأمنية والعسكرية الإيرانية، وهو يقاتل في لبنان وسوريا وجهات أخرى، وهو يجمع مقاتلين على أساس طائفي يقاتل بهم في كل مكان يكلفه به الولي الفقيه، ويقوده جنرال إيراني. وكما أن جبهة النصرة لا تقاتل في سوريا لنصرة الدين، فكذلك الحزب لا يقاتل بسوريا بقصد تحويل السنة إلى شيعة. السبب من الطرفين سياسي واستراتيجي. لكن الفارق الأساسي أن المتشددين في الجبهة هم مواطنون سوريون في الأعم الأغلب، بينما مقاتلو حزب الله هم مجموعات مسلحة من عدة بلدان وليس بينهم سوري واحد، ويجمعهم أمران: المذهب الديني، وإمرة المرشد. ونحن اللبنانيين، بل والعرب الآخرين، لا ننكر على حزب الله قتاله في سوريا لأنه حزب شيعي، بل لأنه تنظيم إيراني القيادة والتمويل والأهداف، وهو والتنظيمات المشابهة له ينشرون الانقسام والاضطراب والموت في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين!

إن الشعب السوري الذي يقاتل من أجل حريته، والذي فقد مئات الألوف، وتهجر منه الملايين، هو الكفيل في المستقبل القريب بتحديد مصيره ومن يحكمه، وهو من أجل حرية القرار ضحى ولا يزال. ولا شأن بذلك لا لإيران ولا لحزب الله ولا لروسيا. فاستناد النظام إلى هؤلاء وإلى كوريا الشمالية وأمثالها هو الذي مكنه من البقاء عقودا على أعناق الشعوب العربية في سوريا ولبنان وفلسطين.

لقد أسقطت الثورة السورية كل الثنائيات: الأسد أو نحرق البلد، ونظام الأسد أو لا يبقى لروسيا موطئ قدم في المنطقة، وإيران في سوريا ولبنان أو لا مقاومة، وحزب الله أو جبهة النصرة! إن الحقيقة الوحيدة الباقية هي الشعب السوري المقاتل من أجل حريته، وحرية العرب أجمعين.

عبدالله هادي
09-06-2013, 12:15 AM
حزب الله.. إرهابي


مع استمرار تدخل حزب الله في الشأن السوري بشكل فج وسافر عبر ميليشياته التي تساند جيش الأسد وشبيحته بات من الواضح أهمية وضرورة التعامل مع هذه المجموعة على حقيقتها واعتبارها فصيلا إرهابيا مجرما مثله مثل تنظيم القاعدة و«النصرة» أيضا، وبطبيعة الحال هذا الأمر يقتضي التعامل مع حسن نصر الله نفسه على أنه مجرم ومطلوب مثله مثل أيمن الظواهري.

حزب الله بات سرطانا ينهش بالفتنة الطائفية جسد المنطقة الهش أساسا بدخوله بشكل طائفي فج ومقيت ليساند نظاما مجرما. سقط زمن المجاملات وباتت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي مضطرة لأن تنصت إلى صوت الرأي العام العريض الذي يطالبها بخطوات أكثر جدية وأهم وأقوى مع حزب الله بشكل واضح وقطعي، وبات من الضروري أن يبدأ العمل في قطع الشرايين الاقتصادية للحزب في الخليج عبر مصالحه المختلفة. هناك الكثير من الشركات في مجالات حيوية كالمقاولات وتجارة التجزئة وكالمطاعم والمعدات الثقيلة والسجاد والمواد الغذائية وغيرها من المجالات، كلها تعود ملكيتها لشخصيات أو لشركات لها علاقة مباشرة بحزب الله أو من يمثله أو من يتستر عليه. بات على لبنان كله أن يتحمل فاتورة «تسليم» البلد لحكومة تقودها ميليشيا إرهابية. اليوم لبنان يدفع بالتقسيط ثمن سياسة النأي بالنفس المضللة التي اختارها (وهي حق يراد به باطل) لأن لبنان عن طريق حزب الله، حزب الأغلبية، بات فصيلا مساندا ضد الثورة السورية، داعما لنظام مجرم واختار بالتالي أحد طرفي الصراع ولم يعد هناك أي نأي بالنفس، وهو يدفع ثمن هذا القرار بانقطاع تام للسياحة العربية وكذلك انخفاض هائل في الحراك التجاري البيني وانعدام تام في الاستثمارات الجديدة.

لا بد من «تصعيد» حقيقي لهذا الأمر للنظر في كافة المجالس الاقتصادية بين دول الخليج ولبنان وبشكل فوري. حزب الله لا بد من التعامل معه على أنه فريق إرهابي مطلوب يتزعمه إرهابي، لم يعد هناك بالإمكان قراءات فيها أي قدر من الرمادية أو الضبابية أو أنصاف الحلول، لبنان بأسره يجب أن يتحمل ضريبة السكوت عن قبول فصيل إرهابي يحكمه.

أكذوبة المقاومة فُضحت وسقط القناع عن وجه أقبح ولم يعد من الممكن تسويق هذه الحجة مجددا. حزب الله فصيل إرهابي يضحي بلبنان ويزج به نحو شرارة المعركة المستشرية في سوريا بأوامر من المرشد الإيراني ودعما لنظام بشار الأسد. الفاتورة الاقتصادية هي أمر بات مهما ساهم في إطالة عمر حزب الله عبر المال المهم، ولا بد من الخلاص من الشخصيات اللبنانية المؤثرة المحسوبة عليه (وهي معروفة ومكشوفة).. لا بد من ترحيلهم لأنهم خطر على الأمن الوطني للمنطقة، فهم اختاروا فصيلا إرهابيا وكانوا خداما له ويعون تماما ما يفعلون وبات ولاؤهم مفهوما ومعروفا وليس بحاجة للتحليل ولا الفهم.

لم يعد العقلاء ولا الحكماء ولا الصابرون في الخليج يفهمون ولا يثقون في فكرة «الانتظار» على طوابير حزب الله الخامسة المنتشرة في الأوساط الاقتصادية في كل مكان، وفي واقع الأمر ما هم سوى قنابل موقوتة عرفت أهدافها وبانت نواياها ولا مكان لها هناك أبدا. التعامل مع حزب الله يجب أن يكون تماما مثل التعامل مع «القاعدة» بلا رحمة ولا هوادة ولا تفاهم. إنهم فئة باغية.

عبدالله هادي
09-06-2013, 12:17 AM
إيران وأذرعها في وُحول فيتنام السورية؟


عندما كان السيد حسن نصر الله يلقي خطابه معلنا دخول المعركة إلى جانب النظام السوري، كانت وزارة الخارجية الإيرانية تصدر بيانا تعلن فيه أنها لم ترسل قوات إلى سوريا. بدا الأمر مفارقة في غاية الغرابة، وخصوصا في ظل ما تردد عن أن طهران هي التي دفعت حزب الله إلى التدخل «بكل قوة ومهما كان الثمن» لمساعدة الجيش السوري المنهك، في وقت تزايدت فيه مؤشرات اندحاره عندما ترددت أنباء عن فتح معركة دمشق.

قبل ذلك كان حزب الله ينزلق تدريجيا إلى الرمال السورية المتحركة التي يبدو أنها ستتحول في النهاية إلى فيتنام قاسية جدا، سيتمرغ الإيرانيون وكل أذرعهم العسكرية، أي الحزب و«عصائب أهل الحق العراقية»، في وحولها، وقد بدأ التدخل عبر المناوشات في منطقة عكار الحدودية بذريعة الدفاع عن القرى الشيعية، ثم عبر «الدفاع عن المقامات الدينية»، رغم كل ما قيل عن أن هذه المقامات لها حرمتها واحترامها عند الجميع، ثم جاء الإعلان صريحا عن أن حزب الله يدخل المعركة بكل ما يملك من القوة بهدف «حماية ظهر المقاومة والحيلولة دون انهيار النظام السوري» الذي يشكل شرفة إيرانية مهمة لبقاء المسؤولين الملالي على تماس مع القضية الفلسطينية التي يتلبسونها لاختراق المنطقة العربية، ولإبقاء نفوذهم على شواطئ المتوسط، بما يدعم أوراقهم التفاوضية في المسألة النووية.

الرهان على تحقيق نصر سريع في مدينة القصير المحاصرة لم يكن موفقا؛ فاستعادة هذه المدينة المدمرة التي تشبه ستالينغراد كانت مكلفة، والقصير ليست أكثر من شجرة في غابة من النيران المندلعة، وهي ***** إلى الوحول السورية المتحركة، وسوريا في المناسبة تساوي 18 ضعف مساحة لبنان، وستة أضعاف عدد اللبنانيين، فإلى أي رمال دموية متحركة دخل حزب الله، وخصوصا أن دخوله يؤجج علنا الأبعاد المذهبية التي كان الصراع قد بدأ يرسمها، أولا بسبب وحشية النظام الذي تمادى في التصفيات الجماعية وحمامات الدم، وثانيا بسبب التدخل الإيراني بالسلاح والرجال في وقت كرر فيه علي خامنئي أنه لن يسمح بسقوط الأسد، وصدرت تصريحات مستفزة تقول إن سوريا هي الولاية الإيرانية رقم 35!

بعد أقل من عشرة أيام بدا أن دخول حزب الله المعركة في سوريا لن يحمي ظهر المقاومة، بل يكشفها كما لم يكن من قبل، والدليل أنه بسبب استضعافه الدولة اللبنانية اضطر الحزب إلى اتخاذ تدابير احترازية وإجراءات أمنية في مواقعه في الضاحية والجنوب والبقاع، ليس بسبب بعد سقوط الصاروخين على الضاحية فحسب، بل لأن النار السورية اقتربت أكثر من الهشيم اللبناني، حيث تطل جبهة بعلبك بعد جبهة عكار، ويرتفع الاحتقان المذهبي في صيدا والبقاع الغربي، بينما تبدو طرابلس غارقة في حربها الأبدية التي شهدت حتى الآن انهيار 17 اتفاقا لوقف النار.

لست أدري إلى متى يمكن حزب الله الركون إلى بيئته الحاضنة ليحمي ظهره أولا إذا كانت إيران تناقض حديثه عن مسوغات التدخل، وثانيا إذا كان بشار الأسد لم يتردد في تحجيم أهمية هذا التدخل، عندما قال لتلفزيون «المنار» ما معناه أن سوريا ليست في حاجة إلى حزب الله ليتدخل، فهو فقط يحمي القرى الشيعية عند الحدود، وثالثا إذا كان معظم اللبنانيين يعارضون هذا التدخل لأنه سينقل الحرب السورية إليهم، وبين هؤلاء ضمنا وصمتا عدد كبير من أبناء الطائفة الشيعية.

لا أدري كيف يكون ظهر المقاومة محميا عندما تتشوه صورة حزب الله في العالم العربي وينظر إليه في العالم الغربي على أنه مجرد «أداة إيرانية تخريبية وإرهابية»، والأخطر من كل هذا عندما تؤكد دول الخليج أنها تعتبره منظمة إرهابية وتقرر النظر في اتخاذ إجراءات ضد مصالحه في أراضيها، وأنه «لا أحد يستطيع التغطية على ممارساته؛ فهو منظمة إرهابية، وهناك إجماع على أن تدخله السافر في سوريا هو إرهاب بما يكشف أنه كان يمارس التقية».

وليس خافيا أن الإجراءات التي ستتخذها دول مجلس التعاون الخليجي ضد ما تراه مصالح حزب الله ستصيب مصالح الآلاف من اللبنانيين الذين لم يحسب الحزب حسابهم، بل كشف ظهورهم، أو بالأحرى قد يتسبب في كسر ظهورهم بحجة حماية ظهر المقاومة، إلا إذا كان سيجد لهم استثمارات وعقودا ومصالح وأعمالا ومؤسسات ووظائف بديلة في إيران، وهو أمر مستحيل كما يعرف الجميع، وفي ظل حصول مثل هذه الإجراءات لا يكفي الحديث عن كسر ظهر هؤلاء فحسب؛ لأن ظهر لبنان سيكون مكشوفا، لكن ما الفرق إذا كان هذا الظهر أصلا مكسورا من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال؟!

عبدالله هادي
09-06-2013, 12:29 AM
هل كان لموسى الصدر علاقة بحافظ الأسد؟


قرأت مقالة للكاتب والصحافي الإيراني أمير طاهري، نشرت تحت عنوان «لبنان: استراتيجية حزب الله الخطرة» في جريدة «الشرق الأوسط» الجمعة الماضية.

ولديّ استدراكات على ما كتبه الأستاذ طاهري، مع تقديري لما احتوته المقالة من أفكار وآراء وبعض المعلومات الخاصة بالموقف من حزب الله وعدوانه على الشعب السوري في القصير وغيرها، وهو عدوان كنت أشرت إليه للمرة الأولى في شهر يونيو (حزيران) 2011 أي بعد ثلاثة أشهر من اندلاع ثورة الشعب السوري ضد طاغية سوريا بشار الأسد، وحددت مواقع وجود الحزب المذكور، في إحدى الثانويات في مدينة حمص، وقد أوردت هذه المعلومة عبر مجلة «الشراع» اللبنانية.

ملاحظاتي حول ما ورد من معلومات تخص علاقة رئيس المجلس الإسلامي الشيعي السابق السيد موسى الصدر (اختفى في ليبيا أثناء زيارة لها بدعوة من العقيد معمر القذافي في الفترة ما بين 25 إلى 31 - 8 - 1978) بالرئيس حافظ الأسد.

ولعلني أنطلق من هذه الزيارة لتبيان طبيعة علاقة الإمام الصدر بحافظ الأسد مؤسس السلطة التي أورثها لابنه بشار بعد رحيله في 11 - 6 - 2000.

فقد سمعت من نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، في مقر إقامته في باريس بعد انشقاقه عن نظام الأسد، أن الإمام الصدر اتصل به قبل قيامه بجولة عربية شملت الكويت والجزائر (وكانت ستشمل ليبيا) بعد تدخل الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين ليستقبل القذافي الصدر، حيث لم يكن بين الصدر والقذافي أي صلة قبل وساطة بومدين.

يقول خدام للكاتب: إن الصدر طلب رأيه في هذه الجولة، وإن نائب الرئيس السوري يومها أبلغ الصدر بأن «سوريا الآن يا سيد في حالة حصار سياسي، والمطلوب من أصدقائها أن يكونوا كلهم معها، وألا يتخلوا عنها في هذه المرحلة، حتى لا يفسر كثيرون قيام صديقها المميز – ويقصد الإمام الصدر – بجولة عربية خارج سوريا بأنه تخل منه عن علاقته معها».

يعني أن خدام نصح الصدر بألا يقوم بهذه الجولة.. لكن الصدر لم يستمع إلى نصيحة خدام، فكانت نهاية جولته العربية هي نهاية حياته قتلا كما يؤكد كثيرون.. في ليبيا.

المهم – وهنا بيت القصيد – أن الصدر كان يزور سوريا دائما.. ويلتقي حافظ الأسد كثيرا جدا.. لكن آخر مرة استقبل فيها حافظ الأسد رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان موسى الصدر كانت قبل عام من لقائه المشار إليه مع خدام، وهذا ينفي قول الأستاذ طاهري بأن الأسد لم يستقبل الصدر أبدا.

ما الذي جرى في هذا اللقاء؟

سمعت من مقربين جدا من الإمام الراحل أن لقاء الصدر مع حافظ الأسد كان صريحا بما طلبه الصدر من الأسد.. بأن يتنبه إلى سلوكيات ضباط جيشه وجنوده في لبنان، حيث باتت سلوكياتهم أسوأ بكثير من سلوكيات عناصر المنظمات الفلسطينية الذين كانوا منتشرين في معظم أرجاء لبنان.

قال الصدر للأسد بصراحة: إن الفلسطينيين هم تربية منظمات مسلحة غير منضبطة، لكن الجيش السوري هو جيش منضبط.. ولا يجوز أن تنحدر سلوكياته إلى سلوكيات المنظمات الفلسطينية، مشيرا بكلام اعتبره الأسد جارحا شخصيا له عندما قال: «سيادة الرئيس، إن شعبية ياسر عرفات تدهورت عند اللبنانيين بسبب سلوكيات منظماته المسلحة.. ونحن حريصون على مكانتكم في قلوب اللبنانيين».

غير أن هذا الكلام الصريح والواقعي كان كافيا ليتوقف حافظ الأسد عن استقبال الرئيس الروحي للشيعة في لبنان.. إلى أن اختفى هذا في ليبيا.

نأتي إلى الأهم.

إن حافظ الأسد درج على استقبال موسى الصدر في دمشق اعتبارا من عام 1971.. بعد أن انتخب الأسد رئيسا للجمهورية العربية السورية مسبوقا بفتوى رجال الدين الكبار في سوريا (السنة طبعا) بجواز انتخاب علوي للرئاسة، باعتبار أن المذهب العلوي هو أحد المذاهب الإسلامية التي يجوز التعبد بها (عام 1959 أصدر شيخ الجامع الأزهر الإمام الأكبر محمود شلتوت فتوى بجواز التعبد على المذهبين الاثني عشري والزيدي، وسمح بتدريس المذهب الشيعي في الجامع الأزهر منذ ذلك التاريخ).

وفي أحد اللقاءات بين الأسد والصدر فإن الثقة التي جمعت بينهما دفعت الرئيس السوري لأن يطلب من المسؤول الشيعي اللبناني (من أصل إيراني) بأن يضم علويي لبنان إلى المذهب الشيعي ليكونوا سندا لهم في لبنان.

وقد شكر الصدر طلب الأسد. وبادر بعد عودته إلى لبنان بتجهيز الأمور إداريا ومذهبيا لتطبيق هذه الفكرة.. فأنشأ في مدينة طرابلس حيث الوجود العلوي الأهم في منطقة بعل محسن محكمة شرعية شيعية ليحتكم إليها العلويون اللبنانيون في شمال طرابلس وعكار. وكذلك الشيعة المنتشرون في بعض قرى الشمال.

وعين الإمام الصدر الشيخ خليل ياسين أحد أعضاء الهيئة العلمائية في المجلس الشيعي في الحازمية، قاضيا أول في هذه المحكمة.

لم يرق هذا الأمر لأحد أتباع رفعت الأسد الذي كان ما يزال ذا نفوذ مدمر داخل سلطة آل الأسد في سوريا، وهو علي عيد (نائب سابق في مجلس النواب اللبناني مؤسس الحزب العربي الديمقراطي ويرأسه الآن ابنه رفعت).

قيل يومها إن علي عيد وبطلب من رفعت هاجم المحكمة الشيعية في طرابلس وأطلق النار على من فيها فأصيب بعضهم وهرب الشيخ خليل إلى بيروت.. ولم يعد بعدها إلى طرابلس.. بل إن موسى الصدر أقفل المحكمة حتى لم يعد لها وجود حتى الآن. لكن هذا لم يمنع رفعت علي عيد أن يقف مع اشتداد عدوان إيران وحزب الله على الشعب السوري، من أن يعلن في مؤتمر صحافي أننا لسنا أقلية فنحن جزء من جبهة تمتد من طهران عبر العراق وسوريا ولبنان حتى الضاحية الجنوبية في جنوب بيروت وحتى جبهة جبل محسن في طرابلس.

* رئيس تحرير مجلة «الشراع» اللبنانية

تعليقات القراء
عدنان العلي، «المانيا»، 07/06/2013
للحقيقة والتاريخ إن علاقة حافظ الأسد بموسى
الصدر سبقت الأحداث التي ذكرها صاحب المقال
بكثير وقبل قيام حافظ الأسد بإنقلابه المعروف لقد
قام موسى الصدر بأول زيارة لحافظ الأسد إذا
ما خانتي الذاكرة في أواخر 1968 او في أوائل
1969 يوم كان وزيرا للدفاع وقائدا لسلاح
الطيران وقد زاره وبصحبة أحد الأئمة الشيعة من
إيران الذين لعبو دورا مهما في مشروع الهلال
الشيعي منذ ذلك الوقت وهو الإمام شريعتي
والزيارة كانت في مطار الضمير وبشكل سري
حيث كان حافظ الأسد يقيم بشكل دائم هناك
يحضر لإنقلابه المعروف وأنا كنت من الذين
علموا بالصدفة عن طريق أحد الأصدقاء عن هذه
الزيارة وقد كان سبب الزيارة المعلن هو طلب
العون من حافظ الأسد لمساعدة شيعة العراق
المضطهدين من صدام حسين أما السبب الخفي
هو إستكمال خطة الهلال الشيعي التي بدأها
موسى الصدر من لبنان بحجة مساعدة
المحرومين الشيعة هناك والحجتين هي كانت
تغطية لذلك المخطط
أولا إن صدام لم يكن يضطهد الشيعة فقط وفي
لبنان كان هناك محرومون كثر غير الشيعة
وللحقيقة والتاريخ إن فكرة التجييش الطائفي
المذهبي لم تكن قد تبلورت في رأس حافظ الأسد
قبل هذه الزيارة وللحديث بقية
عدنان العلي، «المانيا»، 07/06/2013
إن فكرة الهلال الشيعي ليست هي وليدة الثورة الإسلامية في إيران مع قدوم الخميني كما تداولها العامة بل هي بالواقع بدأت
من بنات أفكار هنري كسنجر يوم أصبح يهيمن على سياسة الأمن القومي في البيت الأبيض ومنذ أيام الشاه، والفكرة تقوم
على تفتيت المنطقة بخلق كيانات ضعيفة أكبرها لا يقوى على مواجهة إسرائيل لوحده والفكرة ليس سرا فقد طرحها علنا
في مقالاته وأبحاثه، عودة إلى تلك الزيارة لموسى الصدر والإمام شريعتي لحافظ الأسد في دمشق أواخر الستينات، لقد
جرى ترسيخ فكرة الطائفية والإعتماد على الطائفة بالدرجة الأولى قبل الإعتبارات الحزبية، وقد قام بترسيخها لديه السيد
شريعتي بإصداره الفتوى المشهورة بالاعتراف بالطائفة العلوية كإحدى الطوائف الشيعية الرسمية وقد سار المخطط على
هذا المنوال حتى بروز أول صدام بين حافظ الأسد وموسى الصدر بدخول الجيش السوري إلى لبنان وقد كان الأسد
حريصا أن لا يظهر هذا الخلاف على العلن وبدأ بمخطط التخلص من موسى الصدر وتهيئة البديل وهو نبيه بري رجل
الأجهزة الأمنية لحافظ الأسد وقتها ونجحت الخطة كنتيجة للتعاون الأمني الوثيق مع القذافي ذلك الوقت جرى تصفيته، ولا
أشك أن نبيه بري كان متورطا معه.

عبدالله هادي
09-06-2013, 12:31 AM
سوريا.. سيناريو الرعب


هل هناك من وسيلة عقلانية لقراءة ما يحدث على الساحة السورية لفهم ما يحدث والنظر بروية وهدوء إلى الصورة الكبيرة وتحليل المشهد الدموي البائس؟ طبيعي أن يكون هناك العديد من السيناريوهات المطروحة كشرح لما يحصل، ولكن أحد التحاليل التي استوقفتني كان كالتالي، وهو جدير بالتدبر والتأمل بعمق: الثورة السورية على نظام بشار الأسد دخلت مرحلة بالغة الأهمية والخطورة؛ لأنها لم تعد توصف بالمعنى القديم، ثورة ضد نظام مجرم أو صراع مناطقي وإقليمي، ولكن بدخول ميليشيات حزب الله الإرهابية على الخط أصبحت المواجهة ذات طابع طائفي بامتياز بلا شك، بعد إعلان هذا الفصيل المتشنج علانية (علما بأنه حزب رسمي يترأس حكومة في دولة مجاورة) عن دعمه لنظام الأسد حتى النهاية.

يبدو أن الولايات المتحدة لديها رغبة جادة جدا في القضاء على كافة التنظيمات المتطرفة المتعلقة بحقبة الحرب الباردة، وهي تنظيمات كانت تدار بالأساس من قبل الاستخبارات السورية وأجهزتها التابعة لها. نظام بشار الأسد الحاكم في سوريا من الناحية الفعلية انتهى، فلقد تم تفكيك أدواته بإنهاكه التام على الأرض، وشرخ جيشه وأجهزة أمنه وفقده لشرعية السيطرة على أراضي البلاد الواسعة، وفوق ذلك جرى «السماح» بدخول منظم للعديد من التنظيمات الصغيرة من المجاميع المتطرفة إلى الساحة السورية تحت إغراء «الجهاد الكبير» هناك، بمن فيهم حزب الله نفسه، وقد لعب الجيش الحر كذلك دورا في استدراج كل هؤلاء كغطاء شرعي ملائم ومناسب، وطبعا كان من الضروري أن يستمر بشار الأسد حاكما ويبقى في منصبه طوال هذه الفترة الدموية لكي تزيد حماسة الراغبين في الجهاد بسوريا، سواء للقتال ضده والخلاص منه أو القدوم للدفاع عنه، وطبعا لولا رغبة أميركا الحقيقية ودعم روسيا وإيران له وعدم ممانعة إسرائيل المعلنة لما بقي في حكمه لليوم، ولما استطاع الصمود.

أما المعارضة السورية التي من الناحية النظرية والمعنوية كان من المفترض أن تكون العنصر الأهم والحلقة الأقوى في هذا الصراع الدموي الرهيب، فوضعت في موقف مخيف وصعب، وتحولت رغما عنها إلى الحلقة الأضعف؛ ليتحقق التصور المطروح بوضعه البائس حاليا.

ولذلك فإن فرضية أن سوريا وحكم الأسد هي المغناطيس الجاذب لكل شرور الجماعات المتطرفة التي ترغب أميركا في الخلاص منها من كل المنطقة، سواء من الجزيرة العربية أو العراق أو أفريقيا أو أفغانستان أو لبنان أو الأردن، ومن ثم تحقق أميركا فكرة التخلص الكامل من هذه الجماعات على الأرض السورية بمساعدة غير مباشرة من نظام بشار الأسد، وحزب الله بدخوله سوريا بالشكل الهمجي؛ دخل في عملية انتحارية له تماما والإجهاز على كل ما تبقى له من مصداقية أو إنجاز أو جدارة في الذهنية الشعبية في العالم العربي والإسلامي، ويجري إنهاكه والقضاء عليه على الأرض السورية التي صنعته وأوجدته، وهو بكل سذاجة بلع الطعم الذي وضع له لاستدراجه والقضاء عليه بسبب رعونة الحزب ونرجسية حسن نصر الله، كما أن قراره المتسرع سيجر لبنان بأكمله لمستنقع سوريا الذي سيشهد اقتتالا طائفيا مذهبيا معلنا وواضحا، وهناك يتحقق سيناريو القضاء عليه عسكريا، ليس عبر ضربات توجه من الغرب أو إسرائيل، ولكن أن يقضي على نفسه في الداخل السوري مقر ولادته. وطبعا نظريا إذا لم تحسم الثورة السورية فمن المرشح أن تلتهب خارج الحدود لتصل إلى لبنان والعراق وتركيا، ثم الداخل الروسي نفسه، فالثورة السورية بتدخل حزب الله مدعوما بروسيا فتح الجبهات وأزال حدود التماس بشكل خطير.

مع كل أزمة اقتصادية عالمية كبرى تقوم «حرب» أو «حروب» مصغرة ليستفيد منها الكبار، هكذا تعلمنا دوما عجلة التاريخ.

سيناريو مرعب لما يحدث في سوريا، ولكن يستحق التأمل والتدبر بعمق

عبدالله هادي
09-06-2013, 12:32 AM
سندفع ثمن خذلان الشعب السوري

لم ينبس الأمين العام للجامعة العربية بكلمة واحدة، ولا منظمته العتيدة، طوال خمسة وأربعين يوما دام فيها حصار بلدة القصير السورية، ثم سكت طوال عشرين يوما من عمليات القصف والتدمير والقتل للبلدة التي يسكنها أربعون ألفا!

ومعظم الحكومات العربية هي الأخرى لم تفعل شيئا منذ عامين من الذبح والقتل، حيث اكتفت بالفرجة عن بعد. وبعد هذا كله يلوم البعض الغرب والشرق لماذا لا يتدخلون لنجدة السوريين؟!

لو كانت هناك عزيمة حقيقية لما كانت هناك مأساة من الأساس، ولو كان هناك إحساس بقيمة الإنسان، وحرص على لجم المجرمين لما استمر النظام في سوريا يبطش بالناس ويدمر المدن ويهجر الملايين من المدنيين الأبرياء، والآن يقطع البلاد كما يشتهي من أجل إعادة رسم الخريطة من جديد. ونظام بشار الأسد يعتقد أنه قادر خلال عام أو عامين على تصدير مشكلته عبر الحدود باللاجئين والسلاح والميليشيات، يريد تغيير خريطة لبنان السياسية، وإسقاط النظام الأردني، وتخريب تركيا بالفتن، ونقل المشكلة للسعودية والعراق والبقية.

ما الخطأ الذي يحدث؟

بدأ بعدم الإحساس بحجم الظلم الذي يقع على الشعب السوري، وعدم الإحساس بالمسؤولية، واللامبالاة حيال حماية الأمن الإقليمي، وعدم الشعور بالخطر الهائل الذي ستجلبه لنا تدخلات إيران وحلفائها، وعدم قراءة أو فهم مخاطر الواقع الجديد الذي يبنى أمام أعيننا.

بداية، لا توجد معايير تحاسب عليها المنظومات الإقليمية عندما تتقاعس، مثلا هل قتل خمسة آلاف شخص يستوجب الشجب أم التدخل؟ هل تشريد مليون إنسان يجيز لدول المنطقة حق التدخل لمنع الكارثة؟ هل استعانة النظام بقوات وميليشيات خارجية ضد شعبه تستوجب منح هذا الشعب المضطهد حق الدفاع عن نفسه ومناصرته بقوات نظامية إقليمية؟

أعرف أن ليس كل الدول العربية تملك المعايير الأخلاقية أو السياسية التي تدفعها للتدخل، بل العكس تماما. نعرف أن الجزائر والعراق يساندان النظام السوري بلا حياء. وندري أن مصر والسودان يناصران نظام الأسد كذلك لكن بدرجة أقل. ومعظم البقية تعتقد أن سوريا تقع في إقليم بعيد في العالم، وليست من مسؤوليتهم.

الجامعة العربية، فقط بعد أن دمرت القصير، أصدرت بيانا تشجب الجريمة! وها هي جحافل النظام، وميليشيات حزب الله، وفيلق القدس الإيراني، وعصابات عصائب الحق العراقية، مع مستشارين روس وكوريين شماليين تبدأ الآن الزحف على درعا وحمص والغوطة تريد استعادتها بعد أن حررها أهلها من قوات النظام خلال العام الماضي.

ألا يبرر هذا الكم الهائل من القوى الخارجية مع قوات النظام التي تستخدم كل الأسلحة الثقيلة التدخل المضاد بدلا من إصدار بيانات العزاء؟ ألا تشعر دول المنطقة أن سوريا بوضعها الحالي تشكل خطرا عليهم، لأن تشريد خمسة ملايين سوري لن يهدد فقط بإسقاط نظامي الأردن ولبنان، بل كل الدول الواقعة في دائرة العنف الإقليمي؟ من كان يتصور أن تتعرض تركيا، البلد الكبير والأقوى عسكريا، والمحمي من الناتو، والمزدهر اقتصاديا، والمستقر سياسيا لهذه الهزات المفاجئة؟ ما يحدث في تركيا، سواء في ميدان تقسيم أو الاشتباكات الحدودية، ليس إلا نتاجا للأزمة السورية. خطر الحدث السوري يهدد الجميع وليس أهل سوريا فقط، الخطر أيضا على دول الخليج والعراق ومصر وكذلك إسرائيل.

عبدالله هادي
09-06-2013, 12:33 AM
أميركا وسوريا.. غير صحيح!

حاول مسؤول أميركي رفيع المستوى الدفاع باستماتة عن مواقف بلاده من الأزمة السورية، ملقيا باللوم على المعارضة، رغم إقراره بالقول: «لسنا أغبياء، نعرف أن الحل السياسي غير ممكن من دون تغيير موازين القوى على الأرض»!

المسؤول الأميركي تحدث أمام مجموعة من الصحافيين في لندن، ومن ضمنهم هذه الصحيفة، عن مشاكل عملياتية لدى الجيش الحر منها تخزين بعض الكتائب للسلاح «استعدادا لمعركة ما بعد الأسد»، وأن الجماعات المسلحة لا تنسق في ما بينها، مع تأكيده على أهمية دور رئيس أركان الجيش الحر اللواء سليم إدريس، وقوله للسوريين: «لا تلوموا الأجانب على مشكلة سوريا»، فعلى السوريين «أن يقودوا ثم يساعدهم أصدقاؤهم»! وبحسب ما نشرته هذه الصحيفة، فإن المسؤول الذي كان يتحدث من مقر السفارة الأميركية في لندن يقول: «في الخارج ستجد تمثالا لداويت ديفيد أيزنهاور. هذا السياسي والعسكري الأميركي شغل منصب القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. كان هو القائد الوحيد الذي يعطي الأوامر، والجميع كانوا يطيعونه من دون تذمر أو شكوى. أشرف على التخطيط وعلى العمليات القتالية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا. لم يقل له البريطانيون إنك غير كفء، ولم يتذمر الفرنسيون من قيادته. كانت القيادة المشتركة لقوات الحلف الوسيلة الوحيدة للتغلب على ألمانيا النازية»! وأضاف: «لا يوجد للأسف مثل هذا الأمر في الجيش السوري الحر! على السوريين الارتقاء لمستوى ثورتهم والتعاون فيما بينهم، وهذا أمر لا نستطيع، نحن الأميركيين، تحقيقه لهم». فهل هذه مقارنة دقيقة؟ الإجابة: لا! فالمعارضة السورية لم تجد دعما دوليا حقيقيا لتتوحد كما حدث مع المعارضة الليبية للقذافي بجهد دولي، أو المعارضة العراقية قبل الغزو الأميركي، والمفارقة هنا بحديث المسؤول الأميركي نفسه أن أيزنهاور كان «القائد الوحيد الذي يعطي الأوامر، والجميع كانوا يطيعونه من دون تذمر أو شكوى. أشرف على التخطيط وعلى العمليات القتالية»! فأين أيزنهاور الأميركي اليوم الذي يقود الحلفاء ويخطط، ولو سياسيا، في سوريا؟ وأين أيزنهاور الذي يعي ضرورة دعم المعارضة بالسلاح، وضرورة توحيد قياداتهم؟ لا وجود له بالطبع! ولذلك فإن حديث المسؤول الأميركي لا يستقيم، فالأسد نفسه استشعر حجم ورطته وضعفه وسلم دمشق لقاسم سليماني، والقصير لحسن نصر الله، واكتفى بدور العلاقات العامة عبر المقابلات التلفزيونية، بينما يقف اليوم اللواء سليم إدريس وحيدا بلا دعم حقيقي من المجتمع الدولي، وأميركا تحديدا، أي دعم بالسلاح!

ولذا فالقصة اليوم ليست أن المعارضة لا ترتقي لمستوى المسؤولية، بل هي في تراجع أميركا عن لعب دور القيادة، وهو ما استوعبه الروس والإيرانيون، حيث قاموا بإرسال الأسلحة لإنقاذ الأسد. هذه هي الحقيقة، أما ما تحدث به المسؤول الأميركي، فإنه يدين واشنطن أكثر من كونه يبرئها.

عبدالله هادي
09-06-2013, 12:35 AM
سر العقدة الروسية في الشرق الأوسط

هل الموقف الروسي من الأزمة السورية مُحير؟ أظنه كذلك، فكلما قلبت الأمر كي تعرف لماذا هذا الموقف الذي لا يعبأ بالسياسة كما لا يعبأ بالأخلاق، أمام نهر الدم المتدفق والتخريب غير المسبوق في المدن والقرى السورية، تظهر لك الكثير من الاحتمالات التي لم تعد خفية على المحللين.

أردت أن أعرف لماذا هذا الموقف من طريق آخر، قلبت من جديد كتاب يفغيني بريماكوف الرجل الذي عاش في الشرق الأوسط كمراسل صحافي لجريدة «البرافدا» في أهم مرحلة تحول بعد ثورات العسكر العربية، ثم ترقى في الإدارة السوفياتية حتى وصل إلى منصب وزير خارجية ثم رئيس وزراء لفترة قصيرة، جاء من نفس المؤسسة التي ينتمي إليها الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، وهي جهاز المخابرات السوفياتية، الرجل في فترة الخمسينات أنجز أطروحة دراسية كان عنوانها (نشأة الشركات الغربية في الجزيرة العربية) وهذا دليل على الاهتمام المبكر للرجل الأوكراني بريماكوف لمركزية المصالح الغربية في الصراع على النفوذ والموارد في الشرق الأوسط، لم يكن أحد من العرب المهتمين يزور موسكو في العقد قبل الأخير من انهيار الاتحاد السوفياتي، إلا ويكون اللقاء والحديث مع بريماكوف الخبير مطلوبا وضروريا.

كاتب هذه السطور لم يكن الاستثناء، فأنا أحتفظ في أوراقي بمقابلة طويلة في مكتبه وسط الثمانينات، عندها كان مديرا لمعهد الدراسات الدولية في موسكو، وكانت مقابلة ساخنة، الرجل يتكلم العربية بطلاقة، كما كان التوقيت فترة حرب ضروس بين العراق وإيران، ولم يكن أحد يتصور حتى في أكثر خيالاته جموحا، أن الاتحاد السوفياتي العظيم سوف ينهار إلى شظايا بعد سنوات، كان موقف الدولة السوفياتية هاما.

الحديث وقتها عن مساندة الاتحاد السوفياتي لإيران في حربها التي امتدت وقتها لسنوات، كنا في الخليج نسمع أصوات المدافع ونشعر بحرارة الحرب، قلت للرجل إن موقف الاتحاد السوفياتي من تسليح إيران مُحير، فهي صديقة للنظام العراقي وتسلح عدوه! رأى يفغيني بريماكوف وقتها لم يكن ملتبسا، كان يرى أن إيران أهم كثيرا من العراق بالنسبة للاتحاد السوفياتي، وأن تسليحها يأخذ أولوية عندهم، لسبب مهم جدا من وجهة نظره، وهو أن إيران مضادة جذريا للمصالح الغربية في المنطقة، أما العراق فتحكمه مجموعة برجوازية ضيقة الأفق، يمكن أن تغير رأيها في أي وقت في المستقبل!

يسطر بريماكوف في كتابه الذي صدر عام 2009 وهو بعنوان (روسيا والعرب) من جديد هذا الموقف الذي يملي على روسيا التي ورثت الاتحاد السوفياتي الموقف الاستراتيجي ذاته، فأي موقف لدولة في الشرق الأوسط معاد للغرب، هو فرصة سياسية للروس، عليهم التقاطها وتعظيمها لتوسيع نفوذهم.

في فصل من فصول الكتاب يقول بريماكوف إن (المتشائم هو شخص متفائل ولكنه يعرف أكثر) والمعنى هنا واضح المعالم لا لبس فيه، فالصراع من منظور موسكو هو صراع مصالح بين الشرق والغرب، المتمثل في مطامح روسيا سواء كانت الإمبراطورية أو الشيوعية أو حتى شبه الرأسمالية كما هي اليوم في الوصول إلى المياه الدافئة، وهم يعرفون الكثير عن المصالح الكبرى المحققة، وأن من يقف أمام هذا الطموح، ليس الدول الصغيرة المكونة لأرخبيل الشرق الأوسط، ولكن القوة الغربية التي وصلت في وقت ما إلى طرد الروس حتى من حدودهم الجنوبية ومناطق نفوذهم التقليدية، أفغانستان وما حولها.

من هذا المنظور الاستراتيجي الواسع علينا أن نفهم الموقف الروسي اليوم من مأساة الاقتتال في سوريا ومن إمكانية تفجر المنطقة حول سوريا أيضا، الفوضى تصب في مصلحتهم.

يقابل هذا الموقف الروسي الذي (يعرف أكثر) وهو من صلب قناعة جهاز المخابرات السوفياتي الذي أنتج كلا من بريماكوف وأيضا فلاديمير بوتين، الموقف الأميركي الذي يعتريه خوف مرضي (سندروم) ناتج من التورط السابق في كل من أفغانستان والعراق، كمثل السندروم الذي اعترى السياسة الأميركية لفترة طويلة بعد حرب فيتنام، التي قررت بعدها الولايات المتحدة عدم التدخل النشط في المشكلات العالمية إلا من خلال وكلاء محليين، كما حدث في أفغانستان في بداية حربها للوجود السوفياتي. هذا الخوف المرضي هو الذي يفسر تراجع الموقف الأميركي وتقدم الموقف الروسي في الشرق الأوسط، ويعود الإعلام والصحافة الروسيان من جديد إلى (معايرة) الولايات المتحدة، كما يفعل بريماكوف في كتابه السابق الذكر، غمزا من خلال التذكير بأن كذبة كبرى قد ارتكبت في العراق، عندما أكدت الإدارة الأميركية وقتها أن العراق يملك أسلحة فتاكة وكيماوية ولم يقم الدليل على ذالك بعد تحرير العراق، العقدة التي تجد صدى لدى إدارة باراك أوباما اليوم، إلى درجة أن تأكيد الفرنسيين والبريطانيين ولجنة من الأمم المتحدة من جهة، على استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية، يجد أذنا صماء في الإدارة الأميركية، وتريد التحقق والتأكد، ثم التأكد والتحقق!

ليس إذن الموقف الروسي الحالي غير المبالي بالاقتتال البشع والآلاف من الضحايا السوريين وقصف المواطنين السوريين بالطائرات والأسلحة الثقيلة وتدخل قوات منظمة من خارج سوريا، إلا جزءا من التردد الأميركي الذي كان أوضح قول فيه ما صرح به جون كيري وزير الخارجية الأميركي، إننا تأخرنا في التدخل، وما زالوا - رغم ذلك التصريح - يفعلون. إنهم يعرفون (أقل)!

إذا انعقد مؤتمر جنيف، وأرى صعوبات كؤود أمام ذلك - إن انعقد، فهو تتويج للجهد الروسي في إبقاء النظام، وهزيمة للجهد الأميركي دون منازع، فليس هناك كذبة سياسية في عصرنا أكبر من القول (القيادة من الخلف) لم تخترع تلك العربة السياسية بعد التي تقاد من الخلف إلا في ذهن بعض الهواة في البيت الأبيض، أما على الأرض فالخيار إما أن تقود أو لا تقود. الإصرار على التأكد ثم التأكد من استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري أصبح نكتة من جهة، ودليلا على السندروم المرضي الذي أصاب الإدارة الأميركية في وجه موجة القتل البشع والتمثيل بالجثث وتدفق اللاجئين وتوسيع مسرح الصراع ليفيض على الجوار السوري من جهة أخرى، كل ذلك يعني انحسار النفوذ الأميركي والغربي وزحف النفوذ الروسي الذي لم يتحقق في مرحلتي الشيوعية والإمبراطورية، نراه يقترب إلى التحقق في عهد ورثة ذلك النظامين.

من السذاجة القول أولا إن هناك حربا بالوكالة، فلم يعد للمعسكر الغربي قدرة على خوض صراع ساخن أو ناعم، من دون الولايات المتحدة، كان ذلك حقيقة منذ زمن بعيد، ربما من أيام الحرب العالمية الأولى وزاد مع مرور الزمن، وثانيا من السذاجة تخيل الوصول إلى حل سياسي مع نظام قتل ثلث شعبه ويحاول في الثلثين الباقيين، هي أضغاث أحلام في واشنطن. ليس المطلوب من الإدارة الأميركية خوض حرب، المطلوب منها فقط قراءة واقعية لمسرح العمليات (حتى تعرف أكثر)، وموازنة عقلية بين الخسائر والأرباح، ثم إظهار رغبة حقيقية وتصميم في منع روسيا القيصر الجديد من التمدد. أما الحديث الدبلوماسي والرسائل المرتبكة فهي التي تزيد من تدفق الدم من عروق العرب السوريين وغيرهم أيضا.

آخر الكلام:

تصر بعض وسائل الإعلام الأميركية على قراءة المشهد السياسي في الشرق الأوسط على أنه صراع طائفي، ذلك يريحهم نفسيا، بإلقاء اللوم على مقولة إن المشكلة تاريخية لا يد لهم فيها، ولكن ذلك ليس الحقيقة؛ الصراع جار بين شرائح اجتماعية تريد العيش في العصر، وشرائح تريد البقاء في العصر القديم، وهو صراع اجتماعي سياسي عابر للطوائف، ويرتدي حللا قومية ومصلحية، امتلاك التحليل الصحيح يقود بالضرورة إلى الحلول الصحيحة.

عبدالله هادي
09-06-2013, 12:46 AM
سوريا.. من خدع من؟


تعجل أناس فرتبوا على حسم معركة القصير رؤية تقول إن الصراع الدامي انتهى لصالح النظام، ويرد طرف مقابل فيقول: بل إن ما حدث ليس إلا خسارة جولة. أما الحرب فهي سجال، وستكون الجولة الأخيرة لنا.

ومهما تكن التحليلات والاستنتاجات، فإن الحقيقة الإجمالية المرة والمرعبة هي أن الصراع الدموي في سوريا قد أسفر عن مائة ألف قتيل (في بعض التقديرات)، وأن 54 في المائة من البنية التحتية قد دمر، وأن سبعة ملايين سوري قد شردوا من بيوتهم، إما خارج سوريا، وإما داخلها، وأن هؤلاء المشردين يعانون أوضاعا عصيبة ومهينة في المسكن والمطعم والعلاج والكرامة الإنسانية.

فمن المسؤول عن ذلك كله؟!

والسؤال الأهم هو: مَن خَدَع مَن في هذه القضية الكبرى؟ إن حسابات أساسية قد بنيت على أن الولايات المتحدة الأميركية ستتدخل وتحسم الموقف لصالح المعارضة السورية.

وصحيح أن الموقف الأميركي قد تبدى - في مرات عديدة - وكأنه يتبنى هذا الخيار، أو هذه القاعدة في حسابات الصراع، لكن معظم المعطيات الموضوعية الأميركية لم تكن تشير إلى ذلك.

ما هي هذه المعطيات الموضوعية؟

1) إن الديمقراطيين - بقيادة أوباما - قد قرروا ألا يكرروا مغامرات المحافظين الجدد في أفغانستان والعراق مثلا.

2) في الولايات المتحدة تدهور اقتصادي ومالي.. ويقول خبراء أميركيون إن لهذا التدهور أسبابا كثيرة، في مقدمها أو من أهمها: سبعة مليارات دولار أهدرت في حربي أفغانستان والعراق، وهو مبلغ هبط بحركة النمو درجات عديدة إلى أسفل، وتسبب في عجز الميزان التجاري كما تسبب في ازدياد أرقام البطالة.. و.. و.. و..

3) أدركت القيادة الأميركية الحالية أن حروب المحافظين الجدد في العراق وأفغانستان لم تتسبب في الخسارة المادية الجسيمة وحسب، بل تسببت في «خسارة معنوية هائلة» للولايات المتحدة في العالم الإسلامي، بمعنى أن تلك الحروب زادت صورة أميركا تشوها وقتامة لدى الرأي العام الإسلامي.

ولما كان أوباما – بالذات - قد وعد بتحسين صورة بلاده في أعين مسلمي العالم فهو يحاذر من أن يهزم هدفه بخوض حروب جديدة في العالم الإسلامي.

ولا جدال في حق الولايات المتحدة في أن تبني موقفها على معطيات موضوعية تتعلق بأمنها القومي ووضعها الاقتصادي، وبصورتها في العالم، بيد أن الجمهورية الأميركية لم تكن واضحة بالقدر الكافي مع حلفائها. بل لوحظ أنها كلما امتعض حلفاؤها من تذبذب موقفها، سارعت إلى إطلاق تصريحات مثل: على الأسد أن يرحل.. الأسد فقد شرعيته.. إلا أن موقفها العملي لم يتسم بالجدية في التدخل العسكري (نحن نصور الحالة ولا نقترح).. وهذا نوع من «الخداع السياسي»، وهو خداع ضخم - في حقيقة الأمر - لكن حجبته عن العيون الرغبات والأماني في التدخل الأميركي المباشر والحاسم: الآن الآن.. وليس غدا!!

من زاوية أخرى، وفي سياق الحسابات الخاطئة أيضا، فإن بعض هذه الحسابات اعتمد على «القياس الخاطئ»، فقد قيس حال سوريا على ما جرى في تونس ومصر على سبيل المثال.

وأخطر ما يقع فيه التفكير - السياسي وغير السياسي - هو تورطه في القياس الخاطئ، أو القياس بلا حسبان الفروق كما يقول المناطقة والفلاسفة.

ونقول بصراحة كاملة: ما كان الحراك الشعبي في كل من تونس ومصر بمستطيع الإطاحة بمبارك وبن علي لولا تخلي الجيش في البلدين عن الرئيسين السابقين، ولولا انحياز الجيشين في البلدين إلى الحراك الشعبي، على حين أن الجيش السوري ظل مواليا لبشار الأسد على مدى الصراع الذي ظل محتدما على مدى أكثر من عامين.. وها هنا تتبدى أسئلة جوهرية، كان ينبغي أن تطرح ويجاب عنها منذ البدء:

أ) ما هي العقيدة التي تربى عليها الجيش السوري؟

ب) ما مدى ولاء الجيش السوري لقيادته السياسية؟

ج) في صراع طويل: إلى أي مدى زمني يمكن أن يظل الجيش السوري متماسكا: كله أو معظمه؟

ثم تصعيدا - وتنويعا - لمنظومة الأسئلة الواجبة كان يتعين طرح أسئلة أخرى: كمفاتح سليمة للحسابات الصحيحة.. من أسباب سقوط صدام ومبارك وبن علي والقذافي أنهم لم يكن لهم حلفاء دوليون أقوياء يدافعون عنهم، أو كان لهم حلفاء تخلوا عنهم بطريقة مفاجئة: لهذا السبب أو ذاك.. وهل يقاس على ذلك وضع بشار الأسد الذي برز الروس والصينيون كحلفاء أقوياء له يدعمونه، وكأنه جزء من ركائزهم الاستراتيجية العالمية؟

في ظل ذلك: ما هو المستقبل والمصير؟

من دون لف ولا دوران، ولا لت ولا عجن نقول: هناك مآلان اثنان للأزمة السورية:

1) أن يستمر الصراع الدامي ويشتد ويحتد حتى تهلك سوريا، ومن فيها، وما فيها.

2) أن يتعزز خيار الحل السياسي الذي تبنته أميركا بالتوافق مع روسيا حول عقد مؤتمر دولي سمي «جنيف 2».

وفي حال تعزز هذا الخيار ليس أمام المعارضة السورية إلا أن تركض بهمة وحرص ودأب في مضمار مباشرة التحضير للانتخابات منذ الآن (بناء على مقولتهم إنها تكافح من أجل سوريا ديمقراطية ذات انتخابات حرة).. ومن صميم التحضير للانتخابات:

1) تحميل حزب البعث (المنافس الرئيس في أي انتخابات قادمة) مسؤولية ما جرى ويجري في سوريا من فقر وتخلف وكبت وسجن وتشريد إلخ.. وبين يدي المعارضة في هذا الشأن «ملف ضخم» لا يتطلب تزيدا ولا افتعالا ولا كذبا.. وإنما يتطلب - فحسب - مهارة في التوظيف والإخراج وجاذبية المداخل إلى نفوس الناخبين السوريين.

2) اعتبار النازحين السوريين في الخارج - وهم بالملايين - «قوى انتخابية هائلة» ستؤثر - بعمق - في نتائج الانتخابات: التشريعية والرئاسية.. واعتبار هؤلاء النازحين قوى انتخابية يستوجب التعامل معهم بهذه الذهنية من الاحترام والمساعدة والتفقد المستمر والراقي لأحوالهم وأحوال عائلاتهم من دون من ولا أذى ولا استغلال سياسي مبتذل يفسد الهدف من كونهم قوى انتخابية كبيرة.

عبدالله هادي
09-06-2013, 04:07 AM
أوباما الانعزالي في سوريا

منذ تولي باراك أوباما الرئاسة الأميركية قبل نحو خمس سنوات، قورن بينه وبين الرئيس الأسبق جيمي كارتر، ووصف بأنه نسخة مشابهة. وتردد هذا التوصيف خلال فترة الاضطرابات في مصر وتونس، لأنه كرر موقف كارتر إبان اضطرابات طهران التي أدت إلى خلع الشاه واستيلاء الخميني على الحكم.

لكن من الإنصاف القول إن أوباما اختار الموقف السليم، حيث وقف على الحياد في مصر وتونس واليمن، وحتى عندما اختار الاشتراك في الحرب مع فرنسا وبريطانيا في ليبيا لإسقاط نظام معمر القذافي، لأنها حركة جاءت من الشارع وضد أنظمة فشلت في تطوير نفسها وصار من الصعب إنقاذها من أخطائها.

إنما في سوريا، اختار أوباما موقفا خاطئا، وله تبعات خطيرة على المنطقة والعالم لاحقا. ترك نظام بشار الأسد، ومعه الإيرانيون وحزب الله، يحاصرون الانتفاضة الشعبية حتى أصبحت تهدد المنطقة. السيناتور جون ماكين أكثر وعيا بما يحدث؛ سوريا حبلى بالكثير من الأخطار، ويفترض أن يكون لبلاده دور قيادي. قال: «الشرق الأوسط دائما أهم من مجرد البترول. للولايات المتحدة أصدقاء وحلفاء في الشرق الأوسط يعتمدون على الولايات المتحدة لأمنهم ويساهمون في أمن واستقرار أميركا بشكل أكبر مما يعرفه الأميركيون. لكنهم سيدركون هذا الدور، صدقوني، إن تأثرت الملاحة في قناة السويس أو إن فقدنا شركاء أميركيين مهمين مثل الأردن».

حاليا، تبذل إدارة أوباما جهدا كبيرا في ملاحقة سفن إيرانية في أنحاء العالم حتى لا تبيع البترول، أو لتفتش حاوياتها لتمنعها من إيصال الأسلحة. المفارقة أن الحكومة الأميركية نفسها تسكت اليوم عن آلاف الإيرانيين الذين يقاتلون في سوريا. هذا التناقض الصارخ بين ملاحقة بضع سفن في أنحاء المحيطات والسكوت عن آلاف المدججين بالسلاح - هو ما يصيب الكثيرين بالحيرة. لم نعرف دورا كبيرا لموسكو في المنطقة منذ عام 1972. ولم تستطع إيران العمل في المنطقة باستثناء لبنان وغزة، بشكل محدود.

هل سياسة أوباما تعلن نهاية مبدأ أيزنهاور الذي صار سياسة الولايات المتحدة منذ عام 1957 والخروج من منطقة الشرق الأوسط ليتركها للروس والإيرانيين؟ وكما أشار ماكين، فأخطار الشرق الأوسط على أمن العالم كانت دائما عظيمة، وما يفعله الإيرانيون في سوريا هو تحويلها إلى ساحة انطلاق لمشاريعهم الإرهابية التي ستهدد الجميع.

الرئيس أوباما، يكاد يكون الرئيس الأميركي الوحيد الذي حظي بمحبة الكثيرين من العرب لأنه جاء إلى منطقتهم وتحدث بلغتهم وآمالهم، وأيد ثوراتهم. اليوم، خسر كل ما بناه بسبب خذلانه لهم في سوريا رغم بشاعة ما يحدث من مجازر ويستخدم في حربها من أسلحة ثقيلة وكيماوية محرمة.

عبدالله هادي
09-06-2013, 04:08 AM
إنهم يتقاسمون سوريا!


ما يحدث الآن في سوريا، وبكل بساطة، هو تقاسم إيراني روسي لبلاد الشام، وأمام أنظار العالم، تفعل إيران ذلك من خلال فيلق القدس وعملائها في المنطقة من حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية، والأمر نفسه تفعله روسيا من خلال استثمار دعمها للأسد، ومواقفها السياسية.

ففي الوقت الذي تجوب فيه ميليشيات حزب الله الأراضي السورية قمعا للثوار، محاولة استعادة ما فقده الأسد، وبحجة تأمين حدود «السلاح الشيعي»، لضمان خط إمداد سلاح حزب الله وإيران، وهو ما سماه حسن نصر الله حماية ظهر المقاومة، تقوم روسيا أيضا بانتزاع حصتها من سوريا وليس في طرطوس وحسب، بل ها هي موسكو تعرض إرسال جنود مراقبة للجولان للفصل بين النظام الأسدي وإسرائيل وذلك بعد انسحاب القوات النمساوية من هناك، مما يعني أن حزب الله، ومن خلفه إيران بالطبع، يقومان باقتطاع جزء من سوريا تأمينا لنفوذهما، وتثبيتا لعميلهما الأسد، بينما تقوم روسيا بتثبيت نفوذها هناك، والفصل بين الأسد وإسرائيل، وذلك لتأمين الطاغية الذي بات يصغر حجمه يوما بعد الآخر في ظل الوصاية الإيرانية الروسية.

هذا ما يحدث فعليا في سوريا بينما المجتمع الدولي مشغول في مؤتمر جنيف 2 الذي ألهتهم به روسيا، ورغم إعلان الأمم المتحدة عن أنه مع نهاية العام سيكون نصف السوريين بحاجة لمساعدة، فإن الاحتلال الإيراني الروسي لسوريا، وتقسيمها، نتيجته للآن هي أن نصف السوريين تحت وطأة التشرد والمعاناة، والنصف الآخر تحت الاحتلال الإيراني الروسي، والمضحك المبكي هنا هو أن المجتمع الدولي لا يزال يحذر من تقسيم سوريا، بل إن الغرب لا يزال يحذر من مغبة التدخل العسكري بسوريا، وخطورة «القاعدة» وفتاوى الجهاد والتكفير هناك، فهل من عبث أكثر من هذا العبث؟ فالتقسيم في سوريا بات أمرا واقعا، وكذلك الخطر الطائفي، والمعاناة الإنسانية حقيقية، وبإقرار الأمم المتحدة التي طالبت بدعم مالي يصل إلى خمسة مليارات دولار للقيام بما اعتبر «أكبر نداء» في تاريخ المنظمة الدولية، وهو ما يفوق حجم المساعدات التي قدمت للعراق، وباكستان، والسودان! يحدث كل ذلك وسط تدفق السلاح الإيراني والروسي، وتدفق مقاتلي حزب الله ومرتزقة العراق، بينما لا يزال المجتمع الدولي مترددا للقيام بعمل عسكري ضد الأسد، فأي تقاعس أكثر من هذا التقاعس؟ خصوصا أن المعارضة لا تقاتل قوات الطاغية وحسب، بل إنها تقاتل غزاة سوريا الجدد، إيران وعملاءها!

والمؤسف أن العرب، وتحديدا الفاعلين وليس المتخاذلين، والمجتمع الدولي، خصوصا أميركا وفرنسا وبريطانيا، لا يتجاهلون معاناة السوريين وحسب، بل إنهم يتجاهلون أيضا عملية تقاسم سوريا من قبل إيران وروسيا، وبالطبع إسرائيل التي أخذت حصتها المتمثلة بمرتفعات الجولان وما زالت تحافظ عليها بمساعدة من الأسد نفسه، وكل هذا يعني مساسا مباشرا بمصالح العرب والغرب، ولا أبالغ إن قلت إنه مساس مباشر بأمنهم واستقراره

م، فعلامَ هذا الصمت، والتردد؟ يا سادة لقد وصلنا لمرحلة: أنقذ نفسك، فماذا تنتظرون؟

عبدالله هادي
09-06-2013, 04:09 AM
رقعة الشطرنج السورية


التعبير برقعة الشطرنج لتوضيح الصراعات الدولية هو تعبير استخدمه مستشار الأمن القومي الأميركي زبغنيو بريجنسكي في كتابه «رقعة الشطرنج الكبرى» وهو تعبير مناسب لوصف تقاطعات السياسة وتعقيدات المصالح وتشابكات الآيديولوجيا وموروثات الماضي التي تدور على الأرض السورية.

للأزمة السورية ثلاثة مستويات: الدولي والإقليمي والداخلي. في الدولي بات معروفا أن روسيا الاتحادية تمتلك رؤية وإرادة وتقوم بالتنفيذ بينما الولايات المتحدة المنكفئة تبدو بلا رؤية ولا إرادة حتى الآن على الأقل، ويبدو أنها قد رضيت بتقاسم النفوذ العالمي والقوة الدولية مع روسيا من جديد، وذلك بعد جدل طويل الذيل دار في الأوساط السياسية الأميركية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وولادة النظام الدولي الجديد أيام بوش الأب حول هل تبقى أميركا قائدة منفردة لهذا النظام أم تساعد على قيام شريك أو شركاء؟ فإن كان الثاني فهل يكون مع أوروبا موحدة أم مع روسيا أم مع الصين؟ فإن كان مع روسيا فهل يكون مع روسيا ديمقراطية أم مع روسيا قيصرية جديدة؟

بين الجهتين تأتي الصين المنحازة لروسيا وإنما مع تطلعات لبناء علاقات اقتصادية أقوى مع أميركا، وكذلك تعيش أوروبا حائرة حيث تمتلك بريطانيا وفرنسا رؤية وإرادة ولكن التنفيذ لديهما رهن بموقف أميركي لم يولد بعد، مع الإشارة إلى أن تعيين سوزان رايس مستشارة للأمن القومي قد يوحي بتغيير ما في الموقف الأميركي.

أما الإقليمي فإن دوافع إيران للسيطرة الإقليمية يقودها مجد قومي فارسي تليد تفتش عنه وتسعى لإنعاشه، وآيديولوجيا ثورية، وطائفية شيعية، وما يعوزها من القوة الاقتصادية المتقهقرة تأخذه من ميزانية العراق الذي يتعافى اقتصاده بسرعة ملحوظة، وتقابلها دول الخليج العربي وتركيا.

أما الداخلي فثمة فريقان؛ الأول، نظام الأسد وقواته المنهكة وخبراء روس وقادة إيرانيون وميليشيات عراقية وحزب الله اللبناني. والثاني، الائتلاف السوري المعارض والجيش الحر وجبهة النصرة ومقاتلون يتوافدون كلما استمرت الأزمة، وأهم من هذا كله الغالبية العظمى من الشعب السوري.

بلغة «الأهلة» في وصف السياسة التي بدأ استخدامها الملك عبد الله الثاني قبل سنوات فإن في المنطقة هلالين؛ الهلال الأول هو الهلال الشيعي الممتد من طهران وعراق المالكي وسوريا الأسد وحزب نصر الله في لبنان، والهلال الثاني هو الهلال الإخواني أو هلال الإسلام السياسي الذي يمتد من السودان ودول الربيع العربي تلك التي يحكمها الإخوان في مصر وتونس أو تلك التي لهم دور بالغ التأثير فيها كليبيا.

تساعد صور الأهلة حين تصورها على الخارطة في التوصيف ولكن محاور السياسة أعقد من بساطة الجغرافيا، ففي اليمن ثمة الحوثيون المنتمون للهلال الشيعي وثمة الإخوان المسلمون الطامحون للسلطة والمنتمون للهلال الإخواني، وكذلك حكومة غزة التي انتقلت من الهلال الأول للهلال الثاني، وهو هلال له علاقات تاريخية وتنظيمية وآيديولوجية مع الهلال الفارسي/ الشيعي، وهو هلال شريك في الدم السوري عبر الصمت الواعي عن الأزمة السورية بل والمساوم بين الدول العربية وإيران.

الجديد هو أنه بدأ يلوح في الأفق هلال ثالث يمكن تسميته بالهلال السني وهو هلال وإن لم يكتمل بعد غير أنه يمكن أن يشكل محور أمان في مقابل الهلالين القائمين، وهو يمتد من تركيا إلى السعودية ودول الخليج والأردن ويمكن عبر شراكات استراتيجية ضم أكراد العراق إليه خصوصا في ظل التفاهم الجديد بينهم وبين تركيا مع تبنٍ واضح ودعم معلن لحقوق الأحزاب والتيارات السياسية والجماعات الشعبية - سنة وشيعة - المضطهدة في العراق تلك التي ترفض رهن القرار العراقي بيد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران.

وبعيدا عن إكراهات الخارطة - كذلك - في تصور الهلال السني، فإن ثمة دولا عربية كالمغرب وإسلامية كباكستان وغيرهما وهي بلدان مهمة ستدعم هذا الهلال الثالث في حال تم خلقه وتبنيه وتثبيت دعائمه.

إن أي استراتيجية لمواجهة الهلال الإيراني يجب ألا تستثني شيئا من عناصر القوة التي تمتلكها هذه الدول، من قوة العلاقات والتحالفات الدولية إلى قوة الاقتصاد إلى قوة البعد الآيديولوجي السني الذي تبرعت بإنعاشه إيران إن لم يكن لدى صنّاع القرار فلدى الشعوب إلى قوّة الردع العسكري إلى قوة الإعلام في تغطية حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري، تلك القوة التي تؤثر عبر نقل «المجازر، التدمير، السلاح الكيماوي» في كثير من المنظمات الإنسانية الدولية القادرة على الضغط على صناع القرار.

ليس ممكنا لدول هذا المحور الجديد في ظل صراعات كبرى تريد إعادة رسم وتكوين المشهد السياسي في المنطقة على حسابها وانطلاقا من استهدافها إلا أن تستفيد وتستعمل كل عناصر القوة لديها لإثبات نفسها كرقم صعب لا يمكن تجاوزه وحماية شعوبها ومصالحها، وأحيانا يحتاج الحلفاء - كما الأعداء - أن يستحضروا ويستذكروا قوتك.

إن لدى هذا المحور كل مقومات النجاح والفاعلية في المشهد الإقليمي والتأثير في المشهد الدولي، وحماية مصالح دوله وشعوبه وحلفائه وإقناع المحاور الأخرى بأن دوله المسالمة والساعية للتنمية والرقي يمكن أن يكون لديها مخالب تحمي وتقي من مثيري الفتن والمتسلحين بالطائفية، ومن هنا ينبغي لهذه الدول أن تصرح أكثر بمواقفها وأن تسمي الأشياء بمسمياتها وأن تتخذ من القرارات ما يحاصر التغلغل الإيراني وأذياله وكمثال فقط يمكن البدء بإعلان حزب الله عدوا محتلا ومنظمة إرهابية وملاحقة استثماراته في دول الخليج وتركيا وطرد العناصر المنتمية إليه ومحاصرته بكل الإمكانات.

يعيش العالم العربي مرحلة ما بعد الدولة القومية والاعتماد على الدولة الوطنية وذلك بحكم تطور تاريخي على المستوى السياسي، وبحكم أن الدول التي كانت ترفع شعار القومية العربية كانت هي أول الكافرين بها على المستوى الواقعي والعملي، فقدمت نموذجا داخليا ديكتاتوريا شرسا ودمويا، وخاصمت الدول العربية التي يفترض أنها تعتبرها شقيقة، وهو ما فعله عبد الناصر في التحريض على الانقلابات السياسية ومحاولة تصديرها، وصدام حسين باحتلاله المشين لدولة الكويت، وبشار الأسد بتركه العرب جملة وتفصيلا وانخراطه التام والكامل في المشروع الفارسي الإيراني.

حين يعلن الهلال الإيراني أنه «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» يجب أن يعلن الهلال السني أنه «لا صوت فوق صوت العقل»، والعقل كما ينحاز للحكمة حينا فهو ينحاز للحزم أحيانا.

عبدالله هادي
09-06-2013, 04:11 AM
وهم وإيهام وتهاويم


«تكلم لكي أعرفك» مقولة قديمة وصحيحة. من المستحيل أن يتكلم شخص بغير أن تعرف درجة ثقافته ومنهجه في التفكير وربما أخلاقياته أيضا، ولقد تكلم الرجل في قصر الرئاسة بعد أن تقمص عدة شخصيات في وقت واحد، وكان السؤال الذي يبحث المجتمعون عن إجابة له هو: ما هو السلوك الواجب اتخاذه مع إثيوبيا بشأن السد الذي بدأت خطوات بنائه؟

وما يجعل الإجابة صعبة هو أنه لا أحد يعرف على وجه اليقين مدى خطورته على مصر أو فائدته إن كانت له فائدة. ولكن المتكلم وهو زعيم سياسي تكلم عن مشروع جديد هو كيفية إخافة إثيوبيا والإثيوبيين، واقترح خطة جديرة بأن تتحول إلى مسلسل تلفزيوني مسلٍ للغاية، منها أن نسرب أخبارا تقول: إن مصر بسبيلها إلى شراء طائرات تموين في الجو، يا للذكاء.. وبذلك «يتوهمون» أن الطائرات المصرية قاذفة القنابل تخطط لضرب هدف بعيد ما يتطلب تموينها في الجو، بالطبع الهدف معروف، عندها يشعرون بالرعب ويأتون صائحين: خير يا جماعة.. مش حانبني السد.. خلاص.. إذا كان السد ها يفسد العلاقة بينا.. بلاش منه..

المتكلم هنا يكشف عن آليات في التفكير يشاركه فيها عدد كبير من النخبة السياسية والثقافية، لا يوجد واقع أو حقائق على الأرض، فقط توجد الأوهام والإيهام والتهاويم، كل ما تريده سأقوم بإيهامك به، وسأوهم به العدو والصديق أيضا، سأوهمك بأنني أفعل كذا وكذا بينما أنا عاجز عن فعل أي شيء. سأوهمك بأنني مهتم بمياه النيل، وبأنني مهتم بما سنفقده منها، وبأنني أقوم بعمل مشاريع عملاقة، وأوهمك بأنني أقوم بتعليم أولادك، وأوهمك بأنني أبحث عن قتلة شبابك، وسأقوم بإيهامك بأن الأمن مستتب وأن البلد حالها عال العال. سأوهمك بأنني معارض، وسأوهمك بأنني مؤيد. سأوهم النظام بأنني معه، وسأوهمك أنت بأنني ضده.

ولو أنني كنت حاضرا جلسة الأوهام هذه لزايدت على الجميع وقلت: الزميل الذي يتكلم عن تسريب أخبار بشراء مصر لطائرات تموين من الجو، ما زال يفكر في معطيات الحرب العالمية الثانية، توجد الآن محطات بنزين فضائية تستخدم في تموين الصواريخ بينما هي في طريقها إلى المريخ، ليس هذا فقط.. سوف يعلن قريبا عن محطات سولار فضائية لتموين المايكروباصات الطائرة، هذه المحطات تابعة لـ«ناسا» هيئة أبحاث الفضاء الأميركية، يعني تابعة للحكومة الأميركية، وأنا أعتقد أن علاقتنا الطيبة بأميركا سوف تتيح لنا الحصول على موافقتها بسهولة، وحتى إذا لم توافق، فنستطيع أن نملأ الطائرات «بجراكن» بنزين تتيح لها الطيران من دون توقف إلى أبعد مكان في أفريقيا ثم العودة سالمة.. وهناك عمليات ليست مكلفة، أن تتسلل - مثلا - مجموعة عمل إلى إثيوبيا وتختبئ في الغابات وتخرج ليلا لتقول لأي مسؤول: بِخْ.

عندها تصلهم رسالتنا، ويتأكدون من أننا جادون في معارضتنا لإنشاء هذا السد. هناك بالطبع خطط أخرى لن أعلن عنها بعد أن عرفت أن هذه الجلسة مذاعة على الهواء.

عبدالله هادي
10-06-2013, 10:03 AM
العقم الفكري و«سوفت وير» الإخوان


نعرف عن الإقصاء الفكري، ولكن ماذا يعني الإخصاء الفكري؟ الإخصاء الفكري باختصار هو أنك تمارس عملية التفكير، وربما تستمتع بها ولكن من دون إنجاب، أي أن نتيجة هذه الممارسة الفكرية هي مزيد مما يهيئ لنا أنها أفكار، ولكنها أفكار غير مفيدة وغير بناءة. هي مجرد تفكير للتفكير، ولكن نتيجة هذا التفكير شبه معدومة. هذا ما يحدث في مصر في ظل حكم «الإخوان المسلمين»، حيث انتهى «الإخوان» من عملية الإقصاء ودخلوا على مرحلة الإخصاء.

بدأ مشروع «الإخوان» في مصر بمحاولة تفكيك الثقافة القائمة وتحويلها إلى ثقافة إخوانية، عن طريق إقصاء كل من هو ليس من «الإخوان» في وزارات التعليم والثقافة والإعلام، أي في الوزارات التي تشكل العقل الثقافي المصري. كما هو واضح في حالة الاعتصام الذي يقوم به المثقفون في مصر في مكتب وزير الثقافة الإخواني الجديد، والرافض لممارساته التي تقصي العديد من كبار المثقفين في مصر. الإقصاء في وزارات التعليم أيضا يسير على قدم وساق. حيث يجري ليس فقط عملية إحلال وتجديد لقيادات وزارة التعليم، بل إحلال رجال «الإخوان» بدلا من القيادات التعليمية القائمة، ومعه أيضا تجديد المناهج ليحل الكتاب الإخواني بدلا من الكتاب السابق، أي أن يدخل سيد قطب وحسن البنا وزينب الغزالي مقررات التاريخ والمطالعة في المدارس الابتدائية حتى الثانوية. ممارسات كلها تصب فيما يمكن تسميته بتغيير «السوفت وير»، أو البرامج المحملة في عقول المصريين، إلى سوفت وير الإخوان.

سوفت وير الإخوان الذي تركبه المدارس ووسائل الإعلام الحكومية في عقول المصريين هو ما يمكن تسميته بالإخصاء الفكري، أي الترويج لأفكار غير قادرة على الإنجاب، بمعنى أن يستمتع الفرد بما يظنه تفكيرا أو أفكارا ولكن المحصلة صفر كبير في النهاية. سوفت وير الإخوان تدشنه أيضا وزارة الثقافة التي يعتصم كبار المثقفين ضد وزيرها لليوم السادس حتى الآن.

سوفت وير الإخوان أو البرنامج المراد تركيبه في عقول المصريين من خلال المدرسة والتلفزيون والصحيفة ووزارة الثقافة هو المرحلة الثانية بعد الإقصاء الجسدي للعاملين بالوزارات التي تنتج أو تعلم التفكير، وتحويلها إلى مجرد أدوات لترديد مقولات «الإخوان»، حفظا وتلقينا يؤدي في النهاية إلى الإخصاء الفكري أو الإحساس بأن الشعب يفكر، ولكنها أفكار لا تنجب أفكارا أخرى؛ لأنها عقيمة أو أفكار خصي.

السائد في مصر الآن هو تحبير وتسويد للأوراق من خلال مقالات تقرأها للوهلة الأولى فتجد فيها كل عناصر التشويق والرغبة، ومتى ما انتهيت من قراءتها وسألت نفسك ماذا قرأت؟ تكتشف أنك لا تذكر شيئا من المقال؛ لأنه مقال خصي لأفكار خصي لا يتوالد ولا يولد عندك ردة فعل. مقال يشبه المقال ولكن لا فكرة فيه.

ما ينطبق على الكتابة ينطبق على برامج التلفزيون، حيث تستمع لأكثر من ساعة لحوارات «التوك شو»، وقد تستمتع بعبارة هناك أو مناوشة كلامية هناك، وما إن تمضي الساعة وتسأل نفسك عما سمعت وماذا تتذكر مما قيل طوال كل هذا الوقت تكتشف أنه لم يعلق شيء في رأسك؛ لأن «التوك شو» هو من النوع الخصي، كلام متراص إلى جوار بعضه لا ينجب ولا يولد ردة فعل لديك. أما الزبد فيذهب جفاء، ولا شيء هناك يمكث لا في الأرض، ولا في الذهن من كل هذا التكرار السقيم لكليشيهات تلوكها الألسنة كل يوم.

عملية الإخصاء الفكري حدثت سريعا في مصر لأن فيها مقايضة قاسية قد تمت ما بين الإقصاء والإخصاء. فمثلا لو أن إنسانا نام يوم 25 يناير (كانون الثاني) 2011، ثم استيقظ الآن ونظر إلى الشاشات المصرية لما عرف أن ثورة قد قامت. فالوجوه على الشاشات من المذيعين ومقدمي برامج «التوك شو» هم ذات الوجوه ونفس الأشخاص ممن كانوا يظهرون على تلفزيونات النظام القديم، واليوم يظهرون على تلفزيونات الحكومة والتلفزيونات الخاصة أو الفضائيات الخاصة. والفضائيات تبدو وكأنها مأخوذة ليس من معنى الفضاء، وإنما من معنى «الكلام الفاضي» أو الكلام الخصي. الوجوه نفسهاعقدت صفقة من أجل البقاء أساسها «نقبل بالإخصاء الفكري من أجل استمرار وجوهنا على الشاشات». إذن بالنسبة للرجل الذي نام يوم 25 يناير وصحا اليوم لا شيء تغير في مصر المحروسة: الوجوه على الشاشات هي الوجوه ذاتها والأقلام في الصحف هي ذات الأقلام، ولكن بأفكار خصي ومقالات خصي تمنحك الإحساس بالتفكير وبنشوة الكتابة، ولكنها وجوه ومقالات غير قادرة على الإنجاب.

عبدالله هادي
10-06-2013, 10:04 AM
ما خطب تركيا؟


ألقى السلطان سليم المفضل لدى أردوغان هذه القصيدة الشهيرة بالفارسية: «يتسع البساط لرجلين متصوفين، لكن لا يتسع العالم لملكين». وقرر أردوغان أن يطلق على الجسر الثالث المقرر إقامته على خليج البوسفور في اسطنبول اسم السلطان سليم. مع ذلك يبدو أن تركيا لا تتسع لأردوغان والمتظاهرين معًا. المثير للاهتمام أن السلطان سليم الأول مثار جدل، حيث يقال إنه أمر بقتل 45 ألف شخص.

ولم تكن تركيا تتسع للسلطان سليم، لذا قتل أخيه وأمر بمذبحة ونقش اسمه على صفحة التاريخ كديكتاتور عظيم ومحتل للأراضي بما فيها مصر. ولو كان أردوغان حكيما، لكان اختار إطلاق اسم الرومي على ذلك الجسر؛ فالرومي يمثل جسرا بين الشرق والغرب وبين المسلمين بعضهم البعض. ونحن في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة إحياء أفكار الرومي لا شخص مثل السلطان سليم.

ما الذي يكمن وراء التظاهرات الحالية التي تشهدها تركيا؟ هناك عدة أسباب للأحداث الحالية في تركيا. وليست المشاكل الاقتصادية من بين تلك الأسباب، فالاقتصاد التركي ناشئ وتركيا عضو في مجموعة العشرين. ويوجد في تركيا طبقة وسطى قوية. لذا ميدان تقسيم لا يشبه ميدان التحرير بأي حال، ولا يوجد بوعزيزي في تركيا لا حقيقي ولا مصطنع. ولا ينبغي النظر إلى الأحداث الأخيرة على أنها ربيع تركي، فتركيا متفردة من هذه الجهة.

أعتقد أن هناك بعض التناقضات في بنية الهوية السياسية في تركيا. إذا تصورنا تركيا مجازا إنسان، فسنرى أحيانا بعض البقع على جلده، لكنها ليست تافهة، بل عرض لمرض متغلغل. وتمثل العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين موضع تناقض أساسي في تركيا. ويؤدي هذا التناقض إلى نتيجتين في شكل ونمط الحياة وفي أسلوب الحكم.

أعتقد أننا نستطيع رؤية أعراض هذا المرض في مظاهرات متنزه غيزي بإسطنبول والتي بدأت يوم 31 مايو (أيار) وما أعقبها من تظاهرات في مختلف أنحاء تركيا.

فلنلق نظرة على تاريخ تركيا المعاصر. في 28 فبراير (شباط) عام 1997، عقد مجلس الأمن القومي التركي، الذي يتكون من الرئيس، سليمان ديميريل، ورئيس الوزراء، نجم الدين أربكان، وثلاثة وزراء وستة جنرالات، اجتماعهم الشهري الذي أسفر عن انقلاب على رئيس الوزراء أربكان. وتم اتخاذ بعض القرارات ومنها منع دورات تعليم القرآن وإغلاق مدارس الإمام الخطيب التي كانت تقدم خدمة التعليم للطلبة الذين لم يكملوا الصف الثامن. ويوضح البيان الصحافي للمجلس سبب الاجتماع من خلال التأكيد على أن «العلمانية في تركيا ليست فقط ضمان للنظام السياسي بل أيضا طريقة حياة». (العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين، أحمد كورو، الصفحة 161). لم تدم القرارات، التي تم اتخاذها في ذلك الاجتماع، سوى سبع سنوات، ففي عام 2011، أسس أردوغان وأتباعه حزب العدالة والتنمية. وكان هذا يمثل بداية فصل جديد في تاريخ تركيا. لقد كان أردوغان عمدة إسطنبول في ذلك الوقت، وتم الحكم عليه بالحبس لمدة عشرة أشهر لإلقاء قصيدة قبل أن يصبح في النهاية الرجل الذي غير الوجه السياسي والاجتماعي لتركيا خلال العقد الماضي.

أعلن الجنرال حسين كيوريك أوغلو، رئيس الأركان التركي، أن عملية 28 فبراير (شباط) سوف تستمر ألف عام. وتبين فيما بعد عدم صحة ذلك، فإمكانية القيام بانقلاب عسكري في تركيا انتهت من الوجود إلى الأبد. ونسمع هذه الأيام في رسائل أردوغان توجها واضحا نحو الإسلام. وصرح أردوغان قائلا: «أي كان الدين الذي نتحدث عنه، إذا أمر بشيء هل يمكن لكم الاعتراض عليه؟ إذا احترمنا تشريع يسنه مخموران، لماذا نشعر أنه يجب معارضة قانون يفرضه علينا الدين؟».

على الجانب الآخر، اكتشف العلمانيون الانتقاد الخطير الذي يوجه لسياسات أتاتورك. من الواضح من هو الشخص الذي يشير إليه أردوغان، حيث يعتقد كثيرون أن واحد من المخمورين هو مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية العلمانية. مع ذلك يظل الكثير من الأتراك متمسكين بذكرى أتاتورك ويتأثرون عند ذكر اسمه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. لذا كان حتميا أن يندلع شيئا ما بسبب ملاحظات وتلميحات أردوغان خاصة عندما تكون متضمنة إشارات إلى نمط الحياة العلماني.

وتوضح أحداث متنزه غيزي جذور التناقض الذي تعيشه تركيا حاليا. قُتل ثلاثة أشخاص وأصيب الآلاف ولا تزال المظاهرات مستمرة. الخطة الخاصة بمتنزه غيزي هي هدم مركز كمال أتاتورك وإقامة محله مسجدا ضخما. كذلك سيتم تسمية الجسر العملاق الثالث على البوسفور باسم السلطان سليم الأول. وتحمل هذه الخطوات رسالتين قويتين إلى العلمانيين والعلويين. والمثير للاهتمام أن بعض المعلومات، التي نشرت على الـ»فيس بوك»، تشير إلى أن صهر أردوغان، بيرات البيرق، يضطلع بدور مهم في مشروع متنزه غيزي. وبيرات رجل أعمال تركي والرئيس التنفيذي لشركة «غاليك هولدينغ غاليك» وهي واحدة من كبرى المؤسسات التركية. وليس مشروع متنزه غيزي هو المشروع الوحيد المثير للجدل الذي تنفذه الحكومة. وسيتأثر الشباب التركي الآن بخطة حكومية أخرى، تتضمن منع بيع المشروبات الكحولية والتقبيل في الطرقات العامة. ولم ينتبه أردوغان بشكل كافي إلى جذور التظاهرات، فهو لا يرى أن «متطرفين محليين» فحسب، بل أيضا «قوى أجنبية» هي التي وراء التظاهرات التي أثارتها حركة إنقاذ متنزه غيزي في إسطنبول.

في الثالث من يونيو (حزيران)، في مطار أنقرة وقبل الذهاب إلى المغرب، قال أردوغان إن «أجهزة الاستخبارات» ستحقق في الأيدي الأجنبية الضالعة في الأحداث الأخيرة. وأعتقد أن الرئيس عبد الله غل كان محقا عندما أشار إلى ضرورة النظر إلى التظاهرات في تركيا باعتبارها أقرب إلى حركة «احتلوا وول ستريت» منها إلى «الربيع العربي». على عكس الدول العربية أو روسيا، لا تزال تركيا دولة ديمقراطية تجرى بها انتخابات حرة لا يستطيع أحد تزويرها. وهو النظام نفسه الذي أتى بأردوغان إلى السلطة. وفي ذروة الاحتجاجات السورية «السلمية»، كان رئيس الوزراء التركي يناشد «شقيقه» الرئيس السوري بشار الأسد بالاستجابة إلى طلبات «الحشود المسالمة». أما الآن يناشد القادة الأوروبيون رئيس الوزراء التركي بالتخلي عن عجرفته والإصغاء إلى طلبات المحتجين والتخلي عن خطط بناء مركز تجاري في متنزه غيزي. ويطالب المحتجون بكل شيء بما في ذلك القمر والنجوم. ولا يريد المحتجون مشروعات البناء العظيمة التي يعتقد رئيس الوزراء أنها ستصبح أثارا تدل على عهده.

وصف أردوغان بعض المتظاهرين بـ»المتطرفين» وقال إنه تم إلقاء القبض على سبعة أجانب على خلفية الاضطرابات. وأدلى أردوغان بهذه التصريحات في تونس، ومن المقرر أن يعود إلى تركيا من جولة شمال أفريقيا يوم الخميس الموافق السادس من يونيو (حزيران). ودعت مجموعة كبيرة من المحتجين إلى المشاركة في المزيد من التظاهرات ردا على تلك التعليقات. وكان المتظاهرون يأملون في رؤية مؤشر يدل على قرب التوصل إلى حل وسط، لكن من المرجح أن تصب تعليقات أردوغان الزيت على النار وتزيد حدة الاحتجاجات. وكان الأثر الاقتصادي سريعا، حيث هبطت البورصة بنسبة 5 في المائة تقريبا بعد تصريح رئيس الوزراء.

الجدير بالذكر أن حزب العدالة والتنمية يحكم تركيا منذ عام 2002 وحقق العديد من الانتصارات الانتخابية. وحكومته متهمة بالتسلط الآخذ في التزايد وبمحاولة فرض القيم الإسلامية المحافظة على دولة علمانية. ويمكن القول بإيجاز إن هناك خوف من ظهور سلطان سليم جديد. وأعتقد أن ما يحدث يعد إنذارًا لأردوغان، حيث ينبغي عليه أن يكون مرنًا كالشبكة لا صلدًا كالحجر.

عبدالله هادي
10-06-2013, 10:06 AM
«بريسم» أوباما


هذه الأيام الرئيس الأميركي باراك أوباما انشغل بالتنظير والتبرير لمعضلة كبيرة وقعت فيها أجهزة الاستخبارات الأميركية، خلاصتها: التجسس على كل مكالمات الأميركيين الهاتفية وتواصلهم بالإنترنت. الاسم المختصر لهذا البرنامج التجسسي (بريسم) أو (بريزم)، وهي مشكلة تتضخم، لم يجد أوباما مناصا من الاعتراف بوجود هذا النظام، ثم محاولة التهوين من أمره، وأنه لا يمس الحريات الشخصية للمواطن الأميركي. أوباما «شرح» في سان خوسيه بكاليفورنيا، أن برامج مراقبة الاتصالات من الاستخبارات الأميركية حظيت بموافقة الكونغرس، مؤكدا للأميركيين أن «لا أحد يتنصت على اتصالاتكم الهاتفية». لكن في المقابل، ذكر أنه لا بد من إيجاد «تسوية» بين الأمن والحياة الخاصة.

الرئيس الأميركي يحمل على عاتقه أمن الشعب، وصيانة مصالح الدولة الأعظم في العالم. هذا حق. لكن، ألم يكن هذا الحق مكفولا لدول أخرى في العالم؟

هذا الاستثناء الذي منحه أوباما لسلطات دولته وأجهزته الأمنية، بسبب الخوف من الإرهاب والجريمة، أليس استثناء مباحا أيضا لدول أخرى تخاف نفس الخوف الذي يتملك أوباما ورجاله السريين في الدولة الأميركية!؟

لا ندري، لكن ربما لو تعامل أوباما بنفس هذه الروح «المتفهمة» لما شن حملاته المغرقة في مثاليات الحريات والشعارات البيضاء، الخالية من تعقيدات السياسة، ضد أشخاص مثل مبارك مصر وابن علي تونس. وربما لو عاد به الزمن سنتين، فقط، للخلف، لكان أكثر هدوءا وواقعية منه الآن... ربما. التجسس على اتصالات العالم، هاجس يتملك الجميع، خصوصا من «الأخ الكبير» أميركا، ففي عقود سابقة، كان برنامج «إيشلون» الأميركي - البريطاني، حديث الصحف والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان وحرية الرأي في أوروبا، وهو نظام تجسس موروث من الحرب العالمية الثانية، استمرت أميركا، بالتعاون مع بريطانيا، في تشغيله، للتجسس على الاتصالات الأوروبية، وغيرها، وهو ما تسبب في حنق فرنسا وكثير من الدول الأوروبية. وقيل إن هذا النظام يتجسس على كل «الكرة الأرضية»، كما ذكر وقتها رئيس اللجنة العليا والتكنولوجية بالبرلمان الأوروبي. القصة معقدة والمعادلة صعبة، بين ضمان الأمن «الوقائي» وضمان الحريات الشخصية، هذه حقيقة. الأمن يجب أن يكون دائما متقدما بخطوة على الخطر ومصادره، من هنا أهمية المعلومة، خصوصا في عصر انفجار الاتصالات، لذا واهم من يظن أن الحكومات ستترك الأمور «سبهللا»، لكن يجب على الإنسان ألا يعلم كل شيء يدور حوله في الخفاء، تماما مثل حديث الغيبة الذي يقال عنك وأنت لا تعلم به، لا يصبح مشكلة إلا إذا علمت به من خلال «متبرع» فيصبح نميمة!

(بريسم) في لهجات الجزيرة العربية تعني نوعا غاليا من الحرير، وقد ذكرني هذا اللفظ ببيت من الشعر العامي القديم من وسط السعودية يقول فيه صاحبه موصيا مبعوثه الخاص لنقل الأخبار إلى تجار سوق الميدان في دمشق من أهالي بلدته:

وليا جيت الميدان تأتيك غلمةٍ

تخثّع بزبنات (البريسم) نعالها

يقولون لك يا صاح عطنا علومك

بلدان نجدٍ عقبنا وشْ جرالها؟

عبدالله هادي
10-06-2013, 10:07 AM
أميركا.. وشرعنة الإرهاب الشيعي


بداية، لماذا سارعت الأنظمة السياسية، والأجهزة الأمنية الغربية إلى وصف «جبهة النصرة لأهل الشام» من دون تردد أو تأخير بأنها منظمة إرهابية، وعدم تسمية ميليشيات حزب الله اللبناني التي ارتكبت عدوانا فاضحا بعبور الحدود الدولية وذبح الشعب السوري على أرضه بشكل علني بأنها ميليشيات إرهابية؟! هذا التساؤل لم يصدر عن رغبة في إعادة الاعتبار إلى جبهة النصرة، أو إلى أي مجموعة متطرفة أخرى، بل جاء في سياق تساؤل حول ازدواجية المعايير التي تتحكم في المواقف الأميركية والغربية في تصنيف الإرهاب.
المثير للدهشة والاستغراب أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند طالب مؤخرا من الاتحاد الأوروبي وضع «الجناح العسكري» لحزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية في فصل واضح ومتعمد بين الحزب وميليشياته المسلحة، فهل هناك وجود أصلا لحزب الله بمعزل عن سلاحه وميليشياته العسكرية؟ ولماذا هذا التخاذل الغربي، والمراوغة وطمس الحقائق؟

نعلم أن هناك خيطا رفيعا جدا في تصنيف الغرب لأي منظمة أو مجموعة بأنها إرهابية وأخرى بأنها منظمة مقاومة مشروعة، وهذا الأمر يعود إلى مصالح وأهداف من يقوم بالتصنيف، وإلا كيف لا يعد عبور ميليشيات مدججة بكل أنواع الأسلحة والذخائر الحدود الدولية، والاعتداء على الشعب السوري، وقتل وترويع الآلاف من المدنيين العزل في بيوتهم وقراهم داخل وطنهم إرهابا؟

المؤكد أن حزب الله هو ذراع إيران في الإرهاب والابتزاز والترويع بعد أن سقطت عنه ورقة التوت التي كان يتستر بها ويدعي أنه حركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي في لبنان، هذا الادعاء الذي ساندته ووقفت معه في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي دول مجلس التعاون الخليجي انطلاقا من حسن النيات، فقد عارضت هذه الدول جميع المحاولات لوصم حزب الله بالإرهاب ووقفت في ذلك معها معظم الدول العربية والإسلامية، ولذلك تغاضت عن ارتباطه العضوي بأجهزة المخابرات الإيرانية، وعن سعي قيادة الحزب لتأسيس دولة داخل الدولة اللبنانية، أو حتى فوقها، ولكن تدخل الحزب في الصراع الدائر على الأرض السورية، هو فعل إجرامي فاق جميع التصورات ويمثل نقطة تحول جوهرية في طبيعة الحزب من منظمة مقاومة إلى منظمة إرهابية.

إذا كان تنظيم القاعدة قد شكل دولة في أفغانستان ما قبل اعتداءات 11 سبتمبر 2001م، فإن حزب الله الذي يشكل دولة داخل الدولة اللبنانية لا يهدد فقط أمن واستقرار لبنان فحسب بل جميع دول المنطقة، وإذا كان تنظيم القاعدة يمتلك أسلحة بسيطة، فإن حزب الله يمتلك الآلاف من الصواريخ والقذائف وأحدث ما أنتجته التكنولوجيا العسكرية، وإذا كان تنظيم القاعدة يجند بعض شباب أهل السنة هنا وهناك، فإن حزب الله يجند من الشباب الشيعي في جميع الأرجاء التي تنتشر فيها المجتمعات الشيعية سواء في لبنان، أوالعراق، أوالبحرين، وغيرها، بل من جميع دول العالم التي تحتضن طائفة شيعية مثل دول شرق أفريقيا، وأميركا اللاتينية، وأوروبا، وإذا كان تنظيم القاعدة يقوم بعمليات غسيل عقول الشباب وزرع نزعة التطرف داخلهم، فإن حزب الله يزود الشباب الشيعي بجوازات سفر إلى الجنة على حد زعمه لضمان تجنيدهم في صفوفه، وإذا كانت أذرع تنظيم القاعدة تمتد إلى دول متعددة، فإن حزب الله لا يقف بعيدا عن هذه الممارسة وإذا كان مصدر الحكم الغربي السلبي على تنظيم القاعدة مرده أن التنظيم استهل نشاطه الإرهابي بمهاجمة سفارات أميركا في نيروبي ودار السلام، فإن حزب الله بدأ نشاطه الإرهابي بمهاجمة السفارات الأميركية والفرنسية في بيروت إلى جانب مقر قيادة قوات مشاة البحرية، وله يد مباشرة في مهاجمة مقر القيادة الأميركية في مدينة الخبر السعودية.

إن تنظيم القاعدة لا تحتضنه أي دولة ولا يوجد من يوفر له الغطاء، بل تحاربه جميع دول المنطقة، وعلى رأسها دول الخليج العربي، وعناصره تملأ سجون المنطقة والعالم، في حين أن حزب الله، وبفضل الدعم الإيراني يتمتع ببحر من الامتيازات بما لا تتمتع به دول، وميزانيته المالية تفوق ميزانيات عدد من الدول الأفريقية، وسلاحه يفوق قدرات عدة دول ومنها دولته لبنان، وإعلامه يصدح عاليا دون رقيب، وصناع القرار في العالم يستقبلون قياداته باعتبارهم قيادات شرعية.

عند العودة إلى الموقف الأميركي - الغربي المتساهل مع الإرهاب الشيعي نجد أنه لا يتوقف عند التعامل بهذا الشكل مع حزب الله اللبناني فقط ، فالعالم الغربي يتغاضى متعمدا عن الأحزاب العراقية الشيعية التي مارست الإرهاب علانية، وكانت تفتخر بأنه يمثل جزءا من «تاريخها النضالي» ، فحزب الدعوة الإسلامية الحاكم في بغداد تحت الحماية الأميركية مارس الإرهاب بأمر قياداته الإرهابية التي تتولى اليوم زمام السلطة في بغداد، وحتى يوم وصول الحزب إلى سدة الحكم على ظهر الدبابات الأميركية كان موقع الحزب الإلكتروني يضم قائمة طويلة من الأعمال الإرهابية التي نفذها الحزب ضد أهداف عراقية وعربية خلال الحرب العراقية - الإيرانية دعما للمجهود الحربي الإيراني ضد وطنه العراق. إن التردد الأوروبي في تصنيف حزب الله بأنه منظمة إرهابية ليس مرده قلة المعلومات التي تؤكد طبيعته الإرهابية، بل الخوف من الغضب الإيراني، فهو موقف مصالح وليس موقف مبادئ، ويخلو تماما من المنطق والعقلانية، والعدالة. فمنذ ظهور تنظيم القاعدة في منتصف التسعينات، وخصوصا بعد تنفيذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، أمسى مصطلح الإرهاب في قواميس الغرب ملازما لأهل السنة وحكرا عليهم، ونحن مع إدراج جميع المنظمات الإرهابية على قائمة الإرهاب ومحاربتها دون هوادة، لأننا ننطلق من مبدأ أن الإرهاب عمل إجرامي لا دين ولا طائفة له، لكننا ضد الانتقائية، وأن تكون المصالح، وليس الحقائق هي المعيار، ومن الغريب أن موقف الدول الغربية اليوم يتبع أسس تفكير القاعدة في تقسيم الإرهاب إلى إرهاب «محمود»، وإرهاب «مذموم»، وأن الإرهاب الذي يمارسه من يدعون الانتماء لمذهب أهل السنة هو إرهاب خطير ويعد «تهديدا للأمن والاستقرار الدولي»، وإرهاب الجماعات الشيعية المتطرفة هو «تصرفات خاطئة» تستحق الإدانة وليس العقاب!

ما نشاهده اليوم في السياسة الأميركية، والغربية يؤكد الاستقواء على «الإرهاب السني» والتخاذل أمام «الإرهاب الشيعي»، والكيل بمكيالين وتبني المواقف المزدوجة.

* رئيس مركز الخليج للأبحاث

عبدالله هادي
10-06-2013, 10:09 AM
إعادة هيكلة الخطط الاستراتيجية لدول الخليج في التعامل مع إيران؟



كيف يجب أن نتعامل مع إيران؟ سؤال يتردد كثيرا في الأوساط السياسية مع بروز أي توتر في العلاقات بين إيران والدول العربية والخليجية تحديدا. المراقب لسياسة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يدرك أنها تتبع سياسة الابتعاد عن التدخل في شؤون الغير، وهي سياسة تحاول هذه المنظومة من خلالها تجنب الدخول في صراعات مع دول الجوار، كما أن الدول الخليجية قد اتخذت من استراتيجية السياسة الدفاعية البحتة منهجا لها وهي متأنية إلى أبعد الحدود في ردود أفعالها تجاه أي حدث إقليمي أو دولي. في هذا الصدد، دأبت دول الخليج على التعامل مع دولة مثل إيران بمبدأ حسن الجوار واحترام سياستها في التعامل مع شأنها الداخلي من دون أن تقحم نفسها في «الصراعات المذهبية والعرقية» داخل حدود الدولة الإيرانية والمواجهات التي تحدث في إيران، كما أنها ما لبثت تنادي بحل الملفات العالقة بين الجانبين، وفقا للقوانين والمعاهدات الدولية، وعلى رأس تلك الملفات موضوع الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران.

في المقابل، تنتظر هذه الدول من إيران أن تعاملها بنفس المبدأ، إلا أن الجانب الإيراني يقرأ سياسة دول الخليج هذه بطريقة مختلفة، فهو يرى أن السياسة الدفاعية أو المبنية على ردود الأفعال دون المبادرة، تنم عن عدم قدرة دول الجوار العربي على مجابهة طهران سياسيا وعسكريا مما شجع الساسة الإيرانيين على السماح لأنفسهم بالتدخل في الشأن العربي والخليجي، وما انفك هذا الجار يثير القلاقل والنزاعات داخل هذه الدول ويزرع خلايا تجسسية هنا وهناك، وكذلك اللعب على الجانب المذهبي من خلال تنصيب نفسه مدافعا عن جميع أتباع المذهب الشيعي وكل من تطلق عليهم إيران مسمى «المستضعفين في العالم» وأدرجته ضمن مواد الدستور الإيراني، حيث تؤكد المادة 154 منه على «أن الجمهورية الإسلامية لن تتوانى عن دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في كل بقعة من بقاع العالم». وعبر هذه النافذة تسمح إيران لنفسها بالتدخل في شؤون الغير. في ظل هاتين الطريقتين المتباينتين يجب أن ندرك أن طريقة تفكير الشخصية الإيرانية لا تعترف إلا بأسلوب الندية والتحدي والوقوف بكل جدية في وجهها وما عدا ذلك فكل المحاولات في التعامل مع إيران سيكون مصيرها الفشل والأمثلة في هذا الصدد كثيرة جدا. واستنادا إلى ذلك، فإن مجابهة التدخل الإيراني في الشأن الخليجي لا يمكن أن يتم، من وجهة نظري الشخصية، إلا من خلال قيام هذه الدول بتغيير استراتيجيتها وبشكل جذري في التعامل مع إيران، ولكن ما الخطط الاستراتيجية البديلة التي قد توقف هذه الاستفزازات الإيرانية المتكررة؟

لقد شكل انهيار الاتحاد السوفياتي فراغا استراتيجيا كبيرا في منطقة آسيا الوسطى مما مكن عدة دول، وعلى رأسها إيران، من لعب دور فعال في هذه المنطقة الحيوية من العالم، حيث التقارب الثقافي والعرقي والجغرافي بينها وبين إيران، فهي تنظر إلى بعض دول آسيا الوسطى والدول التي أعلنت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي (مثل طاجيكستان، وتركمانستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان، وكازاخستان، وأذربيجان) باعتبارها «الباحة الخلفية» لها وترى الاقتراب منها خطرا يهدد مصالحها في تلك المنطقة وخطا أحمر لن تسمح طهران بالمساس به، كما تتمتع هذه المنطقة باهتمام خاص في الفكر الاستراتيجي الإيراني. صحيح أن هناك اختلافات أيديولوجية بين معظم هذه الدول وإيران (معظم تلك الدول تتبع المذهب السني)، إلا أن الاعتبارات البراغماتية لإيران تفوق الاعتبارات الأيديولوجية في علاقاتها مع تلك الدول، بعيدا عن أية اعتبارات أيديولوجية أو دينية.

من هذا المنطلق، تستطيع دول الخليج استخدام سياسة التطويق الدبلوماسي والاقتصادي والبدء من هذه النقطة تحديدا ولا أعني هنا التدخل في شأن تلك الدول، ولكن من خلال القوة الناعمة وبناء علاقات متينة معها والقيام بنشاط دبلوماسي من خلال بعض الزيارات لتلك الدول وتوقيع بعض الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية مع دول المنطقة بشكل يسمح لها بالتوسع التجاري والاستثماري طويل الأمد، خصوصا في مجال الطاقة. إضافة إلى ذلك، فإن لدى تلك الدول مخاوف أمنية من مطامع إيران في المنطقة، خاصة وأن بعض الساسة الإيرانيين يطلقون بين الفينة والأخرى تصريحات تؤكد بأن بعض دول آسيا الوسطى جزء لا يتجزأ من الدولة الإيرانية، ويجب إعادتها إلى حضن الدولة الأم، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة في تلك الدول تجاه طهران. كل هذا قد يساعد على بناء علاقات متينة لدول الخليج مع تلك الدول ومحاولة سحب البساط من تحت إيران وتكوين تحالفات جديدة في جمهوريات آسيا الوسطى. هذه الخطوة ستحول إيران، بكل تأكيد، من مركز الهجوم والتدخل في الشأن الخليجي إلى مركز الدفاع عن مصالحها في آسيا الوسطى خشية أن تفقد مكانتها السياسية والثقافية والاقتصادية هناك. الأهم من ذلك كله أن إيران ستبدأ ليس في تغيير نظرتها لجيرانها العرب وحسب، بل ستكون مجبرة على إعادة التفكير في الأوراق التي تستطيع هذه الدول أن تلعب بها قبل أن تتقدم بشكل أكبر وتعامل إيران بنفس الأسلوب، خصوصا أن إيران تعلم جيدا القنابل الموقوتة الكثيرة في الداخل بسبب التركيبة الفسيفسائية التي تشكل البناء الاجتماعي في البلاد.

ختاما، يحتاج مجلس التعاون لدول الخليج العربية لإعادة ترتيب أوراقه وخياراته في التعامل مع إيران وفقا للمتطلبات الجيوسياسية، فنحن لا نستطيع تغيير واقع الترابط الجغرافي بيننا وبين إيران ولكننا نملك حرية تغيير توجهاتنا الأمنية والاستراتيجية الحالية والمستقبلية وتطويرها على النهج الذي يضمن لدولنا مواجهة التحديات على المستويين الإقليمي والدولي، خاصة أن هذه الدول تملك من مقومات تشكيل قوة اقتصادية وسياسية كبيرة متى ما طبقت فكرة الاتحاد الخليجي التي طرحها العاهل السعودي أخيرا، فجميع الظروف مواتية لتطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع، وبذلك سوف يساعدها هذا الاتحاد على إعادة النظر في استراتيجياتها على كل الأصعدة، ومن بين ذلك التعامل مع الملف الإيراني، بطبيعة الحال الذي عانت منه هذه الدول كثيرا ولا بد من أخذه بشكل أكثر جدية وحزما واستثمار عامل الوقت قبل أن تتمادى إيران في تدخلاتها في الشأن المحلي لهذه الدول.

عبدالله هادي
10-06-2013, 10:10 AM
سوريا.. هل بالغنا؟


كتبنا بالأمس أن التقسيم في سوريا بات أمرا واقعا، حيث يتقاسمها الآن إيران وروسيا، فطهران تحتلها من خلال «فيلق القدس»، وحزب الله، والميليشيات الشيعية العراقية، بينما تحتلها روسيا بامتلاكها القرار السياسي اليوم، وبالدعم بالسلاح، وها هي موسكو تعرض حماية الحدود السورية مع إسرائيل لحماية الأسد المختبئ في دمشق!

وعطفا على كل ما سبق، ختمنا مقال الأمس بالقول للعرب، تحديدا، وللغرب: يا سادة، لقد وصلنا لمرحلة: أنقذ نفسك، فماذا تنتظرون؟! فهل كان في ذلك مبالغة؟ بالطبع لا! فعلى من يريد معرفة خطورة تطورات «الغزو» الإيراني، بمساعدة روسية، لسوريا، أن يتأمل حال دولة مثل الأردن الآن! اليوم تجد عمان نفسها غارقة باللاجئين السوريين الذين يفوقون مقدرتها، اقتصاديا، وأمنيا، وفوق كل ذلك يجد الأردن نفسه متاخما للحدود السورية التي تعج بكل ثعالب وذئاب المنطقة، فهناك «فيلق القدس»، وحزب الله، والميليشيات الشيعية العراقية، وهناك السلاح الإيراني والروسي الذي يوزع بمعرفة كل من طهران بقيادة قاسم سليماني، ونظام الأسد بالطبع الذي هدد الأردن مرارا، وسمعنا كيف هدد الأردن قبل يومين بطرد سفير الأسد من عمان، كما أعلن عن إحباط عملية تهريب أسلحة من سوريا للأردن! فما الذي يمكن تخيله مع كل هذه الحقائق؟!

وليس الحديث هنا بالطبع عن ماذا لو انتصر الأسد، فالطاغية إلى زوال، رغم كل محاولات إنقاذه، فنظام الأسد متوفى سريريا، أو نظاميا، لكن الخطورة دائما هي عندما يسير من هو ينزف ومشارف على الموت، كما في أفلام عصابات المافيا، فالمؤكد أن الأسد لن يرحل من دون إحداث أكبر قدر من التخريب في سوريا والمنطقة، وأكبر المهددين بهذا الخراب هو الأردن، لأسباب عديدة، وخصوصا أن إيران من أشد المتربصين بالأردن، وحاولت طهران وتحاول زعزعة استقرار الأردن، أو احتواءه، سواء بالترغيب أو الترهيب، والأمر نفسه فعله نظام الأسد مع عمان، منذ تولى الطاغية حكم سوريا.

وعليه، فهذه هي الصورة الآن، والأردن مجرد نموذج للخطر القادم الذي يمثله الوجود الإيراني بسوريا، وخصوصا أن محاولات كثيرة تمت لجر عمان لحفرة الفوضى العربية بعد زلزال الربيع العربي، والآن الأردن مكشوف على سوريا بكل الذئاب الموجودة هناك، وعندما نقول إن الأردن مجرد نموذج، فعلينا تذكر الجبهات الأخرى الجاهزة للانفجار مثل الحوثيين في اليمن، والمجاميع الموالية لإيران في البحرين، وغيرهم، حيث لدى طهران وفرة واضحة بالعملاء في منطقتنا. ولذا فإن كل الوقائع تقول بضرورة التدخل الحاسم في سوريا الآن، ليس لإنقاذ ما تبقى هناك فحسب، خصوصا مع إعلان الأمم المتحدة أنه في أواخر هذا العام سيكون نصف سكان سوريا بحاجة لمساعدة، بل من أجل تجنيب المنطقة ككل الانفجار الكبير القادم بسبب الطوق الإيراني الخطر، والتقسيم الحاصل في سوريا الآن.

ومن هنا، فإن السؤال الملح هو: ما الذي ينتظره العرب القادرون، والغرب، للتدخل فعليا في سوريا؟! فالخطر يتعاظم، وليس في الأمر مبالغة!

عبدالله هادي
11-06-2013, 03:12 AM
بائع الحدود السيادية


هل التاريخ يسير في خط مستقيم؟ أبدا. التاريخ السياسي والحضاري يسير إلى الأمام. أو يتراجع إلى الوراء، بخطوط ملتوية فيها هناء أو شقاء كبيران للناس.

الحدود هي الخطوط الوحيدة «المستقيمة» في التاريخ الاستعماري الحديث. الحدود الاستعمارية كالسكين. اخترقت الأوطان. الشعوب. القبائل. العشائر، بلا أي فهم. وتعاطف مع علاقات التعايش. القربى. الجيرة. المصالح الوطنية والقومية المشتركة. وبلا حوار. وتشاور مع المحزومين بزنّار الحدود.

ارتسمت معالم العالم العربي وحدوده (النظرية) في وقت مبكر جدا. ولم تكن للاستعمار القديم والحديث يد له في ذلك أبدا، بحيث بات معروفا أن الوطن الناطق بالعربية يمتدد من المغرب إلى العراق. ومن الشام إلى اليمن. مرورا بما يعرف اليوم، بدول الخليج العربي. وهي مساحة تتجاوز اثني عشر مليون كيلومتر مربع، أي ما يساوي مساحة الولايات المتحدة الأميركية.

في العصور الوسيطة، وحتى بعد انهيار الإمبراطوريتين الأموية والعباسية، وفي ظل الدويلات المملوكية. ثم الإمبراطورية التركية التي امتدت أربعة قرون (1516/ 1916)، كان العرب قادرين على الانتقال. والإقامة. والعمل، حيث يشاءون في وطنهم الكبير.

لكن إذا استطعت أن أفلسف نظرية الحدود الحديثة، أقول إن فائدتها هي في تمكين الدولة من رسم السياسة. وترقيم الميزانية. واستثمار الموارد الطبيعية. وتخطيط الاقتصاد. التنمية. الإنتاج. وحصر الكسب أو الخسارة، بالناس المحزومين بالحدود الذين نسميهم «مواطنين».

باستثناء مصر. المغرب. اليمن. السعودية التي رسمت عبقرية التاريخ حدودها. أو كفاحها الوطني الرائع، فالدول الاستعمارية الكبرى هي التي رسمت حدود سائر الدول العربية، بهذا الشكل الهندسي المستقيم. ومن البديهي أن تعاني هذه الدول من مشاكل الحدود الطبيعية أو المصطنعة، فتراوحت العلاقة بين القطيعة الثنائية، والحرب بين أشقاء.

بعد مرور عشر سنوات، على حرب غبية شنتها أميركا على العراق. وأدت إلى انهيار حدود الحائط الشرقي للأمة العربية، وتسليم هذا البلد العربي إلى الهيمنة الأجنبية الإيرانية عليه، يواجه العرب اليوم أزمة حدود كارثية في سوريا. تهدد عروبتها. ودورها القومي. وصلاتها الدينية مع أمتها التي شكلت عمقا. تاريخيا. استراتيجيا، للعرب الخليجيين والفلسطينيين.

في ذروة الحرب العالمية الأولى (1916)، زحف ثوار عرب (سوريون وعراقيون) من مَعَان في جنوب الأردن، إلى دمشق، لتحرير ولاية الشام (سوريا الكبرى) من الحكم العثماني التركي. في العام ذاته، كان لورد مارك سايكس، وفرنسوا جورج بيكو، يرسمان سرا الحدود الاستعمارية «المستقيمة» للشام، خلافا للوعد بمنح العرب الاستقلال، إذا ما تحرروا من تركيا.

وباتفاق الدولتين، و«بعلم وخبر» من روسيا، انتدبت بريطانيا نفسها على الأردن وفلسطين، فيما احتلت فرنسا سوريا ولبنان. غير أن هذه الحدود الاستعمارية تعثرت مرارا. فقد سمحت أوروبا ليهودها باحتلال الجانب الأكبر من فلسطين. وبانتهاك حدود العرب الآخرين. فتراجعت حدود الأردن إلى النهر. ويجري الآن انتهاك حدود القدس الشرقية. والضفة الغربية، بالاستيطان.

الخطوط المستقيمة رسمت حدود الدولة السورية مع تركيا (820 كيلومترا). ومع العراق (600 كيلومتر). ثم انتُهكت هذه الحدود أيضا. فقد أُلحق لواء إسكندرون السوري بتركيا. وكادت تركيا تحصل على محافظة حلب، فيما مُزقت سوريا من الداخل، بإنشاء خمس دويلات، حسب قراءة المستشرقين لطوائفها.

كفاح السوريين لم يتوقف ضد الانتداب الأوروبي. وتمكنوا خلال سنوات قليلة، من إسقاط دويلاتهم المفبركة. وتوحيدها تحت راية العروبة. وكانت الدولة العلوية آخر دولة التحقت بالوطن الأم، قبل استقلال سوريا التام بسنوات قليلة.

كنت كلما التقيت السياسي الماروني الكبير ريمون إِدِّهْ ينسى أنه ذكرني مرارا وتكرارا – على سبيل النكاية – بأن بطريرك الموارنة يوسف الحويّك وإميل إده (والد ريمون) رفضا بفزعٍ عرضا من «النمر» الفرنسي جورج كليمنصو، عندما شطح قلمه الأحمر، فأدخل مدينتي دمشق في دائرة «لبنان الكبير».

كان الانتداب قد قام بـ«تكبير» لبنان، بضم المدن السنية الساحلية، والبقاع (الشيعي/ الكاثوليكي) إليه. وكنت أقول للراحل الخفيف الظل إني، كعربي، لن أتأثر إذا صارت دمشق لبنانية، ما دام بقي لبنان عربيا.

لكن سوريا اليوم تتعرض إلى غزو طائفي أجنبي. آمل أن يدرك العرب، وفي مقدمتهم جزائريو بوتفليقة والأخضر الإبراهيمي، أن اقتحام مرتزقة حزب الله للحدود السورية ليس مجرد نزاع حدودي بين دولتين عربيتين. إنما هو لحساب دولة أجنبية إقليمية. لها سوابق في معاداة العرب، وشن غزوات وصلت إلى الشام، قبل قرون قليلة.

من المسؤول الذي فتح الباب السوري لحصان طروادة الإيراني؟ ارتكب بشار خطأ استراتيجيا أدى إلى «اختصار» عمر دولته الطائفية. فقط شن حربا على شعبه لم يرتكبها حاكم معاصر آخر. هذا الخطأ فتح الباب، أولا، إلى وصول أعداد غفيرة من «الجهادية الحربية» السنية حالت عمدا دون تسليح العرب والغرب للمعارضة السورية الوطنية. ثم ثانيا، استورد مرتزقة حزب الله ليخوضوا حرب جيشه المتعب والمستنزف.

الشيعية السياسية اللبنانية التي تحتفل «بنصرها»، في بلدة القصير غير الموجودة على خرائط الجغرافيا، لا تدرك أن حزب الله لم يغسل دماغها فحسب، بل باع عروبتها. وجعل أبناءها وشبابها يؤدون دور «المرتزقة» و«المماليك»، في حروب إيران وبشار، الأمر الذي يهدد علاقتها، بأمتها العربية، بما فيها السنة اللبنانية والسورية. ويورطها في حرب أيضا مع «الجهاديات» السنية الانتحارية.

ضعف الرؤية الاستراتيجية، لدى بشار، ناجم عن انعدام التجربة السياسية. كان توريث وترئيس بشار خطأ عائليا وطائفيا كبيرا. شاب بلا مستشارين. بلا مفكرين ومحللين استراتيجيين، وضع نظامه المستنزف تحت وطأة مشروع استراتيجي لدولة أجنبية أكبر، يمتد من إيران إلى لبنان.

الهدف إقامة دولة شيعية فارسية، لا تقبل أن تُعامل معاملة الند للند مع دولة علوية أصغر جرى تكفيرها من جانب المرجعيات الدينية في إيران، منذ قيام دولة الخميني. غرض هذه الدولة قطع الطريق على أي دور عربي لسوريا، والإمعان في تمزيق العرب. وتوظيف العراق في منع التحام السُنة العراقية والسورية، لتشكيل كتلة عربية تقف بصمود وحزم، أمام المشروع الإيراني.

بقدر ما كان السوريون ضحية لنظام معزول عنهم. ومعاد لهم، فقد كانوا أيضا ضحية ساسة هواة لا يملكون نضج ساسة وطنيين محترفين وشعبيين لم يسمح النظام بنشوئهم وتشكلهم، على مدى خمسين سنة.

وقعت سوريا ضحية حدودها المصطنعة التي تتلاشى مع تغير أوجه الصراع، ليغدو بين دول. وطوائف. وتنظيمات سياسية، ومقاتلة. وجهادية: تبادل معابر الجولان المحتل. انسحاب مراقبين دوليين. روسيا تعرض قواتها للمرابطة في الجولان. حرب «جهادية» سنية/ شيعية على خاصرة لبنان. حدود فالتة مع تركيا. يتقاتل عليها جيش «حر» كردي. عربي. تركماني. جهادي. إخواني. تونسي. أردني. ليبي. جزائري. وحدود عشائرية مع العراق.

أين هذه «الجيوش» من نجدة القصير؟ أين العقيد «العكيدي» الذي ظهر في القصير بلباسه العسكري كإشارة لوصول تعزيزات الجيش الحر؟ هل كان شبح «العكيد» في مسلسل «باب الحارة»؟!

عبدالله هادي
11-06-2013, 03:13 AM
قتل أمام السفارة الإيرانية!




قتل شاب لبناني، وجرح أحد عشر آخرون، في اعتصام نظمه محتجون أمام السفارة الإيرانية في لبنان، احتجاجا على جرائم حزب الله في سوريا، وذلك بعد أن انهال عليهم عناصر من حزب الله، وآخرون، بالعصي، وجرى إطلاق نار نتج عنه مقتل الشاب اللبناني.

والغريب، والمثير، أن عملية الاحتجاج تلك لم تكن حاشدة، أو عنيفة، بل هم بضعة شباب، لكن عصابة حزب الله لم تتحمل مجرد منظر الاعتراض عليهم، أو على السفارة الإيرانية، مما يظهر أن لبنان، ومثله أبناء الطائفة الشيعية، مختطفون من قبل الحزب، تحت وطأة السلاح، وأن كل من يتجرأ على انتقاد حزب الله، أو إيران، فإن مصيره هو القمع، والقتل. ولنا أن نتخيل لو كان هذا الشاب اللبناني المحتج الذي قتل أمام السفارة الإيرانية قد قتل أمام سفارة غربية، أو حتى عربية، فحينها كان حزب الله سيقيم الدنيا ولا يقعدها كذبا، وتنديدا، ولرأينا نصر الله يخرج بخطاب ناري ليسميه شهيدا! لكن لأن الشاب المقتول هشام سلمان، وهو شيعي، معارض لحزب الله، فإن شيئا من ذلك لن يحدث، ولن نسمع اعتراضات، واحتجاجات، على جريمة حزب الله هذه دفاعا عن السفارة الإيرانية، فآخر ما يريده الحزب هو ظهور امتعاض شيعي في لبنان حول دور الحزب الإجرامي في سوريا، أو الدور التخريبي لإيران في كل المنطقة. ولذلك، فإن حزب الله لم يتحمل رؤية منظر مجموعة من الشباب وهم يتظاهرون أمام السفارة الإيرانية في بيروت.

ولذا كنا ممن طالب مرارا عقلاء الشيعة بضرورة إنكار ما يفعله حزب الله في سوريا، وما تفعله إيران بالمنطقة، فلو فعل عقلاء الشيعة ذلك، وخصوصا في الخليج العربي، ولبنان، والعراق، لما تجرأ الحزب على قتل الشاب الشيعي المحتج، ولما خاف عامة الشيعة من قول رأيهم، وإدانة حزب الله وإيران. صحيح أن هناك أصواتا شيعية منتقدة للحزب، وتحديدا في لبنان، ولكنها نفس الأصوات المنتقدة، ومنذ فترة، حيث لا نرى أصواتا مثقفة جديدة وشابة تنكر ما تفعله إيران بالمنطقة، أو ما يفعله حزب الله في لبنان وسوريا. وقد صدر في الأيام الأخيرة بيان لمثقفين شيعة يدين تدخل حزب الله في سوريا، وهذا أمر جيد، لكن المطلوب أكثر، كما فعل مثقفو السُنة عندما تصدوا لتنظيم القاعدة، منذ سنوات، وكان المعترضون قلة قليلة حتى بات المعترضون على الأصولية والتطرف اليوم هم السواد الأعظم، ولم يكن الاعتراض على «القاعدة» بالأمر السهل، بل كان مخاطرة، ورأينا، مثلا، كيف وصل الحال بعقلاء العراق إلى تشكيل مجالس صحوة للتصدي لـ«القاعدة».

وليس المطلوب اليوم من عقلاء الشيعة حمل السلاح ضد حزب الله، أو تشكيل مجالس صحوة شيعية، وإنما كل المطلوب هو رفع الصوت، وإنكار ما يفعله الحزب في سوريا تجنبا لجر لبنان والمنطقة ككل للخطر، وهذا أقل الواجب، وإلا فإن الجميع، سُنة وشيعة، سيكونون ضحية تطرف حزب الله، وتخريب إيران في المنطقة.

عبدالله هادي
11-06-2013, 03:14 AM
لبنان يجب أن يدفع الفاتورة




مجلس التعاون الخليجي مطالب أكثر من أي وقت مضى بمواجهة ميليشيا حزب الله الإرهابية، بسياسة واضحة الملامح تتجاوز حد «دراسة وتفكير» في تصنيفه كفصيل إرهابي. خطورة حزب الله اليوم لم يعد من الممكن التنظير عنها وتوقع تبعاتها، ولكن الآن نرى آثار سقوط القناع عن الوجه القبيح لنرى فصيلا طائفيا إرهابيا مجرما خائنا، متواطئا ضد شعب أعزل لصالح نظام دموي طاغ ومجرم بامتياز.

حزب الله وميليشياه ليس فقط فصيلا إرهابيا، ولكنه يمثل ثقلا سياسيا في الساحة اللبنانية، مكنه من تكوين أكثرية برلمانية ليشكل بها الحكومة اللبنانية، وبالتالي هو يمثل لبنان. ولا بد أن يكون لبنان نفسه من يتحمل تبعات المستنقع والزلزال الذي ورطه فيه حزب الله، وخصوصا أن لسان الدولة الرسمي كان يعلن ليلا ونهارا بأن لبنان يتبع سياسة «النأي بالنفس» عما يحدث في سوريا، لتثبت الأيام لاحقا أن بعض لبنان الرسمي، ولو بالرغم عنه، جزء من مشروع حزب الله في سوريا نفسها.

إنه عن طريق جيشه وقواته الأمنية، سمح بمرور أرتال قوات حزب الله المدججة بالعتاد والسلاح من الحدود اللبنانية إلى سوريا للقتال، وهو عن طريق وزير خارجيته الذي كان يدافع عنه في المحافل الدبلوماسية الرسمية، وهو عن طريق مصارفه المحلية التي تمول عمليات حزب الله في لبنان وسوريا لدعم الأسد، وهو الذي ساهم في اغتيال وإصابة معارضي حزب الله في اعتصامهم الأخير أمام سفارة إيران في بيروت بسلبية الحراسة الأمنية الرسمية المسؤولة عن حماية الاعتصام القائم هناك.

الدولة اللبنانية جزء من المشكلة، ولا يمكن اعتبارها «بمنأى عن ذلك الأمر»، وعليها اليوم، وبشكل سريع، تحمل تبعات ذلك. إذا كانت دول الخليج لا تزال مترددة في تصنيف حزب الله بأنه إرهابي أو أن المسألة لم تتضح بعد، فإن عليها اتخاذ مجموعة من القرارات الفورية المتعلقة بوقف كامل لكل أنواع الاستثمارات والاتفاقيات الاقتصادية مع لبنان، وإيقاف التعاقدات القائمة مع الشركات اللبنانية واستقدام الكوادر البشرية من هناك، وثمة من يدعو إلى البدء بتصفية الوجود اللبناني في دول الخليج العربي، لأن على الشعب اللبناني أن يستشعر فداحة ما أجرم به حزب الله بحقه، وكذلك فإن دول الخليج مطالبة بعدم «مكافأة» الحزب – ومن يدعمه في لبنان - على جرائمه مهما فعل. التوقيت الآن في صالح حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، لأن الكثير من اللبنانيين والعرب سيتفهمون ويستوعبون فداحة ما أقدم عليه حزب الله والأثر الناتج من جراء ذلك. الفاتورة الاقتصادية مؤلمة جدا، ومن المهم تحريكها، لأن حزب الله كان من المستفيدين بشكل واضح مما كان يحدث من حراك اقتصادي له علاقة بالاستثمار الخليجي أو التدفق السياحي أو التوظيف اللبناني في الخليج أو مشاركات لمؤسسات اقتصادية لبنانية في الخليج. الآن، بات على لبنان - كدولة من المفروض أن لها مقومات أو أشكال المؤسسات من دستور وبرلمان وأحزاب ورئاسة وزراء ورئاسة جمهورية - أن يدرك أن حزب الله، بالسياسات والقرارات التي يقدم عليها، بات من مصادر تهديد الأمن العربي والسلم الاجتماعي في المنطقة، والقرار لم يعد خليجيا فقط، فها هم علماء الدين الإسلامي يستعدون للاجتماع بأعداد كبيرة جدا لإعلان موقف موحد منهم تجاه حزب الله وتصنيفه كعدو يجب مواجهته، وبالتالي محاربته بشتى الوسائل منعا لشره، وهو الموقف المهم الذي طال انتظاره لينهي الحال الرمادي الذي لم يكن له لا لون ولا طعم ولا رائحة وأدى إلى ما أدى إليه من تقاعس وتأخر.

لبنان كدولة، وهو الجهة المطلوب مخاطبته، عليه أن يتحمل ضريبة «إيوائه» منظمة إرهابية تعبث في المنطقة.. عليه أن يتحمل ضريبة فشله كدولة في احتواء ميليشيا متفلتة، تهدد هيبته ومستقبله. لم يعد من الممكن السكوت عن حزب الله، فإذا كان يضحك على اللبنانيين بفيلم المقاومة المكشوف ويرفض تسليم السلاح، فإن ذلك كان شأنا لبنانيا داخليا، ولكن الآن قد تحول إلى ميليشيا للإيجار، تدافع عن المجرمين وعن الطغاة، بات خطره مدمرا على المنطقة، وبالتالي أصبح من الضروري أن يتحمل لبنان كدولة الثمن بدلا من مطاردة مصالح «حزب» والتوهان في تصنيف الحزب كإرهابي أو لا.

فلتخاطب دول مجلس التعاون لبنان كدولة ذات سيادة، وليتحمل لبنان ضريبة ضعفه أمام ميليشيا حزب الله الإرهابية.

عبدالله هادي
11-06-2013, 03:15 AM
أمر لا يدعو للقلق



احتجز محتجون في أسوان 44 حافلة تقل 510 سائحين أوروبيين بالقرب من مدينة أبو سمبل السياحية لمدة تزيد على 7 ساعات، ترتب على ذلك أن شركات السياحة الألمانية والإنجليزية والنمساوية والسويدية حذفت مدينة الأقصر من برامجها السياحية، وهي المدينة التي تحوي ثلث آثار العالم. إذا تصورت أن في الأمر مصيبة أو كارثة، فأرجوك راجع نفسك، لأن مصدرا مسؤولا في وزارة السياحة صرح بأن «الأوضاع في مصر حاليا جيدة ومستقرة ولا يوجد ما يقلق». أنا على يقين من أن الرجل صادق كل الصدق في تصريحه، هو بالفعل لا يشعر بالقلق، لأنه كان يعرف أن إيران سترسل في اليوم التالي مائتي سائح لم يقطع أحد طريقهم بعد. كان موضوع الاحتجاج هو أن مسؤول توزيع مياه الري في المنطقة، قطعها عن أصحاب المزارع وضخها لأصحاب مفارخ الأسماك، فهدد بذلك الأرض بالبوار. قطع الطريق في الطرق السريعة يحدث الآن لأسباب عدة، لعل أغربها، اختفاء فتاة شابة من قرية ما، وبعد عدة أيام نكتشف، ويكتشف معنا أهل القرية ما كانوا يعرفونه من قبل وهو أنها اختفت مع شاب من قريتها أو من قرية أخرى، وأنهما الآن ينعمان بالحب على شواطئ شرم الشيخ.

أعود لتصريح المسؤول «لا يوجد ما يقلق»، الواقع أني أشعر بقلق كبير، لأني أقرأ في هذه الواقعة ما لا يتنبه له أحد، وهو أنها عمل من أعمال الاستبداد قام به طغاة صغار، عندما تجتمع الناس على فكرة قطع الطريق على ضيوفهم، ضيوفهم كشعب وكدولة، وتعريضهم لساعات من الخطر والإحساس بالرعب لغير ذنب جنوه، فهذا معناه أنهم يرون في الاستبداد أمرا طبيعيا ومطلوبا أيضا؛ أن يستبد بهم أحد، أو يستبدوا هم بالآخرين، يكون هو قانونهم الجدير بالاحترام والالتزام. ربما نفهم فكرة أن يحاصروا مسؤول الري في مكتبه، أو أن يحاصروا مبنى المحافظة بما فيها من مكاتب المسؤولين، وأن يرغموا الجميع على سماع شكواهم، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، وجدوا أنه من الأسهل لهم احتجاز كل هذا العدد الكبير من السياح في درجة حرارة جحيمية، في بقعة من الأرض تتوسط عظمة الماضي وبؤس الحاضر، إذا كنت أنت ترى في ذلك أمرا طبيعيا أو لا يدعو للقلق، فلا شك أنك إنسان يدعو للقلق.

معنى ذلك، أن إفلات مصر من الاستبداد في الأعوام القادمة، بات أمرا مستبعدا، لأن هناك، وبأعداد كبيرة، من يقبل بنهم على سلعة الاستبداد بالآخرين، وأن المقصود بحقوق الإنسان هو حقوقه هو فقط. وأن من حقه عندما تتوفر له القدرة، أن يحتجز بشرا، هم أصلا ضيوفه بما فيهم من عجائز وأطفال لعدد طويل من الساعات من دون أن يحرك كل ذلك في قلبه أو نفسه أو عقله أي إحساس بالخطأ. هؤلاء المستبدون الصغار، هل تعتقد أنهم سيختارون حكاما عادلين؟ أم أنهم سيدعمون كل من يرون أنه مستبد مثلهم؟

عبدالله هادي
12-06-2013, 03:31 PM
هل سيصدق السوريون وعود واشنطن؟


الى جانب احداث تركيا وانتخابات ايران, كان اللافت حقا خلال الأيام الأخيرة حدثان مثيران آخران في الشرق الأوسط, هما: عرض موسكو إرسال عسكريين روس للانضمام إلى قوات الفصل الدولية في هضبة الجولان السورية المحتلة وسط ترحيب ضمني إسرائيلي. والتسريبات الأميركية عن «إمكانية» اتخاذ الرئيس باراك أوباما قرارا بإرسال أسلحة فتاكة (؟) إلى المعارضة السورية «غير الراديكالية».

الحدث الأول مثير لجملة من الأسباب، في طليعتها:

أولا، أن روسيا دولة عظمى لها حق النقض (الفيتو)، وبالتالي، من غير المألوف لقوة دولية بهذا الحجم والوزن المشاركة في قوة حفظ سلام دولية.

ثانيا، أن روسيا منذ استخدامها «الفيتو» ثلاث مرات إزاء الوضع في سوريا منذ اندلاع الثورة على نظام آل الأسد في منتصف مارس (آذار) 2011، غدت طرفا فاعلا في النزاع السوري. ثم إنها أكدت عمق تحالفها مع النظام وإصرارها على بقائه عبر تسليحها المستمر، بل والمتصاعد، لقواته العسكرية وتغذيتها ترسانته الحربية.. وصولا إلى الصواريخ المتطورة.

ثالثا، أن روسيا حليف تكتيكي للنظام الإيراني، وراعٍ نشط لبرنامجه النووي، وشريك فعلي له في تنفيذه «مشروعه الإقليمي» على حساب عشرات الملايين من العرب.

رابعا، أن النظام السوري، الذي أسقط على امتداد أربعة عقود تحت شعار «الممانعة» كل مبادرات السلام العربي - الإسرائيلي، ورشق خصومه بتهم الخيانة.. فأهدر دمهم وأيد تصفيتهم، يبدو اليوم موافقا على العرض الروسي الذي من شأنه ضمان ديمومة الاحتلال الإسرائيلي للجولان. وأصلا ما كان واردا أن يطلق فلاديمير بوتين فكرة نشر قوات روسية في الجولان من دون إعلام بشار الأسد وبنيامين نتنياهو.

خامسا، كان رد الفعل الإسرائيلي الأولي على العرض الروسي إيجابيا، أو على الأقل غير ممانع، ما يوحي بتصور مشترك ما لمستقبل نظام الأسد، واحتمالات تعايش إسرائيل معه.

سادسا، بعد ذهاب حزب الله بعيدا في تورطه الدامي في الأزمة السورية، بالتوازي مع تزايد الذرائع، وآخرها ضرب «التكفيريين» باعتبارهم - وفق قيادة «الحزب» - حلفاء لواشنطن وتل أبيب، لا بد من مساءلة هذه القيادة عن مصير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي سيضمن الوجود الروسي في الجولان بقاءها تحت الاحتلال الإسرائيلي.

ولكن ماذا عن الموقف الأميركي؟

للأسف، من واقع التجربة السيئة، غدت الثقة بأي موقف أميركي فاعل من الأزمة السورية شبه معدومة. إذ صدر كلام كثير عن واشنطن خلال السنتين الأخيرتين ليتبين لاحقا أنه كان بلا معنى ولا مضمون. لقد كانت كل خطوة اتخذتها واشنطن، ومعها الدول الأوروبية الحليفة، إزاء سوريا إما ناقصة أو متأخرة أو ناقصة ومتأخرة معا. فعندما تفجرت الثورة كانت انتفاضة سلمية بسيطة ومحدودة، لكن رد الفعل الغربي كان لفظيا لا أكثر ولا أقل.

ومرت على القمع الدموي للانتفاضة عتبة الـ«14 يوما»، التي كانت أعطيت للرئيس المصري السابق حسني مبارك.. ولم يترجم استنكار قتل المتظاهرين بالرصاص الحي إلى خطوات رادعة فعالة، فاستمرأ النظام طعم الدم وولغ فيه أكثر.

وتطورت أساليب القمع من الرصاص الحي إلى القصف المدفعي بعدما بدأ تشقق الجيش، وانطلقت المطالبات بموقف دولي مناسب يشمل التسليح النوعي لـ«الجيش الحر».. ولكن مجددا جاء الرد ناقصا ومتأخرا.

وانتقل القمع من القصف المدفعي إلى القصف الجوي - مستقويا بـ«الفيتو» الروسي - الصيني.. وعند هذه النقطة بدأت المطالبات بمناطق حظر طيران وصواريخ «ستينغر». ومرة أخرى، تأخر الرد الحاسم ما برر لكثيرين تقبل تسلل الجماعات «الجهادية» و«التكفيرية» إلى صفوف الثائرين للقتال معهم، وهو ما صار «ورقة توت» تتستر بها واشنطن وحليفاتها للإحجام عن اتخاذ موقف جدي.

عندها تشجع النظام على رفع مستوى القصف من الهليكوبترات العسكرية إلى الطيران الحربي المُجنح (طائرات الميغ والسوخوي) أيضا أمام مزيد من الجعجعة الاستنكارية الغربية من دون طحين. ومن ثم فات أوان المطالبة بـ«مناطق حظر طيران» عندما بدأ النظام استخدام صواريخ الـ«سكود»، وبعدها السلاح الكيماوي ومنه غاز السارين.

الكلام المسرب من واشنطن أخيرا عن وجود توجه أميركي لتسليم المعارضة «غير الراديكالية» أسلحة توصف بـ«الفتاكة» كلام يمكن أن يريح المعارضة السورية، المدفوعة دفعا إلى مفاوضات عبثية لا تتضمن مسبقا رحيل بشار الأسد عن السلطة، لكن المعارضة لا تُلام إن هي رفضت تصديقه.. على طريقة «لا يلدغ المؤمن....». فكيف يصدق أي مراقب، يتمتع بالحد الأدنى من الفهم، هذا الكلام عندما لا يكون لدى واشنطن أي إدراك لأبعاد الأزمة وأي تنبه لما قد تؤول إليه، ولا سيما في ضوء ما حصل في مدينة القصير؟

وكيف يكون لهذا التغير في الموقف الأميركي المزعوم أي قيمة على الأرض إذا كانت واشنطن ما زالت مقتنعة بأن موسكو وطهران جزء من الحل؟

وكيف يستطيع المرء تفسير المناورات الإسرائيلية الكلامية في موضوع مستقبل نظام بشار الأسد، وطبيعة علاقاته الإيرانية والطائفية الاستراتيجية، التي فضحها دور حزب الله القتالي على امتداد الأراضي السورية؟

بكل صراحة، المنطقة تشهد راهنا مأساة تمثل فصولا أمام شعوبها وعلى حساب وجودهم واستقرار مجتمعاتهم، وتتكشف «حبكتها» لتظهر زيف كل المقولات عن «الشيطان الأكبر» و«الشيطان الأصغر» و«الصمود والتصدي» و«الممانعة والمقاومة».

لقد شاهدنا، للأسف، على امتداد سنتين كيف تساقطت «الخطوط الحمراء» أمام «الأضواء الخضراء».

عبدالله هادي
12-06-2013, 03:32 PM
أوباما وتسليح الثوار السوريين


ها هي الأخبار تتوارد عن عزم الإدارة الأميركية على حسم أمرها حول تسليح الجيش السوري الحر هذا الأسبوع، وذلك على ضوء المتغيرات على الأرض بعد تدخل ميليشيات حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية في سوريا مدعومة من قبل نظام إيران.

والواضح أن إدارة أوباما قد استوعبت أنها تعرضت لحيلة سياسية روسية، حيث ألهت موسكو الأميركيين بمبادرة مؤتمر «جنيف 2»، بينما سارعت، ومعها إيران، في زيادة دعم الأسد بالأسلحة لتمكينه من فرض واقع على الأرض من شأنه أن يصعب فرص المعارضة السورية، في حال عقد المؤتمر، كما أن تلك الحيلة تمكن الأسد من سحق الثوار على الأرض، وهذا ما يتضح من خلال تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين، والتي جاءت على شكل تسريبات إعلامية، حيث شددوا على أن الأوضاع على الأرض تتغير بشكل متسارع، مع وجود قرابة خمسة آلاف مقاتل من حزب الله، إضافة إلى عناصر فيلق القدس الإيراني، والميليشيات الشيعية العراقية، مما يتطلب إعادة النظر في الموقف الأميركي من تسليح الثوار.

وفي حال تم اتخاذ القرار الأميركي بتسليح الثوار فإن هناك أسئلة ملحة تستحق التوقف عندها، وخصوصا أنه لا يكفي مثلا أن يعلن عن تسليح الثوار وحسب، فهل سيكون قرار التسليح فوريا أم أنه تلويح لتعزيز التفاوض مع روسيا، وخصوصا أن المساعدات الأميركية غير القاتلة لم تصرف للمعارضة السورية بعد؟ وهل سيكون قرار التسليح الأميركي منفردا أم سيأتي مصاحبا لقرارات مماثلة من قبل الفرنسيين والبريطانيين؟ وهل قرار التسليح سيأتي مع إدراك أن الأسد وإيران وأتباعهما لن يتوانوا عن التصعيد ومحاولة الهروب للأمام؟ فهل لدى الأميركيين خيارات للتعامل مع الأسوأ؟ وهل سيتم إنشاء غرفة عمليات فور اتخاذ قرار التسليح تتكون من تحالف الراغبين عربيا وإقليميا ودوليا؟ فمن يضمن ألا يستخدم الأسد الأسلحة الكيماوية مثلا، أو أن يتم استهداف تركيا أو الأردن بعمليات إرهابية ضخمة؟ ومن يضمن ألا تنفجر المواجهات في لبنان؟

المؤكد أننا بتنا أقرب من أي وقت مضى للحظة المواجهة المؤجلة سوريا، وبعد طول تردد وإهمال من قبل الإدارة الأميركية، ونقول لحظة مواجهة سواء قررت إدارة أوباما تسليح الثوار من عدمه، فما يحدث على الأرض في سوريا يشي بأن لحظة الانفجار قد اقتربت، فالأسد، ومعه إيران وحلفاؤها، ينوون المضي في اجتياح باقي المناطق السورية الخاضعة تحت سيطرة الثوار، مما يعني مزيدا من الجرائم، والكوارث، كما أن الطوق الإيراني بات يشتد على سوريا ولبنان والعراق، مما يعني أننا مقبلون على معارك طائفية بشعة.

والمفترض اليوم، وخصوصا في حال قرر الأميركيون تسليح الثوار، أن يكون التنفيذ سريعا، والتنسيق عالي المستوى والفاعلية، مع الاستعداد لما هو أسوأ، وإلا فإن إدارة أوباما المترددة بطبعها ستكون قد ارتكبت خطأ فادحا، حيث لا مجال لأنصاف الحلول، فعلى من يشهر سلاحه أن يستخدمه، وإلا تلقى ضربة خاطفة من العدو، وهذه هي قواعد الاشتباك دائما، وخصوصا مع الأسد وإيران.

عبدالله هادي
12-06-2013, 03:33 PM
تركيا هدف للاستفزازات الخارجية


يطالب الناس بالديمقراطية من أجل أن يستمتعوا بالحرية، ويسمعوا كل ما يقال، ويتحدثوا في كل شيء من دون خوف، ويقوموا بما يحلو لهم ولا يقوموا بالأشياء التي لا يريدون القيام بها، ولا سيما وأن الإكراه يصيب عقول ونفوس الناس بحالة من الشلل، وهذا هو السبب الذي يجعل المجتمعات القمعية الأكثر انطواء على نفسها وكرها للآخرين، فضلا عن أنها دائما ما تكون الأكثر تحريضا على العنف وميلا له.

ويحظر الإسلام جميع أنواع الضغط، حيث يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 256: «لا إكراه في الدين»، كما يقول في سورة ق، الآية 45: «وما أنت عليهم بجبار». من الأهمية بمكان ألا يكون هناك إكراه في الدين، لأن الإكراه دائما ما يخلق أناسا أفاقين وأشخاصا مجبرين على القيام بما لا يريدون القيام به، بدلا من القيام بما تمليه عليهم ضمائرهم، وهو ما يجعلهم يحيدون عن الدين، ويكرهونه، وهذا هو السبب وراء انتشار الكراهية بسرعة شديدة في المجتمعات القمعية.

ويمكن تلخيص الاختبار الذي تمر به تركيا منذ أسبوعين في كلمة واحدة، وهي «التسلط»، حيث كان الناس غير راضين عن المحظورات المتعلقة بحياتهم الخاصة أو غاضبين من اللغة الاستبدادية التي يستخدمها النظام. وثمة مبررات للشباب التركي في هذه المطالب؛ صحيح أنهم يعيشون في بلد ديمقراطي وحديث، ولكنهم يريدون مزيدا من الديمقراطية.

ولا أعتقد أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قد فرض المحاذير التي نحن بصددها لأغراض قمعية، لأننا نرى إدارة ديمقراطية من جانب حزب العدالة والتنمية منذ وصوله للسلطة قبل 11 عاما، فنحن نقوم بما نريد القيام به بكل حرية ونفكر بحرية ونعيش بحرية. في الحقيقة، لم يكن هناك أي قمعية في سياسات الحكومة التركية، ولذا لم تكن الديمقراطية هي المشكلة، ولكن المشكلة هي أن الشعب التركي يريد أكثر من ذلك.

من حق الشباب في متنزه غيزي أن يعبروا عن رفضهم للقيود المفروضة في الآونة الأخيرة، ولا سيما وأنه لم يتم استشارتهم في التغييرات التي ستحدث في مدينتهم ومن حقهم أن يجوبوا شوارع إسطنبول للتعبير عن غضبهم، ولكن هناك فرقا كبيرا بين هؤلاء وبين أولئك الذين يستغلون هذه الأحداث لوصف أردوغان بأنه ديكتاتور ومقارنة ما يحدث في تركيا بما شهده ميدان التحرير في مصر، وحض الناس على القيام بأعمال عنف ونشر الأعمال الاستفزازية في جميع أنحاء العالم.

لأولئك الذين يتساءلون عما إذا كان هناك «مشكلة في الديمقراطية في تركيا» أقول إنه في الفترة التي سبقت صعود حزب العدالة والتنمية للسلطة عندما كانت الأحزاب المختلفة تقوم بشق الأنفس بتشكيل حكومة ائتلافية، حيث كانت أقلية صغيرة هي التي تدير البلاد، وكانت هذه الأقلية تكون دولة عميقة وسرية داخل الدولة. وفي تلك الأثناء، كان الشعب التركي يعاني من الاضطهاد، ولم يكن هناك أي حد لعمليات القتل التي تتسم بالغموض والتي لم يعرف مرتكبوها. ووصل معدل التضخم إلى 100 في المائة، ووصلت ديوننا لصندوق النقد الدولي إلى الحد الأقصى وارتفعت معدلات الفائدة بشكل خرافي، ولم يكن هناك ديمقراطية، وكان هناك قيود لا حصر لها على الملتزمين دينيا، وكان هناك عمليات اعتقال مستمرة وغير ضرورية، ولم يكن بمقدور الشعب التركي التعبير عن مطالبه في ما يتعلق بأي موضوع، كما لم يكن بمقدوره التظاهر والتحدث بحرية.

وبعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة، انكشفت الدولة العميقة التي قامت بعمليات القتل الغامضة والتي خططت للانقلابات الدموية. صحيح أن حزب العدالة والتنمية بزغ كحزب ديني، ولكن الدولة بأكملها كانت قد مرت بهذه المرحلة الصعبة، ولم يحصل هذا الحزب على أصوات المتدينين فقط، ولكنه حصل على أصوات الذين لم يكونوا راضين عن أداء النظام القديم. ومنذ ذلك الحين، أصبح حزب العدالة والتنمية هو الحزب الرئيس وحقق فوزا مستحقا في ثلاثة انتخابات عامة واثنين من الانتخابات المحلية واستفتاءين. في الحقيقة، لم يتحقق هذا النجاح في أي انتخابات سابقة في تركيا، حيث لم تتمكن أي حكومة من الاستمرار أكثر من 16 شهرا.

ولم تتحمل بعض الجهات رؤية دولة إسلامية تنهض في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما من حيث التقدم الاقتصادي والاستقرار، ولذا استغلت هذه الجهات الأحداث الأخيرة في تركيا لكيل الاتهامات للديمقراطية وللإسلام. ومع ذلك، نؤكد أن الحقيقة هي أن بعض المتظاهرين غير راضين عن سياسات أردوغان وعن اللهجة المتعالية التي يتحدث بها.

يتعين علينا أن نلقي نظرة ثاقبة على الإشارات السيئة التي تستخدمها الصحافة الأجنبية مثل «ثورة دموية» و«الربيع التركي» و«ديكتاتور إسلامي»، فضلا عن الموضوعات التي لا حصر لها والتي تهدف إلى إثارة الأحداث في تركيا. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يقومون بذلك؟ وفي خضم الأحداث السلمية التي تحولت لمقتل ثلاثة أشخاص وإصابة العشرات وأضرار تقدر بـ40 مليون دولار، هناك بعض القوى التي تريد زعزعة استقرار تركيا والعودة بالبلاد إلى دائرة العنف وفرض النظام الشيوعي. من الطبيعي أن تتحول الأنظار للدولة المسلمة التي تمكنت من رد ديونها لصندوق النقد الدولي وارتفع تصنيفها الائتماني وحققت الاستقرار. عندما انسحب حزب العمال الكردستاني من البلاد وازدهرت تركيا في منطقة الشرق الأوسط، لم يتماش ذلك مع مصالح الكثير من الجهات، التي بدأت تنفيذ الخطط الماكرة لمشروع الشرق الأوسط الكبير بهدف تقسيم وإضعاف المنطقة وتقديمها كفريسة للآخرين.

يتعين على الجهات المتعطشة للسلطة أن تنسى حدوث ذلك، وأن تدرك أن الخطط الماكرة في الشرق الأوسط لن تحقق أهدافها. ومع ذلك، يتعين علينا أن نرسي قواعد ديمقراطية أكثر قوة، وأن نعرف أن الديمقراطية تحتاج لمزيد من الحب والوئام.


* معلقة ومحللة في التلفزيون التركي

عبدالله هادي
12-06-2013, 03:34 PM
سوريا: صناعة البديل السياسي



ربما كانت الفرصة الأخيرة للشعب السوري المغلوب على أمره، الذي لا يزال يدفع الثمن باهظا إزاء تبلّد المجتمع الدولي، أن تسعى المعارضة السياسية في الخارج، مدعومة بالإنجازات على الأرض، إلى إغراء المناخ السياسي الدولي بأنها «البديل» المؤهل لقيادة البلاد، بعد أن اكتسب «النظام الأسدي»، ويا للأسف، شرعية الخيار الأسوأ في دوائر كثيرة الآن تتحدث عن قلقها من رحيله، في سابقة سياسية ستكون لها آثارها في المنطقة؛ فالاحتفاظ بشرعية نظام نكّل بشعبه وقتل منهم ما يقترب من حدود المائة ألف، فصل جديد في طبيعة علاقة الدولة القطرية بالقوى الدولية، عدا أنه، وعلى مرأى ومسمع الجميع، اجترّ «لبنان» عبر حليفه ميليشيا حزب الله إلى تفكيك منطق بنية الدولة اللبنانية، عبر دخول مكوّن سياسي عسكري كحزب الله للقتال في سوريا، ولاحقا تأديب اللبنانيين المعترضين على ذلك أمام السفارة الإيرانية، وقتل أحد المتظاهرين على طريقة العقاب المباشر، الذي يبعث أكثر من رسالة للداخل والخارج.

والسؤال هنا، عن المعارضة السورية ودورها في تخفيف صلف المجتمع الدولي ليس بغرض تحميلها جزءا من المسؤولية، بقدر ما أنه بحث عن حلول سياسية خارج دائرة القتال على الأرض، الذي يبدو أنه في طريقه ليكمل عامه الثالث.

والحال أن المعارضة السورية تفتقر إلى وجود قيادة سياسية مقنعة؛ فحتى مع مجيء الائتلاف الوطني ممثلا للمجالس المدنية والقوى المسلحة في الداخل، فإنه لا يؤثر عليها في صناعة القرار أو حتى توجيه دفّة المعركة لتتبع التوجه السياسي، وبالتالي، لم يقدم الائتلاف أكثر مما قدمه المجلس الوطني السوري سابقا.

أزمة المعارضة السياسية في التجارب العربية هي أزمة رؤية موحدة، فالتنافس الشديد على ملء الفراغ السياسي والاستقطاب ومحاولة البحث عن فرصة لابتلاع الحالة السياسية بين الفصائل المكونة للمعارضة جعلها تبدو هشة وضعيفة ومن دون رؤية جمعية، فضلا عن تأثيرها الضعيف على المقاتلين في تسوية النزاعات وحتى في فرض شكل القيادة البديلة في المناطق المحررة على مستوى اتّخاذ القرارات السياسية الاستراتيجية؛ فالمجتمع الدولي الذي لم يقدم حتى الآن أي شيء يُذكر لدعم القضية السورية يترقب سلوك المجموعات المقاتلة على الأرض، خوفا من تكرار تجارب وأخطاء المجموعات المقاتلة، وهي فرض رؤيتها المتطرفة الخاصة على المناطق المحررة.

غياب أي مبادرة لاستنساخ نموذج مدني لكتلة سياسية بديلة من شأنه تعزيز تعاظم الميليشيات المسلحة ودورها الذي سينتقل من القتال على الأرض إلى المشاركة السياسية من دون تأهيل، وهو ما سيفرز ارتباك النموذج الليبي إذا افترضنا (في أحسن الأحوال) رحيل المقاتلين الأجانب، إلا أن خيارات النموذج الليبي غائبة عن الواقع السوري، لأن التركيبة الاجتماعية مختلفة تماما في الحالة السورية، لأنها مبنية على أسس جهوية وعقائدية لا ينفع معها أسلوب المحاصصة، بقدر أنها بحاجة إلى قيادة سياسية تمثل كل السوريين بسبب تأهيلها وقدرتها على لعب دور الوسيط بين كل القوى السياسية.

الشعب السوري الآن يدفع ثمن 40 عاما من الصوت السياسي الواحد تحت حكم حزب البعث، وهذا ما لا ينبغي أن يغيب عن نقاد المعارضة السورية من المراقبين والمحللين السياسيين، فلا يُعقل أن تجد نخبة سياسية بعد عقود من الحكم الاستبدادي لديها الخبرة في قيادة البلاد، كما أن دفة الأحداث المتتالية واستمرار النظام في وحشيته وجلبه لمقاتلي حزب الله ساهم في إضعاف الحالة السياسية على حساب التصعيد والتوتر الطائفي والنظر إلى المجموعات المقاتلة من «القاعدة» وغيرها كقارب إنقاذ من حمام الدم كالذي جرى في القصير، كما ساهمت مظاهر الاحتفال في طهران والضاحية في نقل الوعي بالثورة السورية إلى مرحلة خطيرة جدا لن تستطيع الدول العربية معها كبح جماح مجموعات إسلامية كبيرة قد تتخذ قرار نقل المشاركة في الأزمة السورية من المساعدات والمعونة المادية إلى القتال، وهو ما سيشكل عبئا على الأزمة السورية من جهة، وإشكالية جديدة للدول المتعاطفة مع ثورة الشعب السوري في حال انفلات الأوضاع، وربما كانت ردود الفعل داخل المجموعات الإسلامية على تصريحات الدكتور القرضاوي تعطي انطباعا مخيفا ومرعبا على حالة الاستقطاب الطائفي، التي لا يمكن التحكم فيها مع ازدياد التدخل الإيراني المباشر في الأزمة السورية.

المعارضة السورية الآن لا تواجه دولة، بل نظاما سياسيا بلا بنية تحتية وبدولة مدمرة يستعين بميليشيات خارجية للبقاء، وهذا يفرض عليها أن تقدم نفسها بديلا مؤهلا عبر التوافق السياسي، وإيجاد صيغة تجمع كل القوى على الأرض.

عبدالله هادي
12-06-2013, 03:35 PM
ارتدادات «تقسيم»



رجب طيب أردوغان الذي يحارب على أكثر من جبهة، والذي كان يعرف منذ أشهر بأنه ملزم بتحصين المواقع وزيادة عدد المتاريس بسبب أكثر من أزمة داخلية وخارجية، يبدو أنه قرر مغادرة القلاع وشن هجومه الواسع ضد مجموعات المحتجين والمتجمعين في متنزه «غزي» ومن يدعمهم من وسائل إعلام ورؤوس أموال وسياسيين يتركونه بين خيارين أحلاهما مر: التنحي، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة في البلاد.

كثيرون هم الذين لهم حسابات شخصية وسياسية وعقائدية واقتصادية لم يصفوها مع أردوغان الذي «يستأثر» بالسلطة هو وحزبه منذ أكثر من 10 سنوات، وحكومة العدالة والتنمية التي تعرف أن هذه المحاولات لن تتوقف بل على العكس ستزداد كلما قاومت ونجحت في التصدي لهذه الهجمات المباشرة أو عبر وكلاء، تعرف أيضا أن الحرب المعلنة ضدها تدور رحاها تحت شعارات في غاية الاستفزاز أهمها: «أسلمة الدولة» و«تقييد الحريات الفردية» و«بيع ما تبقى من ممتلكات حكومية للقطاع الخاص» و«إقحام تركيا في سياسة الأحلاف والتكتلات الإقليمية».

أردوغان خيب آمال المراهنين على تراجع في مواقفه وإعطاء الفرصة للتهدئة أو الهدنة مع المعتصمين منذ نحو الأسبوعين في ميدان «تقسيم» أو المتعاطفين معهم، ولم يأخذ بالنصائح والتوصيات المقدمة حتى من أقرب أعوانه ونائبه بولنت ارينش الذي حاور المتظاهرين ونقل مطالبهم إلى أردوغان الذي اختار بدوره ردها لأن فيها الكثير من محاولات ابتزاز الحكومة من قبل جماعات هامشية لا تمثل سوى نفسها؛ كما قال.

هو يعرف أن المسألة تتجاوز قطع بعض الأشجار في متنزه عام، وأن التصعيد سيقود المحتجين للمطالبة بتنحيه وإسقاط الحكومة إذا ما قدم لهم ما يريدونه من عزل محافظ مدينة إسطنبول أو رئيس بلديتها أو كبار ضباط الشرطة الذين يقودون عملية مواجهة الاحتجاجات. هي ليست «بروفة» ميدان التحرير، لكنها أبعد من أن تتوقف عند التضامن مع الأشجار والطبيعة، فهم سرعان ما سيحولونها إلى قضية التضامن مع المتضامين مع الأشجار وحماة البيئة في دمشق مثلا الذين نصح نظامهم المواطنين السوريين بعدم الاقتراب من الأراضي التركية «لأن الحرب الأهلية على الأبواب فيها».

هم يهتفون في «تقسيم»: «ارحل يا رأس المال المعولم»، وأردوغان يهتف بإعلان الحرب على من يحرضهم ويمولهم من إعلاميين وكتاب وفنانين وأصحاب مصارف يفتعلون الأزمات ويضخمون الأحداث. أردوغان يرفض أن يكون تحت رحمة مطرقة المحكمة الإدارية في إسطنبول التي دعت لوقف أعمال الترميم والتوسيع في الميدان، وهو يرجح سندان القواعد الشعبية لـ«العدالة والتنمية» لتحريكه في سائر أنحاء تركيا كما فعل مؤخرا في أضنة ومرسين وأنقرة لإيقاف من يريد تهديد حكمه عند حده.

أردوغان يعرف أن الخيارات محدودة أمامه ما دام أنه رجح ألا يحاور المعتصمين في ساحة «تقسيم». لذلك تراه يركز في خطبه الأخيرة على ضرورة إلحاق الهزيمة القاسية بالمعارضة التي لا تحترم قرار أكثر من 21 مليون مواطن صوتوا في الانتخابات الأخيرة لصالح «العدالة والتنمية»، وتحاول أن تعتاش على افتعال أزمات أمنية وسياسية بعدما عجزت عن الوصول إلى ما تريد عبر صناديق الاقتراع.

أردوغان، الذي يقول إنه يرفض كل الضغوطات وإن من يرد تصفية حساباته مع الحكومة فإما عليه انتظار 7 أشهر حتى موعد الانتخابات المحلية المرتقبة، أو أن عليه محاولة إسقاطها دستوريا تحت سقف البرلمان بحجب الثقة عنها، دعا مناصريه للاستعداد لأكبر مهرجانين شعبيين يعد لهما الحزب في منتصف الشهر الحالي في مدينتي أنقرة وإسطنبول لتجديد الثقة بحكومته وإجراءاتها، لكنه ومن هناك قد يحمل لنا مفاجأة الدعوة لانتخابات مبكرة إذا ما شعر أن الفرصة باتت مواتية لهزم المعارضة بالضربة القاضية قبل أن تفوز عليه بالنقاط.

أردوغان يشعر أنه ملزم بالإقدام على هذه الخطوة حتى ولو كان الثمن باهظا ويصل إلى درجة الانتحار السياسي له ولحزبه، فهو لا يريد أن يتحول إلى «مكسر عصا» أو فرصة للمعارضة السياسية لتسترد أنفاسها بالمجان وعلى حساب طرف ثالث يدخل على الخط.

فهو يعرف أن أهم ارتدادات ميدان «تقسيم» لا يمكن التعامل معها سوى بتلقين المعارضة الدرس الذي يتركه وحيدا حتى عام 2023؛ الذكرى المئوية لإعلان الجمهورية التركية الحديثة.. يطرح الدستور الجديد الذي يريده وينهي أهم أزمة سياسية في تاريخ البلاد تحكمت بمسار العلاقة بين تركيا وأكرادها، ويطرح النظام الرئاسي الذي يدافع عنه وسيحمله بصلاحيات واسعة إلى قصر الرئاسة في شنقايا.

عبدالله هادي
12-06-2013, 03:36 PM
متى ينجح مؤتمر جنيف!



غالبا ما يتم الحديث عن مؤتمر جنيف باعتباره سيعقد بين أطراف سورية يقال: إن نجاحه يتوقف على استعدادها للتفاهم. وكثيرا ما تنصرف الأسئلة إلى حال المعارضة والنظام، ومدى تقاربهما أو تباعدهما، والجهود اللازمة لتجاوز الهوة الهائلة بين موقفيهما، والدور الخارجي الضروري لجسر خلافاتهما وتناقضاتهما، التي تتعمق بمرور الوقت، وتتفاقم نتيجة الحرب التي يشنها النظام ضد الشعب والمعارضة في كل مكان من سوريا، وتعتبر بذاتها تكذيبا سافرا لما يعلنه من استعداد لبلوغ تسوية للصراع في جنيف. يقول السوريون بحق: إذا كان النظام ذاهبا بحسن نية إلى جنيف، لماذا يحاول تحقيق حسم عسكري ميداني لا يبقي شيئا يمكن الحديث عنه بعده، مع أنه يحاول ذلك قبل أيام أو أسابيع قليلة من جنيف؟ وهل سيذهب حقا إلى هناك، إن هو أحرز النصر العسكري المأمول، وقلب موازين القوى لصالحه وفرض بالتالي حلا بالقوة لطالما حاول فرضه خلال عامين ونيف من القتال؟

هل يجب أن تذهب المعارضة، إذا ما استمر هجوم النظام، الذي يتيح له التملص من جنيف وحله التفاوضي؟ أعتقد أن التفاوض لا يمكن أن يعزل عن شروطه، وأن نهج النظام الحربي يقوض فرصه، مع أنني أؤيد الذهاب إلى التفاوض، لأسباب ليس بينها اعتقادي أنه سيكون مكان إنهاء الأزمة، أو أن هذه ستنتهي بصورة سلمية تضع حدا للمأساة السورية المديدة ولوجود النظام.

أوردت هاتين الفقرتين حول موقفي وحسابات النظام والمعارضة لأقول إن جنيف ليس أمرا مسلما به أو حتميا. وأريد أن أضيف الآن عاملا أعتقد أنه لن ينجح من دونه، حتى في حال اتفق الطرفان السوريان المتصارعان على حل، هو تفاهم الكبيرين المتصارعين في بلادنا ومنطقتنا: روسيا وأميركا، على أسس حل دولي قابل للتطبيق في سوريا ومقبول من الطرفين، بما أن تفاهمهما على حل كهذا ضروري لنجاح المعارضة والنظام في بلورة الشروط المحلية لحل يتمتع بضمانات دولية.

والآن: هل اتفق الروس والأميركيون على أسس للحل لا خلاف عليه بينهما؟ أعتقد أن الجواب على هذا السؤال حيوي ومهم في سياق تلمس ما يمكن أن ينجم عن جنيف من نتائج، وأظن أن الجواب يجب أن يكون سلبيا - في حدود علمي - رغم ما يشاع أحيانا حول اتفاق تم وانتهى أمره، ولم يبق غير امتثال طرفي الصراع له وقبولهما به. لا شك في أن الدولتين تفاهمتا على ضرورة الحل التفاوضي، لكن تفاهمهما هذا لا يكفي لإنجاز حل فعلي يقبله الطرفان السوريان المتصارعان، علما بأن الحلول التفاوضية ليست غير تفاصيل وإجرائيات وتدابير عملية أكثر منها مبادئ وتفاهمات عامة. ومن المنطقي أن تفاهم الجبارين على التفاصيل لن يكون أمرا سهلا، لأسباب كثيرة منها اختلاف رهانات النظام والمعارضة، وما قد يترتب عليها من خسارة وربح لهذه الدولة الكبرى أو تلك، وبالتالي من تنصل مما يمكن أن يكون قد تم التوصل إليه في أي اتفاق، ذلك أنه كان واضحا منذ بدء الثورة أن أي طرف دولي لن يقبل هزيمته، وأن بلوغ تسوية متوازنة يتطلب توازنا عسكريا وسياسيا على الأرض، لكن النظام يقوضه عبر سعيه لإحراز غلبة ميدانية يريد الروس والإيرانيون أن تعكس نفسها في نتائج التفاوض، وهو ما لن يقبله الطرف الأميركي، لأن فيه هزيمته التي لا يرى مسوغا يجبره على قبولها، لأنه قادر دوما على قلب الكفة لغير صالح النظام وحليفيه.

هل سيقدم الأميركيون على تعديل ميزان القوى الميداني قبل الذهاب إلى جنيف، فلا تبقى ثمة ورقة رابحة في يد خصومهم؟ أغلب الظن أنهم سيفعلون ذلك، وإلا غدا جنيف محض خسارة بالنسبة إليهم. هل ستقبل المعارضة الذهاب إلى جنيف دون تعديل الوضع الميداني لصالحها؟ أعتقد أن عليها أن لا تذهب إن كانت ستخسر بالسياسة ما حققه الشعب الثائر بتضحياته ودمائه!

متى يمكن أن يحدث هذا التعديل؟ لا شك عندي في أنه يجب أن يحدث خلال فترة قصيرة تقاس بالأيام، إلا إذا كان جنيف لن يعقد قبل شهر سبتمبر (أيلول) القادم، كما تقول تخمينات متنوعة وتقارير كثيرة، ويرشح من جهتي المعارضة والنظام!

عبدالله هادي
12-06-2013, 03:39 PM
السودان.. لغة الجهاد واشربوا نفطكم



مواقف الحكومة السودانية فيما يتعلق بالعلاقة مع دولة الجنوب حائرة ومحيرة. فلم تمض ثلاثة أشهر على توقيع اتفاقية تنفيذ التعاون بين دولتي السودان، حتى عادت أجواء العداء ولغة التهديدات. بل إنه لم تمض ثلاثة أسابيع على كلام الرئيس عمر البشير عن أنه يسعى إلى إعادة الترابط بين الشمال والجنوب، وإعرابه عن ثقته بأنه سيأتي يوم يتوحد فيه شطرا السودان، حتى رأيناه يقوم باستدارة كاملة مهددا بإلغاء اتفاقيات التعاون وبوقف صادرات نفط الجنوب التي تمر عبر أنابيب النفط في الشمال، قائلا للجنوبيين «اشربوا نفطكم».

بالفعل قامت الحكومة السودانية في مطلع الأسبوع الجاري بإغلاق أنابيب النفط تنفيذا لتوجيهات مباشرة من الرئيس بعد خطاب أمام حشد شعبي، وأمام كاميرات التلفزيون شن فيه هجوما عنيفا على الجنوبيين واتهمهم بعض اليد التي مدت لهم، بعد أن أعطاهم السودان (وهو في الواقع يقصد نظام الجبهة الإسلامية) الاستقلال و«دولة كاملة الدسم» بكل الثروات والموارد والأرض. هذه اللغة توحي بأن نظام البشير يتعامل مع دولة الجنوب باعتبارها منحة أو هبة منه، ويتعامل مع السودان وكأنه ملكية خاصة للجبهة الإسلامية تقسمه كيفما تشاء، وتوزعه في شكل هبات وعطايا أو مشاريع لمن تريد في الداخل أو في الخارج. من هنا يتخوف الكثيرون على مصير البلد في ظل حكم «إسلاميين» جاءوا إلى الحكم بانقلاب عسكري غادر وفرضوا حكما استبداديا يحتفلون في نهاية الشهر الحالي بالذكرى الرابعة والعشرين له، بعد أن تمزق السودان، وانتشرت الحروب لتغطي مساحة شاسعة تمتد بعرضه من دارفور إلى النيل الأزرق مرورا بجنوب كردفان.

فالنظام بعد كل هذه السنوات فشل في تحقيق السلام حتى بعد أن ضحى بخمس أراضي البلد وأكثر من ثلاثة أرباع موارده النفطية، وهو يعود الآن إلى لغة الحرب ذاتها التي استهل بها عهده، داعيا الشباب مجددا إلى الانخراط في صفوف «الجهاد». فخطاب البشير قبل أيام يعيد إلى الأذهان خطاباته وخطابات أركان حكمه من «الجبهة الإسلامية» على مدى سنوات، وفي مراحل مختلفة من تقلبات نظامهم واضطراب سياساتهم. فهو يقول إن العالم عرف نظامه بأنه لا يمكن «ابتلاعه»، ويهدد بأن «كل يد تمتد إلى السودان سوف يتم قطعها، وكل من يطول لسانه على السودان سوف يتم قطعه، ومن يرفع عينه على السودان سنفقأها له». لغة الحرب والتهديد كانت هي السجل الدائم للنظام، والنتيجة خسائر مستمرة للبلد واستنزاف لطاقاته وموارده المحدودة، وتبديد لفرصه في الاستقرار والتنمية.

حرب الجنوب التي رفع فيها النظام راية الجهاد منذ سنواته الأولى، وأهلك فيها الكثير من الشباب المتحمسين وراء شعاراته، لم تؤد كما زعم النظام إلى حماية الوحدة وعدم التفريط في أي شبر من أراضي البلد، بل انتهت كما هو ماثل أمامنا إلى تقسيم السودان وانفصال الجنوب، بل ومشاركة البشير في احتفال الجنوبيين باستقلالهم. أما اتفاقية السلام التي وقعها النظام عام 2005 وزعم أنها ستحقق الاستقرار، فقد ثبت أنها أسوأ وأفشل اتفاقية، وأنها تنم إما عن جهل من وقعوها عن النظام، أو عن استهتار مرعب بالبلد وشعبه ومستقبله. فالجبهة الإسلامية من أجل الإنفراد بحكم الشمال، وتنفيذ مشروعها لإعلان جمهوريتها الإسلامية، قبلت بانسلاخ الجنوب بل شجعته وفرحت به، وفي غمرة اندفاعها وقعت على اتفاقية لم تحسم كل القضايا المهمة بما في ذلك ترسيم الحدود وتقاسم الثروات والموارد الطبيعية. النتيجة أن الاستقرار الموعود أضحى وهما وسرابا، فعادت الخلافات وأجواء التوتر بين الشمال والجنوب، وتجددت المناوشات على خطوط التماس حتى وقف الطرفان أكثر من مرة على شفا الحرب الشاملة. فوق ذلك اشتعلت حرب «اشربوا نفطكم» وفقا لتعبيرات البشير، فتوقفت صادرات النفط الجنوبية لأكثر من 16 شهرا، قبل أن تستأنف الشهر الماضي لتتوقف مجددا هذا الأسبوع.

المواجهة هذه المرة أخطر من سابقاتها، واضطراب سياسات النظام السوداني يعكس هذا الأمر. فالنظام يمر بأصعب امتحاناته بعد أن توحدت فصائل المعارضة المسلحة وصعدت عملياتها وهجماتها إلى حد جعل أهل الحكم يتخوفون من احتمال انتقال الحرب إلى قلب الخرطوم. في الوقت ذاته بلغت الضائقة الاقتصادية حدا جعل الناس يتظاهرون ضد الغلاء وانتشار الفساد وسياسات النظام، بينما بدأت الخلافات تدب في أوساط الحزب الحاكم وسط أحاديث عن مخططات انقلابية. تحالف أحزاب المعارضة الشمالية استشعر من جانبه وهن النظام فأعلن هذا الأسبوع بدء ما سماها خطة المائة يوم لإسقاط النظام.

مع كل هذه التطورات يبدو السودان وكأنه يقف مجددا على حافة انفجار كبير، ربما يجعله مرشحا لأن يكون الدولة التالية في مسلسل الربيع أو الخريف العربي.

عبدالله هادي
13-06-2013, 10:53 AM
لماذا انتقد بوتين الأسد؟



رغم كل دعم موسكو لنظام الأسد فإن الرئيس الروسي قام بتوجيه نقد واضح لطاغية دمشق؛ حيث يقول فلاديمير بوتين إنه كان بوسع الأسد تفهم ضرورة إجراء تغييرات جذرية في الوقت المناسب لمنع ما حدث في البلاد. وإنه كان على الحكومة السورية أن «تبادر إلى إجراء التغييرات المطلوبة»، إلى قوله: «لو كانوا قد فعلوا ذلك حينها، لما حدث ما حدث».

كما أكد بوتين أن روسيا ليست «محاميا عن الحكومة السورية الراهنة وعن الرئيس الحالي بشار الأسد»، وأن بلاده لا تريد أن تتدخل في «العلاقات بين الشيعة والسُنة»! فلماذا قال بوتين ما قاله؟ وما معنى ذلك؟ وبالطبع فإن قراءة الأحداث المتطورة، والمتلاحقة، تظهر أن الروس يريدون ممارسة حيلة جديدة على المجتمع الدولي الذي بات يسابق الساعة الآن لوقف الهجوم الإيراني - الأسدي على حلب، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد أن انطلت على أميركا، تحديدا، خدعة مؤتمر جنيف 2 التي روّج لها الروس. بينما استطاعوا، وبمساهمة إيرانية واضحة بالسلاح والرجال، تمكين الأسد على الأرض.

اليوم يتحرك الأميركيون، ومعهم الفرنسيون والبريطانيون، كما نشهد تحركا سعوديا ملحوظا، وعلى أعلى مستوى، حيث رأينا زيارة نادرة لكل من الأميرين سعود الفيصل وبندر بن سلطان لفرنسا، وكل ذلك يأتي مع حديث فرنسي واضح عن ضرورة أن يتحرك أصدقاء سوريا للرد على أصدقاء الأسد، أي إيران وحزب الله، وبغطاء سياسي روسي، والمؤكد أن موسكو أدركت حجم خيبة الأمل الأميركية تجاه حيلة جنيف 2، خصوصا أن العرب، وتحديدا الخليجيين، وكذلك الفرنسيون والبريطانيون، كانوا متشككين أصلا بذلك المؤتمر الخدعة، والآن وبعد أن حدث ما حدث على الأرض بسوريا فإن عجلة التدخل تدور بأعلى سرعة، لإنقاذ الثورة السورية من براثن الإيرانيين وحزب الله، والميليشيات الشيعية العراقية.

ولذا فإن انتقاد بوتين للأسد ما هو إلا محاولة روسية للتلويح للغرب بأن موسكو ما زالت قابلة للتفاوض حول الأسد، ومن أجل «فرملة» عجلة التحرك الدولية المتسارعة لتسليح السوريين، خصوصا أن هناك لقاء مرتقبا وهاما بين أوباما وبوتين، وبالطبع لا بد من إدراك أن بوتين رجل براغماتي ولن يجد غضاضة في التنازل عن الأسد لو توفر للروس الثمن «المرغوب» على رأس الطاغية، مع ضمان عدم سقوط النظام بالطبع، وهذا أمر وارد جدا، لكن الأهم الآن هو ألا يخدع المجتمع الدولي مرتين من الروس، ويجب ألا يكون هناك تراخ بالتحرك الدولي لدعم الثوار بالسلاح الآن وليس لتحقيق توازن بالقوة على الأرض، بل من أجل دفع روسيا وإيران إلى إدراك أن اللعبة قد انتهت، ولا مكان للأسد في سوريا. فكل ما يفعله بوتين الآن هو اللعب على الطبع المتردد للرئيس أوباما، والحقائق على الأرض تقول إنه لا مجال لمزيد من الخدع الروسية بالملف السوري، وهذه مهمة حلفاء واشنطن الآن لتأكيد ذلك للرئيس أوباما.

عبدالله هادي
13-06-2013, 10:54 AM
آلاف المجاهدين إلى سوريا




منذ عام والجماعات المتطرفة تبث دعايتها، تحث الشباب المسلم على الانخراط في الحرب في سوريا. وفعلا نجحت في توجيه المئات من جنسيات مختلفة، وقيل بلغ عددهم الآلاف.

التطور الجديد أن الرقم الآن يرتفع بشكل كبير، وسيتجاوز عدد الجهاديين في سوريا أكثر من كل ما شهدناه في العشرين سنة الماضية، في أفغانستان والعراق والصومال. أبرز الأسباب استمرار الحرب، وبشاعات جرائم النظام السوري، ودخول حزب الله وقوات إيرانية وميليشيات عراقية، كلها شيعية، حولت الحرب إلى طائفية.

أحد المهتمين بشأن الجماعات الإسلامية المتطرفة قدر أن الأرقام ستكون أكبر من كل التوقعات، يقول لا تستغرب إن تجاوزت ثلاثين ألفا خلال الأشهر المقبلة. ويعتقد، أيضا، أن الحكومات، التي زادت استنفارها الأمني، ستفشل في منعهم من السفر إلى سوريا، رغم أنها استعانت بمفتين وأئمة، وغيرهم من قيادات المجتمع الدينية، لحث الشباب على عدم السفر والقتال.

الحرب في سوريا تلهب مشاعر كثيرين، هؤلاء الذين يشعرون بأن ظلما كبيرا وقع على إخوانهم هناك، ويشعرون من منطلق ديني طائفي أن الجهاد فرض عليهم لا يكتمل إسلامهم من دونه. وتروج للحرب كثير من المنابر والمواقع الإلكترونية، تقوم بتحريضهم على القتال في سوريا.

في مقابل هذه التحديات حاولت الحكومات، وضمنها المساندة للثورة السورية، وفي مقدمتها السعودية، إقناع مواطنيها بعدم الذهاب إلى الحرب. وسعت، في المقابل، إلى دعم الجيش الحر، مؤكدة أن السوريين هم أصحاب الأرض والقضية، ولا يحتاجون إلى مقاتلين.

جرائم النظام السوري وحلفائه؛ حزب الله وإيران وروسيا، تدفع الكثيرين، على الجانبين سُنة وشيعة، للذهاب هناك والاقتتال ضد بعضهم البعض. والمشكلة لن تظل محصورة بسوريا، بل ستتسع لتشمل المنطقة كلها، فقد أحيت سوريا تنظيم القاعدة بعد أن فقد بريقه، وقتلت معظم قياداته خلال السنوات القليلة الماضية.

ولا تتفاجأوا إذا ما وجدتم بين أعداء «القاعدة» من يؤيد فتح باب الجهاد، وإرسال أكبر عدد من الراغبين في القتال، والموت هناك في سبيل القضاء على ميليشيات النظام وحلفائه. هؤلاء يعتقدون أنها معركة مصيرية ضد المعسكر الإيراني، ولن يستطيع الجيش الحر بإمكاناته المتواضعة تحقيق النصر، ولا يرون هناك حلا سياسيا سيضمن إسقاط نظام الأسد، وبالتالي الاستعانة ببضعة آلاف من الانتحاريين سيفيد في إلحاق الهزيمة بالإيرانيين ونظام الأسد. ومع أن فكرة إرسال المجاهدين، الراغبين في الموت، إلى سوريا، تغري الكثيرين ممن يجدون أن ميزان القوى قد انقلب لصالح الإيرانيين، إلا أنها نظرة قاصرة. الجماعات الجهادية ستتحول لاحقا إلى تنظيمات إرهابية ضد السوريين وضد المنطقة والعالم. ستسير في نفس طريق مجاهدي أفغانستان، الذي قاتلوا السوفيات في الثمانينات، وتحولوا بعد نهاية الحرب إلى تنظيم إرهابي صار الأكبر في العالم. الجماعات الجهادية ستتحول إلى مشكلة للشعب السوري، وستضر بوحدته ومشروعه السياسي، ليتخلص من ديكتاتور مجرم ثم يجد نفسه محكوما من جماعة متطرفة أيضا ستلجأ للإجرام لفرض مشروعها السياسي.

الخيار العسكري الوحيد هو تمكين السوريين من الدفاع عن بلدهم، بالأسلحة والدعم التدريب والمعلومات الاستخبارية. قد يقول البعض إن الدعم كان، ولا يزال، موجودا ولم يحقق النجاح، خاصة بعد دخول قوات متعددة مجهزة ومحترفة ساحة الحرب من المعسكر الإيراني. نعم، الدعم موجود لكنه لا يزال أقل بكثير من حاجات الجيش الحر الذي ظل يستغيث، طالبا المزيد من المدد. لكن يجب ألا نستهين بقوة المعارضة السورية وعزيمتها، ونحن لا ننسى أنها استولت على معظم النقاط الحدودية، والكثير من المطارات العسكرية، وبسطت وجودها على أكثر من نصف سوريا، وهذا يعني أنها قادرة على قلب المعادلة من جديد، رغم هزيمتها الأخيرة نتيجة دخول الإيرانيين وحلفائهم.

عبدالله هادي
13-06-2013, 10:55 AM
بحجة «الإسلام الراديكالي» بوتين يشارك في هذه الحرب الطائفية



لم تعد هناك حاجة للمزيد من الإثباتات على أن هذه الحرب، التي كان بشار الأسد قد بدأها بجريمة درعا في عام 2011، حرب مذهبية وطائفية، أرادتها إيران غطاء لمشروعها الفارسي التمددي في المنطقة العربية، وبمشاركة روسية فاعلة ورئيسة، دافعها الأساسي الخوف الشديد مما تعتبره الإسلام الراديكالي، الذي كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حذر منه مرارا بإطلاق تصريحاته الشهيرة التي أنذر فيها أوروبا الغربية والشرقية من غزو إسلامي جديد على غرار ما قامت به دولة الخلافة الإسلامية التركية.

لقد سمعت من رجل الدين المسيحي الفلسطيني الأب عياد رحمه الله، وهذا كان في السنوات الأولى من عقد تسعينات القرن الماضي، أن أحد كبار «الخوارنة» المسيحيين النمساويين قد زاره في إحدى كنائس فيينا التي اعتاد الإقامة في جناح الضيافة الملحق بها كلما زار العاصمة النمساوية، وأنه سأله: متى تعتقد وتتوقع أن يأتي المسلمون كـ«فاتحين» لهذه البلاد التي كانوا قد وصلوا إلى قلب عاصمتها هذه خلال فتوحاتهم السابقة في القارة الأوروبية؟!

وبالطبع، فإن جواب الأب عياد، المعروف بالتزامه الوطني الفلسطيني والتزامه القومي العربي الذي بقي متواصلا على مدى مسيرته النضالية الطويلة، كان حاضرا وتلقائيا: وهل تعتقد أن المسلمين المحاصرين في كل أقطارهم وخاصة الأقطار العربية، المحاصرين بالمؤامرات والأخطار المتعددة وأولها «الخطر الصهيوني»، يملكون مجرد ترف التفكير في غزو أوروبا مجددا وكما فعل العثمانيون في ذلك الزمان الذي بات بعيدا ومن غير الممكن العودة إليه. ولقد قال الأب عياد في جوابه هذا أيضا: إن هناك مبالغة مقصودة في التخويف والتحذير من فتوحات إسلامية كتلك الفتوحات العثمانية آنفة الذكر في القارة الأوروبية، فهذا له أهداف، من المفترض أنها لا تخفى، لا على المثقفين والمتنورين الأوروبيين ولا على رجال الدين في أوروبا، من بينها التمهيد لاستهداف الدين الإسلامي، والربط بينه وبين الإرهاب الذي لا دين له والذي بات يضرب في دول كثيرة، في مقدمتها الدول العربية والإسلامية.

إن هذا الذي سمعه الأب عياد من أحد كبار رجال الدين المسيحيين يدل على كم أن هناك بيئة غربية أميركية وأوروبية جاهزة لالتقاط تلك التصريحات، التي كان أطلقها فلاديمير بوتين في نهايات العقد الماضي من القرن الحادي والعشرين والتي حذر فيها الأوروبيين من فتوحات إسلامية جديدة على غرار تلك الفتوحات التي أوصلت العثمانيين إلى فيينا، التي تعتبر قلب القارة الأوروبية. والحقيقة أن الرئيس الروسي قد أكد أكثر من مرة، إنْ في ولايته الأولى وإنْ في ولايته الثانية وحتى في ولايته الثالثة هذه، أن لديه نزعة «صليبية» كريهة، وأنه يكره الإسلام والمسلمين، وأن لديه «فوبيا» حقيقية بحجة الخوف من الظاهرة الجهادية تجاه هذا الدين الحنيف، الذي هو الدين الأول في الجمهوريات والكيانات التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي السابق.

والمشكلة هنا، أن تطلعات فلاديمير بوتين لدق إسفين فرقة بين سنة وشيعة هذا الدين، هي التي جعلته ينحاز إلى إيران الفارسية ذات المشاريع التمددية في الشرق الأوسط، وهي التي جعلته يتبنى حرب بشار الأسد المذهبية والطائفية ضد أبناء الشعب السوري، وهي التي جعلته يسخر كل إمكانات روسيا السياسية والعسكرية لهذه الحرب القذرة، وجعلته يظهر كل هذا التشدد الذي يصل حدود الحقد الأعمى ضد المعارضة السورية، التي هي، بصورة عامة، وللأسف قول هذا، معارضة سنية مع كل الاحترام والتقدير للمشاركين فيها من الفئات الدينية والطوائف الأخرى، حتى بما في ذلك الطائفة العلوية المختطفة من قبل هذا النظام كاختطاف حسن نصر الله وحزبه للطائفة الشيعية اللبنانية الكريمة.

وهنا وحتى لا يسود اعتقاد أنه لا يوجد خلف هذا الموقف الذي يتخذه فلاديمير بوتين تجاه الصراع المحتدم في سوريا إلا هذا الموقف المؤجج لنيران الفتنة بين المسلمين من سنة وشيعة - فإنه لا بد من الإشارة إلى أن هناك أسبابا متعددة أخرى لهذا الاصطفاف الروسي إلى جانب بشار الأسد في هذه الحرب الطائفية التي يشنها على الشعب السوري، من بينها تسديد حسابات قديمة وجديدة مع الولايات المتحدة، ومن بينها أيضا استغلال ضعف هذه الإدارة الأميركية والسعي لفرض روسيا كرقم رئيس في المعادلة الدولية.

إن هذا هو واقع الحال، وأن ما لم يعد هناك أي مجال لإنكاره هو أن فلاديمير بوتين، وبدافع زرع بذور الفتنة بين المسلمين وإذكاء نيران صراع تاريخي دموي بين السنة والشيعة، على غرار ما كان سائدا في العهد الصفوي المقيت، قد تبنى حرب «القصير» التي شاركت فيها بلاده بالأسلحة، حتى المحرمة منها دوليا، وبالخبرات العسكرية وبالإعلام والسياسة، وكل هذا إلى جانب إيران وحزب الله و«الفيالق» الطائفية التي أرسلها نوري المالكي، والمتطوعين «الحوثيين» من اليمن ومن البحرين ومن دول عربية أخرى.

وهنا، فإن أكبر كذبة أطلقها نظام بشار الأسد، وتبنتها إيران وروسيا وتبناها حسن نصر الله وكل «الكتائب» الإعلامية المذهبية، هي أن بلدة «القصير» تشكل من الناحية الجغرافية عقدة استراتيجية رئيسة، وبالتالي فإن الانتصار الذي تحقق فيها قد حسم المعركة في سوريا نهائيا. والحقيقة أن هذه البلدة الصغيرة، لا هي استراتيجية ولا همْ يحزنون، وأن الحرب الأخيرة التي شهدتها كانت حربا طائفية بكل معنى الكلمة، وأن هذه الحرب قد أشعلت نيران الفتنة البغيضة بين السنة والشيعة وفتحت أبواب صراع طائفي كذلك الصراع الإسماعيلي - العثماني الذي شتت شمل المسلمين وأحرق أكبادهم واستنزف جهود أمتهم ولعقود طويلة.

وهنا أيضا، فإن ما يدل على حجم الدور الذي لعبته روسيا في هذه المعركة التي جرى النفخ في نتائجها أكثر من اللزوم لإشعار نظام بشار الأسد بأنه حقق انتصارا كان بحاجة إليه وهو لا يزال بحاجة إليه - هو أن لافروف، وزير خارجية فلاديمير بوتين، قد وضع نفسه وبلده في مواجهة الرأي العام العالمي كله وفي مواجهة لبنان وقواه الوطنية ورئيسه ميشال سليمان، وأيضا في مواجهة قطاع واسع من الشيعة اللبنانيين، بدفاعه عن تدخل حزب الله العسكري في سوريا وبدوافعه الطائفية والمذهبية التي باتت مكشوفة والتي لا علاقة لها بكذبة «الممانعة والمقاومة» الممجوجة، وغير المقنعة حتى للذين يطلقونها ويتمسكون بها.

عندما يبدي فلاديمير بوتين، سابقا ولاحقا، كل هذا العداء للإسلام والمسلمين خوفا مما يعتبره تشددا إسلاميا في الشيشان والداغستان وفي باقي المناطق الإسلامية في بلاده، وعندما يلجأ إلى تحذير الأوروبيين من فتوحات جديدة على غرار الفتوحات العثمانية القديمة، وعندما يبادر للاصطفاف، ومنذ بداية الأزمة السورية، إلى جانب نظام بشار الأسد وإلى جانب هذا المعسكر الطائفي الذي يقوده الولي الفقيه من طهران، ثم وعندما يغلق كل أبواب الحلول المعقولة المتوازنة لهذه الأزمة ويستمر في دفع الأمور نحو الصدام السني - الشيعي على غرار ما جرى في «القصير» وكما يجري الآن.. ألا يعني هذا أن روسيا متورطة في مؤامرة غدت مكشوفة على الإسلام والمسلمين، ولأسباب ومخاوف كثيرة ومتعددة، من بينها السبب آنف الذكر.

إنها مؤامرة، جرى الإعداد لها منذ أنْ بادر فلاديمير بوتين خلال ولايته الأولى والثانية إلى إطلاق تلك التصريحات التي حذر فيها أوروبا من فتوحات إسلامية جديدة، وها هي هذه المؤامرة يجري استكمالها بتبني موسكو حرب بشار الأسد، الطائفية والمذهبية، على الشعب السوري، ولتحشيد الإيرانيين عسكريا وماليا وسياسيا، ومعهم حزب الله، وشراذم الطائفيين الذين تم استقدامهم من العراق والبحرين واليمن، ومن كل حدب وصوب، للمشاركة في هذه الحرب التي كان عنوانها: «الدم يغلب السيف» وعلى غرار ما جرى خلال معركة بلدة «القصير» التي أعطيت أبعادا عسكرية، لا هي صحيحة ولا هي حقيقية.

عبدالله هادي
14-06-2013, 03:08 AM
إسرائيل تشارك إيران دعم الأسد في جنيف؟!



يبدو أن سيرغي لافروف تمكن أخيرا من لي ذراع جون كيري فيما يتصل بالأزمة السورية؛ فالحديث عن تراجع أميركا عن مواقفها وابتلاعها كل إعلاناتها الأخيرة عن أن لا مكان لبشار الأسد في الحكومة الانتقالية وأنها ستقبل تسوية تكفل بقاءه حتى انتهاء ولايته ومشاركته في الانتخابات المقبلة، إنما يعني أن واشنطن استسلمت أخيرا لموسكو!

المعارضة السورية ترفض بالطبع كل الهراء المتصل ببقاء الأسد رغم المقتلة الكبرى التي أنزلها بالسوريين، لكن وكالة «وورلد نت دايلي» الأميركية تنقل عن دبلوماسي فرنسي عريق، تعليقا على التراجع المتلاحق في مواقف واشنطن من الأزمة السورية يقول: «ليس غريبا على الأميركيين أن يبيعونا، إنهم معتادون على ذلك». والواقع أن تصريحات كيري بعد لقائه الأخير مع لافروف في باريس كشفت عن أنه يقترب من التفسير الروسي لإعلان جنيف، فقد قال: «إن البلدين ملتزمان بمبادئ اجتماع جنيف بشأن سوريا عام 2012 الذي دعا إلى تشكيل حكومة انتقالية بموافقة حكومة الرئيس الأسد وجماعات المعارضة»!

التراجع الأميركي لا يقف عند هذا الحد، وخصوصا إذا صحت الأنباء التي تحدثت قبل يومين عن أن كيري اتفق مع لافروف على إعطاء الطرفين في جنيف الحق في الاعتراض على مكونات الطرف الآخر، بما يعني إعطاء الوفد الذي سيشكله الأسد حق الاعتراض على أي عضو في وفد المعارضة، ولأن النظام يعتبر المعارضين جميعا من الإرهابيين سيظل يعترض على الأسماء ليكسب مزيدا من الوقت، في حين تبرز الآن مراهنته المستجدة على الحسم العسكري، وخصوصا بعد دخول الإيرانيين وحزب الله و«عصائب أهل الحق» العراقية، المعركة إلى جانبه!

إضافة إلى هذا، تشكل موافقة كيري على توسيع دائرة المعارضين بحيث تضم «معارضة الداخل» التي فبرك النظام معظم تلاوينها، مدخلا إضافيا لمحاصرة أي اتجاه في «جنيف - 2» لوضع نهاية لعهد الأسد وإسقاط النظام الذي جعل من سوريا بلدا مدمرا ومقبرة أسطورية. أما عندما تعلن موسكو أنها اتفقت مع واشنطن على أن دور الحكومة الانتقالية وما لها من الصلاحيات وموقع الأسد في المرحلة الانتقالية وما بعدها هي أمور يقررها السوريون أنفسهم من خلال الحوار، فإن ذلك يعني أن واشنطن تراجعت عمليا عن شرطها الذي كرره كيري دائما، أي ضرورة تنحي الأسد قبل بدء عملية الانتقال السياسي!

زيادة في الإثارة يقول نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، إن كيري تخلى أخيرا عن رفضه مشاركة إيران في المؤتمر، رغم أن الإيرانيين يقاتلون إلى جانب النظام مع أذرعهم العسكرية اللبنانية والعراقية، وليس من الواضح ما هو مبرر إشراك الإيرانيين في جنيف، وخصوصا مع وجود الظهير الروسي الذي يدعم النظام ويصر على بقاء الأسد، والذي يتولى حماية المذبحة منذ عامين ونصف العام، وقد أفشل «المبادرة العربية» وأغلق مجلس الأمن بالفيتو ثلاث مرات، كما أفشل كوفي أنان ومن بعده الأخضر الإبراهيمي.

لا ندري إذا كانت موافقة أميركا على حضور إيران قد جاءت في مقابل موافقة روسيا على حضور إسرائيل «جنيف - 2»، وهو ما يشكل في الواقع قمة الإثارة، فقد أعلن غاتيلوف أن روسيا ترحب بمشاركة إسرائيل في المؤتمر، ربما لأن هذا يدعم جبهة الحريصين على بقاء النظام، ولئن كان شر البلية ما يضحك فيكفي أن نتخيل المندوب الإيراني جالسا إلى جانب المندوب الإسرائيلي ليتشاركا التمسك ببقاء الأسد ونظامه ترجمة للمواقف المعلنة في دمشق وتل أبيب وطهران.

ففي دمشق ارتفعت مع بداية الثورة ومن داخل الأسرة الحاكمة، أصوات تقول إن سقوط النظام سيؤذي إسرائيل وينهي ذلك الهدوء المديد المستمر في الجولان منذ فك الاشتباك عام 1967، وفي تل أبيب طوفان من التصريحات التي طالما تخوفت من سقوط النظام السوري المريح، وقد جهدت الدوائر الصهيونية لتعطيل الموقف الأميركي وترك الساحة للروس في دعمهم للأسد، أما إيران التي تعتبر أن «سوريا الأسد» هي الولاية الإيرانية رقم 35، فليس غريبا أن تقاتل إلى جانب النظام الذي تديره كما تدير بلدية طهران!

وسط هذه الخريطة العجيبة ليس من الواضح أولا: كيف يمكن للمعارضة أن تذهب إلى مؤتمر يطالبها بالإذعان.. وادفنوا قتلاكم وعودوا إلى بيت الطاعة الأسدي؟ وثانيا: كيف يمكن تصديق أو تفسير تخريجات السيد حسن نصر الله الذي اعترف أخيرا بدخول الحرب إلى جانب الأسد، ليس دفاعا عن المقامات الروحية فحسب، بل «لحماية ظهر المقاومة من إسرائيل»، لكن إسرائيل تبدو شريكا مضاربا في الدفاع عن الأسد يقف في خندق واحد مع الإيرانيين والروس!


----------------------------------------------------------




ثلاثة أشهر ملتهبة.. والقصير بــوابـة جحيم إقليمي!



يقاتل الإيرانيون بقواتهم وأذرعهم العسكرية اللبنانية والعراقية في سوريا لحماية نظامهم قبل حماية نظام بشار الأسد. كان ذلك واضحا منذ بداية الانتفاضة في درعا، فمع خروج المظاهرات المطالبة بالإصلاح، بكّرت طهران بوصف المتظاهرين بأنهم حفنة من المدسوسين من إسرائيل وأميركا لتخريب النظام وضرب محور المقاومة.. حدث ذلك تقريبا عندما كان الأسد يطمئن نفسه وأركان نظامه بالقول إن رياح التغيير التي تعصف في الدول العربية لن تصل إلى سوريا و«من لا يصدق فهو لا يعرف الشعب السوري»!

لكن سرعان ما تبين أن الأسد هو من لا يعرف هذا الشعب الذي انفجر بعدما تعرض للاضطهاد أربعة عقود. وعلى امتداد سبعة أشهر كانت سوريا تشهد ما بين 200 و300 نقطة تظاهر يوميا، في حين أصر هو دائما على القول إن المتظاهرين هم حفنة من العملاء المأجورين والإرهابيين المدسوسين وإن الجيش سيعرف كيف يقمعهم.

الصورة من طهران لم تكن مريحة لنظام الملالي منذ اندلاع الثورة، لأنهم يعرفون أن خسارتهم سوريا ستؤدي في النهاية إلى عزلة نظامهم في إيران التي تعاني من أزمة اقتصادية متصاعدة ومن احتقان اجتماعي، خصوصا بعد قمع «الثورة الخضراء» بالقوة، وليس سرا أن انهيار القاعدة السورية في جسر المصالح الإيرانية الممتد من مشهد في شمال شرقي إيران إلى جنوب لبنان، مرورا بعراق نوري المالكي، سيشكل كارثة تلحق بهم، فالنظام السوري هو خط الدفاع الأول عن النظام الإيراني وسقوطه سيفقد طهران مواقع نفوذ وأوراقا حيوية عملت ثلاثة عقود على ترسيخها.

عندما بكّر المرشد علي خامنئي بالقول: «لن نسمح بسقوط النظام السوري» بعد اتساع سيطرة المعارضة على الأرض، كان واضحا أنه يتخوف من أن سقوط الأسد سيؤدي فورا إلى سقوط قواعد النفوذ الإيراني في اتجاهين:

- غربا عبر انهيار العلاقة مع حركة حماس وانقطاع خطوط الإمداد مع حزب الله بما يفقد طهران التماس الميداني مع القضية الفلسطينية التي طالما استعملتها للمزايدة على العرب، وبما يؤدي أيضا إلى سحب أقدام الإيرانيين من مياه المتوسط في غزة ولبنان ويفقدهم ورقة ضغط حيوية في المسألة النووية.

- شرقا بما يؤدي إلى انهيار حتمي لحكومة نوري المالكي التي تديرها طهران بعدما أورثتها المخططات الأميركية العراق، توصلا إلى كشف الغطاء عن بئر الأفاعي وإيقاظ كل الكراهيات المذهبية في المنطقة، فإذا وصلت الأمور إلى هذه النهايات، فسيؤدي هذا إلى انحسار نفوذ إيران في المنطقة ويعيدها إلى الضفة الفارسية، وعندها سيواجه الملالي طوفان مشكلاتهم الداخلية.

على طريقة الأوعية المتصلة، كان واضحا دائما أنه كلما كسبت المعارضة السورية موقعا من النظام، ازدادت المخاوف الإيرانية. ومع الإعلان عن بدء «معركة دمشق» قبل خمسة أشهر، قررت طهران أن تدخل المعركة بكل قوتها وأن تزج فيها بحزب الله و«عصائب أهل الحق» و«كتائب أبي الفضل العباس».. وفي هذا السياق، تؤكد تقارير موثوقة أن الدبلوماسي الإيراني المعارض فرزاد فرهنيكان كشف خلال مشاركته في المؤتمر الدولي لنصرة المعارضة الإيرانية الذي عقد في جنيف، عن اجتماع للقيادة العليا الإيرانية ضم المرشد علي خامنئي وعلي لاريجاني وعلي أكبر صالحي وسعيد جليلي وحيدر مصلحي وأحمد وحيدي وقادة الحرس الثوري، واتخذ قرارا مفاده، أن سقوط نظام الأسد أو حكومة نوري المالكي هما خط أحمر لا يمكن القبول به، وأن حدوث ذلك يعني «إعلان الحرب على إيران»، وهو ما أشار إليه خامنئي شخصيا.

يقول الدبلوماسي الإيراني المنشق إن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون دقيقة وخطرة على منطقة الشرق الأوسط، لأن طهران قررت شن الحرب على جبهتين؛ سياسية للتمويه، وهي التي حملت علي أكبر صالحي على زيارة عواصم عربية وتكثيف الاتصالات لكسب «مصر الإخوان».. وعسكرية دفعت بحزب الله إلى المعركة بإعلان صريح من حسن نصر الله، الذي تردد أن خامنئي طلب منه الانخراط كليا في الحرب «ومهما كان الثمن»، كذلك زجت بالعراقيين في المعارك، ونشرت الصحف الإيرانية صورا للمتطوعين أمام مقرات قوات التعبئة التابعة للحرس الثوري لتسجيل أسمائهم بغية القتال في سوريا.

إضافة إلى هذا، يقول فرهنيكان إن طهران طلبت من الحوثيين القيام بعمليات تخريبية في اليمن، فكان الهجوم في صنعاء قبل أيام، كما طلبت افتعال صدامات حدودية جديدة، وإشعال الساحة في البحرين.. وفي السياق «إياه» طلبت من قادة «القاعدة» المقيمين في طهران والمتعاطفين معها تحريك الخلايا التخريبية في دول مجلس التعاون الخليجي لخلق حال إلهاء خلفية تساعد الأسد على تعويم نفسه ميدانيا.. لكن الدخول إلى المستنقع الدموي في سوريا قد يبتلع إيران قبل غيرها، والقصير مجرد بـوابـة إلى الجحيم.

عبدالله هادي
14-06-2013, 03:09 AM
نصر الله.. محرر الأمة!



يحلو لقدامى «المناضلين» التقدميين العرب أن يصطحبوا معهم نفس النظارات القديمة لمشاهدة واقع جديد، واقع ثلاثي الأبعاد، لا تقدر النظارات العتيقة على رؤيته بصفاء. بالنسبة لهؤلاء نظام بشار الأسد نظام عروبي تقدمي مناضل ومقاوم، يواجه هجمة إمبريالية، ومؤامرة كونية، وغزوا أميركيا بـ«أدوات» عربية رجعية، والإشارة هنا واضحة للدول الخليجية، اعتمادا على القاموس البعثي واليساري.

كل هذا القتل والفجور الذي مارسه نظام بشار وميليشيا حسن نصر الله في سوريا منذ أكثر من سنتين، لا يراه هؤلاء بنظاراتهم العتيقة، القصة فقط جبهة النصرة وكتائب التكفيريين (الاسم السري الجديد للسُنة). أما، مثلا، مجازر الحولة، وبابا عمرو، وحمص، والبيضا في بانياس، وتقطيع الطفل حمزة الخطيب، فليست سوى مؤامرة إمبريالية!

حتى اشتراك حسن نصر الله، في معارك سوريا، وهو ما يفترض أنه، حسب خطاب الرفاق، عمل «رجعي، لأنه بدافع طائفي، لا يراه هؤلاء بنظاراتهم العتيقة، فقط يرون التكفيريين» السُنة. هم يمشون، وهم أهل التقدم والتحرر، خلف معمم خميني التكوين والثقافة، يؤمن بولاية الفقيه. يرون هذا المعمم تقدميا ثوريا، ويغضون النظر عن عمامته وما تحت عمامته من أفكار ضد التحرر الفكري والاجتماعي، حسب ثقافتهم التي يدينون بها الرجعيين من «السُنة»!

حالة ضياع، وهلوسة، لا مثيل لها، ويريدون أن يحاربوا الطائفية بعد هذا كله، وهم من يغرسها غرسا، ويستثيرها من مكامنها، تارة بدافع طائفي خفي، وتارة بدافع آيديولوجي عمي. قبل أيام، قرأت مقالة لـ«المناضل» الفلسطيني، التقدمي بسام أبو شريف بعد جريمة نصر الله وحزبه في المشاركة في حصار القصير السورية، وقتل أهلها، يشيد فيها بما فعله هذا الحزب الطائفي، وحجته في هذا مقتضيات المعركة مع الإمبريالية، ويصف مقاتلي ميليشيا حزب الله بـأنهم «الرجال الصادقون الذين يمتلكون الرؤية السليمة». ويتحدث عمن: «يفتحون لكل مناضل الأبواب للمشاركة في معركة تحرير الأمة. ومقاومة التمدد الاستعماري، ويقف هذه الأيام في طليعة هؤلاء الرجال الصامتين والمرابطين السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله ومناضلو حزبه ومناضلو المقاومة الذين يتصدون للمخطط الصهيوني الاستعماري».

لا تعليق على هذا الكلام غير الأسى على «ابتذال» قضية فلسطين في معركة يندى لها جبين الإنسانية. لا لوم على حسن نصر الله، وقبله عماد مغنية، في الانخراط الصريح في مشروع الخمينية السياسية الفارسية، اللوم والأسى هو في استمرار وجود مثل هذا التفكير، ربما لذلك نعيد إنتاج الخيبات والأزمات باستمرار.

جبهة النصرة، وكل فعل سُني متوحش، مدان، من قبلُ ومن بعد، ولسنا بحاجة لشهادات تزكية في هذا، لكن توهج التطرف القتالي السني الآن ليس سوى المقابل الموضوعي لوجود مثل حزب الله، الذي رفع مقاتلوه شعارات طائفية على مآذن القصير، لا يريد السيد أبو شريف رؤيتها.

هل كانت قضية فلسطين تدار كل هذه السنين بمثل هذا التفكير؟

عبدالله هادي
14-06-2013, 03:10 AM
ماذا يريد الإيرانيون.. وأين العرب؟!



لماذا قامت الثورة في سوريا؟ من الناس من يقول إنها ناتجة عن تراكمات امتدت لعدة عقود، وشجعها على التفجر الحراك الثوري ونتائجه في تونس ومصر وليبيا واليمن. ومن الناس من يقول: بل إن سوء تصرف النظام هو الذي حول المعارضة المتواضعة إلى ثورة عارمة. وقد ظهر منذ البداية الذين مع النظام، والذين ضده، والمتوسطون الذين طالبوه بالإصلاح. أما الذين كانوا معه علنا منذ البداية فهم الروس والإيرانيون، وإن اختلط كلامهما على قلة بذكر الإصلاح مع التأكيد أن النظام قام بأكثر مما طلب منه! وأما الذين ضده فما كانوا كثيرين، وأقصد بين الدول. بل كان مؤيدو الثورة جميعا تقريبا من الشعوب العربية وبعض المثقفين. وظلت الأنظمة المعروفة بالعلاقات الطيبة أو المقبولة مع النظام مثل قطر وتركيا والسعودية تتصل بالرئيس الأسد، وتسأله عن الأوضاع، وترجوه وترسل إليه وفودا من أجل مطالبته بالإسراع في الإصلاح الاقتصادي والسياسي، ومن ضمن ذلك إسقاط نظام الطوارئ، وتغيير الدستور، ورفع قبضة الأمن والمخابرات عن الناس، والسماح بالتظاهر السلمي. ويمكن القول إنه حتى نهاية عام 2011؛ فإن الحال ظل على هذا المنوال. وما بدأت المواقف بالتمايز والافتراق إلا منذ مطلع عام 2012، وكان عدد القتلى قد تجاوز الخمسة آلاف. وقتها قاطع كثير من العرب النظام السوري، ولجأوا إلى الآليات المعروفة بالجامعة العربية. ووقتها بدأ الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون والأتراك يطالبون الأسد بالتنحي، في حين كف الروس نهائيا عن مطالبة الأسد بالإصلاح، وقالوا إن الشعب السوري يؤيد الأسد، وإن الثائرين متطرفون، وإن التدخل العسكري الخارجي سيشعل حربا طويلة. أما الإيرانيون فقالوا عبر زياراتهم للأسد وتصريحاتهم وخطابات السيد نصر الله، إنهم مع الأسد لأن نظامه نظام مقاومة وممانعة، وتلاهم المالكي الذي كان أول من تحدث عن تفاوض وحل سياسي أو تحدث حرب أهلية!

إن الذي يبدو الآن وبعد نحو السنتين والثلاثة أشهر على الثورة، أن الروس والإيرانيين ما بدأوا بالخوف على النظام إلا في الربع الأول من عام 2012. ووقتها أخذ الروس على عاتقهم تعطيل القرارات في مجلس الأمن، وإمداد النظام بالسلاح الثقيل والخبراء؛ في حين تدفقت الأموال من إيران ومن العراق بصيغ مختلفة من هبات وقروض وتسهيلات، مع كميات هائلة من السلاح المتوسط والثقيل، وعدة مئات من الخبراء صاروا الآن ألوفا! فمنذ أواسط عام 2012 وإلى اليوم يزداد وجود الإيرانيين على الأرض السورية، لكنهم يتجنبون حتى الآن إرسال عساكر للقتال على الأرض من فيلق القدس وغيره من فيالق الحرس الثوري. وقد أنشأوا في أكتوبر (تشرين الأول) 2012 قيادة مستقلة في سوريا أرادوا أن يجمعوا لها ستين ألفا من العلويين وشيعة العرب والعالم، ثم تواضع هذا العدد إلى ما بين ثلاثين وأربعين ألفا، وصل منهم حتى الآن خمسة وعشرون ألفا أكثرهم من حزب الله ومن العراق.

ماذا يريد الإيرانيون في سوريا؟ لقد صدرت عن خامنئي في عام 2012 فتويان، الأولى يذكر فيها أن على المسلمين دعم النظام في سوريا؛ لأن الثائرين عليه تحركهم أميركا وإسرائيل، وتمدهم بالمال والسلاح! والثانية يذكر فيها أخيرا أن التكفيريين (السُنة) يهددون بإبادة الشيعة، وهم يتمركزون في سوريا، ولا بد من مكافحتهم قبل فوات الأوان! وفي ذلك الوقت كان خطاب نصر الله إلى كوادره ينتقل من حماية اللبنانيين (الشيعة) في سوريا إلى حماية المقدسات، ومصارعة التكفيريين، ويأتي هدف دعم النظام تاليا. وإذا اعتبرنا بالفعل أن دخولهم القتالي في النزاع السوري، ثم في النزاع المذهبي، هو في جزء منه تنسيق مع الروس، ودغدغة لأميركا وإسرائيل، وهاتان لا هم لهما غير «القاعدة» والإرهابيين؛ فهل هذان الأمران كافيان لهذا الاستقتال؟ لا يبدو ذلك كافيا إلا في ضوء أربعة أمور: استتباب الأمر للإيرانيين في الدول العربية الثلاث، العراق، وسوريا، ولبنان، منذ عامي 2008 و2009، والطمع في الاستمرار. ومحاولة «استنباط» بدائل في حال سقوط النظام أو فوزه، أي أن يكونوا موجودين بكثافة على الأرض. ومنافسة تركيا ومصارعة العرب على هذه المنطقة وعلى حدودهم. ومساومة الولايات المتحدة وإسرائيل على الأمن والعسكر والمسائل الأخرى خارج حدود إيران. ومن الطريف أن هذا العامل الطائفي أو المذهبي الذي بدا أخيرا بصورة فاقعة كان له جانبان إذا صح التعبير: الجانب الأول تكفير السُنة مما يسهل قتالهم ويحشد شبان الشيعة باعتبار مقدساتهم مهددة. والجانب الثاني: التقرب من العلويين دينيا باعتبارهم شيعة. فقد صدرت في لبنان وإيران والعراق خلال عام 2012 عدة كتب عن إيمان العلويين وولائهم لأهل البيت. كما صدرت في الوقت نفسه دراسات عن تعصب السُنة وحاجة الأقليات الإثنية والدينية لـ«التسامح» الإيراني! وإذا قال أحد إن الشيعة في العراق أخذوا السلطة هناك لأنهم أكثرية؛ ومن حق سُنة سوريا بالتالي أخذ السلطة في بلادهم لأنهم كثرة ساحقة؛ فإن صحيفة «كيهان» تذكر، وكذلك ولي نصر في «صحوة الشيعة»، أن الكثرة السنية مبالغ فيها، وأنهم لا يزيدون في سوريا على الـ55 في المائة، بالإضافة إلى أن الشيعة في لبنان هم نصف السكان، وفي العراق أكثر من 70 في المائة، وعلى أي حال فإن العبرة ليست بالكثرة، بل بالتأهل، والسُنة ليسوا مؤهلين لتولي السلطة في سوريا أو في غيرها لاستيلاء المتشددين عليهم، ولأنهم لا يستطيعون تأمين قبول الأقليات وعيشها، ولأنهم عجزوا عن التصدي للقضايا الكبرى مثل قضية فلسطين! فدعوى العجز وعدم التأهل لدى «المنظّرين» المتكاثرين للراية الإيرانية الشيعية لا يتناول السُنة وحسب، بل يتناول العرب أيضا!

إن خلاصة الأمر بالنسبة لإيران بعد هذه الدعاوى الكثيرة أن من حقها السيطرة على العراق وسوريا ولبنان. وإذا كانت تحاجج بما ذكرناه في المحادثات السرية والمخابراتية؛ فإنها لا تحاججنا بالداخل العربي إلا بالقوة الميليشياوية. وقد قال خامنئي مرارا وكذلك نصر الله: «لقد جربتمونا مرارا وفشلتم، وحذارِ من خوض التجربة مرة أخرى أو تهلكون»!

ماذا فعل العرب لمواجهة هذه الاندفاعة الإيرانية الجديدة؟ في الواقع، ومن دون رثاء للنفس أو شتم لها، هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها العرب فعل شيء لمواجهة المطامح والمطامع الإيرانية. فهم ما فعلوا شيئا عندما استولى الإيرانيون بواسطة الأميركيين على العراق. وما فعلوا شيئا عندما نشروا هم ونظام الأسد الاضطراب والاغتيالات في لبنان وصولا للاستيلاء على حكومته منذ عام 2011، بل إن بعضهم حاول دائما الإقناع بالخضوع لهم. وما فعلوا شيئا حقيقيا من قبل ومن بعد عندما سيطرت إيران على غزة بواسطة حماس منذ عام 2007، ومعها قسم كبير من القضية الفلسطينية!

لقد فتحت الثورة السورية وسط المآسي والآلام والكوارث الناجمة عن حرب الإبادة التي يمارسها النظام وإيران وروسيا، الباب للعرب دولا ومتطوعين لإخراج المشرق العربي من النير الإيراني، ومن الشرذمة الطائفية التي تسللت إلى الخليج واليمن أيضا، وما كان الدعم العربي للثورة السورية كافيا بالطبع، بدليل ما حصل في القصير وغيرها في الأسابيع الأخيرة.

إن المساعي العربية لنصرة الثورة السورية هي مساعٍ دفاعية. وهي في حال نجاحها أو تقدمها لا تفيد السوريين فقط؛ بل تفيد اللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين أيضا. وهي تحفظ الاستقرار والمنعة في الخليج وما وراءه. وستكون تلك المساعي، إن نجحت أيضا، ثاني انكسار تعانيه إيران في منطقتنا بعد التحدي الذي صنعته دماء السوريين.

عبدالله هادي
15-06-2013, 04:31 PM
أولاد عبد الناصر.. حول بشار الأسد


وجه عبد الحكيم عبد الناصر، رسائل تهنئة إلى عدد من أصدقائه بمناسبة احتلال عصابات بشار الأسد وحزب الله مدينة القصير السورية، وسبي نسائها وقتل رجالها، وارتكاب مجازر بشعة بحق الآلاف من أطفالها وشيوخها.

قال عبد الحكيم عبد الناصر في رسائل التهنئة: إن الجيش العربي السوري الذي انتصر على العصابات الإرهابية، هو الجيش العربي الأول، جيش الجمهورية العربية المتحدة.

يندرج الخبر المذهل، تحت عنوان: صدق أو لا تصدق، لذا بادرت للاتصال بالدكتورة هدى جمال عبد الناصر، عبر رسالة هاتفية كتبت فيها: الحقي شقيقك عبد الحكيم فقد فعل كذا وكذا.

بعد ثلاث دقائق، تتصل بي د. هدى لتسألني الخبر، فقلت لها إن عبد الحكيم أرسل هذه الرسالة إلى أمين عام حركة الناصريين الأحرار في لبنان د. زياد العجوز، وهو الذي أخبرني به، وأرسله لي ثانية إلى هاتفي.

صرخت د. هدى قائلة: يا خبر أبيض.. ده مش معقول. ثم لخصت لي الموقف تفسيرا لموقف شقيقها الصغير بالنقاط التالية:

* إن جمال عبد الناصر ليس مسؤولا عن سلوكيات أولاده وقد رحل عنهم منذ 43 سنة.

* إن عبد الحكيم ليس سوى مهندس، لا علاقة له بالسياسة.

* إن عبد الحكيم واقع تحت تأثير حمدين صباحي، وإن حمدين لا يهمه سوى زعامته وترتيب أوضاعه.وكانت د. هدى ردت على حمدين صباحي، عندما دعا هذا الأخير إلى إقفال قناة السويس أمام سفن البلدان التي تمول بناء سد النهضة الإثيوبي الذي سيقلص حتما من المياه التي تحصل عليها مصر من نهر النيل (55 مليار متر مكعب سنويا.. لتصبح نحو 43 مليار متر مكعب سنويا).

قالت د. هدى في حديث صحافي إن المرور في قناة السويس محكوم باتفاقيات دولية، ملزمة لمصر، إلا للدول التي تعلن حالة الحرب عليها، وإذا أرادت مصر علاجا لمشكلتها مع إثيوبيا فلتلجأ إلى الاتفاقيات الدولية معها، أو تحتكم إلى القانون الدولي (يقول الخبير القانوني الدولي د. علي الغتيت، إن اتفاقية 1902 بين دول حوض النيل تنص على التحكيم الدولي في حال حصول خلاف بين أعضائها).

مواقف حمدين صباحي الداعمة لبشار الأسد، ليست خافية على أحد، وقد حاول كثير من قيادات المعارضة السورية اللاجئين إلى القاهرة، في أحاديثهم معه كسب موقف إعلامي واحد لصالح الثورة السورية ضد الطاغية المستبد دون جدوى.

بل إن حمدين وفي حمأة العدوان الذي يقوم به حزب الله ضد شعب سورية، منذ سنتين على الأقل، أعلن في حديث صحافي أنه إذا تسلم السلطة في مصر، فسيعلن تحالفه مع الحزب المذكور. وحمدين نفسه هو الذي اعتذر للإخوان المسلمين عما سماه اضطهاد عبد الناصر لهم.. وهو يرى كيف يرفع المصريون الآن، صور عبد الناصر نكاية بالإخوان المسلمين. وكان وفد من الحزب العربي الناصري بقيادة أمينه العام (المتنازع على الرئاسة مع سامح عاشور) أحمد حسن زار بشار الأسد منذ عدة أشهر وأعلن مبايعته زعيما للأمة العربية، متطاولا على ثورة الشعب السوري ضد الديكتاتور المتوحش، وقد كتبت يومها في مجلة «المصور» المصرية مقالا وضعت عنوانه على غلافها: ناصريون في مصر، شبيحة عند بشار.

الكاتب الناصري رفعت سيد أحمد اتهم السوريين الثائرين على بشار الأسد بأنهم ليسوا سوريين وليسوا ثوارا.

أما سامح عاشور فمن الذين وقفوا في دمشق أمام بشار مسلمين له راية عبد الناصر (لقد أعطى من لا يملك لمن لا يستحق).

لم يعد خافيا على أحد، لائحة أسماء القابضين من قسائم النفط التي وزعها صدام حسين قبل احتلال العراق في 20-3-2003، والتي نشرتها جريدة «المدى» العراقية عام 2004، وتضم أسماء ناصريين وقوميين عرب من مصر ولبنان. مقابل إعلان تأييدهم لسلطته على شعب العراق.. التي أنتجت الحروب والاستعباد والقتل والسجون والتعذيب طيلة عقود في بلاد الرافدين.

أما «كبيرهم» محمد حسنين هيكل، فإنه كان وما زال قائد كتيبة الإعلام الإيراني في مصر، مدافعا عن سياسات نظام طهران في إيران، وسوريا والعراق ولبنان، مدافعا عن احتلال حزب الله لبيروت عام 2008، مبررا قمع الثورة الخضراء في إيران عام 2009، شامتا بثورة الشعب السوري ضد المجرم الذي يحكمه عام 2011، تحت زعم أن الثورة لا يمكن أن تنتصر لأن حلب ودمشق لم تشارك فيها، فلما خرجت حلب كلها ودمشق وريفها من تحت حراب عصابات الأسد.. صمت هيكل عن الثورة صمت القبور. وهكذا.. يرسم كثير من الناصريين في مصر ولبنان، المتحالفين مع نظام طهران الشعوبي. ومع نظام بشار المذهبي، وتحالفهم السابق مع صدام حسين ومعمر القذافي، أسوأ صورة عن الرجل الذي يقيم الكرامة والاستقلال والانحياز إلى الفقراء في كل مكان.. ويزعمون أنهم من أنصاره.

لم يعد يهم هؤلاء الناصريين، حقوق الناس في البلدان التي يمن حكامها عليهم بفتات الدنانير والدولارات، من أجل رفع صور الحكام المستبدين، ومحاولة تغطية جرائمهم ضد الناس بكتابات ومقالات وزيارات يبايعون فيها الحاكم المجرم، حتى بات مرتبطا في أذهان الناس أن الاستبداد هو صناعة قومية، يلهث وراءها ناصريون من أجل لقمة العيش والوجاهة.

غير أن الصورة ليست هكذا دائما.. ففي سوريا مثلما هناك ناصريون يبايعون بشار الأسد كما بايعوا والده من أجل كرسي حكم تأتى عبر انتمائهم إلى ما يسمى «الجبهة الوطنية التقدمية».. فإن في سوريا ناصريين حاربوا نظام الأسد الأب والابن وما تراجعوا رغم تعرضهم للسجون والنفي والطرد من الوظائف.. وفي مقدمتهم مؤسس الاتحاد الاشتراكي العربي في سوريا د. جمال الأتاسي (رحمه الله) وابنته المناضلة سهير الأتاسي، ومؤسس التيار الشعبي الحر في سوريا ضد بشار د. خالد الناصر.. والكاتب الصحافي محمد خليفة.. والآلاف غيرهم وكلهم مشاركون بفعالية في الثورة ضد الوحش بشار.

وفي لبنان ناصريون يرفضون مواقف المرتزقة عند الأنظمة المستبدة، حتى لو رفعوا صور جمال عبد الناصر، ويعرضون حياتهم للمخاطرة وهم يتحدون حزب الله وإرهابه، مثل زياد العجوز وحركة الناصريين المستقلين - المرابطون وحزب الاتحاد - والحركة التصحيحية بقيادة حسن شلحة ومحمد عز الدين.

هؤلاء وغيرهم يجدون في مواقف د. هدى جمال عبد الناصر نموذجا يحتذى لتوكيد المبادئ والمثل العليا التي اعتنقوها منذ عشرات السنين.

فهدى عبد الناصر، تقف مع ثورة الشعب السوري ضد الطاغية بشار الأسد.. وقد سمعت منها أن بشار هو أسوأ من هتلر، لأن هتلر الذي حارب الكثيرين لم يطلق النار ويصب حمم المدفعية والطائرات والأسلحة الكيماوية على شعبه، مثلما يفعل السفاح بشار الأسد ضد السوريين من أجل أن يبقى في السلطة.وعبد الناصر هو الذي أوقف أي عمل عسكري ضد الذين ارتكبوا جريمة الانفصال عام 1961، وأعاد الجنود المصريين الذين كانوا أنزلوا في اللاذقية لنجدة القوى الوحدوية في سوريا، التي عارضت الانفصال، لمنع الاشتباك وإسالة دماء عربية بأيدٍ عربية.

وهو الذي وافق على استعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية، ولم يعترض على استعادة مقعدها في الأمم المتحدة بعد انهيار دولة الوحدة التي ضمتها مع مصر.

وهو الذي قال أعان الله سوريا على ما ابتلاها في ظل حكم حزب البعث لها.




* رئيس تحرير مجلة «الشراع» اللبنانية

عبدالله هادي
15-06-2013, 04:33 PM
سوريا: «ليبيا 2» لا «جنيف 2»


فاجأنا باراك أوباما بتغييره موقفه، وتبنيه سياسة هجومية أقل قليلا من إعلان الحرب. ومع أن المعارضة تقول إن قراره قرار متأخر لكن الأفضل أن يأتي أوباما متأخرا على ألا يأتي أبدا.

بعد اعتراف البيت الأبيض أن نظام الأسد تجاوز الخط الأحمر باستخدامه السلاح الكيماوي وسيعاقب عليه، أصبحنا بعيدين من جنيف 2 وقريبين من ليبيا 2.

التوجه الآن سيكون نحو إسقاط النظام، عبر خليط من التدخل الخارجي ودعم الثوار السوريين على الأرض.

حتى نعرف كيف آلت إليه الأمور علينا أن نضعها في إطار زمن الأزمة السورية. فقبل عام كان الرئيس السوري بشار الأسد كاد يخسر عسكريا بصورة سريعة أمام ضربات الجيش الحر الذين استولوا على أكثر من نصف المعابر الحدودية، وبات الجميع يظن أنه ساقط خلال بضعة أشهر. أقنع الروس والإيرانيين برفع حجم ونوعية مساعداتهم، وفعلا عززت قواته التي كانت في حال يرثى لها. انقلب الميزان وبان ضعف الجيش الحر الذي خسر في حمص، وحتى دمشق إلى شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي. حينها حصل على دعم كبير من دول، أبرزها السعودية التي قررت أن تتولى قيادة النشاط حيال سوريا. وفتحت الجبهة الأردنية لتقديم المساعدات الإنسانية واللوجيستية المهمة، ووصلت كميات أسلحة كبيرة. جاءت النتيجة سريعة بانتصارات للجيش الحر. حلفاء الأسد وجدوا أن قواته تقصف المدن بشراسة، لكنها لا تكسب المعارك وأصبحت تخسر تباعا، ووجدوا أنه لن يفيد قوات الأسد المهزومة معنويا وميدانيا بإمكانيات أفضل، لذا قرروا خوض الحرب بقواتهم. قرار جريء من الإيرانيين الذين شعروا أن الأميركيين لا يملكون الشهية للقتال. وخلال الشهرين الماضيين تواترت شهادات عيان عن قوات إيرانية وميليشيات حزب الله وعراقية تقاتل بنفسها. القصير كانت معركة حاسمة، ليس كما قيل إنها استراتيجية، بل كانت دعائية للجانبين. اتضح بشكل لا جدال فيه أن آلافا من قوات حزب الله هي التي قاتلت بنفسها، واستولت على القصير والبلدات المجاورة. الآن، لم تعد الحرب بين السوريين أنفسهم؛ جيش الأسد ضد الجيش الحر، بل انخرطت فيها إيران مباشرة وحلفاؤها يقاتلون الجيش الحر الأقل عددا وعدة. هنا تغيرت المعادلة، وأصبح انتصار الأسد ممكنا، وذلك لأول مرة منذ اندلاع الثورة قبل سبعة وعشرين شهرا.

القصير كانت موقعة مهمة أيقظت الجميع. الموقف الخليجي، وكذلك تأييد بريطانيا وفرنسا، قرع الأجراس في واشنطن معلنين أن احتلال إيران لدولة إقليمية كبرى اسمها سوريا سيغير معادلة المنطقة كلها. وعقد مؤتمر جنيف، الذي كان في أساسه فكرة إيرانية قبل أكثر من عام، تبنتها روسيا، يهدف إلى الإعلان عن واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط المضطربة أصلا، تصبح فيه طهران اللاعب الرئيس. وصار السؤال الذي يلح طرحه: كيف يمكن السماح لإيران المحاصرة أن تتمدد جغرافياً وتصبح مركز الحركة في العراق وسوريا ولبنان؟

ورغم مؤشرات التغيير المهمة في واشنطن لا نريد أن نقول إن المعركة حسمت؛ لأنها معقدة ولا تزال حبلى بالمفاجآت. قد تحسم في شهر أغسطس (آب) هذا القريب، وربما تحتاج إلى عامين آخرين. إنما الأكيد أن التبدل في المواقف الدولية تطور سياسي وعسكري مهم سيلقي بظلاله خلال الأيام المقبلة. والأرجح أنه سيحقق أخيرا بناء منطقة محمية دوليا، محمية من قبل الناتو بالتعاون مع دول الخليج. وسيتم دعم الجيش الحر علانية بأسلحة نوعية، ومعلومات مهمة في الحسم العسكري على الأرض. وإذا لم يكن هناك تقدم سياسي من قبل النظام السوري، مثل أن يعلن عن انتخابات مبكرة بنهاية هذا العام بدلا من صيف العام المقبل، ومن دون أن تثبت إيران وحلفاؤها أنها سحبت قواتها من سوريا، وهذا أمر مستبعد، فإننا نتجه نحو الحل الليبي، حينما قامت قوات الناتو بإسقاط نظام القذافي، بعد أن عجز الثوار عن الحسم.

عبدالله هادي
15-06-2013, 04:36 PM
حرب اقتصادية على الأسد وأتباعه!


تعود إلى الساحة السياسية العربية وبقوة شعارات الدعوة لمقاطعة المنتجات، وهذه المرة أتت من نصيب منتجات إيران، وبدرجة أقل المنتجات الروسية والشركات «المحسوبة» على حزب الله.

هناك قناعة جديدة وقوية ومتصاعدة بأن الفاتورة الاقتصادية وألمها هي وسيلة وورقة ضغط لا بد من استغلالها بشكل فعال وعملي وقوي، وبدأت الكويت في إطلاق حملة شعبية منظمة تدعو للمقاطعة الكاملة للبضائع والمنتجات الإيرانية، وبدأت الكثير من المتاجر في إعادة صناديق السلع الإيرانية إلى التجار الذين استوردوها.

إيران وروسيا وميليشيات حزب الله الإرهابية تمكنوا بسبب دعمهم لنظام بشار الأسد والدموي الذي يقتل شعبه لأكثر من سنتين الآن، من أن يتحولوا إلى أعداء صريحين للعالم الإسلامي بأسره. إيران وروسيا وحزب الله اختاروا مناصرة نظام دموي، وبالتالي معاداة مئات الملايين من المسلمين والعرب، إنه خيار خاطئ ومن الواضح جدا أن ثمنا فادحا سيدفع لقاء هذا الاختيار.

إيران تنهك اقتصاديا جراء دعمها «الهائل» لنظام بشار الأسد المنتهي سياسيا والمدغدغ اقتصاديا والمنهك تماما عسكريا وعليها دعمه إلى آخر رمق منعا لسقوطه، ولكن إيران نفسها تعاني المر من وضع اقتصادي متهالك نتيجة العقوبات الاقتصادية الكبيرة التي أصابتها جراء برنامجها النووي المثير للجدل، وكذلك دعمها القديم المتواصل لميليشيات حزب الله الإرهابية، والذي كبدها حملا اقتصاديا ليس بالقليل، ولكن الحرس الثوري تحديدا كان يعد هذه المصاريف بمثابة استثمار أو حملة ترويج يدعم بها واجهته التي أقنعت الشارع العربي بأنه حزب معني بالمقاومة وأن زعيم الميليشيا هو قائد وزعيم شعبي عريض، ولكن مع دخول الميليشيا إلى سوريا للقتال بجوار نظام طاغية وبشكل طائفي فج سقط القناع القبيح ليظهر وجها أقبح ولتتبخر «استثمارات» إيران في حزب الله بشكل مرعب وليتحول حزب الله وزعيم ميليشياته إلى عدو في أعين عامة المسلمين وساستهم وعلمائهم، وبات هدفا لإعلان الحرب بشتى أشكالها عليه، لأنه تم تصنيفه على أنه فصيل إرهابي وتكفيري، والأهم أنه خائن.

واليوم دخلت إيران في مواجهة اقتصادية مهمة ستدفع ثمنها شعبيا. وعلى الرغم من تطور العلاقات رسميا مع النظام الجديد في مصر، فإن علماءها بدأوا في نشر فكرة خطورة ما تقوم به إيران من دعم أرعن لنظام دموي يقتل السوريين بلا رحمة ولا هوادة لأكثر من سنتين. إيران وميليشيا حزب الله مصابتان بعمى الألوان فيما يخص الطغيان والإرهاب، لأن طائفيتهما تحكم أهواءهما، فهما نظرا إلى صدام حسين على أنه بعثي وطاغية ومجرم ولم يجرؤ على الحكم على الأسد بنفس الأمر على الرغم من انطباقه عليه، ولكنها الطائفية البغيضة التي استشرت بجهل وجهالة تحت غطاء الدين والعروبة والمقاومة. تدخل مقاطعة إيران وروسيا وحزب الله بالتدريج المراحل الجادة، وذلك مع احتدام الأزمة في سوريا وتورط حزب الله بشكل فج وزيادة أعداد القتلى والجرحى على أيدي النظام وشبيحته، وهي جزء من مواجهة قبيحة ولكنها مطلوبة.

الخلاص من الأسد ونظامه مسألة معقدة كما هو واضح، فالطاغية له أتباع مستفيدون من مدة بقائه لأنه كان جزءا أساسيا من «حبك» القصة التي جرى الترويج لها عبر عقود من الزمن، ولذلك يبدو الثمن والتكلفة باهظة للخلاص منه، وهي تكلفة كبيرة بقدر ما كان الضرر والمؤامرة من النظام كبيرين.

عبدالله هادي
15-06-2013, 04:38 PM
والآن جنون الأسد


أعلنت الإدارة الأميركية، وأخيرا، أنها اقتنعت بأن نظام الأسد قد قام فعلا باستخدام الأسلحة الكيماوية، وعليه فقد قررت تسليح الثوار، وجاء الإعلان الأميركي متزامنا مع إعلان الأمم المتحدة عن أن ضحايا جرائم الأسد في سوريا قد تجاوزوا الثلاثة والتسعين ألف قتيل. حسنا.. ماذا بعد ذلك؟

المؤكد أننا الآن أمام جنون الأسد الذي بات يدرك أن الأمور قد انقلبت رأسا على عقب دوليا، فهناك تحركات دبلوماسية سعودية لم نرها منذ زمن، وهناك تحركات بريطانية فرنسية حثيثة، وهناك التغير المهم في الموقف الأميركي، وبالتالي فإن كل ذلك يقول لنا إن علينا الاستعداد الآن لمزيد من جرائم الأسد الذي سيسعى للهروب إلى الأمام، سواء في سوريا، أو بالمنطقة ككل. اليوم بات واضحا للأسد أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وهناك معلومات عن بدء تدفق السلاح النوعي للثوار، وتحديدا منذ الأمس، وهناك الإعلان الأميركي عن استخدام الأسلحة الكيماوية، وإقرار البيت الأبيض بأن الأسد قد تجاوز الخطوط الحمراء، وكل ذلك يعني أنه من الممكن أن يسعى الأسد للتصعيد، والقيام بعمليات تخريبية ضخمة لاستباق التحركات الدولية.

وهنا يجب أن نتذكر أن الأسد ليس معمر القذافي الذي لم يمهله الناتو والحلفاء، بل إن الأسد استفاد قرابة العامين ونصف العام من عمر الإهمال الدولي لسوريا، وتحديدا إهمال أوباما للأزمة، ولذا نجد اليوم في سوريا كلا من إيران وحزب الله، والميليشيات الشيعية العراقية، حيث يقومون بارتكاب الجرائم تلو الأخرى، وجاهزون لفعل ما هو أسوأ. ولذا فإن الإعلان الأميركي الهام عن تسليح الثوار يعني إعلان حرب، وبالتالي فإن على من أعلن الحرب أن يخوضها، ولا يكتفي بالكلام، فالأسد يدرك جيدا أنه أمام مسألة حياة أو موت، وبالتالي فإنه لن يتردد عن ارتكاب المزيد من الجرائم، والإقدام على مزيد من الجنون الذي يفوق كل جنونه السابق، خصوصا أن لدى الأسد أسلحة كيماوية لن يتردد عن استخدامها.

ولذا فمن المهم اليوم أن يكون هناك تحرك عسكري سريع لشل قدرات الأسد، سواء بغارات جوية من قبل تحالف الراغبين، أو السعي لفرض منطقة حظر طيران، وعلى من يعتقد أن في هذا الأمر مبالغة أن يراجع نفسه جيدا، خصوصا أن كل ما كان يقال بأنه «أحلام» اتضح أنه واقعي وحقيقي. وبالطبع فإن هناك ما يبرر القيام بضربة عسكرية خاطفة، وجراحية، على قوات الأسد، والمبررات أخلاقية، وقانونية، وأيضا أمنية، وكافية للتحرك حتى خارج مظلة مجلس الأمن، وكما حدث في يوغوسلافيا، حيث ثبت استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، وهناك ما يفوق الثلاثة والتسعين ألف قتيل بسوريا، عدا عن التدخل السافر لإيران، وعملائها، فهل بقيت مبررات أكثر من هذه المبررات!

ملخص القول هو أن إعلان الحرب لا يكفي، بل يجب على من أعلنها أن يخوضها ويستبق جنون الأسد، وهي ليست حرب اعتداء بل حرب بقاء وإنقاذ لسوريا، والسوريين،
ولكل المنطقة.

عبدالله هادي
16-06-2013, 10:18 AM
نصر الله: من أنتم؟


لأن زعيم حزب الله اعتاد على التمجيد والمديح ثلاثين عاما، لم يعتد يحتمل جلده من يقول له أنت مخطئ لأن ميليشياتك تشارك في ذبح آلاف السوريين. فقد اعتاد على أن معظم وسائل الإعلام العربية تضعه فوق رؤوس الجميع، وتغني له، وتعير به زعماء المنطقة، وتبرر له أخطاءه وخطاياه، هذا إن تجرأ أحد على نقد المقدس، زعيم حزب الله!

وبالتالي ليس غريبا أن يظهر غاضبا، لائما، لأنهم ينتقدون جرائم منظمته، ولأنهم يشككون في نواياه، ويحرضون عليه ويدعون لقتاله. بعد سنين من التدليل والتدليس يعتقد السيد أن ملايين العرب، خارج طائفته، عليهم ألا ينتقدوه، أمر غريب حقا!

يقتل أهاليهم، ويهين مذهبهم، ويحتل قراهم، ويشرد الآلاف ثم يستنكر رئيس حزب الله على العرب الآخرين غضبهم منه، أمر في غاية الغرابة. إنه بالنسبة لنا ليس شيعيا بل شخص متطرف مثل أسامة بن لادن والظواهري، وحزب الله مثله مثل «القاعدة» وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية. العرب المضحوك عليهم، المغرر بهم لثلاثين عاما، استيقظوا متأخرين لينتبهوا إلى أن حزب الله ليس إلا مجرد أداة تدار من طهران، وأن لطهران سياسة لا علاقة لها بفلسطين، بل لخدمة أطماع إيران في الزعامة والسيطرة. السيد المصدوم من انتقادهم له، يعتقد أن العرب جمع من الخراف يقتلهم ويذلهم ولا يريد منهم حتى أن يستنكروا جرائمه في الإعلام!

القذافي يوم قال جملته الشهيرة، «من أنتم؟» كان يمر بنفس المحنة. فهو مثل السيد حسن يعتبر الناس نكرات، أغناما، قمعهم وألغاهم، ظلوا لسنين يرددون له المديح والشكر على إذلالهم. لهذا عندما رأى الليبيين منتفضين ضده، دهش مذعورا وسأل مستنكرا ومحتقرا، «من أنتم؟». السيد حسن، أيضا، يعتقد أن كل الناس تؤمن بقدسيته، أو كراماته، أو خزعبلاته الدينية، أو بطولاته. صحيح هناك جمع كبير من شيعته في لبنان يصدقونه، كما صدقته غالبية العرب من قبل، غير مدركين بعد أنه مجرد موظف في مكتب المرشد في طهران، الذي لم يبال قط بشأن أربعة ملايين شيعي عربي في الأهواز الإيرانية، وملايين الشيعة الأذريين الذين يعانون منه، يضطهدهم نظامه، يحرمهم حتى من حقوقهم اللغوية والعرقية.

نصر الله أدخل العرب، والمسلمين، في حروب طائفية تلك التي حاول وفشل في إيقادها قبله زعيم «القاعدة»، بن لادن، ورفاقه من متطرفي السُنة. لقد أفشل معظم عقلاء السُنة دعوات بن لادن، رغم أنه زعيم المتطرفين منهم، وأسعدهم بضرب نيويورك، ومحاربة عدوهم الغرب أكثر من الحروب الكارتونية التي خاضها نصر الله ضد إسرائيل. معظم مثقفي السنة الذين يقفون ضد حزب الله وقفوا من قبل ضد «حزب القاعدة»، لنفس السبب. لقد آذى الكثيرين ارتباط الميليشيات الشيعية بالمذابح والقتل على الهوية. نحن نعرف أن غالبية الشيعة براء من دماء السنة، وكذلك العلويون لا ذنب لهم في جرائم نظام الأسد، والسنة براء من جرائم جبهة النصرة ومثيلاتها. لكن ليس حزب الله ببريء من جرائمه الطائفية والقتل عموما، لأنه أرسل الآلاف للقتل والتدمير والاستيلاء. يستنهض الشيعة مستخدما الدين والتاريخ، يهيج طائفته، ويعبئهم ضد السنة، تماما كما تفعل «القاعدة» وجبهة النصرة على الجانب السني ضد الشيعة!

يزعم أنه بعث آلافا من ميليشياته لحماية المراقد وحتى «لا تغتصب زينب مرة ثانية» في حين يستنكر على السنة أن يحموا أطفالهم ونساءهم اليوم، وهذه اللحظة، وليس من قبيل الثارات التي مر عليها أكثر من ألف وأربعمائة عام. أي عقلية هذه التي تدير نصر الله، أو التي يريد أن يدير بها الناس؟! هذا الرجل إما أنه لا يعي خطر ما يرتكبه من جرائم تبقى لعشرات السنين فتنة لا تنطفئ، أو أنه يدري ولا يبالي وكل همه إرضاء السيد الولي في طهران.

عبدالله هادي
16-06-2013, 10:19 AM
حتى لو كان روحاني!


فاز المرشح الإيراني حسن روحاني بمنصب الرئاسة الإيرانية، والمزعج هو كثرة ترديد عبارة «المرشح الإيراني المعتدل»، مما يعني أن المنطقة مقبلة على «تراخٍ» مزعج حيال إيران. وكما حذرنا هنا، وبعد ترشح هاشمي رفسنجاني، الذي رُفض من قبل الولي الفقيه، من «اللدغة الإيرانية الثالثة»، فإن الحذر اليوم أيضا واجب جدا مع فوز السيد روحاني بالرئاسة خلفا لأحمدي نجاد.

ما يجب أن نعيه هو أن الرئيس ليس كل شيء في إيران التي باتت دولة عسكرية ترتدي عمامة الولي الفقيه، حيث ليس بمقدور الرئيس فعل الكثير، مهما كانت درجة اعتداله، أمام سطوة الحرس الثوري، وصلاحيات الولي الفقيه، ويكفي تذكّر حال نجاد منذ أن تحدى المرشد! كما أنه من المهم أن نتذكر أن حزب الله قد تأسس فترة رئاسة رفسنجاني، وهو الحزب الذي يقاتل السوريين دفاعا عن الأسد. وعلينا أن نتذكّر أيضا أن النفوذ الإيراني قد تغلغل بمنطقتنا في فترة الإصلاحي خاتمي، الذي شغل العالم وشغلنا بالتسامح والحوار، بينما كان الحرس الثوري يعزز نفوذ طهران بشكل غير مسبوق بمنطقتنا.

نقول: علينا أن نتذكر هذه الحقائق، لأننا سنسمع اليوم، وبعد فوز روحاني، من الإخوان المسلمين بمصر، وغيرهم في المنطقة، أنه من الضروري أن يُمنح الرئيس الجديد فرصة، ولا بد من أن تبادر دول المنطقة لتقوية الرئيس ضد المتشددين في إيران، وهنا سنكون قد وقعنا في المحظور تماما، خصوصا أن هذه المنطقة قد قدمت ما يكفي من حسن النية تجاه إيران، إصلاحيا كان الرئيس أو متشددا، والنتيجة هي ما نراه الآن من حجم التغلغل الإيراني في منطقتنا، وأبسط مثال ما يحدث في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وما يحدث في الخليج. وبالطبع كان من الأسهل لو فاز أحد المتشددين بالرئاسة الإيرانية، فحينها سيكون الفرز واضحا، وخطوط التماهي محدودة، لكن مع فوز روحاني، فهذا يعني أننا مقبلون على مرحلة جديدة من التضليل.

ولذا، فالحكمة تستدعي اشتراط مبادرة طهران أولا لإظهار حسن النية، وليس المنطقة، وبالأخص مع رئيس إصلاحي، فعلى روحاني أن يبادر أولا إلى الملف السوري، ويقوم بسحب مرتزقة طهران من هناك، مثل فيلق القدس، وحزب الله، وغيرهما، والتوقف عن دعم الأسد، الذي يعني سقوطه، أي الأسد، أول مواجهة حقيقية تخوضها إيران داخليا، ومنذ ثورة الخميني، وهذا ما سيدعم روحاني فعليا بالداخل، في حال كان إصلاحيا حقيقيا، وليس منحه مكاسب لا يستحقها، ولا تستحقها طهران بالخارج، وبحجة تقويته داخليا.

وعليه، فإن على الرئيس الإيراني الجديد أن يبادر هو بحسن النية، وليس المنطقة، التي يجب أن تكون حذرة في عدم تمكين الولي الفقيه من تحقيق المكاسب التي يريد من خلال فوز مرشح إصلاحي. كما أن على المنطقة، دائما وأبدا، الحذر من التقية الإيرانية، وأن لا تُلدغ من الجحر الإيراني ثلاث مرات، وحتى بعد فوز السيد حسن روحاني!

عبدالله هادي
16-06-2013, 10:20 AM
هذه الحرب البغيضة



ماهي أخبار «التقريب بين السُنة والشيعة»؟

ماذا بقي من التقريب بعد أن خسر التيار الخميني، المهيمن على الساحة الشيعية، آخر غطاء سني له يتمثل بشيوخ الأزهر، والجناح الفقهي لجماعة الإخوان المسلمين ممثلة بشخصية الشيخ يوسف القرضاوي؟

جهد التقريب بين المذاهب الإسلامية، تحديداً الشيعة والسُنة، جهد قديم متصل، من آخر حلقاته في عصرنا إنشاء دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة (1947)، ومناصرة شيوخ الأزهر العظام أمثال الشيخ شلتوت والشيخ البشري لهذه الجهود.

وبعد قيام ثورة الخميني، التي حولت إيران إلى «جمهورية إسلامية» استمر هذا الجهد، لكن بغلاف آخر، هو القضية الفلسطينية، تعويذة من لا تعويذة له في سوق السياسة في المنطقة.

1990 تأسس في إيران المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، برئاسة الشيخ الخبير في هذا الملف آية الله محمد علي التسخيري. وقد رأيته أكثر من مرة يحضر المؤتمرات الحوارية في الرياض وجدة والقاهرة..

الآن، الشيخ القرضاوي الذي كان يمدح حسن نصر الله وحزب الله، ويراهم أبطالا، يصف حزب الله بحزب الشيطان، ويرى حسن نصر الله طاغياً خطيراً على الأمة، وشيوخ الأزهر في القاهرة يهجمون على نظام بشار ومعه حزب الله، ويثني القرضاوي على موقف علماء السعودية «المبكر» في التحذير من حزب الله ومشاريعه «الخفية» ضد أهل السنة.

ماذا جنى حسن نصر الله، ورفاقه من أتباع «الولي الفقيه» على شيعة العرب؟

إيران في أسوأ الأحوال، سترجع لحدودها، وتنكمش داخل إطارها الجغرافي والثقافي واللغوي، فهي أمة مكتملة، لكن ماذا يفعل الشيعة العرب الذين هم جزء من النسيج العربي، بل والإسلامي، من باكستان والهند شرقاً إلى لبنان غرباً، ومن وسط آسيا شمالاً إلى اليمن جنوباً، ناهيك عن مسلمي المهاجر الأوروبية، ماذا يفعل هؤلاء بعد انقطاع صهيل المعركة؟

أي ضرر يوجّهه نصر الله إلى مستقبل العيش المشترك في العالم الإسلامي، خصوصا أن فتاوى التحريض على نصرة المظلومين في بلاد الشام بدأت تصدر من إندونيسيا في أقصى الشرق الإسلامي؟

نصر الله يقول إنه ضد الطائفية، وإنه يحذر ممن يثيرون هذا الشعور، ويهاجم الإعلام الذي لا يردد روايته هو لطبيعة دوره الإيراني الخطير.

جيد، لكن ماذا عن دور هذا الحزب نفسه في تهييح الطائفية؟

لقد حذرنا من قبل، مراراً، من هول «الوحش» الأصولي السني، وأنه بالكاد يتم ترويضه، وصرف الطاقة للبناء والتنمية، لكن جماعة حزب الله وأمثالهم، غرتهم سكرة «انتصارات» وقتية، ومضخمة، واهمين أن القصة ستنتهي عند هذا الحد.

القصة، التي لا نحبها، بالكاد بدأت يا سيد حسن...

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم / وما هو عنها بالحديث المرجم

متى تبعثوها تبعثوها ذميمة / وتضرى إذا ضريتموها فتضرم

عبدالله هادي
17-06-2013, 11:48 AM
مرحبا بالصديق القديم روحاني



هل ستتغير إيران لأن حسن روحاني، المحافظ المعتدل، حل محل المحافظ المتشدد غير المأسوف عليه، أحمدي نجاد؟

علينا أن لا نستعجل الحكم على الرئيس المنتخب روحاني. قد تكون على يديه الانفراجة التي طالما تمنيناها، لإنهاء أطول وأخطر توتر في المنطقة. وقد يكون مجرد رمز آخر بلا صلاحيات حقيقية، مثل الرئيس الأسبق محمد خاتمي الذي رغم شعبيته أذله المرشد الأعلى، وأغلق الصحف الموالية له، ورفض إطلاق سراح معتقلين من معسكره، وكل إنجازاته التي سمح له بها إرسال فريق رياضي للمصارعة إلى الولايات المتحدة!

إيجابيا، الرئيس الجديد يعرفه السعوديون جيدا، كانت له بصمات مهمة في العلاقة مع الرياض تحديدا. فقد وقع في منتصف التسعينات اتفاقا أمنيا مع وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله. روحاني، رئيس الاستخبارات حينها، وقع على اتفاق سمي «نايف – روحاني»، بموجبه تعهدت حكومة إيران بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، وسلمت بعض الملاحقين من المتهمين السعوديين في قضايا إرهابية، وأوقفت دعمها للجماعات المعادية في الخارج. أيضا، بادلت الرياض طهران بتحسين العلاقات، وأوقفت حملاتها ضد طهران، ولاحقا أعيد فتح السفارات.

لهذا عندما وضع روحاني تحسين العلاقة مع السعودية على رأس وعوده الانتخابية كان يعلم أن غالبية الشعب الإيراني تتطلع بالفعل إلى العودة للعلاقات المستقرة مع العالم العربي، وتريد الانتهاء من حالة العداء، والحرب بالوكالة، التي طبعت معظم سنوات حكم نجاد. روحاني قال في حديثه لجريدة «الشرق الأوسط»: «أما في ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فأعتزم تحويل الخصومة التي تفاقمت للأسف في الفترة الأخيرة بين البلدين إلى احترام وتعاون». حديث جميل من صديق قديم للسعوديين، ويعتلي الرئاسة في أخطر وقت في علاقة إيران بالمنطقة والعالم.

هذا شعورنا المتفائل، أما هواجسنا القلقة فتسير في الاتجاه المعاكس. تاريخ علاقة إيران مع السعودية معظمه عدواني، منذ مواجهات مكة في الثمانينات، وتفجير الخبر في التسعينات، وتدبيرها لتغيير النظام في البحرين قبل عامين، والتآمر لاغتيال السفير عادل الجبير في واشنطن، وخلايا التجسس هذا العام، وتسليح الحوثيين اليمنيين ضد السعودية، مع كم كبير من النشاطات العسكرية في دول الجوار.

نحن ندرك أن روحاني بنفسه لن يستطيع أن يصنع إيرانا جديدة، فالبلاد تحكمها حلقة قوية من ثنائي المرشد الأعلى والحرس الثوري. قد يملك الرئيس الجديد القدرة على تغيير عقلية قيادة إيران باتجاه تجنب الصدام شبه الحتمي والانتقال إلى التعاون الإقليمي ووقف الحرب الطائفية بين الجانبين.

عبدالله هادي
17-06-2013, 11:49 AM
الانتخابات الإيرانية.. لماذا حسن روحاني؟



لم يكن فوز المرشح المعتدل ورجل الدين الوحيد بين المرشحين الثمانية الذين جرت المصادقة على ترشحهم من قبل مجلس صيانة الدستور لخوض سباق الانتخابات الإيرانية، بالمفاجأة غير المتوقعة إطلاقا، بل على العكس تماماً، فعلى الرغم من الحديث كثيرا عن أن سعيد جليلي كبير المفاوضين الايرانيين في الملف النووي الإيراني، هو المرشح المتوقع فوزه بسبب قربه من المرشد الأعلى وإخلاصه الشديد لولاية الفقيه، إلا أن نظرة خامنئي كانت أبعد من ذلك بكثير، فمنح مقعد الرئاسة لشخصية وكاريزما مثل تلك التي يتمتع بها روحاني تضرب عصفورين بحجر واحد، إن صح التعبير.

فعلى المستوى الداخلي، أراد خامنئي إرضاء تيار كبير يقوده أحد أهم أعمدة ثورة 1979، آية الله هاشمي رفسنجاني وكذلك الرئيس السابق سيد محمد خاتمي بعد أن جرى تهميشهما كثيراً بعد انتخابات 2009 الشهيرة ووضع زعيمي الحركة الخضراء مهدي كروبي ومير حسين موسوي تحت الإقامة الجبرية منذ ما يقارب الثلاث سنوات. عليه، فإن إعلان فوز روحاني يأتي لترميم صورة النظام على المستوى الداخلي خاصة شريحة الشباب التي تشكل أكثر من نصف المجتمع الإيراني. هذه الشريحة تعيش حالة من الاستياء والتذمر الشديدين بعد أن جرى «سحق» الموجة الخضراء في الانتخابات الأخيرة. لذا فهي خطوة لكسب ثقة أنصار هذا التيار، حتى وإن كانت هذه الثقة بمستواها الأدنى، وتفادياً لتكرار الأحداث التي أعقبت الإعلان عن نتائج انتخابات 2009، خاصة أن خامنئي يعلم قبل غيره أنه يمسك في قبضته بكامل خيوط اللعبة في البلاد، ورئيس الجمهورية لا يمكنه بأي حال من الأحوال تجاوز الخطوط التي يرسم حدودها المرشد الأعلى شخصياً.

أما على المستوى الخارجي، فيعتبر اختيار روحاني محاولة حقيقية للخروج من عنق الزجاجة، فإيران تعيش حالة من العزلة السياسية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي كما أن صورتها في الخارج أصبحت الأكثر سوءا على مستوى العالم وفقاً لاستطلاع للرأي أجرته مؤخراً محطة البي بي سي البريطانية وشارك فيه 62 ألف شخص من 25 دولة حول العالم. فالعلاقة مع دول الجوار العربي في أسوأ حالاتها بسبب الثورة السورية والتدخلات الايرانية في شؤون هذه الدول من خلال إثارة القلاقل والنزعات الطائفية وزرع الخلايا التجسسية. وعلى المستوى الدولي، هناك أزمة برنامج إيران النووي والعقوبات الاقتصادية الصارمة التي أنهكت الاقتصاد المحلي وتسببت في إنهيار العملة المحلية وارتفاع نسبة التضخم الذي أثر بشكل كبير على المستوى المعيشي للمواطن الإيراني.

نعود للسؤال المطروح في عنوان هذه المقالة، لماذا حسن روحاني وليس أحد المرشحين المحسوبين على التيار المحافظ المقرب من المرشد الأعلى؟ قد يرى البعض أن هناك تناقضا في توجهات خامنئي، حيث جرى استبعاد رفسنجاني من السباق الرئاسي ثم أعلن فوز المرشح المدعوم بشكل كامل من قبل رفسنجاني وخاتمي، فكيف نفهم ذلك؟ هناك معركة ثنائية بين خامنئي ورفسنجاني بدأت قبل سنوات عندما جرت إزاحة الأخير من رئاسة مجلس الخبراء الذي يعد واحداً من المناصب المهمَّة في البلاد، فمن صلاحية المجلس تعيين وعزل المرشد الأعلى في البلاد. إلا أن خامنئي أبقى رفسنجاني رئيساً لمجلس تشخيص مصلحة النظام وهو منصب غير منتخب ويعين رئيسه من قبل المرشد الأعلى وليس له صلاحيات يمكن أن تؤثر على التوجه السياسي العام لإيران. إضافة إلى ذلك، اعتبر خامنئي التزام رفسنجاني للصمت تجاه زعيمي الحركة الإصلاحية الخضراء بمثابة تأييد لهما وتحد صريح للمرشد شخصياً، وبالتالي يمكننا قراءة استبعاد رفسنجاني من السباق الرئاسي في هذا الإطار.

إن المرحلة القادمة تحتاج إلى شخصية قد تنجح في إخراج البلاد من بعض المشاكل المحلية والإقليمية والدولية المتراكمة، وتعمل على ترميم ما يمكن ترميمه بعد مرحلة الرئيس محمود أحمدي نجاد التي اتسمت بعدائية وراديكالية سياسية تضرر منها النظام الايراني كثيراً وعلى كافة الأصعدة. وأخيراً، يجب أن نتذكر أن «الفترة الذهبية» للعلاقات بين إيران ما بعد الثورة ودول العالم بشكل عام ودول الخليج العربي على وجه الخصوص كانت خلال فترة زمنية كان الرئيس فيها رجل دين آية هو حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد خاتمي، وكان مهندس هذه العلاقات من الجانب الإيراني آية الله هاشمي رفسنجاني، وهاتان الشخصيتان، بطبيعة الحال، ترتديان الزي التقليدي لرجال الدين الشيعة، وكذلك الحال ينطبق على حجة الإسلام والمسلمين الدكتور حسن روحاني الذي سيعمل، وكما ركز في حماته الانتخابية، على تحسين العلاقات مع دول الجوار وبالتالي سيسعى إلى إعادة العلاقات إلى مستوى فترة رئاسة خاتمي على أقل تقدير. هذا الجانب - سمة الرئيس ومظهره - في غاية الأهمية بالنسبة لرأس الهرم في إيران لأن الرئيس وإن كان منفتحاً تجاه الآخر إلا أنه يحافظ على الصورة النمطية للجمهورية الإسلامية ذات الصبغة الدينية المحافظة. في هذا الإطار يمكننا فهم أسباب اختيار ولي الفقيه للمرشح حسن روحاني، ولكن السؤال الأهم هو هل سينجح في ذلك في ظل المرحلة التي تمر بها المنطقة حالياً؟

عبدالله هادي
17-06-2013, 11:50 AM
روحاني روح إيرانية ثابتة




أستغرب هذا الاحتفاء بفوز روحاني «الإصلاحي» في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ولا يعني استغرابي أنه لا يوجد فرق بين الإصلاحيين وبين المتشددين في إيران، فأنا أدرك أن الإصلاحيين أكثر انفتاحا مع الشعب الإيراني وأصدق في تعزيز الحريات في الداخل، وأشد ميلا إلى تخفيف قبضة رجال الدين على زمام السلطة والحد من تغولهم في كل شيء، وأدرك أيضا أن الإصلاحيين أكثر ميلا إلى الانفتاح على العالم وخصوصا الغربي، وهم أيضا الأكثر حرصا على اقتصاد إيران مما يعني أنهم يدركون أن الاقتصاد مرتبط بالاستقرار الداخلي والإقليمي، لكن الحرص على شيء لا يعني القدرة على تحقيقه، فإيران بلد مؤسسي له ثوابته السياسية الكبرى التي لا يقدر أحد مهما تضخم (صلاحه وإصلاحياته) أن ينكأها، وللكيان الأيديولوجي الإيراني خطوط حمراء لا يمكن لأحد أن ينكشها ناهيك عن أن يتجاوزها.

الثورة السورية ستعطي دليلا أكيدا أن إيران بثوابتها السياسية لا تكترث أن يعتلي سلطتها محافظ متشدد أو إصلاحي متنور، إذ لا يمكن أن يرد في الخيال أن السيد روحاني سيعلن مراجعة شاملة للسياسة الإيرانية وتغلغلها في كل دول المنطقة بلا استثناء، ولا يمكن أن نصدق أن الرئيس الجديد سيفصح عن برنامج زمني يعلن فيه انسحاب عناصر فيلق القدس الدموية من الأراضي السورية، أو يمارس من خلاله ضغطا على ميليشيات حزب الله الدموية لكي تكف عن تدخلها السافر ضد شعب مظلوم، ينشد حريته التي أنشب فيها نظام الأسد مخالبه، ولا يرد بالحسبان أن يبث روحاني روحا جديدة في إيران وطبيعة علاقاتها مع العالم الإسلامي، فيوقف برنامج التبشير بالتشيع والذي لم يترك دولة سنية في العالم الإسلامي والعربي إلا ونشر فيها نشاطه المكثف، محدثا شرخا في مجتمعات كانت منسجمة مع نفسها ومتناغمة دينيا ومذهبيا.

هذه يا سادة خطوط حمراء في سياسة الثورة الإيرانية لا يمكن أن تمس وثوابت يستحيل أن تهز، وأنا هنا لا أنفي وجود النية الطيبة عند بعض المنتمين للتيار الإصلاحي، لكن الذي أريد أن أخلص إليه أن مبادئ ثورة إيران (والتشخيص، فيها تحرم الوصول لرئاسة الجمهورية من لا ينسجم مع مبادئها، فمن السذاجة أن نتخيل وصول من يستطيع ارتكاب المحظور فيراجع ثوابت سياستها، باختصار فإن تداول السلطة في إيران بين الإصلاحيين والمتشددين يشبه إلى حد كبير تداول السلطة في أميركا بين الجمهوريين والديمقراطيين، والليكود والعمل للسلطة في إسرائيل، السياسة ثابت والأحزاب متحول، الفرق هو في لغة الخطاب حدة واعتدالا، والفرق أيضا في وسيلة تحقيق الغايات الكبرى بين ذكي يغلف أسلوبه بطريقة ماكرة وبين صريح عنيف لا تهمه جلافة اللغة وخشونة الوسيلة.

كوة الأمل الوحيدة التي يمكن للإصلاحيين في إيران أن ينفذوا منها للتغيير هي في إقناع سدنة الثورة الإيرانية وكهنتها، بأن سياسة إيران الحالية تضر أولا بالمصالح الإيرانية والشيعة على وجه التحديد، فإيران عبر تدخلها الطائفي المريب لمساندة النظام الدموي يعاونها في ذلك قائمقامها في الجنوب اللبناني، رفعت مؤشر الاحتقان الطائفي في المنطقة كلها، واستعدت الأغلبية الساحقة ضد الأقلية، مما ينذر بفتنة تأكل أخضر المنطقة ويابسها، وليس من بديل إلا لجم هذه السياسة، وإلا فليتحملوا نتائجها.

عبدالله هادي
17-06-2013, 11:51 AM
مصر.. انتقدوا نظامكم لا السوريين




المشهد السياسي المصري أشبه بكرة ثلج متحدرة من أعلى، وويل لمن يقف بوجهها، هذا ما يحدث اليوم بسبب إعلان الرئيس المصري قطع علاقات بلاده مع نظام الأسد، والدعوة لفرض حظر طيران فوق الأراضي السورية، حيث انطلق معارضو مرسي والإخوان للقول إن الرئيس بات خاضعا للأميركيين والإسرائيليين، مع انتقاد الثورة السورية!

وهذا الانتقاد للثورة السورية ما هو إلا ظلم وإجحاف ليس بحق الرئيس المصري والإخوان، بل بحق ثلاثة وتسعين ألف قتيل سوري سقطوا بنيران الأسد. وبالطبع فمن حق المعارضين للرئيس مرسي والإخوان أن ينتقدوهما كيفما شاءوا، وهناك عدة نقاط تستدعي النقد والتساؤل: فلماذا قطع العلاقات مع الأسد الآن وليس منذ فترة، كما فعلت دول الخليج التي سحبت سفراءها من دمشق، وطردت سفراء الأسد؟ ولماذا الآن ونظام الأسد كان يمتدح الرئيس مرسي، ويمتدح تقاربه مع إيران؟ ولماذا يهاجم الرئيس مرسي حزب الله الآن وليس منذ إعلان نصر الله صراحة مقاتلته السوريين دفاعا عن الأسد؟ ولماذا استقبل نجاد استقبال الفاتحين بمصر رغم دعم إيران للأسد، واعتراضات الرأي العام صراحة على تلك الزيارة، هذا فضلا عن معارضة الأزهر الشرسة للزيارة؟ ولماذا زار الرئيس المصري روسيا رغم دعمها وحمايتها للأسد؟ ولماذا سمحت مصر بعقد المؤتمر الذي دعا للنفير والجهاد بسوريا على أراضيها وله ما له من أضرار سلبية على الثورة السورية، وفي الوقت الذي تحركت فيه عجلة العمل السياسي، عربيا ودوليا، بسرعة مهولة لإقناع الأميركيين لتغيير موقفهم من الأزمة السورية، خصوصا بعد أن جاب ملك الأردن واشنطن بخرائط تشرح للإدارة الأميركية والكونغرس واقع الأمور في سوريا، ورأينا كيف قطع العاهل السعودي إجازته وعاد للسعودية بسبب تطورات الأوضاع بالمنطقة، وبعد أن أوفد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كلا من الأمير سعود الفيصل والأمير بندر بن سلطان إلى فرنسا، وتحرك الفرنسيين والبريطانيين نحو أميركا؟ فلماذا ظهر فجأة مؤتمر النفير والجهاد بمصر؟ ولماذا تم قطع العلاقات مع الأسد الآن، والمطالبة بفرض حظر طيران؟

من حق المصريين أن يتساءلوا عن التوقيت والدوافع، ومن حقهم الاعتراض على الرئيس والإخوان، والقول إن قطع العلاقات مع الأسد، وقبله مؤتمر النفير والجهاد، ما هو إلا محاولة إخوانية للهروب من استحقاقات 30 يونيو (حزيران) الذي دعت له المعارضة المصرية للتظاهر ضد النظام، من حق المصريين قول كل ذلك، لكن لا يجب طعن الثورة السورية، وخدمة أجندة الأسد الذي استخدم الأسلحة الكيماوية ضد السوريين، وقتل منهم ثلاثة وتسعين ألفا، فهذا أمر لا يمكن قبوله، والمؤسف أن بعض القوميين العرب بمصر، وآخرين، يحاولون إيجاد الأعذار ليس للأسد، وإنما لخيبات مراهناتهم الفاشلة على الممانعة المزعومة، والمقاومة الكاذبة!

ولذا، فإن من حق المصريين انتقاد رئيسهم والإخوان المسلمين كيفما شاءوا، لكن غير المقبول هو طعن الثورة السورية، ومحاولة تشويهها، فيكفي السوريين ما وقع ويقع بحقهم من ظلم وجرائم من قبل الأسد وإيران ومرتزقتها.

عبدالله هادي
17-06-2013, 11:52 AM
دور مجلس صيانة الدستور



يعد مجلس صيانة الدستور عقبة كبيرة في طريق الديمقراطية والحرية في إيران، وهذه بعض الأمثلة التي جعلتني أومن بذلك: في الآونة الأخيرة قال الناطق باسم مجلس صيانة الدستور عباس علي كدخدايي في مؤتمر صحافي إن المجلس يمكنه إطاحة أي مرشح رئاسي من المرشحين الذين اعتمدت أوراقهم، حتى يوم الرابع عشر من يونيو (حزيران)! ويعد هذا انعكاسا واضحا لجوهر الوضع السياسي في إيران.

وقبل بضعة أيام، أقدمت بعض وكالات الأنباء المحافظة مثل «فارس» و«مهر» و«المشرق» على خطوة موضع شك كبير وأعلنت أن مجلس صيانة الدستور سوف يستبعد المرشح حسن روحاني من سباق الانتخابات الرئاسية خلال الـ24 ساعة القادمة، لأنه قد تجاوز الخطوط الحمراء خلال المناظرات التلفزيونية وكشف عن بعض الأسرار المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.

وفي الوقت نفسه، كشف علي أكبر ولايتي - كبير مستشاري المرشد الأعلى - عن بعض المعلومات المتعلقة بالمفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني لأول مرة. كل هذا أدى إلى إثارة القلق بين الإيرانيين من سير العملية الانتخابية وما إذا كانت ستتسم بالشفافية والنزاهة أم لا.

وقال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إنه يجب حماية أصوات الشعب الإيراني، مشددا على أهمية أن تخرج الانتخابات بصورة رائعة، مؤكدا أن إيران سوف تشهد ملحمة تاريخية يوم الجمعة الموافق الرابع عشر من يونيو.

والآن أود أن أكتب عن ملحمة عظيمة، ولكن كما أشرت سابقا فما زال هناك سحابة مأساوية تسيطر على ذهني. وخلال السنوات القليلة الأولى التي تلت نجاح الثورة الإسلامية، كنا نعتقد أن هناك ثلاث قضايا مهمة وحاسمة للغاية بالنسبة لنا، وهي الحرية والعدالة والاستقلال. وكنا نعتقد أن شكل الجمهورية الإسلامية سيكون أفضل إطار لتحقيق هذه الأهداف.

ومرت عقود منذ ذلك الحين، ولم يتحقق اثنان من أهدافنا، حيث إننا لا نزال نتوق إلى الحرية والعدالة. وفي كل مرة يحاول فيها الإيرانيون أن يلعبوا دورا عظيما في البلاد، يواجهون عائقا هائلا يتعذر اجتيازه وهو مجلس صيانة الدستور، الذي أصبح سيفا مسلطا على رقاب الجميع بشكل يجعل الشعب الإيراني يشعر بأنه لا مجال للإصلاح.

وفي الآونة الأخيرة، قرأت مقالا مؤلما للغاية يقول فيه أحد مؤيدي حسن روحاني إن أحد أنصار سعيد جليلي قد أخبره بأنه سيستمتع الليلة (الثلاثاء الموافق 13 يونيو) وغدا، ولكنه سيهزم يوم السبت!

وفي الوقت الذي أتمنى فيه أن يكون ذلك غير صحيح ولا أساس له من الصحة، فلا يمكننا بأي حال من الأحوال أن ننسى ما حدث في الانتخابات الرئاسية عام 2009 والتجربة المريرة التي عانينا منها جميعا بعد ذلك. ولعل أعظم إنجاز قامت به إدارة أحمدي نجاد كان تدمير الاقتصاد والثقافة والأخلاق، وهو ما يجب وضعه في الحسبان في المستقبل، وكما يقول نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين».

وقد رأيت إعلانا رائعا للغاية في الآونة الأخيرة لحسن روحاني وأمامه مجموعة من الزهور مكتوبا عليه: «الائتلاف الواضح العظيم». ورأيت أوجه الشباب مملوءة بالطاقة والحياة؛ هؤلاء الشباب الذين يريدون أن يعيشوا بحرية ويحدوهم الأمل والسعادة. تذكرت حينئذ رباعيات الخيام:

القلب قد أضناه عشق الجمال.. والصدر قد ضاق بما لا يقال

يا رب هل يرضيك هذا الظما.. والماء ينساب أمامي زلال

هذا شيء مأساوي وملحمي في الوقت نفسه. ومن الواضح أن المشكلة الأساسية التي تواجهنا تتمثل في بنية وشكل الحكومة. يعتقد البعض أن السبب وراء العديد من المشكلات التي نواجهها اليوم يتمثل في الدور الذي يلعبه بعض الأفراد، فعلى سبيل المثال لو هناك فقيه آخر في مكان آية الله جنتي، فسيتغير الموقف تماما، وهذا هو السبب الذي جعل علي مطهري، وهو نائب من طهران، يقول إنه لو كان لدينا فقيهان يتسمان بالحكمة في مجلس صيانة الدستور، ما كان المجلس أطاح هاشمي رفسنجاني من سباق الانتخابات الرئاسية.

وأعتقد أن مطهري قد وضع يده على جزء من المشكلة المتمثلة في أن ما نعانيه الآن يعود إلى بنية الدولة وليس المسؤولين. ولأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، شدد محمد موسوي الخوئيني، وهو رئيس مجمع علماء الدين المجاهدين، على أنه يمكننا تغيير بنية وشكل الحكومة، مشيرا إلى أنه يمكننا إيجاد شكل مختلف للحكومة في الإسلام.

وفي كل مرة تواجهنا أزمة، مثل الانتخابات الرئاسية الأخيرة وتداعياتها، نسمع رأيين واضحين؛ الأول من المجموعة التي تعتقد أن بعض المشكلات التي نواجهها تعود إلى طريقة تفكير بعض الناس والفقيه في مجلس صيانة الدستور، والأهم من ذلك شخصية المرشد الأعلى، أما المجموعة الأخرى فترى أن السبب وراء كل هذه المشكلات يعود إلى المسؤولين.

وعلاوة على مشكلة بنية الحكومة، لدينا مشكلة النظرية التي تمثل جوهر بنية الدولة، وهي نظرية ولاية الفقيه، فعلى سبيل المثال يرى آية الله مصباح أن «الشعب ليس له حقوق وأنه يتعين عليه أن يطيع ما يؤمر به، وأن كافة الحقوق لله تعالى ولرجال الدين، وأن الفقهاء هم ممثلو الله الذين يحكموننا»، معتمدين في ذلك على تفسير الآية الكريمة: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا».

والآن، هناك الكثير من الأسئلة الأساسية حول ولاية الفقيه وشكل الحكومة ونظام الحكم في إيران. وبعد مرور 35 عاما على الثورة الإسلامية، بات من الضروري إعادة التفكير في بنية الدولة والنظرية القائمة عليها، لأنهما أساس جميع المشكلات التي نعاني منها.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيغير آية الله علي خامنئي طريقة تفكيره؟ في الآونة الأخيرة، ولأول مرة، دعا خامنئي كل من لا يدعم النظام للمشاركة في الانتخابات من أجل مصلحة إيران. والأهم من ذلك، يبدو أن النظام يعد نفسه لقبول حسن روحاني رئيسا جديدا للجمهورية الإسلامية، فهل سيكون ذلك بمثابة نقطة تحول عظيمة في إيران؟

عبدالله هادي
17-06-2013, 11:54 AM
حق إعلان الجهاد لمن؟



ماذا يعني أن يعلن شيخ، الجهادَ من القاهرة ضاربا عرض الحائط بسيادة الدولة المصرية؟ أولى علامات سيادة الدولة هي انفرادها من دون غيرها على أرضها بقرار الحرب والسلام. هذا القرار في نظام الدول ذات السيادة تملكه الدولة ولا تملكه الجماعات، هذه أولى خصائص الدولة الحديثة التي من دونها ينتفي النظام الدولي الذي أسست له معاهدة وستفاليا 1648.

هذه المعاهدة أرست مفهوم سيادة الدولة المطلقة في داخل أراضيها وحقها في التمثيل الخارجي، معاهدة دولية محورية انبثق منها النظام الدولي والعلاقات الدولية والتي تطورت للنظام العالمي الذي نشهده الآن. ومن هنا يكون إعلان الجهاد الذي أصدرته مجموعة في القاهرة تسمي نفسها «علماء الأمة» أمرا شديد الخطورة بالنسبة لمستقبل الدولة العربية الحديثة من عمان إلى المغرب.. إذ ينتقل هنا قرار إعلان الحرب (الجهاد) من قبضة الدول وينتقل إلى الجماعات، وبهذا تنتفي أول أعمدة الدولة وهو السيادة. بداية بالنسبة لمصر يكون السؤال: هل ترهلت الدولة المصرية في عهد الإخوان للدرجة التي تتخلى فيها عن سيادتها في قرار الحرب والسلام؟ ومتى بدأت هذه الظاهرة في النظام الإقليمي العربي؟ وإلى أين تنتهي؟ هل في لحظات الأزمات وغياب الاستراتيجيات تلجأ بعض الدول لحلول نهايتها المنطقية هي أن الدولة تقوض أساسها بنفسها؟

الحالة الواضحة التي انتزعت فيها جماعة مسلحة قرار الحرب والسلم من الدولة وخلخلت أركانها وانتهكت سيادتها هي حالة حزب الله والدولة اللبنانية والتي منذ إعلان حزب الله الحرب على إسرائيل وحتى الآن يبقى قرار الحرب والسلم بيد حزب الله لا بيد الدولة اللبنانية. ومن يومها وحتى الآن تكون الدولة اللبنانية مجرد قشرة مفرغة من أي قيمة من حيث السيادة، وأن وظيفتها لا تتعدى كونها نظاما مدنيا يصدر جوازات السفر، ويدير الوزارات والمستشفيات والمدارس والأمور الخدمية، أما القرارات السيادية فهي في يد حزب الله مباشرة، الحالة الثانية التي كان فيها قرار الحرب في يد جماعة وقرار السلام في يد جماعة أخرى، كانت حالة الدولة الفلسطينية المحتملة رغم أنها لا تقع ضمن سياق الدول ذات السيادة، ولكنها كانت تطمح لبناء نواة لدولة وطنية ذات سيادة. في الحالة الفلسطينية كان قرار الحرب في يد حركة حماس وكان قرار السلام في يد ياسر عرفات. وبالطبع من يملك قرار الحرب قادر على فرملة أو إيقاف قرار السلام. ويستمر الحال إلى الآن. إذن إسرائيل وأميركا ومصر كلها دول ترى أن حماس هي اللاعب الرئيس في غزة وليس السلطة الفلسطينية الطامحة إلى تمثيل السيادة الفلسطينية. هذا السلوك الحمساوي هو ما يقوض بناء الدولة الفلسطينية وربما يمثل شريكا أساسيا لإسرائيل ليس في السلام، وإنما في القضاء على حلم الدولة الفلسطينية.

قرار الحرب والسلام خارج منطقتنا مثلا في مالي انتقل من الدولة إلى جماعة «أنصار الدين»، وهؤلاء مجموعة تتخذ من طالبان أفغانستان نموذجا يحتذى. وطبعا لما تملكت هذه الجماعة من قرار سيادي مثل الحرب والسلام جعلت من مالي اليوم مجرد مستعمرة فرنسية بشكل جديد.

إن إعلان الجهاد الذي قرأه محمد حسان نيابة عمن سماهم «علماء الأمة» - لهو بيان خطير يسلب من الدولة المصرية مفهوم السيادة، هذا المفهوم الذي يرتكز أول ما يرتكز على تملك الدولة لقرار الحرب والسلام. ترى ما هي دلالات هذا المسلك على مصر، تلك الدولة الضعيفة مؤقتا والتي تمر بمرحلة مخاض ثوري أو نقاهة ثورية على أحسن تقدير؟ وما هي دلالات هذا السلوك السياسي على بقية الدول العربية التي أصبحت اليوم تحت أي راية ربما تسلم رقابها لجماعات متطرفة أو جماعات لا ترى أن مفهوم السيادة أساسي في عالم العلاقات الدولية؟ جماعات ترى أن الأمة لا الدولة والخليفة لا الرئيس، هو من يجب أن يكون لديه قرار الحرب والسلام. الرئيس ومؤسسات الدولة في هذه الحالة مجرد كومبارس أو ديكور قانوني، ذلك لأن قرار الحرب والسلام اليوم أصبح في يد الجماعات المتطرفة لا الدول.

الجماعات ما فوق الدولة مثل جماعة الإخوان المسلمين مثلا، والموجودة في أكثر من ثمانين دولة، تمثل التحدي الأكبر لمفهوم السيادة الوطنية و«تلخبط» أوراق اللعب فيمن يملك قرار الحرب والسلام ومن أي مكان في العالم. نظريا جماعة الإخوان مثل الأخطبوط الدولي الذي لا ندري أين رأسه المدبر وفي أي دولة موجودة بقية أطرافه. نعرف أن لجماعة الإخوان مرشدا عاما في مصر هو الدكتور محمد بديع، ولكن ما الذي يمنع جماعة تبنت العمل تحت الأرض أن يكون لها مرشدان مثلا أحدهما سري والآخر معلن؟ ثم أين يقيم ما يمكن تسميته برئيس أركان الجماعة أو الرئيس التنفيذي أو العضو المنتدب لجماعة الإخوان؟ ومن يؤثر على قراراته إن كنا نتحدث عن تنظيم متمدد في ثمانين دولة وأكثر؟ من يعلن الجهاد؟ ونيابة عمن؟ وأين؟

من الوارد أن إعلان الجهاد في القاهرة كان مجرد مشروع خارجي يمكن تسميته بـ«outsourcing» أو استئجار كومبارس للترويج عن حرب ما في مكان ما. هذا يعني أن قرار الدولة السيادي ليس بيدها. الذي يحرك الجماعة ربما ليس مرشدها في الداخل، ولكن ربما مرشدها في الخارج. ويا ترى من أي جنسية يكون هذا المرشد السري أو الخارجي؟ ويلعب لمصلحة من؟ تخطي الحدود الذي يتباهى به الإخوان ليس أسلوب حكم أو إدارة، بل أسلوب تبعية وسمع وطاعة. الحركات عابرة الحدود ظهرت وتجلت أخيرا في سياق الأزمة السورية على الطرفين سواء في حالة تدخل حزب الله مباشرة في الحرب الدائرة أو في حالة الجيش الحر و«جبهة النصرة» و«القاعدة».. إلخ.

هذا التدخل السافر من قبل الحركات المسلحة على حساب سيادة الدولة تكون نتيجته المنطقية نهاية الدولة العربية بمعناها الوطني، ويعني أيضا انهيار النظام الإقليمي وكذلك الأمن الإقليمي القائم. يحدث هذا وتزداد خطورته لأنه في لحظة تخبط احتاج البعض في منطقتنا أن يستخدم حلا تكتيكيا لأزمة إقليمية معقدة مثل سوريا فأدخل نفسه في هذا المحظور الدولي. نعم أدرك بوضوح أنه لا أحد يريد أن تكسر إيران شوكة العرب في سوريا، ولكن ليس هذا يعني أننا نريد مواجهة مع إيران ولا يعني أيضا أننا ننتحر من خلال إطلاق العنان لجماعات خارج الدولة سواء أكان نصر الله من الطرف الشيعي أم جماعات «القاعدة» و«النصرة» وجماعات تختطف القرار السيادي الخاص بالحرب والسلام مثل جماعة القاهرة الجديدة التي سمت نفسها «علماء الأمة».

إعلان الجهاد من القاهرة من خلال جماعات خارج إطار الدولة هو عبث خطير يهدد سيادة الدول القائمة ويهدد الأمن الإقليمي. ولن يكون هذا هو الإعلان الأخير من نوعه، فالإعلانات الأخرى قادمة. هذا الإعلان قد يكون جاء من جماعة لك وغدا يأتي من جماعة عليك. ولنتذكر أن معظم ما نعانيه الآن في منطقتنا دولا وشعوبا جاء نتيجة لذلك الإعلان الذي أصدره أسامة بن لادن ومعه أيمن الظواهري عام 1998 من فوق جبال الهندوكوش ضد الصليبيين والصهاينة، تحركت جماعة بن لادن في دولة محرومة في آخر العالم واختطفت سيادتها وقامت بعملية واحدة هي عملية 11 سبتمبر (أيلول) الشهيرة فخلخلت عالمنا كله من أفغانستان إلى العراق. القصة ليست بن لادن ولكنها الخروج على نظام عالمي أساسه الدول لا العصابات والجماعات.

عبدالله هادي
17-06-2013, 11:55 AM
رد واشنطن الهزيل على قمع بوتين


كل ما تفعله روسيا، يمكنك فعله أيضا، هذه هي الرسالة التي تبعث بها واشنطن إلى كل حكومة قمعية متعطشة للسلطة حول العالم. فكل خطوة يتخذها الرئيس فلاديمير بوتين للحد من حريات الشعب الروسي، يتابع القادة الذين يمتلكون نفس عقلية بوتين ردود الفعل الأميركية، (والأوروبية)، وعند رؤية هذه الاستجابات الضعيفة يزدادون جرأة على انتهاك حقوق الإنسان بصورة مشابهة.

ينبع الدافع من حملة بوتين ضد حقوق الإنسان من رغبته في قمع الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في ديسمبر (كانون الأول) 2011، عندما نزل مئات الآلاف من الروس إلى الشوارع للتظاهر ضد الانتخابات البرلمانية غير النزيهة. وفي مارس (آذار) 2012، ازداد غضب المحتجين على الانتخابات غير العادلة التي أعادت بوتين إلى الرئاسة.

ردا على ذلك، طورت الحكومة الروسية أدوات قمعية وتكنولوجية جديدة - كان أبرزها استعمال القانون كسلاح - استخدمها بوتين في محاولاته لتأكيد وتوطيد سلطته ومكانته. وكانت الاعتراضات الأميركية على انتهاكاته مؤلمة وضعيفة ولا مبالية.

وإلى الجنوب من روسيا، تنبهت أذربيجان لذلك، ويأمل الرئيس إلهام علييف الذي يدخل انتخابات الرئاسة في أكتوبر (تشرين الأول) تجنب الاضطرابات التي أعاقت بوتين. ويبدو أن تصرفات روسيا التي أضعفت على ما يبدو المعارضة بشكل فاعل، دفعت علييف إلى انتهاج ذلك النموذج القمعي بصورة استباقية. فلإضعاف العزائم على المشاركة في المظاهرات، زادت روسيا قبل عام من غرامة المشاركة في المسيرات غير المصرح بها من 1.000 روبل (31.50 دولار) كحد أقصى إلى 300.000 روبل (9.450 دولار). وقد تحدثت منظمة «هيومان رايتس ووتش» عن رفع عقوبة السجن القصوى لانتهاك القواعد والمشاركة في التجمعات غير المصرح بها من 15 يوما إلى شهرين.

في يوليو (تموز) وفي خطوة تستهدف التضييق على حرية الكلمة، أعادت روسيا اعتبار التشهير جريمة، وعلى نحو متوقع تمضي أذربيجان في طريقها هي الأخرى نحو توسيع تعريف «الإهانة» و«التشهير» وتخطط لضم التصريحات على الإنترنت في سياق قانون التشهير، وسيكون التأثير على حرية التعبير مرعبا.

وبالمثل، راقب قادة أوكرانيا رد الفعل الغربي على انتهاكات حقوق الإنسان الروسية وخلصوا إلى أنه لن يكون هناك ثمن حقيقي لخطاياهم بحق شعوبهم. ويبدو واضحا أن الرئيس فيكتور يانكوفيتش عازم على تعزيز سلطته كما فعل بوتين قبل عشر سنوات، وبدأ في السير على نهج بوتين في ذلك الاتجاه. لعل أبرزها هو استمرار أوكرانيا في اعتقال رئيس الوزراء السابق يليا تيموشنكو - ذي الدوافع السياسية - والذي دفع الأوكرانيين إلى تشبيهه بسجن بوتين لإمبراطور صناعة النفط الروسي ميخائيل خودوركوفسكي.

كما تخضع حرية الإعلام في أوكرانيا للهجوم أيضا، فقد تم الاستحواذ على قناة «إنتر» التلفزيونية العام الحالي من قبل كبير موظفي الرئاسة، وأورد موقع «إي يو أوبزرفر»، أن قناة «إنتر» تخلت عن برامجها الحوارية السياسية، «سبرافيدليفست» - برنامج كان يبث في وقت الذروة لمنتقدي يانكوفيتش - وتم استبدال برنامج يقدمه داعم ليانكوفيتش به.

ووصلت دول أخرى بعيدة من مجال النفوذ الروسي إلى استنتاجات مماثلة، فعندما بدأت حركة الاحتجاج في روسيا في أواخر عام 2011، اتهم بوتين الدول الأجنبية بدعم وإثارة الاضطرابات. وكانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من بين أول أهدافه. تم طرد المنظمة بشكل غير رسمي من روسيا العام الماضي، وأوقفت عملياتها وأغلقت منحها. وبعد ذلك ببضعة أشهر، طرد الرئيس البوليفي إيفو موراليس الوكالة بتهمة «التدخل في الشأن البوليفي والتآمر ضد الحكومة».

ومع بدء حركة الاحتجاج التركية في الأسابيع الأخيرة، انتهج رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خطا مماثلا، مشيرا إلى أن الاحتجاجات كانت بتحريض من «قوى أجنبية». وبدأ أردوغان التطلع نحو تغيير الدستور في تركيا لضمان استمرار حكمه. وقد سمحت التعديلات الدستورية التي أجراها بوتين بإطالة فترة ولايته في رئاسة روسيا، وألهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان للسير على نفس النهج.

هذه السوابق التي وضعتها الولايات المتحدة والغرب بشأن قضايا حقوق الإنسان في روسيا كان لها تداعيات أبعد من الحدود الروسية.. فالتصريحات الأميركية والأوروبية بشأن «خيبة الأمل» في القانون الروسي التقييدي أو السجن السياسي ليست كافية، فالكلمات التي لا تترجم أبدا إلى أفعال ليس لها أي أثر.

يجب علينا أن نوضح لروسيا، وإلى كل الذين يراقبون، أننا لن نساوي أو نكافئ بزيارات وزارية الدول التي تنتهك حقوق مواطنيها بصورة منهجية. إن إقرار قانون «ماغنيتسكي» والعقوبات ضد مجموعة مختارة من منتهكي حقوق الإنسان كانت خطوات واعدة في الاتجاه الصحيح، لكن هناك ضرورة لاتخاذ خطوات أكثر وأقوى.

* محللة شؤون أوراسيا ومقيمة في واشنطن، وإحدى قادة المستقبل لمبادرة السياسة الخارجية لعام 2012 - 2013.


* خدمة «واشنطن بوست»

عبدالله هادي
17-06-2013, 03:51 PM
30 يونيو



يفترض في ذلك اليوم إذا وصلنا إليه بسلام، أو بخسائر محتملة، أن تنزل ملايين المصريين إلى الشارع وأن يندفع حشد منهم، الله وحده يعرف عددهم، إلى قصر الاتحادية ليقوم بتسليم رئيس الجمهورية عدة ملايين الاستمارات التي وقعها المصريون طلبا لإجراء انتخابات مبكرة وهو ما ترى فيه الحكومة نهايتها. وعلى الرغم من حرص كل الأطراف على الإعلان عن موقفها السلمي وعدم اللجوء للعنف بما فيها الشرطة التي أعلنت أنها مسؤولة فقط عن حماية المنشآت والممتلكات العامة والخاصة، وموقف القوات المسلحة التي أعلنت أنه لا شأن لها بالسياسة، فإن الجميع يشعرون بأن هذا اليوم لن يمر على خير، لأنه من المستحيل على ملايين البشر الغاضبين عندما يحتشدون في الشارع في صيف القاهرة أن لا تفلت أعصاب عدة آلاف أو مئات منهم ويتحول الأمر إلى كارثة.

غير أنني ألمح رغبة عند الناس جميعا في استعجال قدوم هذا اليوم وهو ما يذكرك بالأطفال عندما يستعجلون قدوم أيام العيد. أنا شخصيا أفكر فيما شاهدته من قبل في أفلام الكوارث التي تصطدم فيها عدة قطارات بعضها ببعض بين صرخات الركاب. ولكن المصريين هم الركاب، وهذا ليس فيلما صنعته المؤثرات الخاصة. لا توجد طريقة لتلافي الصدام، سقط المنطق بعد أن تعطلت فرامل كل قطارات السياسة، وهنا بدأت أفكر بطريقة عبثية للوصول إلى حل حتى لو كان غير قابل للتحقق. لا يوجد داخل العقل أو في الطبيعة ما يحتم أن يكون شهر يونيو (حزيران) 30 يوما، كما لا يوجد في الدستور مادة تنص على ذلك، وأعتقد أن كل التزاماتنا الدولية لا تلزمنا بذلك، وبذلك يكون الحل هو إلغاء اليوم الثلاثين من يونيو وإضافته إلى شهر فبراير (شباط) وبذلك يظل عدد أيام السنة سليما بغير سوء. ما زال لدينا الوقت الكافي لأن يصدر مجلس الشورى على وجه السرعة التي تدرب عليها جيدا في الفترة الأخيرة قانونا بإلغاء يوم 30 يونيو وإضافته مكملا لشهر فبراير أو أي شهر آخر. أو حتى حذفه من الزمن. هكذا يتم حرمان جماعة تمرد من يوم فرحهم، فلا شك أنهم عندما يستيقظون ويجدون أنهم في أول يوليو (تموز) فلا بد أن يستولي عليهم الاضطراب وتخيب مخططاتهم.

شرحت فكرتي لصديق متخصص في التفكير العبثي فقال لي: الفكرة سليمة من الناحية النظرية ولكنك أغفلت عامل الوقت، من السهل أن ينتهي مجلس الشورى من عمل هذا القانون في عشر دقائق ولكن عليه أن يرسله إلى المحكمة الدستورية العليا لمراجعته، ولحراجة الموقف وضيق الوقت ستراجعه المحكمة في ثلاثة أيام وتعيده طالبة تعديلا مهما وهو أن يسري هذا الإلغاء داخل البلاد فقط أما تعاملاتنا مع الخارج فيجب الإبقاء عليها كما هي.. فينعقد المجلس على الفور ويعدله، وهو ما يعطي المعارضة الحق في أن تدفع بعدم دستوريته لأنه يميز الأجانب على المصريين.. لا أمل يا صديقي، اللي مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين يوم 30 يونيو.

عبدالله هادي
18-06-2013, 11:52 PM
المزاج الإيراني



قد يكون انتخاب حسن روحاني المحافظ المعتدل أو البراغماتي الذي توحدت حوله قوى الإصلاحيين في انتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة، مفاجأة كما تحدثت تقارير غربية كثيرة تحاول تحليل ما إذا سيكون هناك تغير في إيران، لكن في الحقيقة كانت هناك مقدمات تقود إلى تلك النتيجة.

ولعل في مظاهر الابتهاج والفرح العارم التي شهدتها مدن إيران خاصة من أفراد الطبقة الوسطى وبينها العاصمة طهران بعد إعلان النتيجة، ونسبة الإقبال العالية من الناخبين تقدم بعض التفسيرات أهمها أن هناك مزاجا متغيرا في إيران يختلف عن آخر انتخابات جرت في 2009 التي شهدت بعدها موجة احتجاجات ضخمة اقتربت من حد الانتفاضة، وجرى التعامل معها بعنف شديد، ولا يزال بعض رموزها مثل موسوي وكروبي قيد الإقامة الجبرية حتى الآن.

المزاج في هذه الانتخابات يبدو أنه براغماتي أو عملي لدى الناخب الإيراني؛ فروحاني القادم من قلب مؤسسة الحكم الإيرانية ليس إصلاحيا بمعنى الكلمة، وقد يكون أقرب إلى فريق المحافظين، لكن مواقفه السياسية وتصريحاته قبل الانتخاب وبعده تعكس واقعية ورغبة في مد الجسور مع العالم الخارجي، وتخفيف قبضة السلطة على الداخل، وقد اتخذ الناخب الإيراني الراغب في السير إلى الأمام، ولا يوجد أمامه بديل آخر، قراره من خلال نسبة التصويت المرتفعة بالاقتراع لصالح المرشح الأكثر انفتاحا من قلب المؤسسة والذي يستطيع أن يتعامل مع مفاتيح السلطة والقرار فيها، فهو لديه علاقات قوية مع صاحب القرار الأول المرشد الأعلى علي خامنئي. كما أنه كان في وقت سابق رئيسا لمجلس الأمن القومي، كما كان في إحدى الفترات مفاوضا نوويا.

وقد عكست كل التقارير الواردة من إيران أن الاهتمام الأول للناخب الإيراني هو الوضع الاقتصادي الذي شهد تدهورا نتيجة العقوبات الاقتصادية المتزايدة بسبب الملف النووي وعدم حدوث تقدم في المفاوضات مع القوى الكبرى بشأنه، فضلا عن شعور متزايد بالرغبة في فك العزلة التي تواجهها إيران على الصعيد الدولي.

خارجيا ما يهم العالم دوليا وإقليميا بالنسبة إلى سياسة الرئيس الجديد ملفان؛ الأول هو ملف تخصيب اليورانيوم، والشكوك في أنها تسعى إلى إنتاج أسلحة نووية أو على الأقل امتلاك القدرة على ذلك، والثاني السياسات الإيرانية الإقليمية في سوريا ودول أخرى والتي تثير الاضطراب والقلاقل في المنطقة، ولا تساعد على الاستقرار.

مشكلة روحاني أن الوقت قصير، والعالم يريد ردودا سريعة، فبينما هو سيتسلم منصبه في أغسطس (آب)، فإنه لا بد أن يكون هناك بوادر سريعة على إمكانية التحرك إلى الأمام في هذا الملف، وقد صدرت تصريحات كثيرة على أن العام الحالي هو عام الحسم في هذا الملف بما تحمله هذه الكلمة من دلالات، كما أن الملف السوري وصل إلى ذروة ساخنة، ولو انزلقت إيران أكثر فيه فإنها تكون في طريق مواجهة وليس التصالح أو مد الجسور.

المشكلة الأخرى أن القرار النهائي فيما يتعلق بالملفات الحساسة مثل النووي أو التدخلات الإقليمية ليست في يد الرئيس بل المرشد، وحتى الرئيس أحمدي نجاد صرح قبل أيام بأن الملف النووي لم يكن من صلاحياته، فهل يستطيع روحاني أن يُحدث تأثيرا فيه.

لكن فترتي الرئاسة السابقتين للرئيسين رفسنجاني وخاتمي أثبتتا أن الرئيس يمكن أن يكون له بصمته الخاصة على السياسة الخارجية، والداخلية، كما أن فترة حكم أحمدي نجاد أثبتت أن المحافظين والإصلاحيين لم يتمكن أي فريق منهما من فرض أجندته كاملة، فضلا عن الخلاف المستعر بين أحمدي نجاد والبرلمان.

الأسابيع وليس الشهور المقبلة ستظهر ما إذا كان هناك تغير حقيقي في المزاج بين النخبة الحاكمة في إيران يعكس رغبة الشارع في الانفتاح والتخلص من العقوبات الاقتصادية، وما إذا كانت هناك دلالات لشفافية الانتخابات، وعدم ضغط المؤسسة الحاكمة لتوحيد المحافظين وراء مرشح واحد، أم أن كل ذلك سراب؟

عبدالله هادي
18-06-2013, 11:53 PM
قراءة في شخصيتهم ونفسيتهم قبل أن ننساهم!



الصحافي والكاتب السياسي المحترم ليس بمنجِّم يرصد حركة النجوم. ولا عالما نفسيا يغوص في أعماق نفس السياسي وشخصيته. فهو يقوم بتحليل سياسة الشخص أو الحدث السياسي، من خلال التجربة. والقدرة على المتابعة، وتفسير الظواهر السياسية، مستعينا أحيانا بما تَوَفَّر له من معلومات.

تبقى محاولة دراسة نفسية وشخصية هؤلاء الذين حكموا حياتنا، نحن العرب، خلال السنوات الخمسين الأخيرة، مغامرة نادرة فيها شيء من الرومانسية غير المألوفة في الكتابة السياسية.

رجل السياسة عندنا ما زال صندوقا مغلقا. لا هو يقدم نفسه مباشرة للجمهور، ولو في لحظة مباسطة ومكاشفة على الشاشة. ولا الصحافي والإعلامي يجرؤ على السؤال. حتى رسام الكاريكاتير الذي أعتبرُهُ ندّا للمعلق السياسي كفَّ، منذ زمن طويل، عن رسم هؤلاء الذين حكمونا. فقد أسدلوا على وجوههم قناع القوة. أو اختبئوا وراء غيبية القداسة الدينية.

لا أكتب عن هؤلاء الذين حكمونا. وغادرونا. ويغادروننا، للتشفِّي. والانتقام. والإهانة. فقد انتهى عصر إعلام وصحافة الشتائم. والنكاية. ولست أكتب عن مذاهب علم النفس. إنما أتوقف عند حدث. أو قرار. أو إنجاز، لأحاول نسبه إلى ما انطوت عليه أنفسهم أو شخصياتهم، من أهواء وغرائز، وهم في ذروة قوتهم.

أفعل ذلك قبل أن ننساهم. فنحن العرب ننسى ماضينا السياسي القريب. ننسى من خدم بنفس بريئة. وننسى من أساء بنفسٍ أَمَّارة بالسوء.

الثقافة الشعبية العربية الرائجة تجاهلت تأثير نفسية السياسي وشخصيته في التحكم بالشعب، وفي احتكاره القرار السياسي. هذه الثقافة موروثة من الماركسية!

قضى كارل ماركس معظم حياته قارئا في مكتبة المتحف البريطاني بلندن. كان عليه أن يقضيها سمسارا في «البورصة»، ليحتك بالناس، ويعرف معادن الرجال. فلا شيء كالسلطة والمال، يكشف شخصية الإنسان. وينمُّ عن نفسيته.

كان ماركس أكثر اهتماما بتأثير وقع أقدام الشعوب على التاريخ السياسي، وتشكيل الصراع الاجتماعي بين الطبقات، من اهتمامه بِدَبيبِ أقدام الساسة والقادة، فوق هذا التاريخ. لكن التاريخ المعاصر كان، منذ فشل الماركسية في التطبيق، إلى فشل النظام الجمهوري العربي في الحكم، شاهدا على دور الشخص، أكثر مما هو دور الشعب، في بصم حركة المجتمع، وتوجيهه إلى حيث يريد نفسيا. شخصيا. سياسيا. ومصلحيا.

تحالفت التراجيديا مع الكوميديا، لتمكين «أشخاص» النظام الجمهوري العربي الوارث لنظام عبد الناصر، من إخفاء علاقتهم الشخصية بالأجهزة الغربية التي ساهمت في إيصالهم إلى الحكم، على أنقاض المشروع القومي الوحدوي الذي استهلكوه وابتذلوه.

لدفع الشبهة عن نفسه، خطف صدام بمسدسه الشخصي شريكه الجنرال عبد الرزاق النايف من مجلس الوزراء، وسفَّره فورا. ثم قتله في لندن. كما اختفى وزير الخارجية الذي عقد الصفقة بين البعث والغرب.

نفسيا، كان اللجوء إلى القوة المسلحة، لفرض سلطة الأمر الواقع، أسهل بكثير على العسكري المتسيِّس، من الدخول في متاهة فوضى الحرية السياسية، وتطبيق آلياتها الديمقراطية. موت عبد الناصر المبكر أعفى معمر القذافي من الالتزام بفطنة الأدب السياسي لدى زعيمه المثالي.

مع ذلك، فثقافة عبد الناصر لم تمنع تغيير اتجاه الثورة بعيدا عن الديمقراطية. وغطَّت على ذلك شخصية عبد الناصر الجذابة. والجادة. ونزاهته المادية. ثم إخلاصه لمبدأ تحرير الشعوب من الاستعمار. فلم يكن زمانه عصر تحرير الشعوب من مستعمريها الوطنيين في الداخل.

مكر الإنسان البسيط الكامن في الإهاب النفسي لضابط صغير، جعله يسخِّر لخدمته الشخصية القواعد العسكرية الأنجلوأميركية في ليبيا، فصعدت به إلى الحكم في بلد يتفجّر نفطا ممزوجا بطيبة وزهد السنوسي الحاكم الشرعي.

قلت مرارا إن الثقافة الرفيعة ليست بضريبة مُحَتَّمَةٍ على الحاكم السياسي. إنما الخطر الكبير على السياسي ثقافة شخصية هشة تتراوح بين الأمية والتعليم البسيط. شكلت هذه «الذبذبة» الثقافية المهزوزة تلك الكوميديا الميلودرامية التي لازمت القذافي. «فاخترع» نظرية للحكم غير مبال بسخرية الأجيال العربية الجديدة به.

الكوميديا المسرحية الشخصية حولت دولة القذافي إلى خيمة بلا سقف. وأبواب. وجدران. فقط، هناك بجوار الخيمة أجهزة قمع مخيفة بلا جيش. بلا مشروع سياسي، بعدما ساهمت هزلية صاحبها بتقويض المشروع القومي. فاعتنقت الأجيال مشروعا أضيق لتسييس الدين، بظهور ما يمكن وصفهم بكوميديين دينيين، ومنهم من دشن أخيرا ثقافة الأضرحة وحروبها، في القرن الحادي والعشرين.

السياسي المحترف يعرف متى يستقيل. ويعتزل. ألم ينته النظام الجمهوري الميلودرامي إلى النهاية المفزعة التي حلت بالنظام الليبي؟ أصيب صدام بجنون عبادة الشخصية. لم يعد يتصوَّر عراقا بلا صدام وأولاده. وصدام بلا عراق وأولاده. رجل الأمن آيل للسقوط أكثر من الجندي المقاتل. هرب زين العابدين عندما رفض الجيش التونسي الدفاع عن مؤسسة الفساد المتحكمة. استقال مبارك. لكن لم يهرب. اعتقد أن ماضيه العسكري المشرف يحميه من غضب وانتقام شارع «إخواني» متعطش ليحل محله.

لم يبق في الميدان غير حُدَيْدَان. أخطأ بشار مع شعبه. ارتكب ما لم يرتكبه النظام الجمهوري. فقد ورط نفسه. ونظامه. وأمته، في حرب سنية/ شيعية كريهة. بدلا من أن يستقيل، فقد جلب المرتزقة والمماليك، من إيران ولبنان، لخوض حربه الشقية. اتهامه العجيب لشعبه بالمؤامرة عليه، فتح الباب السوري أمام دخول «الجهادية الانتحارية» التي يتهم خصومه العرب، بتصديرها إلى سوريا!

لماذا يرتكب بشار هذه الأخطاء الاستراتيجية الكبيرة؟ ثمة عقد نفسية تنطوي عليها شخصية بشار. فقد عانى في مراهقته وشبابه من الحرمان العاطفي العائلي. رأى أباه يؤهل شقيقه الأكبر (باسل) للتوريث، فانصرف هو إلى الدراسة العلمية غير الجادة، يمرره في دهاليزها وصفوفها النفاق الأكاديمي المجامل للأسرة.

مات باسل بالمصادفة البحتة داخل سيارة «سبور» فاخرة، في سباق طائش مع الذات، في ساعة متأخرة من ليل دمشق البهيم. دعا الأب السوريين الجوعى إلى العناية بتربية خيول وبغال «الشهيد»! ثم استدعى فورا طبيب العيون، لتدريبه. وتأهيله للوراثة. حانت الفرصة للشقيق الأصغر للانتقام من الجميع في دائرة النفوذ الرئاسية الضيقة، مستأثرا باحتكار سلطة أب تكالبت عليه أمراض الجسد الواهن، في آخر العمر، فأضعفت قواه الذهنية، وقدرته على مقاومة دلال ودلع طبيب للعيون يعاني من عمى البصيرة. ونقص الخبرة السياسية.

أخطأت مع بشار مرتين. أخطأت عندما لبيت دعوة وزير إعلامه. فكتبت زاوية يومية بحجم طابع البريد التذكاري. ثم شطبتها عندما رأيت طبيب البصر يعصب عيون المثقفين المطالبين بالحرية. ثم أخطأت عندما دخلت غرفته بالمصادفة، في فندقه الباريسي الفاخر. لا أدري لماذا شعرت آنذاك، بضياع جهد الرئيسين شيراك وساركوزي، في تدريب بشار على الممارسة الديمقراطية. ربما لأنهما لم يعرفا السر الشخصي «الكبير» الذي اكتشفته. فلم يكن طبيب العيون الحاكم قادرا على ترتيب ثيابه المبعثرة على سريره. فكيف يستطيع ترتيب بيت بعثر فيه 25 مليون إنسان؟!

عبدالله هادي
19-06-2013, 02:21 PM
قالت: صفقة واشنطن رفعت يد قطر وتركيا مقابل تنصيب "روحاني"
صحيفة: جنود أمريكيون دخلوا سوريا لتطهيرها من "جبهة النصرة"

سبق– وكالات: ذكرت مصادر دبلوماسية عربية رفيعة المستوى أن فوز رجل الدين المعتدل حسن روحاني بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، جاء نتيجة صفقة دولية بين مراكز القوى في إيران وروسيا مع الولايات المتحدة, بينما كشف صحيفة أن مئات الجنود الأمريكان دخلوا سوريا لتطهيرها من "جبهة النصرة والقاعدة"؛ وذلك في إجراء استباقي قبل تطبيق نتائج "جنيف2".

وحسب وكالة "أنباء الشرق الأوسط"، قالت المصادر، في تصريحات لصحيفة "السياسة" الكويتية بعددها الصادر اليوم الأربعاء، إنه "مقابل وصول روحاني للرئاسة تعهدت واشنطن بسحب يد قطر وتركيا من الملف السوري، على أن يتم تولي ملف الأزمة برمتها من قبل السعودية بعد إبعاد القطريين والأتراك نهائياً وتحديدًا قبل مؤتمر "جنيف 2" الذي تسعى واشنطن وموسكو إلى عقده خلال الشهرين المقبلين مرجحة أن يبدي روحاني انفتاحاً سريعاً على العلاقات الإقليمية والدولية وتحديداً مع السعودية".

وأشارت المصادر إلى أن منصب رئيس المجلس العسكري للحكومة السورية الانتقالية سيتم إسناده إلى العميد المنشق مناف طلاس الذي يحظى بثقل وتأثير كبيرين داخل الجيش النظامي والمعارضة السورية، بمباركة روسية - أوروبية - أمريكية.

في سياق متصل كشفت مصادر أخرى لجريدة "السياسة" عن أن الحدود الأردنية - السورية شهدت ليل الخميس الماضي عملية دخول لمئات من الجنود الأمريكيين إلى درعا عبر القرى الأردنية المحاذية للحدود السورية، وهي قرى الطرة والشجرة وعمراوة والذنبية، مشيرة إلى أن عملية الدخول جرت بواسطة حافلات مدنية.

وأكدت أن هناك عملية عسكرية استباقية لتطهير الجنوب السوري من "جبهة النصرة" وتنظيم "القاعدة" قبل تطبيق نتائج مؤتمر "جنيف 2"، المتفق عليها بين روسيا والولايات المتحدة، والتي تتضمن تشكيل حكومة انتقالية في سورية.

ولم تستبعد المصادر دخول "حزب الله" على خط عملية "تطهير" الجنوب السوري من "جبهة النصرة" وتنظيم "القاعدة".

وكشفت عن أن المعارض السوري هيثم المناع عقد اجتماعات سرية في عمان الأسبوع الماضي مع قيادات من "الجيش الحر" وشخصيات سورية معارضة مقيمة في العاصمة الأردنية، مشيرًا إلى أن المناع يروج داخل أروقة المعارضة السورية للخيار الروسي السياسي المستقبلي في سورية.

وقالت المصادر إن "المناع غادر عمان لساعات على متن طائرة خاصة إلى إحدى الدول العربية، واجتمع مع رئيس جهازها الأمني".

عبدالله هادي
19-06-2013, 02:27 PM
على أميركا مساعدة المعتدلين في الشرق الأوسط

ما استراتيجية أميركا في الشرق الأوسط؟ هذا السؤال بات أكثر إلحاحا الآن، بعد تحرك إدارة الرئيس باراك أوباما في الآونة الأخيرة باتجاه تسليح المعارضة السورية. فالولايات المتحدة بحاجة إلى إطار عمل يربط سياستها في سوريا بما يجري في البحرين ومصر والعراق وتركيا وأماكن أخرى في المنطقة.

الحجة التي استندت إليها الإدارة الأميركية لتسليح تلك المجموعات، تكمن في زعمها أن النظام استخدم أسلحة كيميائية، غير أن الحروب الشرسة ضد أسلحة الدمار الشامل لها تاريخ سيئ في الشرق الأوسط، لا سيما على ضوء ما حدث في العراق. ينبغي أن يكون الهدف الأوسع نطاقا للرئيس أوباما هو دعم قوى الاعتدال، وتحديدا تلك القوى التي تلتزم التعددية وحرية التعبير وسيادة القانون. فقد كانت هذه هي المواضيع الأساسية التي طرحها أوباما في خطابه الشهير بالقاهرة في يونيو (حزيران) 2009، لكن متابعة هذه الأمور كانت محدودة للغاية.

سوف ترتكب الإدارة الأميركية خطأ إذا كانت تريد من إرسال مساعداتها إلى المجموعات المسلحة في سوريا تقويض نفوذ إيران، الداعم الرئيس للأسد. يجب على الولايات المتحدة معارضة المتطرفين الطائفيين، لا سيما أولئك التابعين لتنظيم القاعدة والجهاديين، باعتبارهم يهددون المنطقة بأسرها.

تشعر الإدارة الأميركية بثقة أكبر حيال مساعدة المجموعات المسلحة، لأن اللواء سليم إدريس يتبنى قيم الاعتدال والتعددية، لكن المسؤولين الأميركيين يجب أن يروا بوضوح أن إدريس ضعيف عسكريا والولايات المتحدة بحاجة لدعمه بشكل ملح لكي يكون قائدا حقيقيا، وليس مجرد غطاء أميركي.

من بين أصدقاء ثوار سوريا أسمع نداء يائسا على الأغلب للقيادة الأميركية، فيقول لؤي ساكا، الكندي ذو الأصول السورية المقرب من إدريس: «الناس يصبحون في كل يوم أكثر طائفية وأكثر غضبا ورغبة في القتل على سبيل الانتقام، ولا يتوقع بشكل أن يلتزموا باتفاقيات جنيف أو القواعد الأخرى. إن افتقار الولايات المتحدة إلى القيادة يدفع بالحرب إلى مستوى جديد لن تشكل فيها جهودنا أو جهودك أي معنى».

إدريس رجل جيد وقائد مقبول، وقد قال لي في لقاءات متعددة إنه يفضل الحوار مع العلويين والمسيحيين والأقليات السورية الأخرى، التي يرغب في أن يتعاون معها، وطمأنة روسيا على مستقبلها في سوريا. لكن كل هذه المقومات الرائعة ستكون بلا قيمة ما لم يفز في ساحة المعركة.

إن الحروب تولد التطرف، كما شهدت أميركا في حربها بالوكالة ضد السوفيات في أفغانستان منذ ثلاثة عقود. يجب على الولايات المتحدة أن توضح دعمها لإدريس، لأنه شخصية معتدلة. إذا ما انحرفت قواته، فإنهم يخاطرون بفقدان دعم الولايات المتحدة.

ينبغي أن يكون هناك التزام مشابه بالطريق المعتدل من أجل تجنب خسائر الصراع الشيعي الطائفي في البحرين. يجب أن يلتقي كبار المسؤولين الأميركيين بولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، الذي، على الرغم من الضغوط الطائفية الشديدة، لا يزال يدعو للحوار الوطني والمصالحة، في البلاد. لكن الامير سلمان بحاجة إلى دعم دبلوماسي أميركي للمساعدة على نجاح عملية الإصلاح، ويحتاج إلى دفع أميركا لآيات الله نحو نبذ العنف مقابل إصلاحات اقتصادية حقيقية من قبل الحكومة تجعل الحياة أفضل وأسرع في البلاد.

يجب أن تكون مصر أيضا جزءا من استراتيجية أميركا لدعم الاعتدال والمصالحة في المنطقة. الحقيقة المحزنة هي أن حكومة الإخوان المسلمين التي يقودها محمد مرسي تفشل في الحكم بطريقة فعالة وتعددية. وقد أظهر استطلاع لمؤسسة «زغبى للأبحاث» تراجعا حادا في تأييد مرسي. فقبل عام، اعتبر 57 في المائة من المصريين أن انتصاره أمر إيجابي، أو يجب أن يحترم. وتراجع هذا اليوم إلى 28 في المائة.

إن مصر تعاني حالة تعادل الإفلاس السياسي والاقتصادي، وتعيش على مساعدات من بعض الدول التي تدعم، جماعة الإخوان المسلمين. ينبغي على أميركا أن لا تربط المساعدات الاقتصادية لمصر وقرض صندوق النقد بفرض سياسات التقشف (الاستراتيجية التي تم تبنيها خطأ العام الماضي)، ولكن بالالتزام بالتعددية. وينبغي لصندوق النقد أن يشترط على مرسي الحصول على تأييد كل الأطراف في مصر للمساعدات، لأن هذا الأمر من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية التي تحتاجها مصر.

هذه الاستراتيجية التي تدعم الاعتدال وتقاوم الطائفية ينبغي أن تمتد إلى العراق، حيث أنفقت الولايات المتحدة كثيرا من المال والأنفس هناك. لا تزال واشنطن تحظى بنفوذ هناك لأنها توفر الأسلحة والتدريب العسكري. ينبغي على الرئيس الأميركي أن يتخذ موقفا دبلوماسيا أكثر قوة من أجل وحدة العراق (التي تعني مشاركة الطائفية السنية المعزولة) وضد العنف الذي سيعيد إشعال فتيل حرب طائفية.

والتحدي الأخير هو تركيا؛ فإذا ما اختار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان السلطوية الإسلامية، ينبغي أن يخسر دعم أوباما.

الدعوة إلى الاعتدال في الشرق الأوسط قد تكون تفكيرا ساذجا. يجب أن يكون تسليح الثوار السوريين جزءا من الجهد الشاق والعملي لمساندة القوى المعتدلة، ومقاومة العنف الطائفي وتشجيع الحكومات التي تحترم التعددية وسيادة القانون في جميع أنحاء المنطقة.



* خدمة «واشنطن بوست»

عبدالله هادي
19-06-2013, 02:28 PM
هل يحكم سوريا أكلة لحوم البشر؟!


الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برر وحذر قائلا: لا يمكنكم دعم أناس يأكلون أعضاء البشر. قالها يريد تخويف الغرب، الخائف أصلا أن تتكرر مأساة إيران، حيث خلف الشاه السيئ نظام أسوأ، عدائي وحشي دموي، وحل محل العدو السوفياتي في أفغانستان أشرار «القاعدة».

سوريا المستقبل مهددة بمشكلتين، بعض الثوار في الداخل والمعارضة السياسية في الخارج. توجد جماعات مسلحة خارج سيطرة الجيش الحر، نجح نظام الأسد في الترويج لها لتخويف العالم منها، وهناك المعارضون الذين يشكلون القيادة السياسية والذين فشلوا في إثبات أنهم بديل أفضل من بشار الأسد. والذي يقلق العرب والغرب معا، ليس أكلة لحوم البشر بل المدنيون من لابسي ربطات العنق من المعارضة في إسطنبول وغيرها!

ربما الغرب يبحث عن عذر للتقاعس، لكن بالفعل توجد مشكلة خطيرة حيث لا قيادة سياسية حكيمة وموحدة بعد. يتساءلون: من سيحكم سوريا غدا، ثوار متوحشون وسياسيون جشعون؟!

الإخوان المسلمون، وبقية المعارضة في الائتلاف وخارجه، يتحملون مسؤولية كبيرة في الفشل حتى اليوم، وهم مسؤولون عن فشل الثورة غدا. من دون اتفاقهم، ووحدتهم، لن يوجد تأييد دولي، ومن دون تأييد دولي لن تكون هناك سوريا جديدة حتى لو انهار نظام الأسد. لهذا نرجو أن يعوا المسؤولية الخطيرة التي على عاتقهم اليوم.

ليس مستنكرا، ولا غريبا، أن تكون المعارضة مختلفة ومتنافسة لولا أن القضية السورية أخطر كثيرا من أن يتركوها من دون اتفاق على مبادئ الحكم والتوافق عليها. لقد تعرفت على المعارضة العراقية في المنفى منذ مطلع التسعينات، وإلى عشر سنوات تلتها، كانت نموذجا بائسا للبديل المحتمل لنظام صدام حسين. كانت خليطا من أبناء الذوات وأبناء العامة، وحملة الدكتوراه ولابسي العمائم، من كل الطوائف والأنحاء. الخليط يوحي إيجابا بالعراق كله إنما الصراعات بينهم كانت تشي بمستقبل مظلم. وجاءت الصدمة الأولى عندما عاد من لندن السيد عبد المجيد الخوئي في الأيام الأولى لسقوط النظام إلى النجف، هناك قتل أبشع قتلة، ليس من قبل نظام صدام المترنح، ولا من الفوضى، بل قتله منافسوه. ولولا أن اللاعب الرئيس في الساحة كان الجانب الأميركي لانتهت غالبية رموز المعارضة مقتولة على أيدي بعضها.

لهذا نتساءل هل المعارضة السورية أسوأ أم أفضل حالا من مثيلتها العراقية؟

تشبهها في نواح كثيرة إلا أن السوريين مسؤوليتهم كبيرة، حيث لا توجد قوة عظمى مستعدة لإطعامهم، وحمايتهم، وخلق مجلس حكم أولي لهم، وكتابة دستورهم، وتنظيم استفتاء عليه، وحراسة أجوائهم، وتأمين حدودهم من اللصوص والمتآمرين، وخلق مؤسسات للحكم، وتنظيم انتخابات برلمانية، والدفاع عنهم في مجلس الأمن، ومنحهم الشرعية الدولية، ومقاتلة خصومهم نيابة عنهم.

كل هذا لن يتاح للمعارضة السورية وبالتالي فمسؤوليتهم أعظم من تلك التي تحملتها المعارضة العراقية. والمؤشرات التي أمامنا تقول إن المستقبل صعب، فالمعارضة تعجز عن ائتلاف بسيط يستوعب الجميع، يمكن أن يكون تمرينا جيدا للمستقبل القريب عندما ينتقلون للعمل في منطقة الحكم في دمشق، ليست المنطقة الخضراء بالتأكيد.

مهمة الائتلاف والحكومة الآن ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة، عليهم أن يقبلوا بمبدأ التمثيل والمشاركة والانتخاب. ومن لا يأتيه الدور ويشارك في الحكم اليوم غالبا سيحكم في يوم ما لاحقا. عليهم أن يقبلوا بمبدأ تداول السلطة سلميا، بدستور يحمي الجميع، وتحديدا الأضعف في المجتمع كالأقليات، يمنحهم حقوقا متساوية، ويكفل الحريات، وله مرجعية تفسيرية عند الاختلاف.

هكذا يمكن أن تكون سوريا جديدة مستقرة لمائة سنة مقبلة. لكن نزاعات إسطنبول تقلقنا جميعا لأنها تخون الشعب السوري، الذي يضحي بأولاده وليس بأولاد الأميركيين، أو أولاد غيرهم، ويطمح للتخلص من نظام جلس على صدره. من دون تمثيل الجميع في الائتلاف، البرلمان المصغر، ومن دون مشاركة الجميع في حكومة المنفى، فإن أحدا منهم لن يجد حكما ولا برلمانا ولا بلدا. المعارضة بسلوك أفضل ستكسب جميع السوريين وتأييدهم، ودعم دول العالم، واحترام الجميع. بها يمكن أن تكون هناك سوريا جديدة من أول يوم يرحل فيه بشار.

ولن يغفر لهم أهلهم السوريون، إن راحت دماء فلذات أكبادهم، نتيجة تناحرهم وأنانيتهم. قد يقول البعض إنه من المبكر إلقاء هذه العظة والأسد جالس في قصره يخطط لخوض انتخابات العام المقبل. الهدف ليس سوريا ما بعد الأسد، بل قبلها. الآن، حيث صارت أكثر حكومات العالم تشكك وتشتكي، خائفة من الفراغ الذي سيخلفه إسقاط النظام.

عبدالله هادي
19-06-2013, 02:30 PM
انعدام الردع... سمة سياسة أوباما السورية


انهمك متابعو شؤون الشرق الأوسط، وعلى رأسها الموضوعان السوري والإيراني، المتلازمان أبدا، بما يمكن أن يسفر عنه اجتماع «الثمانية الكبار» في آيرلندا الشمالية.

وكانت التقارير الصحافية الواردة من واشنطن قد لمحت إلى حدوث تغيّر جوهري في مقاربة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأزمة السورية، وإلى «تأكّد» الإدارة من استخدام نظام بشار الأسد السلاح الكيماوي «بكميات ضئيلة» ولكن «أكثر من مرة»، وهو حسب التقارير ما يعني «تجاوز نظام دمشق الخطوط الحمراء» (؟)، ما يستدعي دعم المعارضة بالسلاح.

وقبل أن يستفيق المتعاطفون مع الثورة السورية من هذه «الصدمة الإيجابية»، رشَحت تقارير أخرى مفرحة أكثر عن اتجاه واشنطن إلى إنشاء منطقة حظر طيران في جنوب سوريا، ما أوحى بأن أوباما ومستشاريه تنبّهوا أخيرا إلى مخاطر الاكتفاء بالكلام... بينما ينشط «مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية» آية الله علي خامنئي في إرسال المقاتلين وفلاديمير بوتين في تسليم السلاح الفتاك والسيد حسن نصر الله في توزيع «حماة المقامات الشيعية» إلى عموم الأراضي السورية!

ولكن، كما يقول المثل الشعبي «لا يصحّ إلا الصحيح»...

فخلال ساعات معدودات من النشوة المبكّرة بادر بن رودز، نائب مستشار شؤون الأمن الوطني للاتصالات الاستراتيجية، إلى توضيح الموقف الحقيقي للبيت الأبيض. ففي خطبة عصماء دخل رودز في التفاصيل، مشدّدا على «صعوبة» إنشاء مناطق عازلة «يحظر فيها الطيران» و«ارتفاع كلفة فرض الحظر»، ولم يبخل في التطرّق إلى أهمية التأكد من وصول السلاح إلى العناصر البعيدة عن الراديكالية في المعارضة. ثم أدلى أوباما نفسه بدلوه مكررا كلام رودز ذاته.

رودز، بالمناسبة، هو كاتب خطاب أوباما الشهير في القاهرة عام 2009 بعنوان «بداية جديدة»، وأحد مستشاريه المؤثّرين مباشرة على قرار واشنطن تنحية حسني مبارك، وعلى مقاربات أوباما السياسية المستمرة لـ«الربيع العربي»!

لم يتغيّر شيء في واشنطن إذن،.... ولكن هل تغيّر الموقف في روسيا؟

إطلاقا، فخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس الروسي بوتين مع رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، ردّ بوتين على تحميل كاميرون رأس النظام السوري مسؤولية الكارثة التي حلّت بسوريا بالقول: إنه «لا يجوز تسليح مَن يشقّون الصدور ويأكلون لحم البشر». وأصرّ على أن تزويد موسكو نظام الأسد بالسلاح، يتوافق مع القانون الدولي، لأنه يتعلّق بتسليح سلطة شرعية حاكمة.

الرئيس الروسي لا يجد غضاضة في «شرعية» نظام دموي قتل أكثر من 120 ألف إنسان من شعبه ـ (وثقت الأمم المتحدة قتل 93 ألفا منهم رسميا) ـ ولا يريد أن يتذكّر من مشاهد المأساة السورية وتدمير المدن على رؤوس ساكنيها إلا حادثة واحدة مقزّزة استنكرتها الثورة... وشهدت وتشهد مثيلاتها، مع الأسف، كل الحروب الأهلية.

أكثر من هذا، يتناسى الرئيس الروسي، ذو الباع الطويل في «التعامل الشرعي» بالشيشان، أن الثورة السورية ظلّت سلمية طيلة أكثر من سنة ونصف السنة، رغم تصدّي عسكر النظام و«شبّيحته» للمظاهرات السّلمية بالرصاص، وخطفهم المواطنين وقتلهم والتمثيل بجثثهم، كما حصل للطفل حمزة الخطيب والفنان إبراهيم قاشوش الذي ذبح واستؤصلت حنجرته.

ولكن، بصراحة، الحق ليس على بوتين. هذا هو فلاديمير بوتين ضابط الـ«كي جي بي» الذي شبّ على العنف وشاب عليه. أما الحق فهو على إدارة أميركية تزعم أنها جاءت لتمارس الأخلاق في السياسة، وما لم أكن مخطئا، فإن المهمة السياسية الأخلاقية الأولى هي احترام حقوق الإنسان... وعلى رأسها الحق في حياة كريمة في مجتمع حرّ وآمن.

كلام بن رودز، ومن بعده كلام رئيسه، الذي تعمّد إبراز «تعقيدات» الوضع، لتبرير مواصلة واشنطن سياسة التخلّي عن الشعب السوري، والصمت على مؤامرة إجهاض ثورته، كان يفتقر إلى مبدأ أساسي في سياسات الدول الكبرى، ألا وهو... الردع. وهذا يعني التلويح جديّا باللجوء إلى القوة لتسهيل التوصل إلى التسوية السلمية.

في أميركا اعتمدت إدارة الرئيس ثيودور روزفلت (حكم بين 1901 و1909) في السياسة الخارجية، شعارا عمليا ناجحا هو «تكلّم بلهجة رقيقة، لكن احمل عصا غليظة». كذلك عُرف عن هنري كلاي (1777 ـ 1852)، السياسي اللامع الذي تولّى منصب وزير الخارجية وترأس مجلس النواب وخاض ثلاثة انتخابات رئاسية خسرها كلها، مقولته: «أفضّل أن أكون على حقّ على أن أصبح رئيسا» التي تذكرها حتى اليوم أجيال من الأميركيين.

ما فعلته إدارة أوباما ـ الذي انتخب رئيسا مرتين ـ وما يبدو أنها مصرّة على السير فيه حتى النهاية، هو مواصلة الكلام... والتفاؤل بحدوث تغيّر ما، في مكان ما، يغنيها عن خوض مواجهة. وحقا، الزمن لا ينتظر أحدا، ولا وجود للفراغ في عالم السياسة.

وأول الغيث كان في تركيا، حيث هزّت مظاهرات «تحالف من كل وادٍ عصا» ساحة «تقسيم»، الكثير من هيبة رجب طيب أردوغان، وأيضا في إيران حيث جاء «سماح» المؤسسة الأمنية الإيرانية بتمرير فوز مرشح معتدل نسبيا، هو حسن روحاني، برئاسة الجمهورية... «ضربة علاقات عامة» ذكية تعطي سياسة طهران مجال مناورة مفيدا وتحرج خصومها على المسرح الدولي.

وبناء عليه، إذا كان الرئيس أوباما يتوقّع مبادرات حسن نية مجّانية من منافسي واشنطن، فإنه يجازف بالكثير من صدقيته، ويهدي خصومه السياسيين في اليمين الجمهوري المتشدّد هدية ثمينة جديدة... خلال سنوات قليلة. وليس له إلا ملاحظة حصيلة اعتدال فترة رئاسة جيمي كارتر وحرصها على التوافقات العريضة، واستغلال خصوم كارتر، في الداخل والخارج، ذلك الاعتدال... واعتباره ضعفا وانعدام قيادة.

القصد هنا ليس إسداء النصح لإدارة لديها عشرات المستشارين، وعشرات «الأجندات» السياسية، بل هو محاولة توضيح حقيقة إقليمية خطيرة تكاد تضيع في تضليل المواقف المعلنة، وادعاءات العداء الكاذبة والنضال الأكذب.

عبدالله هادي
19-06-2013, 02:31 PM
السقوط إلى الهاوية



السقوط المدوي العنيف لزعيم ميليشيا حزب الله حسن نصر الله من قمة الزعامة والمجد والحضور الهائل في قلوب الملايين بالشارع العربي كبطل للمقاومة ورمز لها، وكانت خطاباته تتابع على شاشات التلفزيون حين بثها وصوره توزع وتعلق مثل نجوم المشاهير من الرياضيين والفنانين، هذا السقوط يؤكد أن ما بني على باطل فهو باطل ويبقى باطلا.

انكشف زيف حسن نصر الله وبطلان مواقفه «المبادئية» التي كان يطبل لها ويدعم بقوة الربيع العربي وثوراته في تونس ومصر وليبيا واليمن، وخطبه وتصريحاته لا تزال موجودة كدليل إثبات على ذلك، إلا أن وصول الربيع العربي وبقوة إلى سوريا كشف زيف ونفاق وازدواجية مبادئ الرجل حيال ثورات الشعوب، ورأسا اعتبر ذلك تدخلا خارجيا ومؤامرة دولية لإسقاط دولة الممانعة والمقاومة (الأسد ممانعة ومقاومة؟! أعتقد أن بشار الأسد نفسه غير مقتنع بذلك!). وتحول حسن نصر الله إلى البوق الإعلامي للدفاع عن الأسد ونظامه والتشكيك في الثورة السورية، وكان يقول كل ذلك الهراء وسط أرتال قتلى الشعب السوري الذين يقتلون يوميا بدم بارد على أيدي نظام مجرم.

وبدأت جماهير العرب تشك في مصداقية الرجل وجدارته، وبدأت الأخبار تتواتر وبقوة عن قيامه بإرسال قوات من ميليشيا حزب الله للقتال مع جيش النظام في بعض المناطق السورية، واعتقد الناس أن هذه المسألة فيها مبالغات، ثم قام الرجل بالإعلان عن ذلك صراحة ولكن كان يقدم أكاذيب لتبرير موقفه وكلها قصص متناقضة، فتارة قال إن قواته أرسلت لحراسة مقام السيدة زينب رضي الله عنها، وتارة يقول إن قواته أرسلت لحراسة قرى شيعية في سوريا، وتارة يقول إن قواته أرسلت لقتال التكفيريين لحماية خط المقاومة.

واقع الأمر أن حسن نصر الله هو جزء من مخطط «شربناه» كمقلب، مخطط إيراني له علاقة بالاستيلاء السياسي على جيوب ومناطق في العالم العربي والإسلامي لإرساء ولاية الفقيه، تلك البدعة الخزعبلاتية التي لها ظاهر «انتخابات ديمقراطية» بينما هي استعباد واستبداد مطلق على شعوب لا حول لها ولا قوة.

ولأجل تكريس شعبية أيقونة المشروع كان لا بد من أيقونة عربية تقوم بذلك الدور، وكان الاختيار على حسن نصر الله ومنحه فرصة دور مقاوم ضد إسرائيل، ولكن هذه المقاومة يجب أن تبقى قائمة حتى لو أعادت إسرائيل كل الأراضي، وهو ما تم وعليه «منح» حق المطالبة بمزارع شبعا على الرغم من أنها أراضٍ سورية مائة في المائة، وكانت مطالبته لفترة ثم سكت عنها وتوجه بسلاحه إلى الداخل ومن ثم الآن إلى سوريا، لأن بقاء الأسد أهم من القدس وشبعا في مشروع إيران وحسن نصر الله.

في علم الإدارة وعلم الاجتماعيات تدرس حالات السقوط من المجد مثل مايكل جاكسون وريتشارد نيكسون وبيل كلينتون وغيرهم من الرموز التي سقطت في أوحال الفضائح وانكشفت شخصياتهم لزلات بينت معدنهم وحقيقة طباعهم، وتبخرت شعبيتهم واختفى الاحترام الذي كان في قلوب الناس لهم. وهذا ما حدث لحسن نصر الله الذي تحول اليوم إلى وجه إرهابي إجرامي قاتل تكفيري منافق مزدوج المواقف، دمر نعمة محبة الناس له بنصره للظالم على المظلوم. فليدفع الثمن وليتحمل التكلفة وليستحق ما يأتي عليه من دعاء الناس وسخطهم. إنه السقوط المدمر إلى الهاوية السحيقة!

عبدالله هادي
19-06-2013, 02:40 PM
نهاية النموذج التركي؟



للأسبوع الثالث على التوالي، تتواصل المظاهرات المناوئة لحكومة رئيس الوزراء التركي دون أي بوادر لانفراج هذه الأزمة التي تتسم بعدم وضوح دوافعها، أو أهدافها، فما يحدث بتركيا لا يزال يشكل لغزا للأتراك، وحتى المتخصصين الغربيين.

فما يحدث بتركيا ليس ربيعا، ولا توجد قيادات حقيقية للمتظاهرين الذين يمثلون الطبقة المتوسطة، وجلهم شباب لا تعرف حتى انتماءاتهم الحزبية، والأمر الوحيد الواضح الآن هو أن أحد أهم أسباب تأجج الأزمة في تركيا كان أسلوب المعالجة الخاطئ من قبل الحكومة، حتى إن بعض مؤيدي السيد أردوغان يقرون بأنه كان بالإمكان معالجة الأزمة بشكل أهدأ، وبالطبع فإن جزءا من اللوم يلقى على التدخل العنيف من قبل الشرطة أوائل اندلاع الاحتجاجات. لكن، ورغم عدم وضوح حقيقة ما يجري في تركيا، وما قد تصل إليه الأوضاع، فإن هناك سؤالا يستحق الطرح وهو: ما عواقب ما يحدث بتركيا؟ وإلى أين ستسير الأمور؟ وما تأثير ذلك على المنطقة؟ وبالطبع، لا نملك إجابات محددة، بل مزيدا من الأسئلة، خصوصا أن النموذج التركي نموذج إخواني طالما تغنى به الجميع، ونظرت إليه الإدارة الأميركية الحالية على أنه المخرج لأزمات منطقتنا. ومن هنا، فإن السؤال الكبير هو: هل نحن أمام نهاية النموذج التركي؟ وقد يقول البعض إن في هذا السؤال تسرعا، وربما الأدق هو: هل نحن أمام نهاية النموذج الأردوغاني؟

هناك من يرى أن أردوغان اليوم يشبه كثيرا رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر أواخر سنينها السياسية، حيث قضى عليها غرور القوة، وهذا ربما صحيح، لكن السيد أردوغان اليوم يلوح بإنزال الجيش التركي للشوارع لحفظ النظام. ونجاح النموذج التركي لم يكن فقط اقتصاديا وحسب، بل إن نجاحه تمثل أيضا في إقصاء الجيش من الحياة السياسية بشكل كبير، وعندما تلوح الحكومة التركية الآن بالاستعانة بالجيش، فإن ذلك يلغي المنجز السياسي التركي المهم الذي أعاد الجيش لثكناته، وهذا ما دفع واشنطن، مثلا، لترى في أنقرة نموذجا سياسيا يجب أن يحتذى به في المنطقة، نموذجا يمثل مخرجا لعلاقة الإسلام بالديمقراطية، ونموذجا اقتصاديا ناجحا، وعلى أثر ذلك رحبت واشنطن بالإخوان المسلمين في منطقتنا بعد الربيع العربي، كما وجد «الإخوان» حسن ظن من بعض غير الإسلاميين الذين تأملوا أن يسير «الإخوان» على نهج إخوان تركيا.

اليوم، تقف تركيا على مفترق طرق، ربما يكون بداية النهاية للسيد أردوغان، وعلى طريقة ثاتشر، لكن المؤكد أيضا أن هناك علامات استفهام حقيقية حول إمكانية استمرار النموذج التركي «المثالي»، خصوصا مع انفعالية المعالجة التي كان من الممكن أن تكون أسهل بكثير، سواء كانت الأسباب معركة الحديقة، أو التعامل مع الأنماط السلوكية التي تريد حكومة أردوغان معالجتها، لكن ما حدث كان العكس، حيث التصعيد المؤجج للأزمة. ولذا، فإن السؤال حول النموذج التركي يتطلب كثيرا من الدراسات والتأمل، لأن انعكاسات ما يحدث لن تكون مقصورة على تركيا وحدها، وإنما كل المنطقة.

عبدالله هادي
19-06-2013, 02:41 PM
تحولات غريبة!


يفرق أهل المنطق في الموقف من الشيء في «ذاته»، والموقف منه في سياق موضوعي آخر، ويمكن القول إن التحول الإخواني المتأخر جدا في الموقف من سوريا هو أمر «حق» في ذاته، إلا أنه تحصيل حاصل الآن يستدعي قراءة للسياق الذي جاء فيه.

الباعث على هذه القراءة هو البحث عن إجابة ما الذي تغير في الأزمة السورية ليغير طائفة كبيرة من دعاة الإسلام السياسي وعلى رأسهم الدكتور القرضاوي رأيهم ويتبعه في ذلك جمهرة من الدعاة السوبر ستار ويقوم الجميع بالدعوة للجهاد والقتال متناسين أن هذه الدعوة بتلك الطريقة المطلقة خطأ شرعي وخطيئة سياسية، فأصغر طالب علم قرأ الشريعة يدرك أن الفقهاء ينصون على احتكار الدعوة للجهاد بيد الحاكم، وهو الأمر الذي يفسر المفارقة بين رؤية من سماهم القرضاوي «علماء المملكة» وبين رموز الإسلام السياسي في الرؤية لمسألة المشاركة بالقتال وهو أمر يحيل إلى أن المحرك بين الطائفتين مختلف تماما بغض النظر عن الحكم عليه، فالمحرك في المدرسة التقليدية العلمية التي يمثلها علماء المملكة وطائفة من كبار علماء العالم الإسلامي الرسميين هو دافع شرعي مبني على رؤية لطبيعة العلاقة بين الشرعي والسياسي، بينما المحرك لتحولات رموز الإسلام السياسي والدعاة الجدد هو دافع سياسي مرتبط بالمتغيرات على الواقع، وفهم المحرك والدافع مهم جدا لقراءة منطقية للمواقف ليس من الأزمة السورية فحسب بل لعلاقة المؤسسة الدينية بالسلطة السياسية اتصالا وانفصالا.

من الناحية السياسية الدعوة للقتال في ظل واقع الدولة القُطرية خرق سياسي يعني التدخل في سيادة السلطة وعلاقاتها الخارجية التي تحكمها قواعد وأصول سياسية معقدة لا يمكن للدعاة الهواة أن يقوموا بإلغائها بخطبة ارتجالية منبرية.

الأزمة في عمقها هي أن الإسلام السياسي لا يعترف بواقع الدولة القُطرية المستقلة السيادة والحدود (وهو واقع لم يعرفه الفقهاء قديما حيث ارتبطت التشريعات بالإمبراطورية الإسلامية ودولة الخلافة) هذا الواقع الذي يتجاهله بالطبع دعاة الإسلام السياسي رغم الطابع الحداثي لرؤيتهم السياسية، ويلتزم به - ويا للمفارقة - الفقهاء التقليديون بحكم أنهم نقلوا الرؤية السنية المحافظة للعلاقة مع السلطة في الدولة القطرية الحديثة لأسباب تتعلق بالموقف من الفتنة والاستقرار وكل محددات السلم الاجتماعي التي يقدمها التيار العريض من أهل السنة على عكس مذاهب وتيارات كلامية وفقهية كانت تمثل وجهة النظر الثورية في طول تاريخ الإسلام الذي عرف جدلا واسعا على الموقف من «الشرعية».

ما سبق رغم دخوله في تفاصيل المتن العريض للإسلام السني فإنه مهم في فهم ما يجري الآن، لا سيما بعد التحولات التي يعيشها الإخوان في دول الربيع العربي وعموم دعاة الإسلام السياسي خارجها والتي توحي بالتراجع من الموقف في سوريا رغم أن المعطيات لم تتغير فالدعم الإيراني المباشر وعبر ذراعه حزب الله كان منذ البدايات وإن لم يكن بالمشاركة في القتال، كما أن تجاذبات حزب الله السياسية وعزلته وارتهانه للرؤية الإيرانية التوسعية المتمثلة في مرحلة تصدير الثورة قديمة، ولا علاقة للأمرين بالقناعات العقائدية أو «التشيع»، وإنما هي علاقات سياسية مدفوعة بالرافعة العقائدية وهو ما بات يعرف بـ«التشيع السياسي» والفرق بينهما كبير.

والسؤال لماذا يحرص دعاة الإسلام السياسي على جر المنطقة إلى حرب طائفية كبرى عبر الدعوة للقتال والجهاد والتركيز على التمييز العقائدي و«تديين» طبيعة ولغة الأزمة السورية؟

أعتقد أن ثمة عوامل كثيرة ومعقدة لفهم هذا التحول لكن يترشح في الأساس عاملان أساسيان الأول هو عدم رغبة الإخوان ودعاة الإسلام السياسي في فقدان الشرعية الدينية بعد أن اهتزت شرعيتهم السياسية كثيرا، لا سيما أن المنافس في سباق الشرعية الدينية أقوى بمراحل منهم وهم السلفيون وبقايا تيارات الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر ومجموعات السلفية الجهادية في باقي الدول، بينما ينافسهم في الشرعية السياسية المعارضة المدنية ذات الخطاب الهش والضعيف الذي لا يمثل أي ثقل في الشارع.

العامل الثاني أن ثمة متغيرات جديدة على الأرض بعد دخول حزب الله المباشر للقتال وبعد تحول جرائم الأسد وتنكيله لشعبه إلى درجة محرجة للمجتمع الدولي أجبرته على إعادة النظر في مسألة التسليح كما هو الحال في الموقفين الأميركي والأوروبي وإن بدرجات مختلفة، ولو ظل الإخوان على موقفهم الأساسي والذي أثار حفيظة إخوان سوريا قبل غيرهم لوضعوا أنفسهم في عزلة سياسية عن الحشد الدولي لإنهاء الأزمة السورية الآن.

سياسيا لماذا يبدو قرار مثل قرار الرئيس مرسي تحصيل حاصل رغم ما يقال عن أنه لم يكن مضمنا في الخطاب الأساسي وإنما جاء مرتجلا، لأنه لم يزد على ما توصلت إليه الجامعة العربية من استبدال نظام الأسد في تمثيل سوريا بالجامعة بالمجلس الوطني.

الدعوة للقتال والنفير كما يحدث الآن بشكل اعتباطي خارج منطق السياسة ومتغيرات الأرض ستكرر مطابخ الإرهاب التاريخية باكستان ثم أفغانستان فالبوسنة والشيشان وصولا إلى العراق وستفرز جيلا جديدا من العائدين بينما يتربع المحرضون على أرائكهم الوثيرة.

عبدالله هادي
19-06-2013, 02:44 PM
ما نوع التهديد الذي تواجهه تركيا؟


لقد كانت تركيا بمثابة البؤرة الساخنة خلال الأسبوعين الماضيين في وسائل الإعلام الدولية، رغم أخبار المذابح المستمرة في سوريا والانتخابات الإيرانية والتوترات في العراق. تجري تغطية الأزمة في تركيا، التي تتنامى قوة في أخطر جزء من العالم، بشكل حي لحظة بلحظة من قبل وسائل الإعلام العالمية.

كان البرنامج في تركيا هذا الأسبوع ساخنا بالطبع. لقد قدمت وسائل الإعلام العالمية تغطية حية على مدى 17 ساعة للعملية التي قامت بها الشرطة في ميدان تقسيم، متبوعة بمواجهات وجها لوجه بين ممثلي متنزه جيزي ورئيس الوزراء وأعضاء من الحكومة. وبعدها، جاء قرار البرلمان الأوروبي بشأن تركيا ورد الفعل المحموم من جانب رئيس الوزراء الذي سوف يخلده التاريخ!

والآن، الانتفاضة الجديدة في شوارع تركيا. كيف يجب أن نقيم كل هذا؟ دعونا نلقي نظرة.

منذ فترة طويلة، ظللت أقول إن ثمة تهديدا خطيرا بانتظار تركيا: الشيوعية، شيوعية دموية ووحشية تسعى لتقسيم الدولة. لقد أظهر ميدان تقسيم، الذي شاهده العالم بأسره من خلال البث الحي في يوم 11 يونيو (حزيران)، حجم التهديد. المنظمات غير القانونية التي أعلنت ميدان تقسيم منطقة محررة، والتي منعت التجار في المنطقة من مباشرة أي عمل وحظرت على السكان المحليين مغادرة منازلهم، ومنعت دخول المنطقة من خلال وضع متاريس، والتي أحرقت ونهبت السيارات وجعلتها جزءا من المتاريس وغطت بالكامل نصب الجمهورية ومركز «أتاتورك» الثقافي اللذين يعدّان علامتين بارزتين بالميدان بشعارات ولافتات شيوعية... أصدر حاكم إسطنبول سلسلة من التصريحات عبر برنامج «تويتر» في الصباح الباكر. «ينبغي أن يبقى المتظاهرون السلميون في متنزه جيزي في أماكنهم وسوف يحميهم رجال الشرطة. هدفنا هو إزالة ملصقات الجماعات الشيوعية من ميدان تقسيم..».

كانت هذه عملية مطلوبة وضرورية جدا. تم تحطيم المتاريس وإزالة اللافتات والاستعاضة عنها بأعلام تركية. تراجعت الجماعات، وظل رجال الشرطة يتولون مهمة الحراسة هناك على مدار الليلتين التاليتين. لقد كانت تلك الجماعات تقوم ببروفة على الأراضي التركية. ولكن إلى أي مدى كانت تركيا على أهبة الاستعداد لانتفاضة دامية؟

أعلن مشجعو فرق كرة القدم الثلاثة البارزة الذين ربما يكونون أكبر مدعمين للمظاهرات عن انسحابهم من المظاهرات ونشروا تصريحا مفاده أنهم لن يكونوا أداة للعنف الشيوعي.

جاءت الشكاوى من المتظاهرين السلميين الذين بدأوا المظاهرات من أجل مطالب بيئية. ومنها:

«هناك يساريون في كل مكان. الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الحرية والتضامن والحزب الشيوعي التركي وحزب المساواة والديمقراطية وحزب العمال الاشتراكي الثوري... وأحزاب كثيرة أخرى. لم نأت لأجل السياسة. هل أنا آت إلى هنا لتلقي أوراقكم أو لسماع دعايتكم؟».

قال المتظاهر: «نحن عاجزون عن إزالة» الشعارات الشيوعية والصور الفوتوغرافية لزعيم حزب العمال الكردستاني، أوجلان: «نظرا لأنهم يهاجموننا».

وقال المتظاهر إنه رغم أنه لم تكن هناك أي عمليات لأفراد الشرطة لما يقرب من أسبوع في متنزه جيزي، بسبب قتال الجماعات الشيوعية، كانت مراكز الإسعافات الأولية ممتلئة عن آخرها. بعدها، ذهب إلى حد قول: «كان هناك أناس من كل قطاعات المجتمع في المتنزه. لكن لم يعد الوضع كذلك الآن. الآن، هناك شيوعيون فقط».

لم يكن من يحطمون السيارات في ميدان تقسيم الذين ظهروا في البث التلفزيوني الحي هم الشباب الذين يمارسون اليوغا ويوجدون هناك بهدف حماية البيئة.

لم يكن من داهموا المقاهي لعدم مشاركتها في المظاهرات، ممن مارسوا ضغوطا على الناس وسحبوا امرأة ترتدي الحجاب وطفلها البالغ من العمر ستة أشهر على الأرض، هم المتظاهرون الشباب السلميون المفعمون بحب الديمقراطية والطبيعة ممن كانوا يتظاهرون لأجل مستقبل تركيا. كانت تركيا تواجه عنفا شيوعيا. تحولت حركة ديمقراطية بدأت بشكل جيد إلى محاولة لتنظيم انتفاضة شيوعية. هؤلاء الأفراد القادمون من الخارج الذين شجعوا على العنف باسم «دعم التظاهر» لم يكونوا على علم بماهية الخطأ الفادح الذي ربما يقترفونه. هؤلاء الذين وصفوا قائدا أثني عليه لاقتراحه النهج العلماني على جماعة الإخوان المسلمين في مصر بأنه «ديكتاتور شرق أوسطي إسلامي» على مدى 10 أيام لم يدركوا ماهية ما كانوا يفعلونه.

ورغم ذلك، فإن البعض كان على علم تام. كانت الطريقة التي أصدر بها البرلمان الأوروبي قرارا أحادي الجانب بوصف عملية بدا واضحا أنها موجهة ضد الجماعات المثيرة للقلاقل بأنها ضد المتظاهرين غريبة ومثار شك. يبدو أن البرلمان الأوروبي قد نسي حقيقة غاية في الأهمية: تركيا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي! فكيف، وتحت أي مسمى، يستطيع البرلمان الأوروبي إصدار قرار بصدد تركيا؟ فيما كنت أنتقد دائما لغة رئيس الوزراء الغليظة الفظة، إلا أنني أيدته في رد فعله تجاه البرلمان الأوروبي.

يتعين أن أؤكد على دعمي الكامل للمظاهرات من أجل البيئة في بلدي وعن دفاع شبابنا عن حقوقه ومطالبه بإرساء مزيد من الديمقراطية. في الوقت نفسه، أرغب من كل قلبي في أن يستخدم رئيس الوزراء لغة ودودة شاملة وأن يتوقف عن الظهور بمظهر قمعي عدواني. لكن في الوقت نفسه، أعتقد أيضا أن الاضطراب في الدولة يخدم فقط تلك الدوائر التي ترغب في الاستفادة منه. لا أرغب في أن يتحول هذا إلى شيء لن يلحق الضرر فقط بتركيا، بل بالشرق الأوسط والعالم الإسلامي بأسره، الأمر الذي سوف يؤجج نشاط مثيري القلاقل، ولهذا، فإن تركيا بحاجة للهدوء، وستخيب آمال هؤلاء الذين يصبون إلى العنف.

عبدالله هادي
19-06-2013, 02:46 PM
الرسالة من طهران إلى إسطنبول



بينما كان الإيرانيون في الشوارع يحتفلون بفوز روحاني وانتقام «الثورة الخضراء» من المحافظين والمتشددين بعد أربع سنوات من أحداث انتخابات 2009 والقمع العنيف للاحتجاجات التي أعقبتها، كان أردوغان يشن هجوما عنيفا على الشباب المحتجين في «تقسيم» وفي متنزه غازي مستخدما لغة تشبه لغة الأنظمة الاستبدادية التي هاجمها خلال أحداث الربيع العربي، ويرسل قوات الأمن لإنهاء الاحتجاجات. كان التناقض واضحا وصارخا بين المشهدين في طهران وإسطنبول، لكن الرسالة الضمنية واحدة، وهي أن هناك أزمة تكشف نموذجين قيل في أوقات مختلفة أنهما نموذج لأحزاب الإسلام السياسي (في الحالة التركية) أو ملهم للثورات العربية (في الحالة الإيرانية). فإيران ادعت في أوج ثورات الربيع العربي أنها ألهمت هذه الثورات داعية الأنظمة الجديدة فيها إلى أن تقتدي بالنموذج الإيراني. تركيا الأردوغانية أعلنت من جهتها «وصاية» على الثورات العربية، وقيل كلام كثير عن صلاحية نموذجها للدول التي ركبت موجات الثورات فيها أحزاب إسلامية.

إيران كانت تفعل ذلك بينما شهد العالم كله قمعها العنيف للثورة الخضراء ورموزها، وانتخاباتها «المزورة» لصالح مرشحي المرشد والحرس الثوري، وها هي اليوم بعد أربع سنوات تكتشف أن كل ذلك القمع لم يخمد توق الناس إلى التغيير والحرية وإخراج البلد من عزلة وضعتها في أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة. هل في نموذجها ما يستلهمه الناس، خصوصا في دول الربيع العربي؟ الحقيقة أن إجراء انتخابات لا يعني وحده أن في البلد ديمقراطية، فالكثير من الأنظمة الاستبدادية كانت تجري انتخابات واستفتاءات يفوز فيها الرئيس بـ99 في المائة، وأحيانا تخفض النسبة إلى ما دون ذلك لإعطائها شيئا من «المصداقية». إيران ليس فيها نموذج ديمقراطي يحتذى في دول الثورات العربية، وهي ذاتها تنتظر ثورة على الثورة لإصلاح الأوضاع وإخراج البلد من أزمته وعزلته.

انتخاب حسن روحاني رئيسا ومن الجولة الأولى، كان بلا شك مفاجأة مدوية، وانتقاما مؤجلا للثورة الخضراء. فالشباب الإيراني الذي احتفل طوال الأيام الماضية بانتصار روحاني كتب في المواقع الإنترنتية يقول: «صوتنا كان أخضر وليس بنفسجيا»، الأخضر كان لون حملة مير حسين موسوي 2009، والبنفسجي كان لون حملة روحاني. الرسالة واضحة، وهي أن نار الثورة الشبابية الخضراء ظلت متقدة تحت رماد القمع، إلى أن حانت لحظة الثورة من جديد ولكن عبر صناديق الاقتراع هذه المرة. الظروف ساعدت في التغيير الذي حدث، لأن المرشد لم يرد أن يتدخل لصالح المتشددين هذه المرة، مدركا حجم المشكلات والنقمة الداخلية، في بلد يواجه عزلة خانقة بسبب العقوبات الدولية، والأزمات الإقليمية، والتحديات الاقتصادية والمعيشية بعد أن تراجعت قيمة الريال بأكثر من 60 في المائة، وارتفعت البطالة إلى نحو 40 في المائة، والتضخم إلى أكثر من 22 في المائة، وأصبح الغلاء والفقر مشكلة كبرى للمجتمع الإيراني. أمام جبل التحديات الماثل أمامها فإن إيران إما أن تبقى في حالة أزمة واستقطاب، أو تبدأ مسيرة مصالحة وإصلاح حقيقي للخروج من أزماتها، وفي الحالتين فإنها تصلح «درسا» ولكن ليس «نموذجا» يحتذى.

ماذا عن «النموذج التركي»؟

أزمة الأسابيع الماضية كشفت وجها آخر لحزب العدالة والتنمية الذي اعتبر نموذجا «صالحا» للأحزاب الإسلامية لكي تحتذيه باعتباره ديمقراطيا حقيقيا. فأردوغان ظهر بوجه أعاد إلى الأذهان كل تصرفات الأنظمة الاستبدادية التي كان يهاجمها، وبسبب تصرفاته تحولت الاحتجاجات على الخطط الحكومية المتعلقة بمتنزه غازي، إلى مواجهة أوسع وأشرس وضعت تركيا على المحك، ولطخت صورة رئيس الحزب الإسلامي الحاكم الذي ظهر بصورة من لا يريد سماع صوت المعارضة، ولا يحتمل أي صوت مخالف لرغباته وسياساته. ففي مواجهة الاحتجاجات والانتقادات لجأت الحكومة إلى لغة العنف، ووصف أردوغان المتظاهرين باللصوص والإرهابيين والخارجين عن القانون، واعتبر ما يحدث «لعبة تحاك ضد أمتنا»، قائلا إن المحتجين مستغلون من قوى خارجية ومجموعات إجرامية. وفي حين أنه توعد بسحق الاحتجاجات قائلا إنه «لا يمكن اللجوء إلى الشارع في الديمقراطية»، ناقض نفسه فقام بتجييش أنصاره وأنزلهم إلى الشوارع في استعراض للعضلات يذكر المرء بما قام به «الإخوان» في مصر للدفاع عن مرسي وترهيب الخصوم.

الرسالة من تركيا أيضا توجه ضربة لما وصف بالنموذج للأحزاب الإسلامية، وتثير مجددا أسئلة بشأن مدى إيمان هذا التيار بالديمقراطية عندما لا تسير وفق هواه، وميله إلى النزعة الاستبدادية. متظاهر تركي لخص الأمر بقوله إن «أردوغان هو أسوأ أنواع الديكتاتوريين لأنه يعتقد أنه ديمقراطي». إنه تلخيص قاس لكنه يعكس حجم أزمة كامنة لا تواجه تركيا وحدها، بل تجد صداها اليوم في مصر وفي كثير من دول المنطقة، حول كيفية التعامل مع أحزاب الإسلام السياسي لا سيما بعد الربيع العربي، الذي قاد بعضها إلى السلطة.

عبدالله هادي
19-06-2013, 02:50 PM
ما بعد الثلاثين من يونيو؟!



لا تصدق من يقول لك إنه يعرف ما سوف يحدث في مصر قبل وأثناء وبعد الثلاثين من يونيو (حزيران) المقبل، وهو اليوم الذي حددته حركة «تمرد» لإطاحة رئيس الجمهورية د. محمد مرسي، وإقامة بديل له ممثلا في مجلس رئاسي يقوده رئيس المحكمة الدستورية العليا. وعدم التصديق لا يعود إلى مدى الشك في ملايين التوقيعات التي جمعتها الحركة المؤيدة لهذا المطلب، ولا لأنه ليس بمثل هذه الطريقة تتم عمليات التغيير الكبرى، وإنما يعود ذلك إلى أن المفاجآت باتت من طبيعة الأشياء خلال الفترة التي تلت مطلع عام 2011، وحتى الآن. ولم يكن مصدر المفاجأة دائما أن أمرا ما حدث، ولكن أيضا لأن أمرا ما لم يحدث. فهل كان متصورا أن المجلس العسكري المصري الذي أطيح به في 12 أغسطس (آب) 2012، سوف يذهب وهو الذي لم تمضِ عليه أسابيع بعد إصداره إعلانا دستوريا جعله يتقاسم السلطة مع رئيس الجمهورية. المفاجآت قبل ذلك وبعده لم يتصورها أحد، وليس في مصر وحدها، ولكن في كل الدول العربية التي عصفت بها عاصفة التغيير، وأكثر من ذلك، فإن ما جرى في تركيا خلال ثلاثة أسابيع مع نظام قيل إن له شعبية تسد وجه الشمس، ولديه من التحالفات العالمية ما يجعله في حلف الأطلنطي، وفيه من مفردات التغيير ما يجعله النموذج الشرق أوسطي الذي يلهم دولا ويجذب مجتمعات؛ كل ذلك جعل المفاجأة أكبر مما يحتمل.

من الممكن بالطبع أن نبحث عن تفسيرات، ونقدم تحليلات، لما جرى ويجري، ولكن اليقين سوف يبقى غائبا في كل الأحوال. الأمر الذي ليس فيه شك هو أن الأحوال «الهيكلية» لبلدان «الربيع» وميادين التحرير التي وصلت إلى ميدان «تقسيم» في إسطنبول، لا يمكن أن تتغير، لأن جماعة، حتى ولو وصلت توقيعاتها إلى 15 مليونا، قررت أن الأمور لا يمكن أن تبقى على حالها. مثل ذلك لا يمكنه تجاوز الأزمات الداخلية الأربع التي تعاني منها الدولة المصرية، وفي المقدمة منها الأزمة الأمنية التي تفاقمت في سيناء إلى حد قتل جنود الجيش، وخطف ضباط الشرطة وجنود القوات المسلحة، ووضع القواعد لإقامة إمارة إسلامية. مثل ذلك لن يمحوه ذهاب رئيس الجمهورية، تماما كما أنه لن يستطيع بتجمع هائل من الجماهير تغيير الوضع الاقتصادي من الأزمة الطاحنة التي تظهر في طوابير المركبات أمام محطات الوقود إلى أوضاع مستورة بين ليلة وضحاها. فما جرى أن متمردي اليوم لم يختلفوا كثيرا عن ثوار الأمس، حينما لم يفكروا أو يطرحوا للتفكير كيف سيكون النظام المقبل أكثر قدرة على حل المعضلات المصرية من النظام الذي سيكون سابقا ساعة الإحلال والتبديل. وهي ساعة لا يعرف أحد ما إذا كانت ستأتي أو لا، ولكن المعروف أنها سوف تكون انعكاسا لأزمة سياسية ودستورية طال زمن انطباقها على الأنفاس المصرية طوال الشهور الماضية، وقوامها انقسام سياسي فاضح انكسرت فيه وانهارت كل الجسور، حتى إن عشاء سياسيا بين السيد خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والسيد عمرو موسي رئيس حزب المؤتمر، ظهر للرأي العام المصري كما لو كان جزءا، ليس من معصية، وإنما من خطيئة لا تُغتفر.

يوم الثلاثين من يونيو، أيا كان معناه أو مبناه، لن يغطي على حالة الاختلاط الجارية في البيئة السياسية المصرية إلى الدرجة التي لم يعد ممكنا فيها معرفة «السابق» من «اللاحق»، و«الجديد» من «القديم»، ولا من كان مذنبا أو من كان بريئا، في عصور متوالية نودي فيها بسقوط حسني مبارك، ثم حكم العسكر، وأخيرا حكم المرشد، فمن ذا الذي سوف يسقط يا ترى بعد هؤلاء؟!

ليس مهما الآن الإجابة عن هذا السؤال، ليس فقط لأننا لا نعرف إجابة مباشرة عنه، ولكن المسألة أن ما تواجهه مصر من إشكاليات عظمى، وكذلك كل دول الربيع، هي التي لا تتغير بتغير القيادات. وإذا كان ما سبق يعبر عن أربع أزمات داخلية معقدة، فإن هناك سلسلة من الأزمات الخارجية لا تقل عنها إشكالية، وكما حارت فيها قيادات سابقة، فإن القيادات اللاحقة سوف تسبقها الملامة، وحتى النكات الساخرة المصرية اللاذعة. فلا يوجد هناك يد في حاله الحصار القائمة حول مصر من سلسلة دول فاشلة بامتياز، حيث الأحوال في ليبيا غربا لا تسر عدوا ولا حبيبا، وجنوبا فإن تقسيم السودان إلى دولتين جعل نوبات القسمة أكبر من حالات التوحيد، أما في المشرق العربي، فإن الحالة من العراق إلى سوريا إلى لبنان ومعها فلسطين لا تقول إلا إنهم جميعا يشكلون كارثة في دور التكوين. سوف نترك تركيا الآن جانبا، لأن عناصر الفشل غير موجودة، والدولة قوية، ولكن النموذج والألق قد ذهب إلى غير رجعة، أو أن استرجاعه يحتاج إلى شجاعة، والخروج عن المألوف، وذلك لا يتوافر دوما في كثير قيادات الشرق الأوسط.

الفشل في المحيط الاستراتيجي المباشر لمصر لا يغني عن التعرف على ما لا يقل خطورة؛ فالعلاقات مع دول الخليج التي كانت عمودا من أعمدة الاستراتيجية الخارجية المصرية، خلال العقود الأربعة الماضية، أخذت تتسم بالبرودة كما يرى كثيرون، وجعلت مصر لا عدوا ولا حليفا للولايات المتحدة والمعسكر الغربي كله، وهي التي كانت «النجم الساطع» للتحالف في الشرق الأوسط كله. ولا يمكن لأحد الآن أن يستبعد أن الخطر الخاص بمياه النيل لم يعد مجرد احتمال يدخل في الحسابات النظرية للأمن القومي المصري، وإنما هو خطر حالي انكشفت أمامه النخبة السياسية المصرية وهي تواجه على شاشة التلفزيون وضعا بالغ التعقيد. ما بعد الثلاثين من يونيو، أن مصر الحائرة قبله سوف تكون كذلك بعده، وعندما تفتش عن مكانها التقليدي وسط قيادات العالم الثالث فسوف تجد الترحيب مقترنا بالشفقة على «عزيز قوم ذل». ومن طرقت أبوابهم من الدول صاعدة القوة من دول «البريكس» (البرازيل والهند والصين وروسيا وجنوب أفريقيا) سوف يديرون وجوههم بعيدا بعد ذهاب الزائر الغريب.

كل ذلك سوف يبقى بعد الثلاثين من يونيو؛ فلا تذهبوا بعيدا، فلا يزال العرض مستمرا في ساحة المحروسة.

عبدالله هادي
20-06-2013, 12:28 PM
«جنيف 2» لن يعقد والحسم العسكري قادم رغم تردد أوباما


حتى قبل أن تنعقد قمة الثماني الأخيرة في منتجع بالقرب من بلفاست في آيرلندا الشمالية، وحتى قبل الإشارة إلى اتفاق باراك أوباما وفلاديمير بوتين على ضرورة وقف العنف المتأجج في سوريا وضرورة عقد مؤتمر «جنيف 2» الذي طال الحديث عنه، وحتى قبل استبعاد الرئيس الأميركي للعمل العسكري والتقليل من شأن الحظر الجوي فوق كل أو بعض الأراضي السورية، فإن هناك من رأى في ذلك التطور الأخير الذي طرأ على موقف الولايات المتحدة بالنسبة لمسألة مد المعارضين السوريين ببعض الأسلحة التي يحتاجونها مجرد تحسين لأوضاعهم التفاوضية في هذا المؤتمر المشار إليه الذي لا يزال هناك دون انعقاده خرط القتاد.

ما كان على الرئيس أوباما أن يستبعد لجوء بلاده إلى العمل العسكري ولا أن يقلل من شأن فرض الحظر الجوي الذي تطالب به المعارضة السورية ويطالب به بعض العرب، إنْ بشكل علني وبصراحة، وإنْ سرا في الاجتماعات المغلقة، وذلك من قبيل المناورة وعدم إعطاء بوتين انطباعا بأن الأميركيين غير جادين، وأنهم كالعادة يقولون ما لا يفعلون وأن عليه ما دام أن هذا هو الوضع أن يدفع بشار الأسد إلى المزيد من التصعيد وإلى مواصلة هجومه المعاكس لإحراز المزيد من الإخلال بموازين القوى على الأرض ليتمكن من فرض رأيه ورأي حلفائه الإيرانيين في حال انعقاد هذا المؤتمر الدولي «جنيف 2».

وهنا فإنه يبدو أن هناك ضرورة للعودة إلى الدوافع التي جعلت الأميركيين يستيقظون فجأة ويتخذون قرار تسليح المعارضة السورية، والجيش السوري الحر على وجه التحديد، هذا القرار الذي يبدو أنه، وفقا لما قاله باراك أوباما في تصريحاته العلنية على هامش اجتماعات مؤتمر بلفاست الأخير، لا يزال غير واضح وهو يعطي الانطباع بأن الأميركيين ما زالوا مترددين وأنهم رغم حديثهم عن التسلح والتسليح لا تزال عيونهم وربما قلوبهم أيضا تتجه نحو «جنيف 2»، ولا يزالون يراهنون على حل سياسي لهذه الأزمة التي تجاوزت مرحلة الحلول السياسية منذ فترة بعيدة.

أول هذه الدوافع التي أيقظت الأميركيين من سباتهم وجعلتهم يهرولون هرولة، بحجة تأكدهم من أن نظام بشار الأسد قد تجاوز الخطوط الحمر وأنه استخدم الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري المنتفض ضده أكثر من مرة، لإعلان استعدادهم لتسليح المعارضة، الجيش السوري الحر على وجه التحديد، هو أن التدخل الإيراني في الشؤون السورية الداخلية قد أصبح سافرا وأنه بمشاركة ميليشيات حزب الله قد تحول إلى اجتياح عسكري كامل ليس لسوريا فقط بل للمنطقة كلها، وأنه سيترتب على هذا الاجتياح الذي يبدو أنه جاء مباغتا ومفاجئا لواشنطن معادلات شرق أوسطية جديدة غير تلك المعادلات التي بقيت صامدة ومستمرة منذ حرب عام 1973 العربية – الإسرائيلية.

أما ثاني هذه الدوافع فهي أن الروس بتماديهم في خوض معركة بشار الأسد ضد الشعب السوري بالأسلحة وبالصواريخ الاستراتيجية ومن بينها صواريخ (300S) وبالطائرات القاصفة والمقاتلة المتطورة وبالسياسة، وهذا هو أهم شيء، قد وجهوا إهانة ما بعدها إهانة للولايات المتحدة.. الدولة التي لا تزال تعتبر نفسها الأهم في الكرة الأرضية والقطب الأوحد في العالم بأسره.

وحقيقة أن ظهور وزير الخارجية الأميركي جون كيري أكثر من مرة أمام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بمظهر الضعيف أمام الأبواب الروسية قد هز صورة الولايات المتحدة أمام شعبها أولا وأمام حلفائها ثانيا وبخاصة «الحلفاء» الأوروبيين وأمام العالم كله، وأظهر هذه الدولة العملاقة التي أصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي القطب الأوحد في الكرة الأرضية كلها وكأنها دولة قليلة الحيلة لا وزن لها إطلاقا في المعادلة الكونية.

كان منظر كيري وهو يقف إلى جانب لافروف وفي كل لقاءات وزير الخارجية الروسي بوزير خارجية الولايات المتحدة يبعث على الأسى والشفقة معا، وكانت الذروة عندما وافق ممثل القطب العالمي الأوحد والدولة الأعظم في العالم على كل إملاءات الروس لجهة عقد المؤتمر الدولي المقترح «جنيف 2» ومن بينها بقاء بشار الأسد في موقع الحكم رئيسا للجمهورية حتى نهاية ولايته الثانية في يوليو (تموز) عام 2014 وبقاء مسؤولية الجيش والأجهزة الأمنية والبنك المركزي في يده بعيدا عن صلاحيات الحكومة الانتقالية المفترض تشكيلها كمدخل سياسي وعسكري لحل الأزمة السورية.

ثم وإن مما زاد صورة الولايات المتحدة اهتزازا أمام الشعب الأميركي وأمام شعوب ودول العالم بأسره، هو أن باراك أوباما قد غاب خلال هذه الفترة عما يجري في الشرق الأوسط وأيضا في العالم غيابا كاملا وكأنه لم يعد لأميركا كل هذه المصالح الحيوية والاستراتيجية في هذه المنطقة الشرق أوسطية الملتهبة، وكأنه لا يعنيها وهي لا تزال تعتبر نفسها القطب الأوحد في الكرة الأرضية، أن تتمدد إيران في العراق وفي سوريا وفي لبنان واليمن والسودان ومصر وغزة كل هذا التمدد وأن تنهض روسيا من كبوتها على هذا النحو المفاجئ وتبدأ بفرض قراراتها على الأميركيين ليس بالنسبة لما يتعلق بالأزمة السورية وتداخلاتها وفقط بل أيضا لقضايا عالمية كثيرة إنْ في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وإنْ حتى في بعض دول أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية.

«من يهن يسهل الهوان عليه».. وهكذا وبعد طول انتظار وغياب فقد وجد الرئيس باراك أوباما أن عليه أن يسارع لتدارك الأمور، بعد ما أصبح حتى الأوروبيون الغربيون وحتى أصدقاء بلاده التاريخيون في العالم بأسره ينظرون إلى الولايات المتحدة كدولة بلا إرادة وبلا سياسة دولية وبلا مكانة عالمية، وإن عليه أن يتحرك قبل فوات الأوان وعلى أساس «أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا»، ولذلك فقد جاء قرار تسليح المعارضة السورية الذي لا يزال غير واضح والذي زاده غموضا أن الرئيس الأميركي لم يعتصم بفضيلة الصمت في قمة بلفاست ولو من قبيل المناورة وأنه استبعد في بعض التصريحات التي أطلقها على هامش هذه القمة أي عمل عسكري ضد نظام بشار الأسد، وأنه أيضا قلل من أهمية فرض أي حظر جوي إنْ فوق سوريا كلها وإنْ فوق بعض مناطقها الحدودية.

لقد كان بإمكان الولايات المتحدة تبني هذا الموقف إذا كان هدفها من خطوة تسليح المعارضة السورية هو مجرد الضغط على الروس والإيرانيين وعلى نظام بشار الأسد أيضا لتقديم تنازلات فعلية في مؤتمر «جنيف 2» في حال انعقاده. لكن هذا لم يحصل لأن باراك أوباما قد بادر في إيضاحاته - غير الضرورية ولو من قبيل المناورة - الى استبعاد قيام بلده وحلفائها بأي عمل عسكري ضد النظام السوري وقلل فيها أيضا من أهمية فرض حظر جوي، إنْ فوق سوريا كلها، وإنْ فوق حدودها مع الأردن وتركيا.

لكن ورغم ذلك فإن كل هذا التحشيد الجدي الذي قامت وتقوم به المملكة العربية السعودية والذي أدى ويؤدي إلى تزايد التحضيرات العسكرية الأميركية وغير الأميركية وبخاصة في مناطق التماس الأردنية - السورية يعزز الاعتقاد بأن صقور الولايات المتحدة، وقد وصلت الأمور في الشرق الأوسط إلى ما وصلت إليه وقد تمادى الروس والإيرانيون أكثر من اللزوم، سيتغلبون على حمائم الإدارة الأميركية وأنهم سيحولون قرار تسليح المعارضة من مجرد إجراء لرفع العتب إلى أفعال جدية ستتجسد وقريبا إلى اختلال كبير في المعادلة على الأرض لمصلحة الجيش الحر ومصلحة هذه المعارضة.

إن كثافة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، والتغيير الذي طرأ أخيرا على موقف الأردن بالنسبة للمشاركة في أي معالجة جراحية للأزمة السورية يعطيان الانطباع، ورغم كل ما جاء في تصريحات باراك أوباما في قمة بلفاست وعلى هامشها، بأن الأميركيين قد حسموا أمرهم بضرورة تغيير نظام بشار الأسد ودعم المعارضة السورية بكل ما تحتاجه من أسلحة فتاكة لضمان الفوز في هذه المواجهة الذي هو في حقيقة الأمر فوز على الإيرانيين وحزب الله وعلى الروس أكثر مما هو فوز على هذه الطغمة الطائفية الحاكمة.

عبدالله هادي
20-06-2013, 12:29 PM
مرسي يحفر لنفسه


قبل أيام كنت أشاهد وزير السياحة المصري يتحدث على إحدى المحطات الأجنبية يحاول إقناع المشاهدين بأن مصر بلد لا يزال مضيافا، ويعد بأن الحكومة لن تتدخل في شؤون السياح الأجانب في مناطق الاصطياف، ما يحتسونه ويلبسونه أو لا يلبسونه! ثم في قرار مفاجئ جدا، يعين الرئيس أول من أمس أحد أعضاء الجماعة الإسلامية المتطرفة محافظا لأهم منطقة سياحية، الأقصر! لماذا هذه القرارات المتناقضة جدا؟ ربما لا أحد يدري، بما في ذلك الرئيس محمد مرسي! وسواء كان التناقض نتيجة نقص الخبرة أو تعدد القيادات داخل الحزب الذي يرفض التحول والاعتراف بالنظام الرئاسي، ويصر على العمل بنظام الجماعة، بمرشد ونائبه وقيادة جماعية، ونحن أمام حالة غريبة؛ جمهورية رئاسية لكن برؤوس كثيرة. قادة الإخوان المسلمين أثبتوا أنهم معارضة خطيرة لكنهم حكومة فاشلة لأنها ترفض التحول، ومع الوقت تزداد الهوة بينهم وبين الآخرين، حتى صاروا مهددين بثورة ثانية، أمر لم يخطر ببال أحد بعد فوز مرسي في الانتخابات.

خصومهم في ازدياد، كانوا في اليسار وشباب الثورة، الآن انضم لهم العسكر، والسلفيون، والأقباط، والإعلاميون، والمثقفون، والدولار، وسوق الأسهم، والبطالة، والمزيد في الطريق. قوى، إذا اجتمعت، قادرة على دفن حكومة الرئيس محمد مرسي، لا إسقاطها فقط. وهو بدل أن يتواصل مع خصومه في الداخل ويطمئنهم، أضاف إليهم خصوما جددا في الخارج. فالغرب، الذي تتهمه المعارضة بأنه متحالف مع «الإخوان»، قد ينقلب عليهم. المشهد المصري ازداد تعقيدا بإدخال الرئيس عش الحكومة وزيرا من جماعة تصنف في الخارج بالمتطرفة، زعيمها، عمر عبد الرحمن، مسجون في الولايات المتحدة بتهم إرهابية.

كثيرون يرتابون في الموقف الأميركي؛ يعتقدون أنه مؤيد وداعم لوصول «الإخوان» إلى الحكم، رغم أدبياتهم العدائية للغرب. وبالنسبة لواشنطن لمَ لا، إذا كان «الإخوان» مستعدين للتعايش والتعامل مع الواقع الدولي. ولم يبدد «الإخوان» بعد وصولهم الحكم الوقت لطمأنة الجميع، بما فيهم الإسرائيليون، في أكثر من مناسبة، مرات على لسان أطولهم لسانا عصام العريان، ومرات عبر المراسلات الرئاسية البروتوكولية الهادئة. وأهم من الكلام النتائج؛ تحت حكم «الإخوان» دفنت مئات الأنفاق التي كانت تربط حماس غزة بالعالم، وحرست الحدود مع الإسرائيليين، وشنت أكبر حرب في سيناء على الإرهابيين بالأسلحة الثقيلة. قد يكون هذا كله، مجرد عمل سياسي لطمأنة الغرب بأنهم حكومة تحترم الاتفاقات والعلاقات.

الخطر الحقيقي على مرسي وحكومته ليس من المعارضة ولا الغرب، بل من المواطن المصري الذي ارتفعت آماله بحجم الوعود التي بيعت له بعد الثورة. المستقبل مشرق، لا جمال ولا سوزان ولا حسين سالم، وغيرهم من رموز الفشل من عهد مبارك. شهر بعد شهر، ووعود بعد وعود فشلت في تنفيذها كلها حكومة مرسي رغم السُلف والقروض الدولية. أصبحت مصر حفرة تكبر مع الوقت، والرئيس يحفر لنفسه فيها، بتوسيع دائرة خصومه الذين سيتكالبون عليه. وبدل أن يقدم مشروع تعاون يبدأ به أول رئاسة بعد الثورة تقوم على التعاون، اختار الهجوم على مؤسسات الدولة التي يفترض أن تكون مستقلة، أبرزها القضاء والإعلام والجيش. النتيجة.. ليس من الصعب علينا أن نتخيلها.

عبدالله هادي
20-06-2013, 12:31 PM
العريان.. يهدد بما لا يملك!




أسوأ ورقة يمكن أن يلعبها اللاعب، ورقة حروفها من جهل ومدادها من فشل.

من ذلك تخويف دول الخليج بالورقة الإيرانية، كما يفعل أحيانا رموز العمل السياسي الإخواني في مصر.

إيران مشغولة بنفسها، وغارقة في سيلها، تحاول «التموضع» من جديد، وها هي «تسمح» بفوز المرشح الإصلاحي، حسن روحاني، برئاسة الجمهورية، التي لا يترشح لها إلا من يرضى عنه حماة نظرية ولاية الفقيه، ويطمئن إليه عتاة دولة الحرس الثوري، وروحاني يعد بتحسين العلاقات مع دول الخليج.

هذه الأيام، وقع أحد «صفوة» القادة الإخوانيين في مصر بأزمة كبرى، وكلام خطير عن دولة الإمارات.

قبل أيام، عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة بمصر، شنّ هجوما عنيفا على دولة الإمارات بسبب ملف المعتقلين المصريين هناك، وهم كما نعلم بضعة عشر شخصا تهمتهم الانتماء لـ«الإخوان» والعمل السري، وطالب السفير علي العشيري، مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية والمصريين بالخارج، بضرورة إرسال رسائل إلى الإمارات بأن «صبر المصريين نفد، وأن سلوكهم مشين، ويجب أن يصل إليهم أن مصر لن تتوجع لأنهم صمدوا 60 عاما بلا توجع».

وجاء في كلام العريان الهجومي على الإمارات التهديد بأن إيران النووية قادمة، وأن التسونامي قادم من إيران وليس من مصر، والفرس قادمون و«هتصبحوا عبيدا عند الفرس».

أثار هذا الكلام عاصفة من الغضب عند الجالية المصرية الضخمة في الإمارات، فأصدروا بيانا استنكاريا لكلام العريان، وعدم شعور هذا الشخص بالمسؤولية.

الكتاتني، رئيس حزب الحرية والعدالة، تبرأ من كلام نائبه العريان، وقال: إن هذه التصريحات، بشأن الإمارات «لا تعبر عن وجهة نظر الحزب وموقفه الرسمي».

العريان، وكل قادة الإخوان في مصر يتملكهم الغضب من إصرار القيادة في الإمارات على عدم السماح لـ«الإخوان» بالعمل التنظيمي والتمويلي كيفما أرادوا، وخرق قوانين الدولة، رغم أن ثمة أضعاف المصريين، من مواطني الدولة الإماراتية أمام النيابة، ثم القضاء في الإمارات على ذمة قضايا الخلايا والتنظيمات السرية، ولا يوجد تقصد تمييزي ضد هؤلاء المصريين. وللتذكير، فالإمارات لها تاريخ أبيض مع مصر من أيام الراحل الشيخ زايد في الدعم والمساندة «للشقيقة الكبرى»، ويكفي تذكر المشاريع الإسكانية والإنمائية باسم الشيخ زايد في مصر.

المسألة واضحة، «الإخوان» غاضبون من الإمارات، يريدون التنفيس.

لكن التهويش بالفرس وإيران، كلام يدل على جهل قائله، بتاريخ العلاقات وتعقيدها مع الجارة الكبيرة على الضفة الشرقية من حوض الخليج.

وهو تاريخ من الصعب على من أفنى عمره بقراءة كراسات المرشد، أن يلمّ به.

خلاصته أن الإيرانيين لا يعملون عند أحد، بل لمصالحهم الخاصة.

وقد ذكّرني تهديد العريان بما «لا يمون» عليه، بشاعر قديم يفخر بما ليس له، حين قال يهجو شاعرا آخر:

هذا ابن عمي في دمشق خليفة

لو شئت ساقكم إلي قطينا!

عبدالله هادي
20-06-2013, 12:35 PM
أما المعارضة.. فمرسي كفيل بها



يخطئ الدكتور محمد مرسي إذا تصور أن قادة المعارضة المصرية أو حتى أفرادها العاديين هم خصومه السياسيون الحقيقيون، فخصوم الرجل، والحال كذلك، موجودون في مكان آخر سوف أشير إليه حالا، ولكني أريد أولا أن أقدم الدليل على ما أقوله.

ففي وقت من الأوقات، كانت رئاسة الجمهورية قد دعت رموز المعارضة إلى حوار في مقر الرئاسة، وكان هناك تعهد مسبق من مرسي ذاته، بأنه من خلال أجهزة الدولة جميعها، سوف يلتزم بما سوف تصل إليه جلسات الحوار، وحين صدق المدعوون تعهد الرئيس، وذهبوا، وجلسوا، وتحاوروا، اكتشفوا بعدها، من خلال الواقع العملي، أن تعهدات الرئيس ليس لها رصيد في هذا الواقع، ولم يكن هناك ما هو أدل على ذلك، إلا أن مجلس الشورى، إحدى غرفتي البرلمان، الذي يتولى التشريع كاملا، وبشكل مؤقت حاليا، قد أعلن عند أول اختبار، أنه يتحلل تماما مما قيل في جلسات الحوار إياها، وأنه بالتالي، ليس ملتزما بأي قدر بما كان مرسي قد التزم به أمام الذين دعاهم للحوار في مكتبه.. هذه واحدة!

والثانية أن الرئيس نفسه، كان قد أعلن صراحة، عقب صدور حكم القضاء، بتأجيل انتخابات مجلس النواب، إلى ما بعد تعديل قانون الانتخابات، أنه، أي الرئيس، سوف يحترم حكم القضاء، ولن يطعن على الحكم، فإذا بالرئاسة بعدها بـ42 ساعة، تطعن على الحكم، وإذا برئيس الدولة يبدو وكأنه يتحلل تماما من كلام قاله هو لمواطنيه، وعلناً!

والثالثة أن مرسي كان قد التقى عددا من القضاة في أعقاب اعتراضهم الصاخب على مشروع قانون السلطة القضائية، الذي كان مجلس الشورى قد أعلن اعتزامه مناقشته وتمريره، وفي اللقاء وعد الرئيس القضاة بأنه لن يقبل اعتداء من أي نوع عليهم، وأن قانونا لا يرضيهم لن يمر، فإذا بالمجلس بعدها مباشرة يحدد موعدا لمناقشة مشروع القانون، وكأن الرئيس لم يقل شيئا للقضاة، وكأنه لم يتعهد أمامهم، على أي مستوى!

هذه أمثلة حية ثلاثة، وهناك غيرها طبعا، وكلها إن دلت على شيء فإنما تدل على أن «الشورى» في الأولى والثالثة يحصل على توجيهاته، إذا كان له كمجلس تشريعات، أن يحصل على توجيهات في تشريعاته من أحد، من جهة أخرى، بخلاف رئاسة الجمهورية، بل إن الحالة الثانية، تدل هي الأخرى على أن الرئاسة ذاتها تتلقى توجيهات من شخص ما، أو وجهة ما، خارجها!

وهذه الجهة الأخرى ليست سرا، وإنما يجري تداولها يوميا، في الصحـافة المصرية، وفي الإعلام كله، على أنها جماعة الإخوان في مقرها فوق جبل المقطم.. وإلا.. فإذا كانت «الجماعة» بريئة من هذه الحالات، ومن غيرها، كما تردد هي دائما، فأين هي إذن تلك الجهة التي يمكن أن تكون فوق الرئيس في البلد، بحيث يقول هو كلاما صريحا وواضحا، كما في هذه الحالات الثلاث على سبيل المثال، فإذا بتلك الجهة التي تؤكد «الجماعة» أنها ليست هي، تكسر كلام رئيس الدولة، وتعتبره وكأنه لم يكن، ثم يكون لها هي كلام آخر، فيمشي على الرئيس شخصيا، وكأنه مواطن عادي لا حول له ولا قوة!

ولو شئنا أن نربط بين هذه المحصلة التي يؤدي إليها السياق الطبيعي لما يحدث على الأرض، وبين ما أشرت إليه في السطر الأول، عن خصــوم مرسي الحقيقيين، فسـوف يتبين لنا، أن خصومه إنما هم في «المقطم»، وليسوا أبدا في المعارضة، أو في جبهـة الإنقاذ، وأكاد أقول إنهم هنـاك في «الجماعة» أعداء للرئيس، وليسـوا مجرد خصوم عاديين، لأنهم يمارسون ما يمارسـونه، من وراء ستار، ثم يتحمل مرسي وحده، عواقب ممارسات منهم، يتبين يوما بعد يـــــــوم، وممارسـة بعـد ممارسـة، أنها كارثيـة، وأنها تزيد الفجوة بين رئيس الدولة، وبين الشعب في عمومه، اتساعا وعمقا!

ولو أنت سألتني عما يجب أن يفعله مرسي، في مأزق كهذا، فسوف أقول إنني في الحقيقة لا أعرف، وإنها مشكلته التي عليه أن يحلها، لأن تداعياتها سوف تكون قاسية عليه بشكل خاص، وعلى البلد بشكل عام، وإن كان في ذهني فكرة عن حل قد ينفع، وهو ما سوف أعود إليه في سطور لاحقة، لأكتفي اليوم بأن أقول، إن مرسي إذا كان عليه أن يردد دعاء محددا على مدار يومه، فهذا الدعاء هو: اللهم اكفني شر «الجماعة».. أما المعارضة فأنا كفيل بها!

عبدالله هادي
21-06-2013, 02:42 AM
إيران وسوريا.. عطل «حسن نوايا» ونعود!




تخيل أنك تشاهد برنامجا مثيرا على الهواء وفجأة ينقطع البث التلفزيوني لترى على الشاشة عبارة تقول: عطل فني ونعود. هذا هو حال منطقتنا، والغرب، حاليا بعد الانتخابات الإيرانية، وتحديدا بالأزمة السورية، فنحن الآن أمام أشبه ما يكون بعطل «حسن نوايا» ونعود!

فمع فشل قمة الثماني الأخيرة في إقناع الروس باتخاذ موقف سياسي أكثر اعتدالا من أجل المساعدة على عملية انتقال سلمي للسلطة في سوريا، ومع عدم اتضاح خطة الإدارة الأميركية تجاه سوريا، خصوصا أن من يشاهد المقابلة التلفزيونية للرئيس أوباما مع الإعلامي الأميركي الشهير تشارلي روز مؤخرا، والتي تحدث فيها الرئيس الأميركي مطولا حول سوريا، سيلمس أن أضعف جزء في المقابلة كان عن سوريا حيث لم يكن أوباما مقنعا، أو واضحا، وخلاصة تلك المقابلة هي إما أن أوباما لا يمتلك خطة واضحة، وإما أنه لا يريد التدخل بشكل قيادي ويفضل أن يقود من الخلف على غرار موقف إدارته من ليبيا أثناء تدخل الناتو. ويضاف إلى كل ذلك بالطبع الموقف الفرنسي الأخير المرحب بمشاركة إيران في قمة «جنيف 2» في حال كان لدى طهران مواقف متساهلة!

كل ذلك يقول لنا إن الأزمة السورية، تحديدا، تتعرض إلى ارتباك في المتابعة بسبب «عطل حسن النوايا» الذي تسبب فيه انتخاب الرئيس حسن روحاني، والقصة بالطبع ليست قصة عداء مطلق مع إيران، بل هي قصة استحقاقات على طهران الوفاء بها، وبالطبع لا تكفي التصريحات الإيرانية الإيجابية، وبالذات في القصة السورية، بل المطلوب هو الأفعال، خصوصا أن جرائم الأسد مستمرة، وكذلك الدعم الإيراني أيضا، وتدخل حزب الله بالقتال هناك، وبالتالي فأيا كانت التصريحات الإيرانية فالأهم هو الأفعال، هذا عدا عن قصة الملف النووي، والتدخل في شؤون المنطقة.

وبالتأكيد هناك تطورات مهمة في الأزمة السورية، وتصب في مصلحة الثوار، من تدفق بعض الأسلحة، واختلاط الأوراق لدى بعض الأطراف الحليفة لإيران وحزب الله، وحجم الحركة الدولية مع تزايد الإحساس بأن أمرا ما يخطط له في الغرف المغلقة، من قبل أطراف عربية ودولية، لكن الإشكالية الواضحة تكمن في عطل «حسن النوايا» الذي أصاب الجميع بعد الانتخابات الإيرانية، وأكثر المستفيدين من هذا العطل هو الأسد، وليس إيران؛ فالاستحقاقات الداخلية أمام الرئيس الإيراني الجديد كثيرة، وكان لافتا للنظر مقاطعة أحد الحضور الإيرانيين لروحاني في مؤتمره الصحافي الأول، حيث طالب المحتج روحاني بضرورة إطلاق سراح كروبي المحتجز منذ الثورة الخضراء، مما يذكرنا بأن النار تحت الرماد في إيران، ولذلك كان اختيار روحاني، وليس انتخابه، والفرق كبير.

ملخص القول هو أن الخوف على الثورة السورية اليوم من عطل «حسن النوايا» تجاه إيران حقيقي، وعند التعامل مع طهران فلا بد من تذكر المثل القائل إن الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة، فهل نتنبه لذلك؟

عبدالله هادي
21-06-2013, 02:43 AM
إيران أعطت روحاني الرئاسة فهل يعطيها التغيير؟




في بداية مؤتمره الصحافي الأول بعد انتخابه رئيسا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، رحب حسن روحاني بالصحافيين ووعد بعلاقة وثيقة معهم طوال فترة رئاسته، وطالب بعودة اتحادات الصحافيين التي حلت زمن محمود أحمدي نجاد، وسمح لـ«بي بي سي» باللغة الفارسية أن تطرح عليه سؤالا وهي التي تتعرض للتشويش. لكن روحاني لم يكمل مؤتمره الصحافي، إذ صرخ رجل من بين الحضور: «تذكر روحاني، مير حسين موسوي.. يجب أن يكون حاضرا».

شد الحراس الرجل وأخرجوه، وترك روحاني كرسيه وغادر، وانتقل البث التلفزيوني إلى مشاهد الناس وهي تقترع له.

هل الضوء الأخضر الذي مُنح له لم يصل نوره لمناقشة مسألة السجناء السياسيين في إيران؟

مخطئ المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إذا كان يعتقد أن انتخاب روحاني والنشوة التي عمت الشارع الإيراني وابتعاد محمود أحمدي نجاد عن الساحة (سيمثل أمام المحكمة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل) أمور كافية لإنقاذ إيران في الداخل والخارج.

فاز روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية في ظل جو هادئ من دون الاضطرابات التي رافقت العودة الثانية لأحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة وأتت بنتائج عكسية. الإقبال بنسبة 73% على الاقتراع كان كافيا كي يتباهى خامنئي بثقة الرأي العام بالعملية السياسية ويبارك نتائج الانتخابات على الرغم من واقع الحياة في إيران، حيث الرقابة مشددة على وسائل الإعلام، وعشرات من الصحافيين في السجون، والحملات الانتخابية الحقيقية ممنوعة، والناس غير أحرار حقا في اختيار مستقبلهم السياسي. على السطح، يبدو أن الجمهورية الإسلامية تجاوزت احتمالات الفوضى في الوقت الحالي. ومع هذا، فإن فوز روحاني الكاسح في الانتخابات يعكس رغبة قوية لدى الشعب الإيراني في التغيير، وبالذات العطش إلى الإصلاح الاقتصادي ورفع القمع عن الحريات الفردية. يمثل فوز روحاني إلى حد كبير شكلا من أشكال الاقتراع الاحتجاجي. الآمال الجديدة سواء داخل إيران أو خارجها يمكن أن تسبب مشكلات في المستقبل لخامنئي، وكارثة إذا لم يقترن انتصار روحاني بتغيير حقيقي.

حسن روحاني من مخضرمي النظام الثوري الإسلامي، درس في الحوزات الدينية في مدينة قم، ومنذ سن مبكرة تابع الأنشطة الثورية لآية الله الخميني ضد الشاه.. في الوقت نفسه، يدرك الفكر الغربي بعدما قضى وقتا يدرس في الخارج ويتقن اللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية والعربية بطلاقة. ومنذ نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية، تبوأ عدة مناصب مهمة، أبرزها منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي فيما بين عامي 1989 و2005. حاليا يشغل منصب رئيس مركز البحوث الاستراتيجية في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهي هيئة أنشأها الخميني أواخر الثمانينات لحل النزاع بين الفروع المختلفة داخل «المنظمة» الفريدة من نوعها التي يحكمها. ويعمل أيضا في مجلس تشخيص مصلحة النظام عضوا في مجلس الخبراء المكون من 86 رجل دين بصفته ممثلا للمرشد في مجلس الأمن القومي.

على الرغم من هذا الولاء الواضح للنظام، فإن روحاني قد حصل على دعم الإصلاحيين أثناء حملته، وبالتالي كون لنفسه قاعدة سياسية لم تكن متوفرة في السابق له، فتم التصويت له بأغلبية ساحقة وترك كل منافسيه الأصوليين خلفه بمسافة بعيدة. وأظهر هذا بوضوح كم أن الإيرانيين يتطلعون إلى سياسة أكثر ليبرالية واعتدالا من تلك التي يعتمدها النظام اليوم. على المدى القصير، قد يكون هناك بعض التحسن في العلاقات بين النظام والمجتمع على نطاق واسع، في الوقت الذي يعطي فيه الإيرانيون الفرصة لروحاني. وكان الرئيس المنتخب أعلن أنه يريد صياغة «العهد لحقوق المواطنين»، فلقي تجاوبا واسعا. بصفته مرشحا تواصل روحاني مع قادة الأقليات العرقية الكبيرة، بمن فيهم العرب وغيرهم. لكن، إذا أدرك الناس مع مرور الوقت أن الرئيس الجديد غير قادر على تحقيق تغيير حقيقي، وأنه ليس أكثر من «دمية» في يد المرشد، فإن هذا يمكن أن يثير اضطرابات أكبر من تلك التي رافقت فترة أحمدي نجاد. هناك علامة استفهام لا تزال تطل برأسها حول الوقت الذي قد يمنحه الناس لهذه الفرصة. بالنسبة للصورة الاقتصادية، وعد روحاني بالإصلاح، وهذه حاجة ملحة للاستجابة لتزايد الضغوط الاقتصادية في إيران. التضخم والبطالة في تصاعد، كما اعترف خامنئي شخصيا.. احتياطي النقد الأجنبي يجف، والمصارف تئن لأنها لا تستطيع القيام بتحويلات دولية، والتجارة شديدة التقيد بالعقوبات، والصناعات في إيران في حالة نضوب.

وجود روحاني في مكتب الرئاسة (بعد شهرين) سيسهل على خامنئي تأييد تدابير التقشف المؤلمة في المستقبل القريب. يرتبط روحاني بالمفهوم الليبرالي للحد من التدخل الحكومي في الشؤون الاقتصادية، ثم إنه يميل إلى نوع السياسات التي تبناها الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني في التسعينات نحو المنافسة في القطاع الخاص والتحرر من القيود. لكن، إذا كانت السياسات التي سيسمح لروحاني بتنفيذها هي فقط شكلية، فإنها لن تحل المشكلات الاقتصادية العميقة. وليس من الواضح أنه سيعطَى الوقت والمساحة اللازمين لإحداث التغيير على النطاق المطلوب. روحاني قد يقدم لخامنئي كبش فداء إذا لم يقدم على تحسينات كبيرة. لكن السؤال يبقى مطروحا: إلى متى؟ ترتبط العقوبات على الاقتصاد الإيراني بقضايا كثيرة؛ أبرزها البرنامج النووي الإيراني. مجال الاحتكاك محتمل إذا برز الاختلاف في الرأي بين المرشد والرئيس، وكونه لعب دورا قياديا في المفاوضات النووية الإيرانية في الماضي، فإن لديه خبرة التفاعل بين الجهات الفاعلة المعنية، كما أنه معتاد على التداعيات السياسية في الداخل، حتى أنه استقال من منصب أمين عام الأمن القومي الإيراني عندما أصبح أحمدي نجاد رئيسا، ثم إن الخطوات التصالحية التي أقدم عليها في الماضي بالنسبة للمسألة النووية، لا يزال منتقدوه يستغلونها لشن الهجمات عليه.

مثل بقية القيادات الإيرانية، يحافظ روحاني على حق إيران في تطوير الطاقة الذرية للأغراض السلمية (كرر هذا في مؤتمره الصحافي). كما أعلن أنه سيكون بين أهدافه بصفته رئيسا «التفاعل البناء مع العالم» وهذا نقيض السياسات المعادية لأحمدي نجاد.

حديث روحاني عن «انتصار الاعتدال على التطرف» سيجري تفسيره في بعض الأوساط العالمية على أنه أمل إيجابي لاحتمالات النجاح في المحادثات النووية، لكن العالم لا يستطيع أن يسمح لإيران بأن تشغله سياسيا ودبلوماسيا لفترة أطول.

مع هذه العوامل، فإن نهجا أكثر تسامحا من المجتمع الدولي متوقع لتوفير بعض المساحة للتنفس مؤقتا، إلى أن تستقر حكومة روحاني في مكانها. لكن، لن تنخفض المطالب الأساسية للعالم الغربي التي تهدف إلى منع إيران من الحصول على سلاح نووي.

في النهاية، فإن السؤال الأهم الذي يقلق العالم سيكون عما إذا كانت إيران مستمرة في تهديد الأمن الإقليمي والعالمي عبر تعزيز مشروعها النووي.

الآن، وقد انتهت الانتخابات، قد يميل خامنئي لتشديد قبضته على الحياة السياسية وضمان اتباع روحاني المسار الذي يتسق مع نظرته الراديكالية للعالم التي يقاسمه فيها المتشددون.

إذا استمر خامنئي في قمع الحقوق الإنسانية، والسماح للاقتصاد بالتدهور أكثر، وتنشيط البرنامج النووي الإيراني، فإن نظامه سيجد نفسه في أزمة حقيقية. إن المدى الذي يمكن للرئيس الجديد أن يصل إليه وينفصل ويبتعد بدرجة كبيرة عن هذه المواقف العميقة المتجذرة، سيساهم في تشكيل المستقبل الجديد لإيران، سواء من حيث استقرارها الداخلي أو علاقاتها مع العالم الأوسع.

هناك من يعتقد أن خامنئي ربما يكون مستعدا لإجراء تغيير بسيط في سياسته الخارجية، لأن المقاطعة والضغوط الداخلية وما يحدث في الدول المجاورة والربيع العربي والوضع في تركيا وسوريا ما هي، في الحقيقة، إلا رسالة. هو يريد حماية النظام، لكن إيران صارت مثل طنجرة ضغط.. لحظة وتنفجر. إن إزاحة الغطاء قليلا تتيح مجالا للتنفس، أما إبقاؤه محكما، فأمر لا تحمد عقباه على روحاني وعلى النظام ككل.

عبدالله هادي
21-06-2013, 02:46 AM
حول تسليح ثوار سوريا



تبدو إدارة الرئيس أوباما في طريقها إلى تكرار خطأ الماضي مرة أخرى باللجوء إلى الحرب بالوكالة في سوريا، والتي تكتمل بعمليات التسليح السرية المعتادة التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية، تلك الخطة التقليدية لدعم المعتدلين المزعومين، الذين تثير آمالهم الشكوك، وكذا فهمهم الخاطئ للهدف من القتال.

إنها لمأساة أن يقتل أكثر من 90000 شخص في النزاع السوري الدموي ونزوح أكثر من 1.5 مليون آخرين. لكنني لم أسمع ادعاء بأن قرار الرئيس أوباما بتسليح الثوار سيوقف أو حتى سيخفف من حدة المذبحة. على العكس، سيتسبب إرسال المزيد من الأسلحة إلى أرض المعركة في سقوط الكثير من القتلى والتدمير، على المدى القصير على الأقل.

ولذا فإن ذلك لا يبشر بخير إذا كان ذلك بهدف التدخل الإنساني. أما إذا كان بهدف معاقبة الديكتاتور بشار الأسد على استخدامه الواضح للأسلحة الكيماوية، فمن المؤكد أن هناك إجراءات - ضربات صاروخية على المطارات العسكرية للنظام، على سبيل المثال - يمكن أن تحقق الهدف من دون تقديم أيضا التزام غير محدد.

لماذا قررت الإدارة الآن الإعلان عن زيادة دعمها المباشر للواء سليم إدريس وقواته؟ من المؤكد أنه ليس مصادفة أن يسحق الجيش السوري - بمساعدة حزب الله اللبناني المدعوم من إيران - قوات الثوار في الأسابيع الأخيرة ويهدد باستعادة حلب، المحور التجاري في البلاد. ومن ثم فهي حرب وكالة معقدة. أما روسيا وإيران وحزب الله فيدعمون الأسد بالسلاح والمال والجنود المدربين - كما في حالة حزب الله. ويتكون جيش الثوار في أغلبه من السنة أما جيش الحكومة فيتكون بشكل كبير من الشيعة.

وكما قلت: لن ينتهي ذلك بشكل جيد.

إن تردد الرئيس أوباما في الانزلاق إلى هذا المستنقع أمر جدير بالثناء، ولكن حذره في الوقت الحالي سيكون مكلفا للولايات المتحدة. فالحليف الأكثر أهمية لإيران في العالم العربي هو سوريا. والقاعدة العسكرية الوحيدة لروسيا خارج الاتحاد السوفياتي السابق في سوريا. فهل يكترث أوباما بقدر ما يفعل قادة هذه الدول بشأن الجهة التي ستربح الحرب؟ إذا لم يكن كذلك، فما هو الهدف؟

قد يمكن التذرع بأن تزويد إدريس بالأسلحة الخفيفة والذخيرة هو وسيلة لتجهيز القوى العلمانية المعتدلة لمعركتهم الحتمية ضد التكفيريين في سوريا المنقسمة بعد الأسد. ولكن هذا لن يكون ذا أهمية إذا ما سحق الأسد قوات الثوار ووطد حكمه. وبالتالي، قد تشمل المساعدات الأميركية، بحسب التقارير، بعض الأسلحة الثقيلة لاستخدامها ضد الدبابات والطائرات. وسوف تأخذ وكالة المخابرات المركزية زمام المبادرة في نقل الأسلحة وتدريب المتمردين على استخدامها، وفقا لصحيفة «واشنطن بوست».

ربما يمكن لتعزيز موقف إدريس أن يمنحه الوقت على الأقل للمفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية، وهو ما قال أوباما إنه يفضله. فلفترة طويلة كانت روسيا تحجم، عن تلبية الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام. الآن وبعد تحول هذا الزخم في ساحة المعركة والموقف الأقوى الذي يتمتع به نظام الأسد، تبدو روسيا أكثر استعدادا لدعوة الجميع إلى الطاولة - لكن إدارة أوباما لم تعد في عجلة من أمرها.

ليس كل منحدر زلقا، ولكن هذا المنحدر يبدو زلقا. في أغسطس (آب) من عام 2011 صرح أوباما بأن «الوقت حان كي يتنحى الرئيس الأسد». الآن يستخدم الرئيس القوة لدعم هذا التصريح، وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة قبول أي نتيجة أخرى.

ستكون هناك ضغوط لفرض منطقة حظر جوي لتحييد القوة الجوية المدمرة. وستكون هناك ضغوط لاحتواء الحرب حتى لا تمتد خارج حدود سوريا وتثير الاضطرابات في دول حليفة في تركيا والأردن، أو حلفائنا، نوعا ما، في العراق. ستكون هناك ضغوط للتخفيف من المعاناة الكبيرة للشعب السوري. ربما يمكن تحقيق كل هذا من دون وضع حياة الأميركيين للخطر. لكنني أشك في ذلك.

الأهم من ذلك أنه ستكون هناك ضغوط للفوز بحرب الوكالة التي لم يكن أوباما يريد خوضها. هذه هي الطريقة التي بها يبدأ الخوض في المستنقعات، من السير بخطى مترددة واحدة تلو الأخرى نحو الهاوية.

في بعض الأحيان نفوز بحروب الوكالة - في أفغانستان، على سبيل المثال، حيث ساعدت وكالة المخابرات المركزية «أمراء الحرب» في هزيمة الجيش السوفياتي الجبار. لكننا في هذه العملية، تسببنا في فراغ في السلطة ووقعت الفوضى التي سمحت لـ«القاعدة» ببناء تنظيمهم، وأدت في نهاية المطاف إلى هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

آمل أن أكون مخطئا لكنني مصيب في مخاوفي، بأن ذلك لن ينتهي على خير.



* خدمة «واشنطن بوست»

عبدالله هادي
21-06-2013, 02:47 AM
روحاني يصلح ما أفسد الدهر الإيراني؟


الذين تنفسوا الصعداء في طهران وخارجها مع وصول حسن روحاني إلى الرئاسة، سيكتشفون أن النوافذ لم تفتح، وإن كانت قد عبرت ريح هادئة إلى رئاسة الجمهورية أو المركز الثاني في البلاد الذي يستظل إرادة المرشد علي خامنئي وينفذ قراراته.

والذين حسبوا أن روحاني حقق انتصارا باهرا على المحافظين، يجب أن يتذكروا كيف استبعد مجلس صيانة الدستور هاشمي رفسنجاني من الانتخابات وفي أي إطار تنافسي جرت، لكي يدركوا أن خامنئي هو الذي يقف وراء ما جرى، وأن رفع رايات الاعتدال لا يعني تغييرا، ولو بسيطا، في الاستراتيجيات أو القواعد الصارمة التي يطبقها النظام.

هل يمكن القول، إذن، إن النظام سمح بأن يواري الإيرانيون رئيسا سيئا هو محمود أحمدي نجاد، راكم المشاكل والأزمات على امتداد ثمانية أعوام، لينتخبوا رئيسا ينادي بالاعتدال، والاعتدال هنا لا يعني بالضرورة تغييرا في القواعد، فلماذا لا يكون خامنئي قد أتى بمحام جيد يحاول التخفيف من الأضرار التي خلفها محام سيئ، أوليس هذا من مصلحة النظام داخليا وخارجيا؟

لو كان حسن روحاني يحمل رؤية محمد خاتمي ودهاء رفسنجاني، لكان مجلس صيانة الدستور قطع عليه الطريق منذ البداية، أو لكان خامنئي منع تشتيت أصوات المحافظين بدفع قاليباف وسعيد جليلي ومحسن رضائي إلى الانسحاب لمصلحة علي أكبر ولايتي أو بالعكس، وخصوصا بعدما انسحب غلام عادل علي حداد لمصلحة روحاني، لكن المؤشرات توحي بأن المرشد أراد إعطاء النظام المحاصر بأزمة اقتصادية معيشية خانقة ضاعفت من الاحتقان في الشارع الإيراني الذي يغلي بالمشاعر الخضراء المقموعة، فرصة لامتصاص الغضب عبر فتح نوافذ تغير في الأساليب عبر رجل يعرف كيف يصون القواعد، ثم إنه أراد إعطاء علاقات إيران الخارجية صورة جديدة في المسألة النووية، كما في العلاقات مع الإقليم، وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي التي طالما شكت من التدخلات والعمليات التخريبية الإيرانية.

في هذا السياق، يبدو روحاني رجل المرحلة المثالي، فهو من رجال الثورة ويقف تحت عباءة النظام وكان مستشارا لخامنئي، ثم إنه يملك خطابا مريحا في الداخل، ويعد بالاعتدال في وجه الصارخين «أن محاسبة التيار الأصولي أكثر ضرورة من الخبز»، كما أنه يقول للخارج: «على إيران التعبير عن مواقفها وسياساتها بطريقة أكثر ترابطا وإدراكا»، مما يشكل تقريعا لأسلوب أحمدي نجاد الانفعالي وقليل الإدراك!

صحيح أن روحاني رجل الدين الدبلوماسي، وكبير المفاوضين نوويا في عهد خاتمي، الذي يتقن العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية والروسية، ألقى كثيرا من الوعود الزهرية قبل فوزه، (راجع حديثه مع «الشرق الأوسط»)، لكن الذين يتذكرون ركام المشاكل التي افتعلتها إيران في الأعوام الثمانية الماضية، والتي لم تكن لتحصل بالطبع من دون موافقة خامنئي و«الباسيج»، يقولون بلا تردد إن روحاني لن يتمكن من إصلاح ما أفسد الدهر، لأن الاعتدال الذي يعد به يحتاج إلى تغيير جذري يتجاوز القواعد التي يطبقها النظام إلى الثقافة السياسية عند الذين يديرون الأمور في النهاية.

وهكذا، عندما يتعهد مثلا باستعادة العلاقة المقطوعة مع أميركا منذ عام 1979، ربما ينسى ما عليه أن يغيره، ولو شكلا، في خطاب طهران باعتبار أن شهر العسل مع «الشيطان الأكبر» لم ينقطع يوما وراء الجدران. لكن امتحان روحاني الأصعب سيكون في إعادة ترتيب العلاقات مع دول الخليج، وخصوصا مع المملكة العربية السعودية بعدما تمادت طهران في سياسات الاعتداء والتخريب، ولعل ما يصعّب الأمر أكثر انزلاقها مع أذرعها العسكرية، اللبنانية والعراقية، إلى الحرب في سوريا دعما لنظام بشار الأسد الذي يقتل الشعب السوري.

وعندما يقول روحاني إنه لا يعتزم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وإنه يعطي تحسين العلاقات مع الجيران أولوية قصوى، وإن في وسع إيران والسعودية أن تلعبا دورا إيجابيا في التعامل مع القضايا الإقليمية الرئيسة مثل الأمن في منطقة الخليج، مستعيدا وقائع التفاهم الذي أرساه الاتفاق الذي وقعه في منتصف التسعينات مع وزير الداخلية الراحل المرحوم الأمير نايف بن عبد العزيز وأوقف التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، ربما عليه أن يتذكر مدى قدرته على ضبط تصرفات النظام الذي يتصرف لفرض نفسه قوة محورية في الإقليم عبر التخريب في دول المنطقة.

روحاني لن يصلح ما أفسد الدهر الإيراني، والدليل أنه دعا الجميع عشية الانتخابات إلى بذل جهودهم لوضع حد للحرب السورية التي وصفها بالمهزلة، ثم دعا في أول مؤتمر صحافي إلى بقاء هذه المهزلة مطالبا ببقاء الأسد حتى سنة 2014!

عبدالله هادي
21-06-2013, 02:55 AM
الرئيس الإيراني الجديد.. توقعات تفوق الحدود



هو «الإصلاحي المعتدل» الذي كان الكثيرون يحلمون به. كلا، هو موال للنظام لا تحدوه رغبة كبيرة في إحداث تغيير واضح. هيمن هذان التحليلان، الأسبوع الماضي، على النقاشات المتعلقة بانتخاب حسن روحاني رئيسا للجمهورية الإسلامية في إيران.. فهل من تحليل آخر؟

للإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نذكر بعض النقاط الأساسية. بداية لم يدخل حسن روحاني الانتخابات مرشحا عن أي فصيل. حتى بعد المذبحة التي قام بها مجلس صيانة الدستور في بداية العملية الانتخابية، كان لكل فصيل من الفصائل الأربعة في المؤسسة الإيرانية مرشحه الأساسي. في الوقت ذاته، جعله سجله موضع قبول لدى كل الفصائل. وكان متفردا من عدة نواح من بين المرشحين الذين ظلوا في مضمار السباق.

حسن روحاني ملا ومن ثم فهو يلقى قبولا لدى رجال الدين على الرغم من أنه لم يعمل قط كرجل دين. كما أكسبته علاقته الوثيقة بمؤسسة الحرس الثوري قبولا لدى الجيش الذي برز كقوة خلف الكواليس. وجعله موقعه كمسؤول أمني لسنوات موضع قبول أيضا لدى أجهزة الاستخبارات القوية التي أسهمت في تخريب فترة رئاسة أحمدي نجاد الثانية.

ويحظى روحاني أيضا بالقبول لدى طبقة التكنوقراط والنخب الإدارية في النظام، إلى جانب ذلك فهو رجل أعمال ناجح، وعمل لسنوات رئيسا لأكبر شركة تابعة للحرس الثوري القوي التي تمنح آلاف العقود المربحة للقطاع الخاص.

لكن روحاني دبلوماسي له الكثير من العلاقات بالخارج، فمثلا يزعم وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو أنه صديق له، فضلا عن أن روحاني لا يدين لأحد بالفضل في انتخابه إلا لمجموعة من الظروف.

بالنسبة لروحاني يشكل ذلك جانبا إيجابيا. لكن انتخابه يتضمن أيضا بعض الجوانب السلبية؛ أولها أنه لا يحظى بنطاق كبير من المؤيدين، فكل من انتخبوه فعلوا ذلك لأنهم لا يحبون المرشحين الذين يمثلون الفصائل المنافسة. ورأى هؤلاء الناخبون في روحاني البديل الوحيد لولايتي وجليلي وقاليباف الذين كانوا يعتقدون خطأ أنهم خيارات خامنئي. وتوجهت الأصوات المحتجة على المرشد الأعلى إلى روحاني لأنه لا ينتمي لمعسكره.

سيعمل روحاني، بطبيعة الحال، على استخدام الموارد الموضوعة تحت تصرفه لبناء قاعدة دعم شخصية له. لكن ذلك سيتطلب بعض الوقت، وكما أظهرت تجربة أحمدي نجاد فإن ذلك ليس بالمهمة السهلة.

لانتخاب روحاني ملمح سلبي آخر، فمن بين رؤساء الجمهورية الخمينية السبعة حصل روحاني على أدنى نسبة من الأصوات تجاوزت الـ50 في المائة بكسور قليلة، بينما حصد الرؤساء الستة السابقون نسبا تتجاوز الـ70 في المائة (كان خامنئي أول رئيس منتخب بنسبة 96 في المائة). وقد شهدت انتخابات يوم الجمعة الماضي أيضا إقبالا أدنى، إذ تجاوز الإقبال على الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل أربع سنوات الانتخابات الحالية بـ12 في المائة تقريبا. ومن المثير للاهتمام أن الإقبال على التصويت في المدن الكبرى كان منخفضا للغاية.. ففي طهران حصد روحاني 1.2 مليون صوت من أصل 6.5 مليون ناخب يحق لهم التصويت. والافتقار إلى الدعم في المدن الكبرى مهم إذا أراد المرء رؤية روحاني يقدم برنامجا للإصلاح مرغوبا من قبل الطبقات الوسطى الحضرية.

ويواجه روحاني مشكلة رئيسة أخرى، فلأن أحدا لا يعرفه على سبيل اليقين، فمن المتوقع أن يعرض عليه الكثيرون آمالهم وخيالاتهم، وإن لن يتمكن من تنفيذها فمن المتوقع أن ينقلبوا عليه. ذلك ما حدث مع محمد خاتمي، الذي كان رجلا مهذبا لكنه كان سياسيا ضعيفا نجح في الانتخابات باكتساح كمرشح مناوئ للمؤسسة قبل التقاعد كشخصية ممقوتة بعد ثماني سنوات. وقد نشر الإيرانيون بالفعل قائمة لا نهائية من الأمنيات كي يحققها روحاني.

يريد منه الكثير من الإيرانيين إطلاق سراح السجناء في اليوم الأول له، بينما يريد منه آخرون وقف التدهور السريع للريال والسيطرة على التضخم الذي تجاوز الـ30 في المائة. ويعتقد البعض أن انتخابه سيمثل نهاية للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

من جانبها، تحلم القوى العظمى هي ايضا بأن يحل روحاني القضية النووية بعصا سحرية. هذا التضخم في التوقعات قد يعرقل رئاسة روحاني قبل بدايتها.

لا أحد يعلم كيف ستكون فترة رئاسة روحاني. ينبغي علينا أن نصبر لنرى ما إذا كان قد شكل وزارة خاصة به وضمن السيطرة على الوزارات الأساسية مثل الأمن والاستخبارات والخارجية والدفاع والداخلية والنفط.

وقد قيل لي إن روحاني يتفاوض مع خامنئي للبدء بخطوة رمزية رئيسة مثل إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة على رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي، ورئيس البرلمان الإيراني السابق مهدي كروبي. على الساحة الدولية أشارت تقارير إلى أنه طلب إذنا بأن تكون جولته الخارجية الأولى إلى السعودية لتخفيف التوتر في المنطقة والعثور على حل مشترك للمأساة السورية.

من يعقدون آمالا كبيرة بشأن روحاني، سيحسنون صنعا بخفض توقعاتهم، ففي النهاية ستعود الكلمة الفصل، في النظام الخميني، إلى المرشد الأعلى. فقد أعاد خامنئي خلال العامين الماضيين تأكيد سلطاته بمزيد من القوة، وعازم على أن ينظر إليه على أنه صانع القرار الوحيد في إيران.

وككل سابقيه من الرؤساء يتوقع أن يصطدم روحاني مع المرشد الأعلى، لكن المهم هو الطريقة التي سيقع بها هذا الصدام.

لحسن حظه لم يقطع روحاني أي وعود. كان رمز حملته (مفتاح فضي) خيارا واضحا.. المفتاح يفتح باباً، لكننا لا نعلم دائما ما يكمن خلف الباب الذي يفتحه.

عبدالله هادي
21-06-2013, 10:42 AM
هل يغير الرئيس الإيراني الجديد سياسة بلاده تجاه العرب؟



بعد ثمانية أعوام من رئاسة أحمدي نجاد، تجري اليوم انتخابات لاختيار الرئيس الجديد للجمهورية الإسلامية في إيران. ولما كانت العلاقات بين العرب وإيران قد دخلت في أصعب مراحلها خلال رئاسة أحمدي نجاد، فهل هناك فرصة لأن يقوم الرئيس الجديد ببناء علاقات جديدة بين إيران والعرب؟

خلال السنوات الثماني التي مضت تدخلت إيران في الشؤون الداخلية للبحرين واليمن، كما جرى الكشف عن خلايا تجسس لصالح إيران في بعض دول الخليج. وبينما عملت طهران على الإسراع في تطوير قدراتها النووية بحيث باتت قريبة من تحقيق القدرة على إنتاج السلاح النووي، قامت ميليشيات حزب الله التابع لإيران بالمشاركة في الحرب ضد الثوار في سوريا، ورفعت أعلامها الطائفية فوق مواقع احتلتها في هذا البلد العربي، تنفيذا لأوامر طهران.

ورغم تقدم نحو 600 مرشح، فإن مجلس صيانة الدستور لم يسمح إلا لثمانية منهم بالترشح، أصبحوا الآن ستة بعد تنازل اثنين. والملاحظ هذه المرة غياب الصراع التقليدي الذي كان موجودا في السنوات الماضية بين المتشددين والإصلاحيين، حيث اختفى زعماء الإصلاح الذين كانوا يطالبون بفتح قنوات الحوار مع الغرب، مثل خاتمي ورفسنجاني وموسوي وكروبي منذ 2009. وأصبحت المنافسة على كرسي الرئاسة هذه المرة منحصرة داخل التيار المحافظ نفسه، وهو التيار الذي يسيطر على غالبية مقاعد مجلس الشورى.

وبينما وقف الرئيس السابق محمد خاتمي وباقي الإصلاحيين وراء حسن روحاني المرشح المعتدل، يميل المعسكر المحافظ إلى تأييد علي أكبر ولايتي الذي كان وزيرا للخارجية. ورغم إعلان روحاني عن رغبته في تحسين علاقات إيران مع دول الخليج والدول الغربية، فهو لم يعلن صراحة عن توقف بلاده عن التدخل في الشؤون العربية أو دعم حكومة بشار الأسد في سوريا بالسلاح والمقاتلين، بل لا يزال يرى دورا لبشار الأسد في الحكومة الجديدة.

ويبدو أن دعاية المرشحين تركزت على إقناع الجماهير بقدرتهم على التفاهم مع الغرب حتى ترفع العقوبات المفروضة على إيران، من دون التحدث عن استعداد أي منهم للتنازل عن الطموح النووي لتحقيق هذا الهدف؛ إذ أدت العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن الدولي إلى جانب تلك التي فرضتها الدول الأوروبية والولايات المتحدة على إيران، إلى تدهور الاقتصاد الإيراني إلى حد كبير؛ ارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى ثلاثة ملايين، وانهارت قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار بنسبة عالية، مما أدى إلى زيادة التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية واختفاء بعضها تماما من السوق، من بينها أصناف الدواء المستورد.

وكان الخلاف بين إيران والغرب منذ وصول أحمدي نجاد إلى كرسي الرئاسة عام 2005 قد تسبب في إصدار مجلس الأمن الدولي 4 قرارات بتوقيع عقوبات اقتصادية على بلاده، مما أحدث أزمة اقتصادية ومالية خطيرة في البلاد. وظل أحمدي نجاد يهدد بظهور الإمام الغائب الذي قيل إنه اختفى منذ أكثر من ألف عام، وهو الذي سيهزم الغرب ويتولى تحرير القدس بعد الحصول على السلاح النووي. وها هو أحمدي نجاد يغادر قصر الرئاسة من دون أن نسمع شيئا عن عودة الإمام الغائب، وبدلا من تحرير القدس أرسل أحمدي نجاد ميليشياته للحرب ضد شعب سوريا في حلب والقصير.

وعندما زار الرئيس الأميركي باراك أوباما إسرائيل مؤخرا ناشد أوباما إيران حل الخلافات مع واشنطن والدول الغربية الأخرى حول طموحاتها النووية. وقال أوباما إن «قادة إيران يقولون إن برنامجهم النووي هو من أجل الكهرباء وبرنامج البحوث الطبية، ومع هذا فهم حتى الآن لم يتمكنوا من إقناع المجتمع الدولي بأن أنشطتهم النووية هي لأغراض سلمية فقط». لكن طهران لا تزال ممتنعة عن الاستجابة لهذا الطلب.

وعلى هذا فإن احتمال تراجع الرئيس الإيراني الجديد عن سياسة سلفه، تظل ضعيفة للغاية؛ ذلك أن قضايا السياسة الخارجية لإيران ليست من صلاحيات الرئيس، الذي عليه الالتزام بتنفيذ قرارات المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية. فبعد وفاة الإمام الخميني قبل نحو ربع قرن، جرى اختيار علي خامنئي ليحل مكانه مرشدا أعلى للجهورية الإسلامية، وتعاقب على كرسي الرئاسة ثلاثة أشخاص في هذه الفترة: هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وأحمدي نجاد، كان المرشد خلالها صاحب القرار الأخير فيما يخص المشروع النووي وتصرفات الحرس الثوري.

وقد أعلن أحمدي نجاد صراحة أنه لم يكن مسؤولا عن سياسة إيران النووية، حيث إن الكلمة الأخيرة في هذا الملف ترجع إلى المرشد الأعلى علي خامنئي. فهل يعيد المرشد حساباته ويدرك أن مصلحة إيران في المدى الطويل، هي في توثيق علاقات الصداقة مع جيرانها العرب وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية؟

عبدالله هادي
22-06-2013, 07:54 PM
سوريا.. لا غالب ولا مغلوب!



في لغة تعكس الشعور بالانتصار في سوريا قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إنه يمكن اعتبار الصيغة اللبنانية «لا غالب ولا مغلوب» كحل أمثل للأزمة السورية! ولم يكشف حوار المسؤول الروسي مع صحيفة «الحياة» عن هذه الرؤية وحسب، بل إنه ناقض بوضوح كل ما قاله الأسد وحزب الله عن التدخلات الأخيرة بسوريا!

المسؤول الروسي قدم رواية تناقض كل المبررات التي قدمها الأسد وحسن نصر الله لتدخل حزب الله بالأزمة، حيث كشف بوغدانوف عن لقاء جمعه بنصر الله الذي قاله له إن حزب الله لم يكن لديه أي رغبة في التدخل إلا «عندما وصلت المعارضة المسلحة إلى دمشق. وأن هؤلاء آلاف من المسلحين بشكل جيد جدا ويضمون في صفوفهم مقاتلين أجانب وجهاديين. وأن الحزب درس الموقف وعندما رأى أن ثمة خطرا جديا أن تسقط دمشق قرر أن يتدخل ويساعد أصدقاءه وحلفاءه في دمشق»! وهذه المعلومات بالطبع تكشف عن كذب مبررات تدخل حزب الله التي ساقها نصر الله حين قال إنه «تدخل لحماية ظهر المقاومة»، بينما هدف التدخل كان حماية عميل إيران بسوريا الأسد.

والسؤال هنا هو: ما هي مدلولات الصيغة اللبنانية «لا غالب ولا مغلوب» في سوريا؟ وبالطبع فإن صيغة «لا غالب ولا مغلوب» هذه تعني، بأحسن الأحوال، رحيل الأسد وبقاء النظام، وقد تكون انتخابات 2014 هي المخرج المناسب لذلك، كما تعني أن موسكو قد تسعى لاتفاق سوري على غرار اتفاق الطائف اللبناني، أو صيغة المحاصصة الطائفية في العراق، وكل ذلك بالطبع أمر غير قابل للتنفيذ، بل يجب ألا يحدث أساسا، فمن شأن ذلك أن يقلب معادلة التركيبة القائمة بالمنطقة وللأسوأ، وكما ذكرنا ذات مرة، فقد نرى النظام الأسدي وهو يزور حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لتشكيل حكومة سوريا، وعلى غرار ذهاب اللبنانيين لدمشق، ومنذ سنوات، لتشكيل الحكومة اللبنانية، مما يعني أن إيران هي الحاكمة لكل من سوريا ولبنان والعراق، وما سيتبع ذلك بالطبع، فالمسألة لن تتوقف على ما هي عليه الآن.

وعندما يتحدث المسؤول الروسي بشعور الانتصار، ومثله الأسد وإيران وحزب الله، فهذا كله بسبب الخدعة الروسية للأميركيين، حيث ألهت موسكو واشنطن بفكرة مؤتمر جنيف 2 بينما زادت روسيا مع إيران من دعمهما العسكري للأسد، إضافة إلى تدخل حزب الله، ولذا تحاول موسكو الآن استغلال شعور الانتصار هذا بتطبيق صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، ويحدث كل هذا بالطبع وسط التخاذل والتردد المستمر لإدارة أوباما التي لا تملك للآن رؤية واضحة لما يجب فعله بسوريا، مما يعني أننا أبعد ما نكون عن الحلول السياسية، وهو ما يعزز ضرورة تسليح الثوار السوريين، بل والتدخل العسكري أيضا، حيث لا حلول أخرى، خصوصا أننا نتحدث عن أسوأ نظام إجرامي، وليس عن خلاف سياسي وحسب.

عبدالله هادي
22-06-2013, 07:55 PM
بوتين.. والخاتم العجيب



أشهر خاتم «سياسي» مؤخرا، هو خاتم الثري الأميركي روبرت كرافت، الذي قال: إن رئيس روسيا فلاديمير بوتين قد سرقه منه، ثم عاد هذا الثري الظريف وقال: إنه «يمازح» الرئيس بوتين، لكنه بالفعل استفز الكرملين، ودفع الناطق باسم زعيم روسيا بوتين، السيد ديمتري بيسكوف، إلى المنافحة عن كرامة رئيسه، وأن الثري الأميركي يكذب، فقد كان هو قريبا جدا منه حين قام بإهداء الخاتم المرصع بالماس إلى رئيسه، وأن الخاتم يقبع في ركن الهدايا الرسمية في قصر السلطة بموسكو.

في التفاصيل فقد نفت الحكومة الروسية مزاعم سرقة الرئيس فلاديمير بوتين، خاتما يعود لرجل الأعمال الأميركي، روبرت كرافت، أثناء زيارة الأخير لروسيا عام 2005. بحسب تصريح ديمتري بيسكوف، المتحدث بلسان بوتين لـ(سي إن إن).

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» أن كرافت أخبر جمعا من الحاضرين بحفل عشاء، أقيم بفندق (ولدروف - أستوريا) بأن الرئيس الروسي سرق خاتمه الذي تتجاوز قيمته 25 ألف دولار، وأنه يريد استرداده.

الخاتم المرصع بالماس، يقدم كجائزة لاتحاد فريق كرة القدم القومي ينالها الفائز بالبطولة السنوية، وكرافت هو مالك فريق (نيوإنغلاند باتريوت). طبعا من المحال أن تكون تهمة الثري الأميركي صحيحة، والأقرب أنها دعابة منه، لكنها دعابة ثقيلة ومزعجة، وإلا لما اضطر السيد بيسكوف أن يساجل السيد كرافت، ويرد عليه الصاع صاعين.

بوتين زعيم دولة غنية وقوية وشاسعة المساحة، نووية، زراعية، صناعية، تاريخية، وأخيرا زعيم دولة أجبرت 7 دول، يفترض أنهم كبار العالم، على اعتماد كلامه وصيغته فيما يخص الأزمة السورية، ولم يجد باراك أوباما، رئيس أميركا، من حل سوى تقطيب الحاجبين، وعدم النظر بود تجاه بوتين، وكفى الله المؤمنين القتال!

ربما كان هذا الثري الأميركي الظريف، والواسع الحيلة، يحاول التودد للزعيم بوتين، أو ربما - وهذا وارد جدا نظرا لقلة حيلة أوباما - كان يحاول مساندة الرئيس باراك أوباما، ولو من خلال الضغط الإعلامي والعاطفي على صورة بوتين، أو ربما يريد استعادة هذا الخاتم العجيب، حتى يسترد أوباما قوته المخفية، التي يظن أنها مختزنة بشكل سحري في فصوص هذا الخاتم، ويكون الثري كرافت يحاول التشبه بـ(فرودو) في فيلم (سيد الخواتم) الذي يهرب بالخاتم من الوقوع في قبضة اللورد الشرير، في جبال الموريا. هل لو عاد الخاتم إلى أميركا تعود القوة والرؤية والهمة، بدل الغرق في مياه التنظير الموحلة؟

الأكيد أن الخاتم الأميركي موجود، الآن، في خزائن الكرملين.

عبدالله هادي
22-06-2013, 07:57 PM
هل يمكن تجاوز الطائفية في المدى المنظور؟


اسمحوا لي أن أتحدث لكم الآن عن شيء يقلق عالمنا العربي والإسلامي كله حاليا هو: الطائفية. ومنذ البداية أقول لكم لا تستمعوا إلى تصريحات بعض المثقفين والقادة السياسيين عن الموضوع فإنها في معظمها ديماغوجية: أي لغة سهلة وشعارات فارغة ومزايدات ليس إلا. الطائفية عقيدة أكثر خطورة وجدية مما نظن. إنها مغروسة في أعماق الوعي الفردي والجماعي والتخلص منها يتطلب عدة أجيال. لتوضيح ذلك سوف أروي لكم القصة التالية. بعد وصولي إلى فرنسا بسنوات قليلة كنت أسكن مرة في المدينة الجامعية - البيت الألماني على ما أذكر. وهناك تعرفت بالصدفة على فتاة جذابة فرحت أنسج حولها الأوهام إن لم أقل الأحلام. ولكن من دون جدوى. فكلما التقينا لا تتحدث لي إلا عن نفس الموضوع: الاضطهاد التاريخي للبروتستانتيين في فرنسا على يد الكاثوليكيين الطغاة. أنا أتحدث لها عن العشق والغرام وألف ليلة وليلة وهي تتحدث لي عن الصراعات اللاهوتية الكاثوليكية - البروتستانتية. أنا هارب من سوريا والمنطقة كلها بسبب الصراع السني - الشيعي فإذا بي أسقط في صراع من نفس النوع ولكن في دين آخر! قلت بيني وبين نفسي: ولكن هذا الموضوع انتهى في فرنسا منذ أكثر من مائة سنة، فلماذا تظل مهووسة بشيء أصبح في ذمة التاريخ؟ لماذا لا تحسد نفسها على أنها تعيش في بلد علماني حديث يؤمن لها حق المواطنة الكاملة تماما كأبناء الأغلبية الكاثوليكية؟ من الأشياء التي أتأسف عليها في حياتي أني لم أستطع الاستماع إليها كما يجب لأني كنت مهووسا بها آنذاك كامرأة لا كإنسانة ولا كمثقفة. وهكذا فوّتُ على نفسي فرصة ذهبية لتعميق النقاش معها حول موضوع فكري - سياسي من الدرجة الأولى. ولكني استفدت من ذلك لاحقا عندما انخرطت في علم الأديان المقارنة. واكتشفت أنه لا يمكنك أن تفهم المشكلة الطائفية بشكل صحيح وعميق إذا ما بقيت سجين دين واحد فقط. ينبغي أن تطلع عليها من خلال عدة أديان أو على الأقل دينين كبيرين كالإسلام والمسيحية لكي تفهم الأمور على حقيقتها ومن أوسع أبوابها. عندئذ عرفت كيف حلت الدول المتقدمة المشكلة الطائفية بشكل جذري. «مبروك عليهم»!

القصة الثانية التي سأتحدث لكم عنها حصلت قبل سنوات قلائل فقط: أي بعد أن أصبحت متعمقا في تاريخ فرنسا وقادرا على النقاش مع أي امرأة حول أي موضوع من دون الهوس بها كامرأة! في إحدى المرات كنت في المكتبة أفتش عن الكتب التي تعجبني أو تهمني. وفجأة وقع بصري على كتاب تتصدر غلافه صورة امرأة جميلة مشرقة فأخذته فورا. بالمناسبة اكتشفت مؤخرا أني قد أعشق «حتى على الصورة»! ولله في خلقه شؤون.. مثلا في إحدى المرات كنت أقلب صفحات كتاب قديم وفجأة وقع بصري على الوجه الرائع للحسناء الفاتنة «لوّ أندريا سالومي» فوقعت في حبها على الفور، وأكاد أقول بالضربة القاضية! وعندما استفقت من غيبوبتي قلت: والله نيتشه معذور لأنها جننته، و«بول ري» لأنه انتحر من أجلها، وريلكه لأنها دمرته، الخ. فإذا كانت الصورة قد دوختني فما بالك بالحقيقة؟ إن العيون التي في طرفها حورٌ... لكن لنعد إلى صلب الموضوع بعد هذا الفاصل الموسيقي القصير. عندما فتحت الكتاب المذكور وجدت أنه يتحدث عن الصراع الكاثوليكي - البروتستانتي بشكل حي ومباشر. فالمؤلفة التي وضعت صورتها على الغلاف ما هي إلا كاتبة بروتستانتية تدعى فريدريك هيبرار. وهي ابنة أحد كبار المفكرين البروتستانتيين في فرنسا وعضو الأكاديمية الفرنسية أندريه شامسون. وعم يتحدث الكتاب؟ عن قصة زواجها بشاب كاثوليكي تعرفت عليه بالصدفة في الجامعة. ومعلوم أن الحب لا يعترف بالحواجز والحدود. إنه العدو اللدود للطائفية والطائفيين. ولكنهم أحيانا قد يتآمرون عليه ويقتلونه!

وعندما أرادت تقديمه إلى عائلتها كان من الأسهل عليها أن تقول إنه يهودي أو حتى عربي مسلم وليس كاثوليكيا! وقد شعر والدها وكأن الطامة الكبرى قد نزلت على رأسه عندما عرف أنه ينتمي إلى المذهب المضاد: أي مذهب الأغلبية الكاثوليكية. ماذا يا ابنتي: أتأتيننا بواحد كاثوليكي إلى البيت؟ العدو التاريخي! هل تعرفين كم اضطهدونا وعذبونا واحتقرونا على مدار التاريخ؟ ومع ذلك فقد أنجبا الأولاد وعاشا أجمل حياة ولا يزالان. فهل الحب أقوى من الطائفية؟ من دون شك. إنه أقوى من الموت!

إليكم أيضا قصة أخرى من فرنسا قد تساعدكم على تشكيل فكرة عن علم الطائفية المقارن. يقال إن والد الجنرال ديغول، الأستاذ هنري ديغول، دعا في إحدى المرات زميله في التعليم إلى البيت للعشاء. وقد شاءت الصدفة أن يكون بروتستانتيا. وأما عائلة ديغول فهي كاثوليكية عريقة أي تنتمي إلى مذهب أغلبية الشعب الفرنسي. فحصلت فضيحة في البيت. مدام ديغول الكاثوليكية جدا لا يمكن أن تستقبل على المائدة شخصا كافرا زنديقا! إنه ينجسها. فما العمل؟ ولا أعرف كيف حلت المشكلة في نهاية المطاف. على أي حال نخطئ إذ نظن أن داء المذهبية مقتصر على الإسلام، والسنة والشيعة، إلخ.. إنه موجود في كل الأديان.

أخيرا إليكم هذه القصة عن زعيم العلمانية الفرنسية من دون منازع: إنه القائد السياسي الكبير جول فيري. فقد وقع بالصدفة في حب امرأة بروتستانتية فتزوجها من دون أي تردد لأنه عدو حقيقي للطائفية. وهو الذي قبرها أصلا عندما أسس لأول مرة المدرسة الابتدائية العلمانية المجانية في كل أنحاء فرنسا. وهي المدرسة التي تعامل الجميع على قدم المساواة ولا تقيم أي تمييز بين الأطفال على أساس طائفي. وخاض بسبب ذلك حربا ضروسا ضد رجال الدين الكاثوليكيين، أي ضد رؤساء طائفته بالذات. ويقال إنه شعر بالاختناق من كثرة ما عرقلوا مشاريعه وناوشهم وناوشوه. ولكن المشكلة هي أنه عندما قدم زوجته الشابة إلى العائلة لكي تتعرف عليها رفضت أخته الكاثوليكية المتشددة مصافحتها! لقد رفضت أن تضع يدها في يد زنديقة بروتستانتية لكيلا تنجسها! نقول ذلك على الرغم من أن زوجته كانت من عائلة أرستقراطية مشهورة ولكنها تبقى بروتستانتية أقلوية، وهذه نقيصة لا تغتفر. فهل تريدون دليلا آخر على مدى تجذر العصبيات الطائفية في العقول؟

وبالتالي فإذا كانت دولة مثل فرنسا لا تزال تحصل فيها مثل هذه الحوادث المتفرقة فما بالكم بنا نحن؟ فرنسا عاشت عدة ثورات علمية وفلسفية ولاهوتية متلاحقة على مدار القرون الماضية. وهي ثورات نظفتها من العقلية الطائفية القديمة تنظيفا وطهرتها تطهيرا. كما وشهدت أكبر صراع جدلي خلاق بين العقل الديني والعقل الفلسفي في حين أننا لم نشهد بدايات بداياته حتى الآن. آسف أن أقول لكم بأنه لا يوجد حتى هذه اللحظة فكر جاد ومسؤول عن الطائفية في العالم العربي. ماذا يوجد إذن؟ يوجد كلام الطوائف فقط: أي ذلك الكلام الموروث أبا عن جد منذ مئات السنين والذي لا هدف له إلا تبجيل الذات وتحقير الآخر أو حتى تكفيره. ولهذا السبب أقول إن المشكلة طويلة جدا وإنه ما دامت لم تحل فكريا فلا يمكن أن تحل سياسيا في المدى المنظور.

عبدالله هادي
22-06-2013, 07:58 PM
سنة تقاتل أخرى في سوريا



قمة الكبار السبعة خيبت الآمال، ولا سيما آمال السوريين الذين باتوا يتكلون على المجتمع الدولي لإنقاذهم من جحيم الحرب الأهلية.. وحده الرئيس الروسي خرج من الاجتماع متباهيا بأن بلاده سوف تواصل مد النظام السوري بالسلاح ومحذرا من فرض حصار جوي على الأجواء السورية ومتهما المعارضة السورية «بأكل لحوم البشر» (متجاهلا قتل النظام مائة ألف من المواطنين وتشريده الملايين من منازلهم وتدمير قرى ومدن بكاملها). أما الرئيس الأميركي فلقد تميز موقفه من الثورة الشعبية السورية بالفتور والتردد رغم تلميحه بمد المعارضين بالسلاح «من طرف شفتيه» وبشروط.. ولا عجب، فالرئيس أوباما اتخذ منذ أشهر قراراته بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وقضية السلام، وهي تتلخص بعدم خوض حرب جديدة في المنطقة وبسحب القوات الأميركية من أفغانستان ومقاومة الإرهاب بوليسيا في الداخل و«جويا» في الخارج. أما بالنسبة للقضية السورية فإنه يشاطر بوتين تخوفه من الإسلاميين الجهاديين المتطرفين ووقوع سوريا في قبضتهم بعد الأسد، ويفضل حلا سياسيا لوقف التقاتل في سوريا.

الحدث الثاني كان فوز روحاني «الإصلاحي المعتدل» في الانتخابات الرئاسية الإيرانية وإعلانه «مد يده» للمجتمع الدولي ودول المنطقة. وهو إعلان رحب به الجميع ولم تتحفظ عليه سوى إسرائيل عبر تصريح بعض المسؤولين فيها بأن سياسة إيران الإقليمية ومشروعها النووي لن يتوقفا وأن الكلمة الأخيرة هي لمرشد الثورة وأن انفتاح الرئيس روحاني - كانفتاح الرئيس خاتمي سابقا - سيبقى مجرد أمنيات. أولم يؤكد الرئيس الإيراني الجديد على مواصلة إيران دعمها لنظام الأسد حين صرح - بكل براءة - بأن الشعب السوري هو الذي يقرر مصير حكمه.. «في انتخابات عام 2014»، أي بعد سنة ونيف؟ أي في انتخابات يشرف عليها الأسد وأعوانه! ترى هل سيبقى في سوريا ناخبون إذا استمرت الحرب الأهلية سنة أخرى واستخدمت فيها الأسلحة الصاروخية الروسية و«الأسلحة الخفيفة الغربية»؟

إن روسيا وإيران لن تتخليا عن الورقة السورية أي عن الرئيس الأسد وفريقه الحزبي الطائفي. أما الدول الغربية والدول العربية عموما فإنها تكتفي بتقديم مساعدات قليلة ونصائح كثيرة.

أحداث أخرى زادت أوضاع الشرق الأوسط تعقيدا، والحرب الأهلية السورية دموية وخطورة على المنطقة ومنها ما يحدث في تركيا من انتفاض شعبي يشغل الحكومة التركية ويصرفها عن مساعدة المعارضة السورية. ولا يستبعد أن يكون هناك «أياد خارجية» من وراء تحريكها. ومنها فتح ممثلية لحركة طالبان في الدوحة يقال: إنها ستشهد محادثات أميركية - طالبانية ممهدة للانسحاب الأميركي من أفغانستان. ومنها امتداد شرارات الحرب الأهلية في سوريا إلى لبنان واصطباغها بلون شيعي - سني، قد يعيد لبنان إلى حرب أهلية جديدة. ومنها التوتر السياسي - الطائفي في العراق والتفجيرات اليومية التي لا تتوقف، بالإضافة إلى علامات الاستفهام المرتفعة فوق موقف النظام العراقي الحقيقي مما يحدث في سوريا؟

وإسرائيل في كل ذلك؟ كان لافتا تصريح بوتين بأن «بقاء نظام الأسد هو لصالح إسرائيل». لم يكتشف بوتين وحده هذه الحقيقة ولكن قصده من التذكير بهذه «المصلحة الموضوعية» بين إسرائيل والنظام السوري، إنما هي محاولة لضرب الحلف الأميركي - الإسرائيلي وتشجيع إسرائيل على الضغط على واشنطن لثنيها عن مساعدة المعارضة السورية. فإسرائيل في النتيجة يهمها أن تستمر الحرب الأهلية في سوريا أطول مدة ممكنة بل أن تنتقل شراراتها إلى لبنان والأردن والعراق، لكي ترتاح وتمضي في تغطية كل الضفة الغربية بالمستعمرات.

لقد تباهى النظام السوري - ومعه حزب الله - بالانتصار العسكري في القصير وقرر أن يتبعه بانتصار عسكري في حلب، مؤملا في أن تعزز هذه «الانتصارات» موقفه في مؤتمر جنيف، هذا إذا قبلت المعارضة بالمشاركة فيه. ولكن ثمة مؤشرات تدل على أن المعارك القادمة لن تحسم لصالح النظام. وحتى لو حقق مكاسب على الأرض، فإن موقف المعارضة لن يتغير: لا محادثات مع بقاء بشار الأسد رئيسا. وتلك هي العقدة الرئيسة ولا مجال لحلها إلا بقوة السلاح أو بتخلي روسيا وإيران عن دعمهما للنظام، وليس في الأجواء أي مؤشر عليه.

ثمة أمل ضعيف في حل سياسي تتردد أصداؤه في واشنطن وهو يقضي باتفاق واشنطن وموسكو على صفقة شاملة تبدأ «بوقف القتال وإرسال قوات للأمم المتحدة للمحافظة عليه فخروج المقاتلين غير السوريين من المعركة ونزع السلاح وتحييد الجيش السوري وتأمين رحيل سلمي للرئيس الأسد والحلقة القريبة منه وقيام حكومة انتقالية تشرف على تنفيذ هذا الاتفاق وترسم معالم الدولة السورية القادمة».. ولكن إذا كان هذا الحل منطقيا ومغريا ومناسبا لواشنطن وموسكو فكيف ومن يقنع الطرفين المتقاتلين في سوريا والدول الإقليمية التي تدعمهما به؟

القتال أو الثورة أو الحرب الأهلية في سوريا - لسوء حظ الشعب السوري - مستمرة سنة أخرى على الأقل. ومضاعفاتها في المنطقة لن تتوقف، وأخطرها بعث النزاع المذهبي - السياسي بين السُنة والشيعة الذي قد يؤدي إلى تفكيك أكثر من دولة في المنطقة، وإلى تحول الأمة العربية إلى «الرجل المريض» في القرن الحادي والعشرين.

عبدالله هادي
22-06-2013, 08:01 PM
هل يبيع الغرب حلفاءة استرضاء لرجل طهران الجديد؟



بانتخاب حسن روحاني الأسبوع الماضي رئيسا جديدا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، حصلنا على عدد وافر من التحليلات المرتبطة بالحدث، بعضها موضوعي والبعض الآخر عاطفي. لا جدال أن الفرد يمكن أن يؤثر في التوجه السياسي. هذا إن كان الأمر منوطا به كليا وبما يراه أو لا يراه من سياسات في إطار دستوري يعطيه كامل الصلاحية في إدارة الدولة، ذلك في الإطار الطبيعي، أما في فضاء السياسة الإيرانية التي نعرف، فإن على الجميع الانتظار قبل رفع علم التفاؤل؛ فرئيس الجمهورية الإيرانية يجد نفسه في وضع معقد، نتيجة إحاطة المؤسسات المختلفة المقيدة لحركته إحاطة السوار بالمعصم، وبعضها غير منتخب ولكن مؤثر.

الرؤساء الإيرانيون الأوائل كان لهم بعض الحرية في الحركة، ولكن بعد فترة الرئيس هاشمي رفسنجاني الثانية، أصبحت حركة رئيس الجمهورية الإيرانية مقيدة، الدليل مؤخرا ما قاله الرئيس المنتهية ولايته أحمدي نجاد، بعد نقاش عام سمح به بسبب الانتخابات، وانتقد موقفه في الملف النووي، قال إن الملف النووي ليس في يدي! قد يختلف روحاني من حيث الشكل عن أحمدي نجاد، أما من حيث الموضوع فإن طريق روحاني محاط بالمخاطر.

الفرق بين الاعتدال والتشدد في البيئة الإيرانية السياسية التي تراكمت ممارستها على مدار أكثر من ثلاثة عقود هي اللغة التي تستخدم في التعبير لا الفعل. لغة أحمدي نجاد تعبر عن خلفيته ومستوى تعليمه وخبرته، ولغة روحاني تفعيل ذلك، وهما متعاكستان، فالأخير ذلق اللسان يفكر قبل أن ينطق، والأول ينطق قبل أن يفكر. وصف روحاني نفسه بالاعتدال، وهذا الوصف له علاقة بالمقارنة بسابقه لا بالقضايا المطروحة على السياسة الإيرانية، وخاصة الخارجية، وهي ملفات ليس من السهل التعامل معها بشكل مختلف عما سار عليه السابق.

يبدو أن روحاني يعرف أكثر عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه الشعب الإيراني، خاصة الطبقة الوسطى منه التي تشعر بذلك الضغط، ويعرف أن عليه تقديم حلول لهذا الوضع الاقتصادي من خلال اتباع سياسة خارجية مختلفة، وما الانتصار السريع الذي حققه إلا تذكير بأن قطاعات واسعة من الشعب الإيراني تحاول التغيير الممكن في ظل نظام لم يعد بالإمكان تغييره في المدى المنظور.

في المعركة الانتخابية قال روحاني إنه يرغب في أن يرى إيران مثل سنغافورة وتركيا وكوريا الجنوبية، ولا بد من التذكير بأن تلك الدول حققت الكثير في أجواء من السلام، فهل يستطيع أن يعمل على إحلال السلام؟

الإجابة التي يبحث روحاني وطاقمه عن حل لها تتمثل في محاولة حل المعادلة الآتية: لا يمكن أن يتحقق وضع اقتصادي شبه مريح في الداخل مع استرخاء في الحريات إلا عن طريق الوصول إلى حلول وسطى في القضايا الخارجية المطروحة، الوصول إلى توازن مريح لطرفي المعادلة هو الذي سيكون الشغل الشاغل لروحاني، إلا أن عامل الزمن هنا مهم، فأمام روحاني (شهر عسل رأسي) من أجل الوصول إلى حل للمعادلة، قد يطول وقد يقصر، ولكنه ليس ممتدا، قبل أن تتراكم عليه معضلات المنافسين وأهل المصالح في النظام من جهة، وأيضا فقدان الشعبية جراء عدم تحقيق ما وعد به من جهة أخرى، فيقع بين كماشة الأعداء السياسيين وتخلي العامة. هو الآن أمام سباق زمني لا تنفع معه في النهاية ذلاقة اللسان أو حسن التعبير.

قضيتان في المعادلة تربطان الداخل بالخارج؛ الأولى هي الملف النووي الإيراني، والرجل له خبرة سابقة فيه، ولكن هناك هوة بين المطلوب الدولي والممكن الإيراني في هذا الملف. المطلوب الدولي وقف التخصيب والشفافية في الرقابة على الأعمال القائمة، وهما خطوتان صعبتان على الرئيس الجديد؛ لأن أول من يجب إقناعه بتغيير المسار في هذا الملف هو المرشد علي خامنئي، وحول الأخير الكثير من الصقور، وإن أمكن التوصل إلى حل ما في الثانية (أي الشفافية) فإن الأولى أي (التخصيب) سيكون التراجع عنها أو تخفيضها بمثابة إعطاء الخصوم الداخليين سلاحا يتمنون الحصول عليه، حيث إن قضية الملف النووي أصبحت اليوم، لدى قطاع واسع من الشعب الإيراني، قضية كرامة قومية قبل أن تكون سلاحا لجمهورية إسلامية!

الملف الثاني هو قدرة روحاني على تغيير مسار التدخل الإيراني في الخاصرة العربية، أو على الأقل تقليل تأثيره. كثيرون في إيران، خاصة الأجنحة العسكرية، يعتبرون أنهم حققوا انتصارا ضخما في تلك الخاصرة، فسوريا حليفة إلى حد أن القرار السوري أصبح يتشكل في معظمه في طهران، كما أن النفوذ مع بعض الشرائح التابعة لإيران في كل من اليمن والعراق ولبنان والبحرين أوراق سياسية واستراتيجية بذلت العسكرية الإيرانية، الحرس الثوري وفيلق القدس، الجهد الكبير لبناء رؤوس الجسور تلك التي تحتضن طهران غرفة القرار لأنشطتها، عدا بالطبع ملف الجزر الإماراتية، إضافة إلى النفوذ الإيراني في أفريقيا المحيطة بالعالم العربي.

جميع تلك العناوين في الملفين مطلوب من روحاني العمل على تخفيف الاحتقان حولها إن أراد الوصول، كما صرح أثناء المعركة الانتخابية «التعاطي بإيجابية مع العالم الخارجي» ولكن السؤال الكبير: هل يستطيع؟ بسرعة سوف يرى الرئيس الجديد أن هناك معارضة شديدة أولا من القوة العسكرية الإيرانية المستفيدة من تصعيد التدخل الإيراني في الخاصرة العربية التي ترى أنه يحقق أهدافا استراتيجية إيرانية قومية، ويتبع تلك المقاومة متشددون دنيويون قد يرون في أي تراخ اجتماعي - سياسي للحريات الاجتماعية أو السياسية، كما ترغب الطبقة الوسطى التي صوتت لروحاني، خروجا عن المألوف واعتدالا يجرح النقاء ويهدد نفوذهم.

إلا أن علينا أثناء متابعة التحليل رؤية ما يقدمه الغرب من إغراءات لمساعدة روحاني على حل المعادلة التي يواجهها؛ فالغرب سارع بمواربة الباب كي يدخل رجل طهران الجديد، أولا بحديث عن إدخال إيران في البحث عن حل سلمي في سوريا، وثانيا الإشارة التي تقدمها الولايات المتحدة في أفغانستان بفتح باب الحوار مع طالبان، رغم معارضة حليفها هناك، أيضا بالقيام بضغوط تحت تسميات مختلفة كي تحصل الجيوب الشيعية المرتبطة بإيران في بعض بلاد العرب بمساحة من العمل السياسي. هذه الجزرة التي بدأت تطل من ***** الغرب قد تجعل روحاني في موقف أقوى أمام منتقديه، وإن توجت في وقت لاحق برفع أو إيقاف بعض العقوبات، يكون قد حقق جزءا مما وعد به.

لم يتأخر روحاني في تخفيف مخاوف العسكر في الداخل، فقال في تصريح له إن الأسد (رئيس سوريا) يجب أن يبقى إلى عام 2014 سنة الانتخابات المقررة! كما لم يبدُ منه أي حث علني للخروج الآمن لحزب الله من سوريا، وهو الأمر الذي أجج عصب الخلاف المذهبي في المنطقة إلى أعلى درجاته، كما لم يأتِ على ذكر علاقته بـ«الإخوان» في مصر (المركز الرئيسي) والحليف القديم المتجدد لفكر الإسلام السياسي، وعلى ما يمكن أن يحدث بينهم من خلاف أو اتفاق.

ليس من المؤمل أن يغادر روحاني الحديث الطيب المرسل حول علاقات الجوار إلى الفعل المطلوب، ويصطدم بما بُني في الثماني سنوات الماضية من جدار التشدد الذي خلق في نفس الوقت منتفعين ليس من السهل التغلب على مصالحهم، إلا من خلال الحصول على جزرة علنية، وقد تأتي تلك الجزرة على حساب دول الخليج، فالسياسة لا تخلو من مفاجآت، ومن باع الحليف الأفغاني يمكن أن يبيع حلفاء آخرين.


آخر الكلام:
غير المعقول اللبناني مستمر، بعد أن ذهب البعض إلى رئيس الجمهورية وطلب منه أن يضغط ليسحب حزب الله مقاتليه من سوريا؛ إنقاذا للبنان! وهل بقي في لبنان الدولة شيء، بعد أن ارتضت أن يحمل طرف سياسي السلاح حتى أسنانه؟!

عبدالله هادي
22-06-2013, 08:07 PM
مذبحة «فكرية» في الأقصر



الأقصر وأسوان مدينتان ساحرتان في صعيد مصر، بل هما أيقونتا صعيد مصر «الجواني» كما يطلق عليه المصريون. والأقصر تحديدا مدينة صغيرة حالمة بها عدد بسيط من سكان مصر، خليط محترم ومتوازن من أبناء مصر بمختلف خلفياتهم، كانت في تاريخها تعتمد على الزراعة ثم تحولت إلى مركز للاستقطاب السياحي، والأقصر تعتبر قصة نجاح لأثر صناعة السياحة على مدينة وكيف أن السياحة تحولت إلى مصدر دخل أساسي تقريبا لسكانها وتجارها.

والأقصر أكثر مدينة تتأثر مع الانتعاش السياحي ويلحظ عليها فورا آثار ذلك بالتوظيف المستمر أو المؤقت لشبابها ورجالها، ويلحظ آثار الرخاء على أهل المدينة بشكل واضح، والعكس طبعا صحيح، فمع كل انتكاسة في السياحة بمصر سواء بسبب مذبحة الأقصر أو الثورة أو الاضطرابات، تصاب المدينة بانتكاسة اقتصادية حادة جدا ويصاب اقتصادها بالشلل التام، حيث إن السياحة هي الدخل الأول وعصب الإنتاج فيها. والأمم المتحدة تدرك ذلك الأمر وتدرك «قيمة» الأقصر في منظومة التراث العالمي وتعرف تماما أهميتها، لأنها بحسب اليونيسكو تحتوي وحدها على نسبة عالية من آثار العالم وحضاراته الموثقة.

ولم تحظ الأقصر بمكانتها المستحقة كمحافظة حقيقية مثلها مثل محافظات أخرى إلا في عام 2009، وذلك بعد سلسلة من المحاولات لإقناع النظام وقتها بأن الأقصر تستحق أن تكون محافظة ولها كيانها المستقل بدلا من أن تكون إدارة صغيرة وهامشية، وجيء عليها بمحافظين مهمين منهم من كان متألقا مثل الدكتور سمير فرج الذي شهدت المدينة في وقته حراكا مميزا نال رضا السياح والمواطنين على حد سواء، ثم عزت سعد لفترة حتى كانت الطامة الكبرى التي حصلت باختيار محافظ جديد لها أخيرا في شخص عادل الخياط، وهو الرجل الذي كان أميرا (زعيما قياديا) في الجماعة الإسلامية السلفية الجهادية، المعروف تورطها في مذبحة الأقصر المريعة التي أودت بحياة العشرات من السياح جلهم من السويسريين في مأساة كادت تقضي على السياحة في مصر تماما وأثرت عليها سنوات طويلة جدا، وباتت تعرف بمذبحة الأقصر وأطاحت بوزير الداخلية وقتها حسن الألفي وقيادات كبرى.

والرجل يأتي من فكر يؤمن بحرمانية السياحة وضرورة هدم التماثيل لأنها أوثان أو تغطيتها. وما إن أعلن عن هذا التعيين العجيب حتى ألغت شركة «توماس كوك» السياحية العملاقة برنامجها لمصر وألغت كافة الحجوزات، واعتبرت كذلك سويسرا أن القرار فيه إهانة لها وأبدت استياءها واستغرابها. أما عن سكان الأقصر والأهالي العاملين بالسياحة فيها، فحدث ولا حرج.. استشعر الأهالي البسطاء بفطرتهم أن هذا القرار هو بمثابة رصاصة الرحمة على عملهم في السياحة والقضاء على فرحتهم بالعمل اللائق، وبدأوا في الاعتصام محتجين على هذا القرار وتفاعلت وسائل الإعلام وقادة صناعة السياحة في البلاد مع الخبر، وكان الأكثر صدمة هو وزير السياحة الذي كان يجوب الدنيا لإقناع السياح أن البلاد بخير وأنها مستعدة لاستقبال السياح ليصدم بهذا القرار ويقدم استقالته، لأنه بحسب المصادر المحيطة به لن يكون قادرا على «شرح» هذا التعيين وأسبابه للعالم ولا الدفاع عن القرار، لأنه بحسب رأيه مسألة غير قابلة للإقناع.

كانت الأهزوجة المصرية المعروفة تقول: «الاقصر بلدنا بلد سواح فيها الأجانب تتفسح، وكل يوم ساعة المرواح بتبقى مش عايزة تروح»، الآن نجح قرار «غريب» و«عجيب» في إزالة الفرحة من وجوه أهالي الأقصر وتأكيد أن هناك شيئا قبيحا يحاك لمصر، وأن هناك من يمهد لدخول الوجه الظلامي على حياة بسيطة وسمحة ووسطية. مسألة حزينة جدا ويبدو أن التسامح والوسطية سينضمان هما أيضا لآثار الأقصر.

مع تعيين محافظ الأقصر الجديد يصعب على المراقب ألا يتوقف عند فكره وانتمائه



--------------------------------------------------



من «العولمة» إلى «العوالم»!


«الظاهرة المصرية» هي التوصيف الأنسب لوصف المظاهرات الشعبية التي تحصل في أكثر من دولة حول العالم، وأبرزها كما بات معروفا في تركيا والبرازيل تحديدا. وكلها تحمل نفس الملامح وذات الشعارات التي ترددها الحشود والجماهير المحتشدة في الميادين والساحات العامة جميعا، كما يبدو وكأنها نسخة متكررة من مشاهد ميدان التحرير المعروفة التي كانت نقطة انطلاقة ثورة 25 يناير في مصر، ولكن شيئا ما يستحق التوقف عنده هنا لتحليل ما يحدث بدقة وتمعن.

نفس الدول الثلاث مصر وتركيا والبرازيل كانت كافة المؤشرات الاقتصادية الأساسية بها مرتفعة من مؤشرات خاصة بمعدلات الاستثمار المتدفق للبلد، وحراك البورصة الإيجابي ومعدلات التصنيع والتصدير المتصاعدة وتطور الرقعة الصناعية بشكل رأسي وأفقي واضح وبالغ الأهمية، ولكن كل ذلك لم يكن كافيا لأن يصل إلى طبقات كادحة ومحرومة وكبيرة عددا، وهذا النجاح الاقتصادي «رقميا» لم يكن وحده كافيا لأن يمد جسور الأمان لتغطية الهوة المالية السحيقة بين الطبقات في المجتمع، وبالتالي صار ينظر للنجاح الاقتصادي على أنه مكافأة للمقتدرين، وأن الغني يزداد ثراء والفقير يزداد فقرا، وبالتالي زادت حالات السخط والتذمر وطبعا الغضب، ولكن اللافت في هذه المجتمعات الثلاثة أنها كلها لها خلفية «اشتراكية» بنيوية رسخت تراكما من الإخفاقات والإحباطات وكانت بمثابة مخدر كامل للمجتمع لإيهامه أنه منتج ولديه اكتفاء ذاتي بينما واقع الأمر يقول إن البنية التحتية كانت تهترئ بالتدريج ورقعة الفساد كانت تتسع والإنتاجية تتدنى بشكل مرعب وسريع ومخيف، وعندما حل الانتقال إلى ليبرالية السوق والانضمام لخطوط العولمة والأسواق المفتوحة التي تشترط إزالة القيود وتحرير الأنظمة والقوانين وإزالة العقبات التي تعيق الاندماج مع أسواق العالم الأخرى لم تكن هناك الآلية الاجتماعية التي تحمي من الانتقال وتؤمن ضد آلام الانتقال والنمو وتخفض من آثار التكلفة المجتمعية الباهظة وهو ما كان.

ولعل الخاسر الأكبر والمصدوم الأول من جراء هذه المشاهد والمظاهرات هم من يعرفون باسم «العولميين» The Globalists وهم الذين يروجون لفكرة عالم واحد معولم بنفس الشروط والمزايا تحت سقف العولمة، ولعل أشهرهم عراب الفكرة الشعبوي الكاتب الأميركي توماس فريدمان، صاحب فكرة العالم المسطح التي كانت عنوانا لأحد كتبه المعروفة. حتى هذه الظاهرة انتقلت إلى الولايات المتحدة نفسها في الظاهرة التي عرفت باسم «احتلال وول ستريت»، وانتقلت بهدوء إلى بعض العواصم الغربية تشكو من ذات الأسباب ولكنها «قُتلت» أمنيا بسرعة. الميادين اليوم في بعض العواصم تحولت إلى ساحات «للعوالم السياسية» رافعين فيها الشعارات والأقوال المليئة بالمطالب والتحديات، منها ما هو هزلي ومنها ما هو جاد ومنها ما هو مستحيل ومنها ما هو مثالي، والعالم يراقب مدى سرعة انتشارها وقوتها ومدى القدرة التي لديها على الاستمرار.

العولمة كان لها نجومها وفرسانها، والمظاهرات (التي تبدو في ظاهرها سياسية ولكن بالتدقيق يبدو أن الأمر الأهم هو اقتصادي بالدرجة الأولى) يبدو أنها قد تشير إلى أن مرحلة العولمة سيعاد تقييمها مجددا، فكما كان للرأسمالية وللشيوعية ضحاياها يبدو أن موجة العولمة سيكون لها ضحاياها هي الأخرى.

نجحت العملية ومات المريض.. قد يبدو الوصف المناسب لحالات بعض الدول مع تجربتها مع العولمة.

عبدالله هادي
22-06-2013, 08:10 PM
هل هو (وميض أمل) في العلاقة السعودية ـ الإيرانية؟


من البدهي القول: إن الشيخ حسن روحاني كان يعلم قبل أن يترشح للرئاسة الإيرانية، وقبل أن يفوز بها من الجولة الأولى.. من البدهي أن نعرف أن الرجل كان على علم بالسياسة الخارجية لبلاده - إيجابياتها وسلبياتها - فرجل كان أمينا عاما للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لسنوات كثيرة لا بد أن يعلم تفاصيل الملف الكامل للسياسة الخارجية الإيرانية، ذلك أن هذه السياسة هي من صميم الأمن الوطني لكل دولة في عالمنا هذا.. يترتب على ذلك أن روحاني كان على علم بـ(حركة المد والجزر) في علاقة بلاده بدول الخليج العربي، وبالمملكة العربية السعودية على وجه التحديد.. ونحسب أنه بمقتضى هذا العلم سارع إلى أن يقول إن من أولوياته في المستقبل تعزيز العلاقة مع السعودية بوجه خاص.

وقبل التوغل في شأن العلاقات الثنائية، لعله من المناسب كتابة سطور عن الرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني؛ فلم يكد إعلان فوزه ينتشر حتى سارعت فضائيات وصحف وسارع محللون كثر إلى وصفه بأنه (إصلاحي) و(معتدل)... إلخ. لقد احتشى الكلام عن روحاني بالجهالة، والأماني المجنحة، أي الجهالة بسيرته الذاتية ودوره في الثورة والدولة الإيرانيتين (مثلا)؛ ليس يَتصور عاقل عليم أن رجلا تثق به الثورة والدولة إلى درجة أن يكون أمينا لأمنها الوطني، ليس يتصور عاقل عليم أن يكون هذا الرجل ممن تحوم حوله شبهة واحدة في إيمانه بولاية الفقيه، أو التفريط في الاستراتيجية الإيرانية الكبرى المتفق عليها، أو قلة الحماسة في (خدمة الدور الإيراني) إقليميا وعالميا.

ومع ذلك كله، نتمنى أن تكون إيران في عهده صديقة مخلصة للسعودية ابتغاء التعاون الوثيق بين البلدين على قضايا مشتركة، وهي كثيرة. فالدين والعقل يدعوان إلى (تكثير) الأصدقاء، وتقليل الأعداء: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».. والمنطق العقلاني يثوي في هذا النص القرآني ذاته. فمن العقل - في دنيا الناس - (تكثير) الأصدقاء، وكسر العداوات.. ومن الحمق قلب المعادلة، ومباشرة الضد. فالحمقى - وحدهم - هم الذين يقللون الأصدقاء بطيش، ويكثرون الأعداء بغباء.

نقلنا قبل قليل أمنية روحاني ورغبته في تحسين العلاقة مع السعودية.. وهذه بادرة حسنة بلا شك، ولذا تلقتها السعودية بالترحيب والقبول، وهو قبول تبدى في البرقية التي بعثت بها القيادة السعودية مهنئة روحاني بالفوز في الانتخابات الرئاسية. فخلاصة تلك التهنئة هي أن السعودية مستعدة لدفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى أمتن من التفاهم والتعاون والاحترام المتبادل، ولئن كان الظرف الزمني والمناسبة السياسية قضيا بهذا الترحيب، فإن إقامة علاقات طيبة ومثمرة مع العالم العربي الإسلامي، بل العالم كله مؤصّلة في نص دستوري، إذ نص النظام الأساسي السعودي للحكم في مادته (25) على أن «تحرص الدولة على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة، وعلى تقوية علاقاتها بالدول الصديقة».

لقد مر على الثورة الإيرانية نحو 35 عاما، وهي مدة كافية لأن تتحول إيران من (الثورة) إلى (الدولة)، وهو تحول تتطلبه طبيعة الدولة وحساباتها المبنية على المصالح، وعلى إقامة علاقات دولية ذات قوانين وتقاليد لا تحتمل (الثورة الدائمة).

لقد اضطر لينين إلى صياغة فلسفة عملية جديدة تضبط العلاقة بين (الدولة) و(الثورة)، وترجيح كفة الأولى على الثانية في القرار، والأداء، والعلاقات. فعل لينين ذلك عندما أدرك أن (أحلام الثورة) تنزل بالدولة أفدح الأضرار والمخاطر.

وفي إيران، حاول عقلاء إيرانيون وُلدوا من رحم الثورة وآمنوا بولاية الفقيه أن يفعلوا شيئا يوازن بين مطالب الثورة وضرورات الدولة، بهدف وقاية الدولة الإيرانية من (رومانسية) الثورة. فهل نجح هؤلاء فيما أرادوا؟ لقد تراوحت المحاولة بين النجاح والفشل من حيث الموضوع، وبين الاستمرار والانقطاع من حيث الزمن. ذلك أن للآيديولوجيا (أي آيديولوجيا) ضغطا وصخبا يرهبان العقلاء، أحيانا؛ فمنهم من يصمت تحت ضغط الرعب من الاتهام بالعمالة والخيانة.. ومنهم من يعتزل السياسة إلى حين، أو بإطلاق.

وها قد وصل إلى رئاسة الجمهورية الإيرانية رجل يوصف بالواقعية والاعتدال، فهل تتحول صفاته هذه إلى سلوك سياسي عملي، ولو في السياسة الخارجية، سلوك سياسي يعيد الحسابات بمنطق (مصلحة الدولة والتزاماتها ومسؤولياتها) وهو حساب يقول: إن الدولة الإيرانية في الآونة الأخيرة قد خسرت كثيرا بسبب جملة من المواقف حضرت فيها الآيديولوجيا بكثافة، وغاب أو ذبل فيها الحساب العقلاني المصلحي الجاف أو المجرد.. وتتأكد ضرورة الحسابات بالنظر إلى رؤية يجمع عليها الساسة الإيرانيون، تقريبا، وهي أن لإيران دورا إقليميا بحكم الجغرافيا والتاريخ والإمكانات والكثافة البشرية.. ولكن هذا الدور الإيراني لا يتبلور من خلال النزق والتضخم الآيديولوجي، وإنما يكون بالعقلانية والاحترام وحسن الجوار، وسمو اللغة، ويكون بإنشاء شبكة من العلاقات التجارية والاقتصادية يحرص الجميع على سلامتها من التدهور والفشل والكساد.

ويكون الدور، من جانب آخر، بـ(الوعي العميق) بمخططات الأعداء، وبالحرص البالغ على حماية الذات من أن تكون أداة ومدخلا لتحقيق أهداف أعداء الأمة في التمزيق والتفتيت.

يقول القادة الإيرانيون (دوما): إن أعداء الأمة الإسلامية يسعون باستمرار لضرب وحدتها، وهو قول صحيح، بيد أنه قول ينشئ مسؤولية عملية عظمى على هذا الذي تنبه لكيد الأعداء فحذر منه!!

والحق نقول: إننا لا نتصور علاقات طيبة بناءة في هذا الإقليم ما لم تكن السعودية وإيران هما نواة هذه العلاقة وقاعدتها الصلبة ومناخها الصحي.

ولعلنا نختم المقال برؤية موضوعية لتصحيح مسار العلاقة بين إيران وجيرانها الخليجيين.. ومن ملامح هذه الرؤية:

1 - الوعي بحقائق الجغرافيا والتاريخ، فجيران إيران لم يختاروا جيرتها، والعكس صحيح، وإذا كان ليس معقولا ولا مطلوبا ولا ممكنا هجرة أحد الطرفين أو كليهما من المنطقة، فإن البديل للهجرة المستحيلة هو التعايش العقلاني الحضاري المحترم، ونبذ كل ما يتعارض مع هذا التعايش من تشنجات وحماقات.

2 - الأقليات المذهبية لدى الطرفين هم مواطنون لهم كامل المواطنة أخذا للحقوق، وأداء للواجبات.

3 - بناء على (المواطنة الكاملة) لا ينبغي التشكيك في أقلية وطنية إلا إذا ثبت بدليل قضائي قاطع تلوث هذا الولاء بما يشينه. وهذا ينطبق على الأكثريات أيضا من الناحية القانونية.

4 - هذه الثقة بالمواطنة تترتب عليها مسؤوليات جسيمة، على رأسها أن لا تسمح أقلية ما لنفسها بتدخل دولة أخرى في شأنها، وإن كانت تلك الدولة تدين بمذهبها.

5 - كف الألسنة والأقلام عن السب المتبادل، ثم نقول بصراحة: إذا كانت العلاقة السوية البناءة بين السعودية وإيران لصالح البلدين، فإنها مطلوبة (كذلك) لصالح الأمة كلها، فالمنطقة تتقد بجمرات الصراع المذهبي، وليس هناك من هو أقدر على إطفاء هذه الجمرات من السعودية وإيران عبر تعاون صدوق وسمح وطويل النفس.


-------------------------
:509: رأيي الفكه منهم غنيمه

عبدالله هادي
23-06-2013, 11:26 AM
سوريا: مرحلة جديدة واستحقاقات مستقبلية



بعد طول تلكؤ أعلن البيت الأبيض تغيرا مهما تجاه الأزمة السورية، فهو أعلن عن تقديم «مساعدات عسكرية» وعن «تسليح المعارضة» وأعلن عن قناعته بأن «النظام السوري قد استخدم الأسلحة الكيماوية» وأن أميركا «ستدافع عن مصالحها في المنطقة» و«ستتفاهم مع حلفائها في دول الثماني».

كل واحدة من هذه العبارات المنتقاة بدقة تمثل معنى أو معاني جديرة بالملاحظة، وقد انتقل النقاش في أروقة الإدارة الأميركية من التسليح إلى فرض مناطق حظر جوي بل إلى ضرب المطارات التي يستخدمها نظام الأسد وضرب دفاعاته الجوية كما بدا متحمسا لذلك جون كيري وزير الخارجية، وهو اقتراح وإن رفضه رئيس هيئة الأركان الأميركية مارتن ديمبسي إلا أن دلالته مهمة في تجاوز مرحلة طالت من التردد والحيرة.

أما الدفاع عن المصالح الأميركية في المنطقة والتفاهم مع حلفاء الولايات المتحدة في دول الثماني وفي المنطقة ففيه إشارة جديرة بالملاحظة لتغيير اللهجة الأميركية تجاه الموقف الروسي المتعنت.

وعلى الرغم من التحفظ الذي أبداه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس تجاه تسليح المعارضة السورية والجيش السوري الحر فإن «مصادر دبلوماسية فرنسية قالت إن هناك (قرارا سياسيا) بالتجاوب مع الطلبات التي قدمها رئيس هيئة أركان الجيش الحر اللواء سليم إدريس الأسبوع الماضي للحصول على الأسلحة النوعية التي تحتاجها المعارضة» («الشرق الأوسط»، الجمعة).

وقد بدأ هذا التوجه الأميركي الفرنسي البريطاني تجاه التسليح يقع موقع التنفيذ فقد صرح اللواء إدريس بأن قوات المعارضة السورية قد حصلت بالفعل على «أسلحة نوعية» من شأنها حسب تعبيره أن «تغير الوضع على الأرض».

إذن نحن أمام تغير مهم تجاه الأوضاع في الأزمة السورية، والسؤال هو لماذا تغير الموقف الأميركي؟ وهل أخطأت روسيا في قراءة السياسة الأميركية؟ وهل تمادت شيئا فشيئا قبل أن تعدل أميركا موقفها؟ وما المواقف أو التطورات في المشهد السوري التي دعت أميركا لتغيير مواقفها؟

هذه أسئلة جديرة بالإجابة والتحليل. وتغير الموقف الأميركي له مسببات متعددة منها التمادي الروسي والتغلغل الإيراني الصريح، حزب الله وميليشيات عراقية، ومقاتلين حوثيين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد بدأت أميركا تحس بشك قوي يساور حلفاءها في المنطقة تجاه سياساتها ونجاعة التحالف الطويل الأمد معها، وبدأت تلك الدول تعلن مواقفها وسياستها وتتحرك وفقا لمصالحها وتجابه التغلغل الإيراني على كافة المستويات، ومن يتابع تصريحات وتحركات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل يمكنه أن يستنتج بسهولة أن السعودية ودول الخليج كانت مصممة دائما ومنذ البداية على مساندة الشعب السوري في كفاحه المرير ضد المحور الروسي الإيراني الذي تفنن في قتله، وبناء على هذه المواقف المبدئية فإن أميركا ليست مستعدة فيما يبدو لخسارة كل أولئك الحلفاء دفعة واحدة.

ستتغير قواعد اللعبة في الأزمة السورية من دون شك، وهذا التغيير سيكون رهنا لحجم التغير الذي ستفرضه النسب الكمية والنوعية وطبيعة التطبيق الواقعي لعبارات «المساعدة العسكرية» و«التسليح» التي وصلت إليها الإدارة الأميركية الحالية.

وبعد إعلان الموقف الأميركي اتجهت حكومة الإخوان في مصر إلى تغيير يبدو حادا في موقفها السابق الذي كان يساوم تجاه أزمة الشعب السوري فيضع قدما مع روسيا ويؤكد على تطابق المواقف تجاه سوريا ويفعل الأمر ذاته مع إيران، وهو موقف كما دفعت إليه الرغبة العارمة لدى الإخوان المسلمين في إرضاء الولايات المتحدة والدول الغربية فقد جاء - كذلك - استباقا لاحتجاجات واسعة تحشد لها المعارضة في 30 يونيو (حزيران) الجاري ضد النظام، وهي لم تغير موقفها بطريقة سياسية منهجية ومتئدة وإنما انتقلت من الانحياز مع النظام وإيران إلى المزايدة على الدول المساندة للشعب السوري منذ البداية.

إيران من جهتها وبنمط سياسي يمكن استقراؤه من تاريخ الجمهورية الإسلامية أي التصعيد برئيس متشدد لتحصيل أعلى المكاسب ثم المهادنة برئيس معتدل لتحصيل مكاسب أخرى وتعديل الأخطاء، وبناء على هذا النمط فقد اتجهت بقيادة المرشد الأعلى إلى اختيار - لا انتخاب - رئيس جديد يوصف بـ«الإصلاحي» و«المعتدل» هو السيد حسن روحاني، ويبدو أن مهمته الصعبة ستكون في تنظيف وتجميل سياسات إيران بعد ثماني سنوات عجاف قادها الرئيس السابق أحمدي نجاد برعاية كاملة من علي خامنئي ولم تؤد إلا إلى فشل ذريع تمثل في استعداء العالم وجيران إيران العرب ضدها.

يفترض بمؤتمر الدوحة لأصدقاء الشعب السوري (الذي يعقد السبت، قبل يوم من نشر هذا المقال) أن يضع النقاط على الحروف في بداية المرحلة الجديدة في الأزمة السورية وأن يستمع لما تحتاجه بلدان مثل تركيا والأردن في مواقفها المتقدمة والمهمة تجاه الأوضاع السورية وتبعاتها الحالية والمستقبلية عليها، وعلى الدول الصديقة للشعب السوري في المنطقة أن تقدم ما تستطيع لطمأنة المخاوف الأميركية المزمنة تجاه شبح حرب طويلة كفيتنام أو نتائج عكسية كما جرى في أفغانستان، أي خلق آليات محكمة لعدم وصول أي أسلحة لأيدي الإرهابيين الذين هم أعداء العالم بأسره.

تنبأ زبغينيو بريجنسكي في رؤيته لمستقبل الهيمنة الأميركية بأن «السيناريو الأكثر خطورة يتمثل في قيام تحالف أكبر بين الصين وروسيا، وربما إيران أيضا، وهو تحالف مضاد للهيمنة الأميركية لا توحده الآيديولوجيا بل التذمر المشترك» ومن سوء حظ السوريين أن يكون تجلي هذا التحالف على أرضهم وضد حياتهم وعلى حساب دمائهم ومستقبلهم بغض النظر عن الهيمنة الأميركية والصراعات الدولية.

إن تغير المواقف الدولية والسياسات الغربية تجاه الأوضاع في الداخل السوري مع الدعم اللامحدود من دول الاعتدال العربي وكذلك التوازن الجديد الذي سيحدث في موازين القوى على الأرض بين الجيش السوري الحر وبين جيش النظام وميليشيات إيران يجب أن يدفع المعارضة السورية لتوحيد صفوفها والوقوف صفا واحدا لتحمل المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها تجاه أي حل سياسي سيجري التفاوض بشأنه لاحقا ليكون تتويجا لمرحلة من الكفاح الطويل لشعب تعرض لأبشع الجرائم في هذا القرن الجديد، وأن تكون مستعدة لتبني نهج معتدل داخليا يضمن عدم تفشي التطرف والتشدد.

أخيرا، كتب هنري كيسنجر في مذكراته تعبيرا صدق فيه يقول: «إذا كان التاريخ يعلمنا شيئا، فهو عدم وجود سلام من دون توازن، ولا عدالة من دون اعتدال».

عبدالله هادي
23-06-2013, 11:27 AM
من سيقاتل حزب الله و«القاعدة» غدا؟



فريد زكريا الكاتب والمحلل السياسي سمعته يخالف دعوة السيناتور الأميركي جون ماكين لدعم الثورة السورية ضد نظام الأسد لإسقاطه، الحجة أن النتيجة ستكون أسوأ.

قال على «سي إن إن»، الحل هو في الابتعاد عن الأزمة السورية، لأن التدخل يعني التورط والمحصلة ستكون مروعة بخلاف الأهداف المتوخاة. مخطئ في الدعوة للاكتفاء بالتفرج على شاشات التلفزيون بحجة أن عدم التدخل سيعفي الدولة العظمى من نتائج الحرب لاحقا. هناك ثلاثة أسباب مستقبلية يفترض أن تقلق رجل البيت الأبيض عندما يأوي إلى فراشه.

الأول نهاية حصار إيران. أوباما الرئيس الأميركي الوحيد، منذ عهد ريغان، الذي عاقب إيران فعلا لا قولا بتطبيق سياسة العقوبات الاقتصادية بدلا من التهديد بتطبيقها. ما عوقبت به إيران في عامين أكثر إيلاما وتأثيرا عليها من كل ما فعلته واشنطن في عشرين عاما. إلا أن سوريا تمثل ركنا أساسيا في سياسة إيران الدفاعية، فإن سقط الأسد خسرت أهم حليف لها، وضعفت، وهذا ما عبر عنه أكثر من قائد عسكري ومدني إيراني لتبرير ذهابهم للقتال في سوريا. فإذا كانت واشنطن تلاحق إيران في أنحاء العالم حتى لا تبيع نفطها أو تقايض دولارات بعملتها إذن لماذا تتركها تنتصر في سوريا، بما يعني فرض سيطرتها على العراق وسوريا وبطبيعة الحال لبنان. هذا إذا كانت واشنطن معنية حقا بمحاصرة طهران إما لإجبارها على تغيير موقفها في الملف النووي، أو إضعافها إقليميا.

السبب الثاني صعود «القاعدة». حاليا، لا تكل الاستخبارات الأميركية في ملاحقة بضع عشرات من إرهابيي «القاعدة» في اليمن وقصف مواقعهم، فكيف تتجاهل سوريا وقد أصبحت أكبر مزرعة في العالم تنتج مقاتلي «القاعدة» وهم الآن أضعاف عددهم في اليمن. وبعد عام أو عامين ستضطر واشنطن لمواجهة «القاعدة» الجديدة في سوريا. أحد التقارير الصحافية ذكر بالقبض على خلية تقوم بتجنيد شباب في مدينة سبتة المغربية، تحت الحكم الإسباني، تخيلوا عمق نشاط التجنيد باسم سوريا الذي عم العالم الإسلامي وخارجه؟!

السبب الثالث خطر انهيارات ما وراء حدود سوريا. الأردن ولبنان وتركيا مهددة بسبب تداعيات الأزمة السورية، ونظام الأسد يريد تصدير أزمته لجيرانه. اليوم خمس سكان الأردن لاجئون سوريون، وسيتضاعف العدد خلال عام من الآن، فالعاصمة السورية لا تبعد عن الحدود الأردنية سوى ساعة بالسيارة. فكيف ستتعامل الولايات المتحدة مع نتائج الحرب ضد أنظمة موالية لها؟

للأسباب الثلاثة، الولايات المتحدة حتما ستجد نفسها مضطرة للتدخل، كلها ستقع، من تمدد إيران، إلى عودة «القاعدة»، وتعاظم الخطر على الجارات الثلاث، الأردن ولبنان وتركيا.

ما يقوله زكريا صحيح بأن التدخل لمنع المجازر قد يمنع مجازر النظام لكن سيسهل على بعض الثوار ارتكاب مجازرهم، إنما عدم التدخل سيجعل تأثير واشنطن على الأحداث ضعيفا.

ولأنه لم تعد المأساة الإنسانية دافعا كافيا يحرك الرأي العام الأميركي للتدخل منذ الفشل في العراق وأفغانستان، فإن الدافع الحقيقي في سوريا هو الحؤول دون وقوع كوارث كبيرة مقبلة تمس أمن العالم.

ونحن لا نعني بالتدخل النموذج العراقي أو الصومالي، أي المباشر بإنزال قوات على الأرض، بل دعم الثوار بقوة، بالسلاح ولوجيستيا ومعلوماتيا.

أخيرا، أقول للمتشككين الأميركيين بحجة أنه ليس لهم مصلحة في إسقاط الأسد ليحل محله فراغ أو جماعات إرهابية، أقول أمرين؛ الأول أنه ساقط لا محالة مهما طالت الحرب. والثاني سيجد الغرب حينها نفسه في سوريا بلا حليف. الدعم المطلوب ليس لإسقاط النظام بذاته بل هدفه إعلاء دور الجيش الحر ليكون السلطة العسكرية العليا، ليقاتل كل القوى الخارجة على القانون عندما يسقط النظام. أي إنه سيلعب دورا مهما مثل الحكومة اليمنية أو المالية أو التونسية اليوم. من دون دعمه من سيقاتل على الأرض غدا الجماعات الإيرانية وحزب الله و«القاعدة»؟ نحن نقول ادعموا الجيش الحر، والمعارضة السياسية المعتدلة، من أجل إقامة نظام قادر على تحمل مسؤولياته الوطنية والدولية.

عبدالله هادي
23-06-2013, 11:28 AM
فشل مشروع إخوان مصر



بصرف النظر عما قد تسفر عنه مظاهرات 30 يونيو القادمة بمصر، سواء نجحت المعارضة في إسقاط الرئيس أم لم تنجح، فالواقع يقول إن مشروع الإخوان المسلمين بمصر قد فشل، وسيعاني الإخوان من هذا الفشل لأعوام طويلة، سواء في مصر أو المنطقة.

فمنذ تنحي الرئيس السابق مبارك عن الحكم قدم الإخوان المسلمون وعودا ديمقراطية لها أول وليس لها آخر، لكن وعودهم تلك كانت مجرد كلام في الهواء، فمعالجة الإخوان لكل أزمات مصر اتسمت بالتذاكي، ومحاولات الإقصاء، ومن خلال تطبيق مبدأ فرق تسد، مما شرذم الأوضاع كلها بالبلاد. حاول الإخوان إقصاء العسكر، وكان التوقيت مناسبا لأنه وافق هوى لدى المعارضة والثوار، لكن إقصاء العسكر ما لبث أن تحول إلى مشروع إقصاء للجميع؛ من الأزهر إلى القضاء والإعلام، وحتى المعارضة نفسها، هذا عدا عن محاولة الاستئثار بالدستور وتمريره بشكل متسرع وإقصائي، وحدث كل ذلك مع تردٍ اقتصادي مرعب يهدد الدولة المصرية ككل.

والمذهل أن كل توجه، أو قرار، طرحته السلطة الحاكمة، أو قل الإخوان، كان يصطدم مع المجتمع، والمؤسسات، ويزيد من الانقسام الداخلي، ويرفع منسوب الحيرة والقلق خارجيا، وبالنسبة للشق الخارجي فقد كان التخبط الإخواني مذهلا أيضا في كل الملفات من العلاقة مع إيران إلى معالجة سد النهضة، ووصولا إلى سوريا. ولم يكتف الإخوان بذلك، فمع تصاعد الجهود بمصر للحشد لمظاهرات 30 يونيو الهادفة لإسقاط الرئيس قرر الإخوان اللجوء لأساليب تزيد من ورطتهم، فبدلا من تقديم تنازلات سياسية، أو السعي لبذل جهود تسوية، لجأ الإخوان للتصعيد بالشارع والتكفير والتخوين، والتهديد بسحق خصومهم السياسيين! والحقيقة إذا كان مبارك أو نظامه متأخرين ثلاثة أيام في تعاملهم مع ثورة 25 يناير الماضية، كما كتبنا في حينها، فإن الإخوان اليوم متأخرون أعواما عديدة بالتعامل مع الواقع، بل إن المرء يتساءل: أين عقلاء الإخوان المسلمين؟ فهل يريد الإخوان إراقة الدماء في مصر ليقفوا بمصاف الأسد والقذافي؟ أم أنهم يريدون السير بمصر الدولة إلى درجة الانهيار؟ وهل ديمقراطية الإخوان المزعومة تعني فقط الوصول للحكم وبعد ذلك تطبيق المنهج الخميني الإقصائي الذي انتهجته الثورة الإيرانية وإلباس ذلك النهج اللباس الإسلامي لضمان البقاء بالسلطة؟

ملخص القول إن ما سيذكره التاريخ جيدا هو أن فشل الإخوان المسلمين بمصر سببه الإخوان أنفسهم وليس خصومهم، داخليا أو خارجيا، خصوصا عندما قرر الإخوان حكم مصر بعقلية الجماعة، وإدارتها كمعارضة وليس كسلطة سياسية تنتهج منهج الحكم الراشد الذي يجمع ولا يفرق، نهج يوحي بأن من يحكم يؤمن بتداول السلطة، لا الاستئثار بها، كما أنه يؤمن بقدسية حقن الدماء وليس التساهل مع من يقوم بالتكفير والتخوين وتهديد السلم الاجتماعي للبلاد ككل.

ولذا، وبعيدا عما قد تسفر عنه مظاهرات 30 يونيو القادمة، فالواقع يقول إن مشروع الإخوان المسلمين في مصر، والمنطقة، قد فشل، وهذا ما كان يحذر منه قلة قليلة من العقلاء في هذه المنطقة.

عبدالله هادي
25-06-2013, 09:16 PM
سوريا والقرارات السرية!


أقر وزراء خارجية إحدى عشرة دولة في مجموعة أصدقاء سوريا بالدوحة خطة لتقديم مساعدات عسكرية نوعية للجيش السوري الحر من شأنها تحقيق التوازن على الأرض، ودفع بشار الأسد للاستجابة لجهود السلام، إلا أن المشاركين بمؤتمر الدوحة لم يعلنوا عن تفاصيل هذا الدعم!

الشيخ حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها، قال بعد المؤتمر، إن الاجتماع اتخذ «قرارات سرية في كيفية التحرك العملي لتغيير الوضع على الأرض في سوريا»، والإشكالية مع «سرية» القرارات هذه أنها ترفع سقف التوقعات، وتمنح الأسد وحلفاءه الفرصة لتضليل الرأي العام، وتحديدا الموالي لهم، فمنذ اندلاع الثورة والأسد يحاول تكريس صورة طائفية عن الثورة، وهو ما نجح فيه للأسف ليس لدى البعض في سوريا، أو الطائفة الشيعية، فقط، بل وحتى بدول الغرب التي ثارت على «جبهة النصرة»، مثلا، بينما كانت ردود فعلها على تدخل إيران وحزب الله، واستخدام الأسلحة الكيماوية، باردة، بل ومستفزة.

والواضح الآن أن إيران والأسد، ومعهم الموالون لطهران بالعراق، قد استثمروا مطولا إرهاب 11 سبتمبر (أيلول) في أميركا، وأجادوا في تكريس أن جميع السنة إرهابيون، وهذا ما يتضح اليوم بردود الفعل الغربية حيال جرائم الأسد وإيران وحزب الله في سوريا. وعليه، فمن الصعب تقبل فكرة «قرارات سرية» في معركة رأي عام تمس ديانات، وطوائف، وتيارات، متباينة، كما أن خطورة سرية القرارات هذه أنها ترفع سقف التوقعات، ومن دون بينة واضحة، وخصوصا أن السوريين قد ملوا الوعود طوال العامين الماضيين، حيث كان الغرب، وتحديدا فرنسا وبريطانيا، يطلقون التصريح تلو الآخر من دون فعل شيء ملموس، بينما كانت شحنات الأسلحة الإيرانية والروسية ترسل بتزايد للأسد، حتى وصل الأمر لتدخل حزب الله علنا.

ما يجب أن يدركه أصدقاء سوريا، والمعارضة، أن المعركة ليست بالميدان فحسب، بل وفي الإعلام أيضا، وهذا ما أدركه جيدا كل من إيران والأسد الذي يلتقط نظامه كل صغيرة وكبيرة للنيل من سمعة الثورة، وأبسط مثال قصة أكل قلب أحد جنود النظام، والتي لا نعلم مدى حقيقتها، وخصوصا أن أكاذيب نظام الأسد لها أول وليس لها آخر، لكن رأينا كيف تحدث الرئيس الروسي عن تلك الحادثة، ومثله وزير خارجية إيران، والآن وبعد كل ذلك يخرج علينا مؤتمر الدوحة متحدثا عن «قرارات سرية»، وما سيحدث الآن هو أن نظام الأسد وإيران، ومعهم الروس، سيتولون القيام بشرح هذه القرارات السرية كيفما شاءوا، ويشوهون صورة أصدقاء سوريا، إعلاميا، ويستغلونها بعد ذلك دبلوماسيا، ثم يجد أصدقاء الشعب السوري أنفسهم في حالة دفاع ويخرجون مبررين، ونافين!

الحقيقة أن مدى، وفاعلية، الدعم المقرر للجيش الحر سيتضح من خلال ما يتم على الأرض، وهذا لن يكون سرا، لكن القلق هو من إعطاء الذرائع للأسد وحلفائه، لتشويه سمعة الثورة والثوار، وما علينا الآن إلا مراقبة كيف سيستغل الأسد وحلفاؤه عبارة «قرارات سرية»!

---------------------------------------------------




حزب الله.. قيادة بلاد الشام!


على مدى العقدين الماضيين، وأكثر، شغلت إيران وحلفاؤها في محور الممانعة والمقاومة الكاذب المنطقة، وبمساعدة من قبل تنظيم الإخوان المسلمين، حول خطورة القواعد العسكرية الأجنبية بالمنطقة، وهو الشعار الذي تبنته «القاعدة» أيضا من خلال زعيمها أسامة بن لادن، بينما كانت إيران تبني أهم قواعدها العسكرية، حزب الله!

ومثلما أن هناك القاعدة الأميركية العسكرية الوسطى في قطر فإن هناك القاعدة الإيرانية الكبرى في لبنان، وكل الوقائع اليوم تقول إن القاعدة الإيرانية هي التي تكسب، ولو كان مكسبا بطعم الهزيمة، وهذه قصة ثانية، لكن الواقع يقول إن إيران، ومن خلال قاعدة حزب الله في لبنان، هي التي تحكم بلاد الشام وتدير أمنه، بل إن قاعدة إيران العسكرية، أي حزب الله، يمتد نفوذها إلى العراق واليمن من خلال دعم الحوثيين بالتدريب وخلافه. حزب الله اليوم هو من يساعد الأسد على البقاء، وهو من يحدد من هم «التكفيريون»، ومن هم العملاء، ومن هم الوطنيون، وها هي الأنباء تتردد عن مشاركة الحزب بالقتال في صيدا بين الجيش اللبناني وجماعة أحمد الأسير. وهذا ليس كل شيء بالطبع، فبحسب ما نشرته صحيفة «الأهرام» المصرية فإن العلاقة بين حماس وحزب الله قد وصلت إلى طريق مسدود، وإن الحزب ينوي طرد حماس من بيروت عقابا لها على مواقفها الأخيرة ضد تدخل حزب الله في سوريا.

كل ذلك يظهر ويؤكد ما كتبناه قبل أسبوع هنا عن أن تدخل حزب الله في سوريا وسط العجز الدولي يعني انتصار إيران، واليوم كل الحقائق تؤكد أن قاعدة إيران بالمنطقة، أي حزب الله، هي التي تنتصر وليس القاعدة الأميركية، كما كانوا يخوفوننا، حيث نجحت إيران وحلفاؤها في تجييش الرأي العام العربي ضد القواعد الأميركية، ودورها المزعوم، ونجح كثير من قادة الرأي العام الإسلاميين، كالإخوان المسلمين، في ترويج الفكرة الإيرانية تلك، كما ساهم كثير من القوميين العرب في ترويج نفس الفكرة بدافع الحفاظ على القومية العربية وخلافه، بينما تسنى لإيران أن تدعم أهم قواعدها العسكرية بالمنطقة حزب الله بالمال والسلاح ليكون هو الحاكم لبلاد الشام، وممارسة نفوذ هائل بالعراق، بل إن نفوذ حزب الله بلغ أيضا حد مقدرته على تهريب سجنائه في مصر بعد ثورة 25 يناير ونقلهم إلى الضاحية الجنوبية في بيروت في غضون أيام بسيطة!

كل ذلك لا يقول لنا إن انتصار إيران وحزب الله سيطول، بل يقول لنا إن منطقتنا مقبلة على انفجار طائفي خطير سببه تغول إيران، وتردد أميركا، وإهمال العرب، مثقفين وساسة ودولا على مدى سنوات في مواجهة الخطر الإيراني، وكشف حقيقة حزب الله، الذي كنا نحذر منه ونجابه بالتخوين والشتائم. هذا هو الواقع اليوم، ولحماية السلم الاجتماعي في كل منطقتنا فلا مناص من سقوط الأسد، وذلك تجنبا للانفجار الطائفي الكبير الذي سيقضي على مفهوم الدولة بمنطقتنا.

عبدالله هادي
25-06-2013, 09:17 PM
نعم أخطأتم بدعم حزب الله



ليس الشيخ حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر وزير خارجيتها، الوحيد الذي قال: أيدنا حزب الله عندما كان يحارب إسرائيل، والآن صرنا ضده لأنه يحارب الشعب السوري؛ بل كثيرون أيضا يبررون اليوم موقفهم بالأمس بالعذر نفسه. ومع احترامي لما قاله الشيخ حمد، وردده آخرون، نسألهم: كم مرة حارب حزب الله إسرائيل في عقد ونصف؟ مرتان فقط؛ الأولى في عام 1997، والثانية عام 2006. ما عدا ذلك ظلت الجبهة مع إسرائيل محروسة من قبل مقاتلي الحزب. أما السنوات العشر الماضية، فقد كانت معظم بطولات حزب الله إجرامية، سببت زعزعة البلاد وعطلت الحياة السياسية.. فهل كان حزب الله يحارب إسرائيل عندما قتل غيلة رفيق الحريري عام 2005؟ هل كان يحارب إسرائيل عندما استمر عامين متتالين في تنفيذ اغتيالات لخصومه من قيادات لبنان السياسية والإعلامية والعسكرية الذين تجاوز عددهم العشرين، بناء على توجيه من نظام بشار الأسد؟ هل كان يحارب إسرائيل عندما احتل بيروت الغربية، وهجم على جبل لبنان، وقتل نحو سبعين شخصا في 2008؟ هل كان يحارب إسرائيل عندما عطل المصالح العامة، وقطع الطرق، وأثار حالة خوف مستمرة اضطرت معظم قيادات «14 آذار» إلى الاحتماء في فندق «فينسيا» لعدة أشهر خوفا من عصابات حزب الله؟

مرة واحدة واجه حزب الله إسرائيل في عام 2006 في عملية كان هدفها فتح معركة لأهداف إيرانية، لا علاقة لها بفلسطين أو مزارع شبعا، تسببت في تدمير البنية التحتية للبنان. حينها اختبأت ميليشيات الحزب بحجة أنهم في معركة غير متكافئة مع قوة العدو، وسيوفرون قوتهم لمواجهة الإسرائيليين لاحقا. طبعا، الجميع يشهد اليوم أن حزب الله وفر رجاله ليزج بهم في القتال ضد الشعب السوري بشجاعة نادرة، ولم يزج بمثلهم في أي مرة مضت ضد إسرائيل.

كثيرون ساندوا حزب الله سياسيا وماليا، حتى عندما كان يرتكب جرائم لا تغتفر، ولأنه تاريخ مضى، فقد كنا نتمنى أن يقفوا اليوم ويعترفوا: «لقد أخطأنا»، أو على الأقل «خدعنا»، بدلا من منح الحزب شهادة لا يستحقها. بسبب المناكفات الإقليمية، بكل أسف، كثيرون دعموا بشار الأسد وحسن نصر الله في وقت كانا فيه يرتكبان جرائم بشعة في حق لبنان والمنطقة، وما كانت مواجهة إسرائيل إلا دعاية منهما لتبرير محاولات الهيمنة على لبنان، والتفرد بقراراته. وكان الحزب شبه الوحيد الذي يملك ترسانة من الأسلحة، وجيشا مدربا، ويرفض الخضوع لسلطة الدولة، زاعما أنها لمواجهة إسرائيل.. وكما ترون؛ أموالكم ودعمكم ينفقه الآن في ارتكاب مذابحه في سوريا اليوم.

عبدالله هادي
25-06-2013, 09:18 PM
الحديد الإيراني يفله حديد مثله



الكثير منا يردد أن معركة الثورة السورية مع نظام بشار غير متكافئة، مما جعل النظام يتماسك رغم الضربات القوية التي وجهها له الثوار، ولكن القليل يدرك أن الصراع مع آيديولوجية إيران التي يخوض نظام بشار حربا بالوكالة عنها هو أيضا صراع غير متكافئ منذ اندلاع الثورة الإيرانية، والحقائق على الأرض تقول إن الارتباط بين المعركة الآيديولوجية والعسكرية وثيق، فالأولى سبب والثانية نتيجة، الأولى هي الذخيرة والثانية هي البندقية، الأولى الروح والثانية الجسد، ولهذا فالعلمانية الغربية التي فرغت للتو من معركتها مع الكنيسة وتخلصت من سيطرتها لم تستغن عن الكنيسة وإرسالياتها التبشيرية لتكون حصان طروادة مهدت بها الأرض وسهلتها للاستعمار الغربي، الذي جثم على دول العالم الثالث قرونا ثقيلة.

حديد الآيديولوجية الإيرانية حين اندلعت ثورة إيران، قابلته كتلة من القطن العربي الآيديولوجي الناعم، فكانت المعركة غير متكافئة، في الصراع الذي احتدم مع إيران بعيد اندلاع الثورة الإيرانية كان صدام حسين ببعثيته المتهالكة خصما آيديولوجيا غير كفؤ في معركته مع إيران، فعلى الجبهة الإيرانية كانت روح دينية متوقدة، وفي الجبهة العراقية كانت مؤتمرات البعث العراقي مليئة بالمسخرة، لدرجة أن عضوا في القيادة القطرية تلاسن مع زميله أمام صدام حسين متهما إياه بأنه يصلي (مقطع الفيديو موجود بالـ«يوتيوب»)!!! ومع أن جيش صدام قد ساندته أميركا عسكريا واستخباراتيا، وفتح له عدد من الدول العربية خزائنها المالية وبلا سقف، فإن إيران تماسكت وتعافت، ثم انطلقت تواصل تنفيذ مخططاتها واستراتيجياتها في العالم السني.

وفي لبنان تمدد الأخطبوط الآيديولوجي الإيراني ونهض بالجنوب الشيعي، وراحت إيران تحت سمع وبصر العالم السني تبني لبنة لبنة كيانا آيديولوجيا قويا ومتماسكا من الناحية الاقتصادية والعسكرية، فأسست مع حزب الله لا أقول ميليشيات عسكرية قوية، بل أعدت جيشا احترافيا مدربا، أصبح بعدده الذي يتجاوز السبعين ألفا، وبكل المقاييس، أقوى من الجيش اللبناني، بل يفوق عددا من جيوش الدول في المنطقة، وفي المقابل لم يكن للسنة في لبنان (بسبب هشاشة الباعث الآيديولوجي) في العالم السني من يهتم لميزان القوى في هذا البلد الذي اخترقه كل الدول والتوجهات، ورأينا شاهدا صارخا لهذا الإهمال للسنة في إيران حين اجتاحت ميليشيات حزب الله بسهولة بيروت الغربية ذات الكثافة السكانية السنية العالية، سهولة ذكرتنا باجتياح القوات النازية للنمسا بقيادة هتلر، فلا مقاومة تذكر ولا حتى ميليشيات تحميهم وهم الأكثر عددا.

لنتكلم بكل شفافية وصراحة، إيران قادت وتقود العالم الشيعي بكل مهنية واحترافية، ورسمت لآيديولوجيتها استراتيجية ذات مسارين، أحدهما تسويقي والثاني عسكري، والمؤسف أن العالم العربي السني في المقابل كان ولا يزال يعيش صراعا متشنجا بين تياريه الإسلامي والليبرالي، مما جعل عددا من الحكومات العربية تتحسس من كل شيء له علاقة بالدين؛ خوفا من تقوية موقع الإسلاميين، مما أصاب الجبهة الآيديولوجية مع إيران بالهزال، ولو أن الحكومات العربية تصالحت مع مبادئ الشريعة في أنظمتها وقوانينها وتعليمها وإعلامها لحققت انتصارين، الأول على جبهة منافستها مع التيارات الإسلامية، والثاني على جبهة صراعها الخطير مع إيران الذي بلغ ذروته في سوريا.

الآيديولوجية الإيرانية حديد.. ولا يفل حديد الآيديولوجية إلا حديد مثله.

عبدالله هادي
25-06-2013, 09:19 PM
«تقسيم» يقود التحرير



موجة ميدان التحرير في 2011 قضت على النموذج العسكري في مصر، واليوم تدخل منطقتنا موجة ميدان تقسيم في تركيا التي ستقضي على النموذج الإسلامي في صورته الأبهى التي تطمح الحركات الإسلامية المختلفة لتقليدها. في أول يوم احتل فيه المعترضون على سياسات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الساحة، كتبت على «تويتر» أن نهاية المشروع الإسلامي ترسم اليوم في ميدان تقسيم.

في حقبة مواجهة ديكتاتورية العسكر في عام 2011 كان ميدان التحرير يقود مرحلة إنهاء حكم العسكر من مصر إلى اليمن وسوريا، وأصبح التحرير هو أيقونة المرحلة. أصبح ميدان التحرير رمزا حتى لأحداث سبقته، كالقضاء على نظام بن علي في تونس. التحرير أصبح كالعلامة التجارية لرمزية القضاء على حقبة العسكر في الشرق الأوسط. أما تقسيم فهو علامة تجارية جديدة لحقبة جديدة وموجة جديدة، وهي موجة رسم ملامح نهاية الحكم الإسلامي كما يتصوره الداعون إليه من مالي إلى الصومال إلى أفغانستان إلى السودان إلى نظام «الإخوان» في مصر.

أهمية ما يحدث في ميدان تقسيم، هو أنه الميدان الذي يهز صورة النموذج الذي يدعو إليه التيار الإسلامي. تقسيم لا يهز المشروع الإسلامي في صوره السيئة في الصومال أو أفغانستان أو السودان، ميدان تقسيم يضرب في مقتل النموذج الإسلامي السياسي في أبهى صوره في تركيا آخر معاقل الخلافة.

اليوم تقسيم هو الذي يقود المرحلة وليس التحرير. حركة تمرد المصرية يوم 30 يونيو (حزيران) ستجني ثمار ما حدث ويحدث في تقسيم، ومحمد مرسي و«إخوان مصر» اليوم أصبحوا ضحايا ما يحدث في تقسيم، وهم أيضا ضحايا رجب طيب أردوغان ونظامه الذي كانوا ينظرون إليه على أنه النموذج الذي يسعون إلى تطبيقه في مصر.

هزيمة نموذج الإسلام السياسي للحكم في صورته الناصعة في تركيا تعني بالضرورة وبالتبعية نهاية نموذج الإسلام السياسي في صوره السيئة في البلدان المختلفة في العالم الإسلامي.

من تقسيم وموجة تقسيم نفهم بشكل مختلف ما حدث في ميدان رابعة العدوية في مدينة نصر في القاهرة، حيث تظاهر آلاف الإسلاميين مساندة للرئيس الجالس على عرش مصر: الرئيس محمد مرسي. نادرا ما يحدث في العالم أن ينبري المتظاهرون تأييدا لرئيس في سدة الحكم، المظاهرات في الغالب تكون لمعارضة تحتج على نظام الحكم وسياساته، وهذا ليس في مصر فقط، وإنما في العالم كله. الشارع للمعارضة وليس للحكم. أما إذا نزل أهل الحكم إلى الشارع فهم طوعا يتخلون عن مكانتهم كحكام، ويتحولون من تلقاء أنفسهم إلى معارضة.

في هذا السياق تكون مظاهرات الإسلاميين هي التي بدأت في نزع الشرعية عن الرئيس وعن النظام. أعرف أن هذه النقطة تحتاج إلى شرح وتوضيح، ولكن الفكرة هي أن خروج الإسلاميين إلى الشارع في ضربة استباقية للمظاهرات التي دعت إليها حركة تمرد، هو في حد ذاته دليل ضعف لا دليل قوة. فالناس تخشى من في الحكم، لأن معه الشرعية، ولكن يبدو وبعد ضربة تقسيم في تركيا، تمكن الارتباك من كل الحركات الإسلامية في المنطقة، إذا عطس نظام أردوغان في تركيا، أصيبت بقية الأنظمة والحركات الإسلامية التي أنتجتها، أصيبت هذه الحركات، بما فيها «إخوان مصر»، بالأنفلونزا.

إذن ما كان في ميدان رابعة العدوية من مظاهرات، ليس استعراضا للقوة، كما يصورها بعض الليبراليين، وإنما هو إعلان ضعف ووهن من قبل جماعة الإخوان المسلمين، والحركات التي تدور في فلكها أو خرجت من عباءة «الإخوان» ومنها الجماعة الإسلامية. نظام «الإخوان» يبدو مرتعدا مما سيحدث من مظاهرات مضادة تبدو قوية في يوم 30 يونيو. ومن شاهد حشد المذيع المصري توفيق عكاشة أمام وزارة الدفاع، يدرك أن حشد «تمرد» سيكون فيضانا من البشر، كل المؤشرات تقول إنه سيفوق حشد الإسلاميين في رابعة العدوية. وليس بمستغرب أن يختار تيار الإسلام السياسي، ميدان رابعة العدوية، ومن قبل اختار الساحة أمام جامعة القاهرة؛ وذلك لأن التحرير يفضح الأعداد. فميدان التحرير يبتلع جماهير ميدان رابعة العدوية وجامعة القاهرة مجتمعين. لذا يبدو أن الإسلاميين ولقلة العدد، أرادوا مليونية تلفزيونية من خلال زوم الكاميرا وليس من خلال الأعداد على الأرض.

مرة أخرى ما حدث في رابعة العدوية، هو مؤشر ضعف ومحاولة للتغطية على قلة ممن يتبعون التيار الإسلامي في بلد قوامه تسعون مليون نسمة.

في ميدان تقسيم قبل يومين طالب المتظاهرون باستقالة رجب طيب أردوغان وانتخابات جديدة في تركيا، مطلب تقسيم باستقالة رجب طيب أردوغان، جاء قبل مطالبة محمد البرادعي الرئيس محمد مرسي بالاستقالة، وهي أول مطالبة علنية من قبل البرادعي للرئيس بالتنحي.

في حالة ميدان تقسيم نحن نشهد الانهيار الثاني للنظام العثماني. في بداية القرن العشرين انهارت الخلافة العثمانية ومن يومها والمنطقة غارقة في دماء الإمبراطورية المذبحة. كل حروب المنطقة بما فيها احتلال إسرائيل لفلسطين جاءت نتيجة لهذا النزف الشديد الذي عانت منه الإمبراطورية العثمانية حتى لفظت أنفاسها الأخيرة. انهيار نظام أردوغان هو انهيار الصورة العصرية للخلافة التي يطمح «الإخوان المسلمون» لإقامتها من مصر. مصر الفقيرة لا تقيم خلافة. وليس لديها القدرة أن تفرض نموذجا. ومن هنا يكون تأثير تركيا على مصر أكبر من تأثير مصر على تركيا. قد تنجح «تمرد» في إطاحة حكم «الإخوان»، ولكن تقسيم سيقوض المشروع الإسلامي برمته ومن المنبع وفي أفضل نماذجه.

تقسيم هو نوع من المجاز أو الصورة كما البوسفور الذي يقسم إسطنبول إلى جزء أوروبي وآخر آسيوي، وعلى تركيا أن تقرر إلى أي عالم تنتمي. إما إلى أوروبا بما فيها من وضوح في قيم حقوق الإنسان وقضايا البيئة، أو إلى آسيا وإساءة معاملة الأطفال في المصانع.

ما يجعل كل ما حدث في تقسيم أساسيا، هو ذلك التأييد الأوروبي الذي يرى في نموذج أردوغان الذي يريد أن يشيد محلات تجارية في المتنفس الأخضر الوحيد تقريبا في إسطنبول نوعا من البربرية المعاصرة. فما يراه إسلاميو الشرق من إبهار في نموذج أردوغان، يراه الغرب نوعا من الرأسمالية البدائية التي لا تتورع في عمل كل شيء وأي شيء من أجل زيادة النمو. نموذج أردوغان كما يبدو من أوروبا هو نموذج الصين وعمالة الأطفال ومحاصرة المتظاهرين بالدبابات في ميدان تيانمين. تقسيم تركيا هو تيانمين الصين. أوروبا والعالم الحر يرى أردوغان بوجهه العثماني العنيف لا بدينه الإسلامي الحنيف.

تعاطف الغرب مع المتظاهرين الداعمين لحقوق الإنسان والحفاظ على البيئة ضد النموذج الأردوغاني، الذي يقطع الشجر من أجل النمو الاقتصادي، يجعل مرسي ونظامه في مأزق. فإذا كان النموذج الأعلى الذي يتطلع إليه «إخوان مصر» قد سقط أخلاقيا في نظر الغرب، فلا بد أن نظام مرسي الأدنى تنظيميا والأقل اعترافا بحقوق الإنسان ساقط لا محالة.

«تمرد» تجني ثمار انتصارات تقسيم، وسوف يسقط مرسي بكل تأكيد يوم يسقط أردوغان، إن لم يكن قبله. وهذا هو تقسيم المنطقة الأهم.

عبدالله هادي
25-06-2013, 09:20 PM
الفخ الطائفي والتلاحم الوطني



تصدرت في صحيفة «واشنطن بوست» صورة لإعلان عزاء في شارع بالعراق لمن لقب بـ«الشهيد البطل»، وهو أحد العراقيين الذين تدفقوا إلى سوريا لمؤازرة النظام السوري. وفي إيران نشرت أخبار وصور لشبان يسجلون أسماءهم في مقرات التعبئة التابعة للحرس الثوري الإيراني للقتال في سوريا مع متطوعين شيعة من دول أخرى، وأما حزب الله - الفيلق الإيراني في لبنان - فقد أعلن أمينه مشاركة عناصره في الحرب، واستخدم بادئ الأمر حجة الدفاع عن مرقد السيدة زينب رضي الله عنها - كما استخدم «قميص عثمان» في مطلع التاريخ الإسلامي - لتأجيج العواطف وتبرير المشاركة الطائفية في الحرب المشتعلة بين نظام مستبد، وثوار يريدون أن تلحق بلادهم بركب دول الربيع العربي المتحررة من الطغيان. وبعد ازدياد أعداد قتلى وجرحى الحزب لم يكن هناك بد من الإعلان الصريح عن دخول المعركة بجانب النظام البعثي ضد من نعتهم بالتكفيريين الذين يقاتلون حليفه البريء المسالم!

على الطرف الآخر كانت أخبار مشاركة مقاتلين من السنة لا تتعدى وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل عدم تأييد العلماء الرسميين للمشاركة في الصراعات الخارجية وقصر ذلك على الإغاثة الإنسانية والتبرعات لدعم الثوار، إلى أن أعلن مؤخرا وجوب الجهاد لنصرة شعب سوريا بالنفس والمال والسلاح في مؤتمر «موقف علماء الأمة من القضية السورية» في القاهرة. وهو الأمر الذي سيدفع إلى أول حرب طائفية بهذا الزخم والاصطفاف والعلنية، وقد تمتد ساحة الصراع خارج سوريا لتطال دولا أخرى أولها لبنان إذا نفذ الجيش الحر تهديده بالتعامل مع رأس الأفعى بدل ذيلها وتدمير القواعد والمراكز التي ينطلق منها مقاتلو حزب الله وآلياتهم العسكرية.

هذا القتال العربي العربي استخدمت الطائفية لإشعاله فلولاها لكان الأمر مماثلا لما حدث في ليبيا واليمن ومصر وتونس، ثوار يريدون الكرامة والحرية لوطنهم، وهو الأمر الذي أكدته المعارضة التي تشكلت من جميع طوائف المجتمع السورية ومكوناته، ولكن النظام السوري نجح بعد فشل جميع أسلحته في استخدام سلاح الطائفية لوقف انتصارات الثوار، وإدخال الجيش الإيراني في بلده بعناصرهم الرسميين أو بالعناصر العربية الموالية لهم من حزب الله.

لطالما ردد حلفاء إيران في المنطقة العربية المتسترون تحت غطاء الممانعة والمقاومة الاتهامات إلى مناوئيهم بالعمالة لأميركا وإسرائيل، في الوقت الذي يستحق فيه هذا الاتهام بجدارة الحليف الإيراني، فهم يقدمون في هذا العصر ما قدمه أسلافهم، الذين لجأ الأوروبيون للتحالف معهم ودعمهم لإشغال الدولة العثمانية، وكان لهم ما أرادوا فأوقف العثمانيون زحفهم نحو أوروبا لطرد الصفويين من المدن التي احتلوها. من مسوغات هذا الاتهام الصمت الغربي عن التدخل الإيراني في اليمن ودول الخليج وغيرها من الدول العربية، والتساهل الأميركي مع توغله في العراق، وقبله لبنان الذي أثمر وجوده هناك عن حزب بلسان عربي وقلب إيراني، لا تجد إسرائيل أفضل منه لتنفيذ مخططاتها كما حصل في 2006، عندما أرادت إعادة لبنان سنوات إلى الوراء وتدمير اقتصاده - الذي شهد تطورا كبيرا بعد إصلاحات رفيق الحريري - فمنحها حزب الله مبرر الهجوم بأسر بضعة جنود.

إن العقيدة القومية الإيرانية هي أفضل ما يستغله أعداء المسلمين والعرب لإدخال المنطقة في جو من الصراعات واستنزاف الموارد المالية والبشرية، فهذه العقيدة التي تلبس لبوسا مختلفا في كل عصر لا هم لها سوى التوسع.. في كل العصور، انتهاء بعصر رجال الدين الذي يتبنى منهج تصدير الثورة عبر الاحتلال الطائفي. هذه العقيدة كشف عنها – كما جاء في موقع قناة «العربية» - علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الأسبق في لقاء بمناسبة ذكرى استرجاع مدينة خرمشهر، ذكر فيه أن الخميني قال: «لا يوجد أفضل من شعبنا، ولا حتى شعب رسول الله». وأيضا تمثل في رفض الخميني لاقتراح اسم «الخليج الإسلامي» لحل الخلاف حول تسميته بين العربي والفارسي وإصراره على إبقائه كما كان في عهد الشاه خليجا فارسيا.

إطفاء نار الفتنة العربية العربية يكون بنزع الطائفية عنها، والتعامل معها على أنها صراع قومي عربي إيراني، والتفريق كما ذكر علي شريعتي بين التشيع العلوي وأصحابه ومفكريه المخلصين لعروبتهم، والتشيع الصفوي «الشعوبي» المسيس لخدمة مصالح إيران وتوسيع نفوذها في المنطقة.

شيعة الخليج كما هم سنته تقع عليهم مسؤولية تجنيب مجتمعاتهم السقوط في هذا الفخ الطائفي، والتلاحم الوطني ضد أي محاولات خارجية تستخدم الطائفة أو الآيديولوجيا كأداة توظيف واستقطاب لتفتيت وحدة الوطن، كما حدث سابقا إبان الحرب العراقية الإيرانية عندما نشأت خلالها ميليشيات في الخليج سمت نفسها حزب الله. ولم تدم طويلا بعد أن استأصلتها القوى الأمنية ورفضها المجتمع. وأختم بقول محمد حسين فضل الله «علينا أن لا نصور أن القضية سنية شيعية، بل هي في كثير من أوجهها سياسية».

عبدالله هادي
25-06-2013, 09:22 PM
جون ستيوارت محافظ (الأقصر)


سر الكوميديا «باتع» وسيفها قاطع، ففي اليوم الذي قال لنا فيه المذيع الأميركي الساخر (جون ستيوارت) حين استضافه زميله المصري باسم يوسف في (البرنامج) إن الرئيس المصري محمد مرسي قد اختاره ليكون محافظا للأقصر، وإنه من أجل ذلك أطلق لحيته قليلا ليشابه مظهر أعضاء جماعة الإخوان، قرأنا خبرا كشف فيه قياديون بالجماعة الإسلامية في مصر لـ«الشرق الأوسط» عن قيام المهندس عادل الخياط، محافظ الأقصر الجديد، والمنتمي للجماعة، بتقديم استقالته إلى الرئيس مرسي من منصبه، الذي لم يمض فيه سوى بضعة أيام.
المحافظ الجديد ينتمي للجماعة التي نفذت مجزرة شهيرة في (الأقصر) كنز الذهب الآثاري في مصر، هذه الجريمة في 1997 أدت إلى مقتل 58 سائحا، من سويسرا واليابان، وغيرهما، وعدد من المواطنين.

قرار الرئيس المصري كان مدهشا، بسبب حساسية محافظ الأقصر، وكون اقتصادها قائما على سياحة الآثار، يفد إلى الأقصر لهذا الغرض كثير من مواطني العالم، من غير العرب غالبا، وأتى القرار في اللحظة التي يعاني فيها الاقتصاد المصري، خصوصا قطاع السياحة الحساس، من فقدان الثقة، وكان الوزير النشط هشام زعزوع، في مهمة شبه مستحيلة للترويج للسياحة في مصر، ليأتي هذا التعيين محبطا له، ما دفعه إلى تقديم استقالته من حكومة قنديل، احتجاجا، رغم رفض رئيس الوزراء قبولها حتى الآن.

مفهوم أن يتم استرضاء الحلفاء في السياسة بمنصب أو نفوذ، ولا عيب في هذا في لغة السياسة، لكن الغرابة أتت في طبيعة المكان المعين فيه هذا الشخص، وفي طبيعة الشخص نفسه المنافية لثقافة واحتياجات المكان.

أظن أن الأمر ليس كما يتوهم البعض، في تحليل مؤامراتي، خطة إخوانية للإيقاع بالجماعة الإسلامية، وحرق ورقتها، حيث تفشل في تسيير شؤون السياحة في هذه المنطقة، بل هو سوء اختيار، وارتجال، يحكم كثيرا ثقافتنا العربية بشكل عام.

نحن نختار على أسس لا علاقة لها بمعايير الجودة والكفاءة، بل بمعايير الثقة بالولاء، أو الرغبة في مصلحة عابرة، ومع الوقت تفقد المناصب قيمتها، وتبتذل عناوين المواقع.

جرت العادة على أن تكون طريقة الترضية في العالم العربي بمنصب مستشار وربما سفير، وفي بعض الدول عضو مجلس شيوخ أو أعيان، وتصل رعشة الكرم والسخاء أحيانا إلى تعيين هذا الشخص أو ذاك مسؤولا عن الثقافة، وهو يعادي الثقافة، وعن الإعلام وهو يحقد على الصحافيين والصحافة.

كل المواقع السياسية والتنفيذية في الدول العربية، أو جلها، صارت جوائز ترضية وكسب ولاءات.

لم يسلم حتى الآن من هذا الكرم الخطير إلا حقول قليلة، منها الطب والبنوك.. وحتى هذه تسرب إليها غاز الفساد.

فالج لا تعالج.

عبدالله هادي
25-06-2013, 09:23 PM
روحاني: جئت بمفتاح وليس بمنجل!



عندما قال الرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني إنه جاء بمفتاح وليس بمنجل، كانت هذه هي الرسالة الثانية التي يبعث بها بكل وضوح وقوة، أما الرسالة الأولى التي صدمت السياسيين والشعب على حد سواء، فجاءت خلال المناظرات التلفزيونية عندما قال إنه رجل قانون وليس عقيدا!

ويمكننا أن نحدث نوعا من التوازن بين تصريحي روحاني، أي رجل قانون بمفتاح من جهة، وعقيد بمنجل من جهة أخرى. ويعني هذا أن فصلا جديدا من تاريخنا المعاصر قد بدأ، حيث بدأ الإيرانيون بعد ثماني سنوات يرون رئيسهم وهو يتحدث بشكل مهذب وحكيم ولغة معتدلة وأدب ثري وابتسامة عريضة. وحتى أكون أمينا، يجب أن أشير إلى أن الرئيس المنتهية ولايته أحمدي نجاد لم يقم بتدمير السياسة والاقتصاد فحسب، ولكنه قام أيضا بتدمير الثقافة والأخلاق، وكان يتحدث بالعامية وبطريقة غريبة.

وهناك رواية للأديب المصري الحائز جائزة نوبل في الأدب نجيب محفوظ بعنوان «الحرافيش» تحكي قصة حكم الحرافيش في مصر وتعكس قصة الحكم في الشرق، وأعتقد أن صدام حسين والقذافي كانا من الحرافيش، فلم يكن لدى أي منهما أي مفتاح، ولكنهما كانا يعتمدان على المنجل، وتم اعتقال أو إعدام أو هجرة الملايين من الأبرياء في عهدهما. في الحقيقة، ثمة وجه قبيح آخر للطغيان والاستبداد في الشرق، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وهو وجه الحرافيش.

اسمحوا لي أن أقدم لكم مثالا على ذلك. تنفق كل دولة الكثير من وقتها ومالها لتدريب خبرائها حتى يكونوا مؤهلين للمناصب الرفيعة مثل الوزراء والمديرين المرموقين، ولكن عندما تم تعيين أحمدي نجاد رئيسا للبلاد (أعتقد أنه لم يتم انتخابه)، قام بفصل جميع الخبراء من مناصبهم بحجة أنه يسعى لتشكيل مجلس وزراء إسلامي بحت. وبعبارة أخرى، كان هناك منجل كبير في يده قام من خلاله وهو مغمض العينين بتدمير كل شيء وطرد جميع الخبراء من مناصبهم.

ونتيجة لذلك، يستخدم الإصلاحيون اليوم عنوانا جديدا للفترة التي قضاها أحمدي نجاد في السلطة وهو «شتاء الثقافة والأخلاق». وعندما سئل روحاني عما إذا كان يعتزم إطاحة جميع أنصار أحمدي نجاد من الحكومة والإدارة، رد قائلا إنه جاء ومعه مفتاح وليس منجلا!

والشيء المحزن حقا هو أن معظم اللذين يحكمون بلادنا هم عقداء وليسوا رجال قانون، كما جاءوا وهم يحملون منجلا وليس مفتاحا، وبالتالي لا يمكننا فهمهم ولا تؤدي طريقتهم في الحكم إلى الاستقرار، كما يغيرون من آرائهم ومواقفهم بشكل سريع جدا، ويحدث كل شيء عن طريق الصدفة، لأنه لا يوجد لديهم منطق يحكم الأشياء. وفي الفصل الثاني من كتاب «تراكتتس»، يقول فيتغنشتاين إنه لا يوجد شيء يسمى الصدفة في عالم المنطق. ولكن في عالم الحرافيش لا يتعين علينا أن نندهش حتى عندما نرى جزارا يعمل مكان جراح للقلب!

وفي القرآن الكريم، هناك نوعان من الأشجار، الأولى هي الشجرة الطيبة القوية المليئة بالثمار ثابتة الأصل، والثانية هي الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض بسبب ضعفها، ولا يوجد بها أي ثمار ولا أزهار، ولا ظل لها.

والآن، نحن نواجه ربيعا من الأمل في إيران، وهو ليس ربيعا عربيا بكل تأكيد، ولكنه انبعاث للأمل والسعادة في إيران. لقد خرج الناس مساء يوم السبت للاحتفال بانتصارهم وكانت الميادين والشوارع مليئة بالأغاني والرقص، وكان أبرز الشعارات التي يرددونها: «موسوي، لقد استعدنا أصواتك». لقد استعادوا أصواتهم بالقانون والتسامح والحكمة، وهذا هو سر مقاومة الإيرانيين وتاريخ بلدنا العريق.

إنه لإنجاز عظيم أن يقول الرئيس الجديد حسن روحاني إنه رجل قانون، وليس عقيدا، وإنه جاء بالمفتاح وليس بالمنجل. ولكي أكون أمينا، يتعين علي أن أشير إلى أن هذه الجمل القصيرة قد لخصت تاريخنا الطويل، والتناقض الدائم بين رجل القانون والعقيد، والصراعات التي لا تنتهي بين المفتاح والمنجل.

وبالإضافة إلى ذلك، أعتقد أننا نواجه حاليا اثنتين من القراءات المختلفة للإسلام، فمن ناحية، هناك إسلام يتم استخدامه كأداة لتبرير العنف وقتل الأبرياء، وإسلام آخر يمثل نمطا ومنهجا لحياتنا. وتعتمد القراءة الأولى على ثقافة الموت والكراهية، في حين تعتمد الثانية على ثقافة التسامح والحياة.

إننا بحاجة الآن وأكثر من أي وقت مضى، سواء في إيران أو في العالم الإسلامي بأسره، لتعريف الإسلام على أنه دين التسامح والحياة.

لقد كنا، ولا نزال، في إيران نواجه الإسلاميين الراديكاليين الذين يعتقدون أن هاشمي رفسنجاني وخاتمي وروحاني خونة وعملاء للولايات المتحدة. وأعتقد أن انتصار روحاني في الانتخابات الرئاسية قد صدمهم بشكل كبير، لأن آية الله مصباح الذي يعد زعيم المتطرفين، قد اعترف مؤخرا وهو في العقد التاسع من عمره بأنه بات يدرك الآن أنه لا يمكننا الدفاع عن الإسلام بالقوة. من المستحيل إرسال الناس إلى الجنة بالقوة. وبعبارة أخرى، لقد نجح الحب والأمل في تحطيم المناجل في إيران.

عبدالله هادي
25-06-2013, 09:27 PM
روحاني: المرشح غير المتوقع لتوحيد الصفوف


جاء انتخاب رجل الدين المعتدل والوسطي حسن روحاني رئيسا للجمهورية الإسلامية سادس رئيس للبلاد بما يقرب من 51 في المائة من الأصوات، بمثابة الصدمة بالنسبة لكثير من الإيرانيين (وأنا من بينهم). وسيكون لانتصار روحاني المفاجئ كثير من الآثار العملية والرمزية على إيران والإيرانيين، ولعل أهمها هو احتمال الوصول للوحدة السياسية. وتعد هذه الوحدة مهمة للغاية للشعب الإيراني ولحركة الإصلاح وللمرشد الأعلى علي خامنئي وللمجتمع الدولي ككل. ولفترة قصيرة، سوف يفتح هذا الباب أمام إيجاد علاج للجراح السياسية، وهو الشيء الذي يحتاجه المجتمع الإيراني بشدة.

والشيء الأهم هو أن السعي من أجل الوحدة يعد بمثابة شيء محوري لخامنئي، الذي يسعى لتصحيح الصورة السياسية المشوهة للجمهورية الإسلامية ووقف الاقتتال الداخلي الواضح بين النخبة السياسية منذ الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل عام 2009، وهو ما جعل خامنئي يقدم عددا من النداءات السياسية. ونتيجة لتفاقم الأوضاع الإيرانية بسبب سياسة الرئيس أحمدي نجاد التي تعتمد على الإثارة والأزمة الاقتصادية والعقوبات الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني، أصبحت الوحدة في مواجهة كثير من العقبات أمرا بالغ الأهمية من أجل بقاء الجمهورية الإسلامية.

ولم تكن الوحدة الحزبية أو الشعبية سمة دائمة ومميزة للمؤسسة السياسية الإيرانية في أي وقت من الأوقات، إذ ظهرت الخلافات بين الفصائل والأحزاب عام 1979، عقب نجاح الثورة الإيرانية التي جمعت عددا لا يحصى من الجماعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتمكن آية الله الخميني من احتواء مثل هذه الطائفية، ولكن في أعقاب وفاته عام 1989، تصاعدت حدة الصراعات الفئوية، وهو ما ساعد على ظهور حركة الإصلاح. وبعد ذلك، تأرجح البندول السياسي من اتجاه الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي إلى الرئيس المتشدد والمحافظ أحمدي نجاد. وفي عام 2008، أسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها إلى ظهور الحركة الخضراء، وهو ما انتهي بفرض إجراءات سياسية على نطاق واسع، بما في ذلك استمرار اعتقال المرشحين للرئاسة مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وهو ما أدى إلى تحويل الديناميكية التي كان يمكن التحكم فيها إلى حالة من الاستقطاب الشديد.

وقد استمرت الحالة السياسية في التدهور منذ عام 2009، وأصبح القمع يخيم على إيران. وأدى تكثيف العقوبات الدولية التي تستمر في خنق الاقتصاد الإيراني الهش بالفعل إلى تفاقم هذه التوترات السياسية والشعبية.

في هذا السياق، دعا خامنئي «جميع التوجهات والتيارات السياسية» للاشتراك في الانتخابات الرئاسية. وكانت التوقعات تشير إلى أن (الوحدة) لن تحدث إلا داخل معسكر المحافظين في إيران، أو أن رئيسا سابقا قد يظهر لسد الفجوة الشعبية، واعتقد كثيرون أن أحد المحافظين الموالين للمرشد الأعلى سيكون هو المرشح الرئاسي المثالي. في السيناريو الأول، ثبت أن الوحدة بعيدة كل البعد عن المحافظين الذين لم يتمكنوا من التوصل إلى اتفاق على مرشح واحد. في الواقع، تنافس خمسة مرشحين محافظين في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها إيران في الرابع عشر من يونيو (حزيران) الحالي.

وفي السيناريو الثاني، تقدم الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني بأوراق ترشحه ثم جرى استبعاده من قبل مجلس صيانة الدستور، وهو ما حطم آمال المعتدلين. ووافق المجلس على المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف، وحليف رفسنجاني لفترة طويلة حسن روحاني. وخلال الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، حدث تحول محوري داخل معسكر الإصلاح، إذ انسحب عارف لصالح روحاني، بناء على طلب من الرئيس السابق خاتمي، في الوقت الذي أعلن فيه رفسنجاني وخاتمي عن أن روحاني هو مرشحهما.

اختار الإصلاحيون البارزون المشاركة وحث الناخبين الواعين على دعم روحاني عوضا عن مقاطعة الانتخابات كما كان يخشى في البداية. وبالتزامن مع ذلك، عاد الإصلاحيون والمنتمون إلى التيار الوسط المهمشون إلى المشهد السياسي الجديد بفضل اتحادهم. وبانتصار روحاني، أمام الإصلاحيين فرصة فريدة لإعادة إحياء السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية المعتدلة. وأذهل انخراط الإصلاحيين في السياسة بعد انتخابات عام 2009 الشعب الإيراني، فقد اعتقد كثيرون بعد ما حدث عام 2009 أن التصويت سيكون أمرا عديم الجدوى في الانتخابات المعروفة نتائجها مسبقا. وكشفت استطلاعات الرأي التي أجريت قبيل الانتخابات أن أكثر الناخبين لم يحسموا أمرهم بعد. تبين أن الأحداث السالف ذكرها مع مناشدة خامنئي للإيرانيين، بمن فيهم معارضو النظام، في اللحظة الأخيرة بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، ضرورية من أجل حشد الناس وحثهم على الانتخاب. في النهاية، جرى تقدير نسبة الذين شاركوا في العملية الانتخابية 72 في المائة وذهلوا عندما وجدوا أنه فُرزت أصواتهم بنزاهة. ويمثل الحماس الشعبي الذي ظهر في شوارع إيران نقطة تحول مهمة بالنسبة إلى الشعب الإيراني.

كذلك أذهل فوز روحاني المجتمع الدولي الذي يراقب الوضع في إيران بحذر على الهامش. بعد جولات من المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني والعقوبات القاسية، أصيبت مجموعة الخمسة زائد واحد بإحباط من موقف إيران المتشدد غير القابل للحلول الوسط. مع ذلك يعرض روحاني إمكانية تقديم مرونة أكبر في المفاوضات المستقبلية. ويظل روحاني، مثل كل المرشحين الآخرين، ملتزما بالطبيعة السلمية لبرنامج إيران النووي، لكن تجربته ودفاعه عن فترة عمله كمفاوض في المحادثات النووية منذ عام 2003 إلى 2005 والتي جرى خلالها تعليق تخصيب اليورانيوم يشيران إلى عودته إلى تبني استراتيجيات أكثر اعتدالا.

وقدمت الانتخابات إلى خامنئي الوحدة، حيث تجمع بين روحاني، الذي لا يعد محافظا متشددا، وبين المرشد الأعلى علاقة قديمة راسخة. لقد شغل روحاني منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي لمدة 16 عاما منذ عام 1989 حتى عام 2005. كذلك كان عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء ومستشارا لكل من رفسنجاني وخاتمي لشؤون الأمن القومي. ولروحاني تاريخ طويل من البراغماتية يستدل عليه من عدة مواقف جديرة بالذكر.

كذلك روحاني يتمتع بقدرة على بناء الجسور بين أفراد النخبة السياسية المنقسمين على أنفسهم وذلك بصفته جزءا من النظام. وفي الوقت الذي لا يعد فيه روحاني ترياقا شافيا للجمهورية الإسلامية، ولن ينجح فوزه في محو ما حدث عام 2009، يمثل انتخابه استراحة مؤقتة وفرصة لهذه الدوائر الانتخابية المهمة.

الزمن فقط هو الذي سيخبرنا ما إذا كان روحاني سيتمكن من الوفاء بوعوده الانتخابية ومنها تحقيق تقدم اقتصادي وتبني سياسة خارجية منفتحة وزيادة الحرية الاجتماعية واتخاذ نهج معتدل في الملف النووي. وحتى ذلك الحين، منحه احتمال نجاحه في توحيد الصفوف وقتا يحتاجه كثيرا.




* أستاذة دراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكينز
ومؤلفة Action and Reaction: Women and Politics in the Islamic Republic of Iran
«الفعل ورد الفعل: المرأة والسياسة في جمهورية إيران الإسلامية» (بلومزبيري 2011)

عبدالله هادي
25-06-2013, 09:33 PM
هكذا وصل الضباط العلويون إلى السلطة


سوريا الخمسينات شجرة وارفة الظلال. حبلى بالآمال. كانت في السياسة موزعة على يمين ويسار. يمين ديمقراطي، يمثله نظام شكري القوتلي، على رؤوس بقايا هَرِمَة. متعبَة، من الجيل القومي العربي الأول الذي استنفد نشوته في تحقيق النصر على الاستعمار. وقعد متربعا على حكم تقليدي، منذ أواسط الأربعينات. لكن بلا أفكار جديدة.

وجيل سوري آخر على اليسار. جيل استهوته الآيديولوجيا. أقليته ماركسية ستالينية. يقودها خالد بكداش. زعيم تاريخي أوحد. كردي مستعرب. فصيح في خطابه الشعبوي. ماهر ومجرِّب في دروب السياسة. وتُفْحِمُ نيابته البرلمانية ساسة اليمين واليسار، مستعينا بالأرقام الدقيقة عن بطء الإنجاز الحكومي.

لكن أغلبية هذا الجيل السوري الجديد كانت، في الآيديولوجيا، قومية الهوى. مبهورة بشعارها (وحدة. حرية. اشتراكية). ويقودها حزب جديد (البعث). نَحَتَ الشعار مثقفو الحزب الدارسون في أوروبا. ولقنوه، في حوار ديمقراطي حر، لشباب الجامعة والثانويات الذين استهوتهم لعبة السياسة.

في زخم هذه الحياة السياسية الصاخبة، أقدم أكرم الحوراني على إجراء تغيير محوري في حركة حزب البعث، بعد اندماجه مع حزبه الاشتراكي، في النصف الأول من الخمسينات. كان هذا الزعيم المحرك اليومي المؤثر في السياسة السورية، منذ أوائل الأربعينات إلى منتصف الستينات، عندما اختفى تماما من اللوحة السياسية العربية، نتيجة للخطأ الفادح الذي ارتكبه.

لم يكن الحوراني مثقفا. لكنه كان شديد الإيمان بالاشتراكية، إلى حد تقديمها على مبدأ الوحدة القومية. كان الحوراني نزيه الذمة ماديا. كفؤا في التنظيم الحزبي. عدم براعته في الخطابة، لم يَنَلْ من إجادته المناورة السياسية والإعلامية. فقد كان مخلوقا سياسيا، يتنفس. ويدخن السياسة، على مدار الليل والنهار.

كتب الحوراني أهم مذكرات أصدرها سياسي عربي معاصر، لثرائها في التفاصيل. ونشرت «الشرق الأوسط» معظمها في التسعينات. ولعل القارئ يذكر أني تابعت التعليق عليها أسابيع طويلة. مع ذلك، فلم يورد الحوراني الداهية حرفا واحدا، عن دوره غير المباشر، في كارثة وصول عسكر الطائفة العلوية إلى حكم سوريا منذ منتصف الستينات إلى اليوم!

بحكم نفوذه في الجيش السوري، بعد سقوط ديكتاتورية صديقه/ عدوه أديب الشيشكلي (1954)، تمكن الحوراني من توظيف أعداد غفيرة، من الشباب العلويين، بعثيين وغير بعثيين، في خدمة الحزب، عبر دفعهم إلى الانخراط في الجيش.

ماذا كان هدف الحوراني والقيادة السياسية البعثية (ميشيل عفلق وصلاح البيطار) من عسكرة الطائفة العلوية؟ لم يكن الزعماء الثلاثة من هذه الطائفة. غير أني أكشف هنا سرا، فأقول إن الثلاثة ضاقوا ذرعا بمجتمع سوري محافظ. ووجدوا أن فرض اشتراكيتهم عليه، من خلال أقليتهم الحزبية البرلمانية، أمر يكاد يكون مستحيلا.

على عكس الدمشقيَّيْن عفلق والبيطار، فقد كان الحوراني من وسط سوريا (مدينة حماه)، حيث شعر بوطأة الإقطاع على الحياة الريفية التي شكل فيها العلويون فئة الفلاحين الفقراء آنذاك.

وإنصافا للرجل، أستطيع أن أقول إنه لم يكن ضد الديمقراطية كليا. لكن بمنطق الزمن الطائفي الراهن، لم يدرك الحوراني، وهو من الطائفة السنية، بل مرتبط بالقرابة مع الأسر السنية الإقطاعية في حماه، أنه سيدمِّر الحياة الديمقراطية الوليدة، بعسكرة طائفة أقلوية صغيرة (8 بالمائة في تقديري الشخصي) متلهفة للتغيير. ولا تعترف طائفتا السنة والشيعة بمذهبها الديني.

لماذا غدر الضباط البعثيون العلويون بالحوراني. ثم بعفلق والبيطار؟ الواقع أن الرهان الطائفي العلوي كان، أصلا، على «الحزب السوري القومي» كذراعٍ للوصول إلى السلطة والحكم. ثم حوّلوا الرهان. فركبوا عربة حزب «البعث». كان «البعث» في عروبته أكثر قبولا لدى السوريين، من حزب تجاوز العروبة والإسلام. واعتنق مبادئ الفاشية الأوروبية التي سُحقت في الحرب العالمية الثانية.

انتهز ضباط البعث العلويون استقالة زعماء الحزب الثلاثة (الحوراني. البيطار. عفلق) من ناصرية نظام جمال عبد الناصر. فشكلوا خلية سرية باسم (اللجنة العسكرية). وكان الأعضاء الفاعلون فيها ضباطهم الثلاثة: اللواء محمد عمران. المقدم صلاح جديد. النقيب الطيار حافظ الأسد.

بادرت اللجنة العسكرية إلى الكيد للحوراني بمكر ظاهر. كانت التهمة أنه أيد نظام الانفصال اليميني الذي فصم الوحدة السورية/ المصرية بالانقلاب عليها (1961). عشت مع أكرم الحوراني الشهر الأخير في حياته السياسية. ظل يذرع بهو صحيفة «الشام» التي أعمل فيها. ولا يضيء ليله سوى بصيص سيجارته المعلقة دائما بشفته. وصدق حدسه. فقد تبع الانقلاب العراقي على نظام عبد الكريم قاسم، انقلاب سوري جاء بالضباط المستقلين. والناصريين. والبعثيين، معا إلى الحكم (1963).

مع الظهور العلني لضباط الطائفة العلوية على مسرح السياسة، فر أكرم الحوراني منهيا حياته السياسية. مع غياب الحوراني، راقت لعبة توظيف العسكر في السياسة، لزميليه اللدودين. فقد سارع عفلق إلى إضفاء الشرعية «البعثية» على اللجنة العسكرية العلوية، بعدما قرر هو استيلاء الحزب على السلطة والحكم في سوريا. بل اعتبر صلاح جديد ابنه «الروحي»!

أما البيطار الذي كان قد استقال سرا من الحزب، فقد راهن على اللواء العلوي الليبرالي محمد عمران. علوية عمران لم تغفر لليبراليته. فقد اغتيل في عصر الأسد الأب. أين؟ آه! في الجيب السكاني العلوي في أعالي مدينة طرابلس السنية اللبنانية. وأما عفلق فقد فر ملاحقا بحكم إعدام «أنعم» به حافظ الأسد على مؤسس البعث ومفكره الرومانسي، فيما يحتفل هو بتنصيب نفسه محله قائدا للبعث، ورئيسا لسوريا!

عرف صلاح جديد كيف يصل مدمرا الخصوم والأصدقاء والرفاق في طريقه. لكنه لم يعرف كيف يحكم. وصل حافظ الأسد. حكم ثلاثين سنة. ثم ورَّثها لابنه. فأحرقها الوريث. وأحرق ودمر سوريا معها. دمر تسييس الجيش. وتخريبه. و«تطييفه» بلدي سوريا.

كنت أود تذكير شباب الانتفاضات والثورات العربية، بعدم السماح للأنظمة الجمهورية الجديدة «بأخونة» الجيش. فلا ديمقراطية حقيقية بتحزيب المؤسسات العسكرية والأمنية. سبقني الديك الروسي في قمة آيرلندا. فقد أقنع دجاجات أميركا وأوروبا، بإدراج نصيحته الغالية في بيان القمة، بدعوة السوريين إلى الاحتفاظ بضباط الطائفة والحزب، لمواصلة القتل والتدمير في سوريا!

مع وصول حافظ الأسد إلى السلطة (1970)، أحكم ضباط الطائفة العلوية احتلال الحكم والسلطة. أين كان السوريون؟ كانوا مغيَّبين عن الوعي! فقد أدار ضباط الطائفة عملية الوصول «باسم الشعب»! لكن بحجب الحقائق عنه. كنت بحكم عملي أحد القلَّة من الشهود المستقلين. ولم أكن أدري أني سأروي يوما رواية أمينة تختلف عن الروايات الحزبية، لبعض ما حدث للسوريين خلال غيبتهم عن الوعي.

لكن كيف حكم حافظ الأسد؟ كيف أدار معركته مع «الإخوان»؟ لماذا اغتيل صلاح البيطار؟ ماذا حدث لعفلق القابع في قفص صدّام الذهبي. لماذا حدثت مجزرة حماه؟ كيف ورط ضباط الطائفة عبد الناصر في حرب النكسة؟ لعل العمر يسمح بالكلام. بعدما عجزنا نحن القلَّة التي عرفت، عن الكلام وهي في سن الشباب.

عبدالله هادي
25-06-2013, 10:10 PM
روحاني رئيسا: وسياسة «حسن النوايا» قصيرة الأمد



تتسم صناعة القرارات على المستوى الاستراتيجي في إيران بخصوصية كبيرة، وقبل أن نأخذ بعين الاعتبار مواقف وتصريحات الرئيس الجديد في حساباتنا الاستراتيجية علينا أولا التيقن من موقع رئيس الجمهورية في سلم صناعة القرارات الرئيسة في النظام الإيراني. ونقول ذلك لأن حسن النوايا بمفرده ليس كافيا لتحسين العلاقات الخليجية - الإيرانية، والكلام المنمق في الحديث لن يمثل أكثر من تمويه لممارسات ومواقف غير عقلانية اعتدناها لسياسة عدوانية تستمر إيران في انتهاجها منذ سنوات.

في النظام الإيراني، رئيس الجمهورية لا يمثل إلا جزءا صغيرا من معادلة السلطة، وفي حالات كثيرة لا يعد إلا لاعبا هامشيا، وخصوصا في آلية اتخاذ القرارات الاستراتيجية والأمنية، فمؤسسة المرشد الأعلى إلى جانب مؤسسة الحرس الثوري الإيراني وأجهزة المخابرات هي التي تتولى تحديد السياسة الفعلية في المجالات الأمنية والاستراتيجية، وتترك لرئيس الجمهورية دور المبرر والملمع للممارسات العدوانية التي تنفذها الجمهورية الإسلامية باعتماد أسلوب الخطابات المنمقة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. هذا ما اعتدناه خلال السنوات الماضية، أما اليوم فكلنا أمل أن تكون للرئيس الجديد سلطة حقيقية إلى جانب «حسن نواياه» التي عبر عنها لتغيير السلوك الشاذ لمؤسسات دولته، فهوة انعدام الثقة أعمق إلى درجة أصبح معها من الصعب الإيمان بعوامل التفاؤل بمفردها.

ما قاله روحاني خلال حملته الانتخابية، وكرره بعد فوزه حول ضرورة تحسين العلاقات الخليجية – الإيرانية، يمثل بادرة طيبة من «حسن النوايا»، ولكن الرئيس الجديد لم يوضح الأسلوب الذي سيتبناه لتحقيق هذا الهدف، ولأن كرة تحسين العلاقات موجودة اليوم في الملعب الإيراني فعلى إيران أن تأخذ زمام المبادرة لتحريك هذه الكرة بالاتجاه الصحيح، ولا خلاف حول هذا الأمر، فدول الخليج العربية لم تتدخل مطلقا في الشؤون الداخلية لإيران، ولم توجه تهديدات علنية أو مبطنة لها، ولم تستخدم الورقة الطائفية لزعزعة أمن واستقرار الجمهورية الإسلامية، في حين لم تدخر طهران جهدا في توظيف جميع الأدوات لتهديد أمن واستقرار الدول الخليجية، من هذا المنطلق نود أن نقول للرئيس الجديد إننا سمعنا كلمات «حسن النوايا» وقد أطربتنا، ولكن زمن العيش على كلماتكم الجميلة قد ولى، فهوة الثقة بيننا أكبر من أن تطمرها كلمات تتردد هنا وهناك.

جاء في أول تصريح صحافي للرئيس روحاني حول العلاقات السعودية – الإيرانية، أنه كان مسرورا جدا لأن أول اتفاقية أمنية وقعها هو شخصيا عندما كان يعمل في مجلس الأمن القومي الإيراني. كانت الاتفاقية الأمنية السعودية – الإيرانية لعام 1998م، وهنا نود أن نسأل الرئيس روحاني: ماذا كان مصير ذلك الإنجاز الذي أدخل كل ذلك السرور عليك؟، إن ما آلت إليه تلك الاتفاقية هو مجرد حبر على ورق، فقد قاد سلوك القيادات الإيرانية المتلاحقة إلى تفريغ هذه الاتفاقية الأمنية من مضمونها، ومن ثم هدمت مبدأ «حسن النوايا»، وبالعودة إلى التصريح فقد قال روحاني إن «أولوية السياسة الخارجية الإيرانية هي إرساء علاقات ودية مع جميع دول الجوار عملا بمبدأ حسن الجوار والاحترام المتبادل»، مؤكدا أن تحسين العلاقات الإيرانية - السعودية يعد واحدا من أهم أولوياته، وهنا نعيد تأكيد شكوكنا، وعسى أن نكون من الخاطئين، حول مقدرة الرئيس الجديد على إحداث التغيرات الجذرية المطلوبة لتحسين العلاقات الخليجية - الإيرانية بشكل حقيقي ومستديم، ولأن حسن روحاني شخصية مثقفة وتحمل عناصر الكياسة الدبلوماسية، فإن التغيير الذي رمى إليه، نرى أنه لن يكون بإدخال أدب الخطاب الدبلوماسي في مخاطبة دول الخليج العربية، في حين أنه لن يبرح مواقف القيادة الإيرانية المتصلبة والمكابرة التي كانت المصدر الأساسي لجميع مشكلاتنا مع جمهورية إيران الإسلامية.

لذا فإن أكثر ما نخشاه، وما نرجو ألا نراه، هو ألا يتعدى حديث «حسن النوايا» في ممارسات الرئيس الجديد المستقبلية، وألا يتجاوز الأمر تغيير وجوه وشخصيات وتبديل كلمات بأخرى وتحوير أساليب المخاطبة، وليس تغييرا جوهريا في صلب السياسات الإيرانية، فنحن مع الرئيس روحاني إن سار صادقا وعازما على تغيير نهج ومضمون العلاقات الخليجية - الإيرانية، ونحن معه للعمل على إعادة جسور الثقة وعلاقات الجوار الحسن، ونحن معه في إدراك أهمية إعادة علاقات الود والثقة بين إيران وجاراتها العربية. لكن أمام ما ذكره حول الموقف الإيراني تجاه الأزمة السورية الذي أشار فيه إلى شرعية النظام السوري القائم ووجوب استمرار الرئيس الأسد وتأكيده من موقعة كرئيس منتخب لإيران أن الحكومة الموجودة حاليا في سوريا يجب أن تبقى حتى الانتخابات المقبلة عام 2014م، ورفض أي تدخل خارجي في الشأن السوري مع عدم اعتبار تدخل حزب الله العسكري في الأزمة السورية «تدخلا خارجيا»، يجعلنا محبطين من توقع أن يحدث أي تغيير يستحق الاهتمام في عهد الرئيس الجديد، ولا قيمة أو أهمية لحديثه المتكرر حول «حسن الجوار والاحترام المتبادل».

ورغم أن الملف السوري هو الأكثر أهمية وحساسية، فإن علاقات انعدام الثقة بين إيران وجاراتها الخليجية لا يمكن اختزاله في الموقف المتعارض من الملف السوري فقط. فالسياسة التدخلية الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة تعد مصدر قلق لدول الخليج العربية، ثم إن توظيف إيران للورقة الطائفية لدعم مصالحها السياسية والاستراتيجية لا يقل ضررا عن الملفات الأخرى، ويجب ألا نتغافل عن خطورة الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني، ورغم أن هذا الملف ذو طبيعة وبعد دوليين فإن الدول الخليجية تعد من أكثر الدول الإقليمية قلقا من تبعات تطوير إيران لقدراتها النووية، وتجاوزها لالتزاماتها الدولية في الشأن، لذا فإن مصداقية الوعود الإيرانية تحت إدارة الرئيس الجديد السيد روحاني سيجري اختبارها على أصعدة متعددة ومختلفة وملفات معقدة.

ونود التحذير من موجة التفاؤل المفرط التي قد ينجرف فيها بعض المواطنين العرب، وربما أيضا بعض القيادات العربية بعد انتخاب رئيس إيراني يوصف بالاعتدال المفترض، وربما بالعقلانية، وقد يُوظَّف هذان العنصران، أي الاعتدال والعقلانية، في تسوية الخلافات الإيرانية - الغربية لا غير، كوسيلة لرفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران، والتي تهدد اقتصاد البلاد وشرعية النظام الحاكم بشكل خطير، وفي المقابل علينا ألا نصاب بالدهشة أو الاستغراب، إن اكتشفنا استمرار توظيف سياسة التصلب والمكابرة في إدارة العلاقات الإيرانية - الخليجية، رغم الكلمات العذبة التي تفوه بها الرئيس الإيراني الجديد الذي نرحب بأمانيه الطيبة، ونشجعه على تنفيذها ونرد على تحيته بمثلها، وهذا ما قامت به فعلا القيادات الخليجية والعربية خلال الأيام القليلة الماضية. ولكننا نقف لننتظر الخطوات العملية على أرض الواقع دونما أن نغرق في أوهام الوعود والتمنيات.



* رئيس مركز الخليج للأبحاث

عبدالله هادي
27-06-2013, 03:44 AM
نعم سوريا أرض محتلة


سمى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الأشياء بأسمائها فيما يتعلق بالأزمة السورية، حيث اعتبر في المؤتمر الصحافي الذي عقد بجدة بحضور وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أن سوريا تعتبر اليوم أرضا محتلة، وذلك بعد تدخل ميليشيات حزب الله هناك مدعومة من قبل الحرس الثوري الإيراني.

الأمير سعود يقول: «إن أخطر المستجدات على الساحة السورية هي مشاركة قوات أجنبية، ممثلة في ميليشيات حزب الله وغيرها، مدعومة بقوات الحرس الثوري الإيراني، في قتل السوريين وبدعم غير محدود بالسلاح الروسي»، ومضيفا أن «هذا الأمر خطير في الأزمة ولا يمكن السكوت أو التغاضي عنه بأي حال من الأحوال؛ كونه يضيف إلى حالة الإبادة الجماعية التي يمارسها النظام ضد شعبه معنى جديدا يتمثل في غزو أجنبي مناف لكل القوانين والأعراف والمبادئ الدولية، كما أنه يستبيح الأرض السورية ويجعلها ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، وعرضة للنزاعات الطائفية والمذهبية، ولا يمكن اعتبار سوريا الآن إلا كونها أرضا محتلة».

وبالطبع فسوريا محتلة، ومقسمة أيضا، فما يحدث اليوم، وعلى يد الأسد، يدحض كل محاولات من يريدون الدفاع عن هذا النظام الإجرامي، أو تبرير جرائمه، سواء الروس، أو إيران، أو بعض الموالين للحلف الإيراني، ومن ضمنهم نوري المالكي في العراق.

الواقع اليوم بسوريا يقول إن المقاتلين الأجانب المحسوبين على إيران، سواء الحرس الثوري، وفيلق القدس، وكذلك مقاتلو حزب الله، والميليشيات الشيعية العراقية، وآخرون للأسف من شيعة المنطقة، كلهم يتدفقون لسوريا بدعوة من الأسد، ومن أجل محاولة دعم نظامه، فأمن دمشق بيد الإيرانيين، وتحديدا قاسم سليماني الذي قيل إنه لا يغيب عن العاصمة السورية.

وهناك الحدود المتاخمة للبنان، حيث يرعاها حزب الله، ومثلها الحدود مع العراق التي تحرك الحكومة العراقية قواتها، هذا عدا الميليشيات الشيعية العراقية، لتأمينها دعما للأسد، وفي محاولة لخنق الجيش السوري الحر، وبالطبع فإن هناك الجولان المحتلة من قبل إسرائيل التي سمحت لقوات الأسد باستخدام الدبابات من أجل إخراج الجيش الحر من معبر القنيطرة، ومن ناحية البحر المتوسط هناك البوارج الروسية! كل ذلك يقول إن سوريا مقسمة ومحتلة بفعل الأسد الذي قتل قرابة المائة ألف من السوريين.

حديث الأمير سعود الفيصل يعني أن السعودية لا تقبل بحل سياسي يبقي الأسد، وهذا بمثابة رسم مسار لأي محاولات سياسية قائمة أو قادمة، سواء على غرار «جنيف2» الذي بات مشكوكا في أن يعقد، أو غيره من الأفكار، والمبادرات التي تطرح من هنا وهناك والهدف منها إنقاذ الأسد. ولذا فإن حديث الفيصل مهم، وحاسم، حيث سمى الأشياء بأسمائها، وشكل رافعة مهمة للمعارضة السورية حين رسم حدود ما هو مقبول وما هو غير مقبول، كما أن حديث الأمير سعود يعني أن الرياض ماضية قدما في دعم الجيش السوري الحر من أجل تمكينه من حق الدفاع عن النفس والأرض.

عبدالله هادي
27-06-2013, 03:47 AM
تحولات غريبة!



يفرق أهل المنطق في الموقف من الشيء في «ذاته»، والموقف منه في سياق موضوعي آخر، ويمكن القول إن التحول الإخواني المتأخر جدا في الموقف من سوريا هو أمر «حق» في ذاته، إلا أنه تحصيل حاصل الآن يستدعي قراءة للسياق الذي جاء فيه.

الباعث على هذه القراءة هو البحث عن إجابة ما الذي تغير في الأزمة السورية ليغير طائفة كبيرة من دعاة الإسلام السياسي وعلى رأسهم الدكتور القرضاوي رأيهم ويتبعه في ذلك جمهرة من الدعاة السوبر ستار ويقوم الجميع بالدعوة للجهاد والقتال متناسين أن هذه الدعوة بتلك الطريقة المطلقة خطأ شرعي وخطيئة سياسية، فأصغر طالب علم قرأ الشريعة يدرك أن الفقهاء ينصون على احتكار الدعوة للجهاد بيد الحاكم، وهو الأمر الذي يفسر المفارقة بين رؤية من سماهم القرضاوي «علماء المملكة» وبين رموز الإسلام السياسي في الرؤية لمسألة المشاركة بالقتال وهو أمر يحيل إلى أن المحرك بين الطائفتين مختلف تماما بغض النظر عن الحكم عليه، فالمحرك في المدرسة التقليدية العلمية التي يمثلها علماء المملكة وطائفة من كبار علماء العالم الإسلامي الرسميين هو دافع شرعي مبني على رؤية لطبيعة العلاقة بين الشرعي والسياسي، بينما المحرك لتحولات رموز الإسلام السياسي والدعاة الجدد هو دافع سياسي مرتبط بالمتغيرات على الواقع، وفهم المحرك والدافع مهم جدا لقراءة منطقية للمواقف ليس من الأزمة السورية فحسب بل لعلاقة المؤسسة الدينية بالسلطة السياسية اتصالا وانفصالا.

من الناحية السياسية الدعوة للقتال في ظل واقع الدولة القُطرية خرق سياسي يعني التدخل في سيادة السلطة وعلاقاتها الخارجية التي تحكمها قواعد وأصول سياسية معقدة لا يمكن للدعاة الهواة أن يقوموا بإلغائها بخطبة ارتجالية منبرية.

الأزمة في عمقها هي أن الإسلام السياسي لا يعترف بواقع الدولة القُطرية المستقلة السيادة والحدود (وهو واقع لم يعرفه الفقهاء قديما حيث ارتبطت التشريعات بالإمبراطورية الإسلامية ودولة الخلافة) هذا الواقع الذي يتجاهله بالطبع دعاة الإسلام السياسي رغم الطابع الحداثي لرؤيتهم السياسية، ويلتزم به - ويا للمفارقة - الفقهاء التقليديون بحكم أنهم نقلوا الرؤية السنية المحافظة للعلاقة مع السلطة في الدولة القطرية الحديثة لأسباب تتعلق بالموقف من الفتنة والاستقرار وكل محددات السلم الاجتماعي التي يقدمها التيار العريض من أهل السنة على عكس مذاهب وتيارات كلامية وفقهية كانت تمثل وجهة النظر الثورية في طول تاريخ الإسلام الذي عرف جدلا واسعا على الموقف من «الشرعية».

ما سبق رغم دخوله في تفاصيل المتن العريض للإسلام السني فإنه مهم في فهم ما يجري الآن، لا سيما بعد التحولات التي يعيشها الإخوان في دول الربيع العربي وعموم دعاة الإسلام السياسي خارجها والتي توحي بالتراجع من الموقف في سوريا رغم أن المعطيات لم تتغير فالدعم الإيراني المباشر وعبر ذراعه حزب الله كان منذ البدايات وإن لم يكن بالمشاركة في القتال، كما أن تجاذبات حزب الله السياسية وعزلته وارتهانه للرؤية الإيرانية التوسعية المتمثلة في مرحلة تصدير الثورة قديمة، ولا علاقة للأمرين بالقناعات العقائدية أو «التشيع»، وإنما هي علاقات سياسية مدفوعة بالرافعة العقائدية وهو ما بات يعرف بـ«التشيع السياسي» والفرق بينهما كبير.

والسؤال لماذا يحرص دعاة الإسلام السياسي على جر المنطقة إلى حرب طائفية كبرى عبر الدعوة للقتال والجهاد والتركيز على التمييز العقائدي و«تديين» طبيعة ولغة الأزمة السورية؟

أعتقد أن ثمة عوامل كثيرة ومعقدة لفهم هذا التحول لكن يترشح في الأساس عاملان أساسيان الأول هو عدم رغبة الإخوان ودعاة الإسلام السياسي في فقدان الشرعية الدينية بعد أن اهتزت شرعيتهم السياسية كثيرا، لا سيما أن المنافس في سباق الشرعية الدينية أقوى بمراحل منهم وهم السلفيون وبقايا تيارات الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر ومجموعات السلفية الجهادية في باقي الدول، بينما ينافسهم في الشرعية السياسية المعارضة المدنية ذات الخطاب الهش والضعيف الذي لا يمثل أي ثقل في الشارع.

العامل الثاني أن ثمة متغيرات جديدة على الأرض بعد دخول حزب الله المباشر للقتال وبعد تحول جرائم الأسد وتنكيله لشعبه إلى درجة محرجة للمجتمع الدولي أجبرته على إعادة النظر في مسألة التسليح كما هو الحال في الموقفين الأميركي والأوروبي وإن بدرجات مختلفة، ولو ظل الإخوان على موقفهم الأساسي والذي أثار حفيظة إخوان سوريا قبل غيرهم لوضعوا أنفسهم في عزلة سياسية عن الحشد الدولي لإنهاء الأزمة السورية الآن.

سياسيا لماذا يبدو قرار مثل قرار الرئيس مرسي تحصيل حاصل رغم ما يقال عن أنه لم يكن مضمنا في الخطاب الأساسي وإنما جاء مرتجلا، لأنه لم يزد على ما توصلت إليه الجامعة العربية من استبدال نظام الأسد في تمثيل سوريا بالجامعة بالمجلس الوطني.

الدعوة للقتال والنفير كما يحدث الآن بشكل اعتباطي خارج منطق السياسة ومتغيرات الأرض ستكرر مطابخ الإرهاب التاريخية باكستان ثم أفغانستان فالبوسنة والشيشان وصولا إلى العراق وستفرز جيلا جديدا من العائدين بينما يتربع المحرضون على أرائكهم الوثيرة.

__________________________________




منطقة فقدت المنطق!


مما لا شك فيه أن منطقة الشرق الأوسط الآن فقدت منطقها، وأصبحت مسرحا للعبث واللامعقول من الأفكار والمواقف السياسية التي ستأخذ آثارها سنوات طويلة تفوق حجما وتأثيرا سنوات النكبة والنكسة وحربي الخليج وحتى ارتدادات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، هذا ليس تشاؤما بقدر أنه استشراف لواقع مؤلم بدت مقدماته بالظهور تباعا.

الحديث عن مقاتلين من شيعة الخليج بجانب مقاتلي حزب الله، بإزاء ما يحدث من عودة لشرعية المجموعات السنية المقاتلة التي تريد الخروج من إرث «القاعدة» وعبئها التاريخي وتبني صورة جديدة للحل المسلّح بعد أن خذل المجتمع الدولي السوريين وجعلهم بين كماشة تطرف حزب الله المؤيد للنظام الأسدي متجاوزا سيادة لبنان بكل صلف ونفير مجموعات من المؤمنين بفكر «القاعدة» الذين يرون أي حديث عن الإرهاب جريمة سياسية وأخلاقية لأنها تتحدث عن نصف الكأس الفارغ فقط.

في المقابل على المستوى الطائفي يرتفع منسوب الطائفية إلى أعلى مستوياته تحاصرك الصور والأخبار والنكات والتعليقات ومقاطع الميديا المرسلة بلا مصدر، كلها تصب في أتون الطائفية بشكل بغيض جدا، فرح وابتهاج بسحل مجموعة من الشيعة المصريين الهواة في مقابل حصار لمجموعات سنية متطرفة في صيدا مدفوعة بالصراع السياسي الطائفي هناك وتدخل الجيش الذي لا يجرؤ أن يبادل عناصر حزب الله نفس الأسلوب وبالطبع هذا لا يبرر لا خطاب ولا مواقف تلك المجموعات التي بات قادتها نجوما ورموزا في الضفة السنية.

على المستوى السياسي ينشط الآن تجار الأزمات وحالة اللااستقرار والذين ترتفع حناجرهم الآن يضغطون على دول الخليج المستقرة بينما يتعامون عن قول أي كلمة فيما يحدث في تركيا قبلة النموذج السياسي للإسلام السياسي، والأكثر عبثية يصرّون على منح كامل الشرعية والتأييد لحكومات الإخوان الفاشلة بعد الربيع العربي وعلى رأسها تجربة الحرية والعدالة المصرية بقيادة محمد مرسي، الذي لم يمض إلا سنة استطاع فيها العودة إلى الوراء سنوات ضوئية على مستوى الاقتصاد والسلم الأهلي.

مسرح اللامعقول هذا لا يقف على الحالة العربية، بل على التداول الغربي لها عبر دوله الكبرى ومؤسساته الدولية، فهناك صمت مطبق على تديين الصراعات والنزاعات السياسية على طريقة فخار يكسر بعضه بعضا، متجاهلين عوامل كارثية قد ترتد إلى معاقلهم، فالمجموعات السنية المقاتلة لها حضورها القوي جدا في عدد من الدول الأوروبية والتي قد تنشط لإعادة مهمة القاعدة الأساسية المعطلّة الآن بسبب تغير الظروف وهي مهمة استهداف المصالح الغربية، كما أن هذا الإهمال للتجاوزات السيادية التي يقوم بها حزب الله بدعم إيراني سيجعل المنطقة مفتوحة الأبواب لصراع بالوكالة إلى أجل غير مسمى.

هناك حالة من التدمير الهائل بمباركة دولية عبر الصمت المطبق لمجرد تخمينات مرحلة ما بعد رحيل نظام الأسد، الذي لا يملك أي سبب للبقاء، حيث فقد كل الفرص المعقولة على أنقاض جثث مئات الألوف وملايين المشردين.

موجة الطائفية وتديين الصراع واعتبار أن ما يحدث هو حرب سنية شيعية المحرّك الأول لمسرح العبث في المنطقة، وسكوت المثقفين والمحللين على ذلك انحناء للموجة وخوفا من غضب الجماهير العارم جريمة أخلاقية لا تغتفر، بل وانجراف إلى ما يريده نظام الأسد ونجح في تمريره، وهو يعلم أن الأغلبية من قوام جيشه الذي يحارب من أجله بعثي ممسوخ الهويّة الدينية لصالح الآيديولوجيا البعثية، وإن كانوا اجتماعيا محسوبين على السنة، كما أن الصوت الإيراني للتشيع السياسي وعبر ذراع حزب الله والحوثيين لا يشمل رؤية كل الطائفة الشيعية في المنطقة، ولا يمكن تفسير الصمت تجاه الجرائم التي تحدث إلا بفوبيا الخروج من منطق الطائفة، الذي يماثله التبرير لجرائم «القاعدة» بدعوى أنها الوحيدة التي تقف الآن لنصرة السوريين.

من الطبيعي في أشد أوقات الأزمات أن نفقد «المنطق» ونؤسس لمسرح عبثي لا معقول على الأرض، كما كانت ارتدادات ما بعد الحرب العالمية على الأدب، لكن تبرير هذا العبث سياسيا والسكوت عنه هو ما يؤسس لتفاقم الأوضاع بسبب غياب صوت الاعتدال والمنطق.

هناك طرف ثالث مفقود وغائب لا صوت له، بسبب خوفه من موجة «التطرف» التي تعم المنطقة حيث تعلو الأصوات الطائفية والانفصالية وأصحاب الحلول المسلحة وتجار الأزمات السياسة..

هناك بحر من الدم الطائفي الآن يسيل وحري بنا أن لا ننجر وراء دعوات الغرق فيه، فالحرب كما يقول ثوماس مارن الطريقة الوحيدة الجبانة للهروب من عبء السلام والاستقرار.

عبدالله هادي
27-06-2013, 03:50 AM
لا انقلاب على بشار الأسد قبل القناعة بسقوطه «لا محالة»



حسب «التايمز» اللندنية، في عدد سابق، فإن «الغرب»، ومن ضمنه الولايات المتحدة، قد تبنى خطة، يبدو أنها لم تعد سرية، لتشجيع كبار الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس السوري بشار الأسد على الانشقاق والانقلاب على رئيسهم ليلعبوا دورا في بناء سوريا الجديدة. وعلى ذمة هذه الصحيفة العريقة والمعروفة باتزانها، فإن قادة «مجموعة الثماني» قد وعدوا كبار الجنرالات والشخصيات البارزة في أجهزة الأمن والقوات المسلحة السورية بأنهم سيحصلون على ضمانات كافية، إنْ هم قاموا بمثل هذه الخطوة الانقلابية.

ومما يؤكد جدية هذه المبادرة، التي بقيت مجرد خبر مثير في هذه الصحيفة البريطانية الوقورة ولم يجرِ التطرق إليها في أي وسيلة إعلامية أخرى، أن «التايمز» نفسها قد نسبت إلى رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أنه قال إن قادة «مجموعة الثماني» قد اتفقوا خلال قمتهم الأخيرة في آيرلندا الشمالية على إقناع كبار المسؤولين السوريين الموالين للرئيس السوري، الذين باتوا يدركون أن بشار الأسد زائل لا محالة، بضرورة الانقلاب عليه كي لا تسقط سوريا في مستنقع الفوضى الذي سقط فيه العراق.

وحقيقة، إن هذا يدل، إن صحت هذه المعلومات، على أن هذه الدول الثماني، التي غير معروف ما إذا كانت روسيا من بينها أم لا.. والمؤكد أنها ليست من بينها وأن العدد يقتصر على سبع دول فقط، على أنه لم يعد هناك أي أمل بانعقاد مؤتمر «جنيف 2» وأي أمل بتحقيقه أي تقدم فعلي في حال انعقاده، والسبب كما قالت «التايمز» البريطانية هو إصرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على تحدي الضغوط الغربية التي تمارس عليه لحمله على التخلي عن دعم بشار الأسد والاستمرار في مساندته.

وإزاء هذه الصحوة المتأخرة لهذه الدول الغربية، ومن بينها الولايات المتحدة التي بقيت مترددة وغير قادرة على اتخاذ موقف جدي من المفترض أن مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية تتطلبه، فإنه يمكن القول: «في الصيف ضيعت اللبن»؛ إذْ إن مثل هذه الفرصة كانت ممكنة، وإنْ على نطاق ضيق في البدايات عندما أصيب نظام بشار الأسد بالارتباك وعندما لم تكن بعد قد خلصته الانشقاقات الفردية، إن على مستوى كبار وصغار الضباط وإن على مستوى الأفراد، من كل غير الموالين له ولنظامه وتركت له قوات مسلحة وأجهزة أمنية مسيطرا عليها بصورة عامة لأسباب، بالدرجة الأولى، طائفية.

إنه ضرب من الخيال، أن يكون هناك تفكير منطقي وجدي من قبل الولايات المتحدة، ومعها الدول الأوروبية المعنية بهذا الأمر، بعد عامين وأكثر من التصفيات المتلاحقة التي لجأ إليها هذا النظام والتي تسببت فيها الانشقاقات الفردية إنْ داخل الجيش والقوات المسلحة وإنْ في الأجهزة الأمنية السورية، وهنا ومع التقدير والاحترام لكل الذين تبنوا تلك العملية التي قتل فيها عدد من كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين ومن بينهم آصف شوكت، الذي كانت قد قيلت عنه روايات غير مؤكدة كثيرة، فإنه لا يمكن إلا ترجيح أن نظام بشار الأسد نفسه هو الذي قام بهذه العملية، وأن الهدف هو قطع الطريق على محاولة انقلابية، ربما كانت قيد التحضير والإعداد.

إن المؤكد، وهذا يعرفه المطلعون من قرب على كيفية انتزاع حافظ الأسد السلطة والحكم من بين أيدي رفاقه البعثيين في انقلاب نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970 الذي أطلق عليه اسما تجميليا خادعا هو: «الحركة التصحيحية»، أن الجيش السوري قد خضع، بدءا بانقلاب الثامن من مارس (آذار) عام 1963، مرورا بحركة الثالث والعشرين من فبراير (شباط) عام 1966، وانتهاء بهذه الحركة التصحيحية آنفة الذكر، لعمليات «تطهير» متلاحقة قد أوصلته إلى هذا الذي وصل إليه؛ أي تحوله إلى جيش طائفي يتحكم فيه الضباط العلويون، من أصغر وحدة عسكرية في قوات الاحتياط والخدمة الإلزامية وحتى قيادته العليا ورئاسة أركانه.

لقد جاء تدفق الشبان العلويين، الذين كانت تغلق في وجوههم الوظائف الحكومية والذين اتجهوا بأغلبيتهم إلى حزب البعث بعد اغتيال الضابط البعثي الدمشقي اللامع عدنان المالكي في عام 1955 على أيدي من ساد اعتقاد أنهم ينتمون إلى الحزب القومي السوري، على الكليات العسكرية ليعزز سيطرة لاحقة لأبناء هذه الطائفة على الجيش السوري وعلى الأجهزة الأمنية السورية. وحقيقة، إن هذا هو ما جعل انقلاب الثامن من مارس عام 1963 يبدو كأنه انقلاب علوي، كان من أهم رموزه محمد عمران، الذي جرى اغتياله بقرار من حافظ الأسد في طرابلس اللبنانية في عام 1972، واللواء صلاح جديد الذي أودعه حافظ الأسد مع رئيس الدولة الدكتور نور الدين الأتاسي والكثير من القيادات الحزبية والعسكرية زنازين «المزة» الشهيرة، وبقي فيها إلى أن اغتالته الأمراض مثله مثل الكثير من رفاقه. وهذا ينطبق أيضا على حركة الثالث والعشرين من فبراير التي أوصلت حافظ الأسد إلى وزارة الدفاع، بالإضافة إلى قيادة سلاح الجو، وذلك مع أنه كان في بريطانيا ومعه ثلاثة آخرون في مهمة لا تزال غامضة وغير معروفة في فترة الإعداد لهذه الحركة، التي يرى حتى بعض كبار الضباط الذين قاموا بها من حزبيين مدنيين وعسكريين أنها استكملت سيطرة «العلويين» على سوريا، ولم يعد إلا قبل هذا الانقلاب، الذي أحدث أكبر وأخطر انقسام تنظيمي وسياسي في حزب البعث، بأربع وعشرين ساعة.

كان حافظ الأسد قد تحالف مع صلاح جديد بعد انقلاب مارس عام 1963 إلى أن انتهى من محمد عمران، ثم بعد حركة فبراير عام 1966 بدأ بالحفر تحت قدميّ حليفه هذا إلى أن تمكن عمليا من تهميشه وإبعاده عن مراكز القرار والتأثير، وخاصة في الجيش والقوات المسلحة، في عام 1968، وهكذا إلى أن تمكن من القيام بحركته التصحيحية بعد نحو عامين بانقلاب أبيض نفذه في وضح النهار، فأصبح يسيطر على كل شيء بعدما وضع كل منْ من المفترض أنهم رفاقه في السجون والمعتقلات ليقضوا في زنازينها سنوات طويلة.

والمهم هنا، هو أن حافظ الأسد، ومع أنه كان قد استعان بـ«ديكور» سني من بين رموزه، كل من عبد الحليم خدام الذي أصبح نائبا له، ومصطفى طلاس الذي كاد يصبح وزيرا للدفاع إلى الأبد، وحكمت الشهابي الذي أصبح بعد هذه الحركة التصحيحية رئيسا للأركان، فإنه خلال سنوات حكمه جعل «الجيش العربي السوري» واقعيا وعمليا جيشا للطائفة العلوية، وحيث بات في استطاعة ضابط صغير من أبناء هذه الطائفة الموالين له أن يتحكم في فرقة عسكرية كاملة، على رأسها قائد سني يحمل كتفاه وصدره أعلى الرتب وأهم الأوسمة العسكرية.

إن هذا واقع الحال، ولذلك وعندما تفجرت الأوضاع في سوريا بعد الحادثة المعروفة في مارس (آذار) عام 2011، وتمادى نظام بشار الأسد في ارتكاب كل هذه المجازر البشعة ضد الشعب السوري، فإن أقصى ما كان بإمكان الضباط الوطنيين من سنة وعلويين فعله هو الانشقاق فرديا، فالجيش السوري كان مسيطرا عليه ولا يزال سيطرة طائفية كاملة وكذلك الأجهزة الأمنية، ولذلك فإنه كان من المستحيل القيام بانقلاب عسكري في بلد الانقلابات العسكرية، وخاصة أن هذا النظام، بدعم من روسيا وإيران ومن نوري المالكي والتشكيلات الطائفية العراقية، بقي متماسكا بصورة عامة.

والآن، إذ يعود الغرب، ومعه الولايات المتحدة، بعد سبات عميق طويل، إلى الحديث عن أن هناك إمكانية لتشجيع كبار الجنرالات في الجيش السوري وكبار الشخصيات «البارزة» في الأجهزة الأمنية السورية على الإطاحة ببشار الأسد، فإنهم يبدون بدعواتهم هذه كمن «يغمس خارج الصحن».. اللهم إلا إذا بادروا وبسرعة إلى تقديم دعم فعلي للجيش السوري الحر يحدث تغييرا حقيقيا في المعادلة الحالية بين النظام والمعارضة، ويجعل هؤلاء الجنرالات، ليس يشعرون وفقط، بل يتأكدون من أن هذا النظام زائل لا محالة، وأن عليهم أو على بعضهم أن يغتنموا فرصة سانحة قبل أن يغتنمها غيرهم ويبادروا إلى القيام بانقلاب إنقاذي استجابة للدعوات والتطلعات الغربية وأيضا العربية وقبل كل هذا لتطلعات الأكثرية السورية.

عبدالله هادي
27-06-2013, 03:53 AM
جسر مالي يربط «إخوان مصر» بقادة حماس



بعض الدول تحفر لنفسها حفرة لا يمكن أن تتخلص منها لاحقا. هذه السياسة يعتمدها بعض حكام دول العالم الثالث بحيث يبقون أبناء الريف يتخبطون في الفقر والعزلة والأمية لسهولة السيطرة عليهم بهذه الحالة. وهذا ما اعتمده ويعتمده حكام مصر. إذا راجعنا البيانات عن مصر، يتبين أنها لا تستطيع أن تحدد قعر الحفرة في ميزان مدفوعاتها، حفرة بدأتها بالاعتماد بنسبة 50% على المواد الغذائية المستوردة، ناهيك بفاتورة الطاقة التي تستهلك ربع الميزانية السنوية.

المظاهرة المتوقعة في 30 يونيو (حزيران) الحالي، تعكس مرارات كثيرة: رفض حكم الإخوان المسلمين التعبير عن الظلم الذي يعيشه فقراء مصر وفلاحوها.. طوابير الناس التي تقف أمام المخابز.. المياه التي لا تصل إلى الأراضي الزراعية، كما أن سوء التغذية يصيب ربع المصريين؛ في تقديرات منظمة الصحة العالمية، وحكومة الإخوان المسلمين تعد بوصول القمح الوفير الذي لن يصل أبدا. وتدرك الحكومات الأخرى الغربية والخليجية أن أي أموال تصب في مصر سيبتلعها مجرى لا نهاية له.

ومع ذلك، ورغم كل المعاناة المصرية، فإن الإخوان المسلمين يركزون على دعم حليفهم في قطاع غزة حركة حماس.. فالبعد الذي تتطلع إليه الجماعة يتجاوز معاناة الفرد المصري، ليخدم تطلع المستقبل الذي تعتقد بأنه آت لا محالة.

أما حماس التي خسرت ممولها الأساسي إيران، فإنها قررت التعويض بجولات يقوم بها الثنائي خالد مشعل - إسماعيل هنية إلى قطر وتركيا ومصر.

في مصر هناك الآن المؤسسة المصرية والجيش من جهة، وهناك قيادة الإخوان المسلمين. وبسبب ما تعرضت له سيناء من هجمات من متطرفين إرهابيين، عمد الجيش المصري إلى إغلاق العدد الكبير من الأنفاق بين سيناء وغزة الشهر الماضي، كما أنه ضيّق على محاولات حماس إعادة التسلح، فصادر أسلحة ومتفجرات بما فيها صواريخ قصيرة المدى وصواريخ مضادة للدبابات. لكن حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، تجاوزتا كل هذه «التفاصيل»، فالهدف الذي يجمعهما يصب أحيانا في المصلحة الخاصة.

وعلى الرغم من استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في مصر في ظل رئاسة محمد مرسي، فإن الإخوان المسلمين يقدمون المساعدة المالية المباشرة، للفرع الشقيق حماس.

خلال الثورة، قدمت حماس كثيرا من المساعدات السرية لجماعة الإخوان المسلمين، وبسبب الأزمة المالية التي تمر بها حماس، قرر «الإخوان» التعويض عليها وسداد «الدين» وذلك على شكل ملايين من الدولارات التي تُهرّب إلى قطاع غزة على حساب المصالح المصرية والملايين من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

في برنامج عن النشاط العقاري في غزة، قدمت أخيرا قناة «فرانس 24» تحقيقا مذهلا، حيث إن الأراضي في غزة يتضاعف سعرها شهريا والمشترين يتكاثرون. الفيللات الفخمة لا يقل سعر الواحدة منها عن المليون دولار، ودائما تجد من يشغلها. يقول أحد أبناء غزة عن فريق جديد لا يتكلم إلا بالملايين: «قبل سنتين لم يكن معه ثمن علبة سجائر».

الأنفاق هي الطريق إلى الثروة، والتهريب أولى درجات سلم الثراء، والمقربون من الحكومة أكثر المحظوظين. في نهاية البرنامج، يقول أحد المقاولين: «مستقبل الأراضي والعقارات سيكون في غزة.. الأسعار في كل العالم تنخفض، لكنها في غزة تزداد ارتفاعا».

خيرت الشاطر، أحد كبار رجال الأعمال، ومن بين أهم الأعضاء المخططين في «الإخوان» يقال إنه هو المسؤول الرئيس عن تنسيق تحويل الأموال إلى حماس. عام 2012 وفي الأشهر الأخيرة، ذكر أنه قام بتحويل الملايين من الدولارات إلى المسؤول عن الشؤون المالية لـ«كتائب عز الدين القسام» في مصر، وإلى المسؤول المالي لحركة حماس في القطاع. جزء كبير من هذه الأموال تحول إلى الجناح العسكري لحماس في القطاع، فضلا عن استخدامات أخرى للحركة.

إضافة إلى التحويلات المالية، فإن كبار الشخصيات في حركة حماس يستثمرون في الأصول المصرية من أجل تحقيق أرباح للحركة ولأنفسهم أيضا. وفي هذه الحالات، ترد أسماء قياديين في جماعة الإخوان المسلمين على أنهم يشاركون مباشرة في استثمارات حماس في مصر، بعد لقاءات عقدوها مع كبار المسؤولين عن الجهاز المالي في الحركة، وكان بينهم أعضاء في الحركة وجهت إليهم اتهامات كثيرة.

من أنشطة رجال حماس في مصر، دخول بعضهم في شراكة استثمارية مع مسؤولين كبار في مالية الإخوان المسلمين. وأولئك يستفيدون كثيرا من الاستثمارات المدعومة بشكل كبير في مصر، التي هي على حساب الشعب المصري.

فضلا عن التحويلات المالية والاستثمارات، ثمة من يتهم حماس بانتهاكها القانون المصري من خلال تهريب المبالغ غير المعلنة، أكثر من 10 آلاف دولار أميركي من مصر إلى قطاع غزة. ووفقا للجمعية الدولية للنقل الجوي (اياتا)، يسمح للفرد لدى خروجه من مصر بأن يحمل ما يصل إلى 10 آلاف دولار و5 آلاف جنيه مصري. لكن حماس تغادر مصر ومعها ملايين من الدولارات في كل مرة من خلال تبديل الأموال، والمسؤولون يغادرون إلى غزة عبر رفح.

ويتحدثون في القاهرة عن قيادي في حماس يواصل نقل الملايين من اليوروات المخصصة للحركة لدى عودته من دول شرق أوسطية إلى مصر، كما يرددون اسم مسؤول كبير يستمر في ملء حقائبه بالملايين من الدولارات أثناء مغادرته مصر إلى غزة عن طريق معبر رفح، ويقولون أيضا إن هناك بعض النشطاء البارزين في الذراع العسكرية لحماس في غزة يواصلون نقل ملايين الدولارات واليوروات من مصر إلى غزة.

في مقال نشرته مجلة «أتلانتيك» الأميركية كتب جوناثان شانزر نائب الرئيس للأبحاث في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، أن قادة حماس بدأوا يسوِّقون فكرة تجذب أغلب أهالي غزة: «لماذا لا نخرج باقتصاد غزة من الأنفاق إلى سطح الأرض، بمساعدة مصر». حركة حماس عبر تعاطيها بهذا الأسلوب مع جماعة الإخوان المسلمين بدأت تحقق هذا، وهو في الحقيقة اقتصاد مهتز يعتمد على التهريب والفوضى وحرمان المصريين من حقهم، وحرمان أهل غزة أيضا.. إنه اقتصاد إثراء المسؤولين في حماس.

يقول شانزر: «مثل هذه الخطوة قد تجبر حماس على التخلي عن تهريب الأسلحة، وبقبولها مثل هذا الترتيب، قد تضطر إلى نبذ العنف بالفعل إن لم يكن بالقول...». ويضيف شانزر: «يبدو أن الحركة فقدت قابلية الصراع، مما يشير إلى أنها في حالة تغيير مستمر».

في المقال يوضح مخيمر أبو سعدى، أستاذ علوم سياسية في غزة: «حماس في عملية تحول. (الاعتدال) ليست الكلمة الصحيحة، إنما هناك أمر ما يحدث».

الأمر الذي يحدث أن فوز الإخوان المسلمين في مصر، فتح آفاقا جديدة لقادة حركة حماس: السلطة والأموال التي تتدفق من دون محاسبة؛ إذ منذ أن تسلمت دفة الأمور في غزة، زاد فقر الغزاويين وضاقت سبل الحياة أمامهم.. الأنفاق أثرت «النخب» المقربة من السلطة. «الإخوان» في مصر، من ناحيتهم، يتصرفون تجاه المصريين وكأنهم سيحكمون أبدا. المظاهرة التي ستنطلق في 30 يونيو الحالي مدعومة بتوقيع 15 مليون مصري يطالبون مرسي بالرحيل، واجهها مرسي بمظاهرة من قبل الإخوان المسلمين تحرض على قتل العلمانيين والليبراليين والمسلمين من غير «الإخوان». بعد مرور سنة على تسلم «الإخوان» الحكم، ما زال المصريون يتسابقون أمام المخابز وأمام محطات الوقود.. السياح لم يعودوا.. المياه قد تجف مع سد إثيوبيا، والبطالة تتصاعد.. بعد مرور سنة، لا يزال «الإخوان المسلمون» يظنون أن حزبهم المنظم قادر على قمع الناس وتحريكهم كما يريدون، المهم أن لا يلهيهم شيء عن الوصول إلى «الأمة» التي يتطلعون إليها، ورأوا في حماس وإغراق مسؤوليها بالمال والاستثمارات، بداية لطريق يعتقدون أنه سيصل بهم إلى «بر الأمان» حتى ولو دخلت مصر غرفة العناية الفائقة.

عبدالله هادي
27-06-2013, 03:53 AM
هذا رأيي!


في 30 يناير (كانون الثاني) 2011، بعد ثورة مصر، كتبت بهذه الزاوية مقالا بعنوان «درس مصر.. الدولة هيبة» استهللته بالقول: «نشاهد ما يحدث في مصر ولا نملك إلا الدعاء إلى الله ليجلي هذه الغمة عن المحروسة، لكن.. ليس لنا اليوم إلا استخلاص العبر، ومحاولة الطرح بتعقل لأن الفوضى والارتجال هما المتسيدان في مصر، وفي فضاء إعلامنا العربي».

وكان ملخص المقال ما نصه: «درس مصر القاسي للمصريين، والعرب: أن الدولة هيبة، وإذا ما ضاعت هيبة الدولة فإن المصير هو ما نراه من نهب وفوضى في كل مصر. والهيبة لا تتم بالقمع، أو التعالي على الناس، بل هي وفق مقولة معاوية بن أبي سفيان «لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها»، وهذا لا يتم بالوعود الخيالية، ولا بالقبضة الأمنية، بل من خلال بناء مؤسسات لا تترهل، وتقوم على الكفاءة، فالدولة حكم، وليس طرفا». على أثرها قامت الدنيا ولم تقعد من تخوين وشتائم، من صحافيين سعوديين وغير سعوديين ممن يتباكون اليوم على مصر بعد أن اهتزت الأرض تحت الإخوان المسلمين، وشاركت في تلك الحملة بعض الفضائيات العربية وبلغ الأمر إلى حد إنشاء صفحة تحت اسم: (المثقفون السعوديون المعادون لحرية الشعوب)!

اليوم، وبعد قرابة العامين، تخرج علينا (بي بي سي) العربية تطالب متابعيها بالمشاركة برأيهم تحت عنوان (مصر: هل تراجعت هيبة الدولة وبات العنف سيد الموقف؟)! وليست (بي بي سي) وحدها التي باتت تتحدث اليوم عن «هيبة الدولة»، بل بتنا نسمع حزب الله وحلفاءه في لبنان يتحدثون الآن عن هيبة الدولة، وذلك دعما لعمليات الجيش لملاحقة جماعة الشيخ أحمد الأسير، وفي الوقت الذي لا تجرؤ فيه الدولة اللبنانية نفسها، وجيشها، على إخضاع حزب الله لنفوذ الدولة!

وفي سوريا نسمع الأسد الآن يتحدث عن هيبة الدولة، وتؤيده إيران وروسيا، الدولة التي لم تتوانَ عن تعذيب بشع لأطفال كتبوا على الجدار «جاك الدور يا دكتور» وعلى أثرها اندلعت الثورة، وقتل قرابة المائة ألف سوري على يد نظام الأسد الذي استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه وجلب إيران وحزب الله لحمايته والآن يتحدث عن هيبة الدولة! والأمر نفسه يحدث في مصر الآن حيث نسمع الإخوان ومريديهم يتحدثون عن هيبة الدولة التي لم تحقن الدماء، ولم تحافظ على السلم الاجتماعي، وفعلت المستحيل لإضعاف مؤسساتها، واليوم يتم الحديث عن هيبة الدولة تحسبا لمظاهرات 30 يونيو القادمة!

وطالما أن (بي بي سي) العربية تطلب المشاركة حول هيبة الدولة فالرأي هو المقولة الشهيرة التي تقول إن من يعيش فوق القانون سيحرم من مظلته عندما يحتاجه، وهذا ليس درسا للساسة وحسب، بل وللمتقلبين من إعلام وإعلاميين!

عبدالله هادي
27-06-2013, 03:54 AM
لو أن مرسي فعلها!



عندما أصدر الرئيس عبد الناصر، قرارا في عام 1969بتعيين أنور السادات نائبا له، كان واضحا أن هذا النائب، سوف يكون هو الرئيس، في أي لحظة يخلو فيها مقعد الرئاسة، وكان الشيء الأوضح، أن خلو المقعد، وارد جدا، في ظل احتمالين كانا قائمين وقتها؛ أولهما أن عبد الناصر كان مريضا، منذ عام 76، وكان يتلقى علاجا مكثفا، وثانيهما أنه كان في طريقه إلى الرباط، لحضور قمة منعقدة هناك، وكان هناك كلام، بل معلومات، عن وجود خطة لاغتياله في العاصمة المغربية.

وفي الأحوال كلها، فإن أحدا لم يكن يتوقع، رغم قوة الاحتمالين، أن يخلو الكرسي الرئاسي بهذه السرعة، إذ سرعان ما فارق الرئيس دنيانا بعدها بشهور، وتحديدا في 28سبتمبر (أيلول) 1970، وأصبح على نائبه، والحال هكذا، أن يتقدم ليملأ منصبه.

ولم يكن سرا، أن المحيطين بعبد الناصر، ممنْ جرت العادة على إطلاق اسم «مراكز القوى» عليهم، كانوا غير راضين عن وجود السادات نائبا، وكانوا بالدرجة نفسها، غير مقتنعين بقدرته على أن يكون رئيسا لدولة بحجم مصر، ومع ذلك، فإنهم لم يمانعوا وصوله إلى الكرسي، بعد عبد الناصر، ليس لأنهم كانوا قد غيروا رأيهم فيه فجأة، وإنما لأنهم رأوا أن وجود رجل ضعيف مثله - من وجهة نظرهم - في قصر الرئاسة، سوف يتيح لهم أن يحكموا في وجوده، ومن خلف ستار!

ومن الواضح، أن السادات نفسه، كان يدرك في المقابل، ما يريدونه هم، وما يخططون له، ولذلك، فإنه بدهائه الذي اشتهر به، قد راح يسايرهم، ويرخي لهم الحبل، ويتظاهر بمكر الثعلب، بأنه لا يرى ما يدور حوله، إلى الدرجة التي راحوا هم فيما يبدو من جانبهم، يفركون أيديهم من الفرحة، ولماذا لا؟! وقد جاءوا برئيس ليس أكثر من لافتة إلى الحكم، وأصبحوا يحكمون من ورائها، ويفعلون ما يحلو لهم، ويديرون البلد كما يشاءون!

وفي الفترة من 82 سبتمبر 0791، إلى يوم 51 مايو (أيار)1791، كان السادات يدرك يوما بعد يوم، أنه لن يستطيع أن يحكم في وجودهم، وأنه لن يكون رئيسا حقيقيا ما داموا هم حوله، وأن الأمر لا يحتمل الجدل أو الفصال، فإما أن يحكم هو، أو أن يحكموا هم، ولا حل آخر في الوسط.

وهو، بدهائه مرة أخرى، قد تعمد أن يتركهم يخطئون، مرة بعد مرة، وكأنه لا يراهم، حتى إذا جاء منتصف شهر مايو عام 71، كانوا جميعا في قبضته، وكان الرأي العام في مجمله، مؤيدا لما فعله الرئيس بهم، لأنه، كرأي عام، كان يتابع سلوكهم، وتصرفاتهم، طوال الشهور الفاصلة بين رحيل عبد الناصر ومجيء السادات مكانه، ووقوعهم في يديه!

وقد كانت للسادات عبارة شهيرة، في وصف ما جرى منه إزاءهم، إذ كان يردد دائما، أنه لم يفعل شيئا سوى أنه شد الحبل الذي ربطوا أنفسهم به مسبقا، فسقطوا معا في الحال!

هذه الصورة على بعضها، لا بد أن تطوف في ذهنك، إذا ما قارنت بينها، وبين ما يجري حاليا، في حكم مصر، بين جماعة الإخوان، والدكتور محمد مرسي.

فبمثل ما إن مراكز القوى، في زمن عبد الناصر، قد جاءوا بالسادات، ليحكموا هم، لا هو، بمثل ما إن الجماعة جاءت بمرسي للهدف ذاته، وما كان يدور بين السادات من ناحية، ومراكز القوى من ناحية أخرى، منذ مجيئه رئيسا، إلى أن قاد عليهم «ثورة التصحيح» الشهيرة، هو بالضبط، ما يدور بين «الجماعة» من ناحيتها، ومرسي بدوره، وإن كان بشكل آخر طبعا!

وبالقطع، فإن رأي السادات، فيما كان يحدث حوله وقتها، يختلف تماما، عن رأي مرسي في ذات الاتجاه، لأن السادات كان يرى، ثم يترقب خلاصه من وضع لم يكن من الممكن أن يستمر، في حين أن مرسي إذا كان يرى، فإنه فيما يظهر لنا، ولأسباب نعرفها، لا يترقب خلاصا مماثلا، من جماعة تحكم باسمه طوال الوقت.

والفيصل هنا، إنما هو بين رغبة في الخلاص، وقدرة عليه، فالسادات كان راغبا، وكان قادرا بالدرجة نفسها.. أما مرسي فربما يكون راغبا، لتبقى قدرته موضع شك.

وليس هذا بالطبع، تحريضا لمرسي على جماعته، بقدر ما هو تنبيه جديد إلى أننا أمام وضع يستحيل أن يدوم، لأن البلد، أي بلد، لا يمكن أن يكون له رئيسان: واحد في الصورة، وآخر وراء الجدار، واعتقادي أن عجز الدكتور مرسي عن أن يكون رئيسا منجزا، طوال عام مضى، إنما يرجع في أساسه، إلى عدم قدرته على أن يجعل «الجماعة» في مقرها بجبل المقطم، فلا تتجاوزه إلى ما ليس من شأنها، كما أن مستقبله مرهون بقدرته على أن يحقق هذا الأمر، بحسم إذا شاء.. قد يكون أمرا صعبا للغاية، وقد يكون ضد طبائع الأمور، ولكنها مشكلته، التي لا يستطيع أحد أن يواجهها، ولا أن يحلها، سواه!

عبدالله هادي
27-06-2013, 05:30 PM
وسائل إعلام تمارس التضليل


كان هتلر فاشيا، ولذلك كانت ألمانيا كذلك. لم يسأل أحد ملايين الألمان المعارضين للفاشية المقيمين في ألمانيا عن آرائهم. كان ستالين شيوعيا، ومن ثم كان السوفيات كذلك بالمثل. لكن ماذا عن ملايين الروس الذين تجرعوا كؤوس المعاناة تحت حكم الشيوعية؟ هل سمعت من قبل عن ثورتهم ضد الشيوعية؟ كلا.. لأنه لم يكن من المتاح بالنسبة لهم أن يجعلوا أصواتهم مسموعة. لم تكن وسائل الإعلام خاضعة مطلقا لسيطرتهم. إنهم فقط يقرأون «البرافدا» ونشأوا على تلقي تعاليم ماركس من التلفزيون، أو الاستماع لخطاب هتلر في الإذاعة.

نحن مختلفون. بإمكاننا الدخول على شبكة الإنترنت من هواتفنا الجوالة. وبوسعنا أن نخبر العالم بأسره أشياء وأن نصل لأي معلومات نريدها وقتما نشاء. هذا أمر جيد بالطبع، لكنه من القوة بالدرجة الكافية أيضا لإطاحة حكومات وإغراق اقتصاد، بل وحتى تمزيق أوصال أمم.

تظهر أنظمة مضللة عدة تهدف لخداع عامة الشعب في أوقات التوترات. ويعرف هذا باسم التضليل. تحت تأثير التضليل، قد يخرج مواطن يجلس صامتا في منزله إلى الشوارع، ويجد نفسه وسط حشد مكتظ يضرم النيران في السيارات. وربما يصبح مؤيدا عنيفا لمظاهرات لا يدري هدفها. إن لوسائل الإعلام تأثيرا قويا.

يصف عالم الاجتماع الأميركي، ريفرز، بشكل جدير بالملاحظة، وسائل الإعلام بأنها «حكومة ثانية أو أخرى» (ريفرز، 1982: 7-20).

كانت واحدة من أكثر المنظمات التي سمعنا عنها في وسائل الإعلام التركية إبان المظاهرات التركية التي استمرت على مدار ثلاثة أسابيع هي «أوتبور». كانت «أوتبور» منظمة شبابية لعبت دورا رئيسا في انقسام يوغوسلافيا، وفي الثورات «الملونة» في أوروبا الشرقية والقوقاز ووسط آسيا وفي تنظيم المظاهرات في نيويورك من موقع «تويتر». لقد سمع اسم «أوتبور»، التي تمول من قبل الصندوق الوطني للديمقراطية التابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في تركيا لسببين: أولا، أنها كانت حركة منظمة، والثاني أنها أقيمت من خلال مواقع تواصل اجتماعي مثل «تويتر».

في واقع الأمر، كان كل شيء يحدث أمام أعين هؤلاء الذين يتابعون مواقع التواصل الاجتماعي. كان هناك أفراد وصفوا الحكومة بأنها ديكتاتورية وأرادوا انقلابا، وقالوا: «نحن لا نعبأ بما إذا انفصلت الدولة، طالما تغيرت الحكومة»، والذين كانوا أعضاء في جماعات شيوعية أحدثوا أكبر المشكلات إبان تلك الأحداث. ولكن المشكلة كالتالي؛ كان بعض الناس يستمع إليهم بإنصات شديد. أنتجت بعض الصحف الأجنبية البارزة عناوين أخبار تتحدث عن «مذبحة» استنادا إلى تقارير مغلوطة على موقع «تويتر». ربما تكون الوسيلة التي تمكنت من خلالها وسائل الإعلام العالمية من إنتاج تقارير لم يتحقق من صحتها.

نشرت «سي إن إن إنترناشيونال» صورة لمسيرة مؤيدة للنظام شارك فيها أكثر من مليون شخص ووصفتها بأنها «مظاهرة معارضة للنظام في تركيا». هل تعتقدون أن هذا كان خطأ؟ كلا على الإطلاق. أرسل مسؤولون حكوميون وممثلون من الصحافة التركية تحذيرات إلى «سي إن إن إنترناشيونال» عبر وسائل متعددة. بالطبع سمعت «سي إن إن»، التي تعلم بظهور أي صحيفة جديدة في تركيا وجعلها الموضوع الذي يحتل صفحة غلافها على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، تلك التحذيرات. غير أنها لم تجد غضاضة في إبقاء الخبر على صفحتها الرئيسة لما يقرب من يومين، وهي فترة طويلة، إذ ان أفعال التحريض قد تنتشر على نطاق واسع.

كانت ألمانيا مثالا شائقا. استخدمت المستشارة الألمانية ميركل لغة غريبة في انتقاد الحكومة التركية، بينما أطلقت صحيفة ألمانية يومية سيلا من الإهانات ضد رئيس الوزراء التركي.

دعونا نشر بين الأقواس إلى أن مصرفا ألمانيا بارزا حقق ربحا قيمته 187 مليون ليرة تركية (96 مليون دولار) في بورصة إسطنبول إبان المظاهرات. توضح كلمات جوزيف غوبلز، وزير الدعاية السياسية في عهد هتلر، الكثير: «الناس يصدقون الأكاذيب الكبيرة بشكل أسرع من تصديقهم الأكاذيب الصغيرة. إذا كررت كذبة، فسوف يصدقها الناس في نهاية المطاف».

ماذا يحدث عندما يصدقونها؟ دعونا نستمع إلى إيفان ماروفيك، زعيم «أوتبور»: «لا شيء يحدث (عفويا) في التخطيط لعمل ثوري! ربما يبدو أن الناس قد تدفقوا فجأة إلى الشوارع. لكن تلك نتيجة التحضير الدقيق الذي استمر لأشهر بل لأعوام! إن كل شيء يبقى تحت السيطرة الكاملة، حتى الوصول لنقطة بعينها، وإلى أن يجري تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات. لكن عندما تصل إلى تلك النقطة، يصل كل شيء إلى نهاية خلال بضعة أسابيع!» (ريفولشن يو، «فورين بوليسي»، 16 فبراير/ شباط 2011).

من ثم، عندما يصدق الناس تلك الأكذوبة الكبرى، تندلع الثورات. تستلزم فرضية روكفيلر أن «تصبح الدول المائتان في العالم اليوم عما قريب ألف دولة»، أي تفكك الدول؛ كارثة مثل الفاشية يمكن أن تلقى ترحيبا من شعب دولة، أو ربما يصبح الناس عبيدا للشيوعية من خلال دعاية لينينية.

هذا هو نطاق التضليل الذي عمل كمخطط للثورات البرتقالية.

بالطبع، كان لهذا التضليل تأثير مدمر في مظاهرات ساحة «تقسيم». لكن توقعات المحرضين لم تحدث. لم تكن هناك مذبحة في الشوارع أو ثورة دموية. تبدو الأمور هادئة في تلك اللحظة. ويتمثل أحد أسباب ذلك في أن وسائل الإعلام قد وظفت مجددا بشكل فعلي. تم تحذير المتظاهرين الشباب السلميين بسرعة ضد المحرضين وخططهم التدميرية. وسرعان ما أدركوا أن «أهدافهم ليست مماثلة لأهدافنا». من المهم توفير معلومات دقيقة بشفافية وفاعلية. غير أن ثمة أمرا آخر يحتاج إلى التعلم؛ ألا وهو الحب.

عبدالله هادي
27-06-2013, 05:35 PM
ارتدادات «تقسيم»



رجب طيب أردوغان الذي يحارب على أكثر من جبهة، والذي كان يعرف منذ أشهر بأنه ملزم بتحصين المواقع وزيادة عدد المتاريس بسبب أكثر من أزمة داخلية وخارجية، يبدو أنه قرر مغادرة القلاع وشن هجومه الواسع ضد مجموعات المحتجين والمتجمعين في متنزه «غزي» ومن يدعمهم من وسائل إعلام ورؤوس أموال وسياسيين يتركونه بين خيارين أحلاهما مر: التنحي، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة في البلاد.

كثيرون هم الذين لهم حسابات شخصية وسياسية وعقائدية واقتصادية لم يصفوها مع أردوغان الذي «يستأثر» بالسلطة هو وحزبه منذ أكثر من 10 سنوات، وحكومة العدالة والتنمية التي تعرف أن هذه المحاولات لن تتوقف بل على العكس ستزداد كلما قاومت ونجحت في التصدي لهذه الهجمات المباشرة أو عبر وكلاء، تعرف أيضا أن الحرب المعلنة ضدها تدور رحاها تحت شعارات في غاية الاستفزاز أهمها: «أسلمة الدولة» و«تقييد الحريات الفردية» و«بيع ما تبقى من ممتلكات حكومية للقطاع الخاص» و«إقحام تركيا في سياسة الأحلاف والتكتلات الإقليمية».

أردوغان خيب آمال المراهنين على تراجع في مواقفه وإعطاء الفرصة للتهدئة أو الهدنة مع المعتصمين منذ نحو الأسبوعين في ميدان «تقسيم» أو المتعاطفين معهم، ولم يأخذ بالنصائح والتوصيات المقدمة حتى من أقرب أعوانه ونائبه بولنت ارينش الذي حاور المتظاهرين ونقل مطالبهم إلى أردوغان الذي اختار بدوره ردها لأن فيها الكثير من محاولات ابتزاز الحكومة من قبل جماعات هامشية لا تمثل سوى نفسها؛ كما قال.

هو يعرف أن المسألة تتجاوز قطع بعض الأشجار في متنزه عام، وأن التصعيد سيقود المحتجين للمطالبة بتنحيه وإسقاط الحكومة إذا ما قدم لهم ما يريدونه من عزل محافظ مدينة إسطنبول أو رئيس بلديتها أو كبار ضباط الشرطة الذين يقودون عملية مواجهة الاحتجاجات. هي ليست «بروفة» ميدان التحرير، لكنها أبعد من أن تتوقف عند التضامن مع الأشجار والطبيعة، فهم سرعان ما سيحولونها إلى قضية التضامن مع المتضامين مع الأشجار وحماة البيئة في دمشق مثلا الذين نصح نظامهم المواطنين السوريين بعدم الاقتراب من الأراضي التركية «لأن الحرب الأهلية على الأبواب فيها».

هم يهتفون في «تقسيم»: «ارحل يا رأس المال المعولم»، وأردوغان يهتف بإعلان الحرب على من يحرضهم ويمولهم من إعلاميين وكتاب وفنانين وأصحاب مصارف يفتعلون الأزمات ويضخمون الأحداث. أردوغان يرفض أن يكون تحت رحمة مطرقة المحكمة الإدارية في إسطنبول التي دعت لوقف أعمال الترميم والتوسيع في الميدان، وهو يرجح سندان القواعد الشعبية لـ«العدالة والتنمية» لتحريكه في سائر أنحاء تركيا كما فعل مؤخرا في أضنة ومرسين وأنقرة لإيقاف من يريد تهديد حكمه عند حده.

أردوغان يعرف أن الخيارات محدودة أمامه ما دام أنه رجح ألا يحاور المعتصمين في ساحة «تقسيم». لذلك تراه يركز في خطبه الأخيرة على ضرورة إلحاق الهزيمة القاسية بالمعارضة التي لا تحترم قرار أكثر من 21 مليون مواطن صوتوا في الانتخابات الأخيرة لصالح «العدالة والتنمية»، وتحاول أن تعتاش على افتعال أزمات أمنية وسياسية بعدما عجزت عن الوصول إلى ما تريد عبر صناديق الاقتراع.

أردوغان، الذي يقول إنه يرفض كل الضغوطات وإن من يرد تصفية حساباته مع الحكومة فإما عليه انتظار 7 أشهر حتى موعد الانتخابات المحلية المرتقبة، أو أن عليه محاولة إسقاطها دستوريا تحت سقف البرلمان بحجب الثقة عنها، دعا مناصريه للاستعداد لأكبر مهرجانين شعبيين يعد لهما الحزب في منتصف الشهر الحالي في مدينتي أنقرة وإسطنبول لتجديد الثقة بحكومته وإجراءاتها، لكنه ومن هناك قد يحمل لنا مفاجأة الدعوة لانتخابات مبكرة إذا ما شعر أن الفرصة باتت مواتية لهزم المعارضة بالضربة القاضية قبل أن تفوز عليه بالنقاط.

أردوغان يشعر أنه ملزم بالإقدام على هذه الخطوة حتى ولو كان الثمن باهظا ويصل إلى درجة الانتحار السياسي له ولحزبه، فهو لا يريد أن يتحول إلى «مكسر عصا» أو فرصة للمعارضة السياسية لتسترد أنفاسها بالمجان وعلى حساب طرف ثالث يدخل على الخط.

فهو يعرف أن أهم ارتدادات ميدان «تقسيم» لا يمكن التعامل معها سوى بتلقين المعارضة الدرس الذي يتركه وحيدا حتى عام 2023؛ الذكرى المئوية لإعلان الجمهورية التركية الحديثة.. يطرح الدستور الجديد الذي يريده وينهي أهم أزمة سياسية في تاريخ البلاد تحكمت بمسار العلاقة بين تركيا وأكرادها، ويطرح النظام الرئاسي الذي يدافع عنه وسيحمله بصلاحيات واسعة إلى قصر الرئاسة في شنقايا.

_______________________________




«غيزي بارك».. هل هي مؤامرة خارجية حقا؟



يحاول رجب طيب أردوغان، الذي وسع رقعة دائرة الاتهامات في أحداث «تقسيم»، إقناع مناصريه بالبعد الخارجي للمؤامرة هذه المرة.

في رسائله أمام مليونية إسطنبول ونصف مليونية أنقرة، اتهم أردوغان مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية الغربية بالتخطيط للتفجير في تركيا، بالتعاون والتنسيق مع أدوات محلية لإسقاط حكومة «العدالة والتنمية» وإبعادها عن السلطة. «تفاهمنا على الحلول ووعدونا بإخلاء (تقسيم)، ففوجئنا بالمماطلة والضغوط الخارجية عليهم للبقاء في الميدان. الدولة ليست ألعوبة بيدهم، وهي قادرة على حماية مصالحها».

أردوغان وصل إلى قناعة بأن المستهدف هو الصعود التركي، وأن مشاريع شهر مايو (أيار) الماضي وحدها كانت كافية لإغاظة البعض في الخارج وإقلاقهم ودفعهم للتوحد ضد تركيا ومصالحها:

مطار إسطنبول الثالث الدولي بتكلفة 46 مليار دولار،

عقود إنشاء مركز طاقة نووي ثالث بقيمة 22 مليار دولار،

جسر ثالث معلق سيكون الأضخم في العالم بمبلغ 2.5 مليار دولار،

رفع أرقام البورصة إلى أعلى مستوياتها 93 نقطة،

135 مليار دولار فائض المصرف المركزي،

تسديد ديون البنك الدولي ورفض توقيع عقود جديدة بصفة دائن معه بل مدين،

إنهاء إراقة الدماء في جنوب شرقي تركيا وإطلاق مسار جديد في التعامل مع المسألة الكردية،

مؤسسات اقتصادية وتجارية عالمية ترفع مستوى ودرجات تركيا التصنيفية.

أردوغان فجر غضبه في وجه أهم المؤسسات الإعلامية الغربية ودعاها لنقل وقائع مهرجان إسطنبول ولو لدقائق فقط، وهي التي نقلت مباشرة على الهواء، ولساعات طويلة، أحداث «غيزي بارك» وتفاصيل المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين.

أردوغان أغضبه «تسرع» برلمان الاتحاد الأوروبي في انتقاد أسلوب حكومته بميدان تقسيم واتهمه بازدواجية المعايير. يهاجم أنقرة الدولة التي ليست عضوا في الاتحاد بعد ويتجاهل كل أحداث اليونان وإنجلترا وألمانيا ومواقف المجموعة الأوروبية في غزة ولبنان.

لكن الاتهامات المباشرة والأقوى جاءت على لسان رئيس بلدية أنقرة، مليح غوكشاك، الذي قال إن خسائر العاصمة التركية وحدها بسبب الأحداث تجاوزت 15 تريليون ليرة تركية حتى الآن، واتهم الكثير من الشخصيات العالمية، وعلى رأسها جورج سوروس ومؤسساته، بالتنسيق مع أهم مراكز القرار في العواصم الغربية للتخطيط والتمويل والإشراف على التحريض ضد تركيا. لكن مفاجأة غوكشاك كانت دعوته السلطات القضائية إلى التحرك للتدقيق في دور حزب «الشعب الجمهوري» الأتاتوركي العلماني المعارض ورئيسه وبعض نوابه في دعم وتنفيذ هذا المخطط، وضرورة حظره في حال ثبت تورطه في التآمر على تركيا. «ما العلاقة بين حماية الأشجار في أحد المتنزهات وإضرام النار في عشرات سيارات النقل العام ومهاجمة المتاجر والمباني الحكومية؟ ومن الذي مول جلوس أحد عازفي البيانو الغربيين في قلب الميدان لأيام والذي جاء يعلن تضامنه مع المتظاهرين؟».

الإعلام التركي بدأ ينقل وقائع وأحداث وتفاصيل في هذا الاتجاه حول لقاءات عقدت في عواصم غربية كثيرة ويردد أسماء شخصيات أميركية معروفة، يتقدمها رامسفيلد وولفويتز وريتشارد بيرل الذين رأيناهم يتحركون إبان الحرب الأميركية على العراق عام 2003. حادثة قطع الحوار مع إبراهيم قالن، كبير مستشاري أردوغان، قبل أيام بشكل مفاجئ، وهو يشرح للإعلامية المعروفة العاملة في الـ«سي إن إن» أمانبور زوجة أحد كبار مستشاري الخارجية الأميركية والمقرب من أهم مؤسسات اللوبي الإسرائيلي هناك، وهو يروي كيف أن من هاجموا مبنى السفارة الأميركية قبل أشهر وصفوا بالإرهابيين وقتها، لكنهم هذه المرة في ميدان تقسيم يتحولون في الإعلام الغربي إلى مناضلين مدافعين عن الحرية - ما زالت تتفاعل في تركيا.

حكومة «العدالة والتنمية» التي لم تتراجع في مسألة استخدام الغاز المسيل للدموع واستخدام القوة من قبل رجال الأمن، صنفت الموجودين في الساحات إلى 3 مجموعات: فئة قليلة جدا تتحرك حقا لحماية البيئة والطبيعة، وفئة ثانية تتحرك للتحريض والتدمير، وفئة ثالثة تريد الاستفادة من كل ما يجري للجلوس على مقعد رجب طيب أردوغان بالمجان. وأردوغان أعطى قراره النهائي، على ما يبدو، بخوض مواجهة «عليّ وعلى أعدائي» حتى ولو كان الثمن تأجيل مشروع النظام الرئاسي ووصوله إلى قصر الرئاسة في «شنقايا».

المواجهة دائما لها علاقة بسياسة أردوغان السورية واقتراب موعد دفع الثمن في «انتفاضة تقسيم» وضرورة ترجل الفارس، لكن أردوغان وحزبه يقولان إن انتخابات ما بعد أشهر ستكون فرصة أخرى لزيادة عدد الأصوات وتلقين البعض في الداخل والخارج الدرس في محاولة التلاعب بتركيا واستقرارها.

_________________________________




هل الهدف إبعاد أردوغان أم إزاحة تركيا؟



من يريد التعرف إلى آخر المستجدات في مسألة ميدان «تقسيم» يحاول أن يرصد ما يقوله يوميا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، لكن التفاصيل المثيرة التي تستحق التحليل والنقاش حول خلفيات الأحداث والأصابع التي تحاول تحريك الدمى يتحدث عنها رئيس بلدية أنقرة مليح غوكشاك. رئيس بلدية أنقرة يتحرك على طريقته منذ بداية الأزمة مزودا بالأرقام والصور والأدلة الكثيرة التي يقدمها حول الجهة الفاعلة وأهدافها.

الأزمة كما يبدو أبعد من أن تكون مسألة متنزه وأشجاره، وأعمق من أن تكون قضية التحجج باستهداف المكون العلماني في شريحة المجتمع التركي أو «انكسار شيء ما بين أردوغان والأتراك» و«قمع «أردوغان لشعبه في (جيزي بارك)»، أو تعطيل الحريات في ارتياد النوادي الليلية وتحذير أردوغان من أن الجيش سيتحرك، وأنه هو الذي يتحمل مسؤولية دفع الشعب التركي للانقسام، وأن مصير «العدالة» لن يختلف عن مصير «الرفاه»، كما نقرأ في تحليلات الكثير من الصحف العربية والغربية.

غوكشاك، السياسي المخضرم الذي يترأس بلديه العاصمة التركية للمرة الثالثة على التوالي، جيش على ما يبدو فريق عمل كبيرا، وبخبرات متنوعة، يعمل على مدار الساعة لمتابعة كل شاردة وواردة تتعلق بالأحداث وتفاصيلها داخل تركيا وخارجها.

غوكشاك حمل المسؤولية للبارونات وأصحاب رؤوس الأموال الذين اتهمهم بالجلوس والتنسيق من مركز عالمي واحد للتحريض والاستفزاز وإدارة اللعبة في تركيا. هي خطة لها علاقة مثلا بقطع الطريق على تركيا في تحركها لأخذ مكانها بين أهم مرشحي تنظيم أولمبياد عام 2020 أم محاولة ضغط وابتزاز للضغط على أردوغان وحكومته من أجل تقاسم موازنة ومشاريع هذا الإنجاز التي تقدر بعشرات مليارات الدولار من قبل الشركات العالمية؟

المحاولة الأولى التي جرى قطع الطريق عليها، كانت ارتكاب مجزرة في الأول من مايو (أيار) الماضي، وفي ميدان «تقسيم» نفسه، خلال احتفالات عيد العمال، لكن السلطات الأمنية والحكومة أفشلتها بغلق أبواب الميدان ومنع الدخول إليه. ثم أعد سيناريو الأول من يونيو (حزيران) الحالي الذي يقوم على مهاجمة منزل ومكتب أردوغان في إسطنبول واحتلالهما بالقوة، في محاولة لإعلان سقوط السلطة السياسية، لكن أجهزة الأمن اكتشفت المخطط وأحبطته قبل ساعات من تنفيذه. ومع ذلك، فإن غوكشاك طالب الجميع بأن يستعدوا لكل المفاجآت والاحتمالات، فمن يريدون استهداف تركيا وأمنها واستقرارها أقوياء أيضا ولا يجوز الاستخفاف بما يملكونه من طاقات وقدرات. هو يرى أنهم لن يترددوا في اللجوء إلى عمليات التفجير والاغتيالات السياسية وإشعال الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية في البلاد كما فعلوا أكثر من مرة. غوكشاك يصر على أن المواجهة ستكون شاقة وطويلة، وأن الصيف قد يكون لاهبا في المدن التركية، فالهدف هو «العدالة والتنمية» ورجب طيب أردوغان وتركيا في الوقت نفسه. أردوغان أزعج البارونات العالمية وأغضبها عندما تجاوز الحدود المرسومة له وبدأ يلعب في ساحات كبار الشركات متعددة الجنسيات وأصحاب رؤوس الأموال والمصارف ومراكز القرار في البورصات العالمية، هو بالغ في الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي على حساب الغرب وأوروبا ومصالحهما هناك.

أردوغان الذي يقاوم على طريقته يحاول القفز إلى الأمام لقطع الطريق على المؤامرة:

هو تحرك سريعا باتجاه الشارع كما فعل الطرف الآخر أيضا، وقصد ميادين المدن الكبرى وانطلق يخاطب جماهيره وقواعده ويقاسمها الكثير مما يعرف، 5 مهرجانات حاشدة خلال أسبوع، قال إنها بداية مبكرة للحملة الانتخابية التي قد يقرب موعدها عند الضرورة.

هو أمر بالإسراع في تحقيق إنجازات حقيقية في مسار الملف الكردي، ودعا هيئة الحكماء لتقديم تقاريرها المفصلة والشاملة بأسرع ما يمكن لتضع الحكومة خطة التحرك وخارطة الطريق التي يطالبها بها قيادات حزب «السلام والديمقراطية» الكردي وعبد الله أوجلان.

وهو فاجأ الكثيرين بإنزال ملف العلويين في تركيا الذي ينتظر منذ عقود فوق الرفوف وأصدر أوامره بإنجاز مشروع سياسي اجتماعي يحقق للملايين من علويي تركيا الاعتراف بهويتهم الدينية والفكرية والاجتماعية. الهدف هذه المرة، هو حل مشاكلهم تحت سقف مؤسسة الشؤون الدينية التركية عبر منح المئات من رجال الدين العلويين الصفة الرسمية ورواتب وموازنات لإنفاقها على دور عبادتهم التي توصف بالمراكز الثقافية حتى اليوم. أردوغان يردد دون لف ودوران أن ما يجري في تركيا له علاقة مباشرة بشق «العدالة والتنمية» وإضعافه وإخراجه من ساحة اللعب كما حدث مع حزب «الطريق الصحيح» وتانسو تشيللر، ثم مع «الحزب الديمقراطي اليساري» وأجويد، وأخيرا مع «الوطن الأم» ومسعود يلمز. كل هذه المشاريع استهدفت تحييد تركيا وإبقاءها خارج ساحة اللعب. أردوغان يقول إنه لم يعد بمقدورهم الرهان على انقلاب عسكري كما فعلوا أكثر من مرة، وأن الصناديق هي الحكم، وأنه لن ينسحب حتى ولو كان الثمن لا يقل قيمة عن ما دفعه تورغوت أوزال عام 1993 أو ما لحق ببولنت أجويد عام 2001. آخر ما استوقف رئيس الحكومة التركية كان الصدفة التي جمعت تركيا والبرازيل اللتين سددتا ديون البنك الدولي ونجحتا في تجربة التحرر التجاري والاقتصادي والمالي، والصدفة الأخرى التي فجرت الأحداث في هذين البلدين في الوقت نفسه، قد يكون السبب هو رفضهما الانصياع ومغادرة بيت الطاعة.

عبدالله هادي
28-06-2013, 04:46 PM
عذابات أحداث صيدا



كنت في مقالتي بجريدة «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي قد تحدثت عن عذابات المسلمين في لبنان انطلاقا من أقاصي شرق البقاع في بلدة عرسال التي لا تزال شوكة في عين النظام السوري وعين حزب الله، لأنهم يتهمون سكان البلدة بالوقوف إلى جانب الثورة السورية.

أما حديث هذا الأسبوع عن تلك العذابات، فيتناول أحداث ضاحية عبرا بمدينة صيدا، والمعارك التي دارت بالحي من حول مسجد بلال بن رباح الذي كان يتمترس فيه الشيخ أحمد الأسير مع أنصاره. وقد قيل إن الاشتباك بدأ بهجوم لجماعة الأسير على حاجز للجيش قريب من المسجد قتل فيه عشرة عسكريين. وبعدها دارت اشتباكات عنيفة في الحي كله بين الجيش رسميا وجماعة الأسير، وفعليا مع مسلحي حزب الله وحركة أمل، والذين ما اكتفوا بإطلاق النار على الحي من حارة صيدا المجاورة لعبرا، بل ومن مجدليون، وهي ضاحية مرتفعة يقع فيها منزل النائبة بهية الحريري. وقد استمر القصف لأكثر من أربع وعشرين ساعة، مع نشر الحواجز المسلحة في سائر أنحاء صيدا، وما جلا المسلحون القادمون من حول بيت آل الحريري والطرق المؤدية إليه إلا مغرب يوم الثلاثاء في 24 / 6 بعد أن أعلن الجيش عن استيلائه على «المربع الأمني» للأسير، وقد وجد فيه كميات هائلة من السلاح «والمسلحين الغرباء من التنظيمات المتطرفة»! أما المقتولون من الجيش وجماعة الأسير فيناهزون الثمانين، فضلا عن أكثر من مائة جريح من الطرفين!

لقد كانت التفصيلات ضرورية، ليس بسبب عدد القتلى الكبير فقط، وليس لأن دارة آل الحريري حوصرت، كما ليس لأن وزير الخارجية السوري أعلن أثناء الاشتباكات عن ضرورة الانتصار في عبرا مثل الانتصار في القصير؛ بل لأن «العذابات» التي أتحدث عنها صارت تتخذ نمطا ما عادت العين تخطئه منذ عام 2008. فالمسلمون في لبنان وبعض المسيحيين والشيعة من خصوم سطوة حزب الله على اقتناع قوي بأن الحزب والنظام السوري، وقد استوليا على الوزارات والمؤسسات والمقدرات، صاروا منذ «نجاح» احتلال بيروت عام 2008، يستخدمون القوى العسكرية الرسمية لتغطية غزواتهم، ومحاولاتهم لكسر الاعتراض السني والوطني الباقي والمتنامي على استيلائهم على الدولة والمجتمع، وأخيرا على تدخل الحزب في سوريا. وقد قال قائد الجيش عام 2008، وهو رئيس الجمهورية الحالي إن الجيش لم يتدخل لمنع الحزب من احتلال بيروت خشية انقسامه! أما عملية صيدا؛ فإن الجيش - بحسب قائده الحالي - إنما خاضها للحفاظ على هيبته بعد أن تعرض لاعتداء غادر. وبين الخشية على وحدة الجيش، والخشية على هيبته، وقع الاعتراض السني والوطني على حزب الله في تأزم ينتهي دائما بالقتل وإن تنوعت الأسباب.

بدأ الشيخ الأسير، إمام مسجد بلال بن رباح بمنطقة عبرا بصيدا، حركته الاحتجاجية على حزب الله بخطابات شعواء في المسجد، ثم بسد الطرقات بالمدينة. وأصر نائبا المدينة بهية الحريري وفؤاد السنيورة قبل عامين على أن هذه الطريقة في الاعتراض تسيء إلى أهل المدينة في عيشهم وتنقلاتهم، وترفع منسوب التوتر الطائفي والمذهبي. وأجابهما الأسير ساخرا من طريقتهما وسعد الحريري في الاعتراض، والنتائج الهزيلة والهزائم التي أدت إليها. وبعد أن تنقل مع أنصاره بين صيدا وبيروت وطرابلس والبقاع، وحصل على شعبية كبيرة لدى عوام الناس المنزعجين من استيلاء الحزب على شوارعهم ومؤسساتهم بما في ذلك رئاسة الحكومة، تقدم درجة نحو الصدام عندما تعرض بالنزع لشعارات دينية رفعها الحزب في إحدى المناسبات الشعائرية. وأجاب الحزب على التحدي بقتل اثنين من مرافقي الأسير في حملة النزع من دون أن يتعرض أحد من القتلة للمساءلة. وما تراجع الأسير ولا خاف، بل بدأ بجمع السلاح والمسلحين، بحجة أن حزب الله يملك تنظيما مسلحا بالمدينة هو «سرايا المقاومة»، كما يملك شققا في بنايات فيها هي مراكز أمنية مسلحة. وعندما تدخل الحزب في الحرب السورية، ازداد هياج الشيخ الأسير، مثلما ازداد هياج المعترضين المسلحين في طرابلس، ودعوا جميعا للتطوع والقتال إلى جانب الثورة السورية. وقد ظهر الأسير في إحدى المرات أثناء حرب القصير في صورة بالبلدة أو على مقربة منها. وبعد سقوط القصير أصر الأسير على إزالة مركز أو مراكز حزب الله بالمدينة. وقد حدثت وساطات بعد أن كاد الاشتباك يحدث في الأسبوع الماضي، بحيث وعد الأسير بخروج الحزب من الشقق. لكن الاشتباك حصل قبل موعد الإزالة بيوم واحد، وقام به الجيش بمساعدة الحزب ومشاركته، والدافع المباشر: اعتداء أنصار الأسير على حاجز للجيش، كما سبق القول. لكن نيران الحزب وحركة أمل الكثيفة وعلى مدى ساعات متطاولة، تشعر بأن الأمر دبر بليل، وينبغي التحقيق بالفعل في حقيقة التعرض لحاجز الجيش.

لقد تكررت هذه الظاهرة، وتنقلت، بين طرابلس، وعكار، وعرسال، والبقاع الأوسط، ومجدل عنجر، والمصنع على طريق الشام: ينطلق الغضب السني من الحزب في صورة اعتصامات وسد طرق، وظهور مسلحين. وتظهر وتتفاقم حملات إعلامية على التطرف السني، وعلى «القاعدة» في أوساط السنة، وأخيرا على التكفيريين بحسب تعبير حسن نصر الله، ويتدخل الجيش لفتح الطريق، أو لملاحقة هذا «المتطرف» أو ذاك، ويسقط القتلى والجرحى، ويقاد العشرات للتحقيق، وينصرف سياسيونا وفي طليعتهم سياسيو «تيار المستقبل» لإظهار ولائهم للجيش وفكرة الدولة، وينعون شهداء الجيش، أما الضحايا الآخرون فلا ناعي لهم. هكذا حدث في مقتل الشيخين بعكار، وفي قتل العشرين فتى الذين أرادوا الذهاب لمساعدة الثورة في سوريا، وفي غارة الجيش على عرسال وقتل رجل في ساحة البلدة أثناء صلاة الجمعة، والأسبوع الماضي في بلدة مجدل عنجر، وأول من أمس في مذبحة صيدا. وهذا كله فضلا عن سقوط أكثر من مائتي قتيل في اشتباكات طرابلس/ بعل محسن بحضور الجيش، ومن دون أن يسأل أحد عن قاتل أو قتيل!

قبل يومين، اتصل بي ضابط كبير سابق، مهتم بالشؤون الاستراتيجية، للسؤال عن مراجع لبعض المسائل التاريخية الخاصة بالمزارات الشيعية لآل البيت، وللأولياء عند الشيعة والسنة. ولأن أحداث صيدا الهائلة كانت دائرة، فقد سألني عن رأيي، فذكرت له رؤيتي للنمط السائد منذ عام 2008: إما أن تصفوهم أو نفعل نحن، وينتهي الأمر دائما بالتصفية المنسقة. وقد اعترض الرجل بدءا على وصف الأمر بأنه نمط سائد، ويجري دائما الإعداد له بنفس الطريقة، لكنه كان قد سمع مثلي تصريح وزير الخارجية السوري عن ضرورة الحسم في صيدا مثل القصير، فتوقف عن الحديث عن «ظواهر» التطرف والفوضى عند السنة، وقال: إن الجيش يتدخل عادة لسببين؛ الأول منع تكون مربعات أمنية وبؤر أمنية جديدة، والثاني: الحيلولة دون الاحتكاك المسلح بين الشبان السنة والمسلحين الشيعة، خشية اندلاع حرب أهلية حقيقية بين الطرفين في سائر المناطق. وتابع: ستسألني عن مربعات الحزب الأمنية، واستخدامه للطرق الرسمية في إرسال آلاف المسلحين إلى سورية لمساعدة الأسد، ونشره «لسرايا المقاومة» في كل القرى والبلدات السنية ومنها بيروت، وأنا أقول لك: ما باليد حيلة، فالعين بصيرة واليد قصيرة!

العقل يقول إن طرائق هذا الاعتراض غير مجدية، وهي مضرة بالسنة أكثر من إضرارها بالحزب وميليشياته. لكن الغضب لا حدود له، والاستنزاف الدموي والسياسي والاجتماعي لا حدود له. ولا مخرج إلا بسقوط هذا النظام القرمطي في سوريا ولبنان.

عبدالله هادي
28-06-2013, 04:47 PM
الصين والشرق الأوسط: الحذر هو كلمة السر



يبدو أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما عازمة على التخلي عن الريادة العالمية، ولذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن للصين أن تملأ الفجوة التي يمكن أن تنشأ في منطقة الشرق الأوسط؟

لقد طالب أوباما الرئيس الصيني الجديد شي جين بينغ في الآونة الأخيرة بأن يلعب «دورا نشطا» في رعاية عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو ما أضاف زخما لهذه المسألة.

وخلال الأسبوع الماضي، كان هناك حديث في بكين عن استضافة لقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وسوف تقوم الصين بدور «الوسيط النزيه»، على عكس الولايات المتحدة «المنحازة كثيرا لإسرائيل».

وقد زادت التكهنات بشأن دور الصين في منطقة الشرق الأوسط، بعدما أعلن مقربون من الرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني أنه سيقوم بزيارة بكين في وقت قريب بـ«أفكار جديدة» لحل الأزمة القائمة بشأن طموحات إيران النووية.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الصين مستعدة للقيام بدور قيادي في منطقة الشرق الأوسط؟ أعتقد أن الإجابة ما زالت «لا».

بالتأكيد، عززت الصين مكانتها في المنطقة على مدى العقود الثلاثة الماضية. وبعدما نجحت في إقامة اقتصاد رأسمالي يعتمد على التجارة الخارجية، أصبحت الصين تعتمد على العالم الخارجي للحصول على الطاقة والمواد الخام الأخرى، وكذلك الأسواق لبضائعها المصنعة. وقد أدى هذا الاعتماد إلى ما يسمى بعقيدة «الوصول»، التي بدورها أجبرت بكين على اتباع سياسة خارجية فعالة.

وكانت النتائج مثيرة للإعجاب في منطقة الشرق الأوسط، فخلال العام الماضي أصبحت الصين أكبر شريك تجاري في المنطقة، كما أصبحت أكبر مستورد للنفط من المنطقة، في الوقت الذي انخفضت فيه واردات الولايات المتحدة من المنطقة بنسبة 50 في المائة.

وأصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي في إيران والعراق، كما أصبحت لاعبا رئيسا في صناعة الأسلحة الإيرانية. وخلال العام الماضي بدأ مصنع الصواريخ الذي أنشأته الصين كأحد أكبر المصانع من نوعه في العالم، الإنتاج في إيران. وعلاوة على ذلك، تشارك الصين في مشروعات كبرى للهندسة المدنية في عشرات الدول، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والجزائر.

وعلى مدى العامين الماضيين، قامت البحرية الصينية الحريصة على تقديم أوراق اعتمادها في «المياه الزرقاء» بزيارات ودية إلى سبعة بلدان، من الخليج إلى عمان إلى البحر الأحمر وخليج عدن. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ القرن الخامس عشر الذي تقوم فيه البحرية الصينية بزيارة المنطقة وهي تحمل العلم الصيني.

وعززت الصين وجودها في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، كما تعزز من مكانتها كمورد رئيس للأسلحة في المنطقة، فخلال العام الماضي باعت الصين أسلحة بقيمة مليار دولار إلى ستة بلدان. والأهم من ذلك هو أن البحرية والقوات الجوية الصينية تقيمان علاقات مع القوات المسلحة لعدة دول، من بينها إيران والعراق، وحتى تركيا التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي، وتجري معها مناورات مشتركة وتتبادل معها المعلومات.

وقام «المبعوث الصيني الخاص بالشرق الأوسط» وو سيكه بزيارة عدة عواصم للحديث عن قدرة الصين على القيام بدور الريادة في المنطقة.

وعلى مدى العقود الماضية، عملت الصين على تحسين معرفتها بمنطقة الشرق الأوسط، ففي عام 1970 عندما قمنا بزيارة الصين لأول مرة، كان هناك 120 شخصا يتحدثون باللغة الفارسية في جمهورية الصين الشعبية، وجميعهم تدربوا في أفغانستان، وكان عدد المتحدثين باللغة العربية لا يتجاوز بضع عشرات، وكلهم تدربوا في جنوب اليمن آنذاك في ظل الحكم الشيوعي. واليوم، وصل عدد الصينيين الذين يتقنون لغات الشرق الأوسط إلى الآلاف. وأنشأت الصين عددا من المعاهد المتخصصة في دراسة سياسة وتاريخ وثقافات الشرق الأوسط. وأصبح المواطنون الصينيون العاديون أكثر معرفة بمنطقة الشرق الأوسط، فبعضهم يعمل في المنطقة، والبعض الآخر يأتون سياحا.

ورغم كل ذلك، فإنه من السابق لأوانه، إن لم يكن في غير محله تماما، أن نتحدث عن الدور القيادي للصين في المنطقة. وحتى يمكننا فهم الطريقة التي يجري بها تشكيل السياسة الخارجية الصينية، يتعين علينا أن نتذكر كلمة واحدة وهي «الحذر».

تدعي النخبة الحاكمة في بكين أن تاريخها الثوري هو حجر الزاوية في شرعيتها، ويرجع ذلك إلى سببين؛ الأول هو أنه غالبا ما يُنظر إلى العالم الخارجي على أنه مصدر للخطر، ولا سيما أن الصين كانت خاضعة لحكم الغزاة الأجانب على مدى جزء كبير من تاريخها. والسبب الثاني هو أن الصين لديها نظام اقتصادي «قاري»، بمعنى أنه يمكنها أن تنتج كل شيء تحتاج إليه تقريبا، وبالتالي يمكنها تجنب الاعتماد على التجارة الخارجية، وحتى طريق الحرير الذي أصبح لمدة قرن أو نحو ذلك قناة للتجارة الدولية لم يلعب دورا حيويا في الاقتصاد الصيني بشكل عام.

ويملي مبدأ الحذر اثنتين من الضرورات على الصين؛ الأولى هي عدم الاعتماد على أي مصدر أجنبي للطاقة والمواد الخام، وهذا هو السبب الذي جعل الصين تستثمر بقوة في تطوير مواردها من النفط والغاز الطبيعي، ولا سيما في شينجيانغ (تركستان الشرقية).

وعلاوة على ذلك، توجد بكين في صناعات الطاقة في تركمانستان وكازاخستان، وساعدت في إنشاء أطول خط أنابيب للنفط من آسيا الوسطى. وهناك خطة طموحة للتوسع بشكل كبير في إنتاج الطاقة الكهرمائية والنووية كجزء من استراتيجية تجنب الاعتماد على الشرق الأوسط. وتسعى الصين أيضا إلى أن يكون لها موطئ قدم في مناطق أخرى غنية بالنفط، مثل خليج غينيا وخليج المكسيك.

أما الضرورة الثانية التي يمليها الحذر، فهي عدم التدخل في الصراعات داخل أي منطقة أو حولها، من ثم، فعلى سبيل المثال، تمكنت الصين من تحويل كوريا الشمالية إلى مشكلة أميركية، مستأثرة لنفسها بدور «الوسيط الأمين».

في الشرق الأوسط، رفضت الصين التدخل في النزاع بين إيران والإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بالجزر الثلاث في مضيق هرمز. وحول سوريا، حاولت تأمين رهاناتها.

إن أسلوب الصين في التعامل مع إيران توجيهي على وجه الخصوص. لقد صوتت بكين لصالح كل مشروعات قانون مجلس الأمن الخاصة بفرض العقوبات، لكنها ظلت بزعمها أنها قد خففت من الإجراءات العقابية التي طالبت بها الولايات المتحدة. إن الأميركيين يشعرون بالسعادة لأن الصين قد سمحت بهدوء بتجاهل بعض العقوبات من قبل الشركات المملوكة للدولة.

في المقام الأول، تبدو الصين متلهفة على تقليل المخاطر التي تكتنف علاقاتها مع إيران. لقد انخفضت واردات الصين النفطية من إيران من نسبة 16 في المائة في عام 2009 إلى أقل من ستة في المائة في عام 2012. ويبدو أيضا أن المشروع الذي يكثر الحديث عنه والذي بموجبه كان سيتمكن الصينيون من إنشاء 22 محطة طاقة نووية في إيران قد جرى إرجاؤه.

خلال العامين الماضيين، تقلص حجم التجارة بين إيران والصين بنسبة 30 في المائة تقريبا، ويرجع ذلك جزئيا إلى هبوط قيمة الريال الإيراني.. الأمر الذي جعل الواردات أعلى تكلفة وشجع الإنتاج المحلي.

في الوقت الراهن، ترفض الصين التورط في أي نزاع في الشرق الأوسط، مكتفية بالمشاهدة من على الهامش، رغم أنها ربما تطأ قدما وتخطو بضع خطوات.

عبدالله هادي
28-06-2013, 04:48 PM
التمثيل بين الكذب والسياسة


عندما تكثر الحكايات وتتعدد حول واقعة محددة، لا يمكن تصديق أي منها. وهو ما ينطبق على واقعة خطف الجنود المصريين في سيناء ثم عودتهم واختفاء الجماعة التي اختطفتهم. لست منشغلا بمعرفة تفاصيل الحكاية ليأسي من إمكانية التعرف على الحقيقة فيها أو حولها، وربما تمر أعوام طويلة قبل أن نعرف الحكاية الحقيقية التي لن يصدقها أحد أيضا بعد أن ضيّع الزمن ملامحها ودهسها بأقدامه الثقيلة. أمر واحد أضاف إلى أحزاني هو أنه لا أحد يدرك تأثير هذا النوع من الحكايات على صحة الجماعة النفسية ومدى ما يحدثه فيها من دمار، هل تذكر عندما كنت طفلا وكذب أمامك أحد الكبار الذين تحترمهم، هل تذكر ما شعرت به من ألم؟

هذا النوع من الحكايات يفقد المصريين «الثقة العامة» اللازمة لتماسك أي مجتمع، لك أن تتصور مجتمعا جاهزا طول الوقت لعدم تصديق أي شيء ، هذا هو في تصوري ما جعل كل الناس تتكلم عن الواقعة بوصفها تمثيلية ليست متقنة. غير أنني سأتناول لقطة واحدة من المشهد رآه المصريون جميعا، وهو رئيس الجمهورية وهو يتقدم من الطائرة الهليكوبتر ثم الجنود العائدون وهم ينزلون منها ثم يصافحهم ويعانقهم مربتا على أكتافهم في ود كبير، لم أتعاطف مع المشهد لتعارضه مع أصول الحكم، رئيس الدولة هو مركز الدائرة الذي لا يدور معها، إنه الجزء الثابت في مكانه، تحتم الأصول في الحكم والسياسة أن يستقبلهم في القصر الجمهوري، رئيس الدولة يستقبل في المطار - وليس تحت الطائرة - رؤساء الدول فقط. غير أن تفكيري ذهب في اتجاه آخر بعد أن قرأت ما كتبه إبراهيم عيسى («التحرير» في 24 مايو/ أيار) وهو مسؤول بالطبع عن صحة ما كتبه «صحيح أنهم نزلوا من الطائرة قبل مجيء الرئيس بساعات، ولكن طلعوا لها مخصوص تاني عشان ينزلوا والرئيس يسلم عليهم»، هنا يكون المشهد قد خرج من عالم السياسة ودخل بغير حق وبغير تصريح أو استئذان عالم التمثيل بما في ذلك من دلالات سيئة.

التمثيل هو الكذب الجميل المشروع عندما يحدث على خشبة المسرح أو أمام الكاميرات في بلاتوه استوديوهات السينما أو ميكروفونات الإذاعة. خارج هذه الدوائر، يكون التمثيل مهما كان نبل النوايا الدافعة إليه وبساطتها، هو خدعة من المستحيل أن تكون جميلة أو مشروعة. وكل مشاريع مصر الفاشلة في العصر الحديث كانت نتيجة للرغبة في إيهام الناس بواقع لا وجود له عجزا عن التعامل مع واقع موجود بالفعل. التمثيل في عالم الفن يعتمد على صدق الممثل في إظهار أحاسيسه الحقيقية طبقا لنص مكتوب على الورق وشخصية مرسومة ذات أبعاد، أما التمثيل بعيدا عن الفن فمن المستحيل أن يكون صدقا مع النفس أو أن يثمر شيئا طيبا.

عبدالله هادي
28-06-2013, 04:50 PM
هل يمكن تغيير التوازن العسكري في سوريا؟



هذه المرة استخدم سياسيو اجتماع الدوحة الأخير - وأغلبهم مقيدو اليدين - مصطلح «تغيير التوازن العسكري» في سوريا، إقرارا غير مباشر بأن اجتماعاتهم السابقة كانت عقيمة وفق الرؤى العسكرية في مراحل الحرب، على عكس الطرف الآخر، الذي بقي حلفاؤه يتحركون كما تتطلب ضرورات الحرب وليسوا في حاجة لمراجعة المواقف أو للحصول على موافقة هذا الطرف أو ذاك، فكلهم على قلتهم العددية، متفقون على الهدف والوسائل والنتيجة.

لست ميالا إلى الأخذ بما يقال عن أن حزب الله درب ثمانين ألف سوري على قتال المدن. وسواء درب مئات أو آلاف الأشخاص، فالتدريب لا يمثل معضلة لمراكز تدريب الجيش النظامي السوري، والتدريب في الميدان يقدم خبرة كبيرة، عندما تكون كفة الموقف مسيطرا عليها كما هو الوضع في الأسابيع الأخيرة. كما أن تدخل مقاتلي حزب الله لم يكن سرا من البداية، إلا أنه أخذ طابعا معلنا، إيذانا ببدء مرحلة جديدة من العمليات المضادة، تعكس وصول إمدادات كبيرة إلى النظام. ولم يعد النظام يعاني خطر تهديد دمشق أو مناطق الساحل، لأن قوى المعارضة المسلحة لم تحصل على معدات تمكنها من إحداث تغيير أو تطور إيجابي، فبدأت الكفة تميل بشكل لافت لصالح النظام.

معضلة الغرب «المعلنة» هي التخوف من وصول السلاح إلى الجماعات المتشددة، وهذه قصة بقيت مستمرة، فلا هي من المعادلات الممكن السيطرة عليها، ولا هي من المواقف الممكن تجاوزها، كما أن الخلاف بين السياسيين الأميركيين وهيئة الأركان الأميركية بقي مستمرا، فغابت قدرة الرئيس عن اتخاذ قرار حاسم، فما اتخذ من خطوات لا يمثل قرارات مهمة مقارنة بقرارات عن مواقف دولية أخرى. لذلك، بقيت قرارات دول «أصدقاء سوريا» غير ذي جدوى إلى حد كبير، وتدل على أنهم قد يستحضرون حروبا طالت سنين عدة، وليست معاناة السوريين هي الوحيدة في سجل الحروب والشعوب!

وما هو السلاح النوعي المقرر إرساله وأين وصل؟ فالحديث عن النوعي لا يستحق التوقف، فهناك مجابهة يحتفظ بها الطرف المقابل بقوة مدرعة كبيرة وأعداد كبيرة من طائرات القصف والهجوم الأرضي وتشكيلات من طائرات الهليكوبتر الهجومية وكثافة نارية كبيرة. والسلاح المطلوب هو ما يقابل هذه الوسائل والمعدات، بأعداد كبيرة وتقنية حديثة، فضلا عن أسلحة أخرى ذات تأثير معنوي، وكل المؤشرات تدل على أن استيعاب هذه الأسلحة أصبح يتطلب وقتا أطول مما كان عليه قبل بضعة أشهر. أي أن انقلاب المعادلات بشكل سريع لم يعد ضمن الحسابات التي يمكن توقعها.

قوى الفصائل السورية المسلحة تأثرت كثيرا بعمليات النزوح السكاني الكبير، فالعمليات غير النظامية في المناطق المأهولة توفر فرصا للاستمرار والقوة أكثر من المناطق غير المأهولة، لأسباب كثيرة يعرفها الذين خاضوا مثل هذه التجارب. فالشباب الذين يغادرون إلى خارج البلاد يصعب التفكير في تشكيل وحدات قتالية منهم، إلا إذا كان برعاية إقليمية ودولية. خلاف ما يمكن أن يحدث في مناطق الوجود الأصلية، لذا، فإن عمليات النزوح القسري أثرت لصالح النظام بقوة وليس العكس. كما أن ما نسب إلى الرئيس الروسي بوتين من أن عدد المقاتلين من أوروبا وروسيا المتوجهين للقتال ضد النظام بلغ نحو 600 مقاتل يتطلب التوقف، لأن مثل هذا الرقم لا يعني شيئا كبيرا في ساحة حرب مفتوحة سعتها مئات آلاف الكيلومترات. كما أن قرار «المجلس الإسلامي التنسيقي الأعلى» الذي عقد مؤخرا في القاهرة، لن يترك أثرا فعالا يؤدي إلى تدفق «ملايين» المقاتلين كما يتصور البعض، وسيترك آثارا مضادة صعبة على الوضع الإقليمي تتطلب تقييما عمليا هادئا.

الصورة المتشابكة هذه لا تعني أن النظام قد كسب الحرب، أو أن «الجيش الحر» والكتائب المسلحة الأخرى خسروها، بل إن المعاناة السورية تتفاقم، وإن الحل الأمني لا وجود له، والحل العسكري انتقل من إطاره المحلي إلى حرب إقليمية خطيرة. ومع أن المؤشرات والمعطيات تدل على أن الحل لا يزال متروكا في الميدان، فإن الحلول السياسية تتطلب مبادرات من الطراز الجدي الثقيل. وهكذا قُدر للأمة السورية تحمل قدر يفوق حمله كل ما قيل عن تحمل من سبقهم من الشعوب العربية من أرقام، ومعاناة لم نشهد مدى دقتها، فما أصاب سوريا لم يصب غيرها.

عبدالله هادي
28-06-2013, 04:51 PM
ماذا سمع كيري في الرياض؟



في خلال جولته الخليجية أدلى جون كيري بتصريح مستغرب فقال: «إذا لم تقم الولايات المتحدة بشيء وإن لم يفعل العالم شيئا، حينئذ ستصبح سوريا في وضع أسوأ مما هي فيه الآن».

غريب، كان يمكن لغير وزير خارجية أميركا أن يقول هذا الكلام، وخصوصا أن السؤال الأبرز الذي يواجه المسؤولين الأميركيين منذ عامين ونصف هو لماذا لم تقم أميركا بفعل أي شيء لوقف المذبحة في سوريا ولماذا التعامي عن المأساة التي يقول باراك أوباما إنها حصدت حتى الآن مائة ألف قتيل؟

وإذا كان كيري يعي فعلا ما هو السيناريو الأسوأ في سوريا ويقول: إنه يتمثل باحتمال تفكك سوريا واستيلاء متطرفين ومتشددين على الأسلحة الكيماوية وأن تكون لهم حرية استخدامها مجددا ضد الغرب، فإن المثير هو استمرار التغاضي عن الأزمة التي لم تعد تهدد سوريا وحدها بل دول المنطقة بأسرها وخصوصا بعد تدخل إيران العسكري السافر إلى جانب الأسد، إضافة إلى أذرعها أي حزب الله و«عصائب أهل الحق»، وهو ما يرتب تداعيات كارثية أبرزها اثنان:

أولا: إن التغاضي عن الانخراط الإيراني المتزايد في المعارك في سوريا، وخصوصا بعد إعلان المرشد علي خامنئي «أننا لن نترك سوريا تسقط في أيدي الأعداء والمستكبرين»، يهدد بتوسيع إطار الاختراقات الإيرانية على نطاق إقليمي، وفي هذا السياق ظهرت تصريحات وتحليلات توحي بأن دحر المعارضة السورية سيشرع الأبواب غربا للإطباق الإيراني الكامل على لبنان وشرقا للإمساك بالعراق نهائيا وجعله منصة للانقضاض على دول الخليج، بالتوازي مع محاولات لاختراق الوضع اليمني عبر تحريك الحوثيين الذين تلقوا تدريبا وتسليحا متقدما في الفترة الأخيرة، وهو ما دفع وزير الإعلام اليمني علي العمراني إلى القول: «إن التدخل الإيراني في اليمن هو أخطر من (القاعدة)، وإن توجه إيران إلى السيطرة على باب المندب أخطر من حصولها على القنبلة النووية».

وعندما تنشر طهران صور المتطوعين في مقرات التعبئة يسجلون أسماءهم للقتال في «الولاية الإيرانية رقم 35» وتعيد القول: إنها وسعت حدودها الأمنية لتشمل شرق المتوسط، ويكون عنوان التدخل العسكري منع انهيار «جبهة المقاومة» عبر دعم الأسد، يصبح من واجب المسؤولين الأميركيين أن يتحسسوا خطرا يتجاوز كل مخاوفهم (المزعومة؟) عن سيطرة المتشددين في سوريا.

ثانيا: لا يكفي أن يشير كيري إلى المحاذير الخطرة والمدمرة التي تتمثل في اتخاذ الصراع منحى مذهبيا وهو ما ينذر بإشعال فتنة سنية شيعية لن تنحصر داخل حدود سوريا ولبنان والعراق، بل ستشمل المنطقة كلها بما سيشكل زلزالا كارثيا ستكون له تداعيات مدمرة على الاستقرار العالمي ويمكن أن يقوض دورة الاقتصادات الغربية.

وعندما يتهم كيري إيران بتدويل النزاع في سوريا عبر التدخل العسكري ودور حزب الله المتزايد، ثم يشدد على أن أميركا «لا تسعى بالضرورة إلى انتصار مسلحي المعارضة بل تريد الضغط على الأسد لكي يوافق على مفاوضات سلام في جنيف»، فإنه يعطي الضوء الأخضر للإيرانيين للمضي في القتال لمنع انهيار الأسد، الذي سيعني بداية انحسار نفوذهم إلى البر الفارسي بعد ثلاثين عاما من خطط التوسع والتدخلات في الإقليم.

ما سبق أن سمعه الفرنسيون من الأمير سعود الفيصل والأمير بندر بن سلطان قبل أسبوعين لا بد من أن يكون كيري قد سمعه منهما جيدا في الرياض بداية الأسبوع، وخصوصا فيما يتصل بالأخطار المدمرة التي ستنجم من التغاضي عن تدخلات الإيرانيين وتركهم يجتاحون الساحة السورية لينقضوا من بعد على لبنان والعراق وهو ما سيجعلهم يتغولون في تدخلاتهم الإقليمية، التي أطلقت منذ زمن رياح الكراهية المذهبية وأذكت الحساسيات عبر تدخلهم في معظم دول مجلس التعاون الخليجي، هذا ما يشكل خطرا محدقا يواجه أميركا والدول الغربية المترددة في دعم المعارضة السورية وتتعامى عن مذبحة العصر.

وإذا كانت أميركا تريد التدقيق في كل طلقة رصاص إلى المعارضة السورية متعامية عن السلاح الروسي الثقيل الذي يتدفق على النظام كتدفق المقاتلين بإمرة إيرانية، فإن الوضع في سوريا لم يعد يحتمل رقص واشنطن على قبور السوريين، بالسعي إلى تحقيق نوع من التوازن العسكري في الميدان لكي يقتنع الأسد بالذهاب إلى جنيف للتنحي، لهذا كان الأمير سعود الفيصل جازما عندما أسمعه القول:

«لن نقف مكتوفي الأيدي في مساعدة الشعب السوري، ولا يمكن اعتبار سوريا الآن إلا أرضا محتلة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والدعم اللامحدود بالسلاح الروسي، وهذا أمر خطير لا يمكن السكوت عنه ويتطلب ردا دوليا حازما وسريعا».

عبدالله هادي
29-06-2013, 12:24 PM
حلب تستغيث!



تجهز قوات الأسد نفسها وهي تستعين بميليشيات حزب الله الإرهابية من لبنان وفرق مسلحة إرهابية من العراق وإيران ومأجورين آخرين من مناطق أخرى. كل ذلك لأجل «المعركة الكبرى»، كما يشار إليها من أتباع النظام في حال وصفهم لمعركة إسقاط مدينة حلب من قبضة الثوار والجيش الحر الذين حرروا حلب من «احتلال» الأسد لها.

نعم سوريا الآن محتلة ولا بد من التعامل معها على هذا الأساس.

نظام الأسد اليوم أشبه بنظام الخمير الحمر الذي كان يحكم كمبوديا اسما، وإنما واقعيا كان محتلا لها، وتحول الخمير الحمر إلى ميليشيات ضخمة تعيث في البلاد قتلا وتدميرا بقيادة زعيمها بول بوت الذي أبيد على يديه أكثر من مليوني مواطن كانت جماجمهم الشاهد الأكبر على ذلك. واستعان بميليشيات مسلحة مأجورة من فيتنام ولاوس وتايلندا ليعينوه على قمع وسحق شعبه، وها هو نفس المشهد البائس يتكرر الآن في سوريا الحزينة وشعبها الجريح.

الأسد ينفذ مخططا سلطويا بغيضا تحميه طائفية كريهة. سقط «الوجه العلماني» المصطنع والذي كان يتغنى به نظام الأسد أبا وولدا تحت عباءة حزب البعث، وإلا كيف يمكن تفسير «الصدفة» التي جمعت خامنئي والمالكي ونصر الله معا للدفاع المستميت عن نظام الأسد؟ إلا إذا اعتبرناهما بمثابة تجمع لينيني ماركسي اشتراكي شيوعي لا يمت للطائفية والمذهبية المقيتة البغيضة بصلة، وطبعا هذا غير وارد ولا ممكن.

ها هي قوات الشر الإرهابية المحتلة لسوريا تستعد «لغزوة» جديدة على حلب، بعدما اغتصبت القصير ومن بعدها تلكلخ وقتلت المئات من الأبرياء ودمرت المنازل والمتاجر والمساجد والمشافي والمدارس بشكل وحشي وهمجي وجنوني، يذكر كل من قرأ صفحات التاريخ بنفس أسلوب غزاة المغول والتتار الذين كانوا يقومون بعمل نفس الشيء ويطبقون ذات الأسلوب في كل المدن التي يغزونها ويقتحمونها.

والآن هناك التقاط أنفاس وقلق كبير على عروس الشمال وكبرى المدن السورية حلب، النظام يدرك تماما أن خروج حلب عن سيطرته وتحررها من قبضته القمعية المجنونة كان بمثابة الصفعة المدوية على وجهه، أبانت أكاذيبه أن حلب وأهلها مع النظام وفضحت خطابه الإعلامي المضلل وأظهرت حقائق غير ما كان يروج لها دوما، وإنما حلب مثلها مثل غيرها من المدن السوية أعلنت رغبتها الكاملة والصادقة في الخلاص من حكم طاغية دموي عاث في البلاد فسادا وأهان أهلها وذل الناس فيها.

حلب ثقل اقتصادي بامتياز، فهي العمود الفقري لكافة القطاعات الصناعية للبلاد والامتداد التجاري مع أوروبا عن طريق البلد المجاور المهم تركيا وفيها من العمق الحضاري والثقافي والتاريخي لسوريا ما يجعلها ذات أهمية استثنائية ليس فقط للسوريين ولكن للطوائف والأعراق الأخرى من إيطاليين وفرنسيين وأرمن وأتراك ومسيحيين بشتى مذاهبهم.. مدينة بعمق التاريخ وبأهميته، بها من الرموز والآثار الشيء الكثير، فالمسجد الأموي الكبير علامة عظيمة وكذلك قلعة حلب الشامخة وسوقها العثمانية القديمة، أقدم وأكبر الأسواق المغطاة، ولو نطقت كل الحجارة التي اشتهرت بها مباني حلب العريقة لسردت بلا توقف ولا ملل عن المدينة العظيمة وأهميتها. مدينة كتبت اسمها للحضارة الإنسانية وتركت بصمة على كل شيء تميزت به من مشاوٍ إلى فستق إلى حجر وإلى قدود وغير ذلك.

المدينة اليوم تستغيث منذرة ومحذرة وهي ترى جيوش الظلام تحيطها وتستعد للانقضاض عليها. ميليشيات الإرهاب وشبيحة الطغاة يجهزون لإسقاط حلب وتقتيل أهلها كما فعلوا بغيرها، ولا يزال العالم يدرس خيارات العمل وأساليب الرد المناسبة. وعلى الأرض مسألة أخرى؛ هناك «اتفاق» لتمكين الأسد وميليشيات حزب الله الإرهابية بأخذ أكبر حصة للتفاوض في جنيف من موقع أقوى أو هكذا تبدو قراءة المشهد؛ لأن الورقة الأهم في هذه المسألة وهي إسرائيل لديها أكبر «لوبي» في كل من أميركا وروسيا وهي ستفعل المستحيل لإبقاء نظام خدمها وحمى حدودها لأطول فترة ممكنة. بديهي.

عبدالله هادي
29-06-2013, 12:25 PM
المبادرة الـ«روحانية» المأمولة


للمرء أن يتصور لو أن الفوز في انتخابات الرئاسة الإيرانية يوم الجمعة 14 يونيو (حزيران) 2013 كان من نصيب أحد الأربعة المحلقين في الفضاء المحافظ الشاهر تحذيراته للولايات المتحدة وإنذاراته لإسرائيل، والمتحرش ببعض دول الجوار الرافض أي انسحاب من الجزر الإماراتية الثلاث، الداعم أعماقه الحوثية في اليمن الذي ينشد الاستقرار، الممسك بإرادة القرار في «حزب الله» ومن أجل ذلك ارتأى إقحام عناصر من الحزب في الأزمة السورية متسببا في حدوث ارتباكات داخل المجتمع اللبناني، الأمر الذي حمل رئيس البلاد ميشال سليمان على أن يسجل في حق النظام البشَّاري شكوى كثيرة النعومة ومع ذلك لم يتحمل أقطاب «اللوبي الأسدي» في لبنان هذا التجرؤ من الرئيس فاعتبر أحدهم الشكوى الخفيفة الوطأة والظل معا أنها «فعل خيانة» وارتأى الرئيس وضْع أمر هذه الإهانة في عهدة القضاء.

للمرء أن يتصور لو أن الفوز كان من نصيب أحد هؤلاء (محمد باقر قاليباف. سعيد جليلي. علي أكبر ولايتي. محمد رضائي)، كيف كانت حال التوتر السائدة أصلا في علاقات إيران مع المحيط العربي وبالذات الخليجي وعبْر المحيط مع الولايات المتحدة وأكثرية الدول الأوروبية، ستزداد حدة. وهذا أمر طبيعي استنادا إلى مفردات حفلت بها مواقف الأربعة ومِن ورائهم مراكز القوى الأمنية والعسكرية الذين كانوا يقولون من الكلام ما هو من نوع الكلام الذي طالما سمعوه من الرئيس محمود أحمدي نجاد، ومعظم عبارات ذلك الكلام مثل القذائف.

من هنا فإن فوز حجة الإسلام حسن روحاني هو في حد ذاته لحظة بالغة الأهمية جاءت في الوقت الذي يحتاج الجميع إليها بدءا من الشعب الإيراني المْثقل بتداعيات النهج القائم على اعتماد سياسة غير مستحبة تقوم على التوظيف المذهبي لتحقيق غايات في النفس الإيرانية الطامحة إلى أن تكون باسطة النفوذ مع الوقت على المنطقة، وصولا إلى المجتمع الدولي الذي لا يريد حلا حربيا للطموح الإيراني النووي ويكتفي بالعقوبات عسى ولعل يساعد أصحاب الأمر في النظام الإيراني في إبقاء الحل المشار إليه بعيدا عن الاحتمالات، وبينهما القلق العربي وبالذات الخليجي والمصري الذي طالما أربك معظم المحاولات لتصحيح مسار التعامل.

جاء فوز حجة الإسلام حسن روحاني يشكِّل استراحة تهدئة للنفوس ويشجع على بناء أفكار جديدة كفيلة بترميم علاقات لا تغادر فضاء التوتر والقطيعة والحذر. وعندما أصغى الجميع إلى أقوال روحاني قبل يوم الانتخاب ثم مباشرة بعد إعلان الفوز المبهر فإنهم سجلوا من خلال برقيات تهنئة أو تصريحات ارتياحا للرئيس الخارج فوزه من صناديق اقتراع لم يمسها متدخلون وانتهت أرقاما لم يجرؤ القادرون على تعديلها.

الآن وقد لقي الرئيس المنتخب هذا الترحيب بنسب متفاوتة باستثناء إسرائيل الكارهة التجاوب مع أي تحولات نحو الاعتدال في الخطاب العربي - الإسلامي وهذا ما فعلتْه وما زالت إزاء «مبادرة السلام العربية»، فإن المأمول حدوثه مِن جانب النظام في إيران هو توظيف أجواء الارتياح العربية - الدولية على قاعدة الاعتدال، وهذا في تقديرنا مطلب شعبي شامل وليس فقط ما يتوق إليه الذين اقترعوا للمرشح روحاني. ولولا اعتقاد شرائح عريضة من الإيرانيين المتجردين بأن الفوز سيكون لواحد من المحافظين ومن أجل ذلك لم يشاركوا وفضلوا ملازمة بيوتهم لكان هؤلاء اصطفوا مع الملايين الآخرين ووضعوا ورقة الاعتدال في الصناديق وعندها تكون نسبة فوز روحاني بأكثر من 50.68 في المائة وربما بثلاثين مليون صوت وليس فقط 18.6 مليون.

والتوظيف كما يجوز افتراض مراحله هو بنزع صفات ارتبطت بالثورة الإيرانية ومنها على سبيل المثال لا الحصر أنها في الموضوع اللبناني أحدثت تشققا في الخصوصية ذات الطابع التعددي التي هي ميزات الاستقرار في هذا الوطن الصغير. بل إن التشقق بات يقود إلى أن الشيعة السياسية لا تحقق التطوير والتأهيل اللذين يحتاجهما أبناء الطائفة. على سبيل المثال أيضا إن الثورة الإيرانية جعلت الحذر الخليجي من ارتفاع منسوب تطلعاتها يقترب من درجة العداوة. كما أن انشغال طهران بتحويل المناطق الشيعية في بعض دول الخليج وفي اليمن إلى أوراق ضغط على حكومات تلك الدول زاد من نسبة الحذر ثم بدأت لغة التخاطب تتسم بالحدة التي تؤسس لعداوة، ولنا في تصريحات أشبه بالقذائف الصاروخية الدليل على ما نقول.

ومِن هنا القول إن خطوة جريئة تبدأها إيران الدولة بعدما لم يثمر المشروع الثوري سوى عزلة دولية لإيران ونفور أشقاء منها، وتنطلق من مفاهيم سياسة الاعتدال إزاء المواضيع التي أشرنا إليها ومنها موضوع الجزر الإماراتية الثلاث، كفيلة بتبديد معالم تلك الصفة، ذلك أن حالة هذه الجزر باتت مثل حالة لواء الإسكندرون مع فارق أن الرئيس بشَّار الأسد سلَّم بتركية هذه الأرض يوم كانت العلاقة بينه وبين الرئيس أردوغان في غاية الحلاوة، بينما أهل الحكم في دولة الإمارات ومعهم أشقاؤهم قادة دول مجلس التعاون دائمو التذكير عند إصدار بيانات عن مؤتمراتهم بالجزر والمطالبة بجلاء إيران عنها، لكن الرد دائما جاء بعبارات غير مُستحبة من مسؤولين إيرانيين وزيارات غير أخوية.. بل واستفزازية لهذه الجزر.

ويبقى الموضوع الأهم وهو المتعلق بالحالة السورية التي لا يختلف موقف الثورة الإيرانية من المحنة التي تعيشها سوريا منذ سنتين عن الموقف الروسي مما يعني أن الروس الذين لا يرف لقياداتهم جفن إزاء الدم الذي يراق يوميا والتدمير المتواصل الذي لم تَسلم مدينة منه، هو في قبول استمراره مثل الموقف الإيراني. وإذا كان الروسي المسيحي لا يعنيه المشهد اليومي للفاجعة، فإن الإيراني من واجبه رفْع المصاحف بين المتقاتلين وممارسة الواجب الحق على قاعدة تحديد طبيعة الظلم ونجدة المظلوم في الحد الأقصى وممارسة دور الوسيط في الحد الأدنى. ومع أن هذا لم يحصل مع الأسف وحصل نقيضه بدليل إقحام مقاتلين شيعة من العراق ومن حزب الله في لبنان ومن إيران نفسها في الموضوع السوري، إلاَّ أن الوقت لم يفت ومن قبل أن ينتهي أمر الموضوع السوري في اليد الدولية بدل أن يكون في عهدة الأخ المسلم العربي وغير العربي.

عسى ولعل يأخذ الرئيس حسن روحاني على عاتقه وبالتدرج من الآن وحتى التسلُّم الرسمي للرئاسة مطلع أغسطس (آب) 2013 أي في بداية العشر الأواخر لشهر الصوم المبارك، واجب تصحيح المسار بادئا عهده بمبادرة تتناول ترميم العلاقة مع المجتمع الدولي فلا يكون النووي عنصر تعطيل للتقدم مثل حال كوريا الشمالية. كما تتناول كل الموضوعات التي أشرنا إليها وانعكست ارتباكات على الوضع الاقتصادي للدولة التي خصها الله بثروة النفط لكي تتحول إلى دولة متقدمة تنصرف إلى التنمية تساعد الغير على نحو ما تفعل السعودية ودول الاقتدار المالي العربي وتحقيق الاستقرار، وليس إلى غير الذي حدث ولا يزال. فالثورة الإيرانية ما زالت تمارس القيادة وكأنما لم تبلغ سن التأمل والمراجعة والنقد الذاتي. ومن شأن الأخذ بالمبادرة وتفعيلها تنقية وجه الثورة الإيرانية التي كان مأمولا منها للأمة غير ما حصل من ندوب تراكمت نتيجة تغييب الاعتدال.

عبدالله هادي
29-06-2013, 12:26 PM
المالكي و«الطائفية الحمقاء»!


شن رئيس الوزراء العراقي هجوما حادا ولاذعا على الجميع، وخص مصر بالاسم، دولة ومؤسسات، وكذلك الأزهر الشريف، بسبب ما اعتبره تشددا متزايدا في المنطقة إزاء الأحداث في سوريا. ودعا السيد نوري المالكي الجميع إلى ترك ما سماه «الطائفية الحمقاء»، وطالبهم بالتوجه إلى بناء «على أساس الدستور والمصالح المشتركة ومعرفة الخطورة التي نتعرض لها، وأن ندخل على خط الفتنة مهدئين ومسكنين لها»، محذرا، أي المالكي، من رد الفعل قائلا: «لأننا ما زلنا نسيطر عليه ونمسك بأيدي من يملكون أن يردوا على من يريدون الفتنة، ولنسمع من عقلائكم وحكمائكم ما يجعلنا نستطيع أن نهدئ الآخرين ونخفف من جراحاتهم والكف عن العملية التصعيدية والتوتر»!

ولو صدر مثل هذا الكلام عن مسؤول ليس في بلاده طائفية مقيتة بسبب تركيبة وتصرفات حكومته وحزبه لقلنا ربما هذا منطق مقبول مع بعض من التحفظات، ولو صدر هذا الكلام عن مسؤول لم يقل، ومنذ فترة طويلة، إن الأسد لن يسقط، ولماذا يسقط، لقلنا أيضا إنها نصيحة مقبولة، أما أن تصدر هذه الانتقادات، بل والتهديدات، من السيد المالكي فهذا هو شر البلية فعلا. فالسيد المالكي يحذر من «الطائفية الحمقاء» في سوريا، بينما الميليشيات الشيعية العراقية تقاتل السوريين دفاعا عن الأسد، وبعد إعلان حسن نصر الله عن القتال هناك، والمالكي يحذر ويهدد، بينما الأسلحة الإيرانية تتدفق لسوريا عبر الأجواء العراقية، ووسط تحذيرات دولية للعراق من فعل ذلك. وهذا ليس كل شيء، بل إن المالكي يطالب بالحوار السياسي في سوريا، ورغم وقوع قرابة المائة ألف قتيل سوري على يد قوات الأسد الذي لم يتوانَ عن استخدام الأسلحة الكيماوية، والاستعانة بالإيرانيين، ومرتزقتهم وحلفائهم، للدفاع عن الأسد. ورغم كل ذلك يحذر المالكي من الطائفية، في الوقت الذي يجمع فيه الفرقاء السياسيون بالعراق، ومن جميع الطوائف، على طائفية، وديكتاتورية، نظام المالكي نفسه!

كما يحاضر المالكي اليوم حول خطورة «الطائفية الحمقاء»، بينما الكل يذكر مواقفه إبان التحرك الطائفي الحقيقي في البحرين، ويهاجم المالكي المصريين بعد أن رحب بحكومة الإخوان المصرية ببغداد، وأعرب عن تطابق المواقف معها، لكن اليوم، ورغم كل القتل في سوريا، وبعد أن أصبحت طهران وحلفاؤها يقاتلون علنا دفاعا عن الأسد، فإن المالكي يحذر المنطقة من «الطائفية الحمقاء»! وما لا يدركه المالكي، مثله مثل حسن نصر الله، أن بقاء الأسد ما هو إلا وهم، والحقيقة الوحيدة هي أن المنطقة ستبقى نفس المنطقة بسنتها وشيعتها، وكل مكوناتها، والكاسب الحقيقي هم العقلاء، طال الزمان أم قصر، أما من يرهنون أنفسهم لإيران فهم إلى زوال.

والمفترض إذا كان المالكي مخلصا في تحذيره من «الطائفية الحمقاء»، أن يبادر بنفسه لمنعها في العراق، ويمنع تدفق السلاح والميليشيات الشيعية إلى سوريا، لكنه لن يفعل ذلك بالطبع، والسبب هو الطائفية التي يحذر منها!

عبدالله هادي
29-06-2013, 12:29 PM
الجريمة الطائفية: مسؤولية النظام أم الطبقة السياسية؟



سأل طالب عربي في جامعة لندن قبل 52 عاما زملاءه «المصاروة» عما إذا كانوا شيعة أم سنة. تساءل اثنان من الإسكندرية في استغراب «يعني إيه؟».

باستثناء الأزهريين وأكاديميي الفقه وتاريخ العصور الوسطى، لم يكن المصريون، في خمسينات وستينات القرن الماضي، سمعوا بسؤال لا يستوعبونه. أتذكر زملاء المدرسة الابتدائية لا بالأعراق أو المذاهب، بل بالأسماء (ومنها أيضا لا تعرف الديانة)، فالزوجة تتلقب باسم زوجها. أذكر سيفتلانو الإيطالي الذي تحول للإسلام ليتزوج الجارة «أبلة سميحة» فأصبحت مدام زابيتللي (أم سامح زابيتللي)، وتلميذا أبناء عمومته مسلمون، وأبناء خاله يهود، يونانيون أرثوذكس، وآخر بنات خالاته كاثوليك أو عماته روس. وتجد في عائلة واحدة عرقيات وديانات تفوق عدد أصابع اليدين. وكان المصري من أبناء جيلي لا يسأل شخصا عن دينه، فالخليط الثقافي كان اكسير النجاح الاقتصادي كالقاعدة لا الاستثناء، خاصة في المدن الساحلية والصناعية.

لذا جاء مقتل مصريين لأنهم «شيعة» على يد غوغاء في قرية كالصاعقة. فتعريف المفاجأة التي قد تصيبك بالشلل أنها ما وراء تخيلك، حتى في أحلك الكوابيس ظلاما منذ أن سمعت الإسكندرية مدافع النازي التي دحرها جنرال آيرلندي يقود جيشاً بريطانياً بين جنوده ما يزيد على 40 عرقية وديانة مختلفة.

خطورة الفاجعة أنها آخر فصول مهزلة وضعت مصر في قائمة الدول الفاشلة.

تعددت الأسباب، ومنها غياب كفاءة النظام الحاكم من قمته إلى مفصلياته. نظام «يغرق في شبر مَيّه» عند التعامل مع أمور يديرها يوميا مثل خباز أو كمساري ترام مبتسما. النظام يهدر طاقات وإمكانيات الأجهزة في محاولة السيطرة على أمور البلاد لمصلحة الجماعة وحلفائها.

ولعل مهزلة اختيار محافظ للأقصر مرتبط بجماعة إرهابية وراء مذبحة معبد حتشبسوت (مما سبب خسائر اقتصادية باهظة للسياحة فاستقال بعد أيام) هي قمة جبل ثلج الفشل الإداري للنظام العائم في محيط التخبط.

سبب آخر هو الغشاوة على العين الداخلية للمؤسسة السياسية (حكومة، وزعماء أحزاب موالية ومعارضة، ومعلقين وصحافة)، وللعقل الإداري للبلاد. سمعنا علنا ساسة وفقهاء دين يروجون للطائفية ويدعون للجهاد ضد الأديان (والمذاهب الإسلامية) الأخرى، وصمت المؤسسة السياسية الآذان، ولم تقدمهم الحكومة أو المدعي العام للنيابة لانتهاكهم قوانين مصرية (تهديد السلام والأمن العام؛ التحريض على العنف، القذف والتشهير... إلخ) والميثاق العالمي لحقوق الإنسان.

ترى أي المصيبتين أعظم وأكثر هولا؛ عدم وعي الحكومة بأجهزتها، والمؤسسة السياسية، بخطورة هذه الدعوات وخرقها للقانون؟ أم وعيها بالأمر والسكوت عنه؟

ورغم قناعتي، كمؤرخ، بعدم كفاءة الحكومة في إدارة أبسط الأمور بما يلائم أمة في حجم مصر، تاريخيا، وجغرافيا، وبشريا وحضاريا، فإنها لا تتحمل وحدها المسؤولية عن كارثة القتل الهمجي الغوغائي لمصريين يمارسون فروضهم بطريقة تخالف توجهات الحزب الحاكم. عندما تقع جرائم على يد مخبولين، في أي مجتمع متحضر، ينشغل الأكاديميون واخصائيو السلوك الاجتماعي والنفسي في البحث عن الأسباب. وكثيرا ما تلوم الكنيسة، والمؤسسات المحافظة، الألعاب الإلكترونية الحديثة التي تحول أسلحة الفتك إلى لعبة أطفال، أو أفلام هوليوود التي يستخدم فيها البطل العضلات والرصاص قبل العقل. فهناك أسباب أخرى أهمها ما طرأ على الثقافة الديناميكية الاجتماعية للإنسان المصري من تغيير في نصف القرن الأخير، وطغيان ثقافة غريبة لم تنبت في تربة المجتمع المصري فجاءت بأضرار تفوق تأثير أفلام عنف هوليوود على أميركيين صرعوا أطفال المدارس ببنادق الكاوبوي.

فالمصري انشغل لآلاف السنين بالإنتاج الزراعي والمزرعي، كمستثمر نهري للجهد والمعرفة؛ ثم بالبناء والتشييد المعماري خارج مواسم الزراعة، أو في التجمعات الحضرية؛ ثم التصنيع والاستثمار في القرنين الأخيرين منذ نهضة محمد علي. ولم يعانِ المصريون حاجة اقتصادية للهجرة، بل على العكس تدفق المهاجرون من الجهات الأربع (والغزاة والمستوطنون أيضا) على مصر، وانصهروا في الثقافة المصرية المتسامحة المتساهلة الودود. وباستثناءات نادرة، جاءت احتجاجات المصري في شكل النكات الساخرة؛ ونشاطات أوقات الفراغ.. كان اللهو والرقص والمرح والطرب والترفيه خاليا من العنف (بعكس مصارعة الرومان بالسيوف، أو قتل الإسبان للثيران أو صيد الحيوانات).. لم ترق فيها قطرة دم منافس، أو حيوان أو طير. ومنذ الخمسينات تزامنت هجرة المصريين للعمل في الخارج (بفشل نظام يوليو اقتصاديا) وتعرضهم لثقافات مغايرة، مع ظهور الآيديولوجيات المعادية للغير في مصر. بدأت ظواهر الإعجاب بثقافة العنف وتصفيق صناع الرأي العام عندما يصوب نحو الغير، وزينت الصحافة المصرية بالآيديولوجية الناصرية جرائم يعاقب عليها القانون المصري (كخطف الطائرات والاغتيالات، والتفجيرات) كنضال ضد «الأعداء»، بينما مرتكبو «البطولات» غير مصريين في صراعات لا علاقة لها بمصر ومصالحها.

استمر النظام «المنتخب» بعد انتفاضة يناير (كانون الثاني) 2011، في خداع الرأي العام بشعارات مراحل نظام 23 يوليو (تموز) باستهداف «عدو» خارجي وهمي، مغيرا «النضال» إلى «الجهاد»، والمضمون (المخالف للقانون المصري) واحد، ومرتكبو «جهاد» العنف الذي غسل به العقل المصري الجماعي إعجابا في «بلاد بره» هم الآن الجماعة الحاكمة التي وطنته تمصيرا.

المثقفون المصريون وصناع الرأي العام يحملون النظام العاجز عن إدارة أمور البلاد المسؤولية عن العنف، وينسون دورهم لأكثر من قرن كمغلفي العنف ضد أخيهم الإنسان (غير المصري أو غير المسلم) وممتلكاته في ورق البطولة.

وقد تنجح مظاهرة المصريين الكبرى غدا (30 يونيو/ حزيران) في التخلص من النظام غير المؤهل (واحتمال العنف وارد للأسباب أعلاه)، وقد يتدخل الجيش إذا أشهر الجهاز السري للجماعة وحلفاؤها «جهادهم» في وجه المتظاهرين؛ وقد تظهر نسخة «أتاتوركية» مصرية لفرض القانون؛ ولكن هل يتبع هذا النجاح تخلص ثقافي اجتماعي من جرثومة العنف والكراهية التي تغلغلت جذورها في نخاع الشخصية المصرية؟

عندئذ نرى ثورة اللوتس الحقيقية.

عبدالله هادي
29-06-2013, 12:37 PM
ما أحوجنا إلى هيغل عربي!



نحن العرب ضائعون هذه الأيام، حائرون محتارون، ثم بشكل أخص خائفون، مرعوبون. قدرنا أو مصيرنا على كف عفريت. تتقاذفنا الأمواج من كل جانب كـ«القارب السكران» الذي تحدث عنه رامبو في قصيدة عصماء. الانقسامات المذهبية العتيقة جدا تنفجر في وجوهنا من أعماق التاريخ دفعة واحدة فنصاب بالهلع. لا أحد يعرف إلى أين تتجه الأحداث ولا ما هو المجهول الذي ينتظرنا. لا أحد يدلنا على الطريق أو يطمئننا نفسيا على الأقل عن طريق تقديم تفسير مقنع لما يحصل حاليا. إذا كنتم لا تستطيعون منع المجازر أو تغيير الواقع المرعب فعلى الأقل فسروه لنا أو سلطوا عليه الأضواء يا عباقرة العالم العربي! ما سبب كل هذه الحيرة الكبرى والتخبط؟ لا ريب في أنه يوجد عندنا مثقفون مهمون ومحترمون ولكن ليس على مستوى الكارثة الكبرى أو المنعطف التاريخي الهائل الذي نعيشه حاليا. لم نحظ حتى الآن بفلاسفة كبار من وزن ديكارت أو كانط أو هيغل.. فهل عقمت الأمة العربية يا ترى؟ لا أعرف. كان كانط في أواخر أيامه يتوقع ظهور فيلسوف كبير قادر على اكتشاف قوانين التطور التاريخي مثلما اكتشف كيبلر ونيوتن قوانين الطبيعة الفيزيائية والفلكية التي تمسك الكون. والغريب العجيب هو أن هذا الفيلسوف الذي تنبأ به سرعان ما ظهر بعد موته بسنوات معدودات: إنه هيغل! بل إنه ظهر في حياته في الواقع ولكنه لم يعرفه أو لم يتح له التعرف عليه لأنه كان لا يزال صغيرا في السن ولم ينشر شيئا يذكر بعد. ينبغي العلم أن كانط ولد عام 1724 وهيغل عام 1770، وبالتالي تفصل بينهما خمسون سنة تقريبا. وعندما مات كانط عام 1804 لم يكن هيغل قد نشر رائعته الكبرى «فينومينولوجيا الروح»: أي علم تجليات الفكر والوعي والروح عبر التاريخ. لا أحد يعرف ماذا سيكون رد فعله على هذا النجم الجديد الصاعد في سماء الفلسفة الألمانية. ولكن بما أنه شخص طيب في أعماقه فالأرجح أنه كان سيرحب به كل الترحيب ولن يغار منه على الإطلاق كما فعل سارتر مع ميشيل فوكو مثلا. على العكس كان سيشعر بالطمأنينة لأن المفكر الذي حلم به قد ظهر.

عندما أقرأ مقدمة كتابه «فلسفة التاريخ» أو «العقل في التاريخ» أستشعر فورا هيبة اللغة الفلسفية وعظمة الفلاسفة الكبار. أكاد أتخيل هيغل وهو يصعد كرسي الفلسفة في جامعة برلين وكأنه يمتطي صهوة العالم! إنه إمبراطور الفلسفة والفكر مثلما كان نابليون بونابرت إمبراطور الفتوحات والمعارك الحربية. الفكر أيضا معركة! الفكر أيضا فتوحات، صولات وجولات.. من على منصته العالية يبتدئ البروفسور هيغل دروسه بالكلمات التالية: «أيها السادة، إن موضوع هذه المحاضرات هو التاريخ العالمي من وجهة نظر فلسفية».. هكذا راح هيغل يحلق كالنسر فوق التاريخ العالمي كله بدءا من العالم الشرقي وحضارات الصين والهند وفارس ومصر وانتهاء بالعالم الغربي الإغريقي الروماني الجرماني. وبالتالي فلو ظهر هيغل حاليا لربما راح يصفق بكلتا يديه قائلا: «يا إلهي، لقد أصبح العالم العربي كله مختبرا لنظرياتي الفلسفية! إن أحداثه المتلاحقة وانفجاراته تؤكد على صحة طروحاتي الأساسية. العالم العربي يقدم لنا، في هذه اللحظة بالذات، أكبر مادة هائلة للفلسفة والتفلسف. أكاد أرى العالم العربي والإسلامي كله يختلج، يرتعش. أكاد أراه يصطدم بقعره الأسفل، بعمق أعماقه، وهذه علامة خير. أكاد أراه يقترب لكي يبتعد، يتصل لكي ينفصل. إنه يعود إلى الوراء لكي يقفز إلى الأمام. هؤلاء القوم سوف يدخلون التاريخ يوما ما ولكن ليس غدا وإنما بعد غد. ينبغي أن يحلوا مشكلتهم مع أنفسهم أولا. وبعدئذ لكل حادث حديث..».

ولربما فاجأنا هيغل بهذه القنبلة: «وحتى أكبر ضربة إرهابية في التاريخ (أي 11 سبتمبر/ أيلول) لم تحصل إلا لكي يستيقظ المسلمون من غيبوبتهم ويقوموا بمراجعة موروثهم من أوله إلى آخره. هذا هو المغزى الفلسفي العميق لضربة 11 سبتمبر التي تتحكم بالسياسة الدولية حتى اللحظة، وإلا فلا معنى لها على الإطلاق. وهذا هو معنى الانفجارات المذهبية المتلاحقة. ضمن هذا المعنى نفهم عبارة هيغل الشهيرة: «كل ما هو واقعي عقلاني»، بما فيها الحروب الأهلية والفواجع: أي لها ضرورتها الموضوعية المسجلة في أحشاء الواقع. وبالتالي فينبغي علينا أن نمر بكل هذه الأهوال قبل أن نصل إلى بر الأمان. لا يوجد حل آخر. هذا قانون من قوانين فلسفة التاريخ.

وربما أردف هيغل منبها: «آسف أن أقول لكم إن المشكلة المذهبية لن تحل قبل أن تنفجر وتشبع انفجارا. إذا ما كبرت ما بتصغر! ولذا فلا تقلقوا ولا تحزنوا، لا تخافوا ولا ترتعبوا. فالفوضى العارمة التي يشهدها التاريخ العربي والإسلامي كله تخفي وراءها شيئا آخر. إنها الزبد الذي يرغو على السطح. بمعنى أن عذابات الشعوب العربية والإسلامية ليست إلا مرحلة عابرة ولكن إجبارية لكي تصفى الحسابات التاريخية المعلقة أولا، ولكي تنفضح الأنظمة الديكتاتورية بكل أبعادها ثانيا فتفقد مشروعيتها ومصداقيتها تماما. فهذه الديكتاتوريات الأخطبوطية راحت تسيج المجتمع كله بالأسلاك الشائكة متوهمة أنها بذلك قادرة على مواصلة الحكم مليون سنة بعد إخماد روح الشعب تماما. ولكن فلسفة التاريخ تقول لنا إن الحرية تفصح عن وجهها الساطع من خلال انتفاضة الشعب العارمة. فالشعوب لا يمكن خنقها إلى الأبد. عاجلا أو آجلا سوف تنطلق كالمارد الجبار من أجل استرجاع حريتها المصادرة».

هذا ما قد يقوله لنا فيلسوف الألمان بلهجة عربية.. ذلك أن التاريخ بحسب هيغل ليس إلا عبارة عن «التقدم إلى الأمام من خلال الوعي بالحرية». وبشكل من الأشكال ألا يمكن القول إن تصورات هيغل تحققت على أرض الواقع بعد قرنين من موته أو حتى أقل؟ ألم يصبح الاتحاد الأوروبي أكبر فضاء للحريات في العالم؟ ولو فتحت الحدود ألن تهاجر معظم شعوب العالم إلى سويسرا وفرنسا وهولندا وألمانيا وبلجيكا والسويد والنرويج، إلخ؟

لكن هناك فكرة أخرى أساسية سوف يضيفها هيغل، وهي أن الدولة الليبرالية الديمقراطية الموعودة لا يمكن أن تنهض في أرض العرب إلا إذا تجاوزنا اللحظة الأصولية، فهي العدو اللدود لها. وهذه اللحظة لا يمكن تجاوزها إلا بعد أن تحكم ولو لفترة. ضمن هذا المنظور نقول إن اللحظة الأصولية الكبرى التي نعيشها حاليا بعد «الربيع العربي» المجهض والمصادر إخوانيا تقدم لنا أكبر خدمة من دون أن تدري. إن وجودها ضروري جدا لكي يستشعر الجميع خطورة الفهم الخاطئ للدين، ثم بشكل أخص لكي ينتصر التأويل الحضاري للإسلام على التأويل السائد: أي لكي ينتصر إسلام العصر الذهبي. وهذا هو معنى مصطلح هيغل الشهير: «الدور النافع للعامل السلبي في التاريخ». والمقصود فائدة الشر في نهاية المطاف: نعم الشر له فائدة، له وظيفة، وليس عبثا. لولا الشر لما انكشف معنى الخير، ولولا الظلاميات الحالكة لما كان للنور والتنوير أي معنى. فاصبروا أيها العرب، أيها المسلمون. وهنا يكمن أيضا «مكر العقل» في التاريخ. العقل يقود العالم بطريقة ذكية ماكرة ولكن لمصلحة البشرية. كلمة «مكر» مستخدمة هنا بالمعنى الإيجابي النبيل للكلمة لا بالمعنى السلبي الشائع. إنه يعكس الشر ضد ذاته ويستخدمه لمصلحة الخير. إنه يستخدم الظلامية المتطرفة بكل فظائعها وتفجيراتها كفزاعة للتعجيل باستهلال عهد التنوير العربي الإسلامي القادم. فكلما ازدادت غلوا وتطرفا اقتربت لحظته وازداد التوق إليه. وهنا يكمن الرهان الأكبر لما يحصل حاليا في العالم العربي والإسلامي كله.

عبدالله هادي
29-06-2013, 12:39 PM
حروبنا مسروقة من التاريخ!



لا نشكو من قلة الأخبار المخيفة، بل من كثرتها، والتخمة كالجوع، يضران ولا ينفعان.

الجديد المخيف في هذه الصراعات العربية والإسلامية هو تحولها إلى صراعات «إفناء».

المسار الطائفي (شيعي - سني) يحكم الأزمة، والمنطق الحاكم: إما نحن وإما هم.

كل عاقل لديه شعور طاغ بوجود جو استثنائي حافل بالهول، والإحساس بعالم جديد، عالم لا نعرفه من قبل، أبيحت فيه المحرمات، وقيل فيه ما كان مكتوما.

صيحات طائفية، ورايات كأنها خرجت للتو من قماش التاريخ السحيق، كأن لم تمرّ بنا قرون مديدة تفصلنا عن تلك الحروب التي كانت تخاض على صهوات الجياد وأكوار الإبل.

بدا لي أننا نعيش في خضم القرنين السادس عشر والسابع عشر.

نعيش الآن، مرحلة تشبه مرحلة عبرت العالم قبل 5 قرون تقريبا:

* حرب الثلاثين عاما قامت بين طائفتي البروتستانت والكاثوليك داخل «الأمة» المسيحية الأوروبية بين عامي 1618 و1648. مسرح الحرب كانت الأراضي الألمانية، وقد دخلت أتون هذه الملحمة معظم القوى الأوروبية الموجودة آنذاك.

فتكت الحرب بممالك أوروبا، وهيّجت الشعور الديني لدى كل طائفة، وانتهت هذه الحرب الثلاثينية بمعاهدة وستفاليا 1648 التي كانت «البذرة» لقيام مفهوم الدولة الحديثة. لكن أثر هذه الحرب المدمرة استمر في أوروبا لعدة قرون.

* كلنا قرأنا عن الحروب الهائلة بين الصفويين والعثمانيين، الطرف الأول يمثل الشيعة، والثاني يمثل السنة، تيار الأمة الأغلب، لكن المفارقة أن هذه الحروب كانت متزامنة، تقريبا، لنفس مرحلة الحروب الدينية في أوروبا.

فالحروب الصفوية العثمانية استمرت من سنة 1515 إلى سنة 1639.

* في نفس هذه المرحلة أيضا شهدت المرافئ العربية والإسلامية من الأطلسي إلى المحيط الهندي هجمات برتغالية شرسة، حتى ثغور البحر الأحمر والخليج العربي لم تسلم من هجمات البرتغال، التي كان الطابع الصليبي الديني واضحا فيها، بالإضافة طبعا للطمع الاقتصادي الاستعماري. ويكفي أن نذكر بنجم الحروب البرتغالية وهو (ألفونسو البوكيرك) الذي شن أشهر حروبه على الشواطئ الهندية والشواطئ العربية في البحر الأحمر في 1513. وتوفي وهو في الحملة سنة 1515.

* بل إن أشهر ملك بريطاني وهو (هنري الثامن) وسبب شهرته الأول هو انفصاله عن الكنيسة الكاثوليكية وإنشاء كنيسة وطنية جديدة، لأسباب معقدة، وجد أيضا في نفس المرحلة، حيث إن هنري الثامن حكم سنة 1509 وتوفي 1547.

مفارقة تفرض نفسها، وتشابه مذهل، وكأن هناك أنفاسا للتاريخ يتلقاها الجميع في مرحلة ما، دون اختيار منهم.

فهل نعبر نحن، الآن، نفس تلك المرحلة الرهيبة من التاريخ، وعليه فلا مفر ولا مناص من شرب حنظل التاريخ؟!

عبدالله هادي
29-06-2013, 01:26 PM
إسقاط مرسي ليس في صالح المعارضة



تعمدت أن يكون الاستنتاج هو العنوان، حتى أختصر الجهد على المتعجلين من قراء العناوين من دون صبر حتى السطر الأخير، وللذين يقرأون للكاتب بأحكام مسبقة. في مصر، أصبح الرئيس محمد مرسي في ورطة خطيرة، يدركها حتى أتباعه؛ شعبيته في تراجع، والمزيد من المصريين خيبت آمالهم الثورة والحكومة. وبات احتمال سقوط حكم الإخوان واردا، إما في ثورة ثانية من الميدان، وإما بتدخل عسكري.

لكن، على الرغم من سوء إدارة مرسي، فإن إسقاطه - وقد بقيت ثلاث سنوات على رئاسته - سيكون خسارة للنظام الديمقراطي في مصر، وسيؤسس لعهد من الفوضى.

دوافع «التمرد» عليه صحيحة إنما الغاية خاطئة، ولو كان مرسي يحكم دولة ديمقراطية حقيقية لاستدعي للمحاكمة وواجه العزل. رغم هذا فإن إسقاط مرسي اليوم قد يؤذن بعهد مستقبلي سيئ لمصر، في وقت تحتاج البلاد أن تجرب وتخطئ، وتعيد المحاولة حتى يصل المصريون إلى النظام الذي يرتضونه.

إلى اليوم، مرسي لم يتوقف عن إساءة استخدام السلطة في مطاردة خصومه، من إعلاميين ومعارضين، كما كان يفعل الرئيس السابق حسني مبارك، باستثناء أن الرقم أكبر في عهد مرسي! الديمقراطية ليست مجرد صندوق انتخابي وأغلبية أصوات، بل لها استحقاقات ملزمة؛ القضاء المستقل عن الرئاسة، والبرلمان المستقل، والإعلام الحر. مرسي تغول على القضاء، قرر كتابة نظام قضائي جديد، وتشكيل مجلس من قضاة يختارهم، وعين نائبا عاما. عدا عن انتهاكه الصريح أيضا يريد إلغاء الديمقراطية الليبرالية التي جاءت به والإخوان المسلمين للحكم، بعد أن عجز الإخوان عن أخذه بالقوة ثمانين عاما. الإخوان يريدون تحويلها إلى «ديمقراطية إيرانية»، حيث يقرر المرشد من هو صالح للرئاسة ثم يستفتي الناس فيمن اختارهم فقط!

والقضاء هو حجر الرحى. فعندما يتحكم مرسي في اختيار السلطة القضائية يتحكم أيضا في الانتخابات، لأن القضاة هم المشرفون على التصويت والفرز، وهم الذين يحكمون في الطعون والخروقات الانتخابية، وهم الذين يصدقون على نتائجها. باختصار عندما يختار مرسي القضاة يكون قد ضمن الفوز في أي انتخابات، هو وحزبه! لهذا المعارضة مصرة على إسقاطه بالقوة. كذلك، عندما عزل مرسي النائب العام واختار واحدا من عنده أمسك بمفتاح التداعي بيد، والأمن بيد ثانية. من خلاله يستطيع السماح لدعاوى ضد خصومه السياسيين، وبه يمنع الدعاوى الموجهة ضده. المدعي العام قد يستخدم لمطاردة المعارضة، وهذا ما يفعله مرسي الآن بتوجيه تهم لخصومه بالتهرب من الضرائب أو الإساءة للرئيس، وحتى في تلفيق قضايا جنائية بها يستطيع حرمانهم من دخول الانتخابات لاحقا، وبالتالي القضاء على المعارضة.

هل هذا يعني أن مرسي مجبر على السكوت عن القضاء الذي يتهمه بأنه من تركة المخلوع مبارك؟ أبدا، لا. من حق الرئيس أن يطلب تعديل نظام القضاء، وكذلك تغيير من يشاء من القضاة، وكذلك النائب العام، إنما يمكنه ذلك في أحد إطارين؛ إما أن يترك للقضاء مهمة الإصلاح القضائي، أو أن يطرح مشروع الإصلاح القضائي ويشرك فيه كل القوى السياسية بالتساوي مع ممثلي الإخوان. وهذا ما يفعله حاليا رئيس وزراء تركيا أردوغان، عندما قرر تعديل الدستور أشرك كل القوى المنافسة، ولم يمنح حزبه في اللجنة إلا نفس عدد المقاعد مثل بقية الأحزاب الرئيسة.

ومع اهتزاز عرش مرسي، اتضح لأول مرة أنه يمكن إسقاطه، فالأصلح للمعارضة أن تعدل سلوك الرئاسة بالضغط عليه، لا أن تقصيه من الحكم قسرا. ولا يوجد في صلب دستور مصر ما يشرّع إسقاط مرسي، مثل طرح الثقة في الحكومة، أو إجراء استفتاء شعبي حول انتخابات مبكرة.

عبدالله هادي
30-06-2013, 12:55 PM
اليوم.. يكرم الشعب أو يهان



هذا العصر لا يعرف المنجمين، كل ما نستطيعه هو التحديق في لوحة الحاضر ومحاولة التعرف على طبيعة العلاقة بين ألوانها وما يمكن أن تنتج عنه من صورة كلية، أي واقع جديد بلغة السياسة. القوات المسلحة المصرية تنتشر الآن في طول البلاد وعرضها بعد أن نشرت تشكيلاتها لحماية كل المنشآت الحيوية، ملايين البشر نزلوا إلى ميادين القاهرة، وأخذوا طريقهم إلى قصر الاتحادية وأماكن أخرى، الهدف المعلن هو مطالبة رئيس الدولة بقبول عمل انتخابات رئاسية مبكرة بأمل أن يفشل فيها ولديهم كل الأسباب التي تدعم هذا الأمل. غير أن رئيس الدولة وجماعته، من المستحيل أن يوافقا على هذا الطلب. لأنهما يعرفان جيدا أن النزول عن سدة الحكم، تحتم السير في طريق ينتهي بسجن طرة ثم الدخول في معمعة المحاكمات التي لا تنتهي، وأنه حتى الأمل في أحكام براءة، ستقف لها بالمرصاد تلك الجملة الشهيرة «ما لم يكن مطلوبا أو محبوسا على ذمة قضية أخرى»، ستكون هناك دائما قضية أخرى. أوضح الألوان في الصورة هو الشرعية، شرعية الحكم، هي علاقة تعاقدية، الطرف الأول فيها هو الشعب الذي اختار الرئيس ليحكمه لمدة أربعة أعوام، وهو عقد - كما يعتقد الطرف الثاني - ليس قابلا للإلغاء، غير أن الطرف الأول يرى أن العقد مفسوخ من تلقاء نفسه لعدم وصول البضاعة المطلوبة والمتعاقد عليها إلى الشعب وهي العيش والحرية والكرامة الإنسانية.

المدهش والمثير، أن نظام الحكم نفسه هو أول من قام بضرب شرعيته في مقتل وذلك عندما تمت محاصرة مبنى المحكمة الدستورية العليا. من حاصروا مبنى المحكمة وروعوا القضاة لم يأتوا من الفضاء الخارجي. أنا أعتقد أن اللاوعي الجمعي للمصريين في تلك اللحظات اتخذ القرار بانعدام شرعية النظام، وأن ما يعطي النظام الحق في محاصرة أكثر الرموز شرعية في العصر الحديث، هو ذاته ما يعطي للشعب الحق في محاصرة النظام وإلغاء تعاقده معه. عندما تسقط الشرعيات، ستوجد إلى الأبد شرعية القوة مع كل احترامي للجملة الشهيرة لفيلسوف الحكم الإنجليزي جيمس ستيوارت مل «القوة لا تنتج حقا شرعيا».. بعيدا عن النفاق السياسي وخداع الذات، كانت القوة هي الوسيلة الوحيدة لاستعادة الشرعية في مكان تنكر فيه أصحابه للشرعية وأهانوها. والقوة الوحيدة القادرة على استعادة الشرعية في مصر هي القوات المسلحة ورجالها الذين قيل عنهم إن رجالها من ذهب. غير أنه على أصحاب هذه المقولة أن يعرفوا أن الرجال الذين صيغوا من الذهب لن يعملوا لحساب هؤلاء المصنوعين من الصفيح. القوة تكتسب شرعيتها من طبيعة الطريق الذي ستمشى فيه. عندما تمشى في طريق العدل والنزاهة العقلية والخلقية والوضوح والصدق مع الذات والغير، ستفوق شرعيتها كل شرعيات الدنيا. وفي كل الأحوال، ومهما يحدث، العدالة لها اسم واحد هو العدالة. لا يوجد ما يسمى العدالة الثورية أو العدالة الانتقالية، هناك العدالة فقط. العدالة ليست في حاجة إلى إضافات أو مكسبات طعم.. على الثوار أن يعرفوا ذلك.

لا مفر من أن يكون أصحاب القوة هم المسؤولين عن الشرعية، إنه الواجب كما يفرضه الشرف الإنساني. اليوم مساء ستعرف أنت وأعرف أنا مدى ما في هذا التحليل من صحة وخطأ..

عبدالله هادي
30-06-2013, 12:56 PM
لا أنقذ مصر ولا نفسه ولا الجماعة!



أيا كانت تداعيات الأحداث في مصر اليوم، فإنه مثلما كتب التاريخ أن الرئيس السابق محمد حسني مبارك لم ينجح في إنقاذ مصر ونفسه وحزبه، فإن التاريخ أيضا سيكتب أن الرئيس الحالي الدكتور محمد مرسي لم يستطع إنقاذ مصر ولا نفسه ولا جماعة الإخوان المسلمين.

خطاب الرئيس الأخير، والمطول، كان كارثة سياسية، حيث وحّد خصومه، وخسر القلقين المحايدين، خصوصا حينما هاجم الرئيس الجميع باستثناء العسكر، وهذا أمر متوقع، وخصوصا أن الجيش، تحسبا لمظاهرات اليوم، قام بما يشبه تنفيذ البيان رقم 1 من دون إعلانه، حيث انتشر الجيش بشكل لافت مع تأكيده على الانحياز للشعب، وهو ما لم يفعله الجيش في 25 يناير (كانون الثاني) 2011 إلا بعد فترة من المعالجات الخاطئة لنظام مبارك وحزبه، وتصاعد الأمور حينها. وبالنسبة لخطاب الرئيس الأخير، فإنه لم يوحد صفوف الخصوم السياسيين فحسب، بل وحد أيضا المؤسسات ضده، وضد جماعته، حيث لم يقدم الرئيس حلولا أو تنازلات، كما لم يستطع فتح آفاق سياسية، بل إنه عقّد الأمور أكثر.

وأيا كانت أحداث اليوم، فالواضح أن الرئيس قد فوّت الفرصة لإنقاذ مصر ونفسه وجماعته عندما أضاع عاما كاملا بلا جهد حقيقي لجمع الخصوم إلى كلمة سواء، أو حتى الحفاظ على تحالفاتهم ولو مع السلفيين، مثلا، كما لم يفلح الإخوان في طمأنة رجل الشارع الذي منحهم صوته، بل إن الإخوان كانوا يرتكبون الخطأ تلو الآخر، ويتغولون على المؤسسات من الأزهر الشريف للقضاء، ومن الاقتصاد للإعلام، هذا فضلا عن قصة القصص وهي كتابة الدستور، وطريقة تمريره، وما تبعها من أحداث، وكل ذلك توافق مع تردٍ في مستوى المعيشة شعره المواطن العادي من دون أن يلمس جهودا جادة لتحسين الأوضاع، فالإخوان كانوا شرهين في الاستيلاء على السلطات، وبسط نفوذهم على كل مفاصل الدولة، وهذا خطأ قاتل حيث شعر المصريون أن ما يفعله الإخوان يعني أنهم لن يتركوا الحكم مهما حدث!

وعليه، فقد أضاع الإخوان، وقبلهم الرئيس، كل الفرص لطمأنة الجميع، واعتبارهم شركاء، كما أضاعوا فرصة تحقيق منجز حقيقي، وعرّضوا السلم الاجتماعي للخطر، وفشلوا في حقن الدماء، وها هم الإخوان اليوم يواجهون شارعا يغلي ومنقسما، وجيشا متأهبا، ودولة على شفا انهيار اقتصادي، ورغم كل ذلك نجد الإخوان مستمرين بحشد مريديهم بدلا من السعي لنزع الفتيل، ونجد الرئيس يواصل إضاعة الفرص الممكنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه سواء لمصر، أو نفسه، أو حتى جماعته، وأفضل ما يمكن أن يفعله الرئيس الآن هو الدعوة لانتخابات مبكرة، وقبل فوات الأوان، فقد يفعلها، مثلا، بعد أسبوع ويكون الوقت قد تأخر، فأسبوع في السياسة يعد وقتا طويلا، كما يقال.

ولذا، فالواضح الآن هو أن التاريخ سيكتب أن الرئيس المصري لم ينقذ بلاده ولا نفسه ولا جماعته التي ستدفع ثمنا باهظا في حال سقط الرئيس، ليس في مصر وحدها، فمثلما كان الصعود الإخواني بالمنطقة جماعيا، فإن السقوط سيكون جماعيا كذلك.

عبدالله هادي
30-06-2013, 12:58 PM
سياسة النظام وتغييرات الخريطة السكانية



تؤكد نظرة سريعة إلى الخريطة السكانية في سوريا، حدوث تغييرات وتبدلات خطيرة فيها مقارنة بما كان عليه الوضع قبل انطلاقة ثورة السوريين على نظامهم في مارس (آذار) من عام 2011. والأساس في التغييرات التي أصابت الخريطة السكانية السورية هي عمليات الهجرة والتهجير في المستويين الداخلي والخارجي، والمحصلة في الحالتين أصابت أكثر من ثمانية ملايين نسمة، نحو نصفهم في الداخل ومثلهم في بلدان الجوار أو الأبعد منها، والعدد الإجمالي للمهاجرين والمهجرين يزيد على ثلث سكان سوريا.

ورغم مركزية المتغير السابق في الخريطة السكانية السورية، فإن ثمة متغيرات أخرى حدثت، من بينها التبدل الحاصل في التوزع العام للسكان على المناطق ما بين المدن والأرياف، وفي التغييرات التي أصابت الخصائص العامة للسكان من حيث التبدلات المتصلة بالعمر والعمل والدخل والتعليم والصحة وغيرها، وكلها شهدت تغييرات جوهرية، ولها دلالات عامة، وإن كان من الصعب إيراد الأرقام والنسب الدالة على هذه المتغيرات بسبب ما آلت إليه الأوضاع في سوريا من غياب لمؤسسات الإحصاء والبحث، وعدم توافر العوامل المساعدة للقيام بذلك.

وحدوث التغييرات السابقة على واقع السكان السوريين، كانت له انعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية على الواقع الراهن، وسوف تكون له تأثيرات مستقبلية كبيرة على سوريا والسوريين، تمتد إلى عشرات السنين في تأثيرها على الدولة والمجتمع. وبطبيعة الحال، لا يمكن رؤية تلك الانعكاسات بعيدا عن سياسة النظام وممارساته خلال العامين ونصف العام من عمر الثورة، وأثرها في وصول الخريطة السكانية إلى وضعها الراهن نتيجة سياسة وممارسات القوة والإرهاب والتدمير التي تواصلت في مختلف الأنحاء السورية.

لقد كان الهدف الأول للنظام في بداية الثورة، هو إسكات المظاهرات ووقف حركة الاحتجاجات، وكانت الوسيلة الأولى التي بدأت في درعا، وامتدت إلى بقية المناطق ذات طابع مزدوج، حدها الأول إطلاق النار على المتظاهرين قتلا وجرحا، والحد الثاني كان شن عمليات الاعتقال ضد الناشطين في الحراك المدني والسياسي. غير أن هذه الوسيلة، لم تحقق النتائج المطلوبة، وهو ما جعل الأجهزة الأمنية والعسكرية، إضافة إلى عصابات الشبيحة التي جرى تنظيمها على عجل، تطور سياساتها وممارساتها، فانتقلت بوسائل إرهابها من التخصيص إلى التعميم، بمعنى تجاوز استهداف المتظاهرين والمحتجين والناشطين على تنوعهم، وتوجيه القمع والإرهاب إلى المناطق الناشطة بغض النظر عمن يمكن أن تصيبه آلة القمع في قتلها وجرحها واعتقالها الأشخاص وفي تدمير الممتلكات، وهكذا أخذت تظهر الهجمات على أحياء في المدن ومثلها ضد القرى التي تشهد فعاليات ضد النظام، عبر حصارها ثم الدخول إليها وسط إطلاق نار كثيف وعشوائي، ومنظم الأهداف في بعض فعالياته بحيث يصيب أشخاصا بعينهم، بينما تجري عمليات اعتقال مماثلة تزاوج بين الاعتقال العشوائي والمقصود، وكله يترافق مع تدمير وإحراق ما أمكن من ممتلكات، بينها بيوت ومحال تجارية، بهدف ترويع السكان وإخافتهم. ولأن هذه الممارسات لم تمنع تواصل الأنشطة المناهضة للنظام، فقد أضيف إليها ارتكاب جرائم السرقة والنهب والاعتداء على الأعراض، مما صعّد مخاوف سكان المناطق المستهدفة، ودفع المزيد من سكانها للمغادرة إلى مناطق أخرى، الأمر الذي أسس للحراك السكاني الذي بات أهم ملامح الخريطة السكانية في سوريا.

لقد طورت هذه السياسة وما رافقها من ممارسات تعززت بعمليات القصف المدفعي والصاروخي وبالأسلحة الكيماوية، أهداف النظام في إعادة تركيب خريطة الصراع الدائر. فهي وفرت في البداية فرصة قتل واعتقال الناشطين والعمل للتأثير بصورة سلبية على الحواضن الاجتماعية للثورة، ثم أضافت إلى ما سبق، العمل على نشر الذعر والخوف وخلق صعوبات العيش، ثم طورتها في العمل من أجل تهجير السكان سواء باتجاه مناطق سورية أخرى أو إلى الدول المجاورة، وفي كل الأحوال فإن عملية التهجير، كانت تحقق للنظام جملة من الأهداف، أبرزها تغيير البيئة العامة للمهاجرين الذين كانوا يتركون كل شيء خلفهم من بيوت وممتلكات ووسائل الكسب والعيش، محاولين النجاة بأنفسهم من القتل والاعتقال الذي كان يفوق سابقه بكثير.

ولم يكن تدمير البنى الحاضنة لحركة التظاهر والاحتجاج وخلق إشكالات ومشاكل للمنتمين إلى هذه الحاضنة باقتلاعهم من بيئاتهم هو الهدف الوحيد، إنما كان إلى جانبه هدف مركزي آخر، وهو إلقاء ثقل هؤلاء على مناطق أخرى، وإشغال النشطاء فيها بمشاكل القادمين واحتياجاتهم، الأمر الذي جعل المناطق الأخرى تخرج من حركة التظاهر والاحتجاج، وتدخل في مجال الإغاثة لتأمين سكن وغذاء ودواء لعشرات آلاف الأشخاص، الذين أخذت أعدادهم تتزايد بصورة المتواليات الهندسية. ولم يكن هذا الحال شأن نشطاء الداخل السوري فحسب، وإنما امتد إلى حال النشطاء في دول الجوار في الأردن ولبنان وتركيا، حيث وصل عدد اللاجئين إلى نحو ثلاثة ملايين شخص، ومثلهم في الداخل أو أكثر من ذلك بقليل.

خلاصة القول، إن سياسة النظام وممارساته الدموية غيرت الأوضاع السكانية على الأرض، ونقلت الحراك المدني في غالبه من النضال في مواجهة النظام إلى مهمة معالجة آثار ممارسات الدم في تهجير وإفقار السوريين وخلق ظروف شديدة القسوة تجعلهم أعجز عن الاستمرار في الصراع مع النظام من أجل إسقاطه وبناء نظام ديمقراطي يوفر العدالة والمساواة والكرامة للسوريين، وهي المهمة التي ما زالت أغلبية السوريين تعمل باتجاه إنجازها رغم كل الظروف الصعبة والمعقدة.

عبدالله هادي
30-06-2013, 01:00 PM
هل سوريا «مصيدة الذباب»؟



منذ اشتداد المعارك قبل عام، تحولت سوريا إلى أكبر حرب في التاريخ المعاصر بين متطرفي السنة والشيعة، وحرب مفتوحة بين إيران ودول الخليج، ولا يزال الوضع كذلك.

ومنذ ذلك الحين، ترددت طروحات مختلفة حول أسباب تخاذل الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة، على الرغم من أنها كانت فرصة نادرة التقت فيها رغبة الطرفين؛ رغبة غالبية الشعب السوري الكاره لنظام الأسد، ورغبة الغرب منذ عقود في هزيمة إيران وحلفائها، مثل نظام الأسد في سوريا. لكن مر عامان، ومات مائة ألف إنسان، والحرب مستمرة. الغرب اكتفى بـ«إسهال» من التصريحات المنددة، وبتقديم القليل من العون العسكري.

من الطروحات التي راجت «مصيدة الذباب» ضد الإرهاب؛ نظرية تدعي أن حرب سوريا مثل قالب السكر، تُركت حتى تغري أسوأ المتطرفين الإسلاميين؛ سنة وشيعة، ليأتوا من أنحاء العالم ويتقاتلوا هناك. وهكذا اصطف سنّة «القاعدة»، من «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، ضد شيعة «حزب الله» و«عصائب الحق» العراقية و«فيلق القدس» الإيراني.

«مصيدة الذباب» تلائم خيال الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة، وسبق أن شاعت في بداية غزو العراق؛ بأن الغزو مصيدة لإغراء «القاعدة» بالقتال على أرض بعيدة عن الولايات المتحدة. طبعا لا منطق فيها، لأن عدد قتلى الأميركيين في العراق فاق قتلى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية.

إنما الغياب الأميركي غير المألوف أثار كثيرا من التكهنات، لأن الأميركيين عادة حاضرون ومؤثرون في اشتباكات المنطقة؛ فهم من رجح كفة صدام حسين في حرب الثماني سنوات ضد إيران. وفي أسبوعين، طردوا قوات صدام من الكويت. وبحرب ضخمة، قضوا على قيادة «القاعدة» في منطقة الشرق الأوسط. في المقابل، أخفق الأميركيون أمام إرهاب النظام الإيراني الذي انتشر مثل الوباء، منذ أول عملية نوعية لحزب الله، نفذت تحت اسم «الجهاد الإسلامي» في بيروت عام 1983، استهدفت مقر المارينز، وقتل فيها 241 شخصا، إلى تفجير الخبر في السعودية عام 1996، الذي راح فيه 16 أميركيا، وعمليتين في الأرجنتين، والعديد في أوروبا وآسيا، ومن خطف طائرات إلى اغتيال دبلوماسيين. تقريبا كلها كانت تدار من قبل إيران. على خطى «حزب الله» نفسها، سار تنظيم «القاعدة» ضد مصالح وأهداف غربية. الآن في سوريا تتقاتل هذه الجماعات لأول مرة بعد أن كانت متحالفة.

فإذا كان صحيحا أن قالب السكر السوري جذب آلاف المتطرفين يقتلون بعضهم بعضا، فمن الخطأ الشنيع أن يراهن أحد على أن تقاتلهم في سوريا سيقضي على التطرف وتنظيماته، بل العكس هو الصحيح؛ يتوالدون مثل الذباب. لقد تسبب ترك المأساة السورية الإنسانية تدمى عامين ونصف العام تقريبا، في توسيع دائرة العنف والتطرف، وأحيا من جديد تنظيمات ضعفت، وبدأت تذبل مثل «القاعدة»، ونشطت جماعات محاصرة مثل «حزب الله» و«فيلق القدس». ولأن المال والرجال أرخص شيء في منطقة الشرق الأوسط، فإن الأزمة ستتعاظم حتى تصبح أكبر خطر إرهابي على العالم، وستصبح سوريا بؤرة أعظم مما شهدناه في أفغانستان ولبنان والصومال واليمن مجتمعة.

وحتى لا يزيد عدد الذباب ويتوالد، على العالم أن يساند الفريق المعتدل، مثل الجيش الحر والائتلاف، ليكون نواة دولة سورية مستقبلية مسؤولة، حديثة ومعتدلة، تنقذ الشعب السوري من مأساته المروعة، وتحرس العالم من تبعات حروب المتطرفين مستقبلا.

عبدالله هادي
30-06-2013, 01:03 PM
السعودية وأميركا: البناء والمشاركة والاستباقية



الأحداث الكاشفة لا تخرج مرة واحدة، والرؤى المصيبة لا تتجلى دفعة كاملة، ولكنها تأتي رويدا لمن يبتغيها ويترصدها ويحرص عليها، إن ما تعيشه سوريا اليوم هو حدث ضخم بموازين التاريخ واستثنائي بمعايير السياسة ومؤلم بمقاييس الإنسانية.

يبدو أن التاريخ مثل البشر يشعر بالملل من رتابة الأحداث وركود المتغيرات التي هي ماؤه وغذاؤه فينتفض، وانتفاضة التاريخ تعبر عن نفسها بأحداث جسام ومتغيرات كبرى قادرة على إجبار الجميع على الوقوف والتأمل، فمقل ومستكثر، وعلى استنباط النتائج فمصيب ومخطئ.

وفي رتابة التاريخ وانتفاضته فإن طموحات البشر لا تتوقف وصراعات المصالح لا تني وخلافات الخصوم لا تكل.

تحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري في لقائه بالعاملين في القنصلية الأميركية بمدينة جدة السعودية الأسبوع الماضي حديثا مهما عن العلاقة بالمملكة العربية السعودية قائلا: «تظل العلاقة مع السعودية واحدة من أهم العلاقات (سوبر إمبورتانت). إنها ليست فقط بسبب الموارد، ولكن لأن السعودية ظلت تقوم بدور القيادة المفيدة، خصوصا في البناء والمشاركة والاستباقية. وأظهرت مبادرات نحو بعض التحديات المحيرة التي نواجهها»، وأضاف «هذه البصيرة وهذه الحكمة وهذا النوع من القيادة هو الذي نحن في حاجة إليه. خاصة في الآونة الأخيرة».

إن العلاقات السعودية - الأميركية هي علاقات استراتيجية أسس لها الملك عبد العزيز والرئيس فرانكلين روزفلت منذ لقائهما الشهير عام 1945 في البحيرات المرة بقناة السويس بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهي علاقات لم تزل تتطور وتنمو بعدهما، وما عبر عنه كيري من بصيرة وحكمة القيادة السعودية كان قد صنع مثله روزفلت بتصريحه في الكونغرس في مارس (آذار) من ذلك العام بقوله: «لقد وعيت عن مشكلة المسلمين ومشكلة اليهود في حديث دام خمس دقائق مع ابن سعود أكثر مما كنت أستطيع معرفته بتبادل ثلاثين أو أربعين رسالة». («الوجيز» للزركلي ص271).

روج خصوم السعودية من محترفي التضليل اليساري والقومي ورموز الإسلام السياسي قبل وصولهم لسدة الحكم، أن علاقات السعودية بالولايات المتحدة هي علاقات تبعية لا علاقات ندية، وقارئ تاريخ هذه العلاقات يكتشف حجم الكذب والتضليل الذي ينطوي عليه هذا التحليل، وما حديث الواقع اليوم تجاه الأوضاع في سوريا الذي علق عليه كيري بقوله: «السعودية ظلت تقوم بدور القيادة المفيدة، خصوصا في البناء والمشاركة والاستباقية» إلا مثال ضمن أمثلة كثيرة، فقد كان موقف السعودية واضحا منذ البداية في دعم الشعب السوري ضد النظام الشرس لبشار الأسد في خطاب الملك عبد الله الشهير، وكما كانت السعودية سباقة فقد كانت فاعلة على الأرض، وحين كانت الولايات المتحدة تحجم عن دعم الشعب السوري لمخاوف تسيطر عليها كانت السعودية تقدم كافة أشكال الدعم السياسي والإنساني والعسكري كما صرح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، ولئن كانت الإدارة الأميركية محتارة تجاه الأوضاع في سوريا - كما عبر كيري - فقد كانت السعودية مبادرة. وفي الخلفية التاريخية القريبة فقد كان موقف السعودية رافضا للدخول الأميركي للعراق في 2003 وعبر الفيصل بأنه لم يكن سوى تقديم العراق على طبق من ذهب لإيران.

من جهة أخرى وجراء الشحن الطائفي الذي تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران من خلال استغلال الطائفية و«التشيع» تحديدا مظلة تحرك تحتها أطماعها في النفوذ والهيمنة على العرب، فقد كان عجيبا حديث رجل إيران في العراق السيد نوري المالكي رئيس الوزراء حين قال متسائلا: «ما هذا الذي يجري في سوريا؟ لماذا هذا التحشيد؟ لماذا هذه العلانية؟ يقولون اقتلوهم، وماذا تنتظرون؟» وهو انتقد تدخل الأزهر الشريف تجاه الأزمة السورية.

هذا الحديث من السيد المالكي يحتوي على مغالطات متراكمة، فكل الأخبار الموثقة من صحافيين محايدين تؤكد أن ثمة ميليشيات شيعية مسلحة تخرج تحت سمع المالكي وبصره من العراق باتجاه سوريا وتشارك في قتل الشعب السوري تحت شعارات طائفية فاقعة اللون وصارخة التطرف، بل إن وزير خارجيته هوشيار زيباري أكد هذا الأمر بنفسه قائلا: «لا أنكر أن ثمة مقاتلين شيعة عراقيين يقاتلون في سوريا»، وليس لائقا بزعيم يتبنى خطابا طائفيا وهو منحاز للدولة الفارسية المعادية للعرب أن يقدم نصائح إنسانية أو سياسية هو أول مناقضيها.

نعم في حديث السيد المالكي ما يجب التوقف عنده وهو انخراط رجال الدين والمؤسسات الدينية في معارك سياسية، وهو أمر تفشى مع الربيع الأصولي في الجمهوريات العربية المنتفضة وزاد حدة واستقطابا حتى للمؤسسات الدينية الأكثر رصانة في السعودية ومصر بعد السياسات الطائفية الصارخة التي دخلتها إيران وحزب الله والميليشيات الشيعية العراقية وبعض الحوثيين في سوريا.

إن الانتقال من «الأولويات الأصولية» بعد الربيع الأصولي إلى «الأولويات الطائفية» بعد الأزمة السورية هو انتقال يؤكد المنحى الانحداري الذي وقعت المنطقة في براثنه منذ ما يزيد على عامين ونصف - كما نبه كاتب هذه السطور سابقا - ولسوء الحظ فهو منحى آخذ في المزيد من الانحدار.

الطائفية كانت فتنة نائمة أيقظتها إيران بحسبانها سلاحها للنصر وجسرها للنفوذ ولكن مارد الطائفية حين انطلق من عقاله بات يهدد حلفاء إيران والمحسوبين عليها في المنطقة، فهي خسرت كثيرا من التيارات والمثقفين الذين كانوا يساندون سياساتها في المنطقة، وهي ستجر الويلات على المنتمين لطائفتها خارج حدودها فقد ألقت بهم في أتون حرب لا يمكن لهم أن ينتصروا فيها بحال، وقد يصدق على بعضهم قول الشاعر: لم أكن من جناتها علم الله وإني بحرّها اليوم صالي.

إن المنطق الطائفي والمفردات الطائفية والفتاوى الطائفية ستصبغ المقبل من الأيام بلونها، وستخرج خبثها كأبشع ما يكون الخبث، وسينفخ في كير الفتنة مثقفون وإعلاميون ورجال دين، والأخطر من هذا أن ضخامة الأحداث وحرارة الدماء ستخرج بعض العقلاء من رصانتهم وستجرف بعض الحكماء عن حكمتهم وسيكون الرهان على قلة قليلة تكون قادرة على فرز المشهد والتفريق بين الصراعات السياسية وما يختلط بها من أبعاد طائفية.

إن نصرة الشعب السوري بكل سبيل هي فرض إنساني قبل أن تكون واجبا سياسيا للتصدي لمشروع إيران المعادي للدول العربية والمعتدي على سوريا، وحين تقود السعودية مثل هذا التوجه فإنها تزن بميزان الذهب تحركها بين نصرة مستحقة للمظلوم وقطع الطريق على جماعات الإرهاب.

عبدالله هادي
01-07-2013, 01:15 AM
حماسة كيري تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط



سواء تمكن من إعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، أو فشل في نهاية المطاف كما فشل كثيرون من قبله، لا يستطيع أحد أن ينكر أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري بذل قصارى جهده في هذا الصدد.

وخلال رحلته الحالية التي تعد الخامسة له للمنطقة منذ توليه منصب وزير الخارجية في شهر فبراير (شباط) الماضي، التقى كيري بعد ظهر الجمعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد اللقاء الأول الذي استمر لمدة 15 ساعة في محادثات ماراثونية امتدت حتى منتصف الليل.

وخلال الفترة بين الاجتماعين مع نتنياهو، انتقل كيري عبر الضفة الغربية إلى العاصمة الأردنية عمان، والتقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقام الأردنيون بإعادته إلى القدس مرة أخرى في طائرة هليكوبتر عسكرية.

وقال كيري لنتنياهو بابتسامة أمام الكاميرات: «قريبا جدا». وجلس الزعيمان على نفس المقاعد في نفس الجناح في فندق «ديفيد سيتادل» بالقدس، وتصافحا بنفس الطريقة، مع اختلاف ربطات العنق. ويوم السبت، يعتزم كيري العودة إلى عمان لعقد اجتماع آخر مع عباس، وفقا لمسؤول بارز بوزارة الخارجية الأميركية.

وخلال الأسبوع الماضي، ناضل كيري مع الحلفاء العرب فيما يتعلق بسوريا، ودخل في مشاورات فيما يتعلق بمفاوضات محتملة مع حركة طالبان الأفغانية، وأدلى بدلوه في الجدل الدائر بشأن إدوارد سنودن.

ولكن الشيء الواضح هو أن عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية هي المحرك الأساسي لهذه الرحلة، ففي هذا المكان، بحسب أصدقاء وزملاء وبعض من المستفيدين من حماسته، خاض كيري تجربة كبيرة في السياسة الخارجية والعلاقات والدروس السياسية.

وأعلن كيري عن خطط لبرنامج بقيمة 4 مليارات دولار يهدف لمساعدة الاقتصاد الفلسطيني، كما انضم لوزير الدفاع تشاك هيغل في تعيين الجنرال المتقاعد جون ألين، قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان، مبعوثا خاص للقضايا الأمنية الإسرائيلية. ويعتقد كيري أن نهجه الذي لا يقاوم - المتمثل في مزيج من الأمن والضمانات الدبلوماسية، بالإضافة إلى الاقتراحات الاقتصادية - سيكون جذابا لكلا الطرفين.

وقاوم الإسرائيليون والفلسطينيون إغراءات مماثلة من قبل الكثير من وزراء الخارجية السابقين على مدى عقود. ويلقي بعض الساخرين بنظراتهم على العاطفة الكبيرة التي يبديها كيري، ويتساءلون عما إذا كان يعيش في عالم افتراضي بعد خسارته للانتخابات الرئاسية عام 2004.

وبينما يرعى الرئيس أوباما عملية السلام بكل قوة، لم يركز البيت الأبيض كثيرا على الجهود التي يبذلها كيري في هذا السياق. ومع ذلك، أشار مسؤول رفيع في الحكومة الأميركية، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى أن أوباما هو الذي أعطى كيري الضوء الأخضر للمضي قدما.

ورغم عدم ضمان النجاح، قال أوباما في مؤتمر صحافي في عمان في شهر مارس (آذار) الماضي: «ما أستطيع أن أؤكده هو أننا سنبذل مزيدا من الجهد. ما أستطيع أن أؤكده هو أن وزير الخارجية جون كيري سوف يقضي قدرا كبيرا من الوقت في مناقشات مع الطرفين».

ومن بين الأشياء التي تجعل كيري يعتقد أن الأمر مختلف هذه المرة هو إلحاح الوضع، في ضوء الأزمات التي تجتاح المنطقة، وحالة الملل التي تنتاب المجتمع الدولي لما بات ينظر إليه على أنه تعنت كبير من جانب إسرائيل، علاوة على عدم قدرة الفلسطينيين على عدم تنظيم الوضع السياسي والاقتصادي الداخلي، وهو ما جعل كيري يحذر مرارا من أن «النافذة تغلق» أمام إجراء محادثات ذات معنى.

ويملك كيري ثقة كبيرة في جدوى طاقته ومهاراته الخاصة خلال اللقاءات الدبلوماسية وجها لوجه مع المسؤولين، كما يملك خبرة كبيرة في السياسة، ولديه علاقات كبيرة مع معظم اللاعبين الأساسيين في منطقة الشرق الأوسط بفضل العقود التي عمل خلالها في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بما في ذلك أربع سنوات كرئيس للجنة خلال ولاية أوباما الأولى.

ويقول السياسيون الإسرائيليون، بغض النظر عن وجهة نظرهم في أي مفاوضات محتملة، إن كيري يتعامل مع إسرائيل باحترام وتفاهم، وإنه يتخذ الموقف الصحيح.

تنطوي خطة كيري على الكثير من الجهود السابقة، حيث يقوم جزء كبير منها على المبادرة العربية لعام 2002 التي تضمن أمن إسرائيل وتحمل وعدا بوجود علاقات دبلوماسية وتقدم حلا للقضية الشائكة المتعلقة بحقوق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم.

عرض كيري خطته الخاصة ببرنامج تكلفته 4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد الفلسطيني خلال خطابه في منتدى الاقتصاد العالمي في شهر مايو (أيار) بالأردن. واستعان بشخصيات قيادية في عالم الأعمال الأميركي من أجل وضع نماذج للنمو الاقتصادي في فلسطين والإقليم تستفيد منها إسرائيل والأردن وفلسطين.

وقال دبلوماسي أميركي رفيع المستوى، له باع طويل في إرساء دعائم السلام في المنطقة، إن تحمس كيري أثار إعجابه ويأمل أن يتمكن من الحفاظ عليه في مواجهة الاختلافات الكبيرة. ويواجه كل من عباس ونتنياهو تحديات سياسية داخلية، لكن لم يظهر بعد أي دليل على رغبتهما في القيام بما يتطلبه التوصل إلى حل طويل المدى. مع ذلك ورغم الشكوك التي تثيرها التجربة يبدو أن بعض الأطراف الإقليمية الفاعلة أصبحت متحمسة لمحاولات كيري.




* خدمة «واشنطن بوست»

عبدالله هادي
01-07-2013, 10:46 PM
أين علماء السنة والشيعة؟!



نحن نعيش حقبة يتعرض فيها الإسلام والمسلمون لموجة مدمرة على يد أهله نتيجة لتفسيرات غريبة للإسلام والأفعال غير المسؤولة لبعض المسلمين، وهو ما يجعلنا نموذجا واضحا لما تقصده الآية الكريمة «يخربون بيوتهم بأيديهم» (سورة الحشر: 2).

ومن المحزن أن نرى هذه الأمثلة تتكرر في كل مكان: في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا ولبنان، وأخيرا في مصر. انظر إلى العالم الإسلامي، مسلمون يقتل بعضهم بعضا باسم الإسلام.

من ناحية أخرى، يشهد الإسلام وبعض الدول الإسلامية نهضة، ولعل تركيا وماليزيا أبرز الأمثلة على ذلك، وفي المقابل، نرى العرب مغرقين في آمالهم بنتائج الربيع العربي. هذه بالفعل قضية محيرة، فهناك جانب مشرق تماما، وهناك جانب آخر معتم تماما.

هذه المعضلة تذكرني بالفصل العاشر من كتاب آرنولد توينبي «محاكمة الحضارة»، والذي يشرح فيه أفكاره بشأن العلاقة بين الإسلام والغرب والمستقبل، وقد نشرت نسخة الكتاب الذي أمتلكه عام 1948.

يقول توينبي في كتابه: «الوحدة الإسلامية نائمة، ولكن علينا أن نتوقع إمكانية أن يستيقظ النائم. تلك الدعوة قد تكون لها آثار نفسية لا تحصى في استحضار الروح المتشددة من الإسلام - حتى وإن طالت نومتها كأهل الكهف - لأنها قد توقظ أصداء العصر البطولي. ففي حقبتين تاريخيتين كان الإسلام الرمز الذي تمكن من خلال مجتمع شرقي من الانتصار على غزاته من الغرب. كانت الأولى في عهد الخلفاء الراشدين الذين حرروا سوريا ومصر من السيطرة اليونانية التي حكمتها لأكثر مما يقرب من ألف سنة. والثانية في عهد نور الدين زنكي وصلاح الدين، والمماليك الذين تمكنوا من صد حملات الصليبيين والمغول. وإذا كانت الحالة الراهنة للبشرية تتعجل حربا عرقية، فقد يتحرك الإسلام ليلعب دوره التاريخي مرة أخرى. وأتمنى أن لا يحدث». «محاكمة الحضارة».

وبعبارة أخرى، فبناء على نظرية توينبي، تحولت الحرب إلى داخل العالم الإسلامي. وبالعودة إلى التاريخ المعاصر قد يتساءل البعض منا عمن أنشأ حركة طالبان و«القاعدة» في الأساس؟ فكما نعرف كانت طالبان و«القاعدة» ركيزتين أساسيتين في النموذج الجديد للعالم الإسلامي.

ولم يكن احتلال أفغانستان وقتل أسامة بن لادن - على الرغم من الشكوك بشأن مقتله - مؤشرا على بداية نهاية طالبان و«القاعدة»، فقد أدى أيضا إلى نموها وتوسعها إلى دول أخرى، كالعراق واليمن ولبنان وسوريا. وللإنصاف، فقد فضلت أميركا وإسرائيل في محاولتهما لتشويه صورة الإسلام من خلال حوادث مثل قطع رؤوس أبرياء باسم الإسلام، بقاء استمرار «القاعدة» في العالم الإسلامي.

وتلك مشكلة مهمة، ماذا ينبغي علينا أن نفعل؟ كيف، ومن أي زاوية يمكننا أن نجد ونتعامل مع جذور المشكلة؟ هذا سؤال جوهري ينبغي علينا التعامل معه. على الصعيد الشخصي، أعتقد أن دور العلماء في هذا الإطار يمكن أن يكون إما بناء وإما مدمرا. فعلى سبيل المثال، يمكن رؤية السلوك المدمر عندما يصدر عالم فتوى بأن الشيعة ليسوا بمسلمين وأنهم كفار. الحقيقة أن هذه الفتوى يمكن اعتبارها سببا رئيسا في قتل الشيعة في مصر وسوريا. ومما لا شك فيه أن الأفراد الذين قتلوا بعضهم البعض يعتقدون أنهم بذلك يتقربون إلى الله وأنهم سيدخلون الجنة.

الفتنة الكبرى كانت السبب الرئيس وراء كل عمليات القتل في العالم الإسلامي. رغم تحذير القرآن الكريم من الفتنة: «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة». (الأنفال: 25)

هل يمكننا أن نتخيل فتنة أكبر من قتل مسلمين أبرياء، سنة أو شيعة، أو أقباطا؟ أعتقد أن مراكز الشريعة الإسلامية الرئيسة والأزهر الشريف وفي المملكة العربية السعودية، والنجف وقم، تتحمل مسؤولية كبيرة في منع وإنهاء هذه الكارثة.

كخطوة أولى، ينبغي علينا أن نتقبل وجود مذاهب إسلامية مختلفة، وقبول كل من السنة والشيعة بفروعها المختلفة. وقد ركز الشيخ تميم بن حمد، أمير قطر الجديد، على هذه المسألة بالذات في أول خطاب له بوصفه أمير قطر، حيث قال: «نحن مسلمون وعرب نحترم التنوع في المذاهب، ونحترم كل الديانات في بلداننا وخارجها، وكعرب نرفض تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي ومذهبي؛ ذلك لأن هذا يمس بحصانتها الاجتماعية والاقتصادية ويمنع تحديثها وتطورها على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين والطائفة، ولأن هذا الانقسام يسمح لقوى خارجية بالتدخل في القضايا الداخلية العربية وتحقيق نفوذ فيها، بغض النظر عن الدين والطائفة، ولأن هذا الانقسام يسمح لقوى خارجية بالتدخل في القضايا الداخلية العربية وتحقيق نفوذ فيها».

وأعتقد أن علينا أن نقبل التعددية في كل الدول العربية، فكلنا أصحاب هدف مشترك. في البداية ينبغي علينا أن نقر ونحترم قيم وعقائد الآخر. فعلى سبيل المثال، بناء على مدرسة أهل السنة فهم يحترمون كل أصحاب النبي، ونحن كشيعة نحترم هذه الفكرة. الأمر الثاني، في إيران، على سبيل المثال، يعيش ملايين السنة في بلدنا، لذا من المنطقي أن نحترمهم.

وأعتقد أنه ينبغي على آيات الله في النجف، وخصوصا آية الله العظمى السيستاني، أحد أبرز آيات الله في العالم الشيعي وفي قم أيضا، نشر بيان يحرمون فيه الاساءة إلى الصحابة وأم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها.

ولحسن الحظ فقد أدان آية الله خامنئي مرارا وصراحة في كلمته، التعرض بالإساءة لصحابة النبي. وأمر بهدم مسجد أبو لؤلؤة في كاشان. وعندما كتب صديقي رشيد الخيون مقالا عن مسجد أبو لؤلؤة، ربما لم يكن يعلم أن المسجد لم يعد قائما في إيران بعد. (رشيد الخيون: ضد الطائفية، ص 188).

نحن بحاجة أكثر من ذي قبل إلى علماء الخير لا علماء السوء، كما يقول الغزالي في كتابه «إحياء علوم الدين»، وبحاجة إلى علماء خير مثل الشيخ شلتوت، وآية الله العظمى بروجردي، والعلامة كاشف الغطاء ومن هم على شاكلتهم. وعندما قال الشيخ القرضاوي إننا بحاجة إلى تسليف الصوفية، وتصويف السلفية، تلقيت كلماته بسرور كبير وكتبت مقالا في «الشرق الأوسط» حينئذ. وقد كان للشيخ شلتوت فتوى معروفة بشأن الشيعة، جاء فيها: «مذهب الجعفرية، المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعا».

كانت تلك خطوة عظيمة للأمام في حل المفاهيم الخاطئة بين الشيعة والسنة. ولا تنسوا أن كل علماء التطرف سنة وشيعة، هم عناصر الفتنة في أيدي أعدائنا المشتركين. يقول ربنا «ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا». (البقرة: 286).

ويقول الغزالي في «إحياء علوم الدين»، ص 22: «هيهات هيهات، قد ندرس علم الدين بتلبيس علماء السوء، فالله تعالى المستعان وإليه الملاذ، في أن يعيذنا من هذا الغرور الذي يسخط الرحمن ويضحك الشيطان».

عبدالله هادي
01-07-2013, 10:47 PM
إيران من النجادية إلى الروحانية



توالت برقيات الترحيب والتهنئة للرئيس الإيراني الجديد الدكتور حسن روحاني من دول الخليج العربية معبرة في مجملها عن رغبة دول الخليج في تحسين العلاقات مع الجارة الشمالية وإقامة علاقات تعاون، وقد أعلن روحاني أن من أولويات إيران تحسين العلاقات مع دول الجوار بعد أن شهدت العلاقات الخليجية - الإيرانية خلال ولاية الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد فتورا واضحا، نتيجة لسعيه بمشروع الهيمنة الإيراني، فهل يتوقع حدوث تغيير جذري أو حتى جزئي في سياسة إيران الروحانية تجاه الملفات الساخنة المهمة كالملف الخليجي؟ وهل ستتغير استراتيجية إيران للهيمنة وسياستها تجاه جيرانها وفق السوابق الإيرانية في التدخل في شؤون الدول الخليجية؟

تتحرك إيران في المشهد الخليجي المعقد وفق رؤية تزاوج العقيدة بالتاريخ، وتمزج المصالح السياسية بالتوجهات المذهبية، فإذا تعارضت إحداهما أو تصادمت كانت الغلبة للمصالح السياسية على الدوام في ظل سياسة خارجية تجملها التقية السياسية، ففي فصل السياسة الخارجية من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية تنص المادة 154 على أن «جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي نقطة من العالم»، أي التدخل في شؤون الدول الأخرى بنص دستوري صريح.

لقد وظفت جمهورية إيران بعد ثورة الخميني عام 1979 فكرة «ولاية الفقيه» بدعوى نيابة الإمام المهدي في عصر الغيبة الكبرى لنصرة المستضعفين والمظلومين، فأصبحت حاضنة ومصدرة لمذهبها، وعملت على نقل ثقل المرجعية من نجف العراق إلى قم إيران. ووفق نظرية «ولاية الفقيه» أنشأت التنظيمات الداخلية والخارجية لتصدير الثورة وفق استراتيجية واضحة عملت القيادات الإيرانية على تنفيذها، سواء تحت عنوان «المحافظون» أو «الإصلاحيون».

لقد دأبت دول الخليج على التعامل مع إيران وفق مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وإلى حل القضايا العالقة بالطرق السلمية والحوار، كقضية الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث، وفي المقابل تنظر إيران لدول الجوار العربية نظرة دونية تترجمها بسياسات التدخل في الشأن العربي والخليجي والتصريحات الاستفزازية، فطهران تزرع الخلايا التجسسية في دول الخليج، وتجاهر بذلك على لسان مسؤوليها، وتستمر بإثارة القلاقل الطائفية. تغذيها نشوة النجاحات في العراق في ظل خطاب سياسي مشحون بحس التفوق على دول الخليج العربية.

إن الإشكالية التي تواجه دول الخليج العربية هي أن ثمة أطماعا إيرانية بلا مواربة بادعاءات ضد البحرين واستفزازات في جزر الإمارات المحتلة: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والتدخلات الإيرانية مستمرة، وأطماعها في الخليج والمنطقة العربية واضحة، والمشروع الإيراني لا يقبل حسن النيات. فقد عملت طهران على استغلال المطالبات بالإصلاحات وتوظيف المشكلات الداخلية خدمة للمشروع الإيراني، ومحاولة اقتباس تجربة الصعود السياسي للشيعة في العراق لتعميمها على الدول الإسلامية، وفي مقدمتها دول الخليج، فجاء دخول قوات درع الجزيرة البحرين بطلب من حكومتها انطلاقا من وحدة المصير المشترك، وترابط أمن دول مجلس التعاون وفي الوقت المناسب لصد المشروع الإيراني، وإجراء أمنيا جماعيا لدول الخليج.

رغم الجلبة الإعلامية بأن الرئيس الإيراني المنتخب «حسن روحاني» ينتمي للتيار الإصلاحي، فإن الاختلاف البيِّن بين الإصلاحيين والمحافظين اختلاف في الأسلوب والتكتيكات؛ فالاستراتيجية الإيرانية ثابتة، ولكن تختلف وتتفاوت تكتيكات التيار الأول الناعمة عن تكتيكات المحافظين التصادمية لتنفيذ مشروع الهيمنة الإيراني، وأبلغ دليل على ذلك فترتا رئاسة الرئيسين الأسبقين هاشمي رفسنجاني ومن بعد الرئيس الإيراني سيد محمد خاتمي «الإصلاحيين»، حيث تعززت الاستراتيجية الإيرانية.

اليوم دول الخليج بحاجة ماسة لإعادة ترتيب أوراقها ولتوحيد سياساتها، فالمصلحة العليا واحدة، والمشروع الإيراني أوضح ما يكون، والتصريحات والسياسات الإيرانية خلال العقد الماضي حولت الظنون إلى حقائق، وأصبحت التطلعات الإيرانية حقيقة تدعمها الوثائق والتطورات على الأرض.

تحتاج دول الخليج لتغيير استراتيجيتها وبشكل جذري في التعامل مع إيران، فيجب أن تكون مواقف الدول الخليجية من السياسات الإيرانية واضحة لا تحتمل التأويل ولا المجاملات السياسية؛ فالمواقف الرمادية تخدم الأجندة الإيرانية، وساهمت في تقوية الخطاب السياسي الإيراني المعادي لدول الخليج.

على الدول الخليجية أن تتخلى عن ازدواجية الخطاب والمواقف تجاه طهران، وفي ذات الوقت لا يمكن الانقياد لتصريحات كلامية؛ فالفعل هو الفيصل وليس الكلمات الدبلوماسية، وأن تعاد صياغة المواد الخاصة بالسياسة الخارجية في الدستور الإيراني وفق مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وإلا فلا مكان لحسن النيات والأوهام.

إن أمن الخليج واستقرار دوله على المحك. المنطقة تمر بمرحلة مخاض سياسي توجب مراجعة المواقف والسياسات، ودراسة الخيارات بشكل جماعي حتى لا يأتي يوم تقول فيه دول الخليج «ألا أكلت يوم أكل الثور الأبيض».



* كاتبة وإعلامية إماراتية

عبدالله هادي
01-07-2013, 10:49 PM
«النووي» الإيراني وموقف المثقف العربي



منذ قيامها في عام 1979 لا يكف النظام الفقهي الحاكم في طهران عن قلب الحقائق، وخرق النواميس الدولية، والقيام بمغامرات عبثية يمينا ويسارا بحيث فقد ثقة المجتمع الدولي ودول الجوار، وبات التشكيك في سياساته هو السمة الغالبة. ومن هنا فإنه من الصعب على أي مراقب أو متابع أو صانع قرار أن يصدق أن طموحاته لجهة امتلاك التقنية النووية هدفها سلمي، ويتمثل في توليد الطاقة السلمية فحسب، وليس الانتقال في مرحلة لاحقة من الاستخدام السلمي للطاقة النووية إلى الاستخدام العسكري.

صحيح أن دولا كثيرة في العالم كاليابان وألمانيا وفرنسا تعتمد على المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة، خصوصا أن طنا واحدا من اليورانيوم بإمكانه أن ينتج طاقة تعادل الطاقة المنتجة من ملايين البراميل من النفط، أضف إلى ذلك أن هذه الطاقة لا تؤدي إلى تلوث البيئة كما تفعل الطاقة المنتجة من الفحم أو النفط، لكن هذه الدول ليست كإيران التي تملك مخزونا هائلا من النفط والغاز الطبيعي، وبالتالي تستطيع أن تستخدم هذين الموردين في توليد الكهرباء بتكلفة لا تتعدى 20 في المائة من تكلفة الكهرباء النووية. وبمعنى آخر فإن إيران ليست لديها دوافع منطقية لإنفاق بلايين الدولارات على مشاريع نووية مكلفة وخطيرة بهدف «تنويع الموارد الوطنية للطاقة للمحافظة على ارتفاع معدلات النمو» كما تزعم، خاصة أن معظم منشآتها النووية مقامة بعيدا عن مراكز التجمعات السكانية الكبيرة من تلك التي يفترض أن تولد لها تلك المنشآت الكهرباء.

غير أن الصحيح أيضا هو أن النظام الإيراني لا يملك مصداقية كي يثق المجتمع الدولي ودول الجوار بسلمية مشروعه النووي، وذلك استنادا إلى سوابق هذا النظام في زعزعة الأمن والاستقرار في محيطه الإقليمي، وسياساته المعلنة حول تصدير الثورة إلى الجوار، وسعيه الدائم إلى توسعة نفوذه الإقليمي بامتلاك أدوات القوة والتهديد بها. ومن ناحية أخرى لا يمكن الثقة في قدرة الإيرانيين على تصميم مفاعلات جيدة وقادرة على الوفاء بمتطلبات السلامة والرقابة والتحكم المتعارف عليها دوليا، فقدراتهم العلمية والتقنية في هذا المجال متخلفة بأشواط عن مثيلاتها السوفياتية التي لم تستطع – رغم كل ما كان يقال عن عظمتها – أن تتحاشى كارثة تشرنوبل في عام 1986.

وهكذا فإن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية محقة في قلقها من البرنامج النووي الإيراني، خصوصا في ظل رجحان ميزان القوة العسكرية لصالح إيران بسبب عدد سكانها الكبير ومساحتها الشاسعة ومواردها المتنوعة، ناهيك عن احتمالات تعرض المفاعلات النووية الإيرانية لكوارث طبيعية (مثل الزلزال الذي ضرب مدينة بوشهر هذا العام وكاد يتسبب في كارثة إشعاعية لولا عناية الله) قد تؤدي إلى تلوث مياه بحيرة الخليج التي هي مصدر مياه الشرب الوحيد لشعوب دول الخليج العربية.

لكن ما يراه عرب الخليج خطرا محدقا بهم لا يراه كذلك بعض العرب الآخرين. فالعديد من المثقفين والمفكرين العرب المؤدلجين ممن حاورتهم في بعض المؤتمرات والمنتديات ذات الصلة بالموضوع يرون عدم وجود مبرر حقيقي لمخاوفنا وقلقنا في الخليج من النووي الإيراني، بل يسخرون منها، ويشيدون في المقابل بطموحات إيران النووية، زاعمين أنها تمثل ذخرا للأمتين العربية والإسلامية وعامل توازن وردع لإسرائيل فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني. ومثل هذا الكلام العاطفي السقيم سمعنا ما يشبهه يوم أن فجرت باكستان قنبلتها النووية، حيث راحت جهات رسمية وغير رسمية تطبل لها وتصفها بالقنبلة الإسلامية التي ستحرر القدس، لتكتشف سريعا أن إسلام آباد لجأت رسميا إلى نزع صفة «الإسلامية» عن قنبلتها، وإلى الإعلان صراحة أنها موجهة لخدمة مصالحها القومية الذاتية في ما يتعلق بنزاعها مع الهند.

والأغرب من هذا أن هؤلاء - ومعظمهم من القوميين الذين كانوا يهاجمون إيران – هم الآن في صدارة من ينافح اليوم عن النووي الإيراني، غير مكترث البتة بما يشكله من مخاطر على حاضر ومستقبل أشقائهم من عرب الخليج ممن سيكونون أول ضحايا أي تسرب إشعاعي للمفاعلات الإيرانية.

أما الطامة الكبرى فتتمثل في ما تردده جماعة ضمن هذه الجوقة، التي ما زالت تبني مواقفها على العواطف المجردة من المنطق والشعارات الفضفاضة الغبية، من أن تمسك زعماء إيران ببرنامجهم النووي وذودهم عنه وتحملهم للعقوبات الدولية «المجحفة»، وتصعيدهم للهجتهم من حين إلى آخر، هو بهدف طرح مبادرة سلمية لملف بلادهم النووي في نهاية المطاف تقضي بإغلاقه نهائيا «مقابل إزالة إسرائيل لمنشآتها النووية وإيقاف برامجها العلمية ذات الصلة». وأعتقد أنهم ربما ذهبوا إلى القول إنه «مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة»، هذا على الرغم من أن طهران لم يترشح عنها في أي مناسبة ما يؤشر إلى ذلك، بل ظلت تكرر على لسان كبار مسؤوليها وقادة حرسها الثوري أنه لا رجعة عن خططها النووية.

عبدالله هادي
01-07-2013, 10:56 PM
الصراع السوري وأوهام الحسم العسكري!



حين يغدو المشهد السوري مثقلا بالفتك والدمار، ويصبح السلاح صاحب الكلمة الفصل، تطغى أخبار المعارك، بهزائمها وانتصاراتها، على كل اهتمام، وتغدو حافزا لشحن الصراع وتعزيز لغة العنف، ولا يخفف من وطأة هذا الخيار وآلامه، الادعاء بأن ما يجري هو جهد استباقي من قبل النظام لتحصيل مكانة جديدة تؤهله لفرض اشتراطاته على الرغبة الدولية في حل سياسي، أو كمحاولة اضطرارية من قبل المعارضة المسلحة لتعديل توازنات القوى كي تجبر النظام وحلفاءه على فتح باب المرحلة الانتقالية العتيدة.

هو أمر مؤسف ومقلق، أن يفضي منطق الحرب، إلى انحسار الدور السياسي للمعارضة السورية أمام تقدم المكون العسكري، وقادته لا ينفكون عن تكرار أوهامهم عن حسم عسكري سريع في حال مدوا بالأسلحة أو جرى تحييد الطيران الحربي، أمام نظام لم تفارقه الأوهام ذاتها عن قدرته على سحق الثورة بما يملكه من وسائل القهر، واعتاد مع كل محطة تحقق فيها الآلة القمعية بعض التقدم، أن ينعش هذه الأوهام ويكرر لازمته، بأن الأزمة توشك على الانتهاء وبأن ما تواجهه البلاد سيغدو في وقت قريب من الماضي.

وعليه، يصعب على المرء فهم الطريقة التي تنظر فيها السلطة إلى النتائج، وكيف تخلص إلى أن خيارها الحربي يؤدي الغرض وينجح، وتعجب بعد أكثر من عامين من تجريب مختلف أصناف الأسلحة ومن عجز صريح عن كسر موازين القوى واستعادة السيطرة على أكثر من نصف مساحة البلاد، وبعد الخسائر الجسيمة التي منيت بها، وتراجع القدرة العمومية على إدارة مؤسسات الدولة، تعجب من استمرار الأوهام بإمكانية الحسم ونجاعة منطق كسر العظم، ومن تكرار القول بأن «القصة خلصت»، والإيحاء للآخرين بالانتصار وبعودة الأمور كما كانت، بينما الواضح أن الواقع يسير نحو الأسوأ، ونحو المزيد من التعقيد، والمزيد من احتدام الصراع، واستنزاف ما تبقى من قوة المجتمع وثرواته.

ليس سهلا على العقل إدراج ما حصل ويحصل في البلاد تحت عنوان الانتصار، فليس من معنى لكلمة انتصار في المشهد السوري اليوم إلا إذا جرى اختصاره فيما تخلفه قوة قمعية هائلة من دمار وفتك في المدن والمناطق المتمردة، وإلا إذا فهم بنجاح الممارسات السلطوية الموغلة في العنف والاستفزازات الطائفية في عسكرة الثورة واستجرار ردود فعل من الطبيعة ذاتها، وتاليا محاصرة المبادرات السياسية ووأد مختلف الجهود لإعادة بناء الوجه المدني للثورة، وليس من معنى لكلمة انتصار إلا إذا كان غرضه التعريف بأعداد ما فتئت تتزايد من الضحايا والجرحى والمفقودين ومن المشردين والمهجرين واللاجئين، وربما لتعزيز الروح المعنوية لأنصار النظام باقتراب ساعة الخلاص، وبضرورة بذل كل الجهود من أجلها، وبغير المعاني السابقة يضحك المرء على نفسه إذا نظر إلى الوقائع والحقائق الراهنة واعتبرها انتصارا، ما يشجع على طرح السؤال عن جدوى استمرار هذا العنف والتنكيل المعمم، وهل حقا لم ير النظام نتائج ذلك؟ وأين تفضي هذه الطريق؟!

يعتقد الكثيرون أنه مجرد وهم الرهان على الحسم العسكري وعلى دور المعالجة العنيفة في منح السلطة أو المعارضة فرصة الانتصار، ويعتقدون أيضا أنه من المحال، بعد أكثر من عامين من العجز وانحسار السيطرة، أن ينجح النظام بأي وسيلة، ومهما يكن دعم حلفائه، في تعديل موازين القوى بصورة نوعية، بل يرجحون أن يقود الاستمرار في هذا الخيار إلى حرب أهلية مديدة مع ما قد يرافق ذلك من تكلفة بشرية ومادية باهظة، ثم يخلصون إلى أنه ليس ثمة إمكانية متاحة أمام السلطة بعد ما ارتكبته، وبعد الشروخ العميقة التي حدثت لإعادة بناء الثقة وإدارة مجتمع واقتصاد وسياسة، وتاليا لاستعادة دورها العمومي في قيادة المجتمع.

المسألة التي لم يدركها النظام أو لا يريد إدراكها أن ما يسمى انتصارا على الشعب هو أكبر هزيمة للوطن، وأن كلمة انتصار ليست سوى الوجه الآخر لانكسار المجتمع وتدميره، والقصد أن منطق القوة والغلبة والعنف لم يعد يستطيع إعادة مناخات الرعب والإرهاب للاستئثار بالسلطة والثروة، ولإخضاع المجتمع من جديد، ولحكم شعب منكوب لم يبق عنده ما يخسره سوى حالة القهر والخنوع التي يعيشها.

لن تعود سوريا إلى ما كانت عليه قبل مارس (آذار) 2011. لغة السلاح والعنف لن تمنح المتحاربين أي فرصة للحسم.. سيبقى الصراع مستعرا ومكتظا بالضحايا وكأنه يدور في حلقة جحيم مفرغة طالما لم يتحقق التغيير السياسي وينَل الناس حقوقهم.. هي عبارات يتداولها الجميع كحقائق لا تقبل التأويل، ويبقى السؤال عن الطريق الأجدى كي تختصر دورة الآلام ويصل السوريون إلى مجتمع الحرية والعدالة والمساواة.

_________________________________





المحنة السورية والإرادة الدولية!



يتفق الكثيرون على أن المجتمع الدولي يستطيع إن أراد وبما يملكه من قوة ونفوذ فرض حل يوقف دوامة العنف في سورية، ويتفقون أيضاً على صعوبة حصول موقف عالمي موحد ينعكس بخطة جدية لإخماد هذه البؤرة من التوتر، والقصد أن الوقت لن يتأخر حتى يصل مؤتمر جنيف 2 إلى طريق مسدودة، كاشفاً حقيقة لا تحتمل التأويل في الخصوصية السورية، بأن باب الحلول السياسية مغلق بسبب غياب إرادة أممية حازمة تجبر أطراف الصراع على ترك ميدان الحرب والالتفات نحو المعالجات السلمية، وخاصة النظام، الذي لا يزال يعتقد بإمكانية تحقيق الانتصار، ويخوض معركته كمعركة وجود وإفناء للآخر.

وإذا تجنبنا التحليل التآمري عن تواطؤ خفي أو تقاسم للأدوار بين الأطراف الدولية الفاعلة لتطويع الثورة السورية، فثمة ما يصح اعتباره توافقاً موضوعياً بينها جوهره عدم تعجل حسم الصراع وإدارته بالنقاط لا بالضربة القاضية، من دون اعتبار لما يخلفه من ضحايا ودمار وآلام، وعليه لن تسمح روسيا وإيران بهزيمة النظام، لكن الغرب لن يسمح في المقابل بانتصاره.

خلافات المعارضة السورية وتفككها والتخوف من اليوم التالي لسقوط النظام، وخصوصية الصراع السوري ومخاطر ارتباطه العضوي مع محور نفوذ في المنطقة، ثم الخشية ليس من التنظيمات الجهادية المتطرفة فحسب، بل من كل حركات الإسلام السياسي التي بدأت تظهر سمات ديكتاتورية مقلقة بعد وصولها إلى السلطة، وإذا أضفنا حاجة الغرب لاستثمار الساحة السورية في استنزاف خصومه وإضعافهم، كروسيا وإيران، ولتصفية الحساب مع تنظيم القاعدة وأشقائه من الجماعات التي بدأت تتسلل إلى بلاد الشام لنصرة أهلها، وأضفنا أيضاً حسابات الأمن الاسرائيلي التي تحتل مركز الاهتمام الغربي، والرغبة المضمرة عند البعض بأن تكون الثورة السورية المحطة الأخيرة لقطار الربيع العربي ودرساً بليغاً يلقن للشعوب عن الثمن الفادح الذي يتوجب دفعه لقاء مطالبتها بالتغيير والحرية والكرامة، يمكن أن نقف عند أهم العوامل التي تعيق التوصل إلى وحدة الموقف الأممي من الصراع السوري، وتفسر استمرار سلبية الدول الغربية وتسليمهم بدور مفتاحي لموسكو كشفت عنه سياستهم لأكثر من عامين من عمر الثورة وكرسته قمة الثمانية الكبار في بيانها الختامي، وأكدته التصريحات المتكررة عن عدم وجود نية التدخل العسكري، ونكثها الوعود ولمرات حول دعم المعارضة وحماية المدنيين، وزيف التهديدات الغربية بعقاب رادع في حال تكرار المجازر أو تزايد أعداد اللاجئين أو استخدام السلاح الكيماوي.

واستدراكاً، طالما يطمئن النظام السوري لدعم حلفائه ولعطالة المجتمع الدولي ويتوهم بأن خياره الأمني والعسكري لا يزال مجدياً، فلا قيمة عنده لأية مؤتمرات دولية أو مبادرات سياسية، وهاهو يوظف نتائج معركة القصير في حمص والانخراط المباشر لقوات حزب الله وبعض الميليشيا العراقية من أجل بعث الروح في هذا الخيار بعد أن جرب على أشده ولزمن طويل ولم ينجح في سحق الاحتجاجات أو الحد من قدرة الثورة على التجدد، وهاهو أيضاً يستثمر إلى الحد الأقصى بعض الممارسات العدوانية والطائفية التي تتباهى بها جماعات متطرفة من المعارضة المسلحة كي يزيد من مخاوف الغرب عن تحول البلاد إلى مجتمع طالبان جديد وإلى منصة انطلاق للتنظيمات الجهادية.

لكن مع ما تشهده هجمات ما بعد القصير من صد وانكسار ووضوح عزيمة لا تلين لدى الحراك الثوري وإصرار على الاستمرار مهما تكن التضحيات، ومع تكاثر حالات التهرب من المسؤولية وتخلخل مرتكزات السلطة، ومع وضع اقتصادي مرشح لمزيد من التدهور في ظل انهيار أهم القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية وتدهور قيمة الليرة السورية التي خسرت حتى الآن أكثر من 70 % من قيمتها، وأيضاً مع تزايد الحرج الأخلاقي من التوغل السلطوي المفزع في العنف وما يخلفه من مشاهد للضحايا والدمار وأعداد ما فتئت تتزايد من المشردين والمنكوبين، ومع انكشاف مزاج شعبي ايراني يميل نحو الاعتدال بعد انتخاب روحاني رئيساً، والأهم مع تنامي مخاطر امتداد الصراع الى بلدان الجوار بسبب تداخل المكونات الاثنية والطائفية، وتهديده استقرار المنطقة والأمن الاسرائيلي، يمكن توقع تبدل في الموقف الدولي قد يتمخض أخيراً عن إرادة أممية حازمة لوقف العنف وفرض الحل السياسي فرضاً على الجميع.

والحال لم يشهد التاريخ بؤرة صراع دموي عرفت هذا الاستهتار الدولي المخزي بالأرواح التي تزهق كما الحالة السورية، والأنكى حين يجري ذلك في ظل ثورة الاتصالات ومشاهد مروعة تصل إلى كل بيت وتكشف للجميع محنة إنسانية يعجز اللسان عن عرضها ووصفها، فإلى متى تبقى سورية أسيرة هذا المصير المرعب، وإلى متى يبدو العالم، عرباً وعجماً، غير مكترث، وكأنه بحكوماته وشعوبه يتعيش على أنات الضحايا والمعذبين؟!